Skip to main content

Full text of "بقية الالف الاول 3"

See other formats




للكتب ( كوردى - عربي - قارسي ) 


.1101202 أ انانانالالا 


ع ص أربع أصابع مقعدرة 





علم النفس التجريبي 
في التراك العربئ الإسلامي 


6و0 #1 #1 #1 لييتتيلييييااحت يلل 


علم النفس التجريمي في التراث العربي الإسلامي / تاربخ علوم دراسات 
د. عمر هارون الخليفة / مؤلف من السودان 

الطبعة الأولى » ٠٠٠١١‏ 

حقوق الطبع محفوظة 


المؤسّسة العريّة للدراسات والنشر 

المركز الرئيسي : 

بيروت . ساقية الجنزير » بناية برج الكارلتون » 

ص.ب ١١-8550:‏ ؛ العنوان البرقي : موكيالي . 

هاتفاكي :4528 ١ت75/‏ 09.1ا1.م 

التوزيع في الأردن : 

دار الفارس للنشر والتوزيع 

عمان. ص.ب : /ا8١31‏ .هاتف 5.514575ه . هاتفاكس :5/38.01ه 
7215.200 © 1لةلإلا كلم : اأقمم-ط 

الغلاف والإشراف الفتي : 


يسك سيوسب 3 
الصفف الضوئي : 
مطبعة الجامعة الأردنيّة » عمّان 


لولاعتمك1 3 هذ لعرما , لععنلورمعء عط /إهم عامط خنطا 6ه عدم 810 . لعلارعقك؟ كاطعا [الهظ 
0 612121551011م 2107م انامط انلا 206305 لمق لاط 08 0ر10 /إمة هآ 325101660 01 للأعأكلاة 
. تعطاكتاطنام عط أه مقلم 


جميع الحقوق تحفوظة . لا يسمح بإعادة إصدار هذا الككتاب أو أي جزء منه أو تخزينه في نطاق امتعادة المعلومات أو 


د. عمرهارون الخليفة 





في النراث العربئ الإملامن 


>64» 





الفهرس 


شكر وعرفان 
الفصل الأول : علم النفس والتراث 


المقاربة : النص السيكولوجي والنص القرآني 
الصدمة السيكولوجية والمقاربات 

مالك بدري : جحر الضب الذي دخله علماء النفس 
علماء النفس العرب : هاجس التأصيل والأسلمة 
تجزئة البحث السيكولوجي في التراث 

الزبير بشير طه ومشروع تأصيل علم النفس 

القلق الوجودي : ماذا بين فرويد وأدلر؟ 

التجاوز في البحث عن علم النفس التجريبي 
المصادر والمراجع 


الفصل الثاني : علم التشريح (علم نفس البنية العضوية) 


علم التشريح : القاعدة ال>.لبة لعلم النفس في التراث 
ابن سينا والتشريح في كتاب انقانون 

ابن النفيس والتشريح الإبداعي 

ابن النفيس وتفجير الثورة التشريحية في أوربا 
هلمهولتز والبصريات الفسيولوجية 

ابن الهيثم والبصريات التشريحية 

ملاحظات عن التشريح الوصفي والوظيفي للعين 
بورئج مؤرخ علم النفس غير المنصف 

المصادر والمرا اجع 


الفصل الثالث : علم النفس الفسيولوجي (علم نفس منفعة الأعضاء) 


تاريخ علم النفس الفسيولوجي عند علماء النفس العرب 


53 
35 
5 
56 
54 
م606 
69 
72 
16 


79 


59 
91 


تاريخ علم النفس الفسيولوجي عند علماء النفس في الغرب 954 


ملامح علم النفس الفسيولوجي : الرسالة والشفاء والنجاة 67 
معالم علم النفس الفسيولوجي : كتاب القانون 101 
ملاحظات عامة عن علم النفس الفسيولوجي 105 
علم النفس الفسيولوجي العربي ونهضة العلم الغربي 108 
المصادر والمراجع 111 
الفصل الرابع : علم نفس الحيوان 117 
تاريخ علم نفس الحيوان عند علماء النفس العرب 119 
تاريخ علم نفس ال حيوان عند علماء النفس في الغرب 121 
مصادر علم نفس ال حيوان في التراث 13 
موضوعات علم نفس الحيوان في التراث 26] 
علم نفس البيزرة 131 
التجريب في علم نفس الحيوان 134 
ملامح المنهج العلمي في دراسة سلوك الحيوان 137 
سلوك الاهتداء عند الحمام ما بين الحاحظ وسكنر 140 
أثر علم نفس الحيوان 142 
نيابة علماء التراث عن علماء النفس العرب 146 
المصادر والمراجع 148 
الفصل الخامس : علم نفس الطفل 55] 
تاريخ علم نفس الطفل عند علماء النفس العرب 57] 
تاريخ علم نفس الطفل عند علماء النفس في الغرب 160 
مصادر علم نفس الطفل في التراث 164 
ابن الجزار القيرواني وعلم نفس الطفل 165 
البلدي وعلم نفس الطفل الإكلينيكي 169 
سيكولوجيا صرع الأطفال عند العلماء العرب 172 
علم نفس النمو : المراحل العمرية 175 


جوانب النمو النفسية 1/8 


التدبير والصحة والنفسية 181 
من هم رواد علم نفس الطفل؟ 154 
المصادر والمراجع 156 
الفصل السادس : علم النفس السينوي 153 
التنوع أم الوحدة في مداخل علم النفس السينوي 195 
المدخل الميتافيزيقى 197 
المدخل الذهنى المعرفى 202 
المدخل التجريبى 2 205 
منهج علم النفس السينوي 209 
تأثير علم النفس السينوي الحاسم في تاريخ العلوم 212 
البحث الخلاق فى التراث السيكولوجى 215 
المصادر والمراجع . 1 218 
الفصل السابع : علم النفس المرضي 225 
مصادر علم النفس المرضي في التراث 27 
الرازي وعلم النفس المرضي 231 
الاضطرابات النفسية : داء الدوار والعشق 234 
ابن سينا : الاضطرابات الجنسية والأدوية المجربة 237 
التشخيص النفسى والتشخيص الفارق 239 
الملانخطارى الرن ره اتبيه 243 
تقنيات التدبير النفسى فى التراث 205 
الطلاسم والتمائم بدل علم النفس التجريبي 248 
المصادر والمراجع 250 
الفصل الثامن : البيمارستانات العربية 234 
ا مجانين والمصحات العقلية فى أوربا 261 


البيمارستان : أول المصحات في تاريخ البشرية 262 


البعد السيكولوجى فى بناء البيمارستان 2064 
التدريب الإكلينيكى فى البيمارستان 265 
المعايير الدقيقة فى اخختيار المعالجين 267 
السيكوفارماكولوجيا 268 
مميزات البيمارستانات العربية 271 
المصادر والمراجع 214 
الفصل التاسع : الرياضيات وعلم النفس 29 
تاريخ علم النفس والرياضيات عند علماء النفس العرب 281 
تاريخ علم النفس والرياضيات عند بوريج 264 
علم الحساب في التراث 256 
الجبر والمقابلة فى التراث 2520 
الهندسة في التراث 213 
سيكولوجيا الحساب الذهنى 268 
علم الفلك وا منهج التجريبي 3203 
علم البصريات والمنهج التجريبي 305 
ابن الهيثم وقياس الغلط البصري 308 
ابن سينا وقياس الخطأ البصري 309 
ابن الهيثم وتأثير كشوفه الرياضية 311 
رواد علم النفس في العالم العربي 314 
علماء التراث والإبداع الرياضي 315 
المصادر والمراجع 319 
الفصل العاشر : ابن الهيثم وثورة السيكوفيزيقا 3229 
تاريخ السيكرفيزيقا عند علماء النفس العرب 331 
تاريخ السيكوفيزيقا عند علماء النفس في الغرب 233 
كتاب المناظر لابن الهيثم 336 


نظرية ابن الهيثم في الإبصار والإدراك البصري 339 


منهج ابن الهيثم الاعتباري (التجريبي) 213 
استقبال كتاب المناظر والثورة العلمية فى أوربل 3248 
السيكوفيزيقا الهيثمية 1 351 
من فجر السيكوفيزيقا؟ فخنر أم ابن الهيثم؟ 36 
المصادر والمراجع 2359 
الفصل الحادي عشر : تجارب ابن الهيثم عن الغلط البصري 369 
كيف جاء علم النفس التجريبي للوجود؟ 371 
ابن الهيئم ومفهوم الغلط البصري 313 
اعتبار(تجارب) ابن الهيثم عن الغلط البصري 377 
المعتبرون (العينة) 379 
الإجراءات 330 
نتائج الدراسة 381 
التفسير الهندسى الفيزيائى للغلط البصري 2363 
التفسير السيكولوجى للغلط البصري 3285 
مصداقية وثبات تجارب ابن الهيثم 538 
المجالات التطبيقية لتجارب ابن الهيثم عن الغلط البصري 3589 
تجارب ابن الهيثم وتأثيرها في المنهج العلمي في أوربا 302 
إذن : كيف جاء علم النفس التجريبي للوجود؟ 204 
المصادر والمراجع 47م 


الفصل الثاني عشر : تاريخ علم النفس التجريبي في التراث العربي الإسلامي 411 


الفجوة في تاريخ علم النفس التجريبي 413 
أفرع علم النفس التجريبي في التراث العربي الإسلامي 415 
ملامح علم النفس التجريبي في التراث العربي الإسلامي 422 
ما هى الدروس المتعلمة من البحث السيكولوجى فى التراث 429 
المصادر والمراجع ا 436 


شكر وعرفان 


الشكر موصول لمجموعة من الأساتذة الذين تعلمت منهم علم النفس في مراحل 
مختلفة من حياتي . أخص منم في جامعة الخرطوم بالسودان أستاذي الجليل د . الزبير 
بشير طه الذي تعلمت على يديه مبادئ البحث العلمي من خلال إشرافه على رسالة 
الماجستير التي قدمتها لجامعة الخرطوم كما تعلمت منه لاحقا الاهتمام الكبير بالتراث 
السيكولوجي . والشكر موصول لأستاذي د . شمس الدين زين العابدين الذي أشرف على 
بحث تخرجي في سنة الامتياز الخامسة بالجامعة . والتقدير لأستاذي د . يوسف حسن 
يوسف . وبروفسر ميلرء ود . محمد عبد العظيم الذين تعلمت منهم الكثير من خلال 
تدريسهم لمقررات علم النفس . كما أخص بالتقدير بروفسر مالك بدري الذي كان لكتبه 
الأثر في الاهتمام بالتراث السيكولوجي . والعرفان موصول لبروفسر قاسم بدري الذي بلور 
اهتمامي بموضوع «الثقافة والإبداع» في رسالة الدكتوراه التي قدمتها في بريطانيا من خلال 
بحثه الذي قدمه في مؤتمر جمعية الدراسات السودانية بجامعة درهام 1494١‏ . كما أخص 
بالشكر بروفسر إبراهيم أحمد عمرء وزير التعليم العالي والبحث العلمي السابق » في 
مساندته أثناء البعثة الدراسية والاعتذار له في الوقت نفسه لعدم العودة مباشرة بعد البعثة . 
ولكن سوف نعود بمشروع طموح لتوطين علم النفس في السودان . وهناك مجموعة من 
الأصدقاء والزملاء كانت لهم تأثيرات مختلفة في اهتماماتي بعلم النفس في مراحل 
مختلفة من حياتي أخص منهم ء أولا : د . محمد محجوب هارون الذي تعلمت منه العمل 
لساعات أطول . ود . محمد صلاح خليل , ود . قيصر موسى الزين . والخبير النفسي صلاح 
الجيلي , والفنان عادل الأمير , والأستاذ محمد إبراهيم علي , والأستاذ التاج محمد علي 
الخليفة » والأستاذ أحمد الجعلى » ود . عفاف الأمير , ود . أميمة أحمد إبراهيم » والأستاذة 
نوال محمد خير . وفي بريطانيا . أخص بالشكر د . جورج اردوس » أستاذ علم النفس 
بجامعة نيوكاسل ابن تاين , الذي أشرف على رسالتي للدكتوراه » والعرفان موصول لبروفسر 
ماكس هاملتون الذي كنت ومازلت أتحاور معه عن تطبيقات علم النفس في العالم وأشكره 
خاصة على قراءة جميع مخطوطاتي باللغة الإنجليزية قبل نشرها . كما أخص بالعرفان 
دوروثي ريدلي » الفنية بقسم علم النفس . والتي كان لتشجيعها دور كبير في تكيفي نفسياً 
بالقسم . والأستاذة ريتشل سيلكين . وفي جامعة البحرين » أخص بالشكر بروفسر مصطفى 
حجازي الذي أتحاور معه كثيراً بتخصوص مشكلات علم النفس في العالم العربي وتوطينه . 


13 


ود . حسان مانع » أستاذ البصريات ء إذ كنا نتباحث معاً في قراءة كتاب المناظر لابن الهيثم 
وفي إحياء تجاربه وتجديدها . والشكر موصول للدكتور محمد المطوع , رئيس قسم النفس » 
والدكتور خالد بوقحوص عميد كلية التربية والدكتورة جيهان العمران . والعرفان بالجزيل 
للدكتور محمد بن جاسم الغتم ؛ رئيس جامعة البحرين » في مساندته وتشجيعه للبحث 
العلمي وفي المشاركة في الملتقيات العلمية . ولا يفوتني أن أسجي شكري لمجموعة من 
الزملاء على قراءة هذا الكتاب قبل نشره . والعرفان والتقدير للأستاذ ماهر الكيالى » مدير 
«المؤسسة العربية للدراسات والنشر» العامرة فى اهتمامه الشخصي بنشر مخطوطاتي في علم 
النفس . 


الفصل الأول 


علم النفس والتراث 


المقاربة:النص السيكو لوجي والنص القراني 


نشرت فى السنوات الأخيرة عدة دراسات فى دوريات محلية وعالمية » وقدمت مجموعة 
من أوراق اللؤقرات العامة والمتخصصة + والعديد من رسائل احير والدككوراء الغلمية: 
فضلاً عن نشر مجموعة من الكتب التي تعلقت بموضوع «علم النفس والقرآن» » و«علم 
النفس والإسلام» . و«دعلم النفس في التراث العربي الإسلامي» . وما يهمنا في هذا الجزء 
الأولي من هذه الدراسة هو مجموعة الكتب المؤلفة بالعربية المنشورة مجلا عن علم النفئس 
وعلاقته بالقرآن أو الإسلام . ومن أمثلة الكتب التي عالجت موضوع علم النفس والقرآن » 
مثلاً : من علم النفس القرآني (الشريف . )١11817‏ ء والقرآن وعلم النفس (حمودة . 1986) , 
والنفس الإنسانية في القرآن الكريم (سرسيق . )١198١‏ », ودراسات نفسية وتأملات قرآنية 
(عامر؛ 1587) ؛ ومن خصائص النفس البشرية في القرآن الكريم (عدس » )١1186‏ » والقرآن 
والطبائع النفسية (العماري  )١1957‏ » والقرآن وعلم النفس (نجاتي » /19/1) , ونحات نفسية 
في القرآن الكريم (الهاشمي 1١4٠076‏ ه) ء ودراسات في النفس الإنسانية (قطب » 
.)١987‏ 

ومن أمثلة الكتب التي عالجت موضوع «علم النفس والإسلام» على سبيل المثال : 
مشكل أخصائي النفس المسلمين (بدري . )١1989‏ » والتوجه الإسلامي لعلم النفس (أبو 
حطب ١1548.‏ ه) . والإسلام والعلاج النفسي (عيسوي )1985٠‏ » والعلاج النفسي في 
ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية (معمورء 19947) . ودراسات في علم النفس الإسلامي 
(البستاني » 1988) ء وعلم النفس اللإسلامي العام (خليل ٠.‏ 191817) , وعلم النفس 
الإسلامي (زريق . 1989) » وعلم النفس الاجتماعي بين الإسلام والعلم الحديث (سعيد . 
0١‏ و الإسلام وقضايا علم النفس الحديث (السمالوطي »؛ )١1184‏ » ونحو علم نفس 
إسلامي (الشرقاوي )198١ ٠‏ » وأصول علم النفس العام في ضوء الإسلام (عامرء 1985) ٠‏ 
وعلم النفس المعاصر في ضوء الإسلام (محمد.986١)2‏ وملامح علم النفس الإسلامي 
(محمود , 1987) ؛ وعلم النفس الدعوي (النغيمشي ؛ ١418‏ ه) . 

ويؤكد بعض علماء النفس العرب (بدري ١19894٠‏ ء زيعور. 1987 , الخليفة . /ا199 2 
طه ؛ 1996 ء الهاشمي ٠‏ 1941) أهمية الدين الإسلامي في سلوك الأفراد والجماعات في 
العالم العربي يُقول (يعو رمعل : القرآن كتاب إذو تأثير يومي في حياة الفرد يوجه سلوكه 
وآدابه وفكره وحياته ليكون , إلى حد بعيد جد ؛ الشخصية الفردية ولاوعيها الجماعي ١‏ 


17 


ويقود اللاوعي الفردي في شتى النشاطات الاجتماعية والذاتية . والمفاهيم القرآنية تغطي . 
إذن : الذات في علاقتها مع الأنت ومع النحن ومع الخالد وهي تلف يوم الإنسان , وغده. 
ونظرته للكون . وللظواهر والخلود . إنها ركيزة أولى في الثقافة ٠‏ وفي الحضارة وفي التاريخ وفي 
الواقع الراهن » ورسم المستقبل (زيعورء )١1987‏ . ويلعب الدين الإسلاميٍ 1 سانيا في 
صياغة سلوك الأفراد والجماعات في العالم العربي سواء أكان دنا رسيا أو شعبيا. وشترز 
فى الدين الرسمى الكلمة والسنة فيما يبرز فى الدين الشعبى الشخص والوجدان (بركات » 
١ 000000000‏ 1 

وانعكست أهمية الدين الإسلامى بالنسبة لسلوك الأفراد فى الاهتمامات البحثية 
لبعض علماء النفس العرب ٠.‏ وتنيجة لذلك أصبحت الدراسات السيكولوجية المتعلقة 
بالقرآن » أو بالإسلام . أو بالأمة . أو بالتراث العربي الإسلامي أكثر شيوعاً ؛ وخاصة خلال 
الثمانينات . فكثير من مفاهيم علم النفس في التراث العربي الإسلامي كانت عند البعض 
سابقة وأفضل من مفاهيم علم النفس المعاصر . فمثلاً ؛ قدم فائز الحاج بحثأ بعنوان «نظرية 
الفعل المنعكس الشرطي عند الغزالي» شرح فيه بالتفصيل رأي الغزالي في هذا الموضوع . 
وذهب الباحث إلى أن الغزالى اكتشف الاشتراط قبل بافلوف . ويذكر نجاتى أن ابن سينا 
اكتشف طبيعة عملية الاشتراط قبل الغزالى وبافلوف » وأن الغزالى قد تأثر برأي ابن سينا 
في هذا الموضوع (نجاتي ؛ )14١‏ , وسبق الإسلام في إدراك كثير من المفاهيم والتصورات 
السيكولوجية التى يدعي علماء الغرب ابتكارها (عيسوي ؛ 1994٠‏ ) » فقد سبق الأطباء 
العرب جاكسون في وصف نوبات الصرع (كمال وسرحان ؛ 1989) , وتوصل ابن عربي إلى 
إدراك الغريزة الجنسية وغريزة السيطرة التي وردت في نظرية فرويد عن الغرائز (كما 
وسرحان . )١1148‏ » ودرب العرب الصقور قبل أن يولد اسكنر نفسه (بدري ٠‏ 4/ا9١)‏ . 

بالإضافة لهذه الأسبقيات » فإن علم النفئس في التراث العربي الإسلامي ؛ يتفوق عند 
البعض على علم النفس الحديث أو الغربي . فمثلاً » التحليل النفسي الذي مارسه الغزالي 
عندما أصيب بحالة من الكأبة يعتقد أنه تفوق فيه على التحليل الذي قام به سانت 
أوغستين وفرويد (كمال وسرحان . )١5188‏ » وتفوق مزايا العلاج الإسلامي العلاج الحديث 
(عيسوي ؛ )194٠‏ » كما أن ابن طفيل قد زاد مرحلة خامسة فى النمو العقلى على مراحل 
بياجيه (طه . )١1488‏ . 1 1 

وتظهر بعض المقاربات بين النص السيكولوجي والنص القرآني . مثلاً » بين : «ولا 
أقسم بالنفس اللوامة » . وبين الضمير الخلقي عند فرويد (عيسوي . ٠ )١1144‏ ويعبر التعبير 


18 


القرآني «يخادعون الله . . . وبما كانوا يكذبون» عن وسائل الدفاع عن النفس ؛ و«امذبذبين 
بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء © بأنها تعبير عن الصراع النفسي . لمزيد من هذه العينة 
من الدراسات أنظر : الشناوي وتمراز )١14457(‏ «دليل التأصيل الإسلامي لعلم النفس» 
والذي نشرته «جامعة الإمام محمد بين سعود الإسلامية» بالمملكة العربية السعودية ضمن 
مشروع طموح لرصد «سلسلة التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية» . 

من ناحية تاريخية فقدارتقت بعض المعارف السيكولوجية في التراث العربي 
الإسلامي في الوقت الذي كان فيه التراث الأوربي راكداً » كما ارتقى علم النفس الغربي 
في الحساضر . في الوقت الذي أضحى فيه التراث العلمي العربي الإسلامي ضحلاً. 
ويلاحظ عدم اهتمام علماء النفس العرب بالوديعة المتروكة لهم في خزائن ال مخطوطات وكنوز 
مكتبات التراث العربي الإسلامي . وهناك غياب كامل للمخيال السيكولوجي العربي الذي 
ينظر للمساهمات الإسلامية الأصيلة » ومحاولة قراءتها » وربطها بالواقع الحالي لعلم النفس » 
أو على الأقل كيفية استلهام روح البحث القلقة للرواد . ويغيب في نفس الوقت المخيال 
السيكولوجي بالتأمل في الواقع العربي المعاصر والظواهر النفسية الخاصة بالعلاج النفسي أو 
علم النفس الاجتماعي أو علم النفس الفلكلوري أو علم النفس التربوي ومحاولة تطوير 
تقنياتها . كما يغيب الخيال السيكولوجى كذلك فى وجود حساسية التمييز بين الغث 
والسمين في علم النفس اليورو-أمريكي . لذلك فإن بعض أبحاث التراث النفسي وأبحاث 
التجديد أو التأصيل الإسلامي لهذا التراث-هي حركة مهمة في الاتجاه الصحيح . فإنها على 
الأقل تمنح علماء النفس الثقة بالنفس في محاولة صياغة علم نفس يستجيب للحساسية 
الثقافية للأفراد والجماعات في العالم العربي (الخليفة قيد النشر) . 

وبوسعنا الآن أن نقدم ملاحظات عامة عن المساهمات السابقة من قبل علماء النفس 
العرب وبقية المهتمين بعلم النفس بخصوص مقاربة النص السيكولوجي والنص القرآني . 
وتكمن أهمية الدراسات المتعلقة بهذه المقاربات في اهتمامها بدراسة المصدر الأول للتشريع 
في الإسلام وهو القرآن الكريم . وبذلك تحاول هذه العينة من الدراسات » في جوهرها . إيجاد 
نوع من المقاربة أو التوفيق بين «النص القرآني» و«النص السيكولوجي» . ويلاحظ وجود 
مشكلة في «واو العطف» بين «قرآني» و«سيكولوجي» . وبمعنى آخرء هناك مشكلة الانتقال 

رة منسابة من النص القرآني للنص السيكولوجي » أو بصورة معكوسة من النص 

السيكولوجي للنص القرآني . فليس هناك انسجام أو هارموني بلغة الموسيقى في كيفية 
التعامل مع منهجين أو مصدرين مختلفين . ويصعب عدا أن نجد معرفة متوازية للنصين 


19 


«القرآني» و«السيكولوجي» بنفس القدر . لذلك فإن معظم المحاولات التقريبية أو التوفيقية 
كانت محاولات غير متماثلة . أو مائلة » بلغة الإحصاء . إما لليمين أو لليسار . ويبدو أن ثمة 
تبريرات لهذه العينة من التمايل . 

كتب بعضص هذه المحاوللاات أو الاجتهادات أفراد من خارج دائرة علم النفس بمعناه 
التخصصي . وغالباً ما كانت هذه المحاولات تنتقي النص القرآن ني الذي وردت فيه مفاهيم 
النفس الإنسانية . وغلب على تلك الاجتهادات منهج التأمل وتفسير النصوص وتأويلها . 
وغالباً ما يكون هؤلاء الأفراد على معرفة أكثر بالنص القرآني مقارنة بالنص السيكولوجي . 
والخدير بالذكر أن التعضن كد اسخرض مقازَية التصرهن القرانية (مقازنة جيدة مكل محاولة 
محمد قطب في كتابه «دراسات و في اللعين الإنسائة» أكثر من مقاربة كثير من علماء 
النفس العرب . فلقد حاول أن يزيل نوعاً من التناقض بين النصين من خلال الغوص في 
معاني الآيات القرآنية . 

جرت محاولات أخرى من قبل علماء النفس العرب . وغالباً ما تتم المعالجة في هذه 
الحالة من خلال التعامل مع النص السيكولوجي ومحاولة إيجاد مقاربة له مع النص 
القرآنى » مثل محاولة مقاربة مفاهيم فرويد الثلاثية الشهيرة عن الهو (صوت الغريزة) . والأنا 
(صوت المجتمع) ء والأنا الأعلى (صوت الضمير) بمفاهيم القرآن الكريم عن النفس الأمارة 
بالسوء . والنفس اللوامة » والنفس المطمئنة . على التوالى . وعادة ما تكون هذه المجموعة ذات 
علاقة أقوى بالنص السيكولوجي مقارنة مع النص القرأني . ولكن تبقى بعض هذه 
المحاوللات مجرد تلفيق بين نصين متضادين كالنص الفرويدي الذي ينظر للدين في كتاب 
«مستقبل وهم» بأنه عصاب جماعي عالمي وبين النص القرآني . وهنا بوسعنا التساؤل : ما 
هي جدوى مقاربة النص السيكولوجي بالنص القرآني أو بصورة معكوسة النص القرآني 
بالنص السيكولوجي؟ 


الصدمة السيكولوجية والمقاربات 
يبدو أن هدف المقاربات أو المقارنات بين النص القرآني والنص السيكولوجي من جهة . 
وبين علم النفس في التراث وعلم النفس الغربي من جهة أخرى » هو محاولة ردم الهوة أو 
الفجوة الكبيرة بين علم النفس الذي وجده علماء النفس العرب المعاصرون في التراث 
العربي الإسلامي وبين علم النفس الحديث . ونتيجة لذلك لأ بعض علماء النفس إما إلى 
محاولة إيجاد نوع من التوفيق بين المفهوم القرآني للنفس والمفهوم السيكولوجي الحديث من 


20 


جهة . وأمًا إلى محاولة البحث عن عن جذور إسلامية لمفاهيم علم النفس الغربي في 
التراث العربى الإسلامى من جهة آخرى . ويبدو أن الصدمة السيكولوجية أو الغربة التى 
واجهها علماء النفس العرب هي السبب المركزي في محاولة إقدامهم على هذه المقاربات . 
ومن المفارقات عدم ارتقاء هذه المقاربات لمشروع نظرية سيكولوجية أو منهج سيكولوجي 
يتحول من بعد لأداة تستخدم تطبيقياً »كما تستخدم أدوات علم النفس الحديث . وبوسعنا 
التساؤل جردا عن هدف هذه العينة من المقاربات . وهل السبب نفسي بحت للتعبير عن 
أن لنا معرفة سيكولوجية وذلك لتجاوز حالة الصدمة النفسية أو بلغة أكثر تحديداً الأزمة! 

عبر طه )١1146(‏ بصورة ما عن مصدر هذه الصدمة أو التأزم . إذ يقول إن الاختصاصي 
النفسي من العالم العربي الإسلامي يشعر بالغربة بصورة مضطردة كلما اقترب من القضايا 
النفسية الأكثر تجريدا حتى إذا وصل إلى قمة التجريد .» حيث تسفر الأطروحات 
السيكولوجية المتداولة المقبولة عن الضرورة العلمانية الصريحة التي تقف من الدين موقف 
الند للند شعر هذا الااختصاصي بالأزمة الشديدة بين تكوينه الثقافي وتكوينه المهني 
فيهرب تلقائياً من هذا الميدان التجريدي إلى الميدان المسمى -التجريبي- حيث القضايا أكثر 
عيانية وأقل جدلية ٠‏ فيفرغ غ قدراته الذهنية كلها هود وهبوطاً على درجات السلم السفلي . 
وحتى على درجات سلم التجريد الوسطية حيث يتم إنشاء المدارس النفسية مثل السلوكية 
والتحليلية وغيرها تتم مداخلالات تنفتح مباشرة على المصدر العلماني حيث يكمن مصدر 
التأزم . 

وفي تقديري , هناك صدمة ثانية كذلك في عملية الهروب التلقائي إلى الميدان 
التجريبي في علم النفس . وحسب قول طه تحديداً بأنه «أكثر عيانية وأقل جذلية»). 
فالصدمة تتعلق بعدم وجود مساهمات عربية أصيلة أو مبدعة في هذا الجزء «الصلب» من 
علم النفس مقابل الجزء «الرخو» منه . وفي العالم العربي لم تكن هناك أية روح علمية 
صارمة صلبة لعلم النفس في مخابر الفيزياء والمراصد الفلكية . أو معامل التشريح 
والفسيولوجيا . أو أقفاص الزولوجيا وامختبرات التجريبية كما تأسس علم النفس في ألمانيا 
وبربطانيا وامنريكا : وتوطن مقيلة » في اليابان وإسرائيل . فعلم النفس في العالم العربي 
تأسس في رحاب أقسام الفلسفة وفي معاهد المعلمين سابقاً وكليات التربية لاحقاً (انظر أبو 
حطب .1997 ؛ البسام . 11564 ؛ دياب ؛ 1954 ؛ عاقل , 1956 ؛ مراد . )١1956‏ . فالراحة 
النفسية المؤقتة التي يجدها عالم النفس العربي في هذا الجزء العياني والأقل جدلية كما 
يعبر طه ترتبط بحالة من الصدمة السيكولوجية وربا اليأس كذلك . فالمأزق بأن الجانب 


21 


الرخو من علم النفس يتأزم مع التكوين الثقافي لعالم النفس في حين أن الجانب الصلب لا 
قدرة له على المساهمة في تبنيه وتكييفه وتأسيسه وتطويره وفوق كل ذلك توطينه في التربة 
ليق 

عبر المجددون والمعاصرون أمثال الطهطاوي , وعبده . والأفغاني , والكواكبي » في العالم 
العربي منذ أكثر من قرن عن مقاربة مفاهيم الشورى بالديمقراطية . والخلافة بالجمهورية , 
وأفكار أبى ذر الغفاري بالاشتراكية , والتضامن الاجتماعى بالتكافل الاجتماعى . والعمران 
بالتمدن , والمصلحة بالمنفعة والإجماع بالرأي الديمقراطي , وأهل الرأي بالنواب » والعتق 
بالحرية » والحن بالمكروبات , والشياطين بالبكتيريا . وبعد مضي أكثر من قرن من محاولة 
هؤلاء امجددين لم يستطع بعض علماء النفس العرب مقاربة مفاهيم التراث الإسلامي 
بمفاهيم علم النفس الحديث أو مقاربة النص القرآني بالنص السيكولوجي بصورة منسجمة . 
أو على أقل تقدير مقبولة . والحاولات القليلة فى هذا الاتجاه » كما ذكرنا سابقا » غلب عليها 
التلفيق بدل المقاربة أو التوفيق أو المقارنة .0 

وفقاً للعلواني . إن هذا السعي للمحاولة قد استدرج كشيراً من الباحثين السابقين 
بمحاولات الإصلاح إلى أفكار «المقاربة» ثم «المقارنة» . أما «المقاربة» فقد تمثلت بمحاولاات 
البعض إعادة تأويل وتفسير الموقف الإسلامى من كثير من القضايا التى قذفنا بها الفكر 
الغربي في القرن الماضي وأوائل هذا القرن , لينسجم الموقف الإسلامي مع متطلبات العلمية 
والعقلانية الغربية » فقدمت جل قضايا الغيب سواء الغيب المطلق أو الغيب النسبى بحيث 
لا يشتد اعتراض العقل العلمي «التجريبي» عليها . ولما أفاق العقل المسلم ولو بشكل جزئي 
انتقل إلى مرحلة المقارنة » وذلك حين بدأ المفكرون المسلمون يقومون بعقد مقارنات تجري - 
في الغالب ‏ بين القضايا التي جرت مقاربتها مع الفكر الغربي في المرحلة السابقة . لتجري 
عليها مقارنات هذه المرة تكون نتيجتها تفضيل الموقف الإسلامي على الموقف الغربي 
(العلوانى . 19917) . 

إن النقاش الدائر منذ سنوات حول تأصيل الوافد وتحديث الموروث جعل همه الأول 
التوصل إلى اتفاق أو توفيق ما بين العنصرين . أي بين التراث والغرب فنفي «النحن» أو 
جعلها خفية ألغى الذات ودورها أو عبر عن غيابها . ونتج عن ذلك محاولات لا تحصى 
لإعادة تأويل التراث العربي أو الإسلامي على ضوء العصر ء أي ترجمته ترجمة عصرية 
كشيراً ما تعني الاحتيال عليه . أو تقريب تراث الغرب من الشرق ٠‏ وإظهاره بمظهر التراث 
العالمي المشترك . وعيب هذه الحاولات النظرية بأكملها أنها تعتقد أنه جرد أن حصل التقارب 


22 


في عقل هذا الباحث أو ذاك بين مفاهيم الإسلام ومفاهيم العصر أو العلمانية فلا بد أن 
يزول التناقض الفعلي والواقعي بين مطلب الذاتية ومطلب الحضارة » وبذلك يمكن للنهضة 
التي لم تتحقق بالفعل أن تتحقق بالذهن (غليون » .)199٠‏ 

صحيح جد أن رواد التجديد القدامى وامحدثين حاولوا عملية اريت والمقارنة » ولكن 
يبدو أن بعض علماء النفس العرب هم في مرحلة ما قبل التقريب . فبعض المؤلفات التي 
يطلق عليها علماء النفس العرب «تأصيل» أو «اكتشاف» أو «أسلمة» رما تعتبر غير ذات 
جدوى كبيرة في علم النفس أو كما يعبر حجازي , تجعل الناس يفهمون أنفسهم والآخرين 
والواقع فهماً خاطتاً مشوهاً . ويتخذون منها مواقف سلمية ويتصرفون معها بطرق عاجزة 
(حجازي » 1980) . ويتميز هذا الاتجاه التلفيقي . حسب قول النصر (1997) ؛ بعدم 
الأصالة من حيث عدم التزام رموزه بمجمل الطرح الإسلامي وهو ما غيب لديهم الاتساق 
الفكري نظراً لأنهم قد تحولوا في فترة زمنية قصيرة من اتجاهات ومدارس فكرية متناقضة تاماً 

مع التوجه الإسلامي . وكما يعبر حجازي (1185) » فإن معظم ما يكتب في هذا الاتجاه 
ل رع ل لطر اط سل ار سواه 
في بعض الأحيان من الانتهازية وتقلق مشاعر الجماهير» بل والمشاركة الواعية في تزييف 
الوعي.. 

وعموعا يلاحظ غلبة الاتجاه التلفيقي في الكتب والدراسات وأوراق المؤتمرات وحتى 
الرسائل الجامعية في علم النفس «مما يوهم الكاتب أنه توصل إلى نظرية أو منهج جديد 
بينما يبقى العمل تجميعا لمتناقضات» (علىي , 19817) . والذين ينغلقون على مفاهيم التراث 
التي برزت وتطورت وانحطت بعد العصر الذهبي للحضارة العربية الإسلامية من غير تجديد 
لها هو نوع من الجمود أو التشبت بلغة علم النفس . وعلى أية حال » فإن امخرج لإحيائها وأخذ 
الدروس منها لا يكون بالكيفية التى عالجها بها بعض علماء النفس العرب (الخليفة » قيد 
النشر) . ولاتساع الهوة بين الماضي والحاضر قد يكون المخرج بالنسبة لبعض علماء النفس 
العرب العودة والنقل من التراث أو استمرارية الاستيراد والنقل من الغرب . أو كما يقول 
راشد )١19486(‏ التوفيق ‏ أو بالأحرى التلفيق ‏ بين هذا التراث وما تيسر اقتناصه من 
فلسفات وآيديولوجيات أوربية وأمريكية ومناهجها لترقيع الثوب القديم برقع حديثة » أو تقوم 
ما استعير من الفكر الأوربي في وعاء قديم لدى فئة ثانية . إن الحل الذي عملت 0 
على صوغه . كما يذكر تيزيني (19417) » اكتسب وشمه الأساسي حلاً «تلفيقوياً» . 
ل ل ا ل ا 


23 


مطلق . وهي » من ثم , ذهنية تقوم على معارضة المتناقضات بالإبقاء على «البنية الداخلية» 
لكل منهما بمنأى عن عملية التعارض والتقابل تلك . إن هذه العملية تمائل عملية الجمع بين 
الزيت والماء » ذلك لأن الناتج عن ذلك ليس هو صيغة جْديَدة نوها بدن مااخر الديت والماء 
حينما يكونان متقابلين متجاورين . 

ويواجه علماء النفس العرب الآن أسئلة جديدة غير تلك التى واجهها أسلافنا . فعلى 
سبيل المثال تطورت بنية الجتمع العربي الداخلية بظهور إرهاصات امجتمع الصناعي ذي البنية 
الطبقية المتميزة » وتطورت علاقته بالخارج بظهور علاقة التبعية الإمبريالية (حجازي , 
 )6‏ .لذلك فإن الذين ينادون فقط بالعودة إلى «التراث» أو ما يسمى «الأصالة» وإلى 
«النموذج الماضي» » على افتراض وجود نموذج ماض واحد مجدد. وأن ندير الظهر 
٠ 000‏ لا يفرقون كثيراً بين «الشكل» أو «المنهج» وبين «المضمون» أو «الموضوع» . وإن 

ضيع اليوم هي ليست كلها أو معظمها «مواضيع الأمس» . كما أن هناك من المواضيع 

ا ة في حياتنا المعاصرة مما قد لا تتوفر «الأشكال» المناسية أو اللازمة لمعالجتها فى 
«النموذج الماضي» 5 وبالتالي فالنموذج الماضي بشكله ومضمونه » ما عاد يستجيب م 
ككل . لمتطلبات الحياة العربية المعاصرة » ناهيك عن المستقبل (حسيب » /ا198١)‏ . 

وطبقاً لهذا الفهم فإن مفاهيم ونظريات ومناهج وأدوات علم النفس في التراث العربي 
الإسلامي كما عند ابن سينا في كتاب القانون » أو ابن الهيثم في كتاب المناظرء أو الرازي 
فى كان ما القارقاء أو البلحي فى كتان 'نصالح الأنقين والأبدان .أو بن الجزار في كتاب 
زاد المسافر وقوت الحاضر أو البلدي فى تدبير الحبالى والصبيان » يصعب استخدامها الآن 
في امجالات التطبيقية لعلم النفس التربوية والعلاجية والمهنية والعسكرية في مشارف القرن 
ارد والعشرين . ويرجع السبب في ذلك إلى أن الأسئلة التى طرحها بعض هؤلاء العلماء 

فى القرن الحادي عشر الميلادي مثلاً ؛ تختلف عن الأسئلة المطروحة الآن . وأن كثيراً من 
الى ضوفات التي تناولوها سابقاً ليست من الاهتمام الحاضر بالنسبة لعلماء النفس . وبقي 
الكثير مما قالوه الآن في متحف علم النفس . ولكن مع ذلك هناك عبرة في أهمية البحث في 
التراث السيكولوجى وسوف نذكر ذلك فى الفصل الأخير من هذا الكتاب . 

ويقول الجابري (1447) إن الجانب الإشكالي في وضع التراث العربي الإسلامي , 
بالنسبة للفكر العربي الحديث يتمثل في الهوة التي نشعر بها حين نستحضره كجزء من 
الذات العربية » وكجزء مقوم وأساسي . الهوة التي تفصله وتفصلنا عن روح العصر الحخاضر . 
عن قيمه الجديدة ‏ وأسس تقدمه وتجدده . ونحن نشعر أن هناك هوة تفصل بين ماضينا 


24 


كتراث وبين حاضرنا كمشروع لمستقبلنا » فكيف يمكن الحديث عن مستقبل للتراث أو 
بالنسبة للتراث » والحال أن هناك هوة تفصله عن حاضرنا ومشروع مستقبلنا . ولقد أصبح 
واضحاً للجميع ‏ كما يعبر غليون ( )ءأن مشكلة العرب والمسلمين تكمن في ذلك 
التوتر الحاد والهائج بين تراث ماضوي عريق ثم حاضر متعب متخلف من جهة . وبين حداثة 
كاسحة وقوية ولدت ونمت وترعرعت على الضفة الأخرى من المتوسط من جهة احرف 
والمشكلة أن الحداثة الجديدة ولدت في أرض أخرىٍ لاا تمت إلى «دار الإسلام» بصلة »أي 
في أرض المستعمرين السابقين الذين ينتمون تاريخياً إلى ديانة أخرى وتراث آخر (اركون » 
). فعلم النفس الحديث : نشأ وتطور وأبدع في لايبزج ولندن وباريس وستانفورد » فهذه 
المراكز السيكولوجية ليس لها صلة مباشرة بمراكز تراث علم النفس في بغداد أو دمشق أو 
قرطبة أو القاهرة أو القيروان . 

وتشكل علم النفس المعاصر بصورة متكاملة وتطبيقية في البلدان الغربية ؛ وعلى 
الخصوص في الولايات المتحدة الأمريكية . وهذه العلوم التي أظهرت تناقضاً كبيرا بينها وبين 
الكنيسة . لذلك أريد لها أن تنمو في نفس الاتجاه الذي مت به العلوم الفيزيائية وذلك عن 
طريق التطبيق والتجريب (مزيان » 1197) . ولقد فرض العلم تحليله للعناصر الطبيعية القابلة 
للملاحظة التي تتمثل في سلوك الإنسان . وبإصراره على تفسير السلوك الإنساني . فإنه قدم 
إلينا نظريات غير مقنعة وتفسيرات مشوهة . ومن أجل أن يتسم ذلك التحليل بالصفة 
العلمية . فإن العالم الاجتماعي قد خفض العنصر الأخلاقي والروحي للحقيقة الاجتماعية 
إلى تأثيره وأصله المادي . وإن المنهجية التى وضعها لا تزال إلى يومنا هذا خالية من الأدوات 
التي نستطيع بمقتضاها التعرف على الناحية الروحية والتعامل معها (الفاروقي : 1908) . 
ويؤكد بدري (19174) إخفاق نظريات علم النفس في الاستجابة لمتطلبات الإنسان المعاصر . 
ويرجع هذا الإخفاق إلى أخطاء أساسية في مناهج علم النفس ومدارسه . ولقد عالجت هذه 
المدارس الإنسان كحيوان مادي . إن إزاحة علم النفس من الجانب الروحي يحرم الإنسان من 
حاجة اضرورية ة للحياة . وهناك جانب ديني وروحي للحياة ومن غيره يصبح وجود الإنسانٍ 
لضا فارغا وعفيا: 


مالك بدري: جحر الضب الذي دخله علماء النفس 
يعتبر مالك بدري رائداً لحركة تأصيل ء أو بلغة أخرى » أسلمة علم النفس . ومن 
مؤلفاته الممتازة باللغة الإنجليزية «الإسلام وعلم النفس التحليلي» » و«الإسلام وإدمان 


25 


الكحول» . ولكن يبدو أن أهم مؤلفاته ترجع إلى سلسلة المقالات الرائعة التى نشرها في 
«مجلة المسلم المعاصر» عام 191/8 بعنوان «علماء النفس المسلمون في جحر الضب» . ويأتي 
العنوان الغريب لهذه المقالة » حسب قول بدري )١1917/8(‏ » من الحديث النبوي الشهير الذي 
تنبأ فيه محمد ( يغ ) أنه سوف يأتي يوم يقوم فيه المسلمون بالتقليد الأعمى لأساليب 
المسيحيين واليهود وصفاتها غير الإسلامية وقد صور ذلك جيداً في قوله ( يلف ) : «حتى لو 
دخلوا جحر ضب لتبعتموهم» أو كما قال. ولقد تم توسيع وتنقيح هذه المقالاات بواسطة 
بدري ونشرت في كتاب ١‏ "5اذلقه1مطعلادم ممتاوت8 ؛ه وسمدعاذل ع1 عام 191/8 » وبعد 
عشر سنوات من تأليف الكتاب ترجم للعربية بواسطة منى أبوقرجة )١1989(‏ يعنوان 
«مشكل أخصائي النفس المسلمين» . ولقد أصبح كتاب بدري الآن «كلاسيكيا» بالنسبة 
للمهتمين بحركة تأصيل أو أسلمة علم النفس . وحذر بدري في كتابه كل من دخل في 
جحر الضب من أخصائيي النفس المسلمين ألا يظلوا قابعين فى جحورهم . والأطروحة 
الرئيسية في كتاب بدري هي غياب الجانب الروحي في علم النفس الغربي ومحاولة بلورة 
وتطوير مفهوم ملائم لعلم نفس إسلامي . 

عالج بدري في كتابه عدة أفرع مختلفة لعلم النفس التي دخلها علماء النفس 
المسلمون بعناوين مدهشة مثل «عالم النفس المسلم كسلوكي» ٠‏ «عالم نفس الطفل المسلم 
في جحر الضب» » «عالم النفس المسلم التربوي الذي يردد صوت سيده» كما تناول 
نظريات وأفرعاً أخرى مثل القياس النفسي ء والتحليل النفسي . ولقد تساءل بدري ماذا 
نعمل كعلماء نفس مسلمين تجاه علم النفس الغربي . ولم يكتف بدري بنقد أفرع علم 
النفس انختلفة فحسب . وإنما قدم إسهاما جديرا بالبحث في العلاج النفسي من واقع تجربته 
كإكلينيكي . وذلك في الفصل في كتابه المعنون ب : «علم النفس في خدمة الإسلام» . 
وفضلاً عن ذلك عالج الكيفية التي يمكن بواسطتها أن تخدم بعض موضوعات علم النفس 
الإسلام مثل العسلاج النفسي والقياس النفسي وعلم النفس التربوي وعلم النفس 
الاجتماعى والشخصية . 

ولم يكتف بدري (1989) بدخول علماء النفس المسلمين «جحر الضب» فحسب. إنما 
قدم تصنيفاً ذكياً للمراحل التى يمر بها علماء النفس في محاولات المقاربة أو التوفيق أو 
التلفيق . ولقد قسم مراحل علم النفس بالنسبة لأخصائي النفس المسلمين إلى ثلاث هي : 
الافتنان والوفاق والإعتاق . وبالنسبة للمرحلة الثانية المتعلقة بالوفاق يسعى علماء النفس 
فيها لسد فجوة التنافر المعرفي . وذلك بإيجاد حل وسط مصطنع يقرب بين الإسلام ونظريات 


26 


علم النفس الحديث . ويذكر هؤلاء العلماء فى سعادة أن ليس هناك أي تناقض خطير بين 
الإسلام ونظرية يونغ » أو أن القرآن يدعم النظرية الفرويدية المتعلقة بتقسيم الشخصية إلى 
ثلاثة مكونات »هي «الهو» و«الأنا» ودالأنا العليا» . وللبرهان على هدفهم ربما يقتبسون 
الآيات القرآنية التى تتحدث عن «النفس الأمارة بالسوء» و«النفس اللوامة» و«النفس 
المطمئنة» . وفي 00 الأحيان ربما يحرفون معاني الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ؛ أو 
على الأقل فإنهم يسعون إلى إيجاد معنى يعيد التصور من أجل أن يخففوا من وطأة 
إحباطهم وتنافرهم المعرفي . فيا ترى ما هو الموقف من أمثال هؤلاء العلماء؟ يحذر بدري من 
الهجوم على هؤلاء العلماء لأنهم فى منتصف الطريق .. .نصفهم داخل جحر الضب 
ونصفهم الآخر خارجه , بل ويجب تشجيعهم ليشعروا بالاطمئنان أكثر إذا ما خرجوا من 
الجحر . 

ويدهش الإنسان حين يجد بعض علماء النفس الذين قرؤوا فرويد بدقة وحفظوا بعض 
أقواله المترجمة ولكنهم مع ذلك لا يشعرون بأي صراع أو ذنب باعتبارهم مسلمين أتقياء . 
وهؤلاء العلماء جعلوا حياتهم العاطفية والعقلية في اتجاهين منفصلين ء أو أنهم نجحوا في 
خلق فط من الشخصيات المزدوجة غير الباثولوجية من الناحية الظاهرية (بدري ٠‏ 19908) . 
وربما يرجع السبب في ازدواج شخصيتهم إلى عدم تحديد موقف سيكولوجي أو فلسفي 
واضح . وقسم أبو حطب , موقف مشقفي الوطن العربي إلى موقفين متضادين من التراث : 
رفض التراث لعدم مواءمته حاجات العصر ء أو قبول التراث دون تمييز » ففيه كل الإجابات 
على تساؤلات العصرء وقد ظهر هذان الاتجاهان في علم النفس كما ظهرا في غيره من 
العلوم الإنسانية والاجتماعية . إن خطر أصحاب الاتجاه الثاني الذين يميلون إلى تقديس 
تراث العلماء العرب والمسلمين ليس أقل خطراً من أصحاب الاتجاه الأول . إنهم يعتبرون أن 
كل ما صدر من ترا ث العلماء السابقين من حضارتنا أفضل وأسبق من أي إنجاز سيكولوجي 
حديث . فهم يرون أن ابن الجوزي مثلا ‏ في كتابه الأذكياء ‏ أفضل وأسبق ‏ عند 
أصحاب هذا الاتجاه ‏ من جميع علماء النفس المعاصرين الذين اهتموا بقياس الذكاء 
والقدرات العقلية (أبو حطب . 1497) . وإن بعضى الذين يقدسون التراث ربما يصفون علم 
النفس بأنه كافر . 

وفقاً لرواية بدري قال معلم تربوي عربي ذات يوم بعد محاضرة عامة ألقاها الأستاذ 
محمد قطب » إننا كمسلمين . لسنا في حاجة إلى علم النفس الحديث . وإن ذلك الموضوع . 
بجميع فروعه . يعد كمجموعة من النظريات والممارسات التي تعتبر نتاج المدنية الغربية 


27 


الأجنبية «الكافرة» وقد حث بقوة على إلغائه من مناهج دراسة تدريب المعلمين في 
السعودية إلى أن يحين الوقت عندما يضع العلماء المسلمون كتباً جديدة في علم النفس 
قائمة على أساس المذهب الإسلامي (بدري . 19178) . صحيح إن بعض المتسرعين أو 
المتشددين ربما ينظرون لعلم النفس الحديث أو الغربي بأنه كافر أو فاجر أو فاسق . وقد يكون 
«للمكفراتية» الحق إذا قالوا إن القسم الرابع والأربعين (رقم 44) في الرابطة النفسية 
الأمريكية الخاص بالشواذ جنسياً هم كفار. لأنهم غيروا مفهوم اللواط والسحاق بمفهوم 
التفضيل الجنسي . أو أن فرويد في «مستقبل وهم» هو كافرء لأنه ذكر بأن الدين عبارة عن 
«عصاب جماعي» ؛ أو أن علماء النفئس في قسم «علم النفس العسكري» الذين يزيدون من 
فعالية الحروب وإبادة الشعوب المسلمة هم كفار . أو أن علماء النفس كاملو الدوام بامخابرات 
المركزية الأمريكية والموساد والذين يخططون ويبرمجون لعمليات الإرهاب في العالم العربي 
هم كفار. 
ولكن السؤال هو كيف يكون علم النفس الفسيولوجي كافراً وعلم النفس النيورولوجي 
فاجرا وعلم نفس الحيوان فاسقاً ؟ فإذا كان ذلك صحيحاً فسيصدق القول على ابن سينا في 
فسلجة الدماغ » وابن ن الهيئم في السيكوفيزيقا » والبلدي في علم نفس الطفل ؛ والبلخي في 
الإرشاد النفسي . فمعكوس «أسلمة» هو «كفرنة» »2 وتبعا لذلك نجدد التساؤل بالنسبة 
«للمكفراتية» » كيف يمكن «أسلمة» علم النفس الفسيولوجي أو علم النفس النيورولوجي أو 
علم النفس التجريبي أو علم النفس المقارن أو علم النفس الرياضي أو علم نفس الطيران أو 
تحليل التباين أو العلاقات الارتباطية ؟ وهناك مشكلة بالنسبة لغلاة التراث أو المتشددين 
وغلاة المعاصرة أو الحداثيين . فالمشكلة هى عملية النقل سواء أكان نقلاً من الماضى أو نقلاً 
من الفين: ومهما كن فهها توعانين الحسية التيسة الأولى زمانية والفائية مكائية., 
فيا ترى هل من هواجس لحل هذه التبعية؟ 
علماء النفس العرب:هاجس التأصيل والأسلمة 
نشرت بعض الكتب والأوراق العلمية في الدوريات المحلية وأوراق المؤتمرات » بصورة 
محددة ؛ عن موضوع «تأصيل» علم النفس . وهذه امحاولات ٠‏ بالطبع » ليست الوحيدة » 
مثلاً : «منهج التأصيل الإسلامي لعلم النفس» (نجاتي ٠‏ ١٠14١هاء‏ ١41١ه)‏ ؛ «مشروعية 
التأصيل لعلم النفس» (5408١ه)‏ ؛ «دراسات في التأصيل الإسلامي لعلم النفس» 


28 


(الصنيع ١541١‏ ه) , «علم النفس بين الأصالة والتبعية» (خطيب )١1988 ٠‏ . كما نشرت 
بعض الدراسات المحددة عن «أسلمة» علم النفس . مع العلم ‏ كما ذكرنا ‏ بأن معكوس 
«أسلمة» هو «كفرنة» علم النفس . ومن أمثلتها : «أسلمة العلوم السلوكية» (عطيهء 
© :نحو أسلمة علم النفس» (عيسى . )١186‏ ؛ وأشارت بعض الدراسات للأسلمة 
بصور أو تعبيرات أخرى مثل : «علم النفس الحديث من منظور إسلامي» (بدري » ١ )١1941‏ 
«علم النفس بين منهج العلم وموقف القرآن» (إسماعيل )197/8٠‏ » «علم النفس في التصور 
الإسلامي» (الهاشمي /1911) ء «علم النفس والإسلام» (أبو حطب ‏ 19947, *199) 2 
«أصول السيكولوجيا والفكر الثقافي في الإسلام» (طه ٠‏ 1985) . 

عالجت بعض الدراسات موضوع «التأصيل» أو «الأسلمة» لجزء أو فرع محدد من علم 
النفس وبالذات الأهداف «التأصيلية» و«الأسلماتية» » مثلا : «نحو منظور إسلامى للإرشاد 
النفسي» (الشناوي » 1485) : «أسلوب قرآني للعلاج السلوكي المعرفي» (طه » 1589) » 
«العلاج النفسي في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية» (معمورء 194) ؛ «المنهج الإسلامي 
في الصحة النفسية» (أبو العزائم » 1488) » «التحليل النفسي في القصص القرآني» 
(الشرقاوي )١1989 ٠‏ ؛ «الجنس والصحة النفسية في نظر الإسلام» (الشال» ١/ا9١) ١‏ 
«تعريفات الصحة النفسية في الإسلام وعلم النفس» (مرسي . )١1988‏ ؛ «التوجيه 
والإرشاد : فلسفته وأخلاقياته فى المجتمعات الإسلامية» (مرسى والرشيدي » )١1984‏ ., 
«التذكر والنسيان فى القرآن» (نجاتى » 158) . ْ 

وتباينت مستويات الدراسات والكتب المذكورة أعلاه حول هاجس تأصيل علم النفس 
وأسلمته في عمقها وسطحيتها . من حيث دقة التحليل والتشريح » وفي بعدها وقربها من 
المشكلات والمعضلات المتعلقة بتوطين علم النفس في العالم العربي » وفي محاولة بناء 
علاقات متعسفة وإقحامية بين الموضوعات المتناولة ومحاولات المقاربة أو التوفيق أو التلفيق 
ما بين الموقف اللاديني والموقف الديني , وبلغة أكثر تحديداً ما بين النص السيكولوجي 
والنص القرآني كما ذكرنا سابقاً . وربما تعبر بعض المحاولات التأصيلية عن نوايا صادقة في 
محاولة الحدروج من مأزق المسافة أو الهوة الفاصلة بين علم النفس الهائل الذي أنتج في 
الغرب , والذي لا يمت للعالم العربي بصلة ‏ وبين مفاهيم الأفراد وقيمهم ومعاييرهم في 
العالم العربي . وبوسعنا التساؤل لماذا كانت معظم هذه الحاولات التأصيلية في الثمانينات ؟ 
ولم تكن عميقة قبل ذلك ؟ كمالم تكن تستمر في التسعينات باستثناء دراسة طه 
(1446) التى سوف تكون محور حديثنا في الجزء اللاحق من الحاولة البحقية . وهناك 


29 


دراسات رائدة جديرة بالاهتمامٍ خاصة تلك التي قام بها شيخ شيوخ تأصيل 0 النفس 
مالك بدري من السودان ٠فضلاً‏ عن دراسات نجاتي والهاشمي والحاج ومرسي وأبو حطب 
وربما يكون من المناسب . وبصورة أكثر راحة نفسية , في الجزء اللاحق من الدراسة كبرت 
عن مأزق علماء النفس العرب وليس مأزق علم النفس . 

تميزت السنوات الأخيرة بتوجه أصيل بين المفكرين العرب نحو الغوص في الذات وفي 
التراث وفي الأسس والمفاهيم الفكرية والثقافية التي تشكل الوعي العربي المعاصر , والطرق 
السائدة في التعامل مع معطيات العصر وما فيه من حركة وتيارات (حيدرء )١19915‏ . ويعبر هذا 
التوجه عن نفسه بما يسمى التأصيل », والأسلمة للمعارف والعلوم . ولقد صئف النصر )١9497(‏ 
اتجاهات أسلمة العلوم الإنسانية والاجتماعية إلى اتجاه «تلفيقي دخيل» واتجاه «تجديدي 
أصيل» . وسبق الحديث عن الاتجاه التلفيقى الدخيل .أما الاتجاه التجديدي الأصيل فإنه 
الاتمباه الذي يعبر عن حركات الصحرة الإسلامية المعاصرة داخل حقل العلوم الإنسانية 
والاجتماعية ولعن ظهر متأخراً فإنه قد أظهر من . الجدية ما جعله ينال إعجاب واحترام بقية 
المشتغلين بهذه العلوم داخل الوطن العربي (النصرء 19947) . وانعكس اهتمام الاتجاه 
التجديدي الأصيل فى نشر سلسلة من المجلات والمقالات والكتب وأوراق المؤقرات . 

في سنة ©1941 تمكن جمال الدين عطية من إصدار مجلة المسلم المعاصر في الكويت 
كمجلة فصلية فكرية تعالج شؤون الحياة المعاصرة في ضوء الشريعة الإسلامية . وعلى 
صفحات هذه المجلة نشرت مختلف المحاولات الفردية في أسلمة العلوم الإنسانية 
والاجتماعية التي من أبرزها محاولات جمال الدين عطية في الاقتصاد . ومحمد المبارك في 
علم الاجتماع , ومالك بدري في علم النفس (التصرء 1488) . 1 

وتعني الأسلمة إعادة صياغة تراث المعرفة الإنسانية برمته وفقاً لوجهة النظر 
الإسلامية . فالرؤية الإسلامية لا يمكن أن تكون رؤية إلا إذا كانت رؤية لشىء معين » 
وبالتحديد رؤية للحياة والواقع والكون . وذلك امحتوى هو هدف الدراسة مختلف فروع المعرفة » 
وإعادة صياغة المعرفة على أسس علاقة الإسلام بها تعني إسلاميتها . ومن أجل تحقيق هذه 
الغاية يجب أن تأخذ التصنيفات المنهجية- الإطار النظري - للإسلام مكان التصنيفات 
الغربية وتحدد تصور الحقيقة وتنظيمها . ويجب أن تحل القيم الإسلامية مكان القيم الغربية 
وتفتح وتطور ملكات الإنسان العقلية , وإعادة صياغة الحياة بحيث تتجسد فيها السنن 
الإلهية وقيم الإسلام في بناء الثقافة والحضارة والمصالح الإنسانية وفى المعرفة والحكمة 
والبطولة والفضيلة والتقوى والورع (المعهد العالمي للفكر الإسلامي ).إن صلوك 


30 


ودوافع الإنسان هي أعقد من العالم المادي , ونتيجة لذلك فإن مناهج العلوم الطبيعية قاصرة 
في إدراك الجوانب الروحية المعقدة للأفراد ولأن العلوم الاجتماعية هي علوم غربية الأصل 
والتطور والأهداف فلابد أن «تؤسلم» لكي تكون مناسبة للمجتمع الإسلامي . 
ففى الولايات المتحدة الأمريكية وتحت إطار اتحاد الطلبة المسلمين بالولايات المتحدة 

وكندا 3 بعث جمعية ة العلماء الاجتماعيين المسلمين برئاسة إسماعيل الفاروقى وقد بادرت 
الجمعية إلى إصدار امجلة الأمريكية للعلوم الاجتماعية الإسلامية مبلورة من خلال مشروعها 
المعرفي (النصرء )١11947”‏ . وحدد الفاروقي )١191/4(‏ خمس خصائص لإضفاء الصفة 
الإسلامية على العلوم الاجتماعية وهي (أ) لازم وحتمي لجميع الدراسات ؛ سواء كانت 
تتصل بالفرد أو الجماعة » وبالإنسان أو الطبيعة » وبالدين أو العلم »أن تعيد تنظيم نفسها 
تحت لواء مبدأ التوحيد . (ب) يجب أن تقر العلوم التى تدرس الإنسان وعلاقاته مع البشر 
أن الإنسان يَحْيا فى ملكوت يحكمه الله فى كل من الناحيتين الغيبية والقيمية (ج) لا 
يجب إهدار مكانة العلوم المخاصة بالأمة بواسطة العلوم الطبيعية 2 فكلها يحوز على نفس 
المرتبة فى الخطة الخاصة بالمعرفة الإنسانية . (د) إنه ليس ثمة إدراك نظري لأية حقيقة بدون 
إدراك طبيعتها وعلاقاتها القيمية . (ه) إن إضفاء الصفة الإسلامية » على 5 
الاجتماعية يجب أن يعمل على إظهار علاقة الحقيقة موضع الدراسة مع ذلك الوجه أو تلك 
الناحية من النمط الإلهي المتصل بها . وطبقاً لرأي الفاروقى » فإن العالم الاجتماعي المسلم 
يكون قادراً على تقديم أسلوب انتقادي جديد في العلوم الاجتماعية . 

يبدو أننا في أي مشروع لأسملة أو تأصيل علم النفس كما عند البعض أو توطين أو 
تبيئة علم النفس عند البعض الآخر» سواء أكان توطيناً أو تبيئة من الداخل مثلاً ببعث 
التراث السيكولوجي وإحيائه أو تجديده 3 توطيناً ل من الخارج بتبني واستزراع وتكييف 
علم النفس المستورد نحتاج لقراءة أكثر جدية بالنسبة للنص القرآنى من حيث التفسير 
والتأويل أكثر من مجرد الاهتمام بجماليات وصف النفس والروح والقلب والفؤاد في القرآن 
الكريم .كما نحتاج في الوقت نفسه لتشريح دقيق بمجهر حساس للنص السيكولوجي 
الحدذيث من حيث المفاهيم والنظريات والمناهج والتقنيات . فضلاً عن ذلك نحتاج لحفريات 
ايكولوجية عميقة وبأدوات معاصرة للنص السيكولوجي في التراث العربي الإسلامي 
أو الفلكلوري المعاصر المستخدم أو المطبق بالنسبة لقطاعاتن شعبية واسعة في العالم العربي 
أكثر من مجرد سيكوغرافيا . 


31 


تجزئة البحث السيكولو جى فى التراث 


قام بعض المهتمين بالتراث العربي الإسلامي بعملية مراجعة له , بغية إحيائه أو 
تجديده أو تحديد موقف منه . وارتبطت هذه العملية بالدافع للبعث أو النهضة العربية » وتمثل 
ذلك في بعض المشاريع الكبيرة لا التجزيثئية 2 يئية لدراسة «الأصالة والمعاصرة» 2 و«القدامة 
ا 2 و«العقل والنقل» 2 و«الاتباع والإبداع» 2 و«الثابت والمتحول» وذلك من أجل 

تعيير تغيير الوضع السكوني الحالي ف في العالم العربي . ومن بين هذه المشاريع الكبيرة 5 في دراسة 

التراث : مشروع حسن حنفي (1980) التراث والتجديد , وأعمال الجابري )198٠0(‏ نحن 
والتراث : قراءة معاصرة في تراثنا الفلسفي ومحمد عمارة (ؤ/اة١)‏ نظرة جدية في 
التراث , والطيب تيزيني (19174) مشروع رؤية جديدة للفكر العربي منذ بدايته حتى المرحلة 
المعاصرة ؛ وحسين مروة )١1941(‏ النزعات المادية فى الفلسفة العربية الإسلامية وعبد الله 
الغذامي في النقد الثقافي )25٠٠١(‏ . 

وبوسعنا التساؤل لاذا لم يساهم علماء النفس العرب بمشاريع كبيرة في فهم واقع علم 
النفس في العالم العربي كما حاول علماء عرب أخرون في مجالاات علمية أخرى 3 مثلاً : 

سمير سمير أمين . وهشام شرابي »وعبد الحليم بركات في علم الااجتماع » وقسطنطين زريق » 
والعروي في التاريخ » وزكي نجيب محمود وعبد الرحمن بدوي في الفلسفة . ومفكرون 
إسلاميون مثل محمد عمارة 3 وإسماعيل الفاروقي 08 وطه جابر العلواني ؛ ومحمد أركون 3 
وبرهان غليون وأدباء مثل أدونيس ؛ ونزار قباني ؛ومحمود درويش ( ومؤرخو علم مثل عبد 
الحميد صبرة في تاريخ البصريات العربية » ورشدي راشد في تاريخ الرياضيات العربية . 
وحمارنة في تاريخ الطب العربي » وعلماء توطين العلم والتكنولوجيا في العالم العربي 
كأنطوان زحلان . وبوسعنا التساؤل : لماذا لم يبرز عالم عربي واحد في علم النفس تضاهي 
إسهاماته إسهامات المذكورين أعلاه ؟ 

نشرت بعض الدراسات التجزيئية في الدوريات المحلية وقدمت بعض أوراق المؤتمرات 
كما نشرت بعضص الكتب التي عالجحت موضوع علم النفس في التراث العربي الإسلامي 5 
مثلاً ؛ «الإدراك الحسي عند ابن سينا» (نجاتى ) ) ؛ «علم النفس عند ابن سينا» 
(الأهوانى . ؟407١)‏ ؛ «الأفكار النفسية عند ابن الا (عثمان» 1981) » «مسألة النفس 
وموضوعها عند ابن سينا» (كونسطانين » 1987) ؛ «الغزالي : مؤسس علم النفس 
الإسلامي» (الأهواني . )١1987‏ ؛ «أبو حامد الغزالي وإسهاماته النفسية» (الحاج . 


32 


4 )؛) ؛ «الغزالي وعلم النفس» (الحسيني . )196٠‏ ؛ و«الدراسات النفسية عند 
0 والغزالي» (العثمان )١98١ ٠‏ ؛ «الذكاء عند ابن الجوزي» (أحمد .1987) : 
«تعريفات الذكاء في التراث العربي الإسلامي من خلال مفهوم العقل ومرادفاته» 
(الدوغان » )١194*‏ ؛ «الآراء النفسية عند مسكويه» (الطيب٠507١ه)‏ , «هل أسهم ابن 
خلدون في تأسيس علم النفس» (العيسوي .406 ١ه)‏ , «الآراء النفسية عند الماوردي» 
(الطيب » )١1989‏ ؛ «حي بن يقظان : دراسة نفسية» (الهاشمي , 1910) ؛ «علاج الأمراض 
النفسية والعصبية فى التراث الإسلامى» (شعبان . 1988) . 
ويلاحظ اهتمام هذه الدراسات ببحث جزء واحد مثل الذكاء أو العلاج النفسي » أو 

التربية أو الإرشاد . كما لم تتم مقاربات أو مقارنات حقيقية وعميقة في نفس الوقت بين 
موضوعات ونظريات ومناهج علم النفس في التراث العربي الإسلامي . كما لم تتم عملية 
بحث علم النفس الصلب أو التجريبي في التراث العربي الإسلامي . ولم تتم منا 
الكيفية التى يتم بها تأصيل علم النفس بصورة عميقة . وليس بين هذه الدراسات شرن 
واحد كبير لقراءة وهضم التراث السيكولوجي بصورة موسوعية . وبوسعنا القول بأن 
الدراسات المتعلقة بالتراث سواء أكانت كتباً أو مقالات بأنها دراسات تجزيئية اهتمت 
بدراسة إسهامات فردية لأقطاب علم النفس في التراث العربي الإسلامي مثل ء ابن سينا » 
والغزالي وابن الجوزي ومسكويه وابن خلدون والماوردي . ولم يستطع بعض الباحثين كتابة 
الجوانب الهامة المتعلقة بإسهامات هؤلاء كما أرخها ابن أبى أصيبعة فى «عيون الأنباء فى 
طبقات الأطباء» »أو ابن الندم في كتاب «الفهرست»ء أو ابن جلجل في «طبقات الأطباء 
والحكماء» 

وعموماً بوسعنا القول إن الإشارة للإسهامات العربية الإسلامية فى حقل علم النفس 
قد كتبت بصورة تاريخ الشخصيات . إنه تاريخ يجزئ إسهامات العلماء . لأنه تاريخ السير 
الذاتية وليس تاريخ العلم وترتبط كتابة هذه الإسهامات بالتراكم الكمي وليس بالتعاقب 
النوعي . فالقدماء سجلوا التاريخ بطريقة المناهج المتوفرة عندهم آنذاك ولكن كيف تتبع ذات 
المناهج في حين تطورت مناهج ممتازة ورؤى جدية في كتابة تاريخ العلوم عند العلماء 
المعاصرين كما في أعمال سارتون وتاتون » وبروكلمان وسزكين أو الأعمال المتخصصة عند 
بعض مؤرخي العلوم عند العرب المعاصرين مثل هيل في تاريخ الهندسة الميدانية 
والميكانيكية العربية . وصليبا في تاريخ علم الفلك العربي » وقنواتي في تاريخ الكيمياء 
العربية » وفهد في تاريخ النبات والزراعة العربية » وميكال في تاريخ الجغرافية العربية . 


33 


الزبير بشير طه ومشروع تأصيل علم النفس 


نشر بروفسر الزبير بشير طه » أستاذ علم النفس بجامعة الخرطوم , ورئيس قسم علم 
النفس » ومدير جامعة الخرطوم سابقا . ووزير التعليم العالي والبحث العلمي الحالي في 
السودان عدة دراسات في دوريات عربية وفي بعض المؤتمرات الإقليمية والدولية عن علم 
النفس في التراث العربي الإسلامي . ونشرت المقالات مجتمعة في كتاب نشر بواسطة دار 
جامعة الخرطوم للنشر عام 14145 بعنوان «علم النفس في التراث العربي الإسلامي» . 
وإحدى مشكلات النشر في السودان هى عدم توزيع الكتاب خارج حدود السودان بذات 
الكيفية التي توزع بها الكتب التي تنشر في بيروت أو القاهرة . ونشر الكتاب ضمن مشروع 
ابتدره بروفسر إبراهيم أحمد عمرء وزير التعليم العالي والبحث العلمي السابق في السودان , 
بنشر ألف كتاب جامعي باللغة العربية . يقع الكتاب في 777 صفحة واحتوى على تسعة 
أبواب غطت موضوعات مختلفة عن علم النفس في التراث العربي الإسلامي . 

وقد غطى الباب الأول : مفهوم التراث وخصائص علم النفس في التراث الإسلامي 
ومصادر سيكولوجيا التراث . وغطى الباب الثانى الفسلجة العصبية فى كتاب القانون . 
والباب الثالث : النمو العقلي بين ابن طفيل وجان بياجيه » والباب الرابع : سايكوفيزياء 
الإبصار عند ابن الهيثم ؛ والباب الخامس : الوظائف الذهنية وآلتها العصبية في التراث 
الإسلامي . والباب السادس : أسس وملامح نظرية التعلم في التراث الإسلامي ٠‏ والباب 
السابع الذكاء لدى الإمام ابن الجوزي » والباب الثامن : اضطرابات الذهان وأدويتها النفسية . 
والباب التاسع : كيف تأثر علم النفس المعاصر بسيكولوجيا التراث وفيه عالج الباحث قضية 
التأصيل الإسلامي لعلم النفس وبأن التراث أحد مواردها . 

يقول المؤلف . بتواضع العلماء . فى تقديم خطة كتابه مبينا حدود مؤلفه : «لم يكن من 
أغراض هذا الكتاب وليس فى استطاعة مؤلفه الإحاطة بكافة المباحث النفسية فى التراث 
الإسلامي » غير أنه كان من الضروري هنا تحديد الإسهامات السيكولوجية الرئيسية في هذا 
التراث وتحليل مفرداتها بمستوى معمق نسبياً . ومن ثم محاكمتها إلى الأدب السيكولوجي 
المعاصر» (ص . ١؟)‏ . وفي تأليفه للكتاب لقد تنازع المؤلف اتجاهان متنافران » على حسب 
تعبيره : «الاتجاه الكمى التجميعى . والاتجاه النوعى التحليلى وقد آثر المؤلف الموازنة بين 
الاتجباهين مع تركيز على الثاني (ص . ١؟)‏ . ويرصد المؤلف بملاحظة ذكية عدم وجود 
موسوعة واحدة جامعة للمعارف السيكولوجية مبيناً أنها : ه معارف مجزأة بعضها في كتب 


34 


التراث وبعضها في المصنفات الحديثة وبعضها نتاج جهود مؤسسية وبعضها بشكل مبادرات 
محدودة قام بها الأفراد . فالقصة الكاملة لسيكولوجيا التراث » إذن » لم تكتب بعد» (ص . 
10) . ولكن يبدو أن الباحث لم يكن أول من كتب فصلاً كاملاً عن قصة علم النفس في 
التراث العربى الإسلامى فحسب وإنما محاولة تأصيله كذلك . 

لقد تساءل الباحث عن سبب التأصيل؟ وللإجابة عن ذلك السؤال ذكر أربعة 
مقتضيات جوهرية لتأصيل علم النفس في العالم العربي . وأول هذه المقتضيات » حسب 
قول المؤلف , بأن العلوم حاضن وناقل لقيم الثقافة التي نشأت في كنفها , وعلم النفس 
المعاصر بوجه أخص مشبع بقيم الثقافة الغربية وقد تكون بعض هذه القيم فيرانا يكتويا 
عاماً ؛ ولكن الثقافة تتحدد وتعرف فى الأساس بمجموعة متكاملة من الأطر القيمية تترابط 
فيما بينها . ويضيف الباحث بأن هناك فجوة كبيرة بين علم النفس في الغرب والشرق تولد 
الإحساس بالتلمذة والتبعية » وهنا تبرز الحاجة للتأصيل . ويميل الباحث للاعتقاد بأن السواد 
الأعظم من علماء النفس العرب والمسلمين سيكونون قادرين على المنافسة على القيادة 
العلمية فقط عندما يمارسون علم النفس داخل الأطر النظرية للثقافة التي تنشؤوا عليها . 

ناا : إن المقتضى الأول للتأصيل يصح حتى على افتراض أن علم النفس المعاصر مبرأ 

من العيوب ء ذلك أنه لم يساهم كما هو مأمول منه في تحقيق المرمى الأسمى من العلوم 
الاجتماعية وهو : تحسين سلوك الإنسان والارتقاء به نحو حياة أفضل . ويضيف الباحث أن 
علم النفس لم يقدم مادة لها قيمتها العلمية إلى درجة جعلت بعض المختصين يصفون علم 
النفس مازحين ب «جماعة التبول اللاإرادي» وذلك إشارة لتفاهة الموضوعات التى ينهمك 
فيها بعضهم أحياناً مقارنة بإهمالهم النسبي لقضايا الجتمع والأسرة والبيئة . ويرتبط المقتتضى 
الغالث للتأصيل بأهمية دور علم النفس في تشكيل الثقافة التي نشأ منها . وحسب قول 
الباحث لا يجوز للأمة أن تتنازل عن مسؤوليتها الكاملة في القرار بشأن ماذاء ولماذا » وكيف 
تُعَلْم أبناءها وبشأن تعديل السلوك وتحديد معيار السواء والشذوذ فيه » وبشأن دافعية البناء 
والولاء والانتماء وبشأن الإرشاد والتوجيه المعنوي في السلم والحرب . مثل هذه التطبيقات 
البيئية لعلم النفس ٠‏ تنبع فقط من علم نفس أصيل وثيق الارتباط بثقافته . 

ويتعلق المقتضى الرابع بالأبحاث المصنفة في علم النفس . فهناك أبحاث في علم 
النفس تجبري في الخفاء لأغراض المنافسة الصناعية والصراعات الأمنية بين الدول »ولا تنشر 
نتائجها إلا بعد أن تفقد قيمتها العلمية والتقنية . وضرب الباحث مثلاً لذلك بأبحاث 
الاستعدادات التي تطور الجيوش . وتقنيات التوجيه لرفع الكفاءة القتالية » واسغ راجيا 


325 


التعلم التي تطور في القواعد الجوية » وطرق التنويم المغناطيسي وأساليب غسيل المخ لخدمة 
عمليات الاستجواب لدى وكالات الاستخبارات » ولكي تتضح أهمية التأصيل في هذا 
النوع من الأبحاث تكفي الإشارة إلى عمليات بناء اختبارات الاستعدادات وبصفة خاصة 
اختبارات الذكاء وتأثرها بالثقافة التي أنتجتها وعدم صلاحيتها للمستويات امختلفة داخل 
امجتمع الواحد . 

وفي تقديري » يعتبر كتاب «علم النفس في التراث العربي الإسلامي» الذي ألفه طه 
(1990) موسوعة حقيقية عن علم النفس في التسراث العربي الإسلامي ويل » ليس 
فحسب ء أهم مشروع جاد وجامع للتراث السيكولوجي ء وإنما أيضاً قراءته بعيون معاصرة 
وبصورة جديدة ثورية أشبه بالبروسترويكا . لقد ذكرنا في الجزء السابق بأن مالك بدري هو 
الرائد الحقيقي لحركة تأصيل علم النفس خاصة من خلال مؤلفه الرائع «مشكل أخصائي 
علم النفس المسلمين» . ويعتبر مشروع الزبير طه من خلال كتابه المذكور أعلاه امتداداً 
حقيقيا للطريق الذي بدأه مالك بدري . فمساهمة بدري تقدم دي عن مشكلة علماء 
النفس المسلمين وكيفية الخروج منها بينما تقدم مساهمة طه رؤية لكيفية قراءة وتشريح 
النصوص السيكولوجية في التراث العربي الإسلامي . وأهم الملاحظات التي يمكن أن تقدم 
حول مشروع الزبير طه هي : 

أولاً لم يُعالج ‏ من قبل - موضوع علم النفس في التراث العربي الإسلامي في 
مرجع واحد أو موسوعة واحدة كما حدث في موسوعة الزبير بشير طه . وحتى علم النفس 

في التراث العربي الإسلامي لم يعالج تأريحياً في كتاب واحد . إنما عولج في إسهامات 

مختلفة مختلفة » وفي مراجع متباينة » ويصح القول ‏ بأمانة إن علم النفس كان متفرقاً في التراث 

العربي الإسلامي ولم تتم أول محاولة لجمعه فحسب في كتاب «علم النفس في التراث 
العربي الإسلامي» . وإنما تحليله كذلك . ولقد تم بناء موضوعات الكتاب بذات الكيفية التي 
كبنى بها كتب «مقدمات» أو «مداخل» أو «مبادئ» علم النفس المعاصر . وحسب التقليد 
المتبع في كثير من كتب علم النفس العام بدأ الكتاب بالمقدمة وثم الأسس البيولوجية 
للسلوك ثم النمو فالإدراك فالذاكرة والوظائف الذهنية فالتعلم والشخصية فالصحة النفسية 
والعلاج 0 والنفسي . 

ثانياً : غطى الكتاب موضوعات علم النفس بصورة عميقة تتجذر في التراث العربي 
الإسلامي من جهة ‏ ومن جهة ثانية مقاربتها أو مقارنتها من غير تلفيق بعلم النفس المعاصر 
مثل مقارنته بين نموذج الذاكرة الثلاثي في التراث وبين علم النفس المعرفي . ثالكا: عقد 


36 


المؤلف مقارنات ممتازة بين بض أعلام علم النفس في التراث العربي الإسلامي وبين بعص 
أقطاب علم النفس المعاصرين مثلاً مقارنته بين ابن طفيل وجان بياجيه وقياس الذكاء بين 
ابن الجوزي وبينيه . رابعا : ٠‏ رع الباحث إلى أمهان كتب التراث العربي الإسلامي ؟ وقليلاً 
ما اعتمد المراجع الثانوية . مع العلم بوعي وإدراك الباحث بالمصادر الأخرى والتى صنفها 
كالآتي : التصانيف التراثية الأساسية وكتب التراجم وطبقات الأعلام » والمصنفات الأدبية 
والكتب الغربية التى أرخت للعلوم عامة وأبحاث ومصادر ومداولات المؤتمرات الترائية فضلاً 
عن المبادرات الفردية للعلماء . خامساً : يعتبر المؤلف أول عالم نفس لفت الانتباه بصورة 
ذكية لعلم نفس الإبصار عند ابن الهيثم والصحة النفسية والإرشاد النفسي عند البلخي . 

مع العلم بأن صبرة ( )١1984:1948(‏ كمؤرخ للبصريات الوسيطة » وليس كعالم نفس . أشار 
لذلك . سادساً : قارب المؤلف بصورة أصيلة بين مفاهيم علم النفس في التراث الععربي 
الإسلامي وبين مفاهيم علم النفس المعاصر التي تختلف عن المقاريات التلفيقية عند 
مجموعة من علماء النفس العرب . ومن أمثلة تلك المقاربات سيكوفيزيولوجيا البطينات عند 
ابن سينا ؛ وسيكوفيزياء الإبصار عند ابن الهيثم , وفيزيولوجية الذكاء عند ابن البوزي . 
والعمليات الصورية عند ابن طفيل . سابعا : كتبت جميع فصول الكتاب بلغة علمية 
معاصرة وحية مقارنة ببعض الكتابات عند علماء النفس العرب التي تكتب بلغة ميتة تثير 
الملل عند القراءة . ثامناً : عمل الباحث على انتقاء وانتخاب إسهامات قوية متكاملة من 
التراث السيكولوجي تميزت بروح النظرية العلمية بمعناها المعاصر خاصة إسهامات ابن سينا 
في فسلجة الدماغ وابن الهيئم في سيكوفيزيقا الإبضار. تاسهاً :تبر اهمية معالحة الباحف 
ليس لموضوعات علم النفس في التراث العربي الإسلامي فحسب . وإغا للمناهج التي اتبعها 
علماء التراث مثل الملاحظة ودراسة الحالة والاستبطان وفوق كل ذلك المنهج التجريبي 
وعناصره المختلفة من فرضيات وتحكم ورصد النتائج وتفسيرها . عاشرا : ناقش الباحث 
بصورة ممتازة قضية تأصيل علم النفس في التراث العربي الإسلامي . وكانت معالجته على 
حسب تعبيره «ترمي إلى قراءة خلف السطورء وتجاوز للمفردات الظرفية وتحري المقاصد 
العلمية التي رمى لها علماء التراث دون اعتساف لدلالات النصوص» . 


القلق الوجودي: ماذا بين فرويد وأدلر؟ 
ألهمني حقيقة كتاب الزبير بشير طه «علم النفس في التراث العربي الإسلامي» 


37 


محاولة البحث فى التراث السيكولوجى بغرض مواصلة المشوار فى هذا الطريق . فالباحث 
طه يقف بمشروعه الأصيل في طريق طويل بدأه علماء التراث العربي الإسلامي ؛ ووضع 
مالك بدري بعض معالمه . ولد أطلقت على إسهام طه كلمة «مشروع» لانه لا يقل في 
أهميته عن المشاريع الثقافية الأخرى التي تحمل هموماً كبيرة في قراءة التراث العربي 
الإسلامي . وهناك أهمية بالتعريف بمشروع الزبير طه في قراءته الجديدة والعميقة والموسوعية 
لعلم النفس في التراث العربي الإسلامي . وكما ذكر سابقاً . إن واحدة من مشاكل النشر 
في داخل السودان هي عدم وصول المطبوعات المنشورة محليا لمجموعة كبيرة من علماء النفس 
. العرب . لعلي أتساءل كم من المهتمين بقضايا تأصيل أو توطين علم النفس من اقتنى نسخة 
من هذا الكتاب ؟ كم من أقسام علم نفس أو المكتبات الجامعية في العالم العربي تقتني 
نسخة من هذه الموسوعة السيكولوجية الهامة ؟ وهذه المحاولة المتواضعة تستهدف تحقيق 
بعض الأهداف : 

أولاً : محاولة الإضافة والتوسعة لمشروع الزبير بشير طه وربما بسبب انشغال الباحث 
كوزير للتعليم العالي والبحث العلمي في السودان بقضايا كبيرة لم تتح له الوقت الكافي في 
مواصلة البحث في هذا المشروع الهام الذي ابتدره . وربما يكون من المناسب في هذه الحالة 
على تلاميذه وزملائه والمنفعلين بقضايا «تأصيل» ٠‏ أو بلغة أفضلهها «توطين» . علم النفس 
والبحث العلمي , مواصلة العطاء في هذا المشروع الكبير . وثانيا : محاولة قراءة وإعادة قراءة 
علم النفس في التراث العربي الإسلامي من زاوية أخرى وهي الزاوية التاريخية , وموقع 
ذلك من تاريخ العلوم عند العرب والمسلمين عامة وتاريخ علم النفس التجريبي خاصة . 
وثالعاً : عقد مقارنات بين رؤية علماء النفس العرب وعلماء حكن في الغرب في تاريخ علم 
النفس 057 : محاولة معالجة موضوعات أخرى لم يتسن للباحث معالجتها في كتابه 
مكزع التشترع : وعلم نقنن المتيوادا+ وعام لفت الظفل . والبيه رنتا ناش »وعم النفس 
الرياضي . وخامسا محاولة الرجوع لمصادر أخرى ثرة من التراث العلمي العرتي الإسلامي 
ومن كتب تاريخ يخ العلوم عند العرب المعاصرة غير التي رجع لها الباحث : وسادسا ؛ تشبيكيت 
غزارة المادة السيكولوجية التي سوف نعالجها في هذا الكتاب ولعدم وجود الحيز الكافي 
سوف نهتم أكثر بالكشف والتعريف والتصنيف والمقاربات بدلاً من اللعكمام بالتحليل 
والتشريح بالنسبة للنصوص كما فعل طه الذي بدأ بمرحلة متقدمة جداً في قراءة التراث 
السيكولوجي وتفكيكه . وسابعاً : محاولة تحديد حجم التأثيرات التي أحدثها علم النفس 
التجريبي في التراث العربي الإسلامي في عصر النهضة وفي الثورة العلمية في أوربا من 


38 


خلال التراجم اللاتينية للنصوص السيكولوجية العربية . وثامناً : محاولة تقدي ماذج 

ميدانية حية من علم النفس التجريبي في التراث العربي الإسلامي مع عملية إحياء وتجديد 

أول مقياس سيكولوجي في تاريخ علم النفس كافة يرجع للقرن الحادي عشر الميلادي وليس 

كما يؤرخ لبداية القيا س النفسي في القرن التاسع عشر . وتاسعا : ا رسم ملامح عامة 

لعلم النفس في التراث العربي الإسلامي من ناحية نظرية وتطبيقية وتصنيفية وتجريبية 

وزمانية وفكاية : وعاشرا تحديد يفن الدروين أو العير لمتعلمة من فقث السيكولوجي 
في التراث العربي الإسلامي . 

7 يحمل مشروع هذا الكتاب عنوان «علم النفس التجريبي في التراث العربي الإسلامي» 
وهو عنوان مقارب لعنوان كتاب أستاذي طه «علم النفس في التراث العربي الإسلامي» . 
ولكن بإضافة «تجريبي» , وذلك لبناء جسور التواصل والجوار بين جيلين من أجيال علماء 
النفس العرب بغية جمع التراث السيكولوجي ورصده أولاً ؛ ومن ثم تحليله وتشريحه . 
ويحاول التلميذ مواصلة مشوار أستاذه أو شيخه في علم النفس . ويبدو أن التلميذ قد 
صعب عليه في بداية رحلة البحث في التراث » أن يصل إلى مستوى تجذر أستاذه 
وموسوعيته وعمقه تماماً مثل الفرد أدلر الذي لم ب يصل إلى مستوى أستاذه سيجموند فرويد . 
وصحيح جدا أن أدلر قد تمرد . بكامل حريته »على حلقة أستاذه فرويد بفينا ولكنه بقي 
أسيراً فى كثير من أطروحات دائرة التحليل النفسي . 

وبالرغم من القلق الوجودي والتمرد والرفض والتجاوز في مراحل سابقة من حياتي 
تبقى حلقة الود موصولة . ويبقى هاجس «أزمة» أو «تأزم» أو «مأزق» أو «معضلة» أو 
«مشكلة» تأصيل أو أسلمة » أو كما أفضل . توطين علم النفس هي نقطة الاتفاق المركزية . 
ومهما يكن تبقى هذه امحاول البحثية في قراءة التراث السيكولوجي التجريبي العربي 
الإسلامي زبخلة جديدة للبحث عن الذات والهوية والذاتية . ربما تؤدي لحالة أكثر من التوازن 
النفسي وتبعاً لذلك تقلل من حجم القلق الوجودي . ومن تداعيات القدر أني بالفعل 
كتبت رسالة لأستاذي الزبير بشير طه بتاريخ ١4‏ أبريل 1944177 تعبر عن معاناة فلسفية في 
تلك المرحلة المبكرة من القلق الوجودي . وتنص الرسالة : «أنا يالزبير الدليل الحى عن هوية 
الاختيار والجبر » هوية الداخل والخارج , هوية اللاانتماء والانتماء . هوية الانتظار والذكرى » 
هوية الأنا والآخرء هوية الفرد والجماعة . فإنى أبحث عن هويتى » ذاتيتى » فرديتى . فرفضى 
هوية , وتجاوزي ذاتية » وتمردي فردية . فأنت فرويد وأنا أدلر» أنت أستاذي وأنا حر» .0 


39 


التجاوز في البحث عن علم النفس التجريبي 


يحمل عنوان هذه المحاولة البحثية «علم النفس التجريبى فى التراث العربى 
التبك لوي الشرائي أن يا 00 النفس 0 0 طه 8 مشروعه 
الجديد بفتح الفتخورات والمسامات في بحثه المكثف بل حدد ملامح لكيفية العبور من التراثي 
للجديد وذلك من خلال قراءة علم النفس التراثي بأدوات علم النفس الحديث . في 
تقديري . كان كثير من قراءات علم النفس في التراث العربي الإسلامي عبارة عن فقاقيع 
لفظية وصوتية تهتم بالطنطنات وجمال وصف النفس والروح ولكن طه استطاع أن يحيل 
التراث السيكولوجي لمشروع حي يمكن تحسّس ملامحه نتيجة لصلابته . ويبدو أن هناك 
أهمية خاصة في البحث عن علم نفس أكثر صلابة في التراث . بذلك تهدف هذه المحاولة 
البحثية الزيادة فى درجة صلابة علم النفس وبلغة أخرى زيادة معالم تجريبيته . 

ونقصد بالتجريبي فى حدود هذه الدراسة علم النفص في التراث العربي الإسلامي 
المؤسس على منهج علمى صارم قائم على الملاحظة العلمية أو المراقبة الدقيقة ويمكن تحسس 
أبعاد هذا العلم المختلفة . ويمكن القول بأنه علم النفس المرتبط بالأنظمة العربية الكبرى 
خاصة الطبية والحياتية والفيزيائية . ووفقاً لهذا الفهم يبدو أن هناك أهمية لنحدد حدوداً 
لهذه الدراسة حتى نفك التشابك مع بعضص جوانب علم النفس الأخرى والتي ليست من 
اهتمام هذا الكتاب . وبذلك سوف نتجاوز العطف والدخول في بعض أفرع علم النفس 
الأقل صرامة » في تقديرنا , أو بعض الممارسات الشعبية وتلك التي تمزج كذلك ما بين 
الأنظمة الكبرى والأنظمة الفلكلورية . 

سوف نتطرق يي هذا الكتاب ٠‏ لوصح علم البنية الخو السرم كمساعد بالنسية 
بعلم النفس المؤسس في رحاب الدراسات العلمية د خاصة السريرية منها كطرق 
التشخيص وتصنيف الاضطرابات النفسية والعلاج النفسي خاصة في البيمارستانات 
(المستشفيات) والسيكوفارماكولوجيا . كما نهتم كذلك بعلم النفس العلمي المرتبط با حيوان 
والدراسات المقارنة والتجارب التي أجريت على الحيوان لأغراض مختلفة . وأخيراً سوف 


40 


نبحث في علم النفس المؤسس في رحاب علم المنظور (البصريات أو الفيزياء) والذي تأسس 
فى المراصد الفلكية مستخدما القياسات والحسابات الدقيقة فى الرياضيات . 

وحسب الفهم السابق لعلم النفس التجريبي سيوف نتجاوز العطف لموضوع علم النفس 
الشعبي أو الفلكلوري المتمثل في الممارسات الشعبية العلاجية التي تستعمل فيها الطلاسم 
والتمائم والتعاويذ والإجراءات السحرية المنتشرة بالنسبة لقطاع شعبي كبير من المجتمع 
الإسلامي . ونستثني في هذا الكتاب الكتابات الطبية والسيكولوجية التي لم تصنف 
ضمن نظام علمي متكامل . مثل تلك التى تمزج الجوانب الجادة من علم النفس بالإجراءات 
السحرية » والأدعية » والأدوية خاصة كتابات الذهبى والجوزي والسيوطى . 

ففي مكتبات التراث العربي الإسلامي . مثلاً » هناك كم هائل من الخطوطات التراثية 
المتعلقة بالسحر مثل علوم الحرف والوقف والرمل والجفر . ومن هذه الخطوطات » مثلاً » 
كشف الأسرار فى لغة الطيور والأزهار لعز الدين المقدسى (ت . )١7178‏ » و«بحر الوقوف فى 
علم الأوقاف والحروف» للبوني (ت 76؟1) . وتتضمن هذه الجوانب الشعبية كذلك : 
«الجفر الجامع والنور اللامع والسر الهامع» و«كشف الران على وجه البيان» و«مفتاح المعية في 
علم الزايرجة» و«وزايرجة المربع العددي» لابن عربي (ت ٠١174١)ء‏ و«رسالة في علم الرمل» 
للأدهمي رت ٠١17571١)»ء‏ وسلك اللآلى في شرح مثلث أبي حامد الغرالي» للرضوي 
)١441/(‏ . 

ومن الكتابات الشعبية الأخرى :«شرح منظومة الدائرة» » و«علم الزايرجة» للغزالي 
(0.ه؛:-ه٠هه)ء‏ ودالبرق الساطع في مختصر البارع» للشيباني » و«حل الرموز ومفاتيح 
الكنوز» للمقدسي (ت 1778) . والارتماطيقي في علم الجفر» » و«شمس الآفاق في علم 
الحروف والآفاق» للبسطامي (ت ١01ه).‏ وهمندل إلى قضاء الحوائج» للبوني (ت 577 
ه) . أما في الطلاسم » فمثلا ء «عيون الحقائق وإيضاح الطريق» للعراقي » و«استخراج 
الجني من بدن المصروع الذي صرعته الجن» و«تعويذات متفرقة في إحضار الجن 
واستخدامهم» و«شمس المعارف الكبرى» للبوني (ت 57١‏ ه) ء و«وصفات طبية وتعاويذ 
سحرية» مجهولة المؤلف «فوائد في استحضار الجن والطلسمات وعلم النجوم والسحر» ء 
و«قبس الأنوار وجامع الأسرار» » و«لقط المرجان في أخبار الجان» للسيوطي (ت )١9١8‏ 
(انظر الخليفة » قيد النشر) . 

وحسب الفهم السابق لعلم النفس التجريبي سوف نتجاوز الدخول في نموذج آخر من 
علم النفس العلمي والذي له ارتباط بالثقافة أو المجتمع أو التربية أو المفاهيم النظرية البحتة . 


41 


وبذلك سوف لن نتطرق لعلم النفس التربوي كما عند الغزالي » وعلم نفس الإرشاد النفسي 
كما عند البلخي . وعلم النفس عبر الثقافى وعلم النفس الاجتماعي كما عند ابن خلدون . 
وعلم النفس الفلسفي كما عند ابن رشد » أو علم النفس الفارق كما عند ابن الجوزي . 
ويجب أن يعلم قارئ الكتاب بأن لا موقف مستخف من هذه الموضوعات كما ليست لنا نظرة 
بعدم أهميتها السيكولوجية . ولكن همنا الأول هو البحث عن علم نفس أكثر صرامة أي 
«علم نفس صلب؟» يمكن إعادة تطبيقه وتجريبه بل ومعرفة درجة ثبات ومصداقية القياس 
منه . فى نهاية هذا الفصل الأول من الكتاب لابد من القول بأن هذا البحث هو مجرد 
محاولة » وبلغة أخرى ‏ مجرد اجتهاد قابل للصواب كما هو قابل للخطأ أيضاً . 


42 


المصادر والمراجع 


ابن أبى أصيبعة )١1967(‏ . عيون الأنباء فى طيقات الأطباء . بيروت : دار الفكر . 

ابن جلجل : أبو داود الأندلسى (14980) . طبقات الأطباء والحكماء . تحقيق فؤاد 
سيد . بيروت : مؤسسة الرسالة 0 

ابن سينا ء الشيخ الرئيس أبو علي (9480 )٠١5-‏ . القانون في الطب . بيروت : دار 
صادر . 

ابن النديم (191/8) . الفهرست . بيروت : دار المعرفة . 

ابن الهيثم , المحسن (ت 477 هجرية) . كتاب المناظر » تحقيق ومراجعة عبد الحميد 
صبرة (198) . الكويت : المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب . 

أبو حطب » فؤاد (/191) . التوجه الإسلامي لعلم النفس . في ندوة علم النفس 
والإسلام . الرياض : جامعة الملك سعود . 

أبو حطب ء فؤاد (1949) . نحو وجهة نظر إسلامية لعلم نفس إسلامي . في ندوة نحو 
علم نفس إسلامي . القاهرة , المعهد العالمي للفكر الإسلامي والجمعية العربية للتربية 
الإسلامية . 

أبو حطب »ء فؤاد )١1497(‏ . علم النفس والإسلام . امجلة المصرية للدراسات النفسية » 
2 0-195ل/7١ا.‏ 

أبو حطب .ء فؤاد (11845) . مشكلات علم النفس في العالم الشالث : حالة الوطن 
العربي . في علم النفس وقضايا الجتمع المعاصر (ص . 1-9”) . الرباط : جامعة محمد 


الخامس . 
مسرن 
أبو حطب .ء فؤاد )١94(‏ . علم النفس والإسلام . المجلة المصرية للدراسات النفسية » 
4"2)#4١-ه9"".‏ 
أبو حطب ء فؤاد (1417١ه)‏ . نحو وجهة إسلامية لعلم النفس . مجلة المسلم المعاصر. 
81-165 1. 


أبو العزائم » جمال (1988) . المنهج الإسلامي في الصحة النفسية . مجلة الفيصل » 
العدد 005١5٠‏ "46-4 . 

أحمدء محمد (/1987) . الذكاء عند ابن الجوزي . مجلة دراسات تربوية » لا» 
1١-9‏ . 


43 


أركون محمد (1140).الإسلام والحداثة . في ندوة مواقف : الإسلام والحداثة 
(ص . 577 - 350) . لندن : دار الساقي . 

إسماعيل » زكي (197/8) . علم النفس بين منهج العلم وموقف القرآن . في المؤتمر 
العالمى الخامس للتربية الإسلامية » القاهرة . 

الأهواني , أحمد فؤاد (1467) . علم النفس عند ابن سينا » مجلة الكتاب » 4 . 

الأهواني , أحمد فؤاد (1187) . الغزالي : مؤسس علم النفس الإسلامي . بيروت : دار 
الآفاق . 

بدري . مالك )١191/8(‏ . علماء النفس المسلمون فى جحر الضب . مجلة المسلم 
المعاصر, ؟ ., © ١١-4؟١.‏ 

بدري . مالك (19817) . علم النفس الحديث من منظور إسلامي . مؤتمر قضايا المنهجية 
والعلوم السلوكية . الخرطوم : جامعة الخرطوم والمعهد العالمي للفكر الإسلامي . 

بدري . مالك )١15494(‏ . مشكل أخصائى علماء النفس المسلمين . ترجمة منى أبو 
قرجة . الخرطوم : شركة الفارابي للنشر والأدوات المكتبية الحدودة . 

بركات » حليم (1484) . المجتمع العربي المعاصر . بيروت : مركز دراسات الوحدة 
العربية . 

البسام » عبد العزيز (156) . العراق (ص . 791-794) . في : نشاط العرب في 
العلوم الاجتماعية في مائة سنة . سلسلة العلوم الشرقية . الحلقة الثالثة والأربعون . 
بيروت : جامعة بيروت الأمريكية . 

البلخي ٠‏ أبوزيد (1984) . مصالح الأبدان والأنفس . فراتكفورت : جامعة 
فرانكفورت . 

تاتون , رينيه )١198(‏ . تاريخ العلوم العام : العلم القديم والوسيط . ترجمة على مقلد . 
بيروت : المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر. 

تزيني » الطيب (19174) . مشروع رؤية جديدة للفكر العربي منذ بدايته حتى المرحلة 
المعاصرة . دمشق : دار دمشق للطبع والنشر. 

توفيق » عز الدين (108١ه)‏ . مشروعية التأصيل لعلم النفس . مجلة الفرقان. ١6‏ , 
17-8 . 

الجابري . محمد عابد (1941) . إشكالية الأصالة والمعاصرة في الفكر العربي الحديث 
والمعاصر : صراع طبقي أم مشكل ثقافي؟ التراث وتحديات العصر في الوطن العربي (ص . 


44 


088-48) . بيروت : مركز دراسات الوحلة العربية . 

الحاج , فائز (1984) . أبو حامد الغزالي وإسهاماته النفسية . ندوة نحو علم نفس 
إسلامي . القاهرة : المعهد العالمي للفكر الإسلامي والجمعية العربية للتربية الإسلامية . 

حجازي . محمد عزت (1980) . الأزمة الراهنة لعلم الاجتماع في الوطن العربي . 
مجلة المستقبل العربى ٠‏ .86-50 . 

حجازي . محمد عزت (1485) . الأزمة الراهنة لعلم الاجتماع في الوطن العربي . 
في : نحو علم اجتماع عربي : علم الاجتماع والمشكلات العربية الراهنة (ص . )145-١7‏ . 
بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية . 

الحسن » أحمد  .‏ وطه الزبير (/1941) . أصول المفاهيم النفسية في التراث الإسلامي . 
مؤتمر قضايا المنهجية والعلوم السلوكية . الخرطوم : جامعة الخرطوم والمعهد العالمي للفكر 
الإسلامى . 

حسيب » خخير الدين (19417) . كلمة الافتتاح . في : التراث وتحديات العصر في الوطن 
العربي (ص . 7١‏ -75) . بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية . 

الحسيني ء حمدي (1900) . الغزالي وعلم النفس . مجلة الرسالة » أكتوبر-ديسمبر . 

حمودة , عبد الوهاب )١986(‏ . القرآن وعلم النفس . القاهرة : الهيئة المصرية العامة 


للكتاب . 

حنفي » حسن ( ) . التراث والتجديد : موقفنا من التراث القديم . القاهرة : المركز 
العربي للبحث والنشر . 

حنفي » حسن (1986) . موقفنا الحضاري 8 مجلة المستقبل العربي »5 "5١١‏ 
17 .: 


حنفي حسن (19817) . هل يمكن تحليل «الشخصية العربية الإسلامية والمصير 
العربي» من منظور إقليمي وفي إطار نظري غربي استشراقي . مجلة العلوم الاجتماعية . 
ه775 . 

خطيب » محمد (1988) . علم النفس بين الأصالة والتبعية . جدة : دار المطبوعات . 

خليل . محمد (191417) . علم النفس العام والتربوي . الكويت : دار القلم . 

دياب » لطفي (1958) . لبنان (ص .784-707) . في : نشاط العرب في العلوم 
الاجتماعية في مائة سنة . سلسلة العلوم الشرقية . الحلقة الثالثة والأربعون . بيروت : 
جامعة بيروت الأمريكية . 


45 


الرازي » محمد بن زكريا (61؟ - 7١‏ هجرية) . كتاب ما الفارق أو الفروق أو كلام 
في الفروق بين الأمراض . تقديم وتحقيق ونشر سلمان قطاية (191/8) . حلب : جامعة 
حلب . 

الرازي » محمد بن زكريا 7١١ - 56١(‏ هجرية) . الحاوي فى الطب . حيدر أباد : 
ملح اسجلتن ك2 المعارف السسانة 1 

راشد . رشدي (19868) . تاريخ العلم والعطاء العلمي في الوطن العربي . المستقبل 
العربي . 45-701١‏ . 
ربيع » محمد (19947) . التراث النفسي عند علماء المسلمين . الإسكندرية : دار المعرفة 
الجامعية . 


زريق ٠‏ معروف (1984) . علم النفس الإسلامي . دمشق : دار المعرفة . 

زيعور » علي (1917) . تحليل الذات العربية . بيروت : دار الطليعة . 

سارتون , جورج (19094) . تاريخ العلم . أشرف على الترجمة . ابراهيم بيومي . 
قسطنطين زريق » محمد زيادة » محمد مرسي أحمد . القاهرة : دار المعارف . 

سرسيق » إبراهيم )198١1(‏ . النفس الإنسانية في القرآن الكريم . الرياض : مطبوعات 
تهامة . 

سعيدء محمد )١1981١(‏ . علم النفس الاجتماعي بين الإسلام والعلم الحديث. 
القاهرة : دار نهضة مصر للطباعة . 

السمالوطي » نبيل (1984) . الإسلام وقضايا علم النفس الحديث . القاهرة : دار 
الشروق . 

الشال ؛ يوسف (1971) . الجنس والصحة النفسية في نظر الإسلام » مجلة الأزهرء ١‏ . 
06-4 . 

شرابي » هشام (1917/8) . المثقفون العرب والغرب : عصر النهضة . بيروت : دار النهار . 

الشرقاوي .ء حسن )1981١(‏ . نحو علم نفس إسلامي . الإسكندرية : الهيئة المصرية 
العامة للكتاب . 

الشرقاوي » حسن )١19884(‏ . التحليل النفسى فى القصص القرآنى » مجلة الفيصل ٠‏ 
211-765 0 : 

الشريف . عدنان (/19417) . من علم النفس القرآني . بيروت : دار العلم للملايين . 

شعبان ؛ منى (1988) . علاج الأمراض النفسية والعصبية في التراث العربي » مجلة 


46 


الباحث . 1١‏ /ا"ا-44 . 

الشناوي . محمد )١19849(‏ . منظور إسلامي للإرشاد النفسي . ندوة نحو علم نفس 
إسلامى . القاهرة : المعهد العالمى للفكر الإسلامى والجمعية العربية للتربية الإسلامية . 

الصنيع ؛ صالح (41١ه)‏ دراسات في التأصيل الإسلامي لعلم النفس . الرياض : دار 
عالم الكتب . 

طه , الزبير (1987) . أصول السيكولوجيا والفكر الثقافي في الإسلام . ملتقى الفكر 
الإسلامي العشرين . الجزائر : وزارة الشئون الدينية . 

طه , الزبير (14984) . أسلوب قرآني للعلاج السلوكي . ندوة نحو علم نفس إسلامي . 
القاهرة : المعهد العالمي للفكر الإسلامي والجمعية العربية للتربية الإسلامية . 

طه » الزيير (1946) . علم النفس في التراث العربي الإسلامي . الخرطوم : دار جامعة 
الخرطوم للنشر . 

الطهطاوي ؛ رفاعة )1817/8-١8٠0١(‏ . الأعمال الكاملة لرفاعة رافع الطهطاوي . دراسة 
وتحقيق محمد عمارة (191/9) . مؤسسة الطباعة والتصوير الألكترونية . 
الطويل » عزت )١1988(‏ . درسات نفسية وتأملات قرآنية . الإسكندرية : دار المطبوعات 
الحديثة . 

الطيب . محمد )١1989(‏ . الآراء النفسية عند الماوردي . ندوة نحو علم نفس إسلامي . 
القاهرة : المعهد العالمي للفكر الإسلامي والجمعية العربية للتربية الإسلامية . 

الطيب . محمد (1407١ه)‏ . الآراء النفسية عند مسكويه . مجلة المسلم المعاصرء 71 . 
.1١11-1‏ 

عاقل . فاخر )١956(‏ . سورية (ص . 7*8- 70/1) . في : نشاط العرب في العلوم 
الاجتماعية في ماثئة سنة . سلسلة العلوم الشرقية . الحلقة الثالئة والأربعون . بيروت : 
جامعة بيروت الأمريكية . 

عامرء أحمد (1985) . أصول علم النفس العام في ضوء الإسلام . القاهرة : دار 
الشروق . 

عثمان» حسن (1981). الأفكار النفسية عند ابن سينا . مجلة كلية العلوم 
الاجتماعية , جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .6 087-6075 . 

العثمان ؛ عبد الكريم (1981) . الدراسات النفسية عند المسلمين والغزالى بوجه 
خاص . القاهرة : مكتبة وهبة . 


417 


عدس ». محمد (1986) . من خصائص النفس البشرية في القرآن الكريم . الأردن : 
مكتبة المنار . 

عطية , محيي الدين (1980) . أسلمة العلوم السلوكية . مؤتمر المنهجية والعلوم 
السلوكية . الخرطوم : جامعة الخرطوم والمعهد العالمي للفكر الإسلامي . 

العلواني » طه جابر(يونيوء /1191) . حوار مع العلواني حول إسلامية المعرفة فكرة 
ومؤسسة . المستقلة ٠ ١517.‏ 9. 

على . حيدر (19817) . تطور علم اجتماع التنمية في الوطن العربي . مجلة العلوم 
الاجتماعية . 6١4801١8-1ا١.‏ 

عمارة »محمد (1910/4) . نظرية جديدة إلى التراث . بيروت : المئؤسسة العربية 


للدراسات والنشر . 

العماري » على (1955) . القرآن والطبائع النفسية . القاهرة : اجلس الأعلى للشئون 
الإسلامية . 

عمر صالح (1981) . الاستقراء عند ابن الهيثم . مجلة تاريخ العلوم العربية 26 
هلا - ةم . 


عودة »محمد . » ومرسي ء كمال (1487) . الصحة النفسية فى ضوء علم النفس 
والإسلام . الكويت : دار القلم . 

عيسوي . عبد الرحمن (1985) . الإسلام والعلاج النفسي . الإسكندرية : دار الفكر 
لامع 

عيسوي ٠‏ عبد الرحمن (1940) . علم النفس الطبي . الإسكندرية : منشأة المعارف . 

عيسوي » عبد الرحمن (9؟199). علم النفس ومشكلات الفرد . بيروت : دار النهضة 
العوة : 

عيسوي . عبد الرحمن )١944(‏ . دور الجامعات العربية فى حركة إحياء التراث 
الإسلامي . مجلة اتحاد الجامعات العربية , عدد خاص » 780-876 . 

عيسوي . عبد الرحمن (06٠1١ه)‏ . هل أسهم ابن خلدون في تأسيس علم النفس؟ 
مجلة الدارة » 9 760-777 . 

عيسوي .ء عبد الرحمن )١1985(‏ . الإسلام والعلاج النفسي . الإسكندرية : دار الفكر 
لكان 

عيسى » محمد (1988) . نحو أسلمة علم النفس . مجلة المسلم المعاصرء 45 » 


48 


, مك-١‎ 

الغذامى . عبد الله محمد )٠٠٠١(‏ . النقد الثقافى : قراءة فى الأنساق الثشقافية 
العربية . بيروت : المركز الثقافي العربي  .‏ . 

غليون » برهان (1940) . اغتيال العقل . الجزائر : موفم صاد . 

الفاروقي , إسماعيل (141/4) . صياغة العلوم الاجتماعية صياغة إسلامية . مجلة 
المسلم المعاصر, 8 ,50 -41 . 

قطب » محمد (1987) . دراسات فى النفس الإنسانية . جدة : دار الشروق . 

كمال +غلى: + وسرحان #وليق (4م6) "ناف المضارة العربية الإتلامة فى اللن 
النفسانى . امجلة العربية للطب النفسى 0١٠‏ 58-89 . ْ 

الكواكبى ؛ عبد الرحمن (14106) . الأعمال الكاملة . عبد الرحمن الكواكبى . تحقيق 
تكد غنارة دزيرورق»: الايسية الغرمة للدراباك والتع 

كونسطانين » الصوفى )١1987(‏ . مسألة النفس وموضوعها عند ابن سينا . مجلة البحث 
البلمن -1. ١‏ 

محمد ؛ محمد (1946) . علم النفس المعاصر في ضوء الإسلام . جدة : دار الشروق . 

محمود . عمر )١19875(‏ . ملامح علم النفس الإسلامي . القاهرة : دار النهضة العربية . 

مراد » يوسف (1910) . صر (ص . 441-477) . في : نشاط العرب في العلوم 
الاجتماعية في مائة سنة . سلسلة العلوم الشرقية . الحلقة الثالثئة والأربعون . بيروت : جامعة 
بيروت الأمريكية . 

مرسي » كمال (1488) . تعريفات الصحة النفسية في الإسلام وعلم النفس ء مجلة 
المسلم المعاصرء ١8‏ . ١ه"581-1".‏ 

مرسى . كمال . » والرشيدي » بشير )١1985(‏ . التوجيه والإرشاد فلسفته وأخلاقياته فى 
المجتمعات الإسلامية » الجلة التربوية » 78-8 . ْ 

مروة ء حسين (1981) . النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية . بيروت : دار 
الفارابى . 

معمورء عبد المنان (1995) . العلاج النفسي في ضوء القرآن الكرم والسنة النبوية . 

مكة المكرمة : المكتبة المكية . 

المعهد العالمى للفكر الإسلامى (1583) . إسلامية المعرفة : المبادئ العامة-خطة 
العمل-الإغجازات . القاهرة : وكالة الأهرام للتوزيع . 


49 


نجاتى . محمد عثمان )١198٠0(‏ . الإدراك الحسى عند ابن سينا . القاهرة : دار الشروق . 

نجاتي » محمد عثمان (19417) . القرآن وعلم النفس . بيروت : دار الشروق . 

نجاتى » محمد عثمان )١1984(‏ . التذكر والنسيان فى القرآن . مجلة النفس المطمئنة » 
40-1 ْ 

نجاتي . محمد عثمان (١11١ه)‏ . منهج التأصيل الإسلامي لعلم النفس . مجلة 
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية , 2*7 ا/ا#-408 . 

نجاتي . محمد عثمان (411١ه)‏ . منهج التأصيل الإسلامي لعلم النفس . مجلة المسلم 
المعاصرف لاه . 45-19١‏ . 

النصر . على (441) . الصحوة الإسلامية المعاصرة والعلوم الإنسانية » مجلة المستقبل 
العربى ١ . 7581-1١١5 5٠‏ 

النغيمشي » عبد العزيز (418١ه)‏ . علم النفس الدعوي . الرياض : دار المسلم . 

الهاشمي » عبد الحميد (15176) . حي بن يقظان : دراسة نفسية رائدة من روائع الفكر 
الإسلامى . مجلة كلية التربية » جامعة الملك عبد العزيز» ١‏ . 

الهاشمي » عبد الحدميد (1477) . علم النفس في التصور الإسلامي . المؤتمر العالمي 
الأول للتعليم الإسلامي . مكة : جامعة الملك عبد العزيز. 

الهاشمي . عبد الحميد (407١ه)‏ . لمحات نفسية في القرآن الكريم . مكة : رابطة العالم 
الإسلامي . 


50 


المراجع الأجنبية 


15165226101121 .(.105) ,ممعم .ل على ,ممءرء5 ./ا م[ .أملاو2 .(1992) .*1 ,فد طم 

.كوع26 قاكةءطع]8 01 'إازومعالونآ :مأمعصارآ .لأعمثت عط 20نامعة ممم وبع 71 :نإوهامطء لاوم 
اث .آ 10 .لإع010تاعلاكم 06 عصتامتعذأل عت عمتمتد 1512 م0 .(1981) .لذ ,تستطمد1!!-اهم 
علاأأععمؤرعم ع1أصةأ5آ] ع1 :كععمعء؟ لوستقدم لمة لدأءه50 .(.5ل8) كعومد[8 .لى © أومة8 
/1دمع17لملآ 12جدانلطة عمتكا :طدللع1 .(49-70) 

7/11 :ممما .كاذاع2010علاكم لاأأكدت84 01 ممسديع]11ل ع1 .(1979) .14 .ملظ 

.عا اطنط 

.لع 75 .لإع7010لعلا5م 0 01061102ل20ام1 .(1969) .غ1 ,لمكماكلاة .1 ,رممكمتكلهة ,.ظ ,لمدع 11[ 
نامع مةة] :علوملا برعل 

0 3 هذ لإع010تاعلاكم مقء تمع لمم -مىناط 01 ددذالم فرعم تط1 ع1" . (19976) .0 بواعء هط ]1 
-5نا10 مقعاءعدقة ع1" .لوه أمطءلاكم دملا مة 0120 أملرء)2 مث :12لأأناء لرعاوء /1ا- 


.44-69 ,14 ,وععرعنء5 50131 عند !15 01 221 


51 


الفصل الثاني 


علم التشريح (علم نفس البنية العضوية) 


53 


علم التشريح: القاعدة الصلبة لعلم النفس فى التراث 


قد يسأل أحد ما هي علاقة علم التشريح بعلم النفس ؟ يمكن القول بأن علم التشريح أو 
علم البنية العضوية يساعد على فهم الفسيولوجيا أو منفعة الأعضاء . وبلغة معاصرة وظائف 
الأعضاء . ويؤدي ذلك إلى فهم الأسس البيولوجية للسلوك . وبكلمات أخرى » هناك علاقة 
قوية بين التشريح والفسيولوجيا , ويعتبر الأول بمثابة قاعدة بالنسبة إلى الثاني . كما أن هناك 
علاقة قوية بين النيورولوجيا أو علم الأعصاب وعلم النفس تتمثل في علم النفس 
النيورولوجي ‏ وفي ذات الوقت هناك علاقة قوية بين الفسيولوجيا وعلم النفس تتمثل في 
علم النفس الفسيولوجي . لكي ندرس التحكم في السلوك في علم النفس من المهم دراسة 
الدماغ والنخاع الشوكي والأعصاب الحسية والحركية , ولكي ندرس كيفية الإبصار فمن 
المهم معرفة تشريح العين وفسلجتها . وسوف يكون حديثئنا في الجزء الأخير من هذا الفصل 
مركزا حول تشريح العين عند ابن الهثيم الذي يربط بين التشريح ووظائف العين ربطا 
محكما في كيفية الإبصار . كما يرتبط ذلك بنظرية ابن الهيثم عن الإدراك البصري 
والأغلاط البصرية . وبلغة معاصرة الخنداعات البصرية . لقد بدأنا فصول هذا الكتاب 
بالتشريح وسوف نتبعه بالفصل الثاني عن الفسيولوجيا كما نربطه بمشروع الاكتشاف الذي 
سوف نقدمه في هذا الكتاب عن أول مقياس أو تجربة سيكولوجية » ليس في التراث 
السيكولوجي العربي الإسلامي فحسب . وإنما في تاريخ علم النفس كافة . وعموما يمكننا 
التأمل في القاعدة الصلبة التي يرتكز عليها علم النفس في التراث العربي الإسلامي : 
التشريح والفسيولوجيا . 

دعا عدد من العلماء العرب والمسلمين إلى البحث في علم التشريح الذي يؤدي بدوره 
لعرفة الحكمة الإلهية من الخلق . وتبعاً لابن أبى أصيبعة : يقول ابن رشنا : «من اشتغل 
بعلم التشريح ازداد إماناً بالله» . وأوصى الزهاوي في كتابه «التصريف لمن عجز التأليف» 
بضرورة معرفة علم التشريح . وقال إنه أساس كل جراحة وأن الجهل بالتشريح يجر إلى نتائج 
وخيمة . وأشار إلى ضصرورة تشريح الأجسام بعد الموت لمعرفة سبب الوفاة (انظر طه . 
) . ودعا ابن جميع الإسرائيلي بحرارة الأطباء العرب إلى المباشرة بإجراء الدروس 
التشريحية (انظر سميث . 14917) . كما حدد ابن جميع كذلك بعض المتطلبات التي يجب 
أن يتمتع بها كل طبيب صالح بقوله « ويحتاج (الطبيب) إلى إحصاء أعضاء بدن الإنسان 
عضواً عضواً والوقوف بالحس والمشاهدة على خواص جوهر كل واحد منها من اللون والقوام 


55 


ونحوهما . وعلى خلقته أي شكله وملاسته أو خشونته وهل فيه تجويف أو مجرى . . .» 
كما أوصى ابن النفيس كذلك بأهمية دراسة التشريح المقارن لما رأى من تباين في تركيب 
أجسام الحيوانات الختلفة » وتوصل من ذلك إلى كشف الدورة الدموية الصغرى بعد أن عرف 
تشريح الشرايين والأوردة في الرئة (الباشاء 19817) . 

والملاحظ بأن جميع المؤلفات الطبية في التراث العربي الإسلامي كانت تشمل فصولاً 
تتعلق بالتشريح »كما أن مقالات أحادية الموضوع كانت مكرسة بكاملها لهذا التشريح . 
وهناك سلسلة من الرسوم التشريحية التي تصور الأوردة والشرايين والأعصاب والعظام 
والعضلات (انظر الملاحق) . تطرق مجموعة من العلماء العرب والمسلمين لموضوع التشريح 
وتمت معالحته بصورة دقيقة في ب بعض الإسهامات . وسوف نركز في هذا الجزء من الدراسة 
غلن ثلآثة إسهامات رئيسية + أولا مشاهمة ابن سينا الذي قام بوصف تركيب الدماغ 
والتحليل التشريحي للإدراك الحسي والأعصاب دوثائياً : مساهمة ابن النفيس في اكتشافه 
للدورة الدموية الصغرى وتشريح الأعصاب القحفية . وثالعاً : مساهمة ابن الهيثم في تشر 
العين والتي ترتبط بمشروعه البحثي في علم نفس الإبصار وسيكوفيزياء الإبصار ا 
نتتبع كيف عملت مساهمة العلماء العرب والمسلمين على تطوير التشريح بصورة عامة في 
تطوير المنهج العلمي الذي ساهم بدوره في تطوير علم النفس . 

ومن ناحية تاريخية » حاول الطبيب اليوناني جالينوس أن يتناول علم التشريح 9 
وظائف الأعضاء : فجعلها وحدة واحدة . ولكنه لم يستطع التفريق بينهما تفريقا واضحا 
ومحددا . ولعله جاء مقلدا للاسكندرانيين الذين أشاروا إلى ذلك دون التمييز بين الفرعين ‏ 
واستمر علم التشريح قائماً على نفس الأساس والمفهوم الذي جاء به جالينوس . حتى جاء 
ابن رشد الذي فصل لأول مرة علم البنية العضوية . عن علم وظائف الأعضاء . واضعا 
بذلك الأساس الأكاديمي اللاحق بهذا المخصوص . وهو الأساس الذي ارتكز عليه علم 
التشريح عند علماء ء المسلمين , وأخذ عنهم الغرب فيما بعد . فقد عالج الرازي علم التشريح 
في كتابه (المنصوري) المكون من ستة وعشرين فصلاً . كما أورد علي بن العباس في كتابه 
التاسع من مؤّلفه (مختصر قانون الطب) مائة وعشر حالات تشريحية وجراحية . كما أشار 
الزهاوي الجراح الشهير إلى علم التشريح , على أنه الأساس المنظم العلمي لعلم الجراحة 
(الهونى . 1985 ) . 

اعتمد علماء التراث العربي الإسلامي في مباحثهم التشريحية على تشريح الحيوان 
خاصة . وفي كشير من الآراء على تشريح جثة الإنسان . فمثلا » قدم القزويني في كتابه 


56 


«عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات» نظرة عامة عن تشريح أعضاء الإنسان (العظام 
والغضروف والعصب والرباط واللحم والشحم والشرايين والأوردة والشرب والغشاء والجلد 
والمخ) . ولم يترك الأعضاء المركبة الظاهرة والباطنة » فالظاهرة مثل : الرأس »ء والعين . والروح 
الباصر , والأذن ‏ والأنف » والشفة » والفم » واللحيين » والشعر والعنق » والصدر ء واليد . 
والظفر » والبطن » والظهر , والجنب » والرجل . أما الأعضاء الباطنة » فمثل : الرثة » والقلب » 
والكبد , والشم » والبصر ‏ والسمع . والذوق . والطحال . والمعدة , والمريء » والكلية والمثانة . 

وكان يوحنا بن ماسويه أول من اشتهر بتشريح القرود وأصبح هذا التقليد امختبري 
يتقوى مع مرور الزمن في الحضارة الإسلامية (طه ؛ 154٠‏ أ) . ويمكن أن نتتبع ممارسة ابن 
ماسويه للتشريح من خلال قصة رواها ابن أبي أصيبعة عن يوسف بن إبراهيم إذ قال : « قدم 
جرجة بن زكريا عظيم النوبة في شهر رمضان سنة إحدى وعشرين ومائتين إلى سر من 
رأى » وأهدى إلى المعتصم هدايا فيها قردة فإني عند يوحنا في اليوم الثاني من شوال من هذه 
السنة . وأنا أعاتبه على تخلفه عن حضور الدار فى ذلك الوقت ., لأنى رأيت سلمويه 
وبختيشوع والجريش المتطببين وقد وصلوا إذ دخل علينا غلام من الأتراك الخاصة , ومعه قرد 
من القرود التى أهداها ملك النوبة لا أذكر أنى رأيت أكبر منه جثة وقال : يقول لك أمير 
لمؤمنين زوج هذا القرد من حماحم قردتك » وكان ليوحنا قردة يسميها حماحم , كان لا 
يصبر عنها ساعة . فوجم لذلك ثم قال للرسول قل لأمير المؤمنين اتخاذي لهذه القردة غير ما 
توهمه أمير المؤمنين , وإنما دبرت تشريحها » ووضع كتاب على وضع جالينوس في التشريح 
يكون جمال وضعي إياه لأمير المؤمنين » وكان في جسمها قلة تكون العروق فيها , والأوراد 
والففيي ذقاقا : ؛ فلم أطمع في اتضاح الأمر فيها مثل اتضاحه فيما عظم جسمه , فتركتها 
لتكبر ويغلظ جسمها . فأما إذ قد وافى هذا القرد فسيعلم أمير المؤمنين أني سأضع له كتاباً لم 
يوضع في الإسلام مثله . ثم فعل ذلك بالقرد فظهر له منه كتاب حسن استحسنه أعداؤه 
فضلاً عن أصدقائه» . كان يوحنا بن ماسويه 58 ورا وت يا لقد مارس تشريح 
القرود وكتب كتاباً في ذلك واصفا العروق والأوردة والأعصاب ومن كتبه التي أشار إليها 
ابن النديم في الفهرست «كتاب الحمام», » «كتاب علاج الصداع» , «كتاب السدر والدوار» , 
«كتاب محنة الطبيب» . «كتاب الفصد والحجامة» , «كتاب القولنج» و«كتاب مجسة 
العروق» . 


537 


ابن سينا و التشريح في كتاب القانون 


يتضمن التشريح ثمانين فصلاً في الجزء الأول من كتاب «القانون في الطب» لابن 

يك ور تشريح الرأس وأجزائه مثل الدماغ والعنق والصدر والعجز والأطراف والأضلاع 
55 والعضلات المختلفة والأعصاب والشرايين وذلك طبقاً لطريقة ة الكنانيشٌ الشهيرة في 
التصنيف من الرأس للقدمين . وفيما يخص الجانب السيكولوجي تناول ابن سينا تشريح 
أعصاب الحس مثل البصر والشم مثلا , ففي فصل أمراض العصب يقول ابن سينا « أما 
نفس العصب فقد عرفت منشأه وتوزعه وشكله وطبعه وتشريحه وأما أمراضه فاعلم أنه قد 
تعرض له أصناف الأمراض.الثلاثة أعني المزاجية والآلية وانحلال الفرد المشترك وتظهر الآفة 
ف أفعاله الطبيعية والحاسة واحركة . أما في تشريح الدماغ فيقول ابن سينا : (ينقسم إلى 
جوهر حجابي وإلى جوهر مخي وإلى تجاويف فيه ملوءة روحاً وأما الأعصاب فهي كالفروع 


المنبعئة عنه» . 
ويضيف ابن سينا : ويحيط بالدماغ مما يلي القحف غشاءان أحدهما سميك يسمى 
الغشاء الصلب «وهو ما يمسمى الآن : الأم الجافية» . والآخر رفيق يسمى الغشاء الرقيق 


المشيمي لاويسمى الآن : الأم الحنون» . وهما يفصلان بين جوهر الدماغ وبين القحف » 

ويمنعان وصول الآفات التي تصيب القحف إلى جوهر الدطاع . وفيهما عدا تنفذ الأوعية 
الدموية . ويضيف علم التشريح الحديث غشاء ثالثاً هو الأم العنكبوتية وهو يقع بين الأم 
الجافية والأم الحنون . وللدماغ في طوله ثلاثة ثة بطون : المبطن الأمامي الأمن 2 والبطن 
الأمامي الأيسرء والبطن الأوسط 3 والبطن المؤخر . وبين البطن الأمامي والبطن المؤخر من 
أسفل يجتمع العرقان السباتيان الصاعدان من القلب » ثم يتوزعان في أجزاء الدماغ . 


ويسمى مكان اجتماعهما الشبكة وهو ما يسمى الآن الشبكة المشيمية . وتوجد بين شعب 
الشبكة الغدة الصنوبرية » ويوجد أسفل الشبكة العظم الذي يكون قاعدة الدماغ (انظر 
نجاتى » )١198٠١‏ . 


ويمكن أن نقارب بين وصف ابن سينا للدماغ والأعصاب الحسية بما هو متاح في باب 
الأسس البيولوجية للسلوك في علم النفس العام أو علم النفس الفسيولوجي . إذ يدرس 
طالب علم النفس بأن الجهاز العصبي المركزي يتكون من المخ والنخاع الشوكي . وهما 
مجموعة الأنسجة العصبية التي تملأ الجمجمة والعمود الفقري . وكل تفرعاتهما العصبية . 
ويتكون المخ من ثلاثة أقسام هي )١(‏ مقدم المخ ويتكون من نصفي كرة ويتحكم في معظم 


58 


أنشطة الإنسان الجسمية والعقلية : )0س( المخفيخ ويقع تحت مؤخر السيريبرام وهو مختص 
بالعمليات التلقائية بالجسم . (*) جاع المخ وهو الجزء الخارج من بطن المخ ليوصله بأول 
الحبل الشوكي بالرقبة . ويشكل النخاع الشوكي الجزء السفلي من الجهاز العصبي المركزي . 
ويعتبر المركز الأول والأخير للمعلومات الواردة والصادرة . فالأعصاي الخارجة من داخل 
فقرات العمود الفقري تجمع المعلومات من مراكز الحس الختلفة لتوصلها إلى المخ حيث تترجم 
الأحاسيس إلى معلومات مفهومة ؛ تصدر وراءها رسائل أخرى عن طريق المخ أولا , ليتناولها 
النخاع الشوكي فيوصلها إلى المراكز الخاصة بنوع الاستجابة المتصلة بها (انظر دويدار» 
7). 

تحتل أبحاث الإحساس والإدراك كاده كبيرة ة من كتب علم النفس العامة 
والمتخصصة » وترتكز هذه الأبحاث على علم النفس الفسيولوجي الذي يعتمد على التشريح 
بصورة أساسية . وتناول ابن سينا موضوع الإدراك من خلال ما يسميه «القوة المدركة» . 
وتتقسم هذه القوة المدركة 0 لابن سينا إلى قسمين منها قوة تدرك من الخارج وقوة 
تدرك من الداخل . فالمدركة من الخارج هي الحواس الخمس أو الثماني ومنها البصر وهو قوة 
مرتبة في العصبة امجوفة تدرك صورة ما تنطبع في الرطوبة الجليدية من أشباح الأجسام ذوات 
اللون المتأدية في الأجسام الشفافة بالفعل إلى سطوح الأجسام الصقيلة . ومنها السمع وهو 
قوة مرتبة في العصبة المتفرقة في سطح الداع تدرك صورهة ةما تتأدى إليها من توج الهواء 
المنضغط بين قارع ومقروع مقاوم له انضغاطاً بعنف يحدث منه صوت فيتأدى تموجه إلى 
الهواء الحصور الراكد في تبويف الصماخ ويحركه بشكل حركته وتماس أمواج تلك الحركة 
العصبية فيسمع . ومنها الشم وهواقوة مرتبة ة في زائدتي مقدم الدماغ الشبيهتين بحلمتي 
الغدي تدرك ما يؤدي إليه الهواء المستنشق من الرائحة الموجودة في البخار الخالط له أو 
الرائحة المنطبعة فيه بالاستحالة من جرم ذي رائحة . ومنها الذوق وهي قوة مرتبة في 
العصب المفروش على جرم اللسان تدرك الطعوم المتحللة من الأجسام المماسة له الخالطة 
للرطوبة العذبة التى فيها مخالطة محيلة . 

ومن القوة المدركة الأخرى من الخارج حسب قول ابن سينا : اللمس وهو قوة مرتبة في 
أعصاب جلد البدن كله ولحمه تدرك ما يماسه ويؤثر فيه بالمضادة المحيلة للمزاج أو المحيلة لهيئة 
التركيب ويشبه أن تكون هذه القوة عند قوم لا نوع أخيرا بل جنسا لقوى أربع أو فوقها منبثة 
معا في الجلد كله . وإحداها حاكمة في التضاد الذي بين ا حار والبارد » والثانية حاكمة في 
التضاد الذي بين الرطب واليابس 4 والثالثة حاكمة فى التضاد الذي بين الصلب واللين 3 


59 


والرابعة حاكمة في التضاد الذي بين الخشن والأملس إلا أن اجتماعها في آلة واحدة يوهم 
تأحدها فى الذات . فمن القوى المدركة الباطنة الحيوانية قوة بنطاسيا والحس المشترك » وهى 
قوة مرتبة في التجويف الأول من الدماغ تقبل بذاتها جميع الصور المنطبعة في الحواس 
الخمس المتأدية إليه » ثم الخيال والمصورة وهي قوة مرتبة أيضا في آخر التجويف المقدم من 
الدماغ تحفظ ما قبله الحس المشترك من الحواس الجزئية الخمس . والمفكرة وهي قوى مرتبة 
في التجويف الأوسط من الدماغ عند الدودة ومن شأنها أن تركب بعض ما في الخيال مع 
بعض وتفصل بعضه عن بعض بحسب الإرادة . والقوة الوهمية وهي قوة مرتبة في نهاية 
التجويف الأوسط من الدماغ تدرك المعاني غير المحسوسة . والقوة الحافظة الذاكرة وهي قوة 
مرتبة في التجويف المؤخر من الدماغ تحفظ ما تدركه القوة الوهمية من المعاني غير الحسوسة 
فى المحسوسات الحزئية . 

٠‏ عالج البيروني كذلك الحواس التي تنفعل بمحسوساتها أعضاء البدن الحيواني وأفعاله 
وقواه فيعطينا أفكارا أخرى هامة وأصيلة بالاستمرار فى تعريف الحواس وكيفية أدائها أفعالها 
بالنسبة لعلمي التشريح ووظائف الأعضاء (حمارنة ‏ 1487) . يقول البيروني «فالبصر 
محسوسه النور الحامل في الهواء ألوان الأجسام خاصة وإن حمل أيضاً غيرها من الأشكال 
والهيئات حتى يعرف بها كمية المعدودات (والمرئيات إلى الشبكية فالعصب البصري فإلى 
الدماغ للحصول على الرؤية الكاملة) . وأما السمع فمحسوسه الأصوات ., والهواء حاملها 
إليه » والشم محسوسه الروائح . والهواء يوصل حواملها إلى الخياشيم إذا انفصلت من 
المشموم كانفصال البخار من الماء باختلاط أجزائه المتبددة في الهواء» . مقارنة بمساهمة 
البيروني » فقد قدم ابن سينا مساهمة أكثر جدية في دراسة الإدراك الحسي وخاصة القوة 
المدركة ووصل لرتبة النظرية العلمية بمعناها المعاصر . وتتجلى جدة ابن سينا » كما يؤكد 
الداية (؟1985) » وإضافته على نحو واضح في ذلك النمط التشريحي الذي اتبعه في تحليل 
الإدراك الحسي ( اللمس » الذوق », الشم ؛ السمع . البصر) والأعضاء التي ترتبط به 
والكيفيات وارتباطها بالجملة العصبية والدماغ مقسماً إلى أقسام تتوزع الوظائف الحسية . 


ابن النفيس والتشريح الإبداعي 


ولعل المساهمة الأكثر إبداعا وحداثة في التشريح هي مساهمة ابن النفيس 1١1١8‏ - 
8مم والتي يجب عرضها في هذا الجزء من الدراسة . يقول ابن النفيس في مقدمة 


60 


كتابه «شرح تشريح القانون» : « وأما منافع الأعضاء فإنما يعتمد فى تعريفها على ما يقتضيه 
النظر الحقق والبحث المستقيم , ولا علينا أوافق ذلك الرأي من تقدمنا أو خالفه» . ففى قول 
ابن النفيس هناك اعتماد على الملاحظة العلمية «النظر الحقق» وهي نقطة البداية في العمل 
البحثي التجريبي (هلقارد واتكنسون واتكنسون »و/او9١)‏ . ولقد رأى ابن النفيس تبايناً في 
تركيب أجسام الحيوانات الختلفة فأوصى بدراسة التشريح المقارن لكي نلم بالاختلافات 
(هونكة » )١1997‏ . وكان ابن النفيس مدركاً لطبيعة العلاقة المتكاملة بين التشريح وعلم 
النفس »إذ كان ينصح بممارسة التشريح لأنه يؤدي إلى فهم وظائف الأعضاء ٠‏ ومن ثم إلى 
تشخيص الأمراض وشفاء المرض (العمري . )1994٠‏ . 

كان الطريق مهدا لابن النفيس من خلال الإسهامات التى سبقته فى هذا المجال . 
خاصة إسهام جالينوس وابن سينا وقد عمل على نقدها وتجاوزها . من بين كتب ابن النفيس 
الهامة في الطب «شرح القانون» الذي توجد منه نسخة في مكتبة معهد الويلكم بلندن 
ونسخة في مكتبة المتحف العراقي في بغداد , و«شرح تشريح القانون» منه نسخة في باريس 
ولندن وأكسفورد وبرلين . و«شرح مفردات القاتون» وهو جزء من شرح القانون » و«موجز 
القانون» » و«شرح فصول أبوقراط» منه عدة نسخ في باريس والقاهرة » و«شرح تقدمة المعرفة 
لأبقراط» منه نسخة في باريس وفي المكتبة الوقفية بحلب (سوريا) ‏ و«شرح التشريح الكبير 
لجالينوس» » و«الشامل فى الصناعة» واشرح المشاكل الطبية لحنين بن إسحاق» (حناشة 2 
84 ) . وإن مساهمة ابن النفيس العملاقة فى هذه الشروحات المختلفة هى اكتشافه 
للدورة الدموية ) العمري ل لا © الهوني . ١9/5‏ » الباشا » *98 » تاتون 944ة١)‏ وهذه 
هي المرة الأولى في التاريخ التي تقدم فيها ثورة كبيرة في البيولوجيا التشريحية . وفي هذه 
الشورة عارض ابن النفيس آراء جالينوس في الكيفية التي يدخل بها الدم للدماغ . كما 
عارض آراء ابن سينا في نظرية انتقال الدم من البطين الأيمن إلى البطين الأيسر . 

يقول ابن النفيس في اكتشافه للدورة الدموية 2.7 . . وهذا التجويف هو التجويف الأعن 
من تجويفي القلب . وإذا لطف الدم في هذا التجويف فلا بد من نفوذه فى التجويف الأيسر 
حيث يتولد الروح . ولكن ليس بينهما منفذ . فإن جرم القلب هناك مصمت . ليس فيه 
منفذ ظاهر كما ظنه جماعة , ولا منفذ غير ظاهر يصلح لنفوذ هذا الدم كما ظنه جالينوس 
فإن مسام القلب هناك مستحصفة وجرمه غليظ . فلا بد أن يكون هذا الدم إذا لطف نفذ 
في الوريد الشرياني إلى الرئة ليذوب في جرمها ويخالط الهواء ؛ ويستصفي ألطف ما فيه . 
وينفذ إلى الشريان الوريدي ليوصل إلى التجويف الأيسر من تجويفي القلب وقد خالط الهواء 


61 


وصلح لأن يتولد منه الروح» . ينطلق اكتشاف الدورة الدموية الصغرى من قبل ابن النفيس 
من تصور قديم وخاطئ : وهذا التصور مفاده أن الدم وينقى» ضمن تجبويف في القلب » من 
أجل تكوين الروح الحيوانية . واستناداً إلى غاليان وابن سينا كان الدم ينتقل من البطين 
الأيمن إلى البطين الأيسر بعد المرور بصمام القلب . ولكن ابن النفيس لاحظ أن هذا الصمام 
كشيف ومحروم من المسام الشفافة . ولحل هذه المشكلة مرر الدم عبر الوريد الشرياني إلى 
الرئتين حيث يختلط بالهواء . لكي يعود فيما بعد عبر الشريان الوريدي إلى القسم الأيسر 
من القلب حيث تتكون الروح الحية من خلال هذا الدم المنقى في قسمه الأكثر رهافة . 
وهكذا تمنع صفاقة الشرايين الدم من الاختلاط بالروح الحيوانية (انظر تاتون . )١988‏ . 

يقول ابن سينا في وصف الزوج السادس من الأعصاب القحفية: (أي العصب التاسع 
والعاشر والحادي عشر من التسمية الحديثة ) « وأما الزوج السادس فإنه ينبت من مؤخر 
الدماغ متصلا بالخنامس مشدوداً معه بأغشية وأربطة كأنها عصبة واحدة » ويخرج من الكتقب 
الذي في منتهى الدرزاللامي» . ويعلق ابن النفيس على ابن سينا : «قوله متصلاً بالخامس 
مشدوداً معه بأغشية وأربطة , أني إلى الآن لا أعرف لهذا الاتصال حكمة ولم أتحقق من 
صحته : فإن منشأ هذا ا ا كاسن ومر جه لفت محا ا م ل 
يرتبط بالخامس ثم يتأخر ليخرج» . وهو نقد صحيح لابن سينا . ولنلاحظ قوله «لم خين 
يد فحت وكش قل معد هذا الكلام صحيياً . وبعبارة أخرى ء أنه شرح 
تلك المنطقة فاكتشف خطأ ابن سينا وجالينوس معا . وهو وصف دقيق لتشريح دماغ 
الإنسان الذي يختلف تاماً عن دماغ الخروف كما يريد البعض أن يكون (انظرء حناشة » 
944) . 

في غياب الميكروسكوب . ولكن مع دقة الملاحظة والتجربة » وصف ابن النفيس 
مجموعة من الأعصاب . ففي علم النفس الفسيولوجي المعاصر يمكن أن نطالع وجود اثني 
عشر زوجاً من الأعصاب تخرج من ثقوب بالجمجمة . بدايتها قشرة المخ ونهاياتها مناطقها 
الوظيفية الموزعة على الجلد والعضلات والأعضاء الموجودة 0 والرقبة . ولكل من هذه 
الأعصاب الدماغية رقمه الخاص . )١(‏ العصب الشمي . ؟) العصب البصري (وهو 
متصل بالشبكية) . (") العصب الحرك للعين .(4) العصب 0 (يحرك العين بطريقة 
دائرية) . (6) العصب الجوأ مي الثلاثي (يتصل بحركات الوجه والمضغ) . (5) العصب 
لبعد (يحرك المقلة أفقياً) . (/9) العصب الوجهي (يختص بتحريك عضلات الوجه عند 
التعبير) . () العصب السمعي (يتصل بالأذن الوسطى) . (9) العصب اللساني البلعومي 


62 


(يتصل بالحركات الخاصة بالبلع والقيء . )٠١(‏ العصب الحائر (يكون أول جزء في الجهاز 
العصبي التلقائي) . )١١(‏ العصب التابع ابتك لمات الرقبة الدائرية والراضية):.. 
)١1١(‏ العصب تحت اللسان (يحرك اللسان عند المضغ والبلع والكلام) (دويدار؛ 19957) . 

ففي كشوفه التشريحية » تميز ابن النفيس باستقلاله في التفكير والرأي وتحرره من 
سيطرة آراء جالينوس وابن سينا فأنكر في جرأة كل ما لم تره عيناه أولم يصدقه عقله 
واعتمد في استنتاجاته على العقل والملاحظة والتجربة . ويبدو أن ابن النفيس لم يكتف 
فقط بالتوصية بممارسة التشريح . ويعتقد عدد من الباحثين (تاتون » /9/8 ؛ سامي حداد ؛ 
بول غليونجي , حناشة : في حناشة :1988 ؛ طهء 1540أ ؛ النجار»ء 19817) أن ابن 
النفيس قد شرح جثة الإنسان , ويحتوي كتاب شرح التشريح على عدد من البراهين . يقول 
جالينوس فى وصف دخول الدم إلى الدماغ : «يصل الدم إلى الدماغ فى القسم الذي 
يسميه البعض الدماغ المقدم » عبر الأم الحافية التي تسم الدماغ إلى قسمين ١...‏ ويرد 
عليه ابن النفيس : «إن الروح الحيواني ينفذ أولاً إلى البطن المؤخر ثم ينفذ بعد ذلك إلى 
البطنين الآخرين » وهيئة التشريح تصدق ذلك وتكذب قولهم » فإن نفوذ الشرايين إلى داخل 
القحف معلوم أنه لا يكون من البطن المقدم» . وهذا صحيح كل الصحة . 

وعن تشريح جثة الآدمي » يقول طه (0٠114أ) ‏ يميل البعض إلى أن ما كتبه بعض 
علماء التراث الإسلامي لا يعقل أن يصدر إلا من رأى بعينيه » ووضع أصبعه على الأنسجة 
الحشوية الرقيقة . ويؤثر عن ابن النفيس أنه اشتغل ليس فقط بالتشريح الإنساني بل نضا 
بالتشريح المقارن . وحسب تعبير تاتون )١1984(‏ بأن ابن النفيس قد اضطر إلى التصريح بأنه 
لم يمارس التشريح الجراحي » فإن كتاباته لا تسمح بالشك في أنه قام بتجارب مباشرة . ثم 
إنه من الناحية التشريحية قد قام باكتشاف لا ينازعه فيه أحد . وباسم هذه الملاحظات 
دحض أقوال سابقيه الأكثر شهرة . ووصفه للأوعية الدموية » وخاصة تلك التى تذهب إلى 
الرئة يجب أن يدون . ومعارفه التشريحية هي التي قادته إلى أن يخالف ابن سينا » فيؤكد 
أن غذاء القلب يتأمن بفضل أوعيته الخاصة الفارقة في مادته : وعندها قدم وصفاً للأوعية 
التاجية . وعلى أثر هذا الإيضاح التشريحي ؛ تكون الصيغة التي تعبر من الناحية 
الفيزيولوجية » أدق التعبير عن اكتشاف الدورة الدموية الصغرى . 


63 


ابن النفيس وتفجير الثورة التشريحية ية فى أوربا 


إن أول ثورة تشريحية في الغرب كانت متأثرة بالعلم العربي الإسلامي من خلال رواد 
التشريح الغربيين أمثال فيزال وغاليان ومن خلال المدارس التي اهتمت بالتشريح ومن خلال 
المصطلحات والتعبيرات العرسة في التشريح . يقول تاتون يبقى تفسير اب بن النفيس واكتشافه 
للدورة الدموية مكسباً إيجابياً من حيث التقدم العلمي . وعمل ابن النفيس ترجم إلى 
اللاتينية في مطلع القرن السادس عشر من قبل أندريا ألباغو . ونص هذه الترجمة نشر في 
البندقية في سنة 15047 . ويبدو أن ميشال سرفت قد اطلع عليه عندما عرض من جديد 
فرضية الدورة الرئوية (تاتون . )١988‏ . وهناك برهان على معرفة ألباغو بنظرية ابن النفيس 
عن الدورة الدموية الصغرى من خلال استطراد في النص متعلق بالنبض الذي ذكره ابن 
النفيس والذي يضعه ألباغو ضمن القسم المترجم لشرح ابن النفيس . فهو يعرض فيه بعض 
الملاحظات عن النظرية الجالينوسية المتعلقة بحركة القلب وبنظام الشرايين » كما يعرض 
أيضاً عناصر من نقد ابن النفيس (انظر جاكار » )١9891/‏ . إن مساهمة ابن النفيس » حسب 
تعبير مايرهوف (الهونى ٠‏ 1985) ء تجعله أول طبيب وصف الدورة الدموية 0 فى 
الجسم ء مما يهدم القول بأن الطبيبين سرفينوس وكولومبو هما اللذان اكتشفا الدورة الدموية » 
فقد اعتبره علماء الغرب السلف الحقيقي لوليم هارفي بدلا من سرفينوس وكولومبو . 

إن الطب الغربي مرتكز بصورة أساسية على التشريح وإن الفكر التشريحي . بالمعنى 
الحديث للعبارة » بدأ . وبشكل مفاجى نوعاً ماء مع عمل فيزالٍ . وبالتالي مثل نصف القرن 
السادس عشر قطعاً عاعينا في تاريخ العلوم الطبية ؛ وفجر عصراً عند . إذا كان فيزال قد 
ضرب الضربة الأولى الحاسمة والقاطعة لنظام غاليان . فليس يقل عن ذلك حقيقة . أن 
ضربته لم تكن الأولى ولا كانت الثغرة الأولى في البناء العربي الغالياني . وقد عبر سبر نجل 
أن المشرمحين الذين عاشوا قبل فيزال حققوا اكتشافات عديدة ومفيدة . لقد أدخل التشريح 
البشري في التعليم الجامعي في أوربا خلال القرن الرابع عشر وبخاصة في إيطاليا . وقدم 
لوزي الأستاذ في بولونيا المثل الأوضح عن هذا النشاط التشريحي . وأمر لوزي بالتشريح 
التعليمي : وهولم يكن يزعم أنه يكتشف بنيات غير معروفة حتى زمنه » ولكنه أراد فقط أن 
يثبت بالمشاهدة العينية تعليم غاليان . كما أنه كان بعيدا عن امتلاك معرفة النصوص الحقة 
عن غاليان وهي نصوص عربية . 

وفي سنة ١44٠‏ ظهر إلى الوجود في البندقية الطبعة الأولى » من ترجمة لاتينية . 


64 


صحيحة في خطوطها الكبرى , لبحوث غاليان التشريحية ملحوقة في سنة ١0176‏ بنشرة 
الأصل الإغريقي . وبصورة تدريجية »تم خلال القرن السادس عشر تنقية التعبيرات 
التشريحية واستبدلت التعبيرات ذات الأصل العربى مثل (صفاق . زربوس » وميراش) 
بكلمات إغريقية الأصل أو لاتينية الأصل . أما المسائل ذات المظاهر اللغوية الخالصة فكانت 
موضوع نقاش تشريحي طوال الثلشين الأولين من القرن السادس عشر . ولكن كان هناك 
التناقض بين الملاحظات التشريحية الكلاسيكية والوسيطية . خلال القرن الخامس عشر 
وخلال العقود الأولى من القرن السادس عشر ء كان التشريح ,لير والتشريح التمحيصي 
للجنث قضائياً » مطبقين في عدة مدن إيطالية اه تعود إلى بولونيا وإلى بادو 
وإلى البندقية (تاتون ؛ 11947) . والمدارس الموجودة في هذه المدن هي مدارس متأثرة بالعلم 
العربي الإسلامي عبر مصفاة سالرنو الشهيرة والتي تمت فيها أولى الترجمات اللاتينية 
للمخطوطات العربية . 1 

إذا كان القرن السادس عشر هو عصر التشريح . فإن القرن السابع عشر كان عصر 
الفسيولوجيا , وهو علم مرتبط بإحكام بعلم التشريح ولمدة طويلة » ولكنه لم يكن ليزدهر إلا 
على أساس من المعارف التشريحية المتينة والمقررة بصورة مسبقة . إن هذا القرن الجديد يظل 
قرن هارفي » نظراً لأن اكتشافه للدورة الدموية الكبرى أحدث انقلابات في معتقدات عمرها 
آلاف السنين . أما نتائجه في معرفة الطب الحديث فكانت لا تحصى . وقد لاقى البحث 
فى الأوعية الدموية اهتماما كبيرا بفضل هارفى . وجرى التعمق أيضا فى نقاط تفصيلية 
مثل الدورة الكورونية (التاجية في القلب) . وتنفخ جدران الشرايين لاقى اهتماما من 
العديد من العلماء الذين عالجحوه إما طبيا وإما بالجراحة . إن علم النيورولوجيا هو أحد أقسام 
التشريح الذي استهوى عالم الطب . فقد انحنى الباحثون باهتمام على الدماغ وعلى احور 
العصبي وكذلك الأغشية . دون الكلام عن المناقشات الطويلة التي تناولت النفس 
وموضوعها ومكانها . إن اكتشاف لميكروسكوب سوف يوسع بشكل ضخم حقل 
الاستقصاء عند التشريحيين ؛ وسوف يخلق علماً جديداً هو التشريح الميكروسكوبي . وركز 
ويليس اهتمامه على الدماغ والأعصاب الجمجمية وركز فينيس على نفس هذه الأعضاء 
وعلى الجهاز العصبي . وكانت أعضاء الحس موضوع بحوث لدى الكثير من العلماء . 

في القرن التاسع عشر تطور التشريح بصورة كبيرة إذ نشر بورتال في سنة ١8٠7‏ 
«محاضرات في التشريح» في خمسة مجلدات (تاتون » )١997‏ . وراجع دوماس التسميات 
العضلية بشكل ذكي . وميز غال بين المادة الرمادية » مهاد الأعصاب . والمادة البيضاء ‏ 


65 


موصلة التيار العصبي . ونشر هنل تلميذ بيشات التشريح العام واكتشف أنابيب الكلية 
والخلايا الكبدية . تعتبر ثورة 1844 الفرنسية بداية عهد جديد . كانت الجمعية البيولوجية 
دليلاً على التقدم البيولوجى الذي غير الطبابة التشريحية . اعتقد كلود برنارد أن الطيابة 
تستطيع أن تنزل في داخل الجسم وأن تعثر على الوسيلة التى من شأنها إحداث التغيير 
والتنظيم وإلى حد معين , في مقومات المادة الحية . وكانت بحوثه الصبورة قد فتحت له 
الطريق واسعا ء بفضل دراساته حول العصارة المعدوية . واللعاس » عصارة البنكرياس 
والعصارة المعوية ودور الكبد في إنتاج الحرارة الحيوية » ووظيفتها السكرية . 

قام دينونفيليي بوصف صفاق الحوض الأصغر (الصفاق غشاء عضلي) وتابع سابي 
بحوثه حول الأوعية اللمفاوية . وقام بواريه وشاربي بإدارة نشر أبحاث ضخمة حول التشريح 
الوصفي . وكان للتشريح التوبوغرافي تمثلون تمتازون من فرنسا وألمانيا وإنجلترا والنمسا . حدد 
بروكا مركز قوة النطق والإفصاح في أسفل التدوير الجبهوي الأيسر الثالث . ولكن يقينه هذا 
قد زعزعته ملاحظات تروسو وشاركوت اللذين وجداء بعد تشريح لعي -عاجز عن النطق) . 
أن المنطقة المشار إليها سليمة . وهكذا لم يحتفظ الجيب الجبهوي بالأولوية التي كانت 
معطاة له . ولكن نظرية الأماكن الدماغية . التى أسسها سنة 141/0 شاركوا » وحاربها 
فولبيان وفلورنس بقيت : أن المنطقة الحركة تقع في التلفيف الجبهوي الصاعد وفي القسم 
الجانبى الصاعد . بوسعنا القول بأن كل التطورات الهائلة فى الثورة التشريحية خلال عدة 
قرون كان ابن النفيس مساهما رئيسيا في تفجيرها . ١‏ 


هلمهولتز والبصريات الفسيولوجية 


يتفق مؤرخو علم النفس في الغرب بأن مساهمة هلمهولتز في البصريات الفسيولوجية 
هي التي عملت على تطوير علم النفس التجريبي في القرن التاسع عشر (بورنج » /1981 ؛ 
برينان » 1987 ؛ هيرجنهاهين » 1985) . وتم وصف نتائج دراسات هلمهولتز الفسيولوجية 
والفيزيائية والسيكولوجية بأنها عملاقة عملت على تقدم السيكوفيزيقا وذلك لأنه استخدم 
المنهج التجريبي لتعريف الإدراك أكثر من كونه وظيفة حسية بصرية (برينان » 1987) . وظهر 
كتاب «الأوبتك» أو «البصريات» لهلمهولتز في ثلاثة أجزاء عام 21885 218551485٠‏ 
كماتم تحريره في كتاب واحد عام 1851 . ويمثل هذا الكتاب الإنجيل في ميدان علم 
البصريات . وعالجت الأجزاء الثلاثة من الكتاب البصر من زاوية فيزيائية وفسيولوجية 


66 


وسيكولوجية بالتوالي (بورنج , /1561) . وحسب قول هلمهولتز (1109) بأن البصريات 
الفسيولوجية هى علم الإدراك البصري بواسطة حاسة البصر . وترى الأشياء التي حولنا من 
خلال وسطي الضوء الذي يقع على العين 5 ويصل هذا الضوء للشبكية وهي جزء حساس 
من الجهار العصبى 3 والتى تثير إحساسات معينة ٠‏ ويتم إرسال ذلك للدماغ بواسطة إدراك 
أشياء معينة مجسمة في الفضاء . وفقا لهلمهولتز , يمكن تقسيم نظرية الإدراك البصري 
لغلاثة أجزاء )١(‏ نظرية انتقال الضوء للعين (؟) نظرية الميكانزمات العصبية للبصر (”") 
نظرية تفسير الإحساسات البصرية 3 

كما يتفق مؤرخو علم النفس في الغرب كذلك على أهمية مساهمة هلمهولتز في 
وصفه التشريحي للعين في الجزء الأول من كتاب البصرات الفسيولوجية في القرن التاسع 
عشر الميلادي . عالج هلمهولتز في كتابه التركيبية العامة للعين فضلا عن قياس بعد كرة 
العين ؛ وانحناء القرنية . كما وصف السطح الداخلى للقرنية ؛ والقطر البصري وخحط البصر. 
والمحور البصري للقرنية وانكسار القرنية » وسمكها . كما قام بوصف أجزاء العين الأخرى 
مثل العنبية والقزحية وتركيبة وأبعاد الشبكية » والرطوبية » والأجزاء المحيطة بالعين مثل 
الأعصاب » وجفن العين . كما وصف هلمهولتز النظام البصري للعين »وتشكيل الصورة في 
الشبكية 2 ومجال البصر والانكسار في الشبكية وكيفية قياس الانكسار 5 وم اعتبار هذه 
المساهمة الهلمهولتزية أول المساهمات في علم النفس التجريبي الحديث خلال القرن التاسع 
عشر الميلادي . 

وفي ورقته الشهيرة «في ثبات القوة» » وضع هلمهولتز (18417) مبدأ «الثبات» الذي 
عمل على ربط الفسيولوجيا مع الإطار النظري للفيزياء النيوتينية ويحمل المبدأ الفكرة القائلة 
بأن الأشكال المختلفة للطاقة الفيزيائية يمكن تحويلها لطاقة أخرى من غير عملية زيادة أو 
نقصان . وبلغة أخرى . فإن كمية الطاقة في إطار أي نظام فيزيائي مغلق تظل ثابتة بالرغم 
من عمليات التحول النوعية التي يمكن أن تحدث لها (لوري )١1987 ٠‏ . ويعتبر كتاب 
«فسيولوجيا البصريات» الذي نشر بين عام كه86 ١‏ -5كمل١ا‏ أشهر أعمال هلمهولتز. ولقد 
أكد فيه على أهمية الملاحظة العلمية في البحث السيكولوجي . وعمل هلمهولتز على تقدم 
أبحاث السيكوفيزيقا لأنه استخدم المنهج التجريبى لسعريف الإدراك بأنه أكبر من مجرد 
وظيفة بيولوجية (برينان . ؟1985١)‏ . 

ويعتقد هلمهولتز أن الأجهزة الفسيولوجية للجسم هي التي تزود آليات الإحساس » وأن 
خبرات الماضي للملاحظ هي التي تحول الإحساسات إلى إدراكات . ولكي يوضح كيفية 


67 


التحول هذه . يعتمد هلمهولتز بصورة كبيرة على فكرة الاستدلال اللاشعوري . وقد برهن 
على نظريته التجريبية عن الإدراك بالملاحظة القائلة بأن الأفراد الذين كانوا مكفوفين منذ 
الميلاد ومن ثم اكتسبوا البصر من بعد يتطلب منهم تعلم كيفية الإدراك بالرغم من أن كل 
الإحساسات المجهزة بواسطة الآلات البصرية موجودة . ولقد أدت أعمال هلمهولتز إلى أن 
تصبح كل من الفيزياء . والفسيولوجيا » والسيكلوجيا قريبة من بعضها البعض 
(هيرجنهاهن . 1985) . 

وظلت أعمال هلمهولتز في علم النفس التجريبي هي الإنجيل في ميدان السيكوفيزيقا . 
ويمكن تصنيف المجلدات الثلاثة للبصريات باعتبارها فيزيائية » وفسيولوجية » وسيكلوجية 
بالتتالى في معالجتها للبصر . وامجلد الأخير يمكن النظر له بأنه علم نفس عام ومبدؤه: 
التجريبية » والاستدلال اللاشعوري . ولم يكن هلمهولتز سيكلوجيا نظاميا ء ولكن أعماله 

عن البصر قادته لمسائل الإدراك البصري » وبالتالي للادراك بصورة عامة . ولد اداع 
الإدراك مكاناً مركزيًا في علم النفس النظامي ؛ ولهذا السبب احتل هلمهولتز موقعاً هاماً ىَ 
تاريخ الفكر السيكلوجي النظامي . إن هلمهولتز بصورة أولية هو تجريبي » وأظهر أن النظامية 
والتجريبية لا يمكن فصلهما عن بعض في تاريخ علم النفس . أو في تاريخ العلوم كافة . 

ويقول هلمهولتز «تشير النظرية التجريبية إلى توضيح الفكرة القائلة بأنه على الأقل 
ليست هناك قوى أخرى أساسية في أصلها أبعد من الملكات المعروفة لعقولنا . بالرغم من 
ذلك ربما تظل هذه القوى نفسها بأكملها غير قابلة للتفسير . وبصورة عامة فإن القواعد 
المفيدة للبحث العلمي تجعل من الفرضيات الجديدة ولفترة طويلة حقائق معروفة تظهر بصورة 
كافية ويمكن تفسيرها . ولقد فكرت أنه من الضروري تفضيل الفكرة التجريبية في جوهرها» 

(بورنج » 1961 : 06) . ولقد تدرب فونت » الذي قام بإنشاء أول معمل لعلم النفس في 

مدينة لايبزج بألمانبا » في فترة مبكرة فى معمل واحد من أعظم علماء القرن التاسع عشر هو 
معمل هلمهولتز . استخدم فونت مصطاح «علم النفس الفسيولوجي» أصلاً ليدل على 
علم النفس الذي يوظف المنهج التجريبي للفسيولوجيا اعتقاداً منه بأن علم النفس لا يكون 
علماً إلا في حالة توظيف المناهج والمداخل الموجودة التي يستخدمها الفيزيائي (كندلر» 
)١941/‏ . 

يبدو أن هناك أهمية ما فى مراجعة الاتفاقات السابقة بين علماء النفس فى الغرب بأن 
هلمهولتز من خلال البصريات الفسيولوجية ودراساته الفيزيائية والسيكولوجية وكذلك 
أبحاثه عن تشريح العين هي التى عملت على تطوير المنهج التجريبي في القرن التاسع عشر 


68 


بوسعنا أن نقدم أطروحة جديدة في هذا الجزء من الدراسة بأن ابن الهيثم منذ القرن الحادي 
عشر الميلادي في «كتاب المناظر» عالج معظم الجوانب التي عالجها هلمهولتز في القرن 
التاسع عشر . وهناك أهمية للتحقق من صحة هذه الأطروحة : 


ابن الهيثم والبصريات التشريحية 


إن مساهمة ابن الهيثم في تشريح العين » خاصة «عن هيأة البصر» هي مساهمة جديرة 
بالدراسة في ظل علاقتها ليس بوظائف العين فحسب . وإنها بنظريته عن الإدراك البصري . 
وارتبط تشريح هذا الجزء من الجسم بمشروع ابن الهيثم العملاق في مجال البصريات في 
«كتاب المناظر» الذي حققه صبرة )١1987(‏ », كما ترجمه كذلك من العربية للإنجليزية . 
وعموماً إن كل الأبحاث الدقيقة التى تناولت البصر ء وكذلك فهمنا له تقتضى معرفة بناء 
العين من حيث هي جهاز لاستقبال الطاقة وتحويلها إلى مظاهر فسيولوجية عصبية ملائمة 
لتوصيلها إلى الجهاز العصبي المركزي (بارتيلي » )١19487‏ . لقد برع ابن الهيئم باطلاعه 
العميق في تشريح العين وعلم وظائفها (الهوني . 1987) , كما صور أجزاء العين تصويراً 
عاماً على درجة من الدقة والصحة جديرة بالإعجاب والتقدير . وتناول جوانب في تشريح 
العين لم يبدأ العلم الحديث في الإدلاء بقول معتمد فيها إلا في القرن التاسع عشر 
وبالأحرى في الأعوام الأخيرة منه (نظيف » 1947) . 

وترجع أولى الكتابات حول العين في التراث العربي الإسلامي , من ناحية تاريخية . 
حسب قول راشد . إلى القرن الثامن » وقد توسعت هذه الكتابات مع ابن ماسويه . وبيخاصة 
مع حنين ابن إسحاق وقسطا بن لوقا وثابت بن قرة . وبات علم المناظر من خلال إسهام ابن 
الهيثم يشتمل على قسمين هما : نظرية للرؤية مقرونة بفسيولوجيا العين وبسيكولوجيا 
الإدراك » ونظرية للضوء يرتبط بها علم المناظر الهندسي وعلم المناظر الفيزيائي (راشد» 
/ا5ه١)‏ . وكان الرازي » حسب تعبير (رسل ٠‏ /1497) , أكثر دقة في الجزء ء المتعلق بالتشريح 
حيث وصف كيف يضيق البؤبؤ فى ضوء وهاج ويتسع عندما يقل الضوء لكي يقدم تماماً ما 
تحتاجه الجليدية . كما استعاد ابن سينا العلاقة المثبتة بين الضوء ء وتشريح العين والرؤية » 
واستخدامها لنقض النظريات اللمسية سواء في صيغها الماضة أو المتعلقة بالبنوما . كما 
جح احا مو عر لراك ا 1 ة البث من العين نحو 
الجسم هي محال منطقياًء ولا تتفق : مع الواقع والتجربة اليومية ومع هندسة المخروط البصري 


69 


نفسها في تحليل إدراك قياس الأجسام وبعدها . 

وتتركب العين » حسب وصف ابن الهيثم » من العصبتين الجوفاوين ٠‏ ثقبي العظمين » 
طتقارع الغدن» اللقهفة +العتبية » القرتية + الملبدية + التجائعية» لمن ريه عار ف 
العصبة , البيضية » ترتيب طبقات العين وشفيفها . الروح الباصرة , انخراط العصبة » انحناء 
العصبة عند حركة العين . كرية السطحين الظاهر والداخل من القرنية . لقد حدد ابن 
الهيثم وظيفة هذه الأعضاء كما قام بعملية وصف دقيقة لكل جزء على حدة منذ القرن 
الحادي عشر الميلادي مع العلم بأن هلمهولتز درس هذه الأجزاء في القرن التاسع عشر 
ويمكن أن نتيح الفرصة لابن الهيثم للتعبير عن نفسه عن عشرة من أجزاء العين من 
«العصبتين» حتى «طرف العصبة» . 

يقول ابن الهيثم » في الفصل الخامس المعنون «في هيأة البصر» من كتاب المناظر . إن 
«البصر مركب من طبقات وأغشية وأجسام مختلفة . ومبدؤه ومنشؤه من مقدم الدماغ « 
ويفهم من ذلك القول أن الدماغ هو أساس التحكم في البصر . ومن بعده توصل ابن 
النفيس كذلك من تشريح عيون الحيوانات إلى أن منفعة العين كآلة للإبصارء لا تتم إلا 
بعصب يأتي من المخ ويفسر المرئيات » وهو العصب النوري أو العصب البصري الذي يعرفه 
العلم الحديث ويقوم بنقل المرئيات التي تنطبع على الغشاء العصبي لشبكية العين إلى مركز 
الإبصار بالمخغ حيث يتم تفسيرها وتحليلها والرد عليها بأجوبة وأفعال فورية » فما العين في 
حقيقة الأمر إلا جهاز يرى به المخ كل شيء . لقد عرف ابن النفيس العين بأنها آلة للبصرء 
وليست باصرة ٠‏ ومنفعة هذه /00ة احم بروج مدرك يأتى من المخ » وما توصل إليه العلم 
الحديث يؤكد صحة هذا القول . إذ ترتسم على العين الصور والخيالات ثم تنتقل في صورة 
أشعة إلي الدماغ عن طريق العصب النوري . حيث يقوم الدماغ بتفسير المرئيات . 

إن أول الأجزاء التى تحدث عنها ابن الهيثم عن العين هما العصبتان إذ يقول : «ينشق 
من مقدم الدماغ عصبتان جوفاوان متشابهتان» . ثانياً «وفي وسط تقعيري هذين العظمين 
ثقبان متساويان نافذان وضعهما من العصبة الشركة وضع متشابه» . ثالغاً «وجملة كل 
واحدة من العكين مركة من هذة طبقات: ..رايقاً « فأولها شحمة بيضاء تملأ مقعر العظم 
وهي معظم العين وتسمى الملتحمة . وفي داخل هذه الشحمة كرة مستديرة جوفاء سوداء 
في الأكثر وزرقاء وشهلاء في بعض الأبصار» : تامس «والملتحمة مشتملة على هذه الكرة 
ما سنو ستضعيا كان الملتحمة لس تقطى معدم هذه الكرة بل تستدير على مقدمها . 
وتسمى هذه الطبقة العنبية لأنها تشبه العنبة» . سادساً «ويغطي هذا الثقب وجميع مقدم 


10 


العنبية الذي تستدير حوله الملتحمة من خارج طبقة متينة بيضاء تسمى القرنية لأنها تشبّه 
بالقرن الأبيض أيضا في المشف» . سابعا «وفى صدر مقعر العنبية كرة صغيرة بيضاء رطبة 
متماسكة الرطوبة ومع ذلك ترفة وفيها شفيف ليس في الغاية بل فيها بعض الغلط , ويشبه 
شفيفها شفيف الحليد . تسمى الجليدية» . 

ثامنا : يتحدث ابن الهيثم واصفاً الرطوبية التي تنقسم إلى جزأين مختلفي الشفيف » 
أحدهما يلي مقدّمها والجزء الآخر يلي مؤخرها . و«الجزء المتأخر منها يشبه شفيفه شفيف 
الزجاج المرضوض » فيسمى هذا الجزء الرطوبة الزجاجية» . تاسعاً «وشكل مجموع الجزأين 
هو الشكل المستدير الذي ذكرناه . ويشتمل على مجموع الجزأين غشاء رقيق في غاية الرقة 
والسخافة يسمى العنكبوتية لأنه يشبّه بنسيج العنكبوت» .عاشرا «وفي صدر مقعر العنبية 
ثقب مستدير هو على طرف تجبويف العصبة . والجليدية مركبة في هذا الثقب . واستدارة هذا 
الثقب » وهو طرف العصبة » . ويختتم ابن الهيئم باب «في هيأة البصر» قائلا : « فهذا الذي 
شرحناه هو صفة تركيب البصر وهيأته وهيأة طبقاته » وجميع ما ذكرناه من طبقات العين 
وتركيبها قد بينه وشرحه أصحاب التشريح في كتب التشريح . وهذه صورة العينين «(انظر 
شكل .)١‏ 

من المناسب في هذا المقام أن ندع أحد علماء النفس العرب المهتمين في هذا المجال 
والمتخصصين في علم النفس الفسيولوجي يقدم لنا بعض ملاحظاته وتعليقاته على مساهمة 
ابن الهيثم في مجال الإبصار التشريحية والوظيفية . يلاحظ طه (190١ب)‏ أن ابن الهيثم 
جعل الطرف الدماغي من الممر العصبي البصري في مقدم الدماغ . وقد يكون المقصود من 
مقدم الدماغ هنا اللحاء السنجابي بأكمله ويؤيد ذلك قول ابن الهيثم : «إنهما ينشآن من 
غشاءي الدماغ؛ » واللحاء يعرف حتى يومنا هذا بالدماغ المقدمي وبذلك يكون رأي ابن 
الهيثم صحيحا «ولكنه غير دقيق» . فمركز التحكم في البيانات الحسية البصرية هو على 
وجه التحديد فى الفصين القذاليين وهما الجزءان القفويان من اللحاء . 

وحسب قول طه . قد يكون مقصود ابن الهيثم من (مقدم الدماغ) الفصين الأماميين أو 
الجبهتين ولا يعلم لهما علاقة مباشرة بالوظيفة البصرية . ويلاحظ طه كذلك أن ابن الهيثم 
قدم تشريحا للتصالب البصري كان حذرا بقدر ما كان مفيدا يقول «ثم يلتقيان فيصيران 
عصبة واحدة جوفاء ثم تنقسم هذه العصبة فتصير أيضاً عصبتين جوفاوين متساويين» فهذا 
الوصف يرفض بكل تأكيد الرأي الجالينى القائل بالملامسة فقط . فهو يؤكد أن العصبتين 
تصيران عصبة واحدة ثم تنقسم عير اشيرق . «ولكنه لم يوضح الصورة» الجديدة لهذا 


71 


الانقسام بالدقة المطلوبة . والاستدراك الأخير على ابن الهيثم في تشريحيته للمكون 
العصبي لجهاز الإبصار» هو أن «وصفه لم يكن شافياً» فيما يتعلق بما سماه أسطح تجبويف 
العصبة . وتقابل الشبكية في المصطلح المعاصر وسبب ذلك هو تبنيه لبعض الآراء 
الفشمر ل كي :. 

يبدو أن هناك ملاحظة على الملاحظات التي سجلها طه لمشروع ابن الهيثم من خلال 
المقارنة مع حقائق التشريح المعاصرة . ففي تقديري هناك نوع من التقييم ال متعسف في بعض 
أراء طه 0 قوله تحديداً : «ولكنه غير دقيق» » «ولكنه لم يوضح الصورة» . «وصفه لم يكن 
شافيا . ففي ملاحظات طه هناك التفاتة للتراث وأخرى للمعاصرة ولكن هذه الالتفاتة قد 
0 التاريخية من وجهة النظر الخاصة بعرض أو تحقيق التراث 
السيكولوجي أو نشر امخطوطات السيكولوجية . في تقديري » هناك حاجة لعين مركبة تنظر 
للترات عن خخلال الترايق والمعاضرة من خلال المفاضرة + كل ريا وصر عن زوق عيرها ‏ 
يبدو أننا لا نعيب على ابن الهيثم أنه لم يكتشف الميكروسكوب لكيما يكون رأيه «دقيقا» 
ولكي «يوضح الصورة الجديدة» لانقسام العصبتين ولكي «يكون وصفه شافياء لأسطح 
تجويف العصبة . وبعبارة أخرى » لو كان هلمهولتز في عصر ابن ن الهيثم لما توفرت له أدوات 
التجريب الدقيق في الفسيولوجيا البصرية » وكذلك فونت لو كان في عصر ابن الهيثم لم 
توفرله إنشاء معمل تجريبي لعلم النفس . 


ملاحظات عن التشريح الوصفي والوظيفي للعين 


عموما قدم ابن الهيثئم وصفاً شاملاً للأجزاء الهامة من العين وطبقاتها ورطوباتها 
ا ختلفة . وقد بدأ فى شرح هيأة البصر بذكر العصبتين اللتين تنشآن من مقدم الدماغ . 
وتنتهيان إلى وسط ظاهر مقدم الدماغ ؛ثم تلتقيان فتصيران عصبة واحدة . ثم انقسام هذه 
العصبة عصبتين وامتدادهما إلى حدبتي العظمين المقعرين المحيطين بجملتي العينين 2 وذكر 
بأنهما جوفاوان . لقد نحا ابن الهيثم في وصفه للعين المنحى الذي يؤدي إلى غرضه كعالم 
طبيعي يعنى بالعين من الناحية الطبيعية , بالقدر اللازم لإنشاء نظرية طبيعية في كيفية 
الإبصار غلم يتعرضي في وضعة للنزاحي ي التشريحية : كوصف تركيب هذه الطبقات نفسها 
ومافيها من أوردة وشرايين » أو منشاً هذه الطبقات وتغذيتها عءكما عغني بأمرها رجال الطب 
والتشريح والكحالون في ذلك الوقت . وإنما عني بوصفها كآلة إبصارء ذاكراً ما يكفى قصده 


12 


من أمر الضوء والإدراك بالبصر (انظر نظيف » )١147‏ . 

لقد درس ابن الهيثم » بطريقة منهجية . انتشار الضوء بمعزل عن تأثيره على العين » فإنه 
وصف تشريح العين بشكل تفصيلي قبل أن يصوغ.فرضيته عن تشكل الصورة في الرؤية 
(انظر رسل 6 14917) . ولم تظهر أهمية العين الوظيفية كنظام بصري إلا بعد أن وضح 
تنظيمها التركيبي . وهكذا عالج وللمرة الأولى بشكل مفصل »ما يمكن تسميته تخصيصاً 
التشريح «الوصفي» والتشريح «الوظيفي» للعين . بالنسبة للتشريح الوصفي ابتدأ ابن الهيثم 
بوصف الأعصاب البصرية كقناتين منفصلتين تأتيان من أغشية الدماغ . وتبرز هذه الأغشية 
من جوانب الجزء الأمامي للدماغ وتتلاقى لتشكل التصالب البصري . ولقد درس ابن الهيئم 
كل جزء من العين آخذاً بالارتقاء بطريقة منظمة صارمة . فقبل كل شيء تفحص امتداد 
القناة الخارجية للعصب البصري الذي يشكل الصلبة بالإضافة إلى القرنية . كما تم وصف 
السطحين الداخلي والخارجي لهذه القرنية بعناية تامة كما تم اعتبارهما متوازيين بسبب 
سماكتهما الثابتة . وتميز ابن الهيئم بتركيز فكره بقوة على شكل ووضع وحالة أجزاء العين » 
وإصراره بحزم على أن هذه الأجزاء ثابتة وأن العلاقات المتبادلة بينهما مستقرة . وبعد أن 
شرح كيفية تركيب العين قدم مساهمته الأكثر أصالة وهي دراسة مفصلة عن الأهمية 
الوظيفية لهذا التشريح بصفته نظاما بصريا . 

وبالنسبة لهذا التشريح الوظيفي , وبخلاف شروحاته السابقة عن الجليدية التي اعتبرها 
ببساطة «مسطحة» أو «بشكل عدسة»ء2 قدم ابن الهيثم وصفا دقيقا للشكل «ثنائي 
التحدب» لهذا الغشاء . وذلك استنادا إلى اختلاف الطول الشعاعي لسطحيه الأمامي 
والخلفي . وقد عبر بوضوح أن السطح الأمامي للجليدية يشكل جزءا من سطح كروي أكثر 
امتدادا من السطح الكروي للجزء الباقي . وعموما تميزت دراسة ابن الهيثم التشريحية للعين 
بوصف موضوعي لأجزائها , تبعا لتدرج منطقي منظم بدقة » كما تميزت » حسب علم رسل 
)١989190(‏ ) بأول تحليل مفصل في علم البصريات الفسيولوجي لعلاقات أجزاء العين فى 
الفضاء بمصطلحات وظيفية . إن أصالة طريقته التشريحية تدشن ابتعاداً حاسماً عن المقاربة 
التقليدية . إن التحليل الوظيفي الذي قدمه ابن الهيثم يرتكز كليا على تشريحه الوصفي » 
الذي كان أكثر دقة من التتريج الوارد في النصوص الطبية . وقد استطاع , وهو يتفحص 
بانتباه النسب في التركيب . أن يلاحظ بوضوح أن الجليدية هي ثنائية التحدب وأن يحدد 
بشكل صحيح موقعها المتقدم . كما استطاع أيضاً » وهو يصوغ وصفه بطريقة كمية أي 
مسظلخات 'نسبية أن يخدد محورا بصرياً في العين . وهذا ما يظهر إلى أي مدى كانت 


13 


البديهة المركزية لبصرياته الفسيولويجة راسخة فى تدقيقاته التشريحية 

تحتل أبحاث حركة العين مساحة كبيرة من علم النفس المعاصر (انظر بورج 19917) . 
لقد تم تصنيف حركة العين في عدة.اتجاهات . ويعتمد هذا التصنيف على نوع التحليل الذي 
تم الاعتماد عليه . ويمكن أن نفرق بين الحركات الحرة أو الإرادية والحركات غير الحرة أو غير 
الإرادية » ونفرق ثانية بين الحركات التي ترتبط بحركة العينين فقط من تلك المرتبطة بحركة 
الرأس مع حركة العينين . وكذلك يمكننا التفريق ثالئة بين حركة العينين بصورة متوازية من 
تلك الحركة في اتجاه مضاد (هاربر وهيرشينسون . 1480) . ولقد عالج ابن ن الهيئم في كتاب 
المناظر موضوع حركة العين معالجة جديرة بالاهتمام » وحسب وجهة نظره , فإذا تحرك أحد 
البصرين للإبصارء فإن البصر الآخر يتحرك لذلك الإبصار بعينه مثل تلك الحركة بعينها , 
وإن سكن أحد البصرين سكن الآخر . وليس يمكن أن يتحرك أحد البصرين للإبصار 
ويسكن الآخر ء ولا أن يعتمد أحد البصرين النظر إلى مبصر من المبصرات ولا يعتمد البصر 
الآخر النظر إلى ذلك المبصرء إلا أن يعوق أحدهما عائق أو يستره ساتر أو يعرض له 
عارض »ء فيعتاق بذلك العارض أو الساتر عن فعل ما يفعله البصر الآخر . وإذا تؤملت حال 
البصرين عند إدراك الممصرات وتفقدت أفعالهما وحركاتهما . وجدت أفعال البصرين 
وحركاتهما أبداً متساوية متشابهة» (ابن الهيثم »ص . 4" - 944) . 

يعتبر ابن الهيثم أن العين لا تدرك أياً من الأشكال التي تصلها إلا بالخطوط المستقيمة 

الوهمية الموجودة بين الشيء المرئي ومركز العين . وهو خطوط عمودية على جميع سطوح 
وأغشية العين . وتلعب حركة العين 7 أساسياً في اندماج أو تراكب عملية التكامل ثنائي 
العينين . فالمنطق الداخلي لتحليل ابن الهيثم للاحساس والإدراك (روسل )١191917 ٠‏ أن ما 
يحددالا حساس البصري عنده هو «الصورة» الموجودة فى التصالب والمنقولة بالقناة البصرية 
وصولا إلى الجزء الأمامي من الدماغ . إنه لا يفسر الرؤية » لا عن طريق تشكل صورة في 
العين ولا بتوحيد صورتين صادرتين عن العينين بواسطة التصالب . لقد فهم ابن الهيثم تماما 
أن عملية الرؤية تبقى ناقصة إذا لم يشرح كيف أن رسماً من نقاط ضوء ولون يمكن إدراكه 
كجسم بثلاثة أبعاد » بقع على مسافة وملك قياساً وشكلاً ووضعاً وكذلك حركة معينة . 
وبالتالي فإن الصورة الموجودة فى العين . بما تمثله من مادة نحام للاحساس البصري » يتم 3 
تفسيرها خلال سلسلة عمليات ذهنية » تستخدم التعرف والاستدلال والمعرفة 0 
والذاكرة والمقارنة . ما يرى هنا إذن ؛ نتيجة ملاحظة جرى التحقق منها بواسطة «قدرة 
التمييز» . إنه تفسير سيكولوجى معقد لما تقدمه لنا حاسة البصر . 


14 


مع عدم اتفاقنا مع ملاحظات ومقدمات طه التي ذكرناها سابقاً لكننا نتفق معه في 
خلاصته عن مشروع ابن الهيثئم «لقد فاق ابن الهيثئم التشريحيين في تشريحيته الدقيقة 
لمكونات جهاز الإبصار ومع ذلك فإن هذا ليس بيت القصيد . فالملاحظ أن الجديد عند ابن 
الهيثم هو تكثيفه للمعاني الرياضية والفيزيائية في وصفه التشريحي فهو يذكر القارئغ حتى 
في تناوله لهيأة البصر ء في الفصل الخامس ء بالسطوح الكروية وامحيطات الدائرية والخطوط 
المستقيمة والتماس والشفافية وهو بهذا يسوق المبادئ والقوانين الفيزيائية ريا لتفسير 
عمليات هذا الجهاز البيولوجي (العين) . ولعله لا يوجد في تاريخ العلوم الطبيعية من سبق 
ابن الهيثم في بلورة نموذج متكامل لعلم البيوفيزياء المعاصر وبذلك يكون ابن الهيئم قد شيد 
نظريته البيوفيزيائية للإبصار على غير مثال سابق . 
لاحظنا في العنوان السابق «هلمهولتز والبصريات الفسيولوجية» بأن هلمهولتز عالج 
بعض الموضوعات البصرية في القرن التاسع عشر الميلادي وهي في غالبيتها موضوعات 
5 ابن الهيثم في القرن الحادي عشر الميلادي . وإذا أردنا الدقة فإن هلمهولتز يعرف 
البصريات الفسيواوجية بأنها علم الإدراك البصري بواسطة حاسة البصر 5 لذلك احتل 
عرق هاما في تاريخ الفكر السيكولوجي بسبب احتلال الإدراك لمكان مركزي في علم 
النفس التجريبي . لقد عالج ابن الهيثم موضوع الإدراك البصري من خلال اثنين وعشرين 
بعداً في كتاب المناظر كما عالج كذلك موضيع الغلط البصري . وثانياً إن التراكيب 
التشريحية للعين التي وصفها هلمهولتز هي في معظمها ذات التراكيب التي وصفها ابن 
الهيثم مع غياب الأجهزة الدقيقة في القرن الحادي عشر . لقد أكد هلمهولتز على أهمية 
الملذخطلة العلمية وتيعاً لذلك عمل على تقدم أبحاث السيكوفيزيقا لأنه استخدم المنهج 
التجريبي . وترتبط كل أعمال ابن الهيثم البصرية وكشوفه التي سوف نعرضها في الفصل 
الحادي عشر على الملاحظة العلمية وعلى المنهج العلمي الصارم الذي يرتبط بتكرار التجربة 
حتى تثبت مصلداقيتها . 
استخدم ابن الهيئم مصطاح الاعتبار بالنسبة للمنهج العلمي . وحسب تعبير 
هيرجهاهين بأن أعمال علمهرادر انيت إلى أن تصبح كل من الفيزياء والفسيولوجيا 
والسيكولوجيا قريبة من , بعضها البعض . فمنهج ابن الهيثم في البصريات يوصف بأنه عبارة 
عن تركيب بين الفيزياء والرياضيات والتشريح والسيكولوجيا منذ القرن الحادي عشر 
الميلادي . ربما يتساءل أحد بأن العنوان السابق يحمل مصطلح «البصريات الفسيولوجية» » 
في حين يحمل العنوان الحالى مصطلح «البصريات التشريحية» . يمكن القول بأن مساهمة 


15 


هلمهولتز عن تركيب العين في كتابه كانت فسيولوجية في عموميتها ولكنها تتضمن 
جوانب تشريحية » بينما مساهمة ابن الهيثم في تركيب العين كانت تشريحية في عموميتها 
ولكنها تتضمن جوانب فسيولوجية . 

|وأثرت مفاهيم ونظريات ومناهج ابن الهيثم عن كيفية الإبصار والإدراك البصري تأثيراً 
كبيراً في تاريخ العلم ومنهجه حتى القرن السابع عشر . وذلك خلافاً لما يؤرخ بالنسبة لبيكون 
في كتب تاريخ العلم العام وتاريخ علم النفس وخاصة التي تذكر بأنه أكثر العلماء الذين 
كان لهم تأثير في تطور المنهج التجريبي (بورنج » 1961 ؛ هيرجنهاهين . 1185 اوبرج 
/1) . اعتمد بيكون اعتماداً 5 كتاب المناظر لابن الهيثم كام مصادره ولم يستطع أن 
يصل لمستوى الدقة العلمية والتجريبية كما عند ابن الهيثم . كما تأثر جون بيكام في القرن 
الثالث عشر بابن الهيثم وكتب مستندا إليه كتابا شعبيا عن المناظر العامة ولم يكن الكتاب 
إلا مجرد تلخيص للموضوعات الرئيسية فى كتاب المناظر . كما تأثر كذلك فيتلو فى القرن 
الغالث عشر ببصريات ابن الهيثم . وكتب فيتلو كتاب «البيرسبكتفا» وهي كلمة تحمل 
معنى «المناظر» . وما يحمد له اعترافه بأنه وضع كتابه على أساس ما جاء في كتاب الهازن 
«ابن الهيثم» . ونشر رزنر عام ١61/7‏ ترجمة لاتينية كاملة للكتاب العربى وجعل عنوان 
الكتاب اللاتينى الذخيرة فى الأوبطيقى للهازن» . وتعنى «الأبطيقى» فى اللغة الإنجليزية 
«الأوبتيكس» وفى اللغة العربية «البصريات» أو «المناظر» . وقد أشار بريستلى فى كتاب له 
عن فيتلو ما معناه «أخطأ فيتلو في جل أقواله التي لم يحذ فيها حذو «الهازن» ووصفه 
«بالقرد المقلد؛ (انظر نظيف » )١1947‏ . فمن خلال هذه المصادر التى كتبها بيكون وبيكام 
وفيتلو عن الترجمات والتلخيصات المختلفة لكتاب المناظر الهيئمية تعلم الغرب الكيفية التي 
يعالجون بها ليس علم البصريات التشريحي وكيفية الرؤية والإدراك البصري فحسب . وإنا 
المنهج التجريبي . بوسعنا القول . بأن ابن الهيثم قد أرسى في كتاب المناظر معالم علم نفس 
الإبصار وسيكوفيزياء الإبصار كأول محاولة في تاريخ العلم عامة وتاريخ علم النفس خاصة 
(طه . ١1991ب‏ ؛ الخليفة » 3٠٠١‏ . قيد النشر ؛ الخليفة ومانع , 8). 


بورنج مؤرخ علم النفس غير المنصف 


يمكن أن نخلص في هذا الفصل من الكتاب إلى أن العلماء العرب والمسلمين قد اهتموا 
بالتشريح » خاصة مساهمة ابن سينا في كتاب «القانون في الطب» وتضمينه لتشريح الدماغ 


16 


والأعصاب وأمراضه ومساهمة ابن الهيثئم في «كتاب المناظر» خاصة تشريح العين وكيفية 
الإبصار . ولم يكتف هؤلاء العلماء العرب والمسلمون بالآراء السابقة خاصة آراء أبقراط 
وجالينوس » من أباطرة الطب الإغريقي , »بل تجاوزوها نقداً وإضافة . كما تعدى هؤلاء إلى 
تدارك كثير من الأمور التى أغفلها أو أخطأ فيها كذلك إقليدس . ولكن يبدو أن المساهمة 
الأكثر فعالية في تاريخ العلم عامة هي مساهمة ابن النفيس التي طور وتجاوز فيها آراء ابن 
سينا ولقد وصل بهذا الفرع من العلم لدرجة عالية من النضج قادته لتشريح الدماغ والقلب 
والشرايين الإكليلية وتشريح المريء والمعدة ووصف الأوعية التاجية . إن عبقرية ابن النفيس 
هي التي قادته لاكتشاف الدورة الدموية الرئوية الصغرى . 

إذا رجعنا إلى مؤرخي علم النفس غير المنصفين نجد أن بورنم (1901) يتجاهل أو يهمل 
مساهمة ابن النفيس في اكتشاف الدورة الدموية وابن الهيثم في تشريح العين ويؤرخ بأن 
القانون العام يمنع تشريح جثة الإنسان في أوروبا المسيحية ولم يتم ذلك إلا في القرن السادس 
0 مع استمرار الرفض من جانب الكنيسة . ويؤرخ بورنج لمساهمة فيساليوس في التشريح 

00 السادس عشر بينما يتجاهل مساهمة ابن سينا واب بن الهيثم في القرن الحادي عشر 

بن النفيس في القرن الثالث عشر. كما يؤرخ بأن مساهمة هارفي باكتشاف الدورة الدموية 
0 م هي أول ثورة في علم الأحياء في العصر الحديث . ولكن يبدو أن بورنج قد 
أطلق كلمة ثورة فيما ليس هو بالثورة الأولى في الأحياء . مع العلم أن ثورة ابن النفيس هي 
الأولى في اكتشاف الدورة الدموية الصغرى وكان ذلك بفارق يقرب من ال 4٠١‏ عام وهي 
المسافة الفاصلة بين تأريخين مهمين في تاريخ العلم : تاريخ ابن النفيس وتاريخ هارفي . ومع 
العلم كذلك بأن ثورة ابن الهيثم هي الأولى التي ربطت بين تشريح العين وبين الإدراك 
البصري وذلك بمسافة ٠١‏ عام من مساهمة هلموهولتز في البصريات الفسيولوجية . 

مع أن كتاب بورنم كتاب «للتاريخ» فقد تجاهل ونحى فيه «التاريخ» الخاص بمساهمة 
العلم العربي والإسلامي الذي أرسى قواعد البحث العلمي للعلوم كافة .إن مساهمة 
العلماء العرب والمسلمين في مجال التشريح المحكوم بالفسيولوجيا وعلاقة ذلك بعلم النفس 
هن مسافية رائدة وتخلافة عثل خلقة مكتملة التعم فى تاريخ علم النفسن بيج جلقة علم 
النفس في التراث الإغريقي وعصر النهضة . ويمكننا التساؤؤل محدداً عن الكيفية التي عمل 
بواسطتها هؤلاء العلماء على هضم واستيعاب ونقد وتجاوز العلوم الإغريقية السابقة والكيفية 
التي تم بواسطتها توجيه مسار العلوم في عصر النهضة الأوربية . وبمنطق التطور ذاته » يبدو أن 
التطورات الهائلة في علم النفس التجريبي والتي تفتحت زهرتها مع هلمهولتز » وفخنر. 


77 


وفونت يقف في جذورها العميقة عمالقة أمثال ابن سينا » وابن النفيس . وابن الهيثم . 
وبوسعنا القول , إن «كتاب المناظر» لابن الهيثم في القرن الحادي عشر قد أرسى أول محاولة 
تركيبية للبصريات التشريحية والفيزيائية والسيكولوجية التى قادت بدورها لتطور المنهج 
التجريبي » وليس كما يؤرخ كتاب «البصريات الفسيولوجية» 55 لهلمهولتز في القرن 


18 


المصادر والمراجع 


ابن أبي أصيبعة (1905) . عيون الأنباء في طبقات الأطباء . بيروت : دار الفكر . 

ابن سينا , الشيخ الرئيس أبو علي )٠١١*5- 48٠0(‏ . القانون في الطب . بيروت : دار 
صادر. 

ابن سينا » الشيخ الرئيس أبوعلي (980 )٠١5-‏ . الشفاء . تحقيق ومراجعة جورج 
قنواتى وسعيد زايد 191/0 . القاهرة : الهيئة المصرية للكتاب . 

د (ن 498 هجرية)::. كناب المناظنء تحقيق ومراجعة عبد اميد 

(1185) .الكويت : امجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب . 
ا » هوارد )١987(‏ . دراسة البصر . ترجمة سمير مراد ٠‏ في : منامج البحث 

في علم النفس . الجزء الأول (ص )5١6 -77١.‏ . أشرف على تأليفه ت . أندروز . 
أشرف على ترجمته يوسف مراد . القاهرة : دار المعارف . 

الباشا ء عبد الرحمن (1987) . الصيد عند العرب . بيروت : مؤسسة الرسالة ودار 
النفائس . 

تاتون » رينيه (1988) . تاريخ العلوم العام : العلم القديم والوسيط . ترجمة علي 
مقلد . بيروت : المؤسسة الجخامعية للدراسات والنشر. 

تاتون . رينيه )١1491(‏ . تاريخ العلوم العام : العلم الحديث . ترجمة بيروت : المؤسسة 
الجامعية للدراسات والنشر . 

جاكار ‏ دانيال (1141) . تأثير الطب العربي في الغرب خلال القرون الوسطى . في 
موسوعة تارب يخ العلوم العربية . إشراف رشدي راشد بمعاونة ريجيس مورلون . الجزء الثالث 
(ص . 776١660-1؟11١)‏ . بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية ومؤسسة عبد الحميد 
شومان . 

حمارنة » سامي )١198*(‏ . مقدمة كتاب الجماهر في معرفة الجواهر . مجلة تاريخ 
العلوم العربية » /ا ) * -358 . 

حناشة . يوسف حمدان )١19894(‏ . ابن النفيس وأعماله واكتشافه للدورة الدموية 
(ص .17 - )١144‏ . أبحاث المؤمر السنوي العاشر لتاريخ العلوم عند العرب والمنعقد في 
اللاذقية >*” - 75 نيسان 1485 » سوريا . 


الداية » فايز )١1985(‏ .علم النفس السينوي وأثره في الأدب العربي (ص 


79 


)١144-6‏ . أبحاث المؤتمر السنوي الخامس لتاريخ العلوم عند العرب » ١5 - ١1‏ أيار 
0 0 جامعة حلب . سوريا . 

دويدار . عبد الفتاح )١11947(‏ .الأساس السيولوجي والفيزيولوجي للشخصية . 
الإسكندرية : دار المعرفة الجامعية . 

راشد . رشدي (19917) . علم المناظر الهندسية . في موسوعة تاريخ العلوم العربية . 
إشراف رشدي راشد بمعاونة ريجيس مورلون . الجزء الثانى (ص . 568-877) . بيروت : 
مركز دراسات الوحدة العربية 0 ْ 

رسل » غول (19917) . نشأة علم البصريات الفسيولوجي . في موسوعة تاريخ العلوم 
العربية . إشراف رشدي راشد بمعاونة ريجيس مورلون . الجزء الثانى (ص . 9737-889) . 
بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية ومؤسسة عبد الحميد شومان . . 

الزهاوي » خلف بن عباس (1778) . التصريف لمن عجز عن التأليف . ج ١‏ .ليرن . 

سميث ء أميلي (1981) . الطب . في موسوعة تاريخ العلوم العربية . إشراف رشدي 
راشد بمعاونة ريجيس مورلون . الجزء الثالث (ص . ١6١١15-1؟17١)‏ . بيروت : مركز دراسات 
الوحدة العربية ومؤسسة عبد الحميد شومان . 

طه : الزبير (1140أ) . الفسلجة العصبية فى كتاب القانون فى الطب . امجلة العربية 
للطب النفسى .1١617 -١547:01١٠‏ 1 1 

طه , الزبير (1990١ب)‏ . سايكوفيزياء الإبصار عند ابن الهيثم . امجلة العربية للطب 
النفسى 2 01 565- #/ا3؟ . 

طدرة + عبن لشسين (198) . مقدمة تحقيق : كتاب المناظر لابن الهيثم (ت ”4717 
هجرية) . الكويت : مجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب . 

العمري ٠‏ عبد الله )١114٠(‏ . تاريخ العلم عند العرب . عمان : مجدلاوي . 

نجاتي » محمد عثمان (1980) . الإدراك الحسي عند ابن سينا . بيروت : دار 
الشروق . 

النجارء عامر (19487) . في تاريخ الطب في الدولة الإسلامية . القاهرة : دار 
المعارف . 

نظيف . مصطفى )١1957(‏ . الحسن بن الهيثم : بحوثه وكشوفه البصرية . القاهرة : 
جامعة فؤاد الأول . 

هونكة , زيغريد (149) . شمس العرب تسطع على الغرب : أثر الحضارة العربية في 


50 


أوروبة . نقله عن الألمانية فاروق بيضون وكمال دسوقي . بيروت : دار الجيل . 
الهونى , فرج محمد (1585) . تاريخ الطب في الحضارة العربية الإسلامية . مصراتة : 


21 


المراجع الأجنبية 


ممم :لهل باعل . لإعومامطعلاكم لقاعم قمعملاء 014 لرمأوتط ح .(1957) .8 ,رعمدمظ 
رالدط-عع ل معء2 :لإعورعل علط .لاعمأمطء لاوم 0 كتمعاولا؟ 320 1115002 ,(1982) .ل ,مممصعرظ 
11 

26 .102أمععرعم [هناك1/ 01 لإع0[0طعلادم ع1 .(1980) 784 ,ممكمعطوعع]2 .14 ع .1 ,رعطرة1] 
غ201 ارملا بعلل .وم تلط 

عأللع معمقطلش'ل ذناكتاوكع1' ع2ع1]م0) 3 كعع2ع2عع؟ 5زم 3ئ8 11 .(1896) .11 ,2اامطصاء1] 
-565 12 ع0 ١22126108‏ ع5لا212طنا! 3)108كمع5 ذا عل عععنل) 1572 ,ع82[1 ,ممعدولظ .1 عهم 
.60 092 1أمععرعم 13 عكتاتطا 

:2612011 .لاع 0[10طعلا5م 01 لمأولط عط] © 1001060082ما مث .(1986) .8 ,مطمطمععىن]1] 
/2101م0011) عم نط5 1 أطناظ نطخره/5ل3 117 

بلاع[1 . لاع 1010علا5م 10 1250010110127 .(1979) .]1 ,لمكسماكلة يل .]1 ,رممكستلعة ,.ط ,لعدع اا 
لع 0م1073 عل ععه82 , النامعع 13 عله لا 

اانا .كمهع لط ,1-111 5م1له800 ,تسممطائزد21-11 و15 1ه دعن)ام0) عط]' .(1989) ممتمطالا12!-1ه مآ 
الاك ععتاطعة لا ع1" :مه0ممطآ .53622 .ىق نز لمأ مع 3مرمء له رم1اءنال20اما 
:فنطماعل 2 انطط .لزعه0 01 طعلاكم لمع7200 01 021085دناه؟ [دع 150.1 .(1987) .1 ,ععالمع؟!1 
.55 11076251رل] عامررء]” 

-لاكم أمائع1م اععملاء ل0مة 5ء51لإطمماءلاوم 01 عع20نا10 عط 15 مطث/الا .(1999) .0 ,و1اعع21 لكا 
. 1-26 ,16 ,ر5قععمعل50 [2اع50 عتتصة 11 01 2[1لننا10 مقع أرعدسة عط]' 7 برومامطء 

-1 01 3تاتصع | الم كذ :مماؤالا 04 لإع10أمطءل59م علمتقطابرج11 عط1' .(ؤدععم ه) .0) بوأععلدطك]1 
له |أطنام غ10 لغ70116طناذ أمأكع5 امهم ذل .ععرعن1) 

بتاع[ :51025نا!1! أهناذأ/ا 01 5ع01نناة لمقط 1ط -ل2 م6[ .(2000) .2 ,مقصدل/طا ع ,.0 بوأععلد كا 
عط غة لمامعوعهم تعمهم كه .لإع0[مطءلاكم [أقاأدعم ارعم<ء آه لترمأكلط عطا ما كعلمع/اموولل 
,23-28 لإأنال بمعلع57 ,لمامطاع0غ5 ,لإعمامطعنروط ]0 د5دعمع مهم [2221002ع)م1 20/11 
,2000 

م[ ."اوعء/8آ عطا مز هلالأععم25عم 01 كملتواعءه عط 0مة وممعدظ ععع10 .(1987) نآ ,رععطلماناآ 


11001 عطا ما لإاممكمالطم 1521نلهه 200 ععمعكء؟5 0غ كمه0هء 1آاممة 115 لقة 1265 أ لطعط)813 


582 


-01[] عع22056:108ن) :عع3205510ن) .طعهل50ن]8 .[ ع غمهعن .1 بز 0ع36لء ,(249-267 .مم) وعوم 
.5و [11و1ع/ا 

عمتللاخ نارملا بناع11 .لع2 ,لمعط) أدعلع010اعلز5م 01 100اناام/ء ع15" .(1982) .1 , لإربامنآ 
.ل31م001202) ع لتطكتاطنط 


83 


54 


تشريح العين عند ابن الهيثم (كتاب المناظر) 


1-3 
حير 
3 


عن . 





7 0“ 


مموحمم 11 0 1 


1 
اتا 


9 








00 . 


دهن صور ا لعسس . 


تشريح العين عند كمال الدين الفارسي في مخطوطة «تنقيح المناظر لذوي الأبصار والبصائر» 


585 








علم البنية العضوية عند منصور بن الفقيه مخطوطة «تشريح المنصوري» 


56 


5 





ووب سما لع عمدو ذ نومام موه مع عو لصوي امار 


بو اي تمر 2200-0-6 
قاللي لالم فوط 0غ 
سعيت و زافو نيرحب ا 







تاانب تراش الشه "لله 
3 اليل اينات امعد جرهارام اج 
. به لطر مالبال .ل ال همتع ": 1 


رلعاإلول عالط عالط د اليل لخن 0 





مخطوطة شرح تقدمة المعرفة لابن النفيسر 


58 


الفصل الثالث 


علم النفس الفسيو لوجي 
(علم نفس منفعة الأعضاء) 


589 


تاريخ علم النفس الفسيو لوجي عند علماء النفس العرب١‏ 


هناك بعض الدراسات والإشارات عن الفسيولوجيا . وعلم النفس الفسيولوجي . 
والأسس البيولوجية للسلوك فى الكتابات العربية (إسماعيل ؛» ١987‏ ؛ أغا. 1981 ؛ حقى » 
5 ؛ حمدي ١98٠‏ ؛ حنا 951٠‏ ؛دويدار.»؟99١‏ ؛عبد الفتاح ١8‏ ؛ عكاشة 
37 ؛ فريد , ١19484‏ ؛ كامل .)١494١ ٠‏ وتغطى الفسيولوجيا الحديثة موضوعات تتضمن 
أولاً التغذية : التغذي والهضم والامتصاص . طرد فضلات الغذاء . عمليات الأيض . ثانياً 
التنفس : التنفس الخسارجي . نقل غازات التنفس » التنفس الداخلي . تنظيم عملية 
التنفس . ثالثا : دوران سوائل الجسم : الدم » اللمف , الأوعية الدموية والقلب . رابعا : 
الإخراج : الفضلات النتروجينية وأعضاء الإخراج . خامساً العضلات والخركة .اسادساً: 
التنسيق والتكامل : التنسيق الكيميائي والتنسيق العصبي . سابعا التكاثر (عبد الفتاح , 
+4مو١).‏ 

بينما تغطى موضوعات علم النفس الفسيولوجي (انظر كامل )149١ ٠‏ أساليب 
وفنيات البحث مثل معمل علم النفس الفسيولوجي . طرق ملاحظة وظائف المخ » تسجيل 
المؤشرات الفسيولوجية للحالة الوظيفية » طرق الاختبارات النفسية . ويدرس في علم النفس 
الفسيولوجي الجهاز العصبي من خلال الخلية العصبية وتقسيم الجهاز العصبي والمخ . كما 
يدرس الغدد الصماء وأسس التعلم الفسيولوجية مثل التكوينات الشبكية ‏ النشاط الكهربي 
للمخ والعمليات الموردة للمخ » واللغة الشائعة والشفرة وتخزين المعلومات ومراكز المكافأة 
ومراكز العقاب . كما يدرس علم النفس الفسيولوجي توزيع الوظائف النفسية بالقشرة 
الدماغية , الوصلة العصبية وتفسير التعلم . والنصفين الكرويين للدماغ ؛ الأسس 
السايكوفسيولوجية للذاكرة , المخ والنشاط العقلي المعرفي وسيكوفسيولوجيا الانفعالات . 
الأسس النفسية الفسيولوجية للعلاج النفسي وسيكوفسيولوجيا الإدمان والخدرات والتحكم 
السايكوفسيولوجي في السلوك . 

وتشمل موضوعات الأسس البيولوجية للسلوك في علم النفس العام : )١(‏ الغدد وأثرها 
على السلوك . منها الغدة النخامية , والغدة الدرقية . والغدد جارات الدرقية » البنكرياس ٠‏ 
الغدد فوق الكلوية (الادرينالية) » المبيض ., الخصية . (؟) أما أساسيات الجهاز العصبى 
فتشمل : الخلية العصبية » النبضة العصبية , الوصلة والانتقال العصبي »ء أنواع اليورونات» 
الممرات العصبية للتعلم . (؟) ويغطي الجهاز العصبي المركزي : الدماغ . المخ والقشرة 


91 


الدماغية , جزءي المخ , الدماغ والسلوك . (5) أما الجهاز العصبي المحيطي (الهيكلي) 
فيشمل : الأعصاب الجسدية . الجهاز العصبي المستقل , وظائف الجهاز السمباثوي والجهاز 
البراسمباثوي (عدس وتوق . 1985) . ويجد الباحث قتى علم النفس الفسيولوجي نفسه 
أمام صور شتى من العلوم تصب في نهاية الأمر في هذا النوع من الدراسات » فالدراسات 
التشريحية . وعلوم الحياة . والكيمياء الحيوية والعلوم النفسية جميعها تترابط بشكل وثيق 
لتسهم في النهاية في توضيح القضايا الأساسية لعلم النفس الفسيولوجي (إسماعيل » 
7).لقد تطورت موضوعات الفسيولوجيا وعلم النفس الفسيولوجي في مراحل تاريخية 
مختلفة . فمن المناسب في هذا الجزء من الدراسة تتبع بعض المقتطفات من كتابات 
المهتمين من العلماء العرب بعلم النفس الفسيولوجي ومن ثم طرح بعض التساؤلات عن 
الكيفية التي تم بها النظر لتاريخ هذا الفرع من العلم . ومن بين المهتمين بذلك عكاشة وهو 
طبيب نفسي وليس عالم نفس لكنه كتب بصورة ممتازة عن علم النفس الفسيولوجي . 

يقول كامل )١1141(‏ قد لا يعلم القارئ أن علم النفس الفسيولوجي تمتد جذوره في 
تاريخ علم النفس لعشرات السنين حيث يبلغ عمر هذا العلم بصورته المنظمة حوالي مائة 
عام . ففي القرن السادس قبل الميلاد كتب فيثاغورس أن المخ هو عضو العقل . كما أن 
سورانوس قد وضع تصنيفاً للأمراض العقلية في الفترة من ١78-4/‏ بعد الميلاد ‏ وتأتي بعد 
ذلك نظرية جالينوس اليوناني الذي عاش في القرن الثاني بعد الميلاد . ويطالعنا علم النفس 
الفارق بأن محاولة فرائز جول 147١‏ م تعتبر من أقدم المحاولات التي حاولت أن تربط بين 
خصائص الجمجمة وحجمها وشكلها وبين القدرات العقلية . 

بينما ترجع البداية الحديثة لعلم النفس الفسيولوجي ء وفقاً لعكاشة (//1417) » بوصفه 
دراسة علاقة السلوك المتكامل بالوظائف البدنية المتنوعة إلى عالم النفس الشهير فونت . فهو 
الذي أطلق هذا الاسم على ذلك الفرع من الدراسة عندما أسس معمله السيكولوجي في 
ليبزج 18174 م . ولكننا نستطيع الرجوع إلى ما قبل ذلك » إلى الثلث الأول من القرن التاسع 
عشر عندما ازدادت المعرفة بتركيب ووظيفة الجهاز العصبي بفضل جهود وعبقرية عدد من 
العلماء أبرزهم بل وماجندي وفلورنز ورولاندو وهول . هؤلاء الذين كشفوا عن التمييز بين 
الأعصاب الحسية والحركية وبينوا نوعية الدفعات العصبية » وحقائق الإحساس (بل) ومراكز 
المخ (فلورنز) والتمييز بين الأفعال الإرادية والمنعكسة . وحسب قول عبد الخالق ودويدار 
)١1999(‏ بأن الفسيولوجيا اهتمت بدراسة المنعكسات وهى الوحدة الوظيفية الأولى 
للاستجابة » وأنشط شكل من أشكالها » وبدأ دراستها الفيلسوف الفرتسي ديكارت وتابعوه » 


02 


ثم طور هذه الدراسة كل من : وليم جيمس » سيشنوف » بختريف » بافلوف , وعلماء النفس 
الألمان مثل فونت . ولقيت هذه الدراسات المهمة دفعات قوية نتيجة للتقدم الذي أحرز في 
العلوم الطبيعية . 

بناء على ما تقدم ربما تسمح الاقتباسات أعلاه بتكوين فكرة عن الكيفية التي عالج بها 
المهتمون بعلم النفس الفسيولوجي ماضيه أو تاريخه . وتبعا لذلك يمكننا أن نقدم عدة 
ملاحظات وتساؤلاات لبعض المقتطفات السابقة من وجهة نظر تاريخ العلم . فمثلاء ربا 
نستطيع الآن أن نتحاور مع عكاشة : إذا كانت البداية «الحديثة لعلم النفس الفسيولوجي» 
ترجع إلى فونت فإلى من ترجع البداية «القديمة لعلم النفس الفسيولوجي» ؟ ويرتبط هذا 
السؤال بالسؤال التالي : لماذا لم يحاول عكاشة الرجوع إلى أكثر من «الثلث الأول من القرن 
التاسع عشر»؟ وهل يرجع التمييز بين الأعصاب الحسية والحركية وتحديد مراكز الدماغ لهذا 
العهد القريب من علم النفس الفسيولوجي؟ سوف نرجع لاحقاً إلى النصف الأول من 
القرن الحادي عشر لكي نجد إجابة للتساؤلات السابقة . وهل فعلاً كما عبر عبد الخالق 
ودويدار بأن ديكارت هو الذي «بدأ» دراسة الفسيولوجيا ومن ثم وليم جيمس وغيره من 
العلماء؟ والسؤال لهما : ألم تكن هناك أي «بداية» سابقة في تاريخ العلم عن الفسيولوجيا؟ 
وإذا قدرلنا أن نتساءل مع عبد الوهاس كامل هل فعلاً «إن علم النفس الفسيولوجي تمتد 
جذوره في تاريخ علم النفس لعشرات السنوات» ؟ إذا كان كامل قد استخدم كلمة «جذور» 
ليؤرخ لعلم النفس الغربي فيمكن الاتفاق معه . ولكن إذا كان البحث عن «جذور» في 
تاريخ علم النفس عامة نرج هذه الجدور إلى العصر الذهبي للحضارة العربية الإسلامية . 

وبإمكاننا كذلك أن نوجه سؤالاً ثانياً إلى كامل : ألم تكن هناك أي مساهمة في علم 
النفس الفسيولوجي في الفترة ما بين «جالين اليوناني الذي عاش في القرن الثاني بعد 
الميلاد» و«محاولة فرائز جول عام »18٠١‏ ؟ ومن الواضح بأن هذا السؤال يحدد عملية وقوع 
الباحث في مأزق الفجوة العلمية ما بين إسهام الحضارة اليونانية وعصر النهضة وظهور المنهج 
العلمي «المزعوم؛ . تبعاً لهذا الفهم ينفي الباحث حقبة علم النفس الفسيولوجي في العلم 
العربي الإسلامي . والسؤال الآخر هل فعلا أن محاولة جول 18٠١‏ م «تعتبر من أقدم 
المحاولات التى حاولت أن تربط بين خصائص الجمجمة وشكلها وبين القدرات العقلية؟ 
فكلمة «أقدم؛ لها دلالتها التاريخية : هل أقدم في علم النفس الغربي أم علم النفس كافة؟ 
إن محاولة الرازي في علم الفراسة كانت سابقة لمساهمة جول بتسعة قرون . ولقد درس مراد 
(1957) هذه المساهمة في مشروع تحضيره للدراسات العليا في علم النفس في فرنسا (انظر 


563 


تاتون ٠.‏ 1984) . عموماً إن الكيفية التي نظر بها المهتمون العرب بعلم النفس الفسيولوجي 
(عبد الخالق ودويدار؛ 1497 ؛ عكاشة 191/٠‏ ؛ كامل 11431٠‏ ) هي ذات الكيفية التي 
ينظر بها مجموعة من مؤرخي العلم عامة ومؤرخي علم النفس في الغرب عن تاريخ علم 
النفس الفسيولوجي . ويمكننا في الجزء اللاحق من الدراسة أن نلاحظ وجه الشبه . 


حاولت الفلسفة . لآلاف السنين فهم سلوك الإنسان من وجهة النظر الغربية لتطور علم 
النفس , وبحث الفلاسفة وناقشوا مجموعة كبيرة من موضوعات علم النفس مثل التعلم 
والشخصية والإدراك وآثار الجهاز العصبى على السلوك . وعندما قامت الفلسفة فى القرن 
الغامن عشر والتاسع عشر بالاتجاه نحو التجريبية قاد ذلك إلى استقلال علم النفس كعلم 
مستقل . وإن مجموعة كبيرة من المناهج والتقنيات التي استخدمت في دراسة العلم المستقل 
الجديد تم استلافها من العلوم الأخرى : الفيزياء , الكيمياء ؛ البيولوجيا والفسيولوجيا . حيث 
إن دراسة بعض جوانب علم النفس مثل الإإحساس والإدراك هي جزء من اهتمامات 
الفسيولوجيا , وقد عملت نظرية التطور على نمو علم النفس المقارن . وقدمت الأحياء 
مساهمة كبيرة عن طريق مساهمة الجينات والوراثئة وكان ذلك أول باب في علم النفس 
العام . 

يؤرخ بورئج (1167) لتطور الفسيويولوجيا ء قائلاً : بدأت العلوم البيولوجية في الحضارة 
الإغريقية كعلوم طبية وهي عبارة عن اختلاط بين التشريح والجراحة والنباتات الطبية إضافة 
للسحر وبعض المبادئ الدوغماتية الأخرى . مع بعض الاستثناءات » كان القانون العام يمنع 
تشريح جثة الإنسان » لذلك كان تقدم المعرفة التشريحية يعتمد على تشريح الحيوان . وعمل 
جالين 144-١59‏ م على تقديم طب أبوقراط ونجح في تحديد العقل في الدماغ وعمل على 
التمييز بين الإحساس والأعصاب الحركية . وفي عام 161/8 -1588 م تم النظر إلى سلفياس 
على أنه جالينيني عظيم . وفي القرن السادس عشر تمت مارسة تشريح جثة الإنسان مع 
استمرار الرفض من جانب الكنيسة . ولقد درس كل من ليوناردو دافنشي ومايكل انجلو 
الجسم الإنساني على هذه الصورة . وعمل فيساليوس 5١6١1655-1م‏ على تطوير التشريح 
بعد تدريبه في باريس . وعمل هارفي 81/8١-/71/1ام‏ على اكتشاف الدورة الدموية الكبرى 
وقدم بذلك مساهمة كبيرة في تطوير الفسيولوجيا بنفس مساهمة فيساليوس في تطوير 


04 


التشريح . 

ل (1984) فيؤرخ أن الثلث الأول من القرن التاسع عشر كان فترة نمو سريع في 
المعرفة بتركيب ووظيفة الجهاز العصبي . وترجع هذه المعرفة إلى جهود ماجندي وفلورنز 
ورولاند وهول وأولهم هو تشارلز بل . وتمثلت مساهمة بل في التمييز بين الأعصاب الحسية 
والحركية ونوعية الدفعات العصبية الحسية ووجود لحن العضلي وحقائق التعصب 
العكسي . إن نتائج بل لم تعرف على نطاق واسع إل فيما بعد , عندما لخص أبحاثه في 
كتابه الجهاز العصبي للجسم الإنساني عام 187٠١‏ م . وقام فلورنز 65 1876-1857 م بمحاولة 
منظمة لتحديد وظائف الأقسام الرئيسية للمخ عن طريق عملية الاستئصال التجريبي . وفي 
عام 1870 م استطاع ليستر تحسين تركيب الميكروسكوب وأن يستخدم لكشف الخلايا في 
مجرى الدم وفي الأنسجة الحيوانية . وفي نفس العام قدم هول أول صياغة واضحة بين 
الأفعال اللاإرادية والأفعال المنعكسة . 

يؤرخ روكلن (1987) بأن ظهور المنهج التجريبي ساعد على تطور بعض العلوم الفيزيائية 
وتطور الفسيولوجيا » فهناك ثلائة تطورات هامة في مجال الفسيولوجيا هي تكوين الأنسجة 
العصبية وخصائصها الأولية » وفسيولوجيا الإحساس » وفسيولوجيا الدماغ . وقد أسهم عدة 
علماء في هذه التطورات منهم ريماك الذي أثبت عام 187 م أن المادة الرمادية في الدماغ 
هي خلوية . وكاجال الذي اكتشف عام 1889 م وحدة الخلية العصبية . إن التقدم في 
مناهج تسجيل التقلصات العضلية هو الذي أتاح لهلمهولتز أن يبين حوالي 186٠‏ أن هذه 
السرعة هي أبطأ من ذلك بكثير . وأنها أدنى من سرعة الصوت .ء وأنها بالتالي خاضعة 
للقياس . إن الاكتشافات التشريحية-الفسيولوجية كانت مهمة ة جداً من أجل التقدم المتعدد 
اللاحق في حقل الفسيولوجيا . هناك عدة علماء ساهموا في تطوير الفسيولوجيا منهم بل 
وماجندي , موللر . جال » فلورنز » بروكا » بافلوف . 

يرتكز علم الفسيولوجيا على المعرفة الحية الدقيقة لوظائف الأعضاء . وتطورت 
الفسيولوجيا في القرن التاسع عشر من خلال التقاء البيولوجيا والفيزياء والكيمياء على أرض 
معقدة للغاية وهي تتشابك فيما بينها . وإذا كان هناك , قبل القرن الجاسع عشرء بعض 
البحوث الفسيولوجية التي من أبرزها بحوث هارفي حول الدورة الدموية » وبحوث لافوزيه 
حول التنفس . فإنه فى هذا القرن الجديد فقط استطاعت الفسيولوجيا أن تأخذ مداها وأن 
تحدد مناهجها . كتب بيشات في سنة 1860 أن الفيزياء والكيمياء تتلامسان لأن نفس 
القوانين تتحكم بظاهراتهما , ولكن هناك مسافة تفصل بينهما وبين علم الأجسام العضوية , 


595 


إذ إن هناك فرقاً ضخماً بين قوانينهما وقوانين الحياة » والقول إن الفسيولوجيا هي فيزياء 
الحيوانات يعني إعطاء فكرة غير صحيحة على الإطلاق . أما الوجه الرئيسي في الفسيولوجيا 
خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر فهو وجه ماجندي . الذي كان له لفن الكبير 
في معارضة المفاهيم الحيوية بشدة » ووضع الفسيولوجيا على أرض التجريب . وقام ماجندي 
في سنة ١4877‏ بدراسة خصائص جذور الأعصاب الفقارية . وكان لفلورنس مكانة مرموقة 
في الفسيولوجيا لقد أوضح مكان المركز التنفسي . لقد اقتلع من حمائم كامل نصفي الكرة 
الدماغية » وبين أن هذه الطيور ظلت تعيش وتقوم بالوظائف الأساسية ولكنها فقدت كل 
مبادئه : ولم يبق لها إلا الانعكاسات (تاتون» 1497 ) . 

من وجهة نظر تاريخ علم النفس الغربي (بورنج » /1961 ؛ فلوجل ٠‏ 1988 ؛ روكلن ١‏ 
*48) يمكن القول بأن هناك ثلاث مراحل أساسية فى تطور الفسيولوجيا ومساهمتها 
اللاحقة في علم النفس . هذه المراحل هي فترة الحضارة الإغريقية ومساهمة ابوقراط في 
الطب . ومرحلة إحياء التراث الإغريقي والنهضة العلمية التي عملت على تقديم مساهمة 
كبيرة في الفسيولوجيا . ومرحلة ظهور المنهج التجريبي ومساهمة مجموعة كبيرة من العلما 
خاصة الفسيولوجيين منهم ماجندي ., فلورنز » هول . بل » ليستر ء ريماك , كاجال . هلمهولتز , 
موللر ‏ بروكا وبافلوف . يمثل كتاب بورنئج (1161) «تاريخ علم النفس التجريبي» الإنجيل في 
تاريخ علم النفس . لأهمية هذا الكتاب » سوف تجبزئ رؤية بورنج للمراحل التاريخية لتطور 
الفسيولوجيا للآتي )١(‏ في عام 114-1١79‏ عمل جالين على تحديد العقل في الدماغ 
والتمييز د بين الإحساس والأعصاب (؟) في عام 1060-١418‏ تم النظر إلى سلفياس 
باعكمارة جا تيا عظيدا . (؟) فى عام 1574-1615 عمل فيساليوس على تطوير 
الفسيولوجيا. ( 5) في عام ١71/7/ - ١617/8‏ عمل هارفي على اكتشاف الدورة الدموية 
الكبرى . 

نلاحظ بصورة واضحة جداً من خلال مراحل بورتم المذكورة أعلاه عن تطور الفسيولوجيا 
بأن النقلة كانت مباشرة بين مرحلة مساهمة الحضارة الإغريقية ومرحلة مساهمة عصر 
النهضة الأوربية . وحسب هذه الرؤية » ليست هناك أي إشارة لأي إسهام بين المرحلتين . إن 
الطريقة التي أرخ (بضم الألف) بها لتطور علم النفس من خلال الفسيولوجيا عند بورج 
خاصة هي طريقة تعمل على تنحية أو إهمال واحدة من المراحل الأساسية في تطور العلم . 
وبهذا يمكننا الآن أن نقدم أطروحة في هذا الجزء من الدراسة وهي أن قراءة تاريخ العلم 
عامة ء وتاريخ يخ العلم العربي خاصة . يوضح بما لا يدع مجالاً للشك , بأن الحضارة العربية 


96 


الإسلامية قدمت مساهمة كبيرة في معالجة بعض الموضوعات الفسيولوجية والتى يمكن 
اعتبارها , بلغة علم النفس الحديث بأنها : جزء من علم النفس الفسيولوجي والأسس 
البايلوجية للسلوك مثل الغدد والجهاز العصبى ودراسة عملية أيض الناقلات » ودراسة 
الأعصاب والشرايين والأوردة والأغشية والرباطات والأجهزة العضلية والهضمية والدورية 
والتناسلية والتنفسية 1 

إن أول 0060 العلمية لعل ان الأعضاء م انف الفسيولوجي) شٍ اخرات 
وذلك 158 ثمانية قرون تقريباً من محاولات علماء النفس في الغرب جلي هذه 
الملامح في كتاب الشفاء وكتاب النجاة ورسالة في أحوال النفس . بينما تتجلى معالم علم 
النفس الفسيولوجي بصورة أكثر وضوحاً في كتاب القانون . وسوف نعمل في الجزء اللاحق 
من هذه الدراسة على إثبات هذه الأطروحة من خلال افتباسات من هذه الكتب ومن كتب 


تاريخ العلم . 
ملامح علم النفس الفسيولوجي: الرسالة والشفاء والنجاة 


يظهر الجانب الفسيولوجي في مشروع ابن سينا في «رسالة في أحوال النفس» التي 
يقسم فيها النفس إلى ثلاث مراتب من النفوس (انظر الحرء )١94١‏ وكلمة «مرتبة» تشير 
إلى العلاقة الطبقية أو الرأسية بين النفوس . واتبع ابن سينا تصنيفا دقيقا للكليات من 
النفوس والفرعيات منها وأفرع الفرعيات . ويوضح تصنيفه . من ناحية منهجية . الدقة في 
بناء العلاقات بين الكل والجزء . ومراتب النفوس هي )١(‏ النفس النباتية وهي كمال أول 
الجسم طبيعي آلي . له الحياة بالقوة من جهة ما ينمو ويتغذى ويتكائر (؟) النفس ال حيوانية . 
وهي كمال أول لجسم طبيعي آلي له الحياة بالقوة من جهة ما يحس ويتحرك بالإرادة (*) 
النفس الإنسانية وهي كمال أول لجسم طبيعي آلي ء له الحياة بالقوة من جهة ما يدرك 
المعقولات ويفعل الأفاعيل الكائنة بالتروي والاختيار . 

ويقسم ابن سينا النفس الإنسانية إلي عاملة وعالمة ؛ وكل قوة من هاتين القوتين تسمى 
عقلاً باشتراك الاسم . أي أن لها عقلاً عملياً وآخر نظرياً . فالعقل العملي أنه مبدأ محرك 
لبدن الإنسان إلى الأفاعيل الجزئية الخاصة بالرؤية . على أن هذه الأفاعيل يمكن أن تصدر 
عن قوة النزوع الحيوانية فتكون سييا في الانفعالات الفيزيولوجية والضحك والبكاء والخجل 


597 


وغيرها . إن الوظائف المذكورة و فى النفوس الثلاث ترتبط بموضوعات علم النفس الفسيولوجي 
مثل التغذية والتكاثرء الدماغ النخاع . الأعصاب ., العضلات » الإحساس والحركة ؛ 
الإرادة » الانفعالات الفسيولوجية » التخيل » الذاكرة والعقل . يبدو الجانب الفسيولوجي أكثر 
وفنوضا في التقسيمات الأساسية والفرعية للنفس الحيوانية التي قسمهاابن سينا إلى 
قسمين : محركة ومدركة . فالقوة المحركة وهى قسمان : باعثة وفاعلة . فالباعثة هى القوة 
النزوعية والشوقية وهي قسمان شهوانية وغضبية . القوة امحركة هي قوة تنبعث من الأعصاب 
والعضلات من شأنها أن تشنج العضلات أو ترخيها للقيام بعمل ما . أما القوة المدركة وهي 
قسمان : فقوة تدرك من خارج وهي الحواس الخمس : البصر والسمع والشم والذوق واللمس . 
وقوة تدرك من باطن منها ما يدرك صور المحسوسات ومنها ما يدرك معانيها . 

يمكننا كذلك أن نقرأ مشروع ابن سينا الفسيولوجي في كتاب «الشفاء» والذي يوضح 
فيه رؤيته عن العلاقة بين النفس والجسد أو العلاقة «النفسجسدية» أو «السيكوسوماتيك» 
كما يقول البعض . يقول ابن سينا في الشفاء : «قال قوم من الأوائل إن المحسوسات قد يجوز 
أن تحمس بها النفس بلا واسطة آلية ولا آلات . أما الوسائط فمثل الهواء للإابصار . وأما 
الآلات فمثل العين للإبصار . وقد بعدوا عن الحق . فإنه لو كان الإحساس يقع للنفس 
بذاتها من غير هذه الآلات ء لكانت هذه الآلات معطلة في الخلقة لا ينتفع بها . وأيضاً فإن 
النفمس إذا كانت غير جسم عندهم ولا ذات وضع » فيستحيل أن يكون بعض الأجسام قريباً 
منها ومتجهاً إليها فيحس ؛ وبعضها بعيدًا عنها محتجبا منها فلا يحس ء وبالجملة يجب أن 
لا يكون اختلاف في أوضاع الأجسام منها وحجب وإظهار. . .» . وتبعاً لرؤية ابن سينا 
أعلاه عن الإحساس . فإنه ينتقد النظريات السابقة عن المحسوسات بقوله اوقد بعدوا عن 
الحق» مقدماً بذنلك رؤية جديدة عن علاقة النفس بالجسد . 

ففى الفصل الثانى » من كتاب الشفاء . فى تحقيق أصناف الإدراكات التى لنا » يفصل 
ابن نينا الحديك 7 الحواس من حيث المفاهيم وتمحديد المنفعة «الوظائف» وإعطاء أمثلة 
للأمور التي تلمس والطعوم التي تذاق والروائح التي تشم والأصوات التي تسمع والأشياء 
التي تبصر . وترجع معالجحة ابن سينا لهذه الحواس انطلاقاً من الفكرة العلمية المتعلقة 
بالإدراك بالنسبة للموجودات . ولقد عمل ابن سينا على ربط ذلك بنظريته الفسيولوجية عن 
«القوى الحاسة والداركة» . . يقول ابن سينا «فلنتكلم الآن في القوى الحاسة والداركة 
ولنتكلم فيها كلاما كليا فنقول يشبه أن يكون كل إدراك إنما هو أذ صورة المدرك بنحو من 
الأنحاء فإن كان الإدراك إدراكاً لشىء مادي فهو أخذ صورته مجردة عن المادة تجريداً ما لأن 


08 


أصناف التجريد مختلفة ومراتبها متفاوتة فإن الصورة المادية تعرض لها يسبب المادة أحوال 
وأمور ليست هي لها بذاتها من جهة ما هي تلك الصورة فتارة يكون النزع عن المادة نزعاً مع 
تلك العلائق كلها أو بعضها . . . » . إن ابن سينا يربط ربطأً كاملاً بين الإحساس والإدراك . 
وتناول ابن سينا الحواس ل بالبحث والتحليل . «فأول الحواس الذي يصير به الحيوان 
حيوانا هو اللمس » . وعند ابن سينا يشبه أن يكون كل ماله لمس فله فى ذاته حركة ما 
إرادية إما لكليته وإما لأجزائه . وحدد ابن سينا بعض الأمور التي تلمس منها الحرارة 
والبرودة والرظوية واليبوينة واللتشونة والملاسة والفقل والخحقة : ْ 

صاغ ابن سينا عملية الربط الوثيق بين حاستي الذوق والشم إذ يقول : «وأما الذوق فإنه 
تال للمس ومنفعته أيضاً في الفعل الذي به يتقوم البدن وهو تشهيه الغذاء واختياره 
ويجانس اللمس في شيء وهو أن المذوق يدرك في أكثر الأمر بالملامسة ويفارقه في أن نفس 
الملامسة لا تؤدي الطعم . والطعوم التي يدركها الذوق هي الحلاوة والمرارة والحخموضة والقبض 
والعفوصة والحرافة والدسومة والبشاعة والتفه . وأما الشم فإنه وإن كان الإنسان أبلغ حيلة 
في الت من سائر الحيوانات فإنه يثير الروائح بالدلك » وهذا ليس لغيرة + ويتعضى فين 
تحسسها باللاستنشاق وهذا لا يشاركه فيه غيره فإنه لا يقبل الروائح قبولاً قوياً حتى يحدث 
في خياله منها مثل ما يأتيه كما يحصل للملموسات والمطعومات بل تكاد أن تكون رسوم 
الروائح في تس اونا ضعيفة , ولذلك لا يكون للروائح عنده اسم إلا من جهتين إحداهما 
من جهة الموافقة والخالفة بأن يقال طيبة ومنتنة» . وبالنسبة لحاسة السمع فقد ربط ابن سينا 
ببنها وبين الضورة والصدى + :يقول :إن الضويت لين آهراً قائم الذات موجودا ثابت 9 
يجوز فيه ما يجوز في البياض والسواد والشكل من أحكام الشبات على أن يصح فرضه ممتد 
الوجود وأنه مثلاًلم يكن له مبدأ وجود زماني كما يصح هذا الفرض في غيره بل الصوت 
بين واضح من أمره أنه أمر يحدث وأنه ليس يحدث إلا عن قلع أو قرع 3 . فضلاً عن ذلك 
يحدد ابن سينا التمييز في موضوع إدراك الصوت قائلاً : «فكذلك السمع أيضاً يدرك المضادة 
التي بين الصوت الشقيل والحاد ويدرك المضادة التي بين الصوت الخنافت والجهر والصلب 
والأملس والمتخلخل وغير ذلك » . 

وفي كتاب النجاة يقول ابن سينا : «كل إدراك جزئي فهو بآلة جسمانية» . ويذهب 
بذلك ابن سينا إلى وجود علاقة وثيقة بين العمليات النفسية والعمليات البدنية , وإلى أن 
جميع العمليات النفسية تحدث في بدن وبوساطة البدن . فالإحساس إذن عملية نفسية 
يتوقف حدوثها على مشاركة البدن (انظر نجاتي ؛ )198٠0‏ . ويتبين كذلك أن الانفعال 


09 


الفسيولوجي شرط ضروري في حدوث الإحساس . ويرفض ابن سينا نظريات الماديين 
اليونانيين جميعهم الذين يفسرون الظواهر النفسية الختلفة بالتغيير المادي الآلى . ومن جهة 
أخرى » فإن مذهب ابن سينا لا يقبل الاكتفاء بالتفسير الفسيولوجى الحض للظواهر النفسية 
الذي يذهب إليه علماء النفس الفسيولوجيون المحدثون . فإن هؤلاء العلماء قد لا حظوا 
العلاقة الوثيقة بين الظواهر السيكولوجية والظواهر الفسيولوجية فذهبوا إلى تفسير الحياة 
النفسية والوظائف العقلية بالرجوع فقط إلى التغيرات الفسيولوجية التي تحدث في الجهاز 
العصبي وعلى الأخص في المخ . 

أما بالنسبة لفسيولوجيا الإبصار فقد حدد ابن سينا مقالة كاملة وليس فصلا كما فى 
بقية الحواس الأربع . ويمكن أن نختصر قول ابن سينا من خلال تلخيص الفصول في هذه 
المقالة والتى ربط فيها بين الضوء والشفيف واللون , والنور والشعاع . وانتقد ابن سينا في 
كتاب الشفاء ورسالة في أحوال النفس الآراء السابقة عن الإبصار . يقول : «فإني أحكم 
حكماً كليا أن الإبصار ليس يكون باستحالة من الهواء إلى حالة تعين البصر البتة وذلك لأن 
تلك الحالة لا محالة تكون هيأة فى الهواء ليست معنى إضافياً بحسب ناظر دون ناظر فإنا لا 
منع وجود هذا القسم بل نقول لابد منه ولا بد من إضافة تحدث للهواء مع الناظر عند نظره ١‏ 
بتلك الإضافة يكون الإبصار. ومن الأشياء التي يدركها البصر العم والشكل والعدد 
والوضع والحركة والسكون» . 

وعموما يشكل التصور الخاص لابن سينا (انظر رسل )١9937.‏ عن الرؤية مخططا لنقاشه 
حول الإحساس . الذي يعتبر انطباعا لشكل الأجسام على عضو الحاسة المعينة . إنه يدقق 
شروط هذه الرؤية » فعندما يلتق الضوء بالجسم المرئى (جسم ملون) المعزول عن العين بوسط 
شفاف (غير ملون) يتتقل شكل .هذا الخنسم إلى المؤزق)بحيت يتطيع على تلع الجليدية.. 
ويتابع مبررا نظرية الإدخال ‏ استناداً إلى تشر يح العين » فيقول إذا لم تكن وجهة النظر هذه 
صحيحة .ء قلم تكن العين لتخلق بهذه ددن وبهذه الأخلاط المتنوعة والتي تتنوع في 
الأشكال والتراكيب (انظر كتاب النجاة) . ويتحدد إدراك القياس الظاهري بالنسبة لابن سينا 
بالبعد بالنسبة إلى زاوية مخروط الرؤية في العين . فكلما ابتعد الجسم ؛ ضاقت الزاوية 
وصغرت الزاوية وصغرت المنطقة التي يحتلها شكل الجسم على سطح الجليدية . وبالتالي فإن 
هندسة مخخروط الرؤية لا معنى لها إلا إذا اعتبرت الجسم . وليس العين , كنقطة انطلاق 
(كتاب النجاة) . ويوضح ابن سينا هذا الأمرء عندما يشرح أن جسماً ما موجود قرب العين 
يشكل زاوية تصغر باستمرار بمقدار ما يبتعد هذا الجسم عن العين » وهكذا نراه أصغر . 


100 


معالم علم النفس الفسيولو جي: كتاب القانون 


قسم ابن سينا كتاب «القانون في الطب» إلى خمسة كتب : (الكتاب الأول) في 
الأمور الكلية في علم الطب . (الكتاب الثاني) في الأدوية المفردة » (الكتاب الثالث) في 
الأمراض الجزئية الواقعة بأعضاء الإنسان » (الكتاب الرابع) في الأمراض الجزئية التي إذا 
وقعت لم تختص بعضوء (الكتاب الخامس) في تركيب الأدوية وهو الأقراباذين . في 
الكتاب الأول » يوضح ابن سينا أهداف مشروعه الطبي بقوله : «فقد التمس مني بعض 
خلص إخواني ومن يلزمني إسعافه بما يسمح به وُسعى أن أصنف في الطب كتاباً مشتملا 
على قوانينه الكلية والجحزئية اشتمالا بجع إلى الشرح والاختصار وإلى إيفاء الأكثر حقه من 
البيان الإيجاز فأسعفته بذلك . ورأيت أن أتكلم أولاً في الأمور العامة الكلية في كلا قسمي 
الطب أعني القسم النظري والقسم العملي . ثم بعد ذلك أتكلم في كليات أحكام قوى 
الأدوية المفردة ثم في جزئياتها ثم بعد ذلك في الأمراض الواقعة بعضو عضو فأبتدئ أولاً 
بتشريح ذلك العضو ومنفعته ‏ وأما تشريح الأعضاء المفردة البسيطة فيكون قد سبق مني 
ذكره في الكتاب الأول الكلي . وكذلك منافعها ثم إذا فرغت من تشريح ذلك العضو 
ابتدأت في أكثر المواضع بالدلالة على كيفية حفظ صحته . . . .» . سوف نحاول تتبع بعض 
آراء ابن سينا فى «منفعة الأعضاء» كما يقول أو «وظيفة الأعضاء» أو «الفسيولوجيا» أو 
«الفسلجة» من خلال كتاب «القانون في الطب» . 

إذا تتبعنا بعض فصول كتاب القانون فسنجد فيه مجموعة من المواضيع يع التي تجبرنا على 
القول بأنها تشكل مبادئ علم النفس العام كالأسس البيولوجية للسلوك ودراسة الحواس 
والتصور والإدراك والانفعالات والذاكرة والتفكير والمزاج والشخصية والنموء والاضطرابات 
النفسسية والعلاج النفسي . فمن الواضح أن ابن سينا أدرك في مرحلة مبكرة من التاريخ 
العلمي موضوع الأسس البيولوجية للسلوك والتي يمكن مراجعتها في بعض الفصول من 
كتاب القانون مثل فصل في كلام كلى في أمراض الطحال . فصل في علامات أمزجة 
الطحال . فصل في سبب كثرة المنى » فصل في دلائل أمزجة أعضاء المني الطبيعية . فصل 
في منافع الجماع فصل في سبب الأذكار والإناث ٠»‏ فصل في سيب التوأم والحبل على 
الحبل . يقول ابن سينا » مثلاً » إن سبب التوأم «كثرة المني وانقسامه إلى اثنين مما بيعده 
ووقوعه في التجويفين» وربما يقصد ابن سينا ب «انقسام المني» هو انقسام البويضة ا لخصبة 
ويقصد «بوقوعه في التجويفين» هو عملية استقرار البويضة امخصبة في الرحم . كما نعرف 


101 


في علم النفس المعاصر هناك نوعان من التوائم 0 ثم التي تنتج من بويضات مختلفة 
وتسمى بالتوائم غير المتطابقة . والتوائم التي تنتج من بويضة واحدة وتسمى بالتوائم 
المتطابقة . وتنتج الأخيرة من انقسام البويضة ا الواحدة في الأطوار المبكرة من غوها 
(دويدار» 1497) . تبعاً لذلك يكون حديث ابن سينا عن التوائم الصنوية أو المتناظرة أو 
المتطابقة . 

ففي سيب الأذكار والإناث يقول ابن سيئا «إن سبب الأذكار هو مني الذكر 0 
وغزارته وموافقة الجماع في وقت طهرها ودور المني من اليمين فهو أسخن وأئخن قواماً . . 
وقول ابن سينا إن سبب الأذكار هو مني الذكر قول صحيح . ففي باب الأسس ا 
لباوك في مقدمات ومبادى ومنداخل علم النفسن قكل طالب ,عل نفب يكن أن يجند في 
باب الوراثة هذه الحقيقة العلمية . بذلك بوسعنا القول بأن ابن سينا قد صاغ أفكاراً في غاية 
الأهمية والدقة منذ القرن الحادي عشر الميلادي . إن نظرية اللقاح المزدوج , فقا لجاكار 
2)١194850(‏ فسرت بدقة أكبر الآليات الوراثية » وأفادت في الوقت نفسه من توضيح مختلف 
الإفرازات الأنثوية » فغالباً ما كان يحصل عدم تمييز بين السيلان الأبيض والإفراز المهبلي . 
وعلى الرغم من الاختلافات التفصيلية » ٠‏ حصل نوع من التوافق بين الأطباء في نهاية القرون 
الوسطى يعطي أفضلية للسسوية التي وردت في كتاب القانون لابن سينا » التي تقول أن المني 
الذكري أكثر قدرة على إعطاء الشكل . والمني الأنثوي أكثر استعداداً لاستقباله . 

في مشروع ابن سينا الطبي » والذي من خلاله يمكننا أن ندرس مشروعه الفرعي في 
علم النفس . تلاحظ أنه يربط ربطاً محكماً ربما يثير الدهشة بين الجانب التشريحي والجانب 
الفسيولوجي للأعضاء في كتاب «القانون في الطب» . فيظهر ذلك مثلاً في معالجته للجهاز 
العصبي المركزي والذي يتكون من الدماغ والنخاع والأعصاب وعلاقتها ببقية أعضاء 
الجسم . ويوضح ابن سينا بصورة جلية بأن الدماغ هو ال «مبدأ» أو المركز للأعصاب . يقول 
ابن سينا عن منفعة أو وظيفة العصب : «منها ما هو خاص بالذات ومنها ما هو بالعرض 
والذي بالذات إفادة الدماغ بتوسطها لسائر الأعضاء حساً وحركة والذي بالعرض فمن ذلك 
تشديد اللحم وتقوية البدن ومن ذلك الإشعار بما يعرض من الآفات للأعضاء العديمة الحس 
مثل الكبد والطحال والرئة فإن هذه الأعضاء وإن فقدت الحس فقد أجرى عليها لفافة 
عصبية » . 

ويضيف ابن سينا واصفاً : «وإن غشيت بغشاء عصبي فإذا ورمت أو تمددت بريح بادي 
ثقل الورم أو تفريق الريح إلى اللفافة وإلى أصلها فعرض لها من الثقل انجذاب ومن الريح 


102 


تمدد فأحس به » والأعصاب مبدأها على الوجه المعلوم هو الدماغ ومنتهى تفرقها هو الجلد , 
فإن الجلد يخالطه ليف رقيق منبث فيه أعصاب من الأعضاء المجاورة له والدماغ مبدأ العصب 
على وجهين فإنه مبدأ لبعض العصب بذاته ومبدأ لبعضه بوساطة النخاع السائل منه 
والأعصاب المنبعثة من الدماغ نفسه لا يستفيد منها الحس والحركة إلا أعضاء الرأس والوجه 
والأحشاء الباطنة وأما سائر الأعضاء فإنما تستفيد من أعصاب النخاع » . (5؟) ويؤكد ابن 
سينا مشروعه الفسيولوجى كذلك فى كتاب الشفاء إذ يقول : «إن الأعضاء المتحركة » قد 
تكون مبدأ الس والحركة لهما جميعا عصبة واحدة » وقد يفترق تارة ذلك , فيكون مبدأ كل 
فوة عصبة » . 

إن قول ابن سينا إن «الدماغ مبدأ العصب» وهمبدأ لبعضه بواسطة النخاع» قول لا 
يخالف النتائج المتاحة في كتب علم النفس المعاصرة . مثلاً » (كاجان وهافيمان , ١984‏ ؛ 

هلقارد » اتكنسون واتكنسون .'191/9 ؛ عدس وتوق 1985٠‏ ) . ففي هذه الكتب يتكون 
الجهاز العصبي المركزي من الدماغ الذي هو مركز التحكم في السلوك » والحبل الشوكي 
والذي يعتبر خط جذع الدماغ ومركز بعض الانعكاسات العصبية للجسم . وإن الخلايا 
العصبية التي تصل الجسم والأطراف بالدماغ والتي تنقل الرسائل العصبية من وإلى الدماغ 
تتجمع مع بعضها البعض في الحبل الشوكي ويجمعها العمود الفقري للإنسان .إن كل 
النيورونات هذه ترتبط في النهاية إما مع الحبل الشوكي الذي يعتبر كيبلاً رئيسيا ء أو مع 
الدماغ مباشرة . وإن قول ابن سينا عن «منتهى تفرقها ‏ أي الأعصاب ‏ هو الجلد» شبيه 
بتوزيع الألياف أو الأنسجة العصبية والتى تسمى بالنيورونات في سائر الجسم . وتشكل 
النيورونات المنتشرة على جسم الإنسان الجهاز العصبي الجسدي . 

وذكر ابن سينا «للأعضاء العديمة الحس مثل الكبد والطحال والرئة» ودور الأعصاب في 
عملية الإشعار التى تحدث فى هذه الأعضاء هو شبيه بانتشار النيورونات التى تصل إلى 
أصابع القدمين واليدين وإلى العينين والأذنين وإلى الغدد وإلى القلب والرئتين وإلى المعدة 
والأمعاء . لقد ميز ابن سينا بين الأعصاب الحسية والحركية فى كتابى القانون والشفاء قبل 
ثمانية قرون من امحاولات الغربية الحديثة في علم النفس . كما خدد م طبيعة العلدقة ين 
الدماغ والسلوك . وإذا رجعنا إلى مقتطف عكاشة )١191//(‏ نجده يخلص إلى أن «بل 
وماجندي وفلورنز ورولااند وهول هؤلاء هم الذين كشفوا عن التمييز بين الأعصاب الحسية 
والحركية» . فقد استخدم عكاشة يرا يبدو أنه يحتاج لمراجعة الحقائق التاريخية يتمثل في 
كلمة «كشفوا» بما ليس هو باكتشاف جديد . 


103 


في مشروع ابن سينا الفسيولوجي هناك علاقة وثيقة بين مراكز 0 والإدراك وبلغة 
أخرى هناك علاقة محكمة بين الجهاز العصبي والحالة النفسية للفرد . تنقسم القوى المدركة 
عند ابن سينا إلى قسمين : صنف يدرك من خارج » وهذه هي هى الحواس و 
يدرك من باطن » وهذه إما أن تدرك صور المحسوسات ء وإما أن تدرك المعاني المستمدة من 
الحسوسات . وإما أن تتصرف في الصور والمعاني فتركب بعضها مع بعض . ولكل نوع من 
أنواع هذه الإدراكات اسم معين . إن ابن سينا يجعل لكل قوة من هذه القوى مراكز في 
الدماغ » ويسمي هذه المراكز آلة » فكما أن الحواس المختلفة تدرك بآلات » كالبصر آلته العين 
كذلك التخيل أو التصور أو الوهم له آلة خاصة به (انظر الخالدي » 1987) . 

وأول هذه القوى «فنطاسيا» وتسمى الخيالة أو المتخيلة . ويسميها ابن سينا الحس 
المشترك ومكانها التجويف الأول من الدماغ ؛ وتقبل جميع الصور المنطبعة في الحواس . وأن 
القوة التى تلي فنطاسيا يسميها ابن سينا تارة الخيال وتارة أخرى المصورة » وموضعها آخر 
التجويف المقدم من الدماغ » ووظيفتها أن تحفظ ما قبله الحس المشترك بعد غيبة المحسوسات . 
والقوة الثالئة هي المتخيلة » وتسمى المفكرة بالنسبة إلى النفس الإنسانية » وموضعها في 
التجويف الأوسط من الدماغ . ومن شأنها أن تركب بعض الخيال مع بعض وتفصله عن 
بعض بسبب الاختيار . والرابعة هي المتوهمة أو الوهمية » ومركزها في نهاية التجويف 
الأوسط من الدماغ , وهي التي تدرك المعاني غير المحسوسة الموجودة في المحسوسات الجحزئية . 
والقوة الخامسة هي الذاكرة أو الحافظة » ومركزها في التجويف المؤخر من الدماغ . وتحفظ ما 
تدركه القوة الوهمية . 

إن المسألة الهامة التي وضحها ابن سينا فى مشروعه الفسيولوجي مساألة الرٍظ بين 
الجهاز العصبي وحالة الفرد النفسية . ولقد عالج ابن سينا بذلك واحدة من أشد المشكلات 
تعقيداً في علم النفس . ووفقاً لطه (1540أ) إن فكرة تنسيب الوظائف الذهنية إلى المناطق 
الدماغية فكرة متكررة في كتابات ابن سينا . فقد وردت في القانون وبصورة أكثر تفصيلا في 
الشفاء , وفي مجملها تمثل هذه الفكرة الأطروحة الأساسية في علم النفس الفسيولوجي 
المعاصر . وهذه الفكرة السينوية لم ترد في كتابات المشاهير الذين سبقوه . فأرسطو مثلاً 
استبعد مبدأ العلاقة بين الجهاز العصبى والنشاط النفسى .ء أما جالينوس فقد اكتفى باعتماد 
العلاقة بين الدماغ والوظائف النفسية دون الدخول في أية تفاصيل تذكر . 


104 


ملاحظات عامة عن علم النفس الفسيولوجي 


من الواضح بأن رؤية ابن سينا عن الحواس من حيث المفاهيم والمنفعة لا تختلف كثيراً 
في جوهرها عن دراسة الإحساس في بعض كتب علم النفس المبكرة والتى بحثت هذه 
الحواس من خلال السايكوفسيولوجيا والسيكوفيزيقا مثلا دراسة البصر (بارتيلي ١94١ ٠‏ ؛ 
بارسونز» 1918) ؛ السمع (بنش ٠‏ 14547 ؛ وودء 140) ؛ اللمس (جتكنز: 1998 ؛ 
ستون وجينكينز » )195٠‏ ؛ الذوق والشم ( أدريان » 1947 ؛ اسوان » 19554) . إن إيضاح 
الكيفية التي ندرك بها العالم يجب أن يتضمن في النهاية نظرية فسيولوجية للإدراك » نظرية 
توضح الصلة بين الخبرة وبين العمليات العصبية . وتسمى المحاولة لاكتشاف ما يجري في 
الجهاز العصبي بالسيكوفسيولوجيا . ويمكن دراستها بطريقتين : إحداهما عن طريق العودة من 
خصائص الخبرة إلى الخصائص احتمل وجودها فى وظائف الأعضاء الأساسية لهذه الخبرة 
كما فل عَلمَاء: النفسن التخطيون: . وهذه طريقة تاملية يكن أن تنغيذل بها دزايتة' الات 
العصبية بطريقة مباشرة تجريبية (انظر جيبسون » 1987) . 

وتعتبر دراسة الاتصال بين الخبرة والمنيه دون الرجوع إلى المرحلة الفسيولوجية التي 
تتوسطهما , أقدم بكثير وأفضل تدعيما في مجال البحث » واسمها التقليدي السيكوفيزيقا . 
ولقد أدت طرقها إلى الحصول على كميات كبيرة من الدلائل على القدرات الحسية عند 
الإنسان والأبعاد التي يميز الإنسان تبعاً لها العالم من حوله . ومن ثم تعشبر الطرق السائدة 
في دراسة الإبصار والسمع والحواس الخاصة الأخرى طرقا سيكوفيزيقية . بسبب تعقيد 
المنبهات بالنسبة للإدراك » وبسبب صعوبة قياسها وضبطها . وبسبب أنها في بعض الأحوال 
لا يمكن حتى تشخيصها فى ضوء معرفتنا الحاضرة » بسبب هذا كله تحول البحث التجريبى 
للإدراك من العلاقة الك نيريقة إلى اتجاهات أخرى . إن أكثر الطرق السيكوفيزيقية يك 
لا يمكن استخدامها إذا أريد دراسة الإدراك . 

ويتفق مشروع ابن سينا الفسيولوجي في كلياته كذلك مع مجموعة حقائق من علم 
النفس المعاصر ننه للح عولل؟ر اريدي للجوار التي (عبد العزيزء 1984) . ففي 
الكتابات المعاصرة (دويدارء )١19947‏ يعتبر الجهاز العصبي عبارة عن منظمة من الخلايا 
العصبية التي تتخصص في الاستقبال والتوصيل والإرسال . ويعتبر من أهم الأجهزة 
المسئولة عن التكامل وعن السيطرة علي وظائف الأجهزة الأخرى بالجسم . حيث إنه المتصل 
بالخارج والقائم بضبط وإثارة أو إبطاء الوظائف الحيوية كلها أو بعضها . الإرادي منها أو 


105 


اللاإرادي » حسب متطلبات الموقف أو حسب الأوامر الصادرة إليه من المخ . ويتكون الجهاز 
العصبي المركزي من المخ والنخاع الشوكي . وهما مجموعة الأنسجة العصبية التي تملأ 
الجمجمة والعمود الفقرى . وكل تفرعاتهما العصبية . 

ويتكون المخ من ثلاثة أقسام هي )١(‏ مقدم المخ ويتكون من نصفي كرة ويتحكم في 
معظم أنشطة الإنسان الجسمية والعقلية . (؟) المخيخ ويقع تحت مؤخر السيريبرام وهو مختص 
بالعمليات التلقائية بالجسم . (*) جذع المخ وهو الجزء الخارج من بطن المخ ليوصله بأول 
الحبل الشوكي بالرقبة . ويشكل النخاع الشوكي الجزء السفلي من الجهاز العصبي المركزي . 
ويعتبر المركز الأول والأخير للمعلومات الواردة والصادرة . فالأعصاب الخارجة من داخل 
فقرات العمود الفقري تجمع المعلومات من مراكز الحس الختلفة لتوصلها إلى المخ حيث تترجم 
الأحاسيس إلى معلومات مفهومة » تصدر وراءها رسائل أخرى عن طريق المخ أولا . ليتناولها 
النخاع الشوكي فيوصلها إلى المراكز الخاصة بنوع الاستجابة المتصلة بها . 

وعيموها يلاحظ فى مشروع ابن سكا الفسيولوجى وعدم اكتفائه بعملية الوصف . بل 
تركيزه #على جل التمليل والسصية . فنجد فصولاً كاملة في كتاب «القانون في الطب» عن 
السببية مثلاً انظر الفصل السادس في أصياب السدة وضيق المجاري حتى الفصل نالع 
والعشرين في أسباب ضعف الأعضاء . ففيى فصل الأورام الحادثة في الغدد يقول ابن سينا 
«وأما الأورام الغددية التى ليست تذهثٌ مذهب الطواعين فربما وقعت موقع الدفوع 7 
البحارين وربما وقعت موقع الدفوع عن الأعضاء الأصلية . . .» . وتتكرر مسألة السببية في 
معظم الفصول ذات العلاقة بعلم النفس الفسيولوجي مثل فصل في علامات وقوع التشنج . 
فصل في الغدد . فصل في جراحات العصب وما يجري مجراه . 

يقول طه (1440أ) إن معالجة الجهاز العصبي في التراث العربي الإسلامي كانت 
متقدمة بدرجة مثيرة للدهشة حيث إن التشريحية والفسلجة المعاصرة لم تحدث ما يمكن أن 
نسميه طفرة نوعية بعد إسهامات هذا التراث . ومهما يكن من أمر فإن الفسلجة العصبية في 
التراث الإسلامي ترعرعت في جو من الببحث العلمي تجاوزت تقاليده الملاحظات 
الإكلينيكية حتى شملت التحقيق التجريبي الأكثر تدقيقاً . وقد تصدرت الفسلجة العصبية 
قائمة اهتمامات أطباء التراث وشملت كتاباتهم , فيما شملت مبادئ ما يعرف حاليا بعلم 
النفس الفسيولوجي . .يمكن القول بشكل عام وفقاً لطه إن كتاب القانون اشتمل على أسس 
السايكوفيسيولوجيا الحديثة, أولاً لأنه أول مرجع طبي ينسب الوظائف النفسية للمكونات 
الدماغية #وثانياً لأنه حوى على نظرية متكاملة للنقل العصبي ٠‏ ثالثاً لانه بلور مفهوم 


106 


الناقلات العصبية وسماها الروح لأنه يرى أثرها ولا يرى جوهرها . فهي بحق روح الجهاز 
العصبي ١‏ انا لأنه وضع أسس عمليات أيض الناقلات العصبية مستكنها مصطلح 
الانطباع مقابل عمليات البناء والهدم . وعلى الرغم من أن بعض المؤرخين ينسبون إلى 
بوزيدونيوس وتيموسيوس في القرن الرابع الميلادي فكرة الوظائف النفسية لمكونات الدماغ . 
إلا أن أول كتاب طبي متداول شرح هذه الفكرة وحملها إلى عصر النهضة هو القانون . وعليه 
فإن بوسعنا أن نؤرخ لعلم النفس الفيسيولوجي ابتداء من القانون . 

تلخيصاً للعرض السابق بوسعنا القول بأن مشروع ابن سينا في علم منفعة الأعضاء فى في 
كتاب القانون والشفاء والنجاة ورسالة فى النفس قد شمل دراسة عدة موضوعات منها 
الدماغ والنخاع الشوكي والأعصاب والعلاقة المتداخلة بينهم وبين بقية أعضاء الجسم . ولقد 
حدد ابن سينا مراكر القوى المدركة في الدماغ كما عالج العلاقة الكلية والجزئية بين 
النفوس . وكانت رؤيته للإحساس وللحواس الخمس تشكل رؤية جديدة انتقد فيها الرؤى 
السابقة عليه . من ناحية منهجية » فققد ارتكز مشروع ابن سينا على التحليل والتركيب 
والتصنيف والعلية والإحاطة . ولم يكن المشروع الفسيولوجي نقلاً حرفيا عن التراث 
الإغريقى بل كان استجابة واعية من خلال أخذه من التراث بمقدار» كما ترك وتجاوز وانتقد 
بمقدار . وبذلك كان هذا المشروع ملمحاً ومعلماً بارزا قي علم النفس عامة وعلم النفس في 
التراث العربي الإسلامي خاصة . 

بالرغم من تلك الملامح والمعالم البارزة تمت تنحية المشروع السينوي في علم نفس منفعة 
الأعضاء أو علم النفس الفسيولوجي من كتابات مؤرخي علم النفس من وجهة النظر 
الغربية » مع بعض الاستثناءات » والعربية كذلك . ولكن وجد إنصافا من بعض مؤرخي 
العلم العربي وليس مؤرخي علم النفس . ونتيجة لشمول ولحدة مشروع ابن سينا » وتقديمه 
لملامح ومعالم جديدة في علم النفس الفسيولوجي . فيجب تثبيت هذه الملامح والمعالم في 
مكان وزمان الفجوة العلمية في تاريخ الفسيولوجيا ما بين مرحلة الحضارة الإغريقية ومرحلة 
عصر النهضة العلمية . ومن المناسب في هذه ا حالة أن نعيد النظر في كتابة تاريخ هذا الفرع 

من العلم » ونذكر خاصة عبد الخالق ودويدار )١997(‏ وعكاشة (ل/ا/91١)‏ وكامل (1991) . 
ويمكن القول بأن ابن سينا كان يمثل أعلى قمة في علم منفعة الأعضاء لذلك تأثر به العلماء 
العرب في تنقيحاتهم وشروحاتهم المتعددة » خاصة لكتاب القانون ‏ كما ترك أثراً بالغاً في 
رؤية علماء عصر النهضة وبذلك يعتبر مشروع نقطة تحول مركزية في تشكيل تاريخ العلم . 
ويمكننا أن نتابع حجم ذلك التأثير في هذا الجزء النهائي من هذا الفصل . 


107 


علم النفس الفسيو لوجي العربى ونهضة العلم الغربي 


أثرت مفاهيم ابن سينا الفسيولوجية بعد ترجمتها إلى اللاتينية في الأفكار الطبية 
والفسيولوجية في الغرب . أعطت مجموعة أعمال قسطنطين الأفريقي . » الذي اشتهر بترجمة 
الكتب العربية » من خلال التحديات الواضحة التي اقترحها فعا خاسَفا لإعداد علم 
طبي مبني على فسيولوجيا قادرة على تحليل مجموع الظواهر . لاحظنا في هذه الدراسة كيف 
حدد ابن سينا في كتاب القانون موقع القوة المصورة و فى التجويف «المقدم من الدماغ» بينما 
حدد موقع الذاكرة فى التجويف «المؤخر من الدماغ» . وبتلك الفكرة خطا ابن سينا خطوة 
عملاقة في علم النفس الفسيولوجي . وفقاً لجاكار )١1991(‏ إن الشرح الذي قدمه كتاب 
«أمععامة» في الغرب كان له أثر حاسم يمكن تقديره من خلال مصطلحين عربيين 
استخخدما للإشارة إلى القسم الأمامي والقسم الخلفي للدماغ . والمصطلحان هما ترجمة 
للكلمتين العربيتين «الجزء المقدم» أي مقدمة المركب و«الجزء المؤخر» أي مؤخرة المركب . 
ويبدو في هذا الإطار أن صورة المركب تفرض فوراً الطابع المهيمن للدماغ في قيادة جسم 
الإنسان . وهذا ما يؤكده ابن سينا باستمرار فى فسلجته عن الدماغ . 

وبعد أن انتقلت أولى الأعمال العربية المترجمة إلى وسط خصب للغاية » وجهت 
بشكل حاسم التعليم الطبي الغربي . وتتضح هذه الآثار العربية الطبية خاصة في سالرنو. 
ومن المصطلحات الفسيولوجية الأخرى التي أدخلها قسطنطين الأفريقي في الطب الخربي 
منها :( لمعسرأي المريء) » و( 2طاعنام أي النخخاع) ٠و(‏ عهطمزه أي السقان) : و( كناطئة2 أي 
الثرب) . وفي وصف ابن سينا لتركيب الدماغ في كتاب القانون ذكر إحاطة الدماغ ما يلي 
القحف غشاءين أحدهما سميك يسمى الغشاء الصلب وهو ما يسمى الآن «الأم الجافية» . 
والآخر رقيق يسمى الغشاء الرقيق المشيمي ويسمى الآن «الأم الحنون» . إن مصطلحي «الأم 
الجافية» و«الأم الحنون» هما مصطلحان سينويان بحتان بقيا اليوم في كتب علم النفس 
الفسيولوجي المعاصر . وبوسعنا التساؤل مدا ماهو السر الذي أدى لهذا النضج المبكر في 
تفكير أين سينا في علم النفس الفسيولوجي؟ 

يؤكد جاكار وإذا كانت هذه المصطلحات العربية اختفت شيئاً فشيئاً من الكتابات 
الفسيولوجية الغربية بعد القرون الوسطى . فإن التعبيرين 23:65 13مو 532:6 63ناكل اللذين 
يعنيان «الأم الرقيقة» و«الأم الحافية» بقيا مفردات في علم التشريح الحديث (,عزع0-عرنال 
عع-غ1م) . ومن المصطلحات الأخرى التي انتقلت للغرب مصطلح ابن سينا «قرابيتس» 


108 


والذي يستخدم في اللاتينية تحت شكل 5نااأطهكة؟! . وترجع الكلمة لتفسير ابن سينا الذي 
يحدد مصدر «الجنون» . في الدماغ . فابن سينا وفقاً لطه (940١أ)‏ كان ينسب بصورة متكررة 
الوظائف الذهنية إلى المناطق الدماغية . وعندما أراد علماء الآداس فى عصر النهضة فى أوربا 
استبعاد المصطلحات العربية من المعجم الطبي » فإنهم في الوقت نفسه محوا تماماً 
المصطلحات الدقيقة التى كانت تعكس التطور التاريخي للمفاهيم . 

عموماً إن الترجمات الأولى من العربية » وبعد مرورها بمصفاة سالرنو» لعبت من جديد 
قور عند نشوء الجامعات الغربية . كما شكل كتاب القانون في الطب لابن سينا وها م3 
البرامج الجامعية حتى نهاية القرون الوسطى (انظر جاكار ء 1991) . عندما توفي دي كريمون 
في طليطلة عام ١1917‏ بعد وفاة قسطنطين الأفريقي بقرن من الزمن » ابتدأ الغرب اللاتيني 
بإقامة المؤسسات الجامعية . وفي منتصف القرن الثالث عشر ء أدخلت كليات الطب الكبرى 
الشلاث في باريس ومونبولييه وبولونيا تدريجياً في تعليمها مضمون الترجمات الطليطلية » 
والتي أضيفت إلى مجموعة قسطنطين , لتشكل معها حتى نهاية القرون الوسطى النصوص 
المستخدمة كنقطة انطلاق لتلقين الطلاب ولنقاشات المعلمين . لقد عرفت جميع أعمال ابن 
سينا . وفى ميدان الفسيولوجيا كان باستطاعة المعلمين الغربيين مقابلة الأعمال العربية 
بالعتادر ا لاليتوبية +وعدرت ترخلة نهابة القرون الوسطئ بالمكاتة الرموقة العى لين 
كتاب القانون لابن سينا في التعليم الطبي . وفي مونبولييه بفرنسا أصبحت المقالة الأولى 
من كتاب القانون إلزامية لطلاب الطب . فى حين كانت أجزاء من المقالتين الثالثة والرابعة 
اختيارية . ولقد حافظت عليه بعض الجامعات الغربية في برامجها التعليمية حتى القرن 
الثامن عشر ؛ ففي بادو بإيطاليا بقي كتاب القانون حتى عام ٠ ١‏ وفي بولونيا وبعد أن 
حذف من البرنامج عام 17/7١‏ أدخل مرة أخرى من عام /ا/1١‏ حتى عام ١٠18م‏ وَعَهوماً 
عرف كتاب القانون فى صيغته اللاتينية حوالى ستين نشرة كاملة أو جزئية فى الفترة الممتدة 
بين العامين ١6٠١‏ و1517/4 . 1 ْ 

واعتبر كتاب القانون في مرحلة أولى من إدخاله للغرب حامل أفكار جديدة . فقد تغير 
مفهوم المزاج نفسه إلى حد بعيد بالنسبة إلى العرض الذي قدمه المجوسي . وتم التشديد على 
حصة النسبية التي تلع دور في إدراك الصفات المهيمنة . ويشدد ابن سينا في تعريفه 
للأمزجة على استحالة التحديد في المطلق للمزاج المتوازن . فهو يتغير بين حدين أقصيين 
وفق «عرض» يمكن أن يكون كبيرا . إن إدخال مفهوم الشكل المميز يحد من إمكانية إنشاء 
نظام علاجي مرتكز فقط على امتزاج الصفات الأولية . وبعد أن تنبه جميع الكتاب الأطباء 


109 


في الغرب إلى هذا الأمرء ففهموا مغزى النظرية العربية عن الحواس الداخلية التي سمحت 

لهم بإقامة الربط بين السيكولوجيا والفسيولوجيا . وعلى مر السنين . أجريت التعديلات على 
عدد جيوب الدماغ وعلى تسمية القدرات الذهنية . وقد أتت هذه التعديلات في أعمال 
عربية مثل القانون في الطب لابن سينا )حيث أدت إلى تدقيق العملية التفسيرية التي 
توضح الانتقال في الاتجاهين ما بين حالات فيزيائية وحالات ذهنية » طبيعية أو مرضية . إن 
إحدى نتائج هذا العرض موجودة في كتاب عه عدم 26 ل أرنو دو فيل نوف (ت 
سنة ١1*ام)‏ الذي يجري بطريقة مفصلة تركيباً بين علم تصنيف 0 اليوناني 
-العربي وبين السيكو- فيسيولوجيا المتولدة من نظرية الحواس الداخخلية لابن سينا 


110 


المصادر والمراجع 


ابن أبى أصيبعة )١19657(‏ . عيون الأنباء فى طبقات الأطباء . بيروت : دار الفكر . 

ابن سينا » الشيخ الرئيس أبوعلي (9480 - )٠١7‏ .الإشارات والتنبيهات . صححه 
سليمان دنيا )١1451/(‏ . القاهرة : دار إحياء الكتب العربية . 

ابن سينا » الشيخ الرئيس أبو علي (980 )٠١5-‏ . القانون في الطب . بيروت : دار 
صادر. 

ابن سينا » الشيخ الرئيس أبوعلي )٠١75- 948٠0(‏ . الشفاء . تحقيق ومراجعة جورج 
قنواتى وسعيد زايد )١191/6(‏ . القاهرة : الهيئة المصرية للكتاب . 

ابن سينا » الشيخ الرئيس أبوعلى (480 - 1٠١5‏ ) . النجاة . تحقيق سليمان دنيا 
)١"*5(‏ . القاهرة : مطبعة السعادة . 

ابن الهيثم . المحسن (ت 5*7 هجرية) . كتاب المناظر » تحقيق ومراجعة عبد الحميد 
صبرة )١19817(‏ .الكويت : الجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب . 

إسماعيل ؛ عزت سيد (1481) . علم النفس الفسيولوجي . الكويت : وكالة 
المطبوعات . 

آغا ء كاظم والى )198١1(‏ . علم النفس الفسيولوجي . بيروت : دار الآفاق الجديدة . 

بارتيلي » هوارد )١1947(‏ . دراسة البصر . ترجمة سمير مراد . في : مناهج البحث في 
علم النفس . الجزء الأول (ص . 571- 505) . أشرف على تأليفه ت . أندروز . أشرف على 
ترجمته يوسف مراد . القاهرة : دار المعارف . 

تاتون » رينيه (19848) . تاريخ العلوم العام : العلم القديم والوسيط . ترجمة , على مقلد 
بيروت : المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر. 

تاتون , رينيه )١1941(‏ . تاريخ العلوم العام : العلم الحديث . بيروت : المؤسسة الجامعية 
للدراسات والنشر . 

جاكار ء دانيال )١441/(‏ . تأثير الطب العربى فى الغرب خلال القرون الوسطى . فى 
موسوعة تاريخ العلوم العربية . إشراف رشدي راشد بمعاونة ريجيس مورلون . الجزء الغالث 
(ص . 776١66-1؟1)‏ . بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية ومؤسسة عبد الحميد 
شومان . 

جيبسون . جيمس )١198”*(‏ . دراسة الظواهر الإدراكية . ترجمة محمد عماد الدين 


111 


إسماعيل . في : مناهج البحث في علم النفس . الجزء الأول (ص . -77١‏ 369) . أشرف 
على تأليفه ت أندروز . أشرف على ترجمته يوسف مراد . القاهرة : دار المعارف . 

الحرء محمد كامل )١1441١(‏ . ابن سيناء حياته - آثاره وفلسفته . بيروت : دار الكتب 
لعلف 

حقي »ء ألفت محمد (1985) . فسيولوجيا السلوك : علم النفس الفسيولوجي . 

ل : دار الفكر . 

حمدي . طارق إبراهيم )١1980(‏ . الدماغ البشري . بغداد : دار الجاحظ . 

حنا ء فريد )١14517(‏ . الغدد والشخصية . القاهرة : دار الكتاب العربى . 

الخالدي ؛ صلاح الدين (1987) . ابن سيناء رائد الطب النفسي (ص . ١40‏ - 
1 ) . أبحاث المؤتمر السنوي الخامس لتاريخ العلوم عند العرب » ١5-١‏ 71 41ء 
جامعة حلب . حلب . سوريا . 

دويدار . عبد الفتاح )١947(‏ . الأساس البيولوجي والفيزيولوجي للشخصية . 
الإسكندرية : دار المعرفة الجامعية . 

رسل » غول (1981) . نشأة علم البصريات الفسيولوجي . في موسوعة تاريخ العلوم 
العربية . إشراف رشدي راشد بمعاونة ريجيس مورلون . الجزء الثانى (ص . 0-469ا97) . 
بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية ومؤسسة عبد الحميد شومان . . 

روكلن » موريس (1187) . تاريخ علم النفس . نقله إلى العربية على زيعور. بيروت : 
دار الأندلس . 

طه . الزبير (440١أ)‏ . الفسلجة العصبية فى كتاب القانون فى الطب . امجلة العربية 
للطب النفسى ١ . 187-١47501١ ٠‏ ' 

عبد الخالق أحمد ء ودويدار؛ عبد الفتاح (1497) . علم النفس أصوله ومبادثه . 
الإسكندرية : دار المعرفة الجامعية . 

عبد العزيز . محمد كمال (1988) . جسم الإنسان وكيف يعمل . القاهرة : مكتبة ابن 


عبد الفتاح ؛ رشدي (1987) . أساسيات عامة في علم الفسيولوجيا . الكويت : جامعة 
الكويت . 

عدس » عبد الرحمن . » وتوق . محيي الدين )١1985(‏ . المدخل إلى علم النفس . 
نيويورك : جون وايلي . 


112 


عكاشة . أحمد (1911) . علم النفس الفسيولوجي . القاهرة : دار المعارف . 

فريد ء إبراهيم )١941(‏ . الأسس البيولوجية لسلوك الإنسان . بيروت : الدار العربية 
للعلوم . 

فلوجل .ج (1988) . علم النفس في مائة عام . نقله إلى العربية لطفي فطيم . 
بيروت : دار الطليعة . 

كامل » عبد الوهاب محمد )١1941(‏ . علم النفس الفسيولوجي . القاهرة : مكتبة 
النهضة المصرية . 

مراد . يوسف )١955(‏ . مبادئ علم النفس . القاهرة : دار المعارف . 

نجاتى » محمد عثمان (1980) . الإدراك الحسي عند ابن سيناء . بيروت : دار الشروق . 


113 


المراجع الأجنبية 


؟ه أقضعناه1 .عمطععلع7 عط 2ه منوعط عط ها 5مرم1أاعوعء بممئغع0122 . (1942) .ظ ,مدارلم 
459-13 ,100 ملإاعمام1ولاطط 

هه7 : علرملا لعا .ذزكهط 15 01 /ا0نأك ث : 151602 .(1941) .3 ,لإء امف 

مع ممم عاره0ل بوعلظ . برووأمطعلادم لفامعطرءم<ء 01 لرزمأقلط ىح .(1957) .8 ,رومضم8 
.لا7/105 : 5الامآ .]5 .200016029 أدعنمذان) .(1943) .0 اأعمسسظ 

-لاة2 01 10115221 [202]8 العملا . الا تالكمع5 لمتطصعط همزا 5ع56101 .(1938) .للا ,كمكاوءل 
61 -451 ,22 ,لإعمامطء 

روط : علرملا بناع[! .1008م50010)مآ مم :نإعه0[مطءلا5 .(1984) .ظ رمقماعتق8 عل ,.ل مدعا 
ط1اممة 101/4[ ع ععور8 ,أكتامء 

/نات271 . لإع1010علإ5م 0 1215001166101 .(1979) .]1 ,50م كل 3ق ل ,]1 ,رممدومتكائة ,.ظ ,لتدع 111 
طأعالا0قة/107[ 2 م8:32 , النامعع قط :1رم لا 

عن : علوملا تاعلط .نرمزوزلا 0102© 01 ععرعاء5 عط) 10 1011ماع10ل500ادز مث .(1935) .[ ,ركممدروط 
تراثا 

ماع 3920 مله .5251191 260115قانكء ها اأعتقعوع: أصععع1 .(1940) كمتكلدع[ ,سآ ,عوماد 
285-11 ,37 ,ستاعلانا8 لإوه[مطعلزوط .ع فويعم 

7م01 01 10111221 .162اع0112 12 لتقغط عطا 01 لمتأعتت؟ ع1 .(1934 ) .11 ,مورك 
229-41 ,15 بلاعه1[مطعلاوط 

.1م123 تارهلا بتاع[ .0نناه5 01 عأمعطالزء) ثخ .(1930) .ى ١1000,‏ 


114 


امتكوروطا ببانها 
4 دا ل 


6 


0 3 0_0 
الفيلظ يا 
1 
- 
5 ةن 
75 9 14 
ياب 
الت 
٠. 3 0‏ ّ 
:* 17 1 
3 ؟. 
8 5 : 
|.ء -12 
| 
٠.‏ 92 م 5 
كك . 
د 2 
6 هه 
. : ٍ” 
!| 
٠.‏ 
دا 


د لفقوف عدياذلاة 0 





سيكوفسيولوجيا النبض عند ابن سينا في كتاب القانون 


115 


١1 


سماللكى ا يدر 0 


0-0 1 
خف رد - د شود طن الوط نأ رن :عط 
حما رالا عيميل ' برسم كا رص سد بم سكا نيا د شنا مراعضا دسا 
ركاب ولسي.) 2 ١!‏ فيه ره دما اسان مدقت وبا دنال سمو سه 
دادسنا دا م 3 م لاسي ار العو مأك وله . 

بقار : ورم ا رين عاشي بك ولا وي نات 
عل عاكا ل حورن زيل على اساء ' مسر لوف الكلعار ين 
وم معارق 27 رمد حضو ووادهار الجر ا مود و مابة انا 8 
وماد اسن ولو رهها بد دش مو مار 586 
27 الولو شما سكن 7 37 بروج ط دطايف"م مهرم والدّال رطا 35 
اهلقا :كالم 

تاب الردر فر ظابشالتخز 

اليا نالرم ل اام 200 
بعشل ل مبنا 0 
١‏ هوني الى بست وك خسو مهما وعمدبا أن بأ راد وره و انعفر مطمار 
طاغلا ىبرت سماضة حصس اانا رون مخومالا لوال 
حروس يا سه ما برو زات وا سوير درن ' اعلبا يسع فر« ع بنذم ولاك 


مخطوطة كتاب في علم الفسيولوجيا للدمشقي 


116 


الفصل الرابع 


علم نفس الحيوان 


117 


تاريخ علم نفس الحيوان عند علماء النفس العرب!*) 

يعنى علم نفس الحيوان بدراسة الأسس السايكلوجية العامة لسلوك الحيوان (نجاتي . 
). ويرجع الاهتمام بسلوك الحيوان» حسب قول بعض الباحثين ٠‏ إلى أيام داروين » 
إلا أنّ الأدلة والحقائق التي وصلتنا كانت في صورة روايات تحكى عن الحيوانات وطرق 
تفكيرها وحيلها ؛ وتعطيها قوة فهم كبيرة . وكانت هذه مجرد روايات وحكايات متداولة غير 
مبنية على المشاهدة العلمية أو التجربة . وأحد كبار المهتمين بسلوك الحيوان قبل بداية هذا 
القرن هو مورجان , وهناك عالم إنجليزي آخر وصل إلى استنتاجات أكثر أهمية , ذلك هو 
هوبهوس الذي كان له أثر على الطرق الفنية المتبعة فى التجارب على الحيوان . إلا أن تجار 
ثورنديك على طرق حل المشكلة بواسطة الحيوانات التى لخصها فى كتاب : «ذكاء الحيوان» 
)181١١(‏ فسرت الوضع النظري الذي أنتجه سابقاً مورخانة (اتخيوه .)١948٠6‏ 

ويرى بعضهم أن من أهم من كان لهم الفضل في إجراء التجارب على الحيوان بافلوف 
الروسى الذي كان يجري التجارب على الكلاب لدراسة الفعل المنعكس . وكوهلر الذي كان 
يجري تجاربه علي القرود لدراسة التفكير والتعلم ؛ ومارسان الذي أجرى تجاربه على القطط 
في قياس الانفعالات وآثار الصدمات النفسية . ثم كاتز الذي أجرى كثيرا من التجارب على 
الدجاج والطيور وغيرها لدراسة عوامل الإدراك (أحمد » )١1947*‏ . ويقول عبد الخالق بأن 
علماء النفس المحدثين يستخدمون في بحوثهم عددا من الحيوانات أهمها الفئران والقردة 
والحمام . والحيوان هو المفحوص المفضل في الطب التجريبي » وذلك في بحوث متنوعة مثل 
تأثير العقاقير الجديدة على المرض التجريبى «المستحدث» عند الحيوان . كدراسة العلاقة بين 
التدخين والسرطان (عبد الخالق , 1987) . 

ويبحث علم نفس الحيوان , وفقاً لحمزة » في سلوك الحيوانات امختلفة ويحاول أن يجيب 
عن أسئلة مثل : هل تستطيع الحيوانات أن تفكر ؟ كيف تبدو لها الأشياء الموجودة في 
العالم الخارجي ؟ ألديها قدرة على التذكر ؟ وما مداه ؟ أتشترك الحيوانات مع الإنسان في 
بعض الدوافع ؟ وقد وجد علماء النفس أنهم يستطيعون التحكم في المواقف التجريبية 
للحيوانات أفضل منها عند الإنسان . وقد ساعدت عملية إجراء التجارب على الحيوان على 
معرفة الكثير من النتائج التي كان لها الأثر في تفسير سلوك الإنسان . كان إدوارد ثورنديك 
أحد هؤلاء العلماء الذين أجروا تجاربهم على القطط وكذلك تارب بافلوف على الكلاب » 


(ه) قدمت صورة من هذه الدراسة في الجلة المصرية للعلوم 1599 . 


119 


وتجارب كوهلر على القردة . ولقد أوضحت هذه التجارب وغيرها طبيعة عملية التعلم 
(حمزة. ؟98١1).‏ 

رما تكفى هذه الاقتباسات القليلة مؤقتاً للتعليق عليها ء إذ يمكننا القول . إن علماء 
النفس العرب (أحمد » 1998 ؛ وحمزة 1987 ؛ وعبد الخالق .199 ؛ ومحمودء 
).» متفقون على أن رواد علم نفس الحيوان هم : داروين ومورجان وبافلوف وكهلر 
ومارسان وكاتز وهوبهوس وثرنديك . وقام هؤلاء الرواد بدراسة وإجراء تجارب على بعص 
الحيوانات منها الكلاب والقردة والفثران والحمام والقطط والدجاج والطيور . إن الدراسات 
التي قام بها هؤلاء العلماء هي التي أرست قواعد المنهج التجريبي في علم نفس الحيوان 
الذي بواسطته تم دراسة الفعل المنعكس . التفكير » الذاكرة » الدوافع , الانفعالات » آثار 
الصدمات ء الإدراك » وسلوك حل المشكلات ٠‏ وتأثير العقاقير على المرضى . ودراسة طبيعة 
التعلم والقوانين التي تفسره . 

سوف نحاول في هذا الجزء من الدراسة أن نسجلٍ عدة تساؤلات عن الكيفية التي م 
بها النظر إلى تاريخ دراسة سلوك الحيوان . ونتساءل أولا أمع محمود ١(‏ 4) ) : هل فعلاً أن 
أول اهتمام بسلوك الحيوان كان يرجع إلى داروين؟ وهل كان كل موروث دراسة الحيوان مجرد 
روايات وحكايات غير مبنية على المشاهدة العلمية أو التجربة؟ ونتساءل ثانية مع أحمد 
(*144) : هل بافلوف أهم من كان يجري تجاربه على الكلاب لدراسة الفعل المنعكس؟ 
ونتساءل ثالثة مع عبد الخالق (*119) : ألم تستخدم الحيوانات في البحث ما قبل فترة 
علماء النفس امحدثين في الغرب؟ ألم يكن يستخدم الحيوان كمفحوص مفضل في الطب 
التجريبي في فترات سابقة على علم النفس الحديث؟ ونتساءل رابعة مع حمزة (1985): 
هل طرح السؤال : كيف تستطيع الحيوانات أن تفكر ما قبل فترة علم نفس الحيوان الحديثة؟ 
وكذلك السؤال المرتبط باشتراك الحيوان مع الإنسان في بعض الدوافع؟ ألم تُجْرَّ أي تجارب 
سابقة في ماضي علم النفس عن طبيعة عملية التعلم ما قبل مساهمة ثرنديك وبافلوف 
وكوهلر؟ يبدو أننا نحتاج لأجوبة لاحقة لهذه الأسئلة الهامة . 

يبدو أن رؤية علماء النفس الدرت عن عم نفس الحيوان هي رؤية تتفق تماماً مع رؤية 
مؤرخي علم النفس في الغرب من أن علم نفس الحيوان هو علم غربي المبادرة والمنشاً 
والتطورء ولا سيما مع رؤية بورنج (14617) , أشهر مؤرخ لعلم النفس . والذي كتب «تاريخ 
علم النفس التجريبي» . كما تتفق رؤية علماء القن العرق كذلك مع العديد بن 
الدراسات الغربية ٠‏ في مزاخل تاريخية مختلفة .»عن سلوك الحيوان منفرداً أو عن علم 


120 


النفس المقارن الذي يهتم بإيجاد وجه الشبه والاختلاف بين سلوك الإنسان والحيوان 
(سكنرء ١978‏ ؛ تولمان ١97»‏ ؛فيلدزء ١97”7‏ ؛ كاربنترء ١95‏ ؛هارلو ؟*97١).‏ لقد 
الحيوان وعلم النفس المقارن حتى ند وجه الشبه بين علماء النفس العرب وعلماء النفس 
في الغرب في نظرتهم لبداية علم نفس الحيوان . 


تاريخ علم نفس الحيوان عند علماء النفس في الغرب 


وصفت ابناج العامة العريضة لعلم النفس المقارن عند هارلوء من الناحية التاريخية , 
بأنها كانت أولاً قصصية . ثانياً دعامتها الملاحظة . وثالثاً تجريبية . فالمنهج القصصي ينطوي 
على قبول تقارير من أفراد غير مدربين لا سند لها , وكثيراً ما تكون وليدة المصادفة . أمّا طريقة 
الملاحظة فقد وصفت بأنها ملاحظة الحيوان دون محاولة ضبط أو تغيير ظروف البيئة الطبيعية 
. ويتمثل منهج الملاحظة في الدراسات الميدانية أو على الطبيعة . فدراسات كاربنتر لسلوك 
القرود أمثلة للامتياز الفائق لطريقة الملاحظة عندما يأخذ بها الباحث الماهر الصبور . فقد 
استعمل الكثير من علماء النفس طريقتي الملاحظة واستخدام الآلات للحصول على قياسات 
مستقلة لسمة سيكولوجية , بعينها , وهذا ما يرتبط بالمنهج التجريبي (هارلو» *1987) . 
وفقاً لبورنح إن نظرية التطور هي التي قادت إلى أبحاث علم نفس الحيوان . ويعتبر 
داروين أول باحث فى هذا المجال من خلال اهتمامه بأصل تفكير الإنسان الذي ظهر فى 
مؤلفه «التعبير عن الانفعالات في الانسان والحيوان» عام 19177 . وبلغة علم النفس 
الحديث . إن الكتاب عبارة عن مناقشة للاستجابات الانفعالية الشرطية في الإنسان 
والحيوان . وكانت الخطوة الثانية فى تطور علم نفس الحيوان قام بها رومانز (؟1885) » وهو 
تلميذ لداروين الذي ألف كتاب «الذكاء الحيواني» . ويعتبر أول كتاب في علم النفس 
المقارن . وبذلك أرسى قواعد النقاش اللاحق عن علاقة الحيوان والإنسان . والخطوة الثالثة 
قام بها رومانز كذلك في كتابه «التطور العقلى في الحيوان» 188 م وقد أكمل التطور 
العقلي في الإنسان 18817 م السلسلة . وهو الأكثر أهمية للبرهنة على عملية التطور 
والارتقاء . وكان هناك رد فعل من جانب مورجان تجاه آراء رومانز تمثل فى كتاب ححياة الحيوان 
والذكاء الذي تم تنقيحه فيما بعد باسم السلوك الحيواني عام 14٠١‏ م » ولكن أهم كتاب له 
هو بتقاطة العلم التفنيق المقارن (بورنح » /1961) . 


121 


درس علماء النفس سلوك الحيوانات من غير الإنسان بدافع اا ال حض .ء أي 
الرغبة في معرفة كيف ولماذا تستجيب كافة الحيوانات بالطريقة التى د تستجيب بها . 
بالإضافة إلى هذا قام علماء النفس بدراسات مقارنة لسلوك مختلف الحيوانات 5 يحددوا 
ما إذا كانت فاذج الاستجابة المقارنة تكشف بالتدرج عن التعقيد المتزايد كلما صعدنا سلم 
المملكة الحيوانية (هارلوء 1987) . أمّا بالنسبة لعلم نفس ال حيوان التجريبي فيمكن أن تؤرخ 
بدايته بمطبوعة ثرنديك عن ذكاء الحيوان وذلك من خلال كرجه للقطط والكلاب التي 
فر 1م 0 نقاش ذكاء الحيوان ذائعاً و منتشراً في تلك الفترة » ولكن من 
غير الوصول إلى إجابة مقنعة . تمت دراسة التاريخ 0 للحشرات الاجتماعية بكثافة 
وأجريت التجارب على رد الفعل للمثيرات بالنسبة للكائنات البسيطة . لقد تأسست معامل 
علم النفس المقارن في جامعة كلارك وهارفارد وشيكاغو في الفترة ما بين 1899 -*150١م‏ . 
وبمجيء عام 11٠١‏ كان هناك على الأقل ثمانية معامل في أمريكا وكانت تقدم في 
تلك الفترة فصول دراسية في علم النفس المقارن . وبحلول عام 111١‏ تم إصدار دورية سلوك 
الحيوان وكان محرروها من علماء النفس وعلماء الأحياء . وفي عام ١97١‏ صدرت دورية 
علم النفس المقارن . ويعزى ذلك التغيير إلى أن المدرسة السلوكية جعلت الفرق بين سلوك 
الإنسان والحديوان أقل أهمية . إِنّ واحداً من الأسباب التي ساعدت على نو علم نفس 
الحيوان في أمريكا يرجع إلى أن علم النفس الأمريكي الوظيفي عمل على التقاط علم نفس 
الحيوان بسهولة أكثر من التقاطه لعلم النفس الاستبطاني . كان محور اهتمام علم النفس 
الوظيفي هو دراسة الطاقة والقدرة اللتين تساعدان الكائن على النجاح . وعندما تعمل 
قدرات الحيوان بنجاح يمكن مشاهدة وقياس ذلك . وهنا يمكن تجاهل السؤال التالي فيما إذا 
كانت الحيوانات واعية وهل يمكن لها أن تستبطن؟ 
ريما نستطيع الآن أن نعلق بصورة مجملة على مقتطفات علماء النفس في الغرب . 
ويمكن القول إن رؤية هؤلاء العلماء المهتمين بدراسة سلوك الحيوان أو علم النفس المقارن أو 
المهتمين بتاريخ علم النفس تؤكد أن علم نفس الحيوان هو علم غربي المبادرة والمنشأ والتطور . 
من خلال الرواد والأعلام المذكورين والكتب المنشورة » وانعكس ذلك التأكيد على كتابات 
علماء النفس العرب . فعلى سبيل المثال يذكر محمود(980١)‏ أن الأدلة والحقائق عن 
سلوك الحيوان » قبل داروين » كانت في صورة روايات وحكايات متداولة غير مبنية على 
المشاهدة العلمية أو التجربة . هذه الرؤية شبيهة تماماً بما قاله هارلو )١98(‏ بأن المناهج 
الخاصة بعلم النفس المقارن كانت قصصية في 5 »فالمنهج القصصي ينطوي على تقارير 


122 


من أفراد غير مدربين . في أغلب الظن ء وأنّ المقصود في غالبيته هو انتقاد لدراسة الحيوان 
في فترة ما قبل النهضة الأوربية أو في اللاغرب من قبل محمود ومن قبل هارلو . 

من ناحية تاريخية » قد يكون هناك تبرير لبداية تاريخ العلم الذي يهتم بدراسة الحيوان 
ببداية الثورة العلمية وظهور المنهج التجريبي في أوربا . ولكن السؤال الذي يمكن أن يطرح 
نفسه من ناحية تاريخية أيضا . هل هناك أي مساهمات فى مجال دراسة سلوك الحيوان قبل 
ظهور العلم الحديث «المزعوم» في أوربا ؟ وإذا كانت هناك مساهمات فأين موقعها من تاريخ 
علم الحيوان وسلوكه ؟ وهل تاريخ دراسة سلوك الحيوان في أوربا هو تاريخ كل البشرية لهذا 
الفرع من العلم؟ يبدو أن المكان مناسب لتقديم أطروحة جديدة في هذه الدراسة . بوسعنا 
القول إن هناك محاولات جادة فى التراث العربى الإسلامى يمكن عدّها فى دراسات سلوك 
الحيوان ومقارنة سلوك الحيوان بسلوك الإنسان . واعتمدت هذه الدراسات علئ الملاحظة 
والتجريب المتاحين في تلك الفترة . إن رواد هذه الدراسات هم أبو عبيدة التيمي والأصمعي 
والسجستاني والجاحظ والمجريطي والقزويني والدميري . 

إن مساهمة رواد دراسة الحيوان في التراث العربي الإسلامي هي مساهمة تقع خارج 
النطاق الغربي وخخارج تاريخ العلم الغربي المرتبط بعصر النهضة . لذلك لا نهد لها ذكراً في 
كتابات مؤرخي علم النفس في الغرب . قام هؤلاء العلماء العرب والمسلمون في عدة مصادر 
بتعريف علم الحيوان وبتصنيف عالم الحيوان » وعملية التصنيف واحدة من أهداف العلم . كما 
قاموا بعملية مقارنة سلوك الحيوان بالإنسان وهذا ما يقع فى اهتمامات علم النفس المقارن » 
ودرس هؤلاء العلماء ذكاء الحيوان وهو من بين الاهتمامات الأولى لعلماء نفس الحيوان فى 
الغرب » كما درسوا السلوك الاجتماعي والجنسي والتناسلي للحيوان . وسجل هؤلاء العلماء 
بعض الملاحظات وقاموا بإجراء بعض التجارب حسب الإمكانات المتاحة آنذاك على الكلاب 
والصقور والإإنسان التي تناولت عملية التعلم والتدريب بالنسبة للحيوانات وبتفاصيل دقيقة . 
ولعل المساهمة الأكثر تطوراً في التراث العربي الإسلامي هي «علم نفس البيزرة» ؛ وسوف 
نعمل فى الجزء اللاحق من هذه الداسة على إثبات هذه الأطروحة . 


مصادر علم نفس الحيوان فى التراث 


تعددت المصادر العربية عن دراسة الحيوان , وقد لخص خليل (انظر الدفاع )١985 ٠‏ 
هذه المصادر في الآتي : )١(‏ الاهتمام بالكتب التى وضعها اللغويون على هيأة معاجم 


123 


ودراسات في معاني الأسماء التي تشير إلى أنواع الحيوانات المعروفة عند العرب . (”) 
الاهتمام بكتب الفلسفة الجامعة . حيث علم الحيوان فيها فرع أصيل من فروع العلم 
الطبيعي » وقد تأثرت هذه المباحث بالكتب اليونانية » وبخاصة كتاب أرسطوطاليس في 
الحيوان . (5) الاهتمام بكتب الطب والعقاقير» حيث ذكر فيها أنواع كثيرة من الحيوانات 
التي تصلح مادة للعقاقير والأدوية » كما ذكرت كتب النبات والفلاحة جملة واسعة من 
الحيوانات التي تقتات على النبات من حشرات وديدان وغيرها وأسلوب مكافحتها .(4) 
الاهتمام بما وصفه العلماء العرب من مصنفات متخصصة في علم الحيوان » ولم تكن 
مؤلفاتهم غير موسوعة علمية جمعت من المعارف امختلفة ما له صلة بالحيوان . ولم تقتصر 
اهتماماتهم على دراسة الحيوان وبيئته التى يعيش فيها . بل تجاوزت ذلك إلى دراسة سلوكه 
وما يختص به من صفات نفسية , وردود فعله . وحركته . واستخدام غير ذلك من الأمور, 
ولم تكن هذه المصنفات في اعتمادها ما جاء في كتاب أرسطو في الحيوان , تذكر ما قاله 
أرسطو فقط . بل كثيراً ما حاولت تفنيد ما ذهب إليه أو إثبات خطته . 

إذا تتبعنا عناوين بعض امؤلفات العربية في دراسة سلوك الحيوان وجدناها تحتوي على 
كم وكيف من المصادر والكتب . مثلاً كتاب «راحة الجواد في تيسير الزاده للحسني ؛ كتاب 
«حياة الحيوان الكبرى» للدميري ؛ كتاب «خواص الحيوان» . كتاب «خلق الفرس» , وكتاب 
«الخيل» , وكتاب «الإبل» . وكتاب «الشاء» » وكتاب «الوحوش» وكتاب «الحمام والعقارب 
والحيات» للأصمعى ؛ وكتاس «عجائب الخلوقات وغرائب الموجودات» للقزوينى ؛ وكتاب 
«النحل والعسل» » وكتاب «الإبل» . وكتاب «الطير» » وكتاب «الحشرات»6 السجستاتن 
كتاب «الخيل» وكتاب «البازي» وكتاب «الحمام» وكتاب «الحيات» وكتاب «العقارب» 
وكتاب «الإبل» وكتاب «الفرس» وكتاب «أسماء الخيل» لأبي عبيدة التيمي . أما أهم هذه 
المؤلفات أو المصادر فهو كتاب «الحيوان» للجاحظ . 

يذكر زين العابدين ولطفي (انظر الدفاع » 11857) أن كتاب «حياة الحيوان الكبرى» 
للدميري يعد أكمل سفر عن المملكة الحيوانية . تضمن الكتاب قصصا تتصل بالحيوان 
مباشرة » فقد تكلم مثلا عن «هدهد سليمان» و«حوت موسى» و«فرس فرعون» التي طارد بها 
بني إسرائيل وعن «البراق» وعن «العنقاء» وغيرها . وحشد الدميري في كتابه أنواع 
الحيوانات بأسمائها وصفاتها وطبائعها وأخلاقها وبيئتها ... . وجمع فيه كثيراً من علم 
النفس والطب الشعبي . ويذكر حمارنة أن كمال الدين الدميري جمع كتاب «حياة الحيوان 
الكبرى» من كتب ودواوين شعرية عديدة . وقد جعل الأصل في ثلاث نسخ : كبرى . 


124 


ووسطى , وصغرى » في الكبرى . ويعد كتابه من أهم المؤلفات العربية في موضوع علم 
الحيوان . وخاصة التي كتبت في القرن الرابع عشر الميلادي . 

لم تظهر مساهمة علمية في التراث العربي الإسلامي إلا وكانت بدايتها عملية تحديد 
المفاهيم والتعريف . لقد اهتم علماء التراث بتعريف علم الحيوان كما تقدم التعاريف في 
الكتب المعاصرة . فمثلاً : » في كتابه امدم السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم» 
يعرف طاش كبرى زاده » علم الحيوان بأنه علم باحث عن خواص أنواع الحيوانات وعجائبها 
ومنافعها ومضارها . وموضوعه جنس الحيوان البري والبحري والماشي والزاحف والطائر وغير 
ذلك . والغرض منه التداوي والانتفاع بالحيوانات والاحتماء من مضارها والوقوف على 
عجائب أحوالها وغرائب أفعالها . وفي العصر الحديث يعرف زين الدين ولطفي علم الحيوان . 
بأنه العلم الذي يختص بدراسة الحيوانات ويشمل دراسات مختلفة لا تتناول خصائص 
حيوانات بعينها فحسب . وإنما تعنى كذلك بدراسة حيوانات مناطق بكاملها , وبالبحث في 
العلاقات التى عريفظ الحنيوانات يعضها فض ء وعلاقتها كلك بالبأتات والعوامل 
الجغرافية وبكل ما يحيط بهذه الحيواتات من ظروف بيئية . 

إن التعريفين السابقين لعلم الحيوان قد يكونان هما المناسبين كمدخل لدراسة سلوك 
الحيوان في إطار التراث العربي الإسلامي أكثر من التعاريف الحددة في علم نفس الحيوان أو 
علم النفس المقارن . وقد تكون التعاريف الأخيرة أكثر مناسبة كلما توغلنا نحو سيكولوجيا 
الحيوان . إن الغالم الأكثر مساهمة في دراسة الحيوان في التراث العربي الإسلامي هو 
الجاحظ الذي أنتج زهاء ثلاثمائة وستين مؤلفاً في ألوان شتي من المعرفة . وما قبل الحاحظ 
كانت هناك بعض الكتب عن الحيوان منها كتاب الحيوان لديمقراطيس وكتاب الحيوان 

لأرسطوطاليين » ولكن يعد الجاحظ أول واضع لمصدر عربىي جامع في علم الحيوان . وقد كان 

قبله وفي عصره محاولات شتى لطائفة من العلماء يتحدثون فيها عن الحيوان منهم 
السيسحائن «الأشمن :برضيلة :ان ميل ١‏ الكلاين: السافلن »ادن 0 
غبيد: ابن السكيت ء ابن ققينة أبن الأعرابي » البغدادي . الشيباني » الأخفش ٠‏ وغيرهم . 
ولكن كتب هؤلاء لا تبحث في طبع الحيوان وخصائصه ع »ولا تعنى بدقائقه وغرائره 
وأحواله وعاداته » وإنما تجعل همها الأول والثاني هو اللغة . 

يقع كتاب الحيوان للجاحظ في ثمانية أجزاء ؛ بلغت مجموع صفحاتها 1/9 صفحة . 
على سبيل ال مثال , يتكون الجزء الأول من ١١‏ فهرساً احتوت على 774 صفحة . احتوى 
هذا الجزء على تقديم وفهرس الأمثال والأشعارء والأرجاز. واللغة . وفهرس اللغة التي فسرها 


125 


535 


محقق الحيوان في الحواشي أو الاستدراكات » وفهرس الكتب » وفهرس أيام العرب ٠‏ ففهرس 
المعارف العامة » وفهرس المباحث الكلامية » وفهرس مقابلة النسخ » وفهرس مراجع الشرح 
وفهرس الفهارس . واعتمد الحاحظ على عدة مراجع في تأليف كتاب الحيوان منها القرآن 
والسنة » والشعر العربى . وكتاب الحيوان لأرسطوء وآراء المعتزلة » وخبرته الشخصية . وحوى 
الكتاب على طائفة من المعارف الطبيعية والمسائل الفلسفية » والطب والأمراض ء وتأثير 
البيئة في الحيوان والإنسان . 

إذا تتبعنا بعض غاذج للحيوانات التي تناولها الجاحظ في كتابه الحيوان بالبحث 
والدراسة . مثلاً في الجزء الثاني , فإنه يقع فى 787 صفحة . غطى بصورة أساسية موضوع 
الكلب . الجزء الثالث يقع في 644 صفحة . كان عن الحمام والذباب والغربان » الجعلان . 
والخنافس . والهدهد . والرخم ؛ والخفاش . الجزء الرابع وغطى ”٠ه‏ صفحة . عن الذرة 
والنمل » والقرد , والخنزير » والحيات ٠‏ والظليم . الجزء الخامس ويقع في "5١١‏ صفحةء. 
ويحتوي على دراسة أجناس الطير ء والعقارب , والفأر والجرذان » والسنور ‏ والعقرب ؛ 
والقمل , والبرغوث » والبق والفراش , والعنكبوت , والنحل ؛ والقراد , والحبارى » والضأن 
والمعز » والضفادع » والجراد » والقطا . ويقع الجزء السادس في 5١6‏ صفحة واشتمل على 
دراسة الضب . والأرانب » والسباع , والوحش والحشرات ٠‏ والضبع والقنفذ , واليربوع . والورل 
. بينما يقع الجزء السابع فى ١ه‏ صفحة وغطى فهرس أنواع الحيوانات » وفهرس سائر 
الأعلام ؛ وفهرس القبائل والطوائف » وفهرس البلدان والمواضع . وغيرها . 


موضوعات علم نفس الحيوان فى التراث 


قام الجاحظ بمحاولة لتصنيف الحيوانات اتبع فيها بعض الأسس العلمية في تلك 
المرحلة المبكرة من تطور العلم » فاعتمد أحياناً على الحجم أو الشكل أو كيفية الحركة . 
فعلى سبيل ال مثال . صنف الحمام بقوله : « الحمام وحشي .ء وأهلي , وبيوتي , وطوراني . 
وكل طائر يعرف بالزواج وبحسن الصوت . والهديل . والدعاء , والترجيع فهو حمام . وإن 
خالف بعضه بعضاً في بعض الصوت واللون ؛ وفي بعض القد ولحن الهديل» (ج 7 ص 
)١118- 4‏ .إن واحدا من الجوانب الهامة في علم النفس المقارن هو إيجاد أوجه الشبه 
والاختلاف بين الإنسان والحيوان . فقد رأينا في بداية هذه الدراسة كيف اهتم داروين 
ورومانز ومورجان بموضوع المقارنة . يحاول الجاحظ في كتاب الحيوان إيجاد وجه الشبه بين 


126 


الحمام والإنسان قائلاً : «وبما أشبه فيه الحمام الناس ء أنّ ساعات الحضن أكثر على الأنثى . 
وإنما يحضن الذكر فى صدر النهار حضنا يسيراً . والأنثى كالمرأة التى تكفل الصبي فتفطمه 
وتمرضه وتتعهده بالتمهيد والتحريك» . (ص 177 -154) . «وليس التقبيل إلا للحمام 
والإنسان »ء ولا يدع ذلك ذكر الحمام إلا بعد الهرم» (ج ؟ »٠ص‏ //7ا١)‏ . وعن ثقوب بصر 
الكلب وسمعه وشمه . مقارنة بحواس الإنسان يروي الجاحظ : « وقال مرة قطرب » وهو 
محمد بن المستنير النحوي (توفي سنة 7٠١5‏ ه) : «والله لفلان أبصر من كلب , وأسمع من 
كلب , وأشم من كلب» . 

اهتم علماء الحيوان وعلماء النفس بدراسة السلوك الاجتماعي لدى الحيوانات في 
العصر الحديث . مثلاً » أرخ بورنم (1401) لدراسة التاريخ الطبيعي للحشرات الاجتماعية 
وإجراء التجارب عن رد الفعل للمثيرات بالنسبة للكائنات البسيطة . كذلك قدم علماء 
التراث العربى الإسلامى مساهمات فى هذا المجال خاصة مساهمة الجاحظ والدميري 
وا مجريطي . يقول الدميري «الحمام محافظ على الزواج » وهما يؤثئان البيت لمكان البيض 
ويتناوبان الحضن . لكن الأنثى أكثر ؛ فإذا صارت فراخا فأكثر الزق على الذكر» . ويذكر زين 
الدين ولطفي » أن الدميري أول من تكلم عن علم المشاركة أو التكافل بين الأحياء ... فقد 
جاء في كتابه «حياة الحيوان الكيرى» عند الكلام على الضب . . . «وبينه وبين العقارب 
مودة فذلك يؤويها فى جحره لتلسع المتحرش به إذا أدخل يده لأخذه؛ . ولا يمكننا بالضبط 
تحديد هذه العلاقة بين العقرس والفمب . على أن الثابت حقاً أن العقارس تختفى فى جحور 
الضباب , وقد دلّت المشاهدات على ما يؤيد هذه الظاهرة . ا 

لقد أشار المجريطي لموضوع التفاضل بين الحيوانات وطبيعة العلاقات الهرمية في عالم 
الحيوان . فقال « . . . .إن الحيوانات فيها التفاضل موجود كوجوده في بني آدم » وفيها رؤساء 
وقادة في كل جنس من أجناسها , وهي أمم متفرقة » ذوات لغات مختلفة ... . وأمًا وجوه 
تفاضلها , وأنّها ذوات مراتب ومنازل في خخلقتها . وأن فيها رؤساء وملوكاً . فوجوه لا تنكر» 
ولا يصعب القول في معرفته وخبره » كوجود القوة والبطش والهيبة والشدة في الأسد . دون 
غيره من السباع والوحوش الآكلة للحم ذوات الأنياب وا نخالب . وكقوة الإبلى وحمر 
الوحش دون غيرها من الغزلان ...»2 . وبلغة علم النفس المعاصر . يعبر ذلك الفضل عن 
البناء الاجتماعي في عالم الحيوان . ولقد أجريت الأبحاث المعاصرة عن بملكة النحل والنمل 
وعن طبيعة العلاقات بين الحيوانات وتوازنها مع البيئة . 

إن موضوع التناسل والجنس واحد من الموضوعات التي احتلت مساحة في كتب علم 


17 


الحيوان وعلم نفس الحيوان وعلم النفس المقارن . بنفس الكيفية قدم العلم العربي الإسلامي 
مساهمة في دراسة السلوك الجنسي للحيوانات . تناول الجاحظ , مشلا السلوك الجنسي 
لدى الكلاب والخنازير بشيء من التفصيل . يقول الجاحظ مثلاً : دإن الكلب يبدأ بالنزو 
عندما يبلغ من العمر ستة أشهر والكلبة الأنثى تحمل واحداً وستين نوها كد كور 
الكلاب تهيج قبل الإناث في السن . والإناث تهيج قبلها في وقت حركتها , وكلما تأخر 
وقت الحدث إلى تمام الشباب كان أقوى لولده» . والكلاب » حسب ملاحظات الجاحظ , لا 
تريد السفاد عمرها كله بل إلى وقت معلوم , وهي تلقح إلى أن تبلغ ثماني عشرة سنة . وربما 
ابتدرت الكلبة فبلغت العشرين والكلب يبدأ بالنزو عند شعوره ببوله . والكلبة تحمل من نزو 
واحد . وزعم أن إناث الكلاب تحيض كل سبعة وعلامة ذلك ورم أشفارها , ولا تقبل 
السفاد في ذلك الوقت بل في السبعة التي بعدها . وتتصف الخنازير» كما يقول الجاحظ , 
باللواطة المفرطة والخنزير الذكر يقاتل في زمن الهيج فلا يدع خخنزيراً إلا قجله ويدنو من 
الشجرة ويدلك جلده ثم يذهب إلى الطين والحمأة فيتلطخ به . 

ويعلق الجاحظ » في تقديري » بصورة مدهشة » على عالم الغيرة أو التنافس بين الذكور 
لامتلاك الإناث قائلاً : «وذكورة الخنازير تطرد الذكورة عن الإناث وربما قتل أحدهما صاحبه 
وربما هلكا جميعا . فإذا كان زمن هياج الخنازير تطأطئ رؤوسها وتحرك أذنابها تحريكاً سريعاً 
متتابعاً وتتغير أصواتها إذا طلبت السفاد . وإناث الخنازير تحمل من نزوة واحدة وربما كان من 
أكثر . وإذا طلبت الذكر لم تنزع حتى تطاوع وتسامح وترخي أذنابها وإذا فعلت ذلك تكتفي 
بنزوة واحدة . والخنزير ينزو إذا تم له ثمانية أشهر . والأنثى تريد الذكر إذا تمت لها ستة 
أشهر . وأجود النزو أن يكون ذلك منه وهو ابن عشرة أشهر إلى ثلاث سنين» . 

ولم يكتف الجاحظ بتقدمٍ الملاحظات الجنسية أو التناسلية عن الحيوانات إنما قدم 
ملاحظات كذلك عن الطيورء إذ يقول : «وللعصافير زواج وكذلك النعام وليس لشيء من 
ذوات الأربع زواج . وإنما الزواج للتى تمشي على رجلين كالإنسان والنعام والحجل والحمام 
والفتخ والشفتين لا يقمط غير أتثاه وإن هلكت الأنثى لم يزاوج أبداً وكذلك الأنثى» . 
وتحدث الجحاحظ عن الكيفية التي يتم بها الجماع بين الحيوانات أو ما يسمى في علم النفس 
بأوضاع الجنس . وحسب ملاحظات الحاحظ « تتسافد السباع وذوات الظلف والحافر أو 
الخلب وهي قائمة . أما الجمل فلا بد أن تكون طروقته باركة والتمساح والإنسان يتبطحان 
الأنثى عند الجماع» . ولم يفت الجاحظ أن يقارن حتى بين الاختلافات في أحجام 
القضيب عند الحيوانات : «فأكبر القضب حجماً في الحيوان قضيب الفيل وأصغرها قضيب 


128 


الظبي » وقضيب البط لا يذكر » . 

اعتبر الحيوان في علم النفس ذكياً أو أنه يملك قدرة معينة مثل القدرة على الاستجابة 
للعلاقات . إذا ما كان يستطيع القيام ببعض العمليات أو الحيل التي يفترض أنها تتطلب 
القدرة على حل المشكلات . وقد وضعت الخطة العامة للبحث في القدرة عند الحيوان 
بوساطة الملاحظات التي فسرت بحذر وأجراها مورجان على سلوك الحيوان في ظروف نظمت 
فا للبرهنة على وجود الذكاء أو انعدامه . وعلى يدي ثرنديك وصلت أبحاث الذكاء 
عند الحيوان إلى مستوى التجارب المعملية . وفقاً لنقد هبهوس وكهلر امتدت الطرق لتتضمن 
وسائل كشف علامات الاستبصار عند الحيوان وعلامات الاستجابة للعلاقات (هيدبريدر, 
98*7). 

إن دراسة الذكاء والعقل والمعرفة عند الحيوانات لم تكن لها مساحة كبيرة في 
الكتابات الكلاسيكية الغربية السابقة » فأرسطوء مثلاً , أنكر وجود الذهن فى الحيوان . 
وربما يكون الجاحظ من أوائل من أثار ذلك الموضوع في دراسة الحيوان الع لاحظنا في 
الجزء السابق من الدراسة أن موضوع الذكاء عند الحيوان كان من أكثر الموضوعات طرقاً في 
بداية تأسيس علم نفس الحيوان وعلم النفس المقارن . كان كتاب «ذكاء الحيوان» لرومانز 
أول كتاب في علم النفس المقارن ؛ وكتب مورجان «حياة الحيوان والذكاء» وكتب ثرنديك 
«ذكاء الحيوان» . ولقد صعب علينا من خلال البحث وجود جذور لدراسة الذكاء عند 
الحيوان بصورة لافتة للنظر كما عند الجاحظ . 

إن علم النفس الغربي » حسب رؤية مؤرخيه » يدين للحضارة الإغريقية ومساهمة 
عمالقته أمثال أرسطو ويدين كذلك لعلماء عصر النهضة ولأباطرته أمثال ديكارت . إن 
الجاحظ في كتابه الحيوان قد تبنى رؤية مغايرة لكل من أرسطو وديكارت خاصة في رفضهما 
لموضوع ذهن الحيوان . يقول فريد )١1944(‏ إن الجاحظ رفض أفكار أرسطو ونادى بالذهن 
للحيوان وقابل بين الأعضاء والحركات والتصرفات . إن ديكارت ابن القرن السابع عشر أنكر 
على الحيوان أي نشاط ذهني وجرد الإنسان من الغرائز . أراد ديكارت أن يحسم الفرق بين 
الإنسان والحيوان فقال إن الحيوان جسد بلا ذهن . أمّا الإنسان فجسد بنشاط ذهنى يخرق 
الدماغ من الخارج وتستقر الأفكار في الغدة الصنوبرية الواقعة في الدماغ . ْ 

ويحدثنا التراث العربي الإسلامي بأنه قد دار بين ابن سينا وبين تلميذه أبيى جعفر 
مناقشات حول تمييز ابن سينا بين الأحوال النفسية المختلفة وبين الشعور بها . وسجلت 
المناقشات في كتاب «المباحثات» , فقد سثئل الشيخ هل يشعر الحيوان بذاته كما يشعر 


129 


الإنسان » فأجاب ابن سينا «اعلم أن نفس الإنسان تشعر بذاتها بذاتها » ونفس الحيوان 
الآخر يشعر بذاته بوهمه فى آلة وهمه ٠‏ كما يشعر بأشياء أخرى بحسه ووهمه فى 
آلاتيهما» . والفرق الأساسى بين الحيوان والإنسان» أن الحيوان يهتدي بالغريزة والإنسان 
يتصرف بالعقل , وهذا التمييز ظل مأخوذاً به حتى مطلع هذا القرن بعد أن أجرى علماء 
النفس تجبارب على الحيوان اتضح منها أن الحيوان يتصرف بالذكاء والعقل أيضاً (الأهواني . 
.)١9648‏ 

يقول الجاحظ في تعريف المعرفة والفطرة في الحيوان : « لقد أودع الله صدور سائر 
الحيوان من ضروب المعارف وفطرها عليه من غريب الهدايا وسخر حناجرها من ضروب النغم 
الموزونة والأصوات الملحنة وامخارج الشجية والأغاني المطربة » وكيف فتح لها باب المعرفة 
على قدر ما هيا لها من الآلة» ويضيف الجماحظ قائلاً : هو كيف أعطى لها كثيراً من الحس 
اللطيف والصنعة البديعة من غير تأديب وتثقيف ومن غير تقويم وتلقين . ومن غير تدريب 
وتمرين فبلغت بعفوها وبمقدار قوى فطرتها من البديهة والارتجال ومن الابتداء والاقتضاب ما 
لا يقدر عليه حذاق رجال الرأي وفلاسفة علماء البشرء فصار جملة الإنسان الثاقب الحس 
الجامع القوي المتصرف في الوجوه المقدم في الأمور يعجز عن عفو كثير منها . 

اعتمد بافلوف .عالم الفسيولوجيا الروسي , على الكلاب في دراسة الفعل المنعكس من 
خلال نظرية التعلم الكلاسيكي . وساهم التراث العربي الإسلامي ببعض الدراسات في 
مجال قابلية الحيوانات للتعلم والتدريب ودراسة فروق التعلم بالنسيبة للكلاب والقرود 
والحمام . يقول المجريطي عن الحواس إن الحيوانات التامة الخلقة » العظيمة الصورة » لها 
الحواس الخمس . لكنها كوّنت في بدء الخلق ذكراً أو أنغى من الطين » كما انَخذت القوة 
السرية فيهاء فبرزت قابلة للتعلم . ؛ عارفة بمواضع منافعها ومضارها , ومأكلها ومشاربها . 
وجميع مأربها » وتناسلها ونتاجها . وجعل من طبعها » وركب في جبلتها الحنو على أولادها . 
ومعرفة ذكرانها وإناثها . .. (انظر عمر كحالة عفى تالاح ةا ١‏ . لقد لاحظ الحاحظ 
فروق التعلم عند الكلاب قائلاً : «وإناثك الكلاب السلوقية أسرع تعلماً من الذكورة» ونتيجة 
لسعة التعلم عند الكلب والقرد تم استخدامهما في القيام بيبعض الأعمال «ثم صار القراد 
وصاحب الرّيح من ثم يستخرج فيما بين الكلب والقرد ضروباً من العمل , وأشكالاً من 
الفطن » حتى صاروا يطحنون عليه » فإذا فرغ من طحنه مضوا به إلى المتمعك , ؛ فيمعك كما 
بمعك حمار المكاري وبغل الطحان» . تكلم الجاحظ عن طريقة تربية الحمام وتدجينها 
وتعليمها حسب أصول الحمام الزاجل أو الحمام الأهلي . 


130 


علم نفس البيزرة 


يروي ابن النديم في الفهرست عدداً من الكتب المؤلفة في الجوارح واللعب بها 
وعلاجاتها عند الفرس والروم والترك والعرب منها كتاب الجوارح محمد بن عبد الله البازيار» 
كتاب البزاة للفرس ؛ كتاب البزاة للترك » كتاب البزاة للروم » كتاب البزاة للعرب . كتاب 
الجوارح واللعب بها لأبي دلف القاسم بن يحيى . يعتبر علم نفس البيزرة » في تقديري » 
من أكثر أفرع علم نفس ال حيوان تقدما لمعرفة إسهام التراث العربي الإسلامي في دراسة 
سلوك الحيوان . ففي مخطوطة كتاب الطيور عرفت البيزرة بأنها فن تربية الجوارح وتضريتها 
على الصيد ومعرفة أحوالها من حيث صحتها ومرضها وعلاجها وإدراك أمارات فراهتها 
وضعفها وحسن القيام عليها حتى تبقى صا حة لأداء الغرض المقصود منها . ما يلفت النظر 
أن العرب آثروا كلمة «بازيار» الفارسية على اللفظة العربية » فقد كان في وسعهم أن يطلقوا 
اسم (البيّاز) على صاحب البازي . كما أطلقوا اسم (الصقار) على صاحب الصقرء 
و(الفهاد) على صاحب الفهد , و(الكلاب) على صاحب الكلب . و(الفيّال) على صاحب 
الفيل . لقد صنفت خمسة أنواع من البزاة وهي البازي , والباشق » والبيدق » والزرق » 
والقيمي . 

بوسعنا إعطاء تحديد لعلم نفس البيزرة بأنه العلم الذي يهتم بدراسة سلوك الحيوانات 
الخاص بالصيد : التى تصيد والتى تصاد » من خلال دراسة سلوك الاحتيال والعداوة لدى 
الحيوان + ودراسة طبيعة الثلاقة بين الإنسان المذرن والتبوان الذي ثراد تلدريينة + ودرامنة 
قواعد تدريب وترويض الحيوان . ويرتبط علم نفس البيزرة خاصة بموضوع التعلم بغرض 
الصيد . ولعل من أشهر المصادر العربية في علم البيزرة هي : «المصايد والمطارد» لمؤلفه أبي 
الفتح كشاجم ؛ «البيزرة» أغلب الظن أن مؤلفه هو كشاجم نفسه ؛ «الصيد والطرد عند 
العرب» مجهول المؤلف ؛ «الاعتبار» ومؤلفه مؤيد الدولة ابن منقذ ؛ و«الجمهرة في علوم 
البيزرة» لمؤلفه عيسى بن حسان الأسدي . كما ألف ابن المعتز كتاب «الجوارح والصيد» . 

قام فنصة )١1984(‏ بتصنيف ممتاز لمؤلفات كتب البيزرة في التراث العربي الإسلامي 
إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية وهي : الاتجاه اللغوي وهو أقدم الاتجاهات , وهو ما كتبه علماء 
اللغة من مؤلفات في الطيور والجوارح مثل كتاب «البازي» وكتاب «الحمام» وكتاب 
«العقرب» لأبى عبيدة » وكتاب «الطير» للسجستانى وكتاب «الوحوش» للأصمعى . والاتجاه 
الفقهي الذي يعالج الصيد من الزاوية الفقهية مثل الصيد والذبائح محمد بن الحسن 


131 


الشيباني . واتجاه تطور هواية الصيد الى علم يدعى البيزرة . ومن أشهر البيازرة العرب : 
الغطريف بن قدامة الغساني » ويقول عنه المسعودي في مروج الذهب .» بأنه أول من ضرى 
البازي . وأول من لعب بالشواهين . وأول من لعب بالصقور » وأول من لعب بالعقبان . 

من ناحية سيكولوجية » تقوم عملية الصيد على كمية ونوعية سلوك الاحتيال والعداوة 
القائمة بين الحيوانات . فكان العلماء والبيازرة على معرفة بهذا السلوك . يذكر الجاحظ مثلا 
«فلكل صنف من أصناف الحيوان احتياط وتدبير وروغان من الباغى عليه . واحتيال لأمره » 
فهو يحتال لما هو دونه ليصيده , ويحتال لما هو فوقه ليسلم منه . ويختار الأماكن الحصينة 
ويعتصم بها ما منعته . فإذا أنكرها استبدل بها غيرها» (الحيوان /ا -20) . ويذكر كشاجم 
فى «المصايد والمطارد» أن العداوة بين الحيوان نوعان : حقيقية وعارضة . أمّا الحقيقية فهى 
التى تكون بين الحيوانات الآكلة والحيوانات المأكولة » والصنف الأول أكثر حيلة وأبلغ مكيدة 
وأحد شوكة . أمّا الصنف الثانى فهو أكثر خوفاً وأشد تحفظاً » ومن هنا كان الحذر أصلاً فى 
طبائع المأكولات . لاستغناء الآكلات عنه وقلة حاجتها إليه . أمًا العداوة العارضة فهي التي 
تقوم بين ذكور النوع الواحد بسبب الصراع على الإناث ( انظر الباشا. *1987) . 

في سيكولوجية التعلم في علم نفس البيزرة تم ملاحظة فروق التعلم بين الصقور : مثلا 
لاحظ المدربون أن تعليم البازي للصيد أيسر من تعليم غيره من الجوارح » وتعليم البزاة وهي 
صغيرة مأخوذة من العش أسهل من تعليمها بعد أن تكبر وتترك العش . فإذا وقع البازي في 
يد الصيّاد كان عليه أن يخيط عينيه وأن يبادر به إلى البازيار (صبح الأعشى ؟55-1) . 
وقدمت بعض التفاصيل للكيفية التي يتم بها تعلم وتدريب الباز : «على البازيار عند ذلك 
أن يقيّد رجليه , وأن يغل جناحيه وأن يحمله على يده في البيت خلال ستة أيام إلى أن 
يتعود تناول طعامه منه فإذا تم له ذلك كان عليه أن يذهب به إلى السوق عند العشاء - حين 
يكون الظلام مخيّما - وهناك يفتح عينيه ويقعد به ويطيل القعود ار ا ا 

وتم التحذير من عدم الإلفة بالنسبة للباز : «وعلى البازيار أن يحاذر من أن تتراءى للبازي 
الوجوه قبل أن يأنس » فهو إذا رآها اضطرب على يده وعراه القلق والخوف ٠‏ ثم يحضي البازيار 
في تضريته على الصيد» وتم تحديد الكيفية التي يتم بها الابتداء في التضرية : «ويحسن 
أن يضرّى البازي على الطائر الأكبر والحيوان الأعظم حتى إذا أرسل بعد ذلك على الصغير 
الهيّن اجترأ عليه » أما إذا ضرّى على الصغير الهيّن ثم حمل على ما هو أعظم منه فربما 
أحجم عن منازلته وارتد عنه وخاصة إذا أصابته منه آفة أو عراه بسببه عنت أو تعب» 
(المصائد والمطارد) . . . . وهناك علامات عامة توضح إكمال عملية التدريب بالنسبة للباز: 


132 


«فإذا هدأ عند سماع الأصوات واستأنس برؤية الناس كان ذلك دلالة على كمال تعلمه . 
وح تعليم البازي شرعاً أن يجيبك إذا دعوته ولا ب يشترط فيه أن يترك الأكل من طريدته» . 

إن طبيعة العلاقة بين المدرب والحيوان الذي يراد تدريبه واحدة من المسائل الهامة فى 
سيكولوجيا التعلم والتدريب . فيدرس طالب علم النفس بأن استجابات الحيوانات في 
نظريات التعلم قد تتأثر فقط بعامل تغير الباحث الرئيسي بباحث آخر . يقول البلدي في 
كتابه تدبير الحبالى والأطفال والصبيان «والعجيب أن الناس يتخذون أصنافاً من الحيوان 
وخير كلاب الصيد فيهتمون بأدبها منذ صغرها وقلة رغبتها في كثرة الطعام وصنف الطعام 
وما ينبغى أن يأكل منه مما يغذوها غذاء حسناً» . ولقد رسم علماء البيزرة لسياسة البازي 
0 تعارفوا عليها وسئوا الحسن القيام عليه آداباً » والتزموا بها . وذلك لا يتمتع به هذا 
الجارح من مزاج لطيف . ولا له من منزلة في نفوس هواة الصيد ومكانة عند المولعين به ١‏ 
فاشترطوا في حامل البازي أن يكون نظيف الثوب » طيب الراحة » كريم الشمائل عالماً بشؤون 
البازي وأحواله . وحذروا من أن يحمله الأبخر لأنَ الرائحة الكريهة تكسر شهوته إلى الصيد 
وتجعله ينفر من حامله . 

كفا مر علماء ابره لإمتتاعه آداراً تكعلق عن إمساك الجوارح فذهب جمهورهم إلى 
أنه يجب أن يحمل على اليد اليسرى . وذهب بعضهم إلى أن إمساك البازي باليمنى أمكن 
في الحمل وأدنى إلى إصابة اللهدف وأدععى إلى الوقوع على الطريدة . وتم تحديد الأوقات 
المناسبة لإطعام البازي : ه من حسن سياسة البازي أن يجوع في الليل حتى يصطاد في 
النهار فإذا صاد ما يجب أن يصيده أطعم وأشبع وأريح حتى يؤتى بغيره من البزاة وهكذا» . 
كما تمت الإشارة لبعض الخصائص النفسية التي يتصف بها : «والبازي جارح مرهف الحس 
يؤذيه كل ما يؤذي أصحاب الأمزجة اللطيفة . .. . وهو طائر كريم النفس حمي الأنف يأبى 
الإهانة لذلك حذروا مؤدبه من أن يصيح في وجهه أو ينهره فإن ذلك يقضي على ما بينهما 
من حسن الصلة ويفضي إلى زوال الألفة» (الباشاء 14987) . ولا يوصي البلدي في كتابه 
«الكافي في البيزرة» «باتخاذ البيزرة صناعة إلا لمن كان لها في نفسه محبة غالية ونية 
طالبة » وأنه لابد لمن يمارسها أن يكون محباً للجوارح شفيقاً عليها راغباً في سياستها 
وصيانتها لقلبه لا لخبزه ومعاشه وأن يكون مع محبته لها ومعرفته بجيدها من رديئها وطرق 
تدبيرها رحيماً بها » حليماً عنها» . 


133 


التجريب في علم نفس الحيوان 


يقول عبد الخالق بأن الحيوان هو المفحوص المفضل في الطب التجريبي وذلك في بحوث 
متنوعة مثل تأثير العقاقير (عبد الخالق , )١9917‏ . وخلافاً لما ذكره عبد الخالق يحدثنا التراث 
العربى الإسلامى (الباشاء 1487 ؛ عبد الشهيد ء 191/6 ؛ الهونى . )١585‏ أن الأطباء 
المسلمين استعملوا الحيوانات لتجربة تأثير الأدوية , مما مكنهم من معرفة اختلاف الأدوية 
من حيث القوة » وسرعة التأثير في الإنسان والحيوان » ولكنهم اقتنعوا بأن ما يمكن أن يصلح 
للحيوان قد لا يصلح للإنسان. ولذلك لا بد من تجربة الدواء على بدن الإنسان أيضف 
(الهونى . )١1487‏ . ويرى ابن سينا « أن تكون التجربة على بدن الإنسان . فإنه إن جرب 
على غير يدن" الأنساة #جار ان يشخلف من وحيين : أحدهماء أنه قد يجوز أن الدواء 
بالقياس إلى بدن الإنسان حارء وبالقياس إلى بدن الأسد والفرس بارد ء إذا كان الدواء 
أسخحن من الإنسان ء وأبرد من الأسد والفرس ٠‏ ويشبه فيما أظن أن يكون الرواند شديد البرد 
بالقياس إلى الفرس ٠»‏ وهو بالقياس إلى الإنسان حار» . ويحدد ابن سينا سبباً منهجياً ثانياً 
«والثانى قد يجوز أن يكون له بالقياس إلى أحد البدنين خاصية ليست بالقياس إلى البدن 
الشاني مثل البيض فإن له بالقياس إلى بدن الإنسان خاصنية السمية . وليست له بالقياس 
إلى بدن الزرازيره . (ج١/‏ 586 ) . 

يهتم علماء النفس بدراسة سلوك الحيوان لأنه من السهل إجراء التجارب العلمية على 
الحيوان . بينما يصعب أو يستحيل فى بعض الحالات إجراء هذه التجارب على الإنسان 
(غجاتي : 1980) . ويرجع السبب الأول لاستخدام الحيوانات مما دون الإنسان في تجارب عله 
النفس إلى أن ثمة مناهج أكثر دقة » ووسائل ضبط أكثر كفاية يمكن مزاولتها على الحيوانات 

فى المعمل بأكثر مما يمكن ذلك على الإنسان . والحق أن كثيراً من المشاكل السيكولوجية لا 
يمكن اختبارها إلا في الحيوانات الأدنى مرتبة من الإنسان . وهكذا فإن السيب الأساس 
لدراسة علم النفس المقارن سبب منهجي ١»‏ » هو الرغبة من جائب علم النفس في أن يدرس 
بأكمل ما يستطيع من الدرس كافة العوامل التي 7 تقوم أساساً للسلوك , وأن يختبر ويحدد في 
ظروف تبريبية مضبوطة كافة المتغيرات التي تتدخل فيما بين تقديم التنبيهات وقياس 
الاستجابات (هارلو؛ *«198) . 

لقد رأينا كيف وصفت المناهج العامة لعلم النفس المقارن من قبل »ء من الناحية 
التاريخية » بأنها أولاً قصصية . وثانياً دعامتها الملاحظة , وثالشاً تجريبية (هارلو )١987‏ : 


134 


ويؤكد وجيه ما قاله هارلو إذ إن الدراسات الأولى كانت روايات وحكايات غير مبنية على 
المشاهدة العلمية والتجربة (محمود . 148٠0‏ ) . وسوف نقدم دليلاً من التراث السيكولوجي 
في علم نفس الحيوان حسب مناهج البحث العلمي المتاحة أنذاك ينفي هاتين المقولتين . إن 
البحث عن القوى الدافعة التي تظهر سلوك الحيوان وتثيره وتسانده وتوجهه أمر أساسي في 
كل بحث سيكولوجي » وقد أسهمت الطرق الفنية المتمايزة التي وضع تصميمها علم النفس 
القازن إسهناماً كبيراً في معرفتنا بالدوافع . ويمكن تقسيم مشكلات الدوافع إلي طائفتين 
كبيرتين الآليات الحافزة أي المنبهات الداخلية والأجهزة العضوية البادئة 0 والتي تهيئ 
استعداد الحيوان للقيام باستجابات متمايزة . والبواعث أو الموضوعات التي يهدف إليها 7 
المنبهات الخارجية التي توجه استجابات الحيوان إليها أو بعيداً عنها . 
ويتعرض علم النفس المقارن الحالي لسلسلة من الانتقادات . وفقاً لهارلوء ليس هناك 
شك في مزايا استخدام أجهزة التسجيل ما دامت هذه الأجهزة تقيس فعلاً الاستجابات 
اللازمة لضبط المشكلة . ومع هذا فإنه ينبغي أن نتذكر أن آلات التسجيل يمكن أن تعرقل 
إلى حد كبير استجابات الحيوان المجدية ٠‏ وفي تحفزهم للوصول إلى الموضوعية الكاملة ٠‏ كثيراً 
ما وقع أصحاب علم النفس المقارن ضحايا لمنهج بروكست أنهم قد كيفوا الحيوان لكي يتلاءم 
مع الجهاز نذلاً فخ أن يصمموا جتهازا ملائماً اللحيوان . فكانت النتائج التى حصلوا عليها 
ا ؛ ووقعت المسؤولية عن هذه النتائج ظلماً على الطرف الحيواني في فريق البحث . وقد 
أدى الفشل في إدراك هذه الحقائق الأساسية بكبا ر المتخصصين في علم النفس المقارن إلى 
أخطاء جسيمة وهي «اكتشافهم» أن الحيوانات ليس لها القدرة أو لا تستطيع حل بعض 
المشكلات التي تقع بالفعل داخل نطاق قدرتها وفشل الحيوانات دون الإنسانية في حل 
بعض المشكلات قد أثبت فى أغلب الأحيان التصميم الخاطىئع للجهاز أو وجوه النقص في 


طرق 007 ٠.‏ ا 
كما يذكر هارلو ومحمود. وا كن أن نتبين بعض الات الجر 2 نيتهج الإنيتاد 


(العنعنة) هو منهج توثيقي دفيق في علوم الحديث مثلا . ٠‏ ففي كتاب د » كان الحاحظ 
يتدرج في أساليبه © في البحث والتقصي 2 تدرجا غقودياً » حتى يبلغ الذروة التي يشاؤها له 
الله . فهو يتدرج من الفرض العقلي , فالاستنتاج المبني على المنطق والجدل » فالرؤية » 
فالاختبار والتجربة . ويكتظ كتاب الحيوان بمجموعة وفيرة من سجلات اختباراته أو 
اختبارات سواه . ويذكر عبد الشهيد (1978) أن الجاحظ لم يكتف بتدوين الملاحظات بل 


135 


قام بوصف دقيق لبعض التجارب على الكلاب موضحاً كيفية إجراء التجربة ونتائجها كما 
سجل بعض الملاحظات عن سرعة التعلم ودقة الحواس عند الكلاب . 

ومن بين التجارب المذكورة أو المروية في كتاب الحيوان » مثلاً » تجربة عن الانتباه عند 
الكلب . يقول الجاحظ : «وقاد خحبرني صديق لي أنه حبس كلباً له في بيت وأغلق دونه 
الباب في الوقت الذي كان طباخه يرجع فيه من السوق ومعه اللحم ثم أحد سكيناً 
بسكين , فنبح الكلب (و قلق) , ورام فتح الباب . لتوهمه أن الطباخ قد رجع من السوق 
بالوظيفة . وهو يحد السكين ليقطع اللحم !! قال : فلما كان العشاء صنعنا به مثل ذلك . 
لنتعرف حاله في معرفة الوقت » فلم يتحرك !! قال وصنعت ذلك بكلب لي أخر فلم يقلق 
إلا قلقا يسيراً . فلم يلبث أن رجع الطباخ فصنع بالسكين مثل صنيعي » فقلق حتى رام فتح 
الباب» !! (الجاحظ ص ”/ ص 1٠١‏ ) . 

يمكننا أن نستخلص من هذه التجربة بعض النتائج التي كان يتوخاها الجاحظ نفسه . 

كما نرى فيها المنحى العلمي أيضاً . فالجاحظ مثلاً يذكر أن التجربة لم تجر على كلب واحد 
بل على كلبين في وقتين مختلفين , أي أن التجربة تكررت مرتين ليكون صاحب الكلب 
على يقين من النتائج , وثانيا أن الوسائل المستخدمة كانت واحدة » والنتيجة : تبين 
للجاحظ قدرة الكلب على التنبه وذكاؤه فى التمييز بين إحداد صاحب الكلب . وإحداد 
الطباخ» . بلغة علم النفس العاضرة يكن أن تلاحظ استخدام مفاهيم التعلم الكلاسيكي 
المتمثل في علاقة المنبه والسلوك الشرطي كما عند بافلوف . كما نلاحظ أسلوب التدقيق 
العلمي في تكرار التجربة على كلبين . 

و يعلق عبد الشهيد على تجربة أخرى في الذكاء حكاها الجاحظ وتجرى هذه التجربة 
علي أخوين توأمين صقليين خصي أحدهماء » فما هي المظاهر الفارقة التى تميز أحدهما عن 
الآخرء مسلكياً ونفسياً يجيب الحاحظ امن حفن احتعماخن لمم سيت 
أجود خدمة وأفطن لأبوان المعاطاة والمناولة » وهو لها أتقن وبها أليق . وتجده أيضا أذكى 
عقلاً عند المخاطبة ؛ فيخخص بذلك كله وييقى أخوه على غشارة فطرته وعلى غباوة غريزته . 
وعلى سوء فهم العجمية؛ : فمن الملاحظ أن هذه التجربة - بغض النظر عن الناحية 
الأخلاقية - قد توافرت فيها العناصر التالية : وجود توأمين , 527 الجاحظ «من أم وأب» 
خوفاً من آي التباس . خصى أحدهما دون الآخر وأعطيا عملاً واحداً . ومراقبة كل منهما . 
وملاحظة الفوارق التي نشأت من جراء هذا الإخصاء ولف طلم النقي المعاصر ‏ يمكن 
القول بأن هناك حالة «ضابطة» وحالة «تجريبية» في هذه الدراسة , وأثبتت النتائج وجود 


136 


فروق دالة بين الحالتين . 
لاحظنا سابقاً اهتمام العرب بموضوع دراسة سلوك الحيوان في مجال الصيد . 

ونتيجة لهذا الاهتمام فقد وضعت بعض القواعد في عملية تدريب الحيوانات »وتم وصف 
التجربة التالية : فمثلاً في حالة اختبار جرأة البازي على الصيد وضع في بيت مضيء ء ثم 
يقطع عنه الضياء فجأة , فإذا أظلم البيت دنوت منه ولسته مسرعا ء ٠‏ فإن وثب على يدك 
وقبض عليها فهو جريء يصيد عظام الطير» وإن اتكمش وتقبض وسكن فليس بجريء . 
أمّا فى حالة اختبار قوة البازي فمن ناحية تجريبية فإنه يشد في زاوية البيت بالقرب من 
الحائط حيث كان يشد باز آخر قبله » ويترك ليلته هناك ثم يدخل عليه من الغد وينظر إلى 
مارمى على الحائط من ذرقه . فإذا كان موقعه أبعد من موقع ذرقٍ الأول كان أقوى منه , 
ويقادّر تفوقه عليه بالقوة بحسب بعد ذرقه , فما كان منهما أقوى ذرقاً فهو أسرع طيرانا » وما 
كان أسرع طيراناً فهو أقوى (الباشاء 1587) . يمكن التعليق على التجربة الثانية الخاصة 
باختبار قوة البازي ٠‏ بأنَ هناك وصلفاً لكيفية إجراء تجربة ميدانية موضوعها البازي » وبها 
أدوات تتكون من الزاوية والحائط والحبل لعملية الشد ؛ وهناك فترة زمنية محددة لإكمال 
التجربة . ولقياس مقدار القوة ء هناك مقارنة بين بازين » وهناك عملية قياس للفرق بين 
مظهرين سلوكيين . وتقودنا نتيجة التجربة إلى عملية التنبؤ المستقبلي لمدى قوة الباز . 


ملامح المنهج العلمى في دراسة سلوك الحيوان 


يؤكد مجموعة من المهتمين بالتراث العربي الإسلامي اهتمام الجاحظ بالمنهج العلمي 
في دراساته في سلوك الحيوان (الدفاع ؛ عبد الشهيد ؛ ه/ا9١‏ ؛ ؛ العمري ٠159؛‏ 
فريد .  )19484‏ ويبدو من المناسب التعرض للاطار النظري فنا وقانوناً وتنبؤاً بالذي يحكم 
الدراسات المتعلقة بسلوك الحيوان في التراث العربي الإسلامي . يقول الجاحظ عن المعرفة 
والاستدلال «ولولا استعمال المعرفة لما كان للمعرفة معنى . كما أنه لولا الاستدلال بالأدلة 
لما كان لوضع الدلالة معنى . ولولا تمييز المضار من المنافع » والرديء من الجحيد بالعيون الجعولة 
لذلك »لما جعل الله عر وجل العيون المدركة» (الحيوان » ؟-١١١)‏ . أما المنهج الذي اعتمده 
الجاحظ فإنه منهج علمي استقرائي » يعتمد على الملاحظة المباشرة والتجربة التي كان يقوم 
بها بنفسه والفرض والقانون . ثم إنه أعطى للعقل أهمية كبيرة . واعتمد عليه باعتباره 
المقياس الصحيح لفهم الأمور والتمييز بينها (العمري . )1994٠‏ . 


137 


إن أول فضل للجاحظ أنه تمرد وأيقن أن لابد من التجربة , ولابد من المقابلة بين 
المخلوقات . وقابل بين الأعضاء وقابل بين أنماط السلوك ورفض تجريد الحيوان من النشاط 
الذهني (فريد » )١1995‏ . أمّا بالنسبة للخبرة الشخصية التي اعتمد عليها الجاحظ في كتاب 
الحيوان فقد صنفها عبد الشهيد )١191/0(‏ إلى الاستدلالات العقلية . والمعاينة الشخصية 
والاختبار والتجربة . وتنقسم الاستدلالات العقلية إلى التقسيم المنطقي والاستنتاجات 
العقلية والجدل . منذ مطلع الكتاب يستهل الجماحظ موضوعه بالتقسيم » والتحديد 
والتعريف والوضوح . ومن خصائص العقلية الجاحظية خاصة الشك . والعقل هو أداة 
الجدل . والجدل هنا هو جدل المتكلمين والذي كان الجاحظ من أربابه . اتخذ الجاحظ في 
نزعته أسلوب الملاحظة والرؤية ومن ثم تقديم التفسير العلمي . فهو يفسر السلوك والتصرف . 
بعد ملاحظة دقيقة على ضوء المعطيات العلمية التى توافرت لديه » فيأتى تعليله ماثلا 
لتعليلات علماء النفس من أصحاب المدرسة السلوكية , 

إن كتاب الحيوان للجاحظ يتضمن ملاحظات عديدة يمكن اعتبارها لأول وهلة بذور' 

لسيكولوجية الحيوان (الدفاع ٠»‏ 1987) ؛ ويحوي الكتاب مبادئ نظرية النشوء الحديثة . كم 
يحوي كثيرا من المعلومات عن سيكولوجيا الحيوان (شريف . في الدفاع 2 1985) .إن 
الجاحظ درس كل أنواع الحيوان ووصفها وصفاً دقيقاً وقد امتاز بما لديه من ملاحظات دقيقة 
في سلوك الحيوان , وكان أول من أخضع الحيوان للتجارب إذ كان يجعلها في أوان زجاجية 
ليراقب سلوكها أو يشرحها أو يجرب أثر الخمر عليها (موراني ومنتصر ء في الدفاع . )١1987‏ 
كان بحث الجاحظ يعتمد على أسلوب التجريب العلمى والشك الذي يقود إلى المعرفة 
الحقّة » فكان وهو يعد مادة كتاب الحيوان يدقق الملاحظة حتى يصل إلى الحقائق الثابتة . 
فهو يراقب صياح الديك فجراً ويببحث هل يصيح إذا كان في قرية وحده أم لا ؟ وذلك حتى 
يعلم إن كان صياح الديكة نتيجة طبع ثابت فيها أم أنه نتيجة لتجارب الديك مع غيره من 
الديكة (عنايت ء في الدفاع ‏ 1985) . 

وفي كتاب الحيوان ملاحظات قيمة في التطور وأثر البيئة وفي علم النفس عند البشر 
والغرائز في الحيوان (عمر فروخ في الدفاع )١1987٠‏ .لقد كررنا في هذه الدراسة . 
استخدام مصطلح «الملاحظة» وفعل «لاحظ؛ , «يلاحظ» وذلك لأن الجاحظ استخدم هذه 
الطريقة فى دراسته على درجة عالية من الدقة نتيجة لتدريبه وبمارسته لها فى دراسة سلوك 
الشيوان دوإذا معنا ترسف الملاحظة في علم النفس بتكل أن اللا حا ين اتبع إحدى 
طرائق البحث في علم النفس (هلقارد واتكنسون واتكنسون » 191/4) . 


138 


تعتبر الملاحظة الخطوة الأساسية الأولى في الجهد العلمي المبذول للوصول إلى 
العلاقات النظامية . فقبل إخضاع الظاهرة إلى الضبط التجريبي الدقيق لا بد من أن تجرى 
ملاحظة هذه الظاهرة وكيفية تغيرها على الطبيعة أولاً . وهذه الملاحظة توجه 0 
إلى المظاهر التى يجب أن يخضعها لمزيد من البحث والاستقصاء العلمى . إن الكثير من 
السلوكات لا يمكن أن تشاهد كما تحدث فى الطبيعة إلا من خلال الملاحظة الطبيعية . 
فسلوك الحيوانات مثلا . وطبيعة العدوان في المدرسة , وطبيعة العلاقة بين الأم والوليد » كل 
هذه لا يمكن أن تلاحظ إلا على الطبيعة كما تحدث . وبديهي أن الملاحظ يجب أن يكون 
هدري تدرييا عفدا لكي يلاحظ الظاهرة الرئيسية موضوع البحث بدلاً من ملاحظة ما يدور 
حول الظاهرة , وأن لا يدع تحيزاته الشخصية وقيمه الذاتية تؤثر فى موضوعية ملاحظته 
(عدس وتوق )١1985 ٠‏ . 

يعبر السبع (1987) », بصورة انفعالية : « يمدنا كتاب الحيوان» - الذي يعتبر موسوعة 
علمية قل نظيرها من حيث شمولها وغزارة مواضيعها وعمق أبحاثها - بكل صنوف الغريب 
في علم الغرائز والسلوك ويزودنا بكل طريف مبدع في فطرة الحيوان وأسرار عالمه وما يكتنفه 
من غموض وإبهام حتى لكأن الواحد منا عندما يطالع هذا السفر الضخم يستشعر أمامه 
حياة تموج بال حركة والغرائز وتتفاعل بالتناسل والاقتتال » ويشاهد مسرحاً حياً بكل أفانين 
الأنانية والإيثار والتضحية والافتراس والصداقة والعداء والحنان والبغض والسذاجة والخبث 
والوداعة واللؤم» . 

وبنفس الصورة الانفعالية السابقة » يضيف السبع )١1989(‏ في دراسة أخرى : هلا مراء 
في أن غزارة المعلومات العلمية التي تصادف الباحث المنصف والمحقق المدقق خلال تصفحه 
للمرا- جع العربية التراثية امختلفة 2 د تجعله يوقن تمام اليقين ويتأكد بما لا يدع مجالاً للشك في أن 
ا العرب المسلمين هم بناة علم الغرائز والسلوك في عالم الحيوان . ذلك لأن ما نجده 
من عرض زاخر لتلك الغرائز والسلوك مترافق بمعين لا ينضب من الأمثلة الساطعة عن 
الأنواع الحيوانية المتباينة يدعو إلى الإعجاب والتبجيل والاحترام ويدل على سعة الاطلاع 
وتبحر عميق في هذا العلم» (ص ©866) . بالإضافة لعملية الانفعال المذكورة أعلاه واللغة 
الأدبية استخدم الباحث مصطلح «الغرائز» في الدراستين وهو من المصطلحات التي تداعت 
في علم النفس المعاصر ليحل مكانه مصطلحا «الدوافع» و«الحاجات» . يبدو أن هناك أهمية 
لقراءة الجماحظ في ضوء المفاهيم والمدارس الحديثة في علم النفس . عادة ما تقع بعض 
كتابات الحققين والمؤرخين للعلم » من غير الختصين في اختصاص علم النفس » في بعض 


139 


الإشكالات النظرية . ولكن ما يحمد لهؤلاء أنهم اهتموا بالتراث السيكولوجى الذي تجاهله 
علماء النفس العرب . 


سلوك الاهتداء عند الحمام مابين الجاحظ وسكنر 


لاحظ الماحظ بصورة ذكية وجه الشبه بين سلوك الحيوان والإنسان بأنه لم ير شيئاً قط 
في رجل وامرأة إلا وقد رأى مثله في الذكر والأنثى في الحمام . فهو يقول : «رأيت حمامة 
لا تريد إلا زوجها وسيدها ورأيت حمامة لا تمنع شيئاً من الذكورة . ورأيت امرأة لا تمنع يد 
لامس» . ويقول الحاحظ على سلوك الغواية ار رأيت الحمامة لا تزيف إلا بعد طرد شديد 
وكثرة طلب . ورأيت حمامة لها زوج وهي تمكن ذكرا أخر لا تعدوه ورأيت مثل ذلك في 
لنساء . ورأيتها لا تفعل ذلك إلا وذكرها يطير أو يحضن» . ويضيف الجاحظ : «ورأيت 
الحمامة تقمط الحمام الذكور . ورأيت الحمامة تقمط الحمامة . ورأيت أخرى تقمط الإناث 

فقط ولا تدع أنثى تقمطها . ورأيت ذكراً يقمطها ويدعها حتى تقمطه . ورأيت ذكراً يقمط 
الذكور وتقمطه ورأيت ذكراً يقمط الذكور ولا يدعها تقمطه . ورأيت حمامة تمكن كل حماء 
أرادها من ذكر أو أنثى ولا تراوج ورأيتها تزاوج ولا تبيض وتبيض فيفسد بيضها . كالمرأة 
تتروج وهي عاقر ورأيت ذكراً له أنثيان وقد باضتا منه وهو يحضن مع هذه وتلك ويزقف مع 
هذه وتلك» 5 

ففي تقديري » إن أكثر الملاحظات تطورا ا سجله الجاحظ في كتاب الحيوان هي تلك 
المرتبطة عملاحظات سلوك الاهتداء بالنسبة للحمام ؛إذ يقول . «ولو كان الحمام مما يرسل 
بالليل . لكان مما يستدل بالنجوم . لأنا رأيناه يلزم بطن الفرات ٠‏ أو بطن دجلة أو بطون 
الأودية التي مر بها . وهو يرى ويبصر ويفهم انحدار الماء » ويعلم بعد طول الجولان وبعد 
الزجال » وإذا هو أشرف على الفرات أو دجلة . أن طريقه وطريق الماء واحد » وأنه ينيغى أن 
ينلحدر معه6 رج ؟'ءص 375) . ويضيف جوانب أخرى هامة عن الاهتداء : «وللحمام من 
حسن الاهتداء . وجودة الاستدلال , وثبات الحفظ والذكرء وقوة النزاع إلى أربابه » والألفة 
لوطنه 00 أنه يهتدي بطيرانه بالأنهار والأودية وانحدار الماء ومصدر الريح وموضع قرص 
الشمس في السماء ....» . ثم يعلق الجاحظ على ذكاء الحمام ما بعد التدريب : «ثه 
الدليل على أنه يستدل بالعقل والمعرفة والفكرة والعناية » إنه إنما يجىء من الغاية على 


140 


عن ذكاء الحمام : «الحمام هو المشهور من الطيور والهادي إلى أوطانه من المسافات البعيدة » 
وهو أشد الطيور ذكاء » وهو يتعرف إلى علامات قبل طيرانه ليعود إلى موطنه» . 

ويلاحظ الحاحظ منذ مرحلة باكرة من التاريخ قدرة الحمام الهائلة على التعلم : «اعلم 
أن الحمام والطير كلها لا يصلح التغمير به من البعد . وهدايته على قدر التعليم . وعلى قدر 
التوطين . فأول ذلك أن يخرج إلى ظهر سطح يعلو عليه » وينصب عليه علم يعرفه » ويكون 
طيرانه لا يجاوز محلته وأن يكون علفه بالغداة والعشي , يلقى له فوق ذلك السطح » ٠‏ قريباً 
من علمه المنصوب له » حتى يألف المكان ويتعود الرجوع إليه» ( ج ؟ ص )١/0‏ . أما عن 
الوقت المناسب لتعلم الحمام , فيقول الجاحظ : «وهم إذا أرادوا أن يمرنوا الفراخ أخرجوها وهي 
جائعة » حتى إذا ألقوا إليها الحب أسرعت النزول» (ص 7590 ) . ومن المسائل الهامة التي 
وضعها الجاحظ في الاعتبار قوله : ااومتى قص أحد جناحيه (الحمام) كان أعجز له عن 
الطيران ‏ ومتى قصهما جميعاً كان أقوى له عليه , ولكنه لا يبعدء لأنه إذا كان مقصوصاً 
من شق واحد اختلف خلفه . ولم يعتدل وزنه » وصار أحدهما هوائياً والآخر رن . فإذا 
قص الجناحان جميعاً طارء وإن كان مقصوصا فقد بلغ بذلك التعديل من جناحيه أكثر ما 
يبلغ بهما إذا كان أحدهما وافياً والآخر مبتورأ» (ج ؟ءص .)3"١‏ 

حاول سكنر (1950) أشهر عالم سلوكي في تاريخ علم النفس على الإطلاق توظيف 
سلوك الاهتداء عند الحمام وتدريبه لتوجيه القنابل في الحرب العالمية الثانية من خلال 
المشروع البحثي المسمى «امشروع الحمامة» والذي أجري في «معمل البحرية البحثي» . 
لعب سكنر دوراً كيرا في علم النفس من خلال دراسته لسلوك الحمام في صندوقه 00 

لقدتم الشروع في مشروع تدريب الحمام في الخحرب العالمية الثانية ٠‏ ففي عام ١89‏ تم تذمير 

مدينة وارسو بواسطة القنابل وبرزت الطائرات كأدوات جديدة ومرعبة ة للحرب . لذلك يجب 
إدراك «مشروع الحمامة» فى ضوء هذه الخلفية . وبدأت محاولة بحثية عن تدريب الحمام 
لاستخدامه في السطح والجو لتوجيه القنابل كوسيلة دفاعية ضد الطائرات . وعندما تغير 
التوازن بين الأسلحة الهجومية والدفاعية تم اخختبار النظام أو من قنابل الجو للأرض وسمي 
ذلك رمزيا ب«البجع» تيمناً بطائر البجع وهو طائر مائي كبير . 

نحاول فى هذا الجزء من الدراسة أن نجري مقارنة «لعينة» بين سكنر وبين الحاحظ . 

حاول علماء النفس في الغرب تدريب الحيوانات في القرن العشرين مثل الكلب وطائر 
النورس وكلب البحر وعجل البحر ومحاولة استخدام ذكائها وطاقتها الحسية لأنها أقوى من 
حواس الإنسان . ويحدثنا التراث العربي الإسلامي عن فهم سيكولوجيا وذكاء الحيوان من 


141 


عشرات القرون . يقول بروفسر مالك بدري (19174) إِنْ قدماء العرب كانوا اسكناريين 
(سلوكيين) قبل آلاف السنوات قبل أن يولد سكنر نفسه . إن مقولة بدري هذه تصدق فيما 
نسميه ب «علم نفس البيزرة» . لقد كان علماء التراث سباقين فى دراسة سلوك الحيوان 
ومعرفة خاصية سلوك الاهتداء عند الحمام وحدة بصر الكلاب » لكن لم يتم توظيف ذلك 
في علم النفس المعاصر في العالم العربي . لماذا حاول سكنر تدريب الحمام لتوجيه القنابل 
في الحرب العالمية الثانية ولم يحاول علماء النفس العرب تدريب الحمام أو الصقور لتوجيه 
القنايل للأعداء؟ ولماذا اكتفى العرب بتدريب الصقور والجوارح للصيد ولم يتم استخدامها 
فى أهداف أكثر استراتيجية؟ (انظر الخليفة 2 )٠٠٠١‏ 

ْ بوسعنا التساؤل مجدداً لماذا لم يتم توظيف علم نفس البيزرة والذي اعتبرناه أكثر أفرع 
علم نفس ال حيوان تقدماً في التراث العربي الإسلامي في مجالات تطبيقية هامة؟ ولماذا قام 
علماء في الغرب بالاستفادة من عملية تدريب الحيوانات ولم نستفد منها في العالم العربي؟ 
عموماً كان الإنسان دائماً يحاول استخدام الطاقة الحسية للحيوانات » وذلك لأنها أقوى من 
حواس الإنسان أو لأنها أكشر إقناعاً . ربما يسمع الكلب الحارس أفضل من سيده وفي كل 
حال يسمع عندما يكون السيد نائماً . وقيل بأنه تم استخدام طائر النورس لكشف الغواصات 
في القنال الأنجليزي في الحرب العالمية الأولى . ولقد أرسل البريطانيون غواصاتهم عبر القنال 
بينما تتابع طيور النورس الغواصات وتتعلم ما إذا كانت بريطانية أو ألمانية . وعمل الروس 
على تدريب الكلاب لتفجير الدبابات كما قاموا كذلك بتدريب كلب البحر لقطع كابلات 
أو أسلاك الألغام الأرضية . وشرع السويديون في تدريب عجل البحر بتفجير الغواصات . 
هناك ميزة خاصة لأنظمة الكشف أو الإشارة عند الحيوانات الدنيا عندما تستخدم مع 
المنفجرات فى أهداف يراد تدميرها إذا كانت أهدافاً فى الأرض أو الجو أو البحر . لقد تطورت 
أنظمة توجيه القنابل بواسطة الحيوانات باستخدام الحواس والإشارات نحو الأهداف وذلك 
بالاستجابة للإشعاع المرئي وغير المرئي . والضوضاء ؛ وانعكاسات الرادار وغير ذلك (انظر 
الخليفة  )7٠٠١‏ . 


أثر علم نفس الحيوان 


من القصص . قد يكون بينها ما هو وهمي ليس له وجود في عالم الحيوان الحقيقي . وقد 


142 


تكون ملاحظات الحاحظ فى بعض الأوقات وصفية غير متعمقة فى سلوك الحيوان فيكون 
علم الحيوان أو المعلومات ذات العلاقة بعلم نفس الحيوان أشبه بالسايكوغرافيا أي الوصف 
السيكولوجي بلا تفسير علمي . مثلاً لقد انتقد تاتون )١19188(‏ الجحاحظ في عدة ج 
في كتاب الحيوان قائلاً هناك إشكال في تصنيف الحاحظ للحيوان لأنه يغير في كل حين 
طبيعة الخصائص التصنيفية التي يستعملها . فتارة يستعمل الشكل والضخامة ونوع الغذاء 
والوسط . الخ . هذه الخصائص ا مختلفة .لم يعرف كيف يصفها أو يربطها الواحدة 35 
الأخرى حيث كان ذلك مكنا . ولم تنقصه فكرة مثل هذا العمل . فقد صرح بشأن 
الحيوانات الطائرة » أنه أجرى التمييز سنداً للصورة أو الطبيعة » أو العضو مثل الجناح . ولكنها 
ملاحظة ذكية . وعارضة لأن هدف الحاحظ هو أمر آخر غير هدف العالم الطبيعي ١‏ إنه أقرب 
إلى عمل اللغوي مثل الأصمعي . وانتقد حمارنة (الدفاع » 14857) كتاب «حياة الحيوان 
الكبرى» للدميري بأنه كتاب يمزج الحقائق العلمية بالتنجيم والخرافات والخوارق » ويذكر علم 
الحيوان والمؤلفات التي كتبت فيه باللغة العربية » ويجمع فيه الغث مع السمين . ويفسر 
أسماء مبهمة ة وألفاظاً مصطلحة . 

ويضيف و بعض ملاحظات المؤرخين العامة عن علم الحيوان في التراث العربي 
الإسلامي قائلاً : إِنّ علماء العرب والمسلمين لم يعطوا علم الحيوان حقه . بل إنهم كتبوا 
وصنفوا على غرار كتب علماء اليونان وعلى رأسهم مؤلفات أرسطوطاليس . لذا تجد أن 
علماء العرب والمسلمين الذين لهم إسهام في هذا المجال قليلون جداً . ولو أجريت مقارنة 
علمية بين عدد العلماء الذين اهتموا بعلم الحيوان مع العلماء الذين اهتموا بالعلوم الأخرى 
كالطب والصيدلة والنبات والكيمياء والرياضيات والفيزياء والفلك لوجد أن ميدان حقل 
الحيوان لم ينل حقه . وقد نتفق مع ملاحظات المؤرخين أعلاه اتفاقاً نسبياً وذلك لعدة 
أسباب موضوعية . 

من الواضح عدا أن مساهمة علماء الحيوان من ناحية الإبداع والصرامة العلمية لا 

تكون بنفس مساهمة علماء الرياضيات مثلاً كالخوارزمي في كتاب «الجحبر والمقابلة» . وعلماء 
البصريات كابن الهيثم ف كتاب «المناظر» أو علماء الطب كابن سينا في «القانون» » أو 
الرازى فى «الحاوي» . أو علماء الهندسة كالبيرونى فى «استيعاب الوجوه الممكنة فى صنعة 
الإسطرلاب» , أو علماء الحيل كالجزري في «كتاب الحيل في الفنون الغربية» ٠‏ أو علما 
النبات كابن البيطار في كتاب «الجامع لمفردات الأدوية والأغذية» . ونتفق هنا مع 
ملاحظات عبد الشهيد (1918) بأن ما توافر لدى الجاحظ من أساليب وأدوات ونظريات لم 


143 


يكن وافياً للوصول إلى نتائج يقينية ثابتة . على أن الجاحظ , على الرغم من النقص في 
الأداة, استطاع أن يزرع على الأقل » بذور معارف ء ربما لم يكن يدرك أهميتها على صعيد 
التطور االحضاري . إن جملة من المعارف الواردة في المصنف قد نفاها العلم الحديث . وبرهن 
على خطئها , غير أن محاولات الجاحظ في إثبات صحتها »كانت دليلاً آخر على براعته , 
وقدرته في الاستقصاء والتعليل . 

مهما يكن . فإنٌ مساهمة الجاحظ وغيره من المهتمين بالحيوان في التراث العربي 
الإسلامي بالرغم من قصورها , تعتبر مساهمة كبيرة فى عصرها والعصور المتأخرة . وقد 
اعتمد الكتاب اللاحقون الذين تكلموا في هذا الموضوع على كتاب الجاحظ مثل المسعودي 
(القرن العاشر) ؛ والقز ويني صاحب كتاب الكوسموغرافيا الذي يحمل في اللغة العربية 
عنوان «عجائب املخلوقات» (القرن الثالث عشر) والدميري صاحب كتاب «حياة الحيوان 
الكبرى» (القرن الرابع عشر) ؛ ثم «المستوفي» للقزويني وهو مؤلف فارسي (القرن الرابع 
عشر) وكلهم ذكروا الجاحظ واستقوا من كتابه ومن نفس مصادره (تاتون . )١1984‏ . قام 
كذلك أبو القاسم هبة الله (المتوفى عام 504 ه) باختصار كتاب الحيوان للجاحظ . وقام 
موفق الدين عبد اللطيف البغدادي بعملية اختصار أخرى لكتاب ١‏ الحيوان» . 

وتوضحعملية الاعتماد هذه حجم التأثيرات التي أحدثها الجاحظ وإن كانت محدودة 
مقارنة ببقية الإسهامات في الحقول العلمية الأخرى . ويمكن القول بحذر إن الملاحظات 
المسجلة وبعض التجارب الجراة عن سلوك الحيوان هي المساهمات العلمية الوحيدة وربما تكون 
الأكثر ذكراً في تاريخ العلم في ذلك العصر . إذا كان لمعظم المساهمات الوجه السّمين 
والوجه الغغث فإِنَ العبرة بالوجه السّمين فى تراث سلوك الحيوان ٠‏ إن كتابات العلماء العرب 
والمسلمين هي كتابات تعبر عن روح ذلك العصر ولهذه الإسهامات ذكر في كتابات 
المنصفين من المؤرخين لأنهم على معرفة بالدور الكبير لأثر العلم العربي الإسلامي في عصر 
النهضة وإرساء أسس المنهج التجريبي . ولكن ليس هناك ذكر لهذه الإسهامات في كتابات 
مؤرخي علم النفس الغربي أو الحديث . 

وبذلك ترك الجاحظ أثراً من خلال كتاب الحيوان في كتابات العلماء اللاحقين كما 
ترك ابن سينا أثراً من خلال شروحات كتاب القانون المتعددة . وابن الهيثم من خلال 
تنقيحات كتاب المناظر . وابن البيطار في دراسة النبات . ويمكننا أن نلاحظ الفرق بين دراسة 
النبات والحيوان في التراث العربي الإسلامي . عموماً كانت الدراسات النباتية .» خاصة 
الطبية منها أعمق من الدراسات الحيوانية . وغالباً ما يعزى السبب للتعقيد المرتبط بدراسة 


144 


سلوك الحيوان في تلك لمرحلة المبكرة من تاريخ العلم . ومن ناحية تاريخية » إذا اتفقنا على 
موضوع تأثير علم الحيوان العربي في العلم الغربي فنلاحظ الفرق اللاحق . عموماً كانت 
الأبحاث النباتية فى عصر النهضة العلمية فى الغرب أعمق من الأبحاث الحيوانية . 

رأينا في بداية الدراسة كيف أن كتابات علماء النفس العرب انتحت نفس المناحي 
الغربية في تاريخها لعلم الحيوان وعلم النفس المقارن وعلم نفس الحيوان . إن الحقائق 
التاريخية المرتبطة بانتشار العلم العربي وتمركزه في صقلية والأندلس وبغداد » واتصال أوربا 
بهذه المراكز إبان الحروب الصليبية والاتصال العلمي مع الأندلس وخاصة حين حمل 
الأوربيون معهم مجموعة من الكتب والوثائق الهامة التي تمت ترجمتها في المراكز العلمية 
الجديدة في ذلك الجزء من العالم المسمى بأوربا . ويذكر الدوميلي بعض المحاولات الغربية 
لترجمة كتب الحيوان في التراث العربي الإسلامي منها مثلا نشر كتاب «الوحوش» 
للأصمعي في فينا سئة 1841 م والذي أخرجه جاير» كما نشر كتاب «الخيل» للأصمعي 
أيضا كذلك بواسطة هفنر سنة 1890 م (الدفاع ٠‏ 1885 ) . فالدراسات اللاحقة في علم 
الحيوان وفى سلوك الحيوان اعتمدت على جزء كبير من هذه المعلومات الثمينة المجموعة . 
وإذا تتبعنا تاريخ علم الحيوان (الزولوجيا) في القرون اللاحقة يمكننا أن نلاحظ تأثير العلم 
العربى الإسلامى . 

فمثلاً . في القرن السابع عشر والثامن عشر (تاتون )1١44*‏ كان تطور الزولوجيا قد بدأ 
أكثر بطئاً من تطور علم النبات » فإنّ هذا الفرق يفسر بموضوع هذا العلم بالذات :إن دراسة 
الحيوان أكثر تعقيدا ء وتجميع المواد بدا أكثر صعوبة . في هذه الفترة تم اختراع الميكروسكوب 
الذي ساعد على الملاحظة الدقيقة والتشريح . وتم تنظيم المجموعات الحيوانية وصالات 
التاريخ الطبيعي في كل من فرنسا وألمانيا . وفي القرن الثامن عشر تتابعت رحلات علماء 
الطبيعة الكبرى لجمع الوثائق الثمينة حول حيوانات غير معروفة . ولتغذية المجموعات 
الخاصة , والصالات والمتاحف . ودخلت مفاهيم جديدة في علم الحيوان حلت محل 
أوصاف وحكايات الحيوان ‏ وكثرت المذكرات ال خصصة للمنهجية أي التصنيفات التي تهتم 
بمجمل المملكة الحيوانية أو المقصورة على صنف معين أو على رتبة معيئة » من جانب جميع 
علماء الطبيعة » في ترتيب هذا العالم الحيواني الكثير والمتنوع . ولقد تمت نهضة الزولوجيا 
وتحسنت معرفة الأنواع الحيوانية في حين أخذت ترتسم توجهات جديدة ‏ تفتحت في القرن 
اللاحق . 


145 


نيابة علماء التراث عن علماء النفس العرب 


إن مسيرة علم الحيوان (الزولوجيا) خلال القرن السابع عشر والثامن عشر مسيرة وظفت 
الكم الهائل من الوثائق وامخطوطات والمعلومات الثمينة التى جمعت بواسطة الرحالة وقبلها 
بواسطة الاتصالات العلمية والثقافية في وقت الحرب والسلم . وعملت هذه المسيرة على 
توظيف التراث العلمي العربي الإسلامي في علم الحيوان وتم تطوير هذا التراث ربما بنفس 
الكيفية التى طور بها العلماء العرب والمسلمون التراث السابق للحضارة العربية الإسلامية . 
وخاصة التراث الإغريقي . والسؤال لماذا لا يعمل علماء النفس العرب بتوطين علم نفس 
الحيوان الحديث أو بإحياء علم نفس الحيوان في التراث العربي الإسلامي . لقد غاب علماء 
النفس العرب عن دراسة تاريخ سلوك الحيوان في التراث العلمي العربي الإسلامي كما 
غابوا عن تحقيق التراث ونشر ا خطوطات . إن مؤرخي العلم ومحققي التراث هم الذين كتبوا 
عن علم نفس الحيوان في التراث العربي الإإسلامي (الباشا. *198 ؛ الدفاع  ١985‏ ؛ 
عبد الشهيد » 19817 ؛ العمري  ١99٠‏ ؛السبع ١98941947»‏ ؛فنصة ٠‏ 1984) . 

إذا تحرينا الدقة يمكن القول لقد كتب علماء التراث نيابة عن علماء النفس العرب 
وتفوقوا فيما يخص الجانب التاريخي والتحقيقي للتراث » ولكن وقع بعضهم في بعض 
الأخطاء من حيث مفاهيم ونظريات علم نفس الحيوان . وهذه الأخطاء كان من الأولى أن 
يتداركها علماء النفس العرب في حالة اهتمامهم بالتراث السيكولوجي فى مجال علم نفس 
الحيوان . إن كثيرا من الدلائل التى قدمناها تجعلنا نقول بأن مساهمة الحاحظ والعلماء بعده 
تأليفاً وشرحاً واختصاراً وترجمة توضح أنّ العلم يقوم على التراكم الكمي » إذ تعتمد كل 
مرحلة على الأخرى . وقد يوجد بين الحين والآخر من يقدم طفرة كبيرة لهذا العلم . 
ويمكننا أن نقف على مساهمة العلماء العرس والمسلمين . من ناحية تاريخية . بأنها معبرة عن 
روح العلم فى عصره , وفي نفس الوقت كان هؤلاء العلماء متقدمين في أفكارهم على من 
سبقوهم وحتى بعض من تلوهم . ومن الانتصارات الجديرة بالذكر عن علم نفس ال حيوان في 
التراث العربي الإسلامي : الاهتمام بموضوع ذهن (ذكاء) الحيوان » والسلوك الاجتماعي 
والتناسلي . وعلم نفس البيزرة » وتدريب الحيوان مقابلة سلوك الحيوان والإنسان . وتكمن 
أهمية هذه المقابلة بأنها عبرت عن نفسها في فترات لاحقة من تاريخ العلم باسم علم 
النفس المقارن . 

رما نستطيع القول بأن العوامل التى أدت لتطور علم نفس الحيوان في التراث العربي 


146 


الإإسلامي كانت معقدة . والعلماء العرب ليسوا أعلاماً فيما سمي لاحقاً بعلم الحيوان أو 
علم نفس ال حيوان أو علم النفس المقارن عند مؤرخي علم النفس من المنظور الغربي . بوسعنا 
التساؤل أين الأفكار المصاغة في غاية الأهمية عن سلوك الاهتداء عند الحمام وذكاء الحيوان 
وعلم نفس البيزرة؟ ويا ترى هل المنظور الغربي للعلم هو منظور كل البشرية في بداية دراسة 
سلوك الحيوان؟ إذا كانت الإجابة بالنفى بالنسبة للسؤال السابق » فما عذر علماء النفس 
العرب الذين يكتبون أو يشيرون إلى تاريخ علم النفس بأن بداية علم نفس الحيوان وعلم 
النفس المقارن هي مع بافلوف الروسي وثرنديك الأمريكي وداروين الإنجليزي؟ فيا ترى هل 
يمكن أن نعيد مجرد النظر في فكرة إعادة تاريخ دراسة سلوك الحيوان؟ فإذا وافقنا على ذلك 
يمكننا أن نسجل اسم الجحاحظ والأصمعي والقزوينى والبغدادي والدميري والسجستاني 
والتيمي وأن م باستلهام روح البحث القلقة لهؤلاء العلماء 1 وبإحيا ء هذا التراث العلمي 
يق نشرا للمخطوطات » فلا نهضة لعلم انس بلا جذور عرينة متأصلة في التراث 


17 


المصادر والمراجع 


ابن أبي أصيبعة (1987) . عيون الأنباء فى طبقات الأطباء . الجزء الثاني . بيروت : 
دار الفكر . 

ابن النديم (191/8) . الفهرست . بيروت : دار المعرفة . 

أحمد . محمد أبو العلا )١1145(‏ . علم النفس العام . القاهرة : مكتبة عين شمس . 

الأهوانى . أحمد فوؤاد )١19164(‏ . ابن سيناء . القاهرة : دار المعارف . 

الباشاء عبذ الرخمن (1448) + الصيد عند العرب: . بيروت ؛ مؤسسة الرسالة ودار 
النفائس . 

البلدي . أحمد بن محمد . كتاب تدبير الحبالى والأطفال والصبيان وحفظ صحتهم 
ومداواة الأمراض العارضة لهم . تحقيق محمود الحاج قاسم (1980) . بغداد :دار 
الرشيد . 

تاتون , رينيه )١988(‏ . تاريخ العلوم العام : العلم القديم والوسيط . ترجمة علي 
مقلد . بيروت : المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر. 

تاتون » رينيه )١114(‏ . تاريخ العلوم العام : العلم الحديث . بيروت : المؤأسسة 
الجامعية للدراسات والنشر . 

الجاحظ . أبو عثمان عمرو بن بحر . كتاب الحيوان . تحقيق عبد السلام محمد هارون 
)١1959(‏ . القاهرة : مصطفى البابى الحلبى . 

حمزة , مختار (19481) . مبادئ علم النفس . جدة : دار البيان العربي . 

الخليفة . عمر )٠٠١(‏ . علم النفس وامخابرات . بيروت : المؤسسة العربية للدراسات 
والنشر. 

الدفاع , علي (19857) . إسهام علماء العرب والمسلمين في علم الحيوان . بيروت : 
مؤسسة الرسالة . 

السبع » محمد (15815) . السلوك التناسلي والغرائز الجنسية في الحيوان عند الجاحظ 
(ص . 519- 514) . أبحاث المؤتمر السنوي الخامس لتاريخ العلوم عند العرب والذي نظمه 
معهد التراث العلمى العربى بجامعة حلب » ١4 -١*”‏ أيارء 1481 » حلب ؛ سوريا . 

السبع . محمد (1945) . محات مضيئة عن غرائز الحمام في التراث العربي (ص . 5/ 
)4١ -‏ . أبحاث المؤمر السنوي العاشر لتاريخ العلوم عند العرب والذي نظمه معهد التراث 


148 


العلمى العربى بجامعة حلب . والمنعقد فى اللاذقية 7 - 55 نيسان 1985 » سوريا . 

عبد الخالق . أحمد (149) . أسس علم النفس . الإسكندرية : دار المعرفة . 

عبد الشهيد . صموئيل (19178) . الروح العلمية عند الجاحظ في كتاب الحيوان . 
بيروت : دار الكتانب اللبناني . 

عدس .ء عبد الرحمن .» وتوق . محيي الدين )١1987(‏ . المدخل إلى علم النفس . 
نيويورك : جون وايلي . 

العمري . عبد الله )١140(‏ . تاريخ العلم عند العرب . عمان : مجدلاوي . 

فريد ء إبراهيم )١19944(‏ . الأسس البيولوجية لسلوك الإنسان . بيروت : الدار العربية 
للعلوم . 

فنصة . موفق (1989) . التعريف بعلم البيزرة عند العرب . (ص . )15١ -١6١‏ . 
أبحاث المؤتمر السنوي العاشر لتاريخ العلوم عند العرب الذي نظمه معهد التراث العلمي 
العربي بجامعة حلب . والمنعقد في اللاذقية 77 - 74 نيسان 1985 » سوريا . 

محمود ء إبراهيم وجيه )١98٠(‏ ) . مدخل إلى علم النفس . القاهرة : دار المعارف . 

مراد » يوسف )١955(‏ . مبادئ علم النفس . القاهرة : دار المعارف 

نجاتي » محمد عثمان (1980) . علم النفس في حياتنا اليومية . الكويت : دار القلم . 

هارلوء هاري )١1987(‏ . دراسة سلوك الحيوان . ترجمة كمال دسوقي . فى : مناهج 
البحث في علم النفس ., الجزء الأول » ص 447 - 48 . أشرف على تأليفه ت . أندروز . 
أشرف على ترجمته يوسف مراد . القاهرة : دار المعارف . 

الهوني . فرج محمد )١1985(‏ . تاريخ الطب في الحضارة العربية الإسلامية . مصراتة : 
الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان . 

هيدربريدر ء إدنا )١19/7(‏ . دراسة التفكير الإنساني . ترجمة محمد عماد الدين 
إسماعيل . في : مناهج البحث في علم النفس » الجزء الأول » ص . 175-18 . أشرف 
على تأليفه ت . أندروز . أشرف على ترجمته يوسف مراد . القاهرة : دار المعارف . 


149 


المراجع الأجنبية 


-طوناطن2 74117013 :102002 .كاذاع010«اعلاكم 113أكن14 01 قنتصرع11ل عغط1' .(1979) .34 .ملد8 
6 

دمغءاممة تارهلا بجع[] . برووامطعلاوم لقامع لم لرءم»ء 01 برمأولط ع1" . (1957) .8 رومممظ8 
0015 تامع ن)- 

اط 01 2005اع؟ 50121 لتة عمالأقطعط عط [ه لإليدد 10اع7 ى .(1934) .) وعأامعمية0) 
.1-1-8 ,10 ,امفععممه184 نرزعمامطءنزوط عالأوعدم جره ) .ذلإع 2001م 

أه أمععممء عط 01 امعمرمماع 7ع ع152' .10111120100 أمعع00ء ها 5100015 .(1932) .2 ركلاع1آ1 
.1-0 ,9 ب امفععمهه14 برع هاطع نزو 201070 يدم 020 ) .)22 عالط عط نإ لامضانتاع مقاما 

-ع0) 01 [722]نا0[ .)23 وماطلد عغطا ها عمالعع؟ 01 11]300608اع2؟ 50121 .(1932) .8 ,برماعة1] 
211-11 ,41 ,لزعه[امطع لاوط علاعم 

بباع11 .لاع 010طعلا5م 10 1ع نال20اضآ .(1979) .1 ,نوكن كلاه عل .]1 ,ممكمتكعلنة ,.ظ ,لمدع 11ل[ 
222 2:26 , النامععة1ط] تارهلا 

نم11 .515 لإلققة 2[1أ2112ع6مات فق :0183215115 01 ؟#ماتقطعط عغط]' .(1938) .8 تعمنلاد 
لالتاقع)-02]أعمم4 علهلا 

28-7 ,15 بأقأع010طعلاكم 22ع7ع ةق .مدعناء2 ما مممععاظ .(1960) .8 ,رعممتكاك 

.لمناكدءن0) : علوملا بععاط .معد 300 كأقلرتقة مذ عمالتقطعط علازومصري .(1932) 18 ,مدمراه1' 


1530 


151 


التشريح 


في 


تراث في كتاب في علوم 


١ 


<- 


نَ 


1 
ا 
1 


ا رع 0 


2 


51 





152 


تشريح الحيوان في التراث العربي الإسلامي 





1533 


في 


الترا اث العربي الإسلامي 





الفصل الخامس 


علم نفس الطفل 


]35 


تاريخ علم نفس الطفل عند علماء النفس العرب 


أشار بعض علماء النفس العرب إلى بعض الجوانب النفسية البسيطة جداً والخاصة 
بالطفل في التراث العربي الإسلامي بينما لم يشر البعض لأي إسهام (الحوراني والعنزي . 
17 ؛ الجسماني 00٠‏ ؛ السيدء. ه1906 ؛ صادق وأبو حطب ٠‏ /198) . أولاً ٠‏ يؤرخ 
السيد (ه/91١)‏ عن النشأة والتطور الفلسفي لعلم نفس النمو مقتبساً لانشأ علم النمو النفسي 
فى أحضان التأمللات الدينية والفلسفية القديمة» . وعرض السيد محاولة إخناتون فى تصور 
حياة الجنين في تطورها الذي يسبق ميلاد الطفل ويا خالق الجرثومة في المرأة . يا خالق 
البذرة في الرجل . يا واهب الحياة للجنين في بطن أمه . منحته الطمأنينة حتى يظل حيا 
حين يولد» . ويشير السيد إلى أن الفلاسفة اليونان كانوا يعتقدون أن الحياة تنشأ من مادة 
ذات شكل خخاص ثم تتطور هذه امادة حنتى تصبح كائناً حياً ؛ وهذه هي نظرية التكوين 
الحادث » ثم تغيرت هذه الفكرة في القرن السابع عشر إلى نظرية التكوين الأزلي التي تقرر 
أن تكوين الحيوان المنوي الذكري لا يفترق فى جوهره عن تكون الإنسان . 

واقتبس السيد قول «أرسطو» الذي ذهب إلى أن الحياة « صفة للموجود , بها يتغذى , 
وينموء وينقص » بنفسه» . وأشار السيد إلى تلميح الكتب السماوية إلى نشأة الإنسان 
وتطور حياة الجنين ووصف القرآن الكري لمراحل النمو . ويذكر السيد : «ولقد فطن العرب 
إلى مراحل النموء وهدتهم سليقتهم إلى تتبع مظاهره» . ولقد اقتبس قول الشعالبي 
النتيسابوري فى فقه اللغة عن التعاريف ده للطفولة . ويذكر السيد أن الملاحظات 
الفلسفية اتخذت بعد ذلك جهة تطبيقية تربوية فاهتمت بوظيفة البيت والمدرسة وامجتمع في 
تنشكئة الطفل . ومن الباحثين الذين قدموا مساهمة فى هذه المللاحظات «جون لوك» فى 
القرن السابع عشر ء و«جان جاك روسو» في القرن الشامن عشرء واجون ديوي» في القرن 
العشرين . 

يلاحظ أن السيد قام بمجهود في تتبع المساهمات المختلفة في نشأة وتطور علم النمو 
النفسي كما يحب أن يطلق عليه . ويفهم من قول السيد بأن هناك أربع مراحل أساسية لهذا 
النمو : المرحلة الفرعونية . والمرحلة اليونانية . ومرحلة الشورة العلمية . ومرحلة القرن 
العشرين . ولقد أشار السيد بصورة غير مباشرة للتراث السيكولوجي العربي الإسلامي من 
خلال اللغة وليس من خلال الكتب العلمية الطبية . وعموماً إن اختصار السيد لدور العرب 
في علم نفس النمو من خلال تعريفات الثعالبي النيسابوري لمراحل النمو هو اختصار شديد 


]537 


لإسهام التراث العربي الإسلامي . فالنيسابوري لم يكتب مؤلفاً عن الأطفال كما فعل 
بعض العلماء العرب والمسلمين . إن الكيفية التي أرخ بها السيد لعلم نفس النمو تؤكد 
الفجوة الموجودة في تاريخ علم النفس والتي تنفي أو تنكر أو تتجاهل أو تختصر مساهمة 
العلم العربي الإسلامي . 

ثانياً : لقد تناول الجسماني )1١984(‏ بعض الآيات الكرعة التي تتعلق بمفهوم التكوين 
بشطريه النفسي والمسمي وهو ما يصطلح عليه في علم النفس الحديث «بعلم النفس 
التكوينى» أو سيكولوجية الطفولة والمراهقة بمراحلها المتعاقبة . ويقول الجسمانى : (وهاهو 
الغزالي وهو الذي أحلته بصيرته النفاذة قمة التفلسف ومكنته من زمام الفلسفة بين فلاسفة 
المسلمين , يجهد نفسه في إرساء قواعد الأخلاق وتوطيد دعائم التنشئة عند الأطفال . فهر 
يري أن الصبى أمانة والديه » وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش 
وصورة . وهو قابل لكل نقش ومائل إلى كل ما يقال . ٠‏ ويماثل رأي الغزالي السالف . 
كما يقول المساي . وا رسن لوي مب لل سلبدان تكلس حدبها اط رده 
لولده , قال : «إن آول ما أمرك به أن تأخذ بكتاب الله ٠‏ وتقرئه في كل يوم عشراً » يحفظه 

حفظ رجل يريد التكسب به ء ثم روه من الشعر أحسنه ... ثم أجلسه كل يوم للناس 

ليتذكره ولا تكرهه على علم فيمله . ولا تدعه فيهجره ولا تخرجه من علم إلى علم حتى 
يحكمه فازدحام العلم في السمع مضلة للفهم» : 

وذكر الجسماني تأكيد الغزالي على ضرورة التنشئة المثلى التى أحلته مكانة مرموقة بين 
المربين المسلمين ففي رسالته «أيها الولد» من الإرشادات والنصائح ما يتمشى وأحدث 
النظريات التربوية . ويقول الجسماني : إن ما أشير إليه آنفاً يتفق وأحدث الاتجاهات في 
علم النفس في الوقت الحاضر» . صحيح جداً أن الجسماني مقارنة بالسيد قد قدم بعض 
الإشارات لإسهام العلماء العرب فيما يسميه «علم النفس التكويني» . في تقديري . لقم 
اختزل الجسماني كذلك دور التراث السيكولوجي العربي الإسلامي في سيكولوجية الطفولة 
في مساهمة الغزالي ووصية ة هشام بن عبد الملك لسليمان الكلبي . ويعتبر هذا الاختزاد 
مخلاً بالنسبة لحوانب أخرى حية من العلم العربي الإسلامي ولها علاقة أقوى بعلم نفس 
الطفل وعلم نفس النمو . 

ثالثا : يؤرخ الحوراني والعنزي (19917) أن القراءة السريعة لكتب علم النفس النمائي 
القديمة تبين كيف تغيرت صورة الإنسان عبر التاريخ » عن الطفولة ونمو الشخصية . لقد م 
وقت نظر فيه الإنسان إلى الطفل من الناحية البيولوجية على أنه راشد صغير . إلا أنه لا 


158 


يملك سوى معارف قليلة وخبرات محدودة . ويضيف الكاتبان وكان بستالونزي من الرواد 
الأوائل الذين كتبوا مذكراتهم عن حياة الأطفال . حيث كتب عام 11714 سيرة حياة طفله 
البالغ ذخ الغير كلت اسحرات وتصعقا ؛ لتكون أول ما نشر عن تراجم الأطفال . جاء بعد 
ذلك تيدمان ونشر سنة ١931/8‏ توضييفا ا لمظاهر نمو طفله فردريك في السنوات الأولى 
من حياته » تابع فيه النمو الجسمي والحركي واللغوي والعقلي لطفله خلال السنتين والنصف 
الأولى من حياته . وفى سنة 1875 نشر فروبل كتابا بعنوان «تربية الإنسان» ضمنه خواطره 
حول كيفية رعاية الطفل والاهتمام به في مرحلتي الحضانة ورياض الأطفال بصورة 
أساسية . 

بوسعنا التساؤل ماذا يقصد الحوراني والعنزي بكتب «علم النفس النمائي القديمة» التي 
بين كيفية تخير سورة انان عير التاريح 1 هل يعنيان الكتب الإغرد يقية وما هي؟ أم العربية 
الإسلامية وما هي؟ أم كتب عصر النهضة الأوربية وما هي؟ هل صحيح أن بستالونزي من 
«الرواد الأوائل» الذين كتبوا عن الأطفال؟ ألم يكن هناك رواد قبله؟ وهل يؤرخ بالعام ١0/174‏ 
بداية الاهتمام بدراسة الأطفال؟ وهل تيدمان هو الرائد الثاني لعلم نفس الطفل من خلال 
متابعة جوانب النمو امختلفة؟ وفروبل الرائد الثالث على ما يفهم من التسلسل التاريخي في 
تأريخ «علم النفس النمائي»؟ وهل لم تنشر كتب عن تربية الأطفال ما قبل تيدمان؟ إن 
الكيفية التي أرخ بها الحوراني والعنزي لعلم نفس الطفل تتجاهل أي إسهام للحضارة العربية 
الإسلامية في علم نفس الطفل » وذلك لأن بداية هذا العلم في نظرهما هي ة ره 
الغامن عشر للميلاد . وهي ذات الرؤية بالنسية لعلماء النفس في الغرب الذين كميزاضة 
تاريخ علم نفس الطفل . 

رابعا : يذكر صادق وأبو حطب ( )١1988‏ «أن لمفاهيم النمو الإنساني ماضياً طويلاً يمتد 
بأصوله إلى التصور الدينى والتأمل الفلسفى والخبرة الشخصية للإنسان . أما الدراسة 
المنظمة لهذا الموضوع والتي تعتمد في جوهرها على الأسلوب العلمي في البحث القائم على 
الملاحظة فلها تاريخ قصير لا يتجاوز المائة عام» . وقد عرض الباحثان المنظور اليوناني والمنظور 
الإسلامي للنمو ووضحا كيف أثر المنظور اليوناني في تطور مفاهيم الحضارة الغربية عن 
الطبيعة البشرية ونمو الإنسان » ثم كيف يمكن للمنظور الإسلامي أن يوجه بحوث النمو في 
العالمين العربي والإسلامي . ولقد عرض الباحثان آيات القرآن الكريم المتصلة بالنمو 
والأحاديث النبوية الشريفة التى أشارت إلى العوامل المؤثرة فى النمو . ويذكر الباحثان : 
«أننا لا نكاد نجد إلا إشارات متفرقة إلى موضوع النمو الإنساني» في تراث علماء المسلمين . 


159 


ولقد عرض الباحثان تقسيم إخوان الصفا للنمو إلى أربع طبقات . كما أشارا إلى فكرة 
الكندي وابن : سينا والغارابي والغزالي وابن طفيل عن النمو . 

قدم صادق وأبو حطب )١1988(‏ محاولة لتحديد أصول علم نفس النمو ولكن هذه 
احاولة ربما تحتاج إلى مراجعة . فقد ذكر الباحثان مثلاً أن الدراسة المنظمة للنمو لها « تاريخ 
قصير لا يتجاوز المائة عام» ولكن في حقيقة الأمر لقد قدم بعض علماء التراث العربي 
الإسلامي دراسة منظمة للنمولها «تاريخ طويل تجاوز الألف سنة» . وقول الباحثين إن 
المنظور اليوناني أثر في تطور مفايم الحضارة الغربية عن الطبيعة البشرية قول صحيح ولكنه 
غير مكتمل . ونعني بذلك أن العلم العربي الإسلامي أثر كنلك في بناهيم الخضارة 
الغربية عن الطبيعة البشرية 0 الكتابات الغربية عن كلدل تأثرت ائرا كبيرا بعرت 
ند إلا إشارات متفرقة إلى موضوع النمو الإنساني « في تراث علماء المسلمين» قول غير 
صحيح . وإشارة الباحثين إلى آراء الكندي والفارابي والغزالي وابن طفيل وحتى ابن سينا 
باعتبارها أكثر المساهمات ذكراذ فى التراث الإسلامي هي إشارة غير دقيقة .فهناك 
مساهمات أكثر نضجاً من مساهمة هؤلاء وحتى ابن سينا نفسه قد نقل عنهم . وسوف 
نتحقق من ذلك لاحقاً . 


تاريخ علم نفس الطفل عند علماء النفس فى الغرب 


يتفق مؤرخو علم النفس في الغرب على أن بداية علم نفس الطفل كانت في القرن 
التاسع عشر الميلادي وأحرز تقدمه في القرن العشرين ( بورج 567 .ء فلوجل ١‏ 0-0 6 
روكلن » )١1987*‏ . ويعتبر «داروين» وفقاً لتاريخ فلوجل (1988) » من الذين قدموا مساهمة 
كبيرة في تطور علم نفس الطفل من خلال مؤلفه «موجز تاريخ حياة الطفل» , الذي عرض 
فيه ملاحظات تفصيلية دقيقة عن سلوك الأطفال الصغار ونموهم . وبعد ما يقرب من أربع 
سنوات ظهرت دراسة أكثر طموحاً من نفس النوع بقلم «براير» الذي لاحظ و الأفعال 
المنعكسة منذ الميلاد , والتعقيدات التدريجية التي تلت ذلك نتيجة للخبرة والتعلم وخاصة 
بتأثير التقليد . إن كتاب «عقل الطفل» لبراير هو أحد الكتب الكلاسيكية في علم نفس 
الطفل . 

سنن «دستانلي هول» أول مجلة متخصصة في الموضوع وهي «المناقشات التربوية» . 


1600 


بينما أسس «سولي» في بريطانيا «الجمعية البريطانية لدراسة الأطفال» عام ١847‏ وقد أدت 
كل من امجلة والجمعية دورا مهما في تطوير التربية الجديدة . وشهد عام 1847 أيضاً ظهور 
دراسة هامة لتطور الفرد . وهيى كتاب شين «مذكرات عن تطور الطفل» . ومن الكتب 
الأخرى التي كان لها تأثير كبير كتاب سولي «دراسات في الطفولة» عام 1896 . وفي عام 
5 اتخذ «ويتمر» خطوة عملية مهمة بتأسيس أول عيادة نفسية للأطفال غير المتوافقين 
فى فيلادلفيا . ويعتقد «دستانلى هول» أن الطفل فى لعبه يمر فى سلسلة من المراحل تقابل 
المراحل الحضارية للمجتمع الإنساني . بينما بين «جروس» أن طبيعة اللعب هي الإعداد 
لأوجه النشاط المستقبلة للفرد البالغ . لقد تأثرت كل هذه الأعمال الخاصة بعلم نفس 
الطفل بوجهة النظر التطورية وتأكيد الجانب المشترك في تطور الفرد والنوع (فلوجل » 
8ىوةا). 

حسب رؤية بورج (1901) مؤرخ علم النفس الغربي الأكثر شهرة بأن ورقة «هول» عام 
8 عن «محتوى عقول الأطفال» جعلته من رواد علم نفس الطفل . وفى بوسطن قدم 
«هول» منهج الاستبيان لاكتشاف محتوى تفكير الأطفال . ولقد أنخذ الفكرة من ألمانيا 
عندما سمع عن نتائج المسح الذي طبق في مدارس برلين الأولية , والذي اشتمل على 
معرفة الأطفال للأشياء العامة والأماكن . وعندما تم تطبيق المنهج في بوسطن توصل «هول» 
لمعلومات هامة . ولقد وجد أن /8٠١‏ من الأطفال فى عمر ست سنوات كانوا يعرفون أن اللبن 
من الأبقار بينما 5/ فقط يعرفون أن الجلد من الحيوانات . قبل عام 184١‏ لم تكن هناك 
أبحاث منظمة عن حياة الأطفال . لكن قام «بوديتش» عام 1814 بدراسة عن بعض 
القياسات الجسمية لأطفال مدرسة بوسطن من عمر خمس إلى ثماني عشرة سنة . وقام 
عالم الإنسان «فرائز بوس» بمواصلة هذه الدراسة . 

ولكن يبقى «هول» هو الرائد لعلم نفس الطفل . وفي عام 1864٠‏ قام «هول» بإنشاء 
شعبة البيداجوجيا في جامعة كلارك كما عمل كذلك على تطوير منهج الاستبيان . ولقد تم 
استخدام نفس المنهج من قبل في جامعة برستول بإنجلترا منذ عام 1878 لجمع المعلومات 
عن الإضرابات ومؤخرا تم استخدامه في مجالات إحصائية أخرى . لقد استخدم «جالتون» 
كذلك منهج الاستبيان» في دراساته المبكرة عام 18/7 ولكن «هول» حول استخدامه 
لدراسة الطفولة . في الفترة ما بين العامين 1407-١895‏ قام «هول» وزملاؤه في جامعة 
كلارك بتصميم ٠١7‏ استبيان . وتتباين مواضيع هذه الاستبيانات من الغضب . والألعاب ‏ 
والبكاء » والضحك . والإحساس المبكر بالذات » ومخاوف الطفولة . وخبرات الأطفال 


161 


الأخلاقية والدينية ودعاء الأطفال (بورنج )١981/ ٠‏ . 

تعود الدراسات المنهجية الأولى حول مو الأجنة إلى القرن الثامن عشرء ولقد قرر 
«بائير» في كتابه «في تاريخ تطور الحيوان» عام 1878 أن التطور الفردي عند جميع 
الحيوانات الفقارية واحد فى خطوطه الكبرى . وكانت مؤلفات «سبنسر» » وهداروين» » 
«وهيكيل» عن علم نفس الطفل قد صدرت فيما بين عامي 66 ١87/19‏ للميلاد . ولقد 
نشر «تيدمان» عام 141/١‏ ملاحظات منظمة عن ولده . وفي عام 148175 نشرت «امجلة 
الفلسفية» مقال تين «عن اكتساب اللغة عند الأولاد وفى الجنس البشري» . ولقد ظهرت 
في الولايات المنحدة في مجلة «العلم» الملاحظات التي دونها «بالدوين» في عام 1856 . 
وفي فرنسا ظهرت في «امجلة الفلسفية» أولى ملاحظات «بينيه» عن ابنتيه . ثم نشرء في 
سنة 18946 «بالدوين» كتابه « النمو العقلى عند الطفل والعرق» . 

ونشر بينيه سنة 190 «دراسة تجريبية للذكاء» وبينيه هو الذي قام بأول محاولة 

لإعداد مقياس للذكاء عندما كلف من قبل وزارة المعارف الفرنسية بإعداد أداة لتحديد 
التلاميذ بطيئي التعلم . وسجل «بياجيه» ملاحظاته عن أولاده الشلاثة خلال عاميهم 
الأولين » والتي أتاحت له فرصة دراسة «ولادة الذكاء عند الطفل» عام ١1475‏ وهبناء الواقع 
عند الطفل» ١1451‏ . لقد درس «بياجيه» كذلك الحكم والبرهان عند الطفل (4؟9١)‏ ؛ 
والسببية والفيزيائية (/1971) ؛ والحكم الأخلاقي (1977) ء ومفاهيم : العدد (1١194١)غ,‏ 
والكمية .)١194١(‏ والوقت (1555١)ء‏ والحركة والسرعة (1555١)ء‏ والفضاء .)١948(‏ 
والصدفة )١1901١(‏ (روكلن ٠‏ 1987 ءص ص . 9١11-/17؟١).‏ 

ومن ناحية تاريخية » لقد تأسس جزء مهم من علم نفس الطفل في الغرب في رحاب 
الدراسات الطبية » خاصة ذلك المرتبط بالاضطرابات النفسية والعلاج النفسي . مثلا » يرح 
تاتون (1984) أنه في القرن التاسع عشر ظهر «كتاب أمراض الأطفال المولدين حديثا 
والرضع» (1818) «لبيارد» ثم «كتاب أمراض الطفولة» (1847) «لبارتز وريليت» الذي 
يشمل الاستطباب في أواخر السنة الأولى حتى البلوغ . ودرست في هذه الكتب بعض 
الأمراض التي لها علاقة بعلم النفس . مثلا » كانت الأورام الدماغية موضوع العديد من 
الدراسات في حين بين «أسبين وبيكو» أن الصرع يختفي طويلاً بشكل وجع بسيط . 
ودرست طبيعة وموضع ووصضف مجمل التهاب السحايا السلية ووصف سان فيليب الهستيريا 
الطفولية وفتح المجال إلى تحديدها وتعريفها الواضح . ويشير ذلك إلى دراسة أو تأسس جزء 
من علم نفس الطفل في رحاب الدراسات الطبية في الغرب . 


162 


عموماً تؤكد الكتابات الغربية السابقة عن تاريخ علم نفس الطفل أن بداية هذا الفرع 
من المعرفة بصورة منظمة كان من حيث المكان في الغرب ومن حيث الزمان في القرن التاسع 
عشر . ولقد تأسس جزء من علم نفس الطفل في رحاب الدراسات الطبية . ويمكننا في هذا 
الجزء من الدراسة وبعد العرض السابق لتاريخ علم نفس الطفل يمكننا أن نقدم بعض 
الملاحظات العامة لمؤرخي علم النفس في الغرب . فحسب تأريخ فلوجل . يعتبر داروين أول 
المساهمين في علم نفس الطفل في كتابه «موجز تاريخ حياة الطفل» . وحسب تأريخ بونج ء 
أن هول هو رائد علم نفس الطفل من خلال بحثه «محتوى عقول الأطفال» “وؤفقا لروكلن + 
أن بائير أول من تناول موضوع مو الأجنة وكتب عن التطور الفردي في كتاب «تاريخ تطور 
الإنسان» . وحسب تأريخ تاتون , أن بيارد أول من كتب عن «أمراض الأطفال المولدين حديئاً 
والرضع» . كما وردت عبارة «طب الأطفال» لأول مرة عام ١876‏ علي يد الطبيب الفرنسي 
كارون: 

عموماً تتفق هذه الكتابات التاريخية على عدم وجود أي «بداية» لعلم نفس الطفل قبل 
القرن التاسع عشر . ولم تتم الإشارة لأي إسهامات سابقة في هذا الفرع للعلم من الحضارات 
الأخرى في تقديرناء إن الكيفية التي أرخ بها بورئج وفلوجل وروكلن وتاتون لعلم نفس 
الطفل هي كيفية تحتاج لمراجعة من خلال قراءة التراث السيكولوجي العربي الإسلامي . 
هناك تحار لارت كما يذكر مصري لبعض المستشرقين للتقليل من أهمية مساهمة العرب فى 
العلوم أمثال «اكسبايسن» الذي كتب في تاريخ طب الأطفال » يقول : «إن 0 
يتحفونا بشيء يذكر في هذا الميدان بغض النظر عن بعض الوصف الرائع لبعض الأمراض 
مثل الخحصبة والجدري» (مصري ٠‏ 1995) . 

وفي تقديرنا ثانية بأن الطريقة التي تعرض بها بعض علماء النفس العرب مثل 
الجسماني والسيد وصادق وأبو حطب لتاريخ علم نفس الطفل وعلم نفس النمو هي طريقة 
تحتاج لمراجعة كذلك لأنها أغفلت الجزء الحيوي من علم نفس الطفل في التراث العربي 
الإسلامي . يبدو أنه من المناسب في هذا الجزء من الدراسة أن نقدم أطروحة جديدة 
مضمونها أن أول تأسيس لعلم نفس الطفل وعلم نفس النمو بصورة منظمة كان في التراث 
العربي الإسلامي منذ القرن الثالث الههجري (التاسع الميلادي) . وأن رواد هذه المساهمة . 
خاصة . هم ابن الجزار والبلدي فضلاً عن الرازي وابن سينا والقرطبي . وهناك أهمية من 
التحقق من هذه الأطروحة في ضوء قراءتنا للتراث السيكولوجي . 


163 


مصادر علم نفس الطفل في التراث 


يقول الأوربيون والأمريكيون (انظر رزق الله » 1487 ) أن طب الأطفال لم يبرز بوصفه 
فنا مستقلا عن غيره من العلوم الطبية إلا في القرن التاسع عشر الميلادي . وقد جاء في 
مقدمة للأستاذ «مرسال ليلون» في كتابه عن رعاية الأطفال أن هذه العبارة وردت لأول مرة 
على لسان الطبيب الفرنسي «كارون» سنة ١870‏ وهي تعني «علم تربية الأطفال تربية 
صحيحة» . وجاء في مقدمة «نلسون» في كتابه عن طب الأطفال «من الناحية التاريخية 
أصبح طب الأطفال اختصاصاً امن الاختصاصات الطبية منذ قرابة القرن وذلك لأن مشاكل 
الأطفال أصبحت تختلف شيئاً فشيئاً عن مشاكل الكهول . وأن أهمية هذه المشاكل تختلف 
حسب عمر الطفل وردود فعله إزاءها» . وسوف نقدم محاولة من خلال المصادر الطبية 
العربية الإسلامية تنفي وجهة النظر الأوربية والأمريكية بخصوص طب الأطفال . 

عموما لقد شهد القرن الرابع الهجري تحولاً جذرياً في تأليف الكتب الشاملة الخاصة 
بصحة الطفل ٠‏ ففي هذا القرن كان العرب في قمة عطائهم المبدع في جميع المجاللات العلمية 
بعد أن اجتازوا مرحلة الأخذ والتمثل من الحضارات التى سبقتهم والتي عاصرتهم 
(شحادة » *198) . وفى كتاب الحاوي تحدث الرازي عن العناية بالوليد » ومساعدة الطفل 
على النوم » واختلاجات الأطفال » التبول العطاس والبكاء . وكان مؤلف الرازي «رسالة في 
أمراض الأطفال والعناية بهم» أول مؤلف عن طب الأطفال . ويعتبر قاسم (05و) أن 
الرازي أول من فصل بين ظب الأطفال والأمراض التساقية وجعله يأخذ شكلاً مستقلا 
بذاته في حدود سنة م . وترجمت هذه الرسالة إلى العبرية » ثم ترجمت للاتينية قبل 
ظهور الطباعة في مدرسة جيرارد كرعونا . 

وكان أول كتاب طبع عن طب الأطفال في الغرب هو كتاب (بيكالاردوس سنة 
"8 ١م)‏ » والذي اعتمد اعتماداً كلياً على رسالة الرازي هذه . كما أنه من الحقائق المؤكدة 
بأن جميع كتاب الأطفال من القرن العاشر حتى السابع عشر ساروا بكتاباتهم على غرار 
النسخة اللاتينية من رسالة الرازي . وطبعت هذه الرسالة باللاتينية سنة 48١‏ ١م‏ لأول مرة ء 
بعد ذلك طبعت مرات عديدة . وفى العصر الحديث ترجمت منها فقرات للألمانية 
والإنجليزية والإيطالية . واحتوت الرسالة على بعض الأبواب الخاصة بسيكولوجية الطفل 
مثل الباب السادس «في السهر عند الأطفال» . والباب السابع «في الصرع عند الأطفال» ؛ 
والباب الثامن « في المرض المسمى أم الصبيان» . 


1064 


بالإضافة لمساهمة الرازي هناك مجموعة ة أخرى من كتب الأطفال المهمة والتى قدمت 
مساهمة كرفي عل نفس العلال مله ' بمثلاء كتاب «سياسة ؛ فدات وير لابن 
قاسم (1980) . وكتاب «١‏ تدبير الحبالى والأطفال والصبيان وحفظ صحتهم ومداواة 
الأمراض العارضة لهم» لأحمد بن محمد البلدي الذي حققه ونشره قاسم . كما خصص 
ابن سينا الجزء الأول من «القانون» قسماً لتربية الأطفال وأمراضهم «التعليم الأول في 
التربية» . كما ألف أبو الحسن البغدادي أربعة فصول عن تدبير المولود في كتاب «انختارات 
في الطب» »ولابن القف كتاب «جامع الغرض في حفظ الصحة ودفع المرض» . فضلا" عن 
ذلك ألف ابن قيم الجوزية كتاب «تحفة المودود بأحكام المولود» . 

وكتب ابن داؤود الأنطاكى «تذكرة أولى الألباب والجامع للعجب العجاب» . كما 
كتب على بن عباس المجوسي «الكتاب الملكي» المعروف بكامل الصناعة الطبية . وألف 
أحمد بن محمد الطبري «المعالجات البقراطية» الذي تحدث فيه عن الصرع وأسبابه والكزاز 
المقالة الرابعة من كتاب «فردوس الحكمة» لتربية الأطفال وحفظ الصحة وتربية الصبي إذا 
ترعرع . كما ليوحنا بن ماسويه «مقالة في الجنين» وهي أول مؤلف مستقل في علم الأجنة 
باللغة العربية . ولثابت بن قرة مقالة في صفة كون الجنين » ولحنين بن إسحاق عدة مؤلفات 
عن الأطفال منها : «كتاب المولودين» » و«المولود لسبعة أشهر» . و«مقالة فى كون الجنين» . 


ابن الجزار القيرواني وعلم نفس الطفل 


سوف نحاول في هذا الجزء من الدراسة تناول مساهمة ابن الجزار القيروانيى بشيء من 
التفصيل باعتبارها من أنضج المساهمات التي يمكن من خلالها قراءة ملامح علم نفس 
الطفل في التراث العربي الإسلامي . ولد ابن الجزار بالقيروان في أواخر القرن الشالث 
الهجري (التاسع الميلادي) . وتوفي عن عمر يناهز الثمانين سنة . ويعرف ابن الجزار عند 
الأوربيين باسم «الجايزر» . وهو من عائلة وثيقة الصلة بالطب كان أبوه طبيباً وكان عمه 
كذلك . نال ابن الجزار عن أستاذه إسحاق الإسرائيلي علماً كثيراً ثم فتح داره لمداواة 
المرضي . وجعل في سقيفتها صيدلية .و تفق المترجمون لابن الجزار على أنه كان حاذقاً من 


165 


أهل الحفظ والتطلع والدراسة للطب ولسائر العلوم » حسن الفهم لها مع ذكاء ومهارة . ولقد 
كرس ابن الحزار كل حياته للجد والاجتهاد والعمل . وخاصة أنه كان يطبب ويداوي الناس » 
عامة الناس » إذ لم يكن من محبي ارتياد البلاطات , والوقوف على الأعتاب , والاستوزار . 
لذا غلب على كتاباته روح الطبيب العملي الممارس . ويتبدى هذا في وصفاته وطرق معالجة 
الأمراض . وكان من عادة ابن الجزار أن يكرر قوله بعد بعض هذه الوصفات : «ولقد جربناه 
فحمدناه» (قطاية » )١987‏ . 

ويذكر ابن أبي اصيبعة سبعة وعشرين مؤلفاً لابن الجزار . ومن كتبه الموجودة : المعتمد 
في الأدوية المفردة » منه مخطوطة بأياصوفيا ونسخخة بالجزائر . وترجم إلى اللاتينية والعبرية 
ومنه مخطوطة بميونخ . كتاب الخواص ومنه نسخة باللاتينية » ورسالة في إبدال الأدوية منه 
مخطوطة بدار الكتب المصرية ونسخة ببرلين وثالثة بالأسكوريال .من أهم كتبه : كتاب زاد 
المسافر وقوت الحاضر وله نسخ بالرباط وطهران وتركيا ‏ وترجم الكتاب إلى اليونانية 
واللاتينية والعبرية . وكتاب طب الفقراء منه نسخة بباريس . وكتاب طب المشايخ وحفظ 
صحتهم منه نسخة بدار الكتب المصرية . وكتاب في الكلى والمثانة منه نسخة بأكسفورد 
ولقد ذكر الترجمة اللاتينية والعبرية بركلمان . كتاب فى المعدة وأمراضها ومداواتها منه 
نسخة بالاسكوريال ونسخة بالظاهرية ونسخة ببغداد ٠‏ 

ومن مؤلفات ابن الحزار النفسية التى ذكرها ابن أبى أصيبعة رسالة فلسفية تتناول 
موضوع النفس واختلاف الأوائل فيها ؛ ذكرت في طبقات الأمم ومعجم الأدباء ورسالة في 
علم النفس ذكرت في هدية العارفين . ورسالة في النوم واليقظة . ذكرت في الوافي 
بالوفيات وعيون الأنباء وكشف الظنون وسلم الوصول وهدية العارفين . وكتاب في الملنخوليا 
منه نسخة مع كتاب في الكلى والمثاني بأكسفورد . وكتاب الفرق بين العلل التي تشتبه 
أسبابها وتختلف أعراضها ء ذكر في عيون الأنباء وكشف الظنئون وسلم الوصول وهدية 
العارفين . وكتاب مداواة النسيان وطرق تقوية الذاكرة . أما أهم كتبه على الإطلاق والتي 
لها علاقة بعلم نفس الطفل فهو كتاب «سياسة الصبيان وتدبيرهم» ومنه نسخة بالبندقية 
ونسخة بالأسكوريال . 

يعتبر كتاب ابن الجزار «سياسة الصبيان وتدبيرهم» الذي حققه الهيلة )١1954(‏ من 

أهم الكتابات عن الطفل في التراث العربي الإسلامي . ويقع الكتاب في 75 ورقة بخط 
نسخي جميل وبكل صفحة ١7‏ سطرا . وبا ءخطوط نقص يشمل نهاية الباب العشرين 
وكامل الباب الواحد والعشرين وبداية الباب الثاني والعشرين . ويذكر ابن الجزار في صدر 


166 


كتابه مَرشينا أهداف مشروعه الطبى وأهميته والذي من خلاله يمكننا دراسة سيكولوجيا 
الطفل : ١‏ إن معرفة سياسة الصبيان وتدبيرهم باب عظيم الخطرء جليل القدر» . ويشير ابن 
الجزار إلى عدم وجود مساهمات سابقة مجموعة عن الأطفال , ولذا حاول هو القيام بعملية 
جمع الأشتات في مؤلف واحد إذ يقول : « ولم أر لأحد من الأوائل المتقدمين المرضيين في 
ذلك كتاباً كاملاً شافياً » بل رأيت ما يحتاج من علمه ومعرفته من ذلك متفرقاً في كتب 

شتى وأماكن مختلفة ما جعل بعض الناس قد عرف بعضه وجهل بعضه . ولعل بعضهم قد 
0 يعرفه من أسهل طرقه » وأقصد سبله . وأقرب مآخذه . فلما كان الأمر 
في ذلك على ما وصفنا , رأيت أن أجمع المتفرق من ذلك في الكتب الكثيرة » وألفت بعضه 
إلى بعض في هذا الكتاب كالذي يؤلف من الجوهر إكليلاً بهياً . وينظم منه عقدا حسناً . 
وأضمنه جميع ما علمت» . 

عالج ابن الجزار مرض الصرع نصورة مفصلة موضحا تعريقه وأسبابه وأعراضه وكيفية 
علاجة وسوف نعالج ذلك في الجزء الخاص بسيكولوجيا الصرع . كما عالج كذلك داء 
السهر العارض للصبيان إذ يقول إنه معلوم مفهوم أن الأمر الطبيعي في الصبيان هو كثرة 
النوم » وقد ذكر أبقراط أنه يعرض للصبيان في الدرجة الأولى من أسناتهم سهر دائم » بعد 
ذلك مرض . وإنما يعرض لهم من أجل رطوبة اللبن . وقد يعرض للصبيان التفزع في النومٍ 
وخاصة إذا كانت المعدة منه ضعيفة أو حساسة بالطبع د ثم فسد الطعام في معذته وعموها 
عالج الموضوع من زاوية سيكولوجية وبيولوجية . 

كان ابن الجزار في محاولة جمعه لطب الأطفال أميئاً فني قراءته وهضمه للتراث السابق 
خاصة مساهمة جالين ء إذ يقول : إن «جالينوس قاله في ذلك وأضيف إلى ما أجمع من 
الك قير + وجفلة أبرانه اثتان وعشروة يابا . وإنما جعلته كذلك ليسهل درسه على 
قارئه ويعرف حفظه على راويه . وأكملت فيه أحد حدود صناعة الطب الذي هو حفظ 
الصحة على الأبدان الصحيحة ودفع المرض عن الأبدان السقيمة , وذلك أنا ذكرنا ما نحفظ 
به الصبيان على صحتهم الطبيعية وحسن العناية بهم وجودة التدبير لجسم المرضعة . ليصلح 
اللبن ويجود هضمه في أبدانهم . »ثم فقرت ذلك بذكر الأعراض التي تعرض للصبيان من 
وقت ولادتهم إلى أن يحتلموا وطريق المداواة لهم على سبل الجلبة للبرء» . وينهي ابن الجزار 
كتاب سياسة الصبيان وتدبيرهم بقوله المختصر المفيد : « ولولا حب الاختصارء وترك 
الإكثار» لأتينا الطريق إلى النهاية » ولكنه فيما ذكرناه كفاية لمن فهم عنا المعنى والمراد في 
كلامنا . وقد أتممنا كتابنا . وبلغنا فيه مرادنا , والله المستعان المعين , لا رب غيره» . 


167 


يحتوي كتاب سياسة الصبيان لابن الجزار على اثنين وعشرين باباً . لقد تحدث ابن 
الجزار في الأبواب الستة الأولى عن حفظ صحة الطفل وتدبيره عند الولادة مع شروط 
المرضعة وأنواع اللبن وطرق تحسينه , ثم انتقل إلى الأمراض التي تعرض للصبيان » فتناول 
فيها موضوع مداواتها على ترتيب أعضاء الجسم من الرأس إلى أسفل » من الباب السابع إلى 
الواحد والعشرين وذلك حسب طريقة الكنانيش المشهورة في التراث العربي الإسلامي . 
وتحدث ابن الجزار عن سيكولوجيا طباع الصبيان وتربيتهم في | الباب الثاني والعشرين . 
وعموما اعتمد ابن الجزار أسلوب التبويب العلمي والمنهجي مبتدثاً بخروج الطفل وقطع سرته 
وذلك أول شيء يحدث بعد الميلاد . يقول ابن الجزار: « إنه ينبغى أن نبتدئ تدبيره عند 
عروع بلقت نيه ايم اماج وال ليسا تعد لا جرد بلك جاده فليا رن دي 
تناول غذاء الطفل وكيفية غسيله ولباسه . 

واعتمد ابن الجزار في كتاب سياسة الصبيان وتدبيرهم على عدة مصادر منها فصول 
«أبقراط» . كتاب السياسة ل«جالينوس» » مقالة #بولوس» فى تدبير الأصحاء «لجالينوس» » 
كتاب الأدوية المبسوطة «لجالينوس» » كتاب الصنعة الطبية لجالينوس . ولقد نقل ابن الجزار 
أربع مرات عن يحيى بن ماسويه ولعل ذلك من كتاب الكمال والتمام . ونقل عن إسحاق 
أربع مرات والمظنون أنه يقصد إسحاق بن ماسويه , ونقل عن «ساموس» وهو من الأطباء 
القدماء » ونقل كذلك عن الفيلسوف «ابوواس» . ويقول الهيلة )١1558(‏ يبدو أن هذا 
لكاب رار بلوبانى طب الأطلاال اد ابي ا رار يك رالى طاتي ا اي 
للسابقين كتاباً تخصص للحديث عن سياسة الصبيان . وأكثر محتوياته تناولها ابن سينا 
في كتاب القانون الذي عرض هذه الموضوعات في نظام وأسلوب مشابهين لنظام سارب 
ابن الجزار . ولا يستبعد أن يكون ابن سينا قد اطلع على الكتاب ونقل عنه هناك بعض 
الجمل التي هي نقل حرفي لما في كتاب الصبيان . 

وتبرز أهمية كتاب ابن الجزار (رزق الله » 1187 ) في صبغته العلمية أكثر منها 
التربوية » فقد وصف المؤلف العناية بالطفل حديث الولادة » كما وصف عدداً لا بأس به من 
الأمراض التي يتعرض لها الصبيان وقد فعل ذلك بعمق الفاحص ودقة الملاحظة وهو لا 
يتلق كقير | هنا يوعد اليوم في ميدان الطب السريري . وقد عرف تعريفاً دقيقاً بعض 
الأمراض ووصفها ينا دقيقاً كذلك » من حيث أعراضها وعلاماتها , متوخياً في ذلك 
المنهج العلمي المتبع حديثاً في تشخيص الأمراض بالسؤال عن حالة المريض الحاضرة 
والسابقة » ثم الفحص باستعمال النظر واللمس والسمع وكذلك فحص البراز والقيء وغير 


168 


ذلك من الفحوص التكميلية للفحص الإكلينيكي . 
البلدي وعلم نفس الطغفل الإكلينيكي 


إن المساهمة الثانية والأكثر تفصيلاً فى طب الأطفال والذي يحتوي على بعض جوانب 
علم نفس الطفل , خاصة الإكلينيكي منه في التراث العربي الإسلامي هي مساهمة البلدي 
في كتابه «تدبير الحبالى والصبيان وحفظ صحتهم ومداواة الأمراض العارضة لهم » الذي 
حققه قاسم (19817) . يقول ابن أبي أصيبعة في عيون الأنباء في طبقات الأطباء إن أحمد 
بن محمد البلدي هو الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد بن يحيى من مدينة بلد ؛ وكان 
خبيراً بصناعة الطب حسن العلاج والمداواة » وكان من أجل تلامذة أحمد بن أبي الأشعث 
لازمه مدة سنتين واستقل عليه وتميز . 

وفيما يخص علم نفس الطفل », احتوت المقالة الثالئة من كتاب البلدي تدبير الحبالى 
والأطفال والصبيان على مجموعة من أحد عشر باباً من الأبوان الخاصة بالاضطرابات 
النفسية مثل : )١(‏ باب في الورم العارض لدماغ الطفل ومداواته » (؟) باب في السهر 
العارض للصبيان ومداواته » (*) باب في التفزع العارض للصبيان . (4) فى التشب 
وأنواعه الكلية وأسبابه الفاعلة . (5) باب في الصداع العارض للأطفال » (5) باب في 
علاج الصداع الحادث للصبيان ؛ (/) باب في إثبات ما ذكر ديسقوريدس في كتابه في 
الحشائش أنه ينفع من الصرع بخاصيته . (8) باب في إثبات ما وجدناه فاستخرجناه من 
كتب جماعة من القدماء مما ينفع بخاصيته من الصرع , (4) باب في التشنج الذي يكون 
من الامتلاء والرطوبة في الصبيان ومداواته , ( 0 باب في التشنج الحادث بالأطفال 
والصبيان » )١١(‏ باب فيمن يبول في الفراش وعلاج ذلك 

ذكر البلدي في أبوان كتابه عدداً من الاضطرابات النفسية مثل التشنج وأنواعه 
والاسترخاء والتمدد والكزاز( جمود العصب) . مثلاً يقول البلدي في الباب التاسع في 
التشنج وأسبابه الفاعلة : « التشنج يعرض عند الامتلاء وكثرة الخلط وعن اليبس وعن 
الاستفزاع وهو ما يعرض عن أمراض الدماغ والأعصاب والعضل» . ويفصل البلدي عن 
أنواع التشة ج : « فما كان منه عن مرض الدماغ نفسه وامتلائه كان عنه السكتة وما كان منم 
عن مرض مبادئ العصب المنابتة من الدماغ وامتلائها كان عنه الصرع » . ويحدد أصلاً 
فسيولوجياً للتشنج : ( وما كان منه عن امتلاء بععض ض الأعصاب لا كلها حدث عنه تشنج 


169 


واسترخاء في ذلك العضو الذي تحركه تلك العصبة دون غيره من الأعضاء كالشفة أو العين 
إن كان من العصب الحرك وحده وإن كان من عصب الحس والحركة معأ حدث عنه التشنج 
والاسترخاء مع بطلان الحس وضعفه بحسب قوة الامتلاء أو كثرته وضعفه في ذلك 
العضو» . 

تناول البلدي في الباب العاشر ناد الكزاز في ذكر ما قاله «جالينوس» » ونقل ما 
0 تشنج من جهتين متقابلتين يبقى بينهما العضو 
منتصبا) , «إني أريد أن أذكر في هذا لكان شيا ما قاله جالينوس في الكزاز وما حكاه 
«فولس» عن «باليس» وإنما أفعل ذلك من أجل الكزاز» قد ذكر من أمراض الصبيان لتعلم 
حقيقته وكذلك التمدد والتشنج ما كل واحد منها فيما يشترك ويختلف فأقول إني قد 
ذكرت من ذلك في الباب المتقدم ما فيه بلاغ وتقنيع لأهل الفضل والدراية فأقول إن 
«جالينوس» يحد الكزاز في كتابه في الحدود ما هذا لفظه» . 

وفصل البلدي مفهوم الكزاز وفقاً لما ذكره جالينوس : « الكزاز جمود عصب البدن كله 
وعضلاته» . وحدد مكان الاضطراب : «وقد يمكن أن يحد بحد آخر فيقال إن ذلك امتداد 
العنق حتى لا يقدر صاحبها أن يميل عنقه إلى أسفل ولا إلى فوق» . وقول فولس : «الكزاز 
ما يكون من جماد عضلات الجسد سيما التي في الفقار من كيموس (الدم المستحيل عن 
الغذاء) بارد مجتمع من داخل أو من خارج» . ويقول البلدي في الباب الحادي عشر الخاص 
بالسكتة العارضة للصبيان ومداواتها : «ذكر «فولس» فيما ألفه في تدبير الصبيان وتربيتهم 
أن السكتة تعرض لهم والسكتة كما قد علمتم تحدث عن خلط غليظ بارد بلغمي يملأ بطون 
الدماغ نفسه فيمتنع الروح النفساني من النفوذ والعبور في الأعصاب والنخاع إلى جميع 
البدن فيبطل حس الجسم وحركته وجميع أفعاله» . والسيب في حدوث السكتة في 
الأطفال كما عند فولس هي «رطوبة أمزجتهم وأيفياً رطوبة أدمغتهم ورطوبة أغذيتهم» . 

ومن الموضوعات الأخرى التى غطاها البلدي في الباب السابع عشر من كتابه وبصورة 
مفصلة موضوع التشنج : 9إن أبقراط ذكر هذا الصنف من التشنج الحادث عن امتلاء وأنه 
يعرض للأطفال عند قربهم من نبات الأسنان وهذا النوع من التشنج متى عرض للأطفال 
بعد الحمى رديء مهلك كما قال «روفس» في كتابه في تربية الأطفال فهذا قوله بلفظه» . 
ووفقاً لما ذكره البلدي عن أبقراط أن : «الكزاز مكروه إذا عرض بعد الحمى ولمن كان من 
الصبيان السمان يشتد عليه نبات الأسنان ويهلك عاجلاً إن عرض له كزاز بعد الحمى هذا 
النوع من التشنج هو الذي يعرض للأطفال كثيراً لرطوبة أمزجتهم وأعضائهم ولينها وضعفها 


10 


وضعف أدمغتهم ورطوبة أغذيتهم وكثرة رضاعهم وأغذيتهم . إن هضمهم لا يفى بهضم ما 
ينالونه منها فما كان منه عن حمى ولا في كونه في نوائب الحمى فهو سليم والخوف قليل 
وما كان منه يعقب الحمى أو معها فقد سمعتم ما قال روفس فيه» . 

عموماً كان أسلوي البلدي عند التحدث عن أمراض الأطفال ومعالجتها أن يبدأ 
بتعريف المرضص ثم يذكر أعراضه وينتهي إلى ذكر العلاج . وفي كل ذلك يذكر أغلب ما جاء 
في كتب الأقدمين هسنا بطريقتي التجربة والقياس فكل حقيقة عن الأمراض 
والعلااجات وغيرها من المواد الغذائية والدوائية لا يقتنع بهاولا تثبت لديه بالمشاهدة 
الصحيحة والتجربة منفعتها وصحتها يرفضها مبيناً رأيه وسبب رفضه بروح علمية وانتقاد 
نزيه » وكل ما اقتنع به نقله وسجله في كتابه مشيراً إلى صاحبه خلافاً لغيره من الأطباء 
العرب . وارتبط علاج الاضطرابات النفسية عند البلدي بمستوى عال من كعد المهنية . 
إن المبدأ الخلقي للبلدي في إلزام نفسه بسلوك مهني جليل تجاه مرضاه فهو يعلن تمسكه 
بكتمان أسرارهم لا يكشف منها شيئاً في حياتهم وحتى بعد ماتهم . يقول البلدي عند 
التحدث عن المصابين بالصرع «فمنهم من برأ منه براء كاملا ومنهم من كان لا يعرض له 
ذلك إلا في زمان طويل وعلى غير نظام في حفظ الأدوار من لو ذكرتهم لعرفوا لكن أكتفي 
عن ذكر أسمائهم رحمهم الله» (أنظر قاسم » 1987) . 

وتتجلى قيمة كتاب البلدي «تدبير الحبالى والأطفال والصبيان» حسب تحليل قاسم في 
الأسلوب العلمى الذي اتبعه . ويمكن تلخيص هذا الأسلوب فى الأسس التالية . الأساس 
الأول : التحصيل النظري . اللجوء إلى التحصيل النظري والاستفادة من علوم السابقين 
وبحوث العلماء المعاصرين في تلك العلوم , ولزوم الرجوع إلى المراجع الأصلية في النقل أمر 
ضروري لأي عالم يريد أن ينال نجاحاً علمياً في أي عمل علمي «ولم يكتنت البلدي بآراء 
الآخرين بل عمل على اعتراض بعضها وتفنيدها ولقد أثبت خلاف رأي «أبقراط» . ووجّه 
النقد «لجالينوس» . ويرتبط الأساس الثاني للأسلوب العلمي للبلدي بالمنهج التجريبي . 
رسم البلدي منيها تحرينيا لنفقسة في القرن الرابع عشر الهجري اعتمد على الاستقراء 
والقياس والمشاهدة أو التجربة والتمثيل . وكشيرا ما كان البلدي يردد عبارة : «وهذا مع 
إيجاب القياس فإن التجربة تشهد في صحته؛ . «والعيان يكذبهم, . دوما أحفظ أني 
رأيتها» , «كما قد رأينا ذلك» . 

والأساس الثالث لأسلوب البلدي العلمي : المنهج التصنيفي . شمل ذلك ثلاثة أمور 
جوهرية هي )١(‏ تعريف الألفاظ . (؟) التصنيف العلمي مثلاً قسم كتابه إلى ثلاث مقالاات 


1/1 


وكل مقالة إلى أبواب (*) عدم الإطالة وترك التكرار . الأساس الرابع لأسلوب البلدي 
العلمي : الشمولية في الموضوع . يعتبر كتاب البلدي أكمل وأشمل ما كتب من قبل 
الأطباء العرب في هذا الحقل وذلك : )١(‏ لاحتوائه على مسألة العناية بالأم والولادة بجانب 
العناية الجسمية والنفسية والتربوية (؟) لاحتوائه أمراضاً لم يذكرها غيره من الأطباء العرن 
وغير العرب الذين سبقوه وعاصروه . ويؤكد شحادة )١19817(‏ أن كتاب البلدي جاء أوسع 
شمولاً وأكثر تفصيلا من كتاب ابن الجزار » ولطالما استفاد المتأخر في التأليف والبحث 
العلمي من السابق نوفيا في ذلك . 


سيكولوجياصرع الأطفال عند العلماء العرب 


يبدو أن معاللجة سيكولوجيا صرع الأطفال تجسد المساهمة الأكثر أصالة في علم نفس 
الطفل الإكلينيكي . لد ذكرنا سابقاً بأن جزءاً مهما من علم نفس الطفل » خاصة 
الاضطرابات النفسية. قد تأسس فى رحاب الطب في الغرب وذلك في القرن التاسع 
عشر. ولكن في تقديري كان أول تأسيس له في التراث العربي الإسلامي من خلال 
المساهمات التي قدمها ابن الجزار والبلدي والرازي الطبري والقرطبي . كما رأينا كذلك 
كيفية تناول علماء التراث العربي الإسلامي لبعض الاضطرابات النفسية التي تواجه 
الأطفال تخريفاً وومقا وعلية وتضديفاً وعلاجاً . وسوف نحاول بصورة محددة في هذا الجزء 
من الدراسة أن نتناول معالجة علماء التراث النفسي لداء الصرع . 

يحدد الطبري مصدر الصرع وتسميته : (إن الطفل يحدث به الصرع من الدماغ ويسميه 
العامة ريح الصبيان» . بينما يعرف الرازي الصرع في كتاب الحاوي ويحدد ديمومته وموقعه 
في الدماغ قائلاً : : اتشنج يعرض في جميع البدن إلا أنه ليس بدائم لأن علته تنقضي 
سريعا وما ينال فيه الأعضاء التي في الرأس على جميع الجسد من المضرة يدل على أن العلة 
إغما هي في الماع . كما يحدد الرازي كذلك تصانيف وأسباب الصرع في رسالة أمراض 
الأطفال قائلاً : «الصرع يحدث في طريقتين » إما أن يولد الطفل مصاباً به بسبب رطوبة 
وعفونة باردة في المزاج الطبيعي للدماغ . أو أن يكون عرضياً لهؤلاء الأطفال» . أما ابن سينا 
فقد وصف علامات (أعراض) الصرع السهلة (الخفيفة) منها والصعبة (الحادة) بقوله : 
«وعلامة الصرع السهل أن تكون الأعراض أسلم وأن يكون صاحبه يثوب إليه العقل بسرعة 
فينحدر كما يفيق . . . وعلامة الصعب منه عسر التنفس وطول الاضطراب» . 


1/72 


عالج البلدى ي الصرع في الباب الثاني عشر من كتابه بصورة مفصلة بدءاً بتعريفه ووصفه 
فتلا بأنه : ااتشنج بعرض في مبادئ العصب النابت من الدماغ ويكون حدوثه بغتة 
ويقل مكثه وينقضي سويعا . ويقتبس البلدي رأي جالينوس بأنه : «من خلط غليظ لرج 
بارد يسد منافذ العصب النابت من الدماغ» . ويضيف البلدي : «الصرع نوعان منه ما يكون 
في الدماغ نفسه ومنه بمشاركة بعض الأعضاء كالمعدة وغيرها من أعضاء الجسم» . أما 
أعراض الصرع عند البلدي فيذكرها بتفاصيل دقيقة : «والذي يخص منه الصرع من 
العلامات التشنج والاضطراب الذي يكون معه الاختلاط واضطراب اليدين والرجلين 
وجميع الأعضاء والزبد الخارج من الفم في ذلك الوقت والزبد ورطوبة يخالطها ريح» . كما 
أشار لعملية تأثر الإحساس والتذكر بالنسبة للمصروع : « وعدم الحس والذكر والحفظ إن 
كانت تلك الشدة في الغاية فإن لم تكن في الغاية ووجدت الروح بعض السبيل إلى أن 
يجري منها في العصب شيء يسير كان من ذلك حس وحفظ خفي وذكر حركة يستغرق 
حركة يسيرة كالرعشة» . ومن ناحية ائية » يحدد البلدي بداية الصرع في المراحل الأولى 
من النمو : « وأكثر هذا العرض للصبيان وبخاصة الأطفال الصغار حين يولدون لكثرة رطوبة 
أدمغتهم وتضعف أعصابهم والنساء والدايات يسمون ذلك فرح الصبيان» . 

ولم يكتف البلدي بتعريف وتصنيف وتحديد أعراض الصرع . إفا تناول كذلك موضوع 
تذبير أو علاج الصرع بصورة محددة من خلال حليب الآم وذلك حسب وجهة نظره 
الخاصة . يقول البلدي : «أما تدبير من يصرع إذا كان رضيعاً فينبغي أن يكون لبن المرضع له 
معتدلاً فإن كان لبنها لطيفاً رقيقاً جداً فيجب أن يغلظ لأن اللبن اللطيف الرقيق لا يكاد أن 
قدو غذاء خسنا وهو يرطب الأعضاء والأعصاب ويرخيها . وإن كان غليظاً فيجب أن يلطف 
لأن اللبن الغليظ يولد التشنج بشدة الأعصاب ويحدث الصرع وغيره من أنواع التخ 
وأفضل حالات اللبن المعتدل أن يكون أميل إلى ال حار اليابس قليلا في رضاع هؤلاء» . 

ويحذر البلدي من العملية الجنسية مع المرضعة أثناء الرضاعة : 3 وينبغي أن تتجنب 
المرضعة مباضعة الرجال فإن الجماع والمباضعة يجعلان اللبن رقيقاً لطيفاً متيناً ورما حدث 
عنه الحبل متى عرض لها الحبل كان حينئذ لبنها مهلكا» . ويشجع البلدي المرضعة على 
مارسة الرياضة كما حدد وقتها المناسب : ااوينبغي أ أن تستخدم الرياضة وخاصة قبل الطعام 
ويكون عَذاؤُها من بعد الرياضة فإن ذلك يولد خلطاً محمودا ويصف البلدي نوعية الطعام 
والشراب المناسب : «ويكون شرابها بين العتيق والحديث مقدارا قليلاً ليس بالكثير وقد ينفع 
نفعا بيناً الاسكنجبين المتخذ بخل العنصل وينبغي أن تتجنب البقول وبخاصة الكرفس فإن 


1/3 


خاصية هذه البقلة الإضرار بأصحاب الصرع وتوليده» . 

كما أضاف البلدي كذلك إضافات أخرى عن علاج الصرع من خلال بعض الأشربة 
واللحوم في الباب النامس عشر من كتابه . وفي هذا الباب يقتبس البلدي ما ذكره 
ديسقوريدس فى كتابه فى الحشائش . إذ يقول : «ويحدد فى هذا الباب بعض جوانب 
العلاج الطبية المتعلقة بأنفحة الآرنب . ويذكر بأنها إذا شربت بخل نفعت من الصرع » وإن 
كبد الحمام إذا شويت وأكلت نفعت من الصرع ء وأن الزوائد الظاهرة بقرب ركب الخيل 
وحوافرها إذا دقت وسحقت وشربت بخل برأت من الصرع» . ويصف البلدي أنواعاً أخرى 

من العلاجات الطبية : «وانه إذا أخذ فرخ المخطاف في زيادة التمر أول ما يفرغ وشق بطنه 

وأخذ من الحصى الموجود فيها حصاتان أحداهما ذات لون واحد والأخرى مختلفة الألوان» . 

ويقدم البلدي في الباب السادس عشر من كتابه عرضاً للمساهمات السابقة في علاج 
الصرع في باب  :‏ في إثبات ما وجدناه واستخرجناه من كتب جماعة من القدماء ما ينفع 
بخاصية من الصرع © . وترتبط هذه العينة من العللاجات بربط أو تعليق بعض الأشياء على 
المصروع . وقال الإسكندر إن علق البسد (المرجان) في عنق المصروع نفعه وقال «ثاوفرسطس» 
إن علق البلور في رأ س أحد لم ير في منامه دود ولم يصرع» . ووجد في كتاب اختيارات 
حدين أنه إن انُْخَذْ شبر من جلد جبهة حمار ولبس فإنه ينفع من الصرع . وفيى كتاب 
هرمس »6 أنه إن اتخذ حاتم من جافر قن يده اليمنى ولبسه المصروع لم يصرع . وقال إلياس 
الأنطاكي في كتاب الأحجار أن شيئاً يوجد في الذهب الأحمر الإبريز كحب الخردل إذا 
كان في الذهب لم يطرق ولم يعمل فى هذا الحجر المبرد إن علق على إنسان منع من الصرع 
والفزع . وقال الطبري إن علق من شعر كلب أسود بهيم على المصروع برئ وقيل في 
الطبيعيات للرومي إن علق رأس الفارة في خرقة على من يصرع برئ» . 

كما عالج ابن الجزار في كتابه داء الصرع العارض للصبيان والذي يسميه «أبلميسا» 
حيث يقول : « إن داء الصرع أكثر ما يعرض للصبيان الصغار ولاسيما الذين أجسادهم 
رطبة » وقد يسمى خاصة مرض الصبيان» . ويحدد ابن الجزار سببين لصرع الصبيان : 
«أحدهما من سوء مزاج بارد رطب يغلب على الدماغ , والآخر رداءة التدبير . والبرهان الذي 
يعلم به الصرع الحادث من سوء المزاج من الصرع الحادث من رداءة التدبير ء أنه إذا كان 
ابتداؤه مبدأ أول الولادة » فالس.ب فيه سوء مزاج طبيعي غالب على الدماغ ‏ إما بارد وإما 
رطب وإما بارد ورطب » فإن لم يكن ابتداؤه مبدأ أول الولادة فحدوثه إما من سوء التدبير وإما 
لسبب آخر من خارج» . 


1/4 


حاجة المجموعة الأخرى له يقول بالنسبة للمجموعة الأولى : « فأما الذين لا يحتاجون إليه 
فالذين حدث لهم هذا الداء في سنهم الأول . وذلك أن برأهم منه يكون بانتقالهم من سن 
الأطفال إلى سن المراهقين لسبب ميلهم إلى المزاج الذي هو أسخن وأخف , فلذلك قلنا لهم 
إنهم لا يحتاجون إلى العلاج الطبي , فلذلك يجب أن تحسن النظر فى تدبيرهم وتحذر أن 
يعرض لهم عارض من خارج فيمرضهم» . بينما يذكر ابن الجزار بالنسبة للمجموعة الثانية 
« فأما الصبيان المحتاجون إلى العلاج الطبي فهم الذين يحدث لهم هذا الداء بعد ولادتهم » . 


علم نفس النمو: المراحل العمرية 


عندما يكتب علماء النفس العرب المعاصرون (انظر عدس وتوق ٠‏ 1985 ؛ علاونة » 
5 ؛ إسماعيل :1984 ؛ السيد . 19170) عن مراحل النمو وأنواعه مثل النمو الحركي 
والانفعالي والاجتماعي والعقلي يرجعون الفضل إلى علماء النفس في الغرب . مثلاًء 
يطالع طالب علم النفس اقتراح «هافجهيرست؛ لعدد من المهمات النمائية للمراحل المختلفة 
التي يمر بها الإنسان وهي مرحلة الرضاعة والطفولة المبكرة (ه سنوات) . مرحلة الطفولة 
الزسظى (35+ؤسئة ) :+ مرخخلة للراهقة (2-49اسنة )عمجل الرشد اليكر ‏ مرخلة وشط 
العمر ومرحلة أواخر العمر . وقسم «أركسون» مراحل النمو النفسي الاجتماعي إلى الطفولة 
الباكرة ( -٠‏ 5 سنوات) ء الطفولة المتوسطة (5 ١7-‏ سنة) » المراهقة (؟1١- ١8‏ سنة) . 

أما «بياجيه» فقد قسم مراحل النمو المعرفي إلى المرحلة الحسية - الحركية (الميلاد - 
سنتين ) » مرحلة ما قبل العمليات (؟- /ا سنوات ) » مرحلة العمليات الحسية (/ا-١١‏ 
سنة) . ومرحلة العمليات الشكلية ١4-١١(‏ سنة) . بينما قسم «كولبيرج» مراحل النمو 
الخلقى إلى المستوى ما قبل التقليدي )٠1١-١(‏ . المستوى التقليدي )١7-١١(‏ » المستوى ما 
بعد التقليدي (0-14*) . إن مساهمة «هافجهيرست» وهبياجيه» و«كولبيرج» و«اركسون» 
لم تكن أولى المساهمات في تاريخ علم النفس عن تقسيم مراحل النمو وتحديد أنواعه . فقد 
قدم بعض العلماء العرب محاولات ناضجة في تحديد ملامح ومعالم النمو بجوانبه الختلفة . 
والمساهمات الجديرة بالذكر هي مساهمة البلدي وابن الجزار والقرطبي وابن سينا وابن 
الخطيب وابن زهر وامجوسي . ٍ 

استخدم العلماء العرب بعض المصطلحات الخاصة بالأطفال وتبعا لذلك قد حددوا 


1/5 


المفاهيم واستخدموا بعض التصنيفات العمرية وتبعاً لذلك حددوا مراحل النمو بالنسبة 
للأطفال . مشلاً . فالصبي وجمعه صبيان وهو دون الفتى عمراً أو الذي لم يفطم بعد . 
والطفل وجمعه أطفال وهو الصغير في كل شيء . والفتى وجمعه فتيان وهو الشاب 
الحدث . وقدم البلدي في كتابه «اتدبير الحبالى والأطفال والصبيان» القول التالي : «إن 
الأطباء والفلاسفة الأولين يريدون بقولهم جنيناً ما دام الإنسان حملا في الرحم إلى حين 
ولادته . ويريدون بقولهم طفلاً منذ ابتداء أفعاله الحيوانية والنفسية وحركات مشيه . 
ويريدون بقولهم صبي الإنسان منذ كونه وإلى حين بلوغه سن الشباب وذلك عند إتمام 
لخدي وعشرين اسن من عفر 

وتبدأ مراحل النمو بالجنين عند الثعالبي النيسابوري , فالوليد فالصديغ وهو الذي لم 
يستتم سبعة أيام من حياته لأنهم كانوا يعتقدون أن صدغه لا يشتد إلا في تمام السبعة , 
فالفطيم فالجمحوش وذلك عندما يغلظ وتذهب عنه ترارة الرضاع 5 فالدارج إذا دب ومشى 
فالخماسي إذا بلغ طوله خمسة أشبار. فالمثقور إذا سقطت رواضعه , فالمثقر إذا نبتت أسنانه 
بعد السقوط ء فالمترعرع الناشئع إذا كان يجاوز العشر سنين أو جاوزها , فاليانع لمر اهق إذا كاد 
يبلغ الحلم أو بلغه . لقد حدد ابن هبل البغدادي الطفل بأنه من لم تقو أعضاؤه ‏ والصبي 
هو الذي لم يستوف سقوط الأسنان » والمترعرع هو الذي قد استوفى سقوط الأسنان ولم 
يبلغ » والمراهق والغلام هو الذي قد راهق وبلغ الحلم ‏ وإلى منتهى الوقوف وهو إلى خمس 
وثلاثين سنة وإلى الأربعين يسمى سن الشباب » ومن الأربعين إلى ستين سنة ويسمى سن 
الكهولة , وما بعد فهو سن الشيخوخة (انظر السيد » 1410/8) . 

وبالنسبة لمراحل النمو لقد قسم ابن الجزار أسنان العمر إلى أربع : 2 إن الأطباء قد أبانوا 
في كثير من موضوعاتهم أن أسنان الصبيان تجزأ على أربعة أجزاء , منها سن الولدان عند 
خروجهم من الأرحام وهي الدرجة الأولى . ثم سن الصبيان عند خروج أسنانهم من بعد 

سن الولدان . وهي الدرجة الثانية » ثم سن ابن سبع سنين . وهي الدرجة الثالئة » ثم سن 
الحتلمين في أ عشرة سنة» . لقد لخص قاسم (1487) أسنان الأطفال كما عند القرطبي 
إلى أربعة : ( )١‏ سن الصبا حتى ١8‏ سنة من العمر . (؟) سن الشباب حتى 6" سنة من 
العمر . (*) سن الكهولة حتى 7١‏ سنة من العمر (4) سن الشيخوخة حتى أن يفنى 
العمر. واستخدم ابن سينا مصطلح «الأسنان» وهي مراحل النمو التي قسمها إلى أربعة 
أسنان أساسية وفي نفس الوقت قسم الأسنان الأساسية إلى أسنان فرعية . يقول ابن سينا 
«الأسنان أربعة في الجملة سن النمو ويسمى سن الحداثة وهو إلى قريب من ثلاثين سنة . 


176 


ثم سن الوقوف وهو سن الشباب وهو إلى نحو من خمس وثلائين سنة أو أربعين سنة . وسن 
الانحطاط مع بقاء من القوة وهو سن المتكهلين وهو إلى نحو من ستين سنة » وسن 
الانحطاط مع ظهور الضعف في القوة وهو سن الشيوخ إلى آخر العمر» . 

أما بالنسبة للتقسيمات الفرعية للأسنان فقد قسم ابن سينا سن الحداثة إلى ست 
مراحل وهي سن الطفولة وسن الصبا وسن الترعرع ثم سن الغلامية والرهاق ثم سن الفتى . 
وتقسيم ابن سينا شبيه ببعض التقسيمات المعاصرة لمراحل النمو . فمثلا قسم بعض علماء 
النفس مراحل النمو إلى ثلاث وهي الطفولة والشباب والشيخوخة ومنهم من قسمها إلى 
خمس : الطفولة والصبا والشباب والشيخوخة والكهولة . ولقد قسم صادق وأبو حطب 
(1184) النمو الإنساني إلى خمس مراحل : مرحلة ما قبل الولادة ؛ مرحلة الرضيع , 
مرحلة الطفولة المبكرة ؛ مرحلة الطفولة المتأخرة . ومرحلة المراهقة . وهذا التقسيم في القرن 
العشرين لا يختلف في جوهره عن تصنيف العلماء العرب الأوائل . 

تبدأ عملية النمو وفقاً لعلم النفس الحديث من الفترة ة التي تتم فيها عملية 

الإخصاب للبويضة من جانب الحيوان المنوي . ويعبر البلدي عن هذه الحقيقة العلمية 
السيكولوجية الخاصة بالخلق والتكوين في كتابه إذ يقول : «وتكون الجنين وخلقته يكون إذا 
اجتمع مني الرجل ومني المرأة في الرحم واختلطا وامتزجا وصارا كالماء الواحد واستقرا 
واحتوى عليهما وانطبق فمه دونهما واختلطا واستحال بعضهما إلى بعض وصارا كالذات 
الواحدة والماء الفرد وأضاف كل شيء منهما إلى شبهه؛ . وفي باب الأسس البيولوجية 
للسلوك يدرس طالب علم النفس أن البويضة بعد انتهاء عملية الإخصاب تستقر في الرحم . 
وبذلك يكون قول البلدي قربا جدا من الصحة . وقول البلدي «أضاف كل شيء منهما إلى 
شبهه» قول صحيح عن انتقال الصفات الوراثية من الأبوين للأبناء . يقول عريب في خلق 
الجنين «وفى هذا الجزء من السن يتحرك فو الطفل» . وفى بيئة ما قبل الولادة يتتحدث 
البلدي عن الحالة الصحية والنفسية للأم الحامل : ٠‏ يكون من حال الحامل في بدنها 
ومزاجها وما يعرض لها من الأمراض والأعراض لأن أحوال الأجنة متصلة بأحوال الأمهاتن 
بسلامة الحبالى في أبدانهن وتمام صحتهن » . 

ففي علم نفس النمو يطالع طالب علم النفس وجود بعض المراحل الحرجة في العملية 
النمائية خاصة مرحلة المضغة والتي تتكون فيها معظم أجزاء الجسم خاصة الجهاز العصبي . 
ويذكر ابن الجزار احتياجات الطفل حديث الولادة من حيث الجانب الفيزيائي والعقلي : 
«إن الذي يحتاج إليه من المرأة عند طلب الولد هما أمران : أحدهما من البدن والآخر من 


177 


النفس , وذلك أول صلاح الولد والأساس الذي يبنى عليه تأديبه وتقريبه .فالذي من 
البدن ؛ اعتدال مزاج الطفل وميسته وأن تكون المرأة خيرة صحيحة البدن . وأما الذي من 
النفس فصحة القريحة وقوة الذهن وتهذيب الخاطر . فهو الذي يحتاج إليه من المرأة » ذلك 
أنه ليس من سقم البدن وفساد القريحة عادة» . لقد ركز اب بن الجزار تبعاً لذلك على أهمية 
كل من الجانب البدني والنفسي في عملية النمو والتفاعل بينهما . ويصف ابن الجزار البيئة 
النفسية المناسبة للطفل الوليد » قائلاً «ويتخذ للطفل عند ابتداء الأمر داية وتؤمر أن لا تزجره 
ولا تغمه بشيء» كما يضف نوغية القرائن الذي يوضع عليه اوتعنى بمشتجعة فتضجعه 
في فراش في المهد مستوياً معتدلاً . ولا يكون ليناً جداً لثلا ينقلب أو يلتوي عنقه» فنضلاً 
عن ذلك يحدد الوضع المناسب للنوم بالنسبة للطفل : «ويجعل رأسه إذا نوم » أعلى من 
جميع بدنه» . 


جوانب النمو النفسية 


وس نا علماء التراث العربي الإسلامي بعض الملامح والمعالم العامة لجوانب 6 
الأساسية منها النمو الحركي والانفعالي والاجتماعي والعقلي . بالنسبة للنمو الحر 
مثلاً» فقد حدد العلماء مراحل الحركة ل رع لد 
والمشي . يقول ابن الجزار مثلا عن جلوس الطفل : « وينبغي أن يجلس الصبي على الأرض » 
إذا اشتد بدنه نعما ؛ وصلبت أعضاؤه وقوي على حركة الجلوس» . ويصف ابن سينا كيفية 
الجلوس والزحف : «والواجب فى أول ما يقعد ويزحف على الأرض أن يجعل مقعده على 
نطع أملس لكلا تخدشه خشونة الأرض» . بينما يذكر ابن الخطيب في «عمل من طب لمن 
أحب» : «ويجعل مقعده على نطع (بساط من الأديم) وينحى من جهاته السكاكين والمنشب 
والآلات ويبعد عن المهاوي» . 

ويحدد عريب متطلبات مرحلة الحبو والمشي : «وكذلك إذا حان حباؤهم بالاستقلال 
بالمشى أعين على ذلك وعملت له دراجة من خشب على قدر قامته تجري على فلك وهى 
تسمى عند العرب (الحال) ليعتمد عليها فتنهض به وتمسك عند ذلك لغلا يسقط ويتحفظ 
به ولا يوكل إلى نفسه عند اعتماده وقيامه فربما تعلق بحائط ومشى من تلقاء نفسه وهو يفزع 
ويجد السقوط . وينبغي أن تشجعه حاضنته على ذلك» . ويضيف ابن الجزار عن النمو 
الشركي : « ويكلف المشي مرة بعد مرة ويقام أولاً بجنب حائط . ويحمل أيضاً وقتا بعد 


1/8 


وقت .ء ولا يدام عليه بصنف واحد من هذه الأشياء» . لقد ربط علماء التراث العسربي 
الإسلامي بين النمو الحركي واللعت: + يقول ابن زهرء مغلة » في الأغذية « فإذا اشتد 
وقويت أعضاؤه لم يمنع اللعب على رفق» . 

ويقول البغدادي في المختارات من الطب « ويتدرج في زيادة الرياضة» . ويقول البلدي 
«ويلعب لعبه ويرتاض في تحركه وذهابه وميعة . ويذكر ابن ن سينا في «القانون» «ثم يخلى 
بينه وبين اللعب ساعة : ثم يطعم شيئاً يسيراً ثم يطلق له اللعب الأطول» . بينما يقول 
اجوسي عن الاعتدال في «كامل الصناعة» : « وإذا جاوز الصبي هذه السن وبلغ سبع سنين 
فليرتض رياضة معتدلة لا يسرف فيها » . وفي علم النفس الحديث (انظر حماد 1198) 
أجمعت الدراسات أن تنمية المهارات الحركية وتطورها خلال مرحلة الطفولة إفا تحتاج إلى 
التخطيط الجيد والتدرج في الأنشطة المختلفة وانتقائها بدقة » ومتابعة الطفل متابعة جيدة . 
وعندما كتب إسماعيل )١1584(‏ عن الطفل واللعب اعتمد اعتماداً رئيساً على المصادر 
الغربية مثل مندل )١1956(‏ » «سوتسكي» وهيوود» و«اسيت» (191/4) », ولاسنقر» (1917/5) 
. ولم يشر لأي مساهمة للتراث العربي الإسلامي في عمليات النمو امختلفة أو في آرائهم 
في اللعب . 

يؤرخ إسماعيل بأن داروين أول عالم بحث في التعبير الانفعالي عند الأطفال . ففي 
كتابه «التعبير عن الانفعالات عند الإنسان والحيوان» ”1817/7 » ذكر أن الانفعال عند الوليد 
خاصية أولية . بعد ذلك بحوالي ربع قرن جاء «واطسون» وهمورجان» 19117 بتعديل لوجهة 
نظر «داروين» ء إذ افترضا أن هناك ثلاثة انفعالات أولية هي الخوف والغضب والحب . ويشير 
الخوف فى رأي هذين العالمين - الصوت العالى المفاجئع وفقد السند ء أما الغضب فيظهر 
عندما تقيد حركة الطفل ؛ وأما الحب فيظهر استجابة للملاطفة (إسماعيل ‏ 1989) 
وخلافاً لما ذكره إسماعيل لقد أشار علماء التراث العربي الإسلامي لموضوع البكاء بوصفه 
تعبيرا عن الجانب الانفعالي في النمو محددين ايان وكيفية تدبيره . وسوف نحدد 
بعض الاقتباسات المعبرة عن النمو الانفعالي للطفل . 

يقول ابن قيّم المجونة مقييرا سبب البكاء : «ولا ينبغي أن يشو 0 الأبوين بكاء 
الطفل وصراخه . ولاسيما لشربه اللبن إذا اناد يروض أعضاءه» . ويحدد الطبري 
أسباب البكاء « إذا بكى الطفل دائماً فهو لأحد أربعة أسباب » إما وج في بعض أعضائه 
أو لاحتباس اللبن فى معدته أو لشىء ء يؤذيه فى مضجعه أو لقلة الغذاء وجوعه» . ويقول 
المجوسى عن الاستجابة لبكاء الطفل من قبل المربية : «وقد ينبغى أن تتفقد الطفل إذا هو 


179 


بكى » ويبحث عما يؤذيه بالحدس والتخمين» . ويحذر ابن الجزار من استمرارية نوبة 
البكاء : « ولا يمكن من البكاء الكثير فإنه إذا كثر بكاؤه عرض له أبلمسيا (داء الصرع)» . 
كما يحدد ابن الجزار بعض التقنيات المناسبة التى بواسطتها يمكن تخفيف نوبة البكاء : 
«فيجب أن يسكت كما ذكرنا بدءاً وبكل شيء يعلم أنه يلهيه به ويحول بينه وبين البكاء » 
مثل أن يحمل على الأيدي حملاً رفيقاً ليناً . ويحرك كذلك ويرفع له بالوحان (ألعاب) 
وأصوات لذيذة ويحرك بالغدوات بالحمل . ويحسن له النغم بالتبيين» . ويعلق ابن الجزار عن 
فوائد تقنياته : «أن الأصوات اللذيذة تلحق النفس والطبيعة الالتذاذ بها من غير تعب » ومن 
أجل ذلك صار الأطفال إن نغم لهم نغمة حسنة يستلذونها سكنت طبائعهم وهدأت وناموا 
من قريب . ويقرب أيضاً إلى الصبي ما قد اعتاده من الأشياء التى تطربه وتفرحه» . 

ويؤكد المجوسي ما قاله ابن الجزار : «وينوم ويستعمل معه التحريك بلطف ورفق ويلحن 
له حون حسنة فإنه يستلذ النغم الحسن» . ويضيف ابن سينا لما قاله ابن الجزار : « فإنه من 
الواجب أن يلزم الطفل شيئين نافعين أيضاً لتقوية مزاجه أحدهما التحريك اللطيف والآخر 
الموسيقى والتلحين الذي جرت به العادة لتنويم الأطفال» . ويحذر البلدي «وينبغي لدايته ألا 
تضجره ولا تغمه ولا تفارقه» . ويضيف ابن سلوم في غاية الإتقان عن بعض أنواع 
الأصوات والحركات : : يجب أن يوقى الطفل الحركة العنيفة والأصوات المزعجة والجلاجل 
والطبول والطوب والتفنك (البندقية)» . يقول كلوت بك في كنوز المعرقة مبينا كيفية سلب 
حساسية الخنوف من الطفل : «وإن كان الطفل يخاف من رؤية شيء أو شخص ينبغي أن 
يعود على نظره وقربه وملامسته ليكون جسوراً لا يفزع من شيء». ور 

يقول ابن الجزار عن علاقة الطفل حديث الولادة بالآخرين تعبيرا عن النمو الاجتماعي 
«ويجمع بينه وبين من نشأ معه من الصبيان , ويحذر سماع كل شيء له صوت وكل وجبة 
(وردت كما هي في النص) رفيعة وأن يتقى عليهم الجهم (الوجه العبوس) من الوجوه التي 
تفزع الصبيان شبه البراقع (خريقة تثقب للعينين) والأشياء البشعة » فإن هذا وشبهه مما 
يدخل على الصبى النظرة الشديدة» . ويؤكد البلدي تأثير المحيط الاجتماعى وأسلوب 
معاملة الطفل على أخلاق الطفل وتطبعه بطباع من حوله في الباب السادس والأرنفين سس 
المقالة الثانية . وعن النمو اللغوي يقول مصري : لقد نصح الأطباء العرب بالنسبة إلى 
الكلام بأمرين , الأول : دلك اللسان بما يناسب . والثاني : التدرج في تلقين الطفل الكلام 
(انظر مصري 2 1995) . 

ويقول الرازي في المنصوري : « حتى إذا قرب وقت الكلام فلتكثر الحاضنة دلك لسانه 


1530 


والعبث به ولتدلك أسفل لسانه بيعسل بعسل » وتكلم بين يديه وتلقنه كلاماً خفيفأ» . ويمثل ذلك 
قول عريب وكذلك المجوسي والبلدي وابن سينا . وعن النمو العقلي يقول عريب في خلق 
الجنين «إن الجنين إذا ولد كلما تساوى به الزمان يزيد تخيله وتفكره واستعمال الذهن مندذ 
أول مرة » . ونمو العقل عند ابن سينا (انظر الحرء 0١‏ )لا يشتمل على المعاني حال 
الولادة بل يمر عبر عدة مراحل ليصل إلى المرتبة العليا من مراتب العقول البشرية . ويقسم 
ابن سينا العقل النظري في «النجاة» إلى العقل الهيولاني وهو العقل قبل أي إدراك ؛ أو 
العقل بالملكة وهو العقل الهيولاني وقد حصلت فيه معقولات أولى يتوصل بها ومنها إلى 
المعقولات الثانية ويكون ذلك بفيض من العقل الفعال . والعقل بالفعل وهو العقل بالملكة 
الذي استكمل استعداده الفطري بالفكرة والتعلم . والعقل المستفاد وهو العقل بالفعل إذا 
اتصل مجرداً بالعقل الفعال واستحضر ما أدركه من المعقولات كلها أو جلها وكانت 
المعقولات حاضرة دائماً يعقلها بالفعل ويعقل أنه يعقلها يعقلها . والعقل القدسي أو الحدس وهو 
أعلى مراتب العقول وهو من خواص الأنبياء . 


التدبير والصحة النفسية 


قام مصري )١1145(‏ بدراسة علمية رائدة عن تدبير الأطفال الجسدي والنفسي في 
التراث العلمي الطبي العربي نال من خلالها درجة الماجستير في تاريخ العلوم عند العرب 
من جامعة حلب بسوريا . لقد غطت دراسته عدة موضوعات مهمة احتوى الباب الأول 
على تدبير الأطفال قبل الولادة من خلال التهيثة للحمل وعلامات الحمل . الحمل 
وتطوراته » تدبير الحمل والعناية بالحامل . واشتمل الباب الثانى على تدبير الأطفال بعد 
الولادة ؛ من خلال تدبير الأطفال في مرحلة الوليد . تدبير الأطفال في مرحلة الرضيع » 
تدبير الأطفال فى مرحلة ما بعد التمييز ء تدبير الطفولة المتأخرة . وغطى الفصل الثالث 
تدبير الصحة البدنية في الطفولة المتأخرة » التأديب في الطفولة المتأخرة » التعليم في الطفولة 
المتأخرة . بينما عالج الباب الرابع تدبير مرحلة الشباب » من خلال تدبير الصحة البدنية . 
التأديب في مرحلة الشباب » تعليم الطفل في مرحلة الشباب . 

كما قام مصري كذلك بمسح شامل لبعض المصطلحات المستخدمة في مجال التدبير 
مثل حفظ الصحة والتعهد والوقاية . لقد استعمل العرب كلمة الوقاية في مجال حفظ 
الصحة . وأعاروا موضوع حفظ صحة الطفل اهتماماً كبيراً يوازي اهتمامهم بعلاج أمراض 


1531 


الأطفال وأعطوه حقه من البحث والتدبير . مثلاء يقول الطبري في «فردوس الحكمة» 
«وتتوقى عليه من البرد» . ويقول ابن الجزار في «سياسة الصبيان» : «وأن يتقى عليهم الجهم 
في الوجوه التي تفزع الصبيات» . وجاء في كتاب «المنصوري» للرازي الكلام على الوقاية من 
الأمراض : ويقول الزهاوي في «التصريف» : «ويحذر عليه من كل صوت جهير ويتقى عليه 
أن يفزع منه» . بينما يذكر ابن سلوم في «غاية الإتقان :» « ويجب أن يوقى الطفل الحركة 
العنيفة» . ويستخدم الطبري في «الفردوس» عبارة «١تذبير‏ الربيع وتذبير الصيف» . ويحدد 
ثابت بن قرة في «الذخيرة في الطب» ير فأما تذبير الأصحاء على الانفصال في الأسنان» 
أما التدبير كذلك فقد ورد ذكره عند أبي زيد البلخي الذي يقول : « فأما حفظ الصحة فقد 
بينا في الأبواب التي تقدمت جمل هيأة التدبير» » ويضيف كذلك : : « نحن نقصد في هذه 
المقالة للإخبار بوجه تدبير مصالح الأنفس وحفظ قواها على سبيل الصلاح والاعتدال» . 

تناول ابن الجزار موضوع الفروق الفرذية والسلوك المكتسب والورائي من خلال مفهومي 
العادة والطبيعة قائلاً : «فإن رأيت ينا فيه طبيعة جيدة وعادته صالحة فإنه لا تفارقه 
الخصال المحمودة الشريفة . لأنه طبع عليها من جهتين قويتين . كما أن ذلك لا تفارقه 
الخصال المذمومة الدنيئة لأنه طبع عليها من هاتين الجهتين أعنى العادة والطبيعة 4 مع أن 
بعض العلماء قال : العادة طبيعة ثانية» . ويصف ابن الحزار الفروق الفردية بين الأطفال فى 
التدبير والأدب والحياء قائلاً : « لأن الصغير أسلس قيادة وأحسن مواتاة وقبولاً . فإن قال لنا 
قائل : قد نجد من الصبيان من يقبل الأدب قبولا سهلا , ونجد منهم من لا يقبل ذلك . 
وكذلك قد عد من الصبيان اين ل ميخي وكيد متهم من خو كتير ايام 

كما عبر ابن الجزار عن جوانب أخرى للفروق الفردية في الوعي والتعلم بالثواب 
والعقاب قائلاً : دونجد منهم من يعي بما يعمله ويتعلمه بحرص واجتهاد ‏ ونجد من هو يمل 
التعليم ويبيغضه وقد نجد أيضاً في ذوي العناية منهم وذوي ي العلم من إذا مدح تعلم علماً 
كثيراً » ومنهم من يتعلم إذا عاتبته أو عاتبه المعلم ووبخه ؛ ومنهم من لا يتعلم إلا للفرق من 
الضرب وكذلك نجد اختلافاً كشيراً ومطرداً في الذين يعلون التعلم وسخفونه كي . وعن الفروق 
في بعض رايت الشخصية يقول ابن الجزار اوقد نرى من الصبيان ا للكذب ونرى 
منهم نيعا ادق ٠‏ ويرى فيهم اختللاف في الأخلاق ومضادة كثيرة بالطبع» . ويضيف 
ابن الجزار عن كيفية مراقبة الطفل بهدف تدبيره  :‏ ينبغي أن يتفقد الصبي في كلامه 
وقعوده بين الناس وحركته ونومه وقيامه ومطعمه ومشربه , ويلزم فى جميع ذلك ما ألزمه 
العقلاء أنفسهم حتى صاروا وأفعالهم طبيعة من طبائعهم» . وتؤثر هذه الفروق الفردية في 


1532 


الكيفية التي يتم بها تدبير الأطفال . 

حسب تاريخ علم النفس الغربي ٠‏ كان أول ذكر لطب الأطفال بوصفه فنأ مستقلاً يعني 
اتربية الأطفال تربية صحيحة» في القرن التاسع عشر . ولكن من خلال عرضنا السابق 
نلاحظ بأن ابن الجزار والبلدي خاصة قد اهتما بموضوع التربية الجسدية والأخلاقية والنفسية 
للطفل منذ القرن التاسع الميلادي بفارق ألف عام من أول مساهمة غربية للطبيب الفرنسي 
كارون عام 1876 م . يقول ابن الجزار عن أهمية التدبير في مرحلة باكرة من العمر : «ويحبذ 
أن يؤخذ الأطفال بالأدب منذ الصغر وأنت ترى منهم مثل هذا بالطبع من غير تعليم ولا 
تأديب ؛ فترى الأدب ينقل الطبع المذموم إلى الطبع المحمود ...»© .ومن ميزات التدبير المبكر 
وفقاً لابن الجزار : «فمن عود ابنه الأدب والأفعال الحميدة والمذاهب الجميلة في الصغر حاز 
بذلك الفضيلة ونال المحبة والكرامة وبلغ غاية السعادة . ومن ترك فعل ذلك وتخلى عن 
العناية به أداه ذلك إلى عظيم النقص والنساسة , ولعله يعرف فضيلة ذلك في وقت لا 
يمكنه تلافيه واستدراك ما فاته منه فتحصل له الندامة التى هى ثمرة الخطأ» . 

واهتم البلدي كذلك بأهمية الصحة النفسية والتربوية للطفل وقد حدد قاسم (19487) 
آراء البلدي فى هذه الناحية من خلال ثلاث مراحل تتعلق بالنمو . أولاً : مرحلة الرضاعة 
إذ اقول البلدى :::فأول مراجهنا -العفين ب إمااهى المتى من الرجل والمزاة وعدا تيماعا 
يشابهها والأدب أيضا قوي على تغيير النفس والبدن لا سيما إذا عود الصبي ذلك وعلم من 
صغره ما يجب» . ونصائحه للمرضع والمربية شملت وقاية الأطفال كل أمر يفزعهم وكل 
صوت جهير وكل منظر فظيع ‏ وكذلك تمهيدهم بالحركة اللطيفة والصوت الملحن . ثانياً : 
مرحلة ما قبل المدرسة ويسرد البلدي منهجه فى التربية النفسية والأخلاقية للطفل حتى 
سن السابعة فى الباب السادس والأربعين من المقالة الثانية يركز البلدي على ثلاث قواعد 
أساسية : )١(‏ يبين العلاقة الوثيقة بين الحالات النفسية والأمراض الجسمية . (؟) تعليله 
لأسباب البكاء ومعالجة ذلك في الأطفال تعليل علميى صائب . (؟) يؤكد على ضرورة 
الاعتدال في تلبية رغبات الطفل وعدم المغالاة في ذلك . ثالثاً : مرحلة الدراسة والتعل 
المهني . ذكر البلدي منهجه التربوي في الباب الشامن والأربعين من المقالة الثانية . مثلا 
تقول + #لقد يحب علن المتولن تدبير الصبيان أن يستعمل فى تدبين كل واحيد يحفيت نا 
يكون من تقديره فيه ا يؤول إلى حال تصرفه وما يراد له أن يسلك فى تدبيره ذلك 
المسلك» . 1 

أما بالنسبة لتقييم الجهود الخاصة التي قدمها الأطباء العرب في مجال حفظ صحة 


153 


الطفل فقد وجد مصري (1445) أن علي بن ربن الطبري غلب عليه النقل عمن سبقه من 
الأطباء » ووجد الإبداع عند ابن الجزار ووجد البراعة في التصنيف والتبويب عند البلدي . 
ولم يتميز ابن سينا عمن سبقه بجدة ف في المعلومات الخاصة بالعناية بالطفل وإنا تميز بطريقة 
العرض . ووجد الزهاوي ينقل كثيراً عن ابن الجزار وكذلك فعل ابن سينا . ووجد خروج 
ابن القف عن آراء من سبقه وجرأته في ترجيح أقوال بعضهم على بعض وهو مثال المحقق 
المدقق البصير . إن العناية بالطفل في المؤلفات التراثية الطبية وفقاً لمصري أخذت اليعد 
المادي والمعنوي فعا وقدم الأطباء سياسة رائعة للطفل على مستوى الجسد والنفس ومن هذه 
الرعاية المتوازنة اكتسب تدبير الأطفال عند العرب والمسلمين صلاحية التعامل معه والأخذ 
منه حتى زماننا هذا . 


من هم رواد علم نفس الطفل؟ 


نخلص إلى أن علماء التراث العربي الإسلامي قدموا مساهمة كبيرة في بلورة ملامح 
ومعالم علم نفس الطفل 5 ويتضح ذلك من المؤلفات العلمية المتخصصة عن الطفولة والتي 
قدمت التعاريف والتصنيفات والتفسيرات والتشخيصات والمعالحات للقضايا المطروحة : 
وتعتبر مساهمة ابن الجزار والبلدي . خاصة , من أكمل وأنضج المساهمات البحثية . لقد 
أرست كتابات علماء التراث ملامح علم نفس النمو من خلال وصف وتحديد المفاهيم 
والتصنيف الدقيق لمراحل النمو من الناحية الزمنية ومعالجة بعض جوانب النمو الختلفة 
كالنمو الحركي والانفعالي والاجتماعي والعقلي وفقا لما هو متاح في تلك الفترة : ولكن من 
المساهمات الباهرة للعلماء العرب والمسلمين مساهمتهم في تحديد الاضطرابات النفسية 
الخاصة بالأطفال ومعرفة أسبابها وكيفية علاجها . واهتم هؤلاء العلماء بصورة خاصة 
بموضوع التدبير والصحة النفسية للأطفال . 
إذا أردنا التحديد , كانت الدراسات الأولى حول نو الأجنة في الغرب في القرن الثامن 
عشر حسب تاريخ روكلن )١1987(‏ » بينما كان أول مؤلف في علم الأجنة في التراث العربي 
الإسلامي هو «مقالة قي الجنين» ليوحنا بن ماسويه . لقد 3 اعتبار كتاب شين «مذكرات 
ب موه ب ا الغربي على حسب 
تأريخ خ فلوجل )١1988(‏ » بينما عالج ابن البلدي نفس الموضوع في القرن التاسع الميلادي . 
وفي الغرب ثم اعتبار كتاب أمراض الأطفال المولودين حديئاً والرضع «لبيارد» وكتاب أمراض 


14 


الطفولة «لبارتز» من أوائل الكتابات الغربية عن طب الأطفال على حسب تأريخ تاتون 
(1584)ء بينما كان مؤْلفُ الرازي «رسالة في أمراض الأطفال والعناية بهم» أول ملف 
مكتمل عن طب الأطفال في التراث العربي الإسلامي . 

لاحظ اسبين وبيكو اختفاء الصرع طويلاً بشكل وجع بسيط في القرن التاسع عشر 
بينما قدم ابن الجزار نفس الملاحظة في القرن التاسع الميلادي بفارق ألف عام . ومن ناحية 
تاريخية » نلاحظ أن تأسيس علم نفس الطفل في الغرب كان في القرن التاسع عشر وأحرز 
تقدمه في القرن العشرين كما ذكرنا في مقدمة هذه الدراسة . ولكن تاريخ علم نفس الطفل 
في الغرب ليس هو تاريخ كل البشرية . والسؤال لماذا تحاول المركزية الغربية المتعلقة بتاريخ 
علم النفس أن تتجاهل مساهمة الحضارات الأخرى في تاريخ العلم أو إغفالها أو تنحيتها أو 
إنكارها ؟ لقد أظهرت الدراسة أن ملامح ومعالم علم نفس الطفل وعلم نفس النمو قد 
تأسست في التراث العربي الإسلامي في القرن التاسع والعاشر الميلاديين بفارق عشرة قرون 
وهي المسافة الفاصلة بين تاريخين مهمين في تاريخ علم نفس الطفل : علم نفس الطفل في 
التراث العربي الإسلامي وعلم نفس الطفل في الغرب . إذا تحرينا الدقة في قراءة التراث 
العربي الإسلامي بوسعنا القول بأمان إن رواد علم نفس الطفل لم يكونوا «براير» و(بائير» 
و«هافجهيرست» وهبياجيه» و«اركسون» ودهارلوا» و«كولبيرج» إنما هم ابن الجزار والبلدي 
وابن ماسويه والقرطبي والرازي والطبري والبغدادي . 


155 


المصادر والمراجع 


ابن الجزار القيرواني . كتاب سياسة الصبيان وتدبيرهم . تحقيق محمد الحبيب الهيلة 
)١1954(‏ . تونس : مطبعة المنار . 

ابن الخطيب » لسان الدين محمد بن عبد الله (توفي 1/7 هجرية) . عمل من طب لمن 
أحب . 

ابن زهرء عبد الملك . كتاب الأغذية . تحقيق اكسبيراثيون )١977(‏ . مدريدء المجلس 
الأعلى للأبحاث العلمية . 

ابن سينا (ولد 1/١‏ هجرية » 18٠‏ ميلادية) . القانون فى الطب . القاهرة : مطبعة 
بولاق (1974 هجرية) . 1 

ابن قرة , ثابت . الذخيرة في علم الطب . القاهرة : المطبعة الأميرية (78؟19١)‏ . 

إسماعيل . محمد عمد الدين )١1984(‏ . الطفل من الحمل إلى الرشد . ج١‏ . 
الكويت : دار القلم : 

الأنطاكي , داود بن عمر (القرن العاشر الهجري) . تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب 
العجاب . بيروت : المكتبة الثقافية . 

البغدادي , على بن هبل )١1557(‏ . امختارات فى الطب . حيدر أباد : جمعية دائرة 
الغا فك العقماقة :.. 1 

البلدي , أحمد بن محمد . كتاب تدبير الحبالى والأطفال والصبيان وحفظ صحتهم 
ومداواة الأمراض العارضة لهم . تحقيق محمود الحاج قاسم )١1980(‏ . بغداد : دار الرشيد 
للنشر . 

تاتون , رينه )١1984(‏ . تاريخ العلوم العام : العلم القديم والوسيط . ترجمة على مقلد . 
بيروت : المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر . 

الجسماني . عبد العلي )١1944(‏ . سايكلوجية الطفولة والمراهقة . بيروت : الدار 
العربية للعلوم . 

الجوزية , ابن قيم . تحفة المودود بأحكام المولود . تحقيق عبد الغفار البنداري (1985) . 
القاهرة : المكتب الثقافي . 
الحرء محمد كامل )١99١(‏ .ابن سيناء حياته - آثاره وفلسفته . بيروت : دار الكتب 
العلمية . 


156 


حماد ؛ مفتي (1948) . القربية الحركية وتطبيقاتها لرياض الأطفال والمدارس 
الابتدائية . القاهرة : مؤسسة الختار . 

الحوارني » محمد . » والعنزي ؛ فريح )١1191(‏ . علم النفس النمائي . الكويت : مطبعة 
الاختيار . 

الرازي ء محمد بن زكريا . رسالة في أمراض الأطفال والعناية بهم . ترجمة محمود 
قاسم (191/4) . بغداد : وزارة العمل والشئون الاجتماعية . 

رزق الله » عبد المجيد )١1985*(‏ . عبقرية ابن الجزار وريادته فى طب الأطفال . أبحا 
ودراسات الندوة العلمية لألفية أحمد بن الجزار . ؟١‏ - ١5‏ أبريل » 1487 » وزارة الشؤون 


روكلن . موريس )١1987(‏ . تاريخ علم النفس . نقله إلى العربية على زيعور . بيروت : 
دار الأندلس 5 

السيد ء فؤاد البهى )١1916(‏ . الأسس النفسية للنمو .القاهرة : دار الفكر العربى 

شحادة » كمال (1988) . ابن الجزار وصحة الطفل . أبحاث ودراسات الندوة العلمية 
لألفية ابن الجزار» ؟5١- ١5‏ أبريل » 19817 ء وزارة الشئون الثقافية » تونس . 

صادق » آمال .» وأبو حطب » فؤاد )١1984(‏ . نم والإنسان (من مرحلة الجنين إلى 
مرحلة المسنين) . الجيزة : مركز التنمية البشرية والمعلومات . 

الطبري . على بن ربن . فردوس الحكمة . راجعه محمد الصديقي (8؟191) . برلين : 
مطبعة أفتاب . 

عدس .» عبد الرحمن ٠‏ وتوق » مسحيي الدين (1985) . المدخل إلى علم النفس 1 
نيويورك ؛ جو وايلي 0 


الفرقان . 
فلوجل , ج (1988) . علم النفس في مائة عام . نقله إلى العربية لطفي فطيم . 
بيروت : دار الطليعة . 


قاسم . محمود الحاج )١1187(‏ . تاريخ طب الأطفال عند العرب . جدة : مطبوعات 


تامة . 


القرطبي » عريب بن سعد . خلق الجنين وتدبير الحبالى والمولدين . راجعه نور الدين 
عبد الخالق (1965) . 


1537 


الجزائر . 

قطاية » سلمان )١1987*(‏ . دراسة مقارنة بين ما جاء فى زاد المسافر لابن الجزار وبعض 
الأطباء العرس . أبحاث ودراسات الندوة العلمية لألفية أحمد بن الجزار . ١5-١7‏ أبريل , 
١98٠‏ ء وزارة الشؤون الثقافية » تونس . 

كلوت بك (١117/1١ه)‏ . كنوز الصحة ويواقيت المنحة . راجعه محمد التونسى . 
القاهرة : مطبعة بولاق . : 

مصري , محمود )١1147(‏ . تدبير الأطفال الجسدي والنفسي في التراث العلمي الطبي 
العربي . رسالة ماجستير غير منشورة في تاريخ العلوم الطبية » جامعة حلب » سوريا . 

الهيلة » محمد )١1958(‏ . مقدمة التحقيق لكتاب سياسة الصبيان وتدبيرهم لابن 
الجزار . تونس : مطبعة المنار . 


158 


المراجع الأجنبية 


.لمعاممم نلعملا بتاع[ .لزع 010 علاكم 22121 معملاء 01 لرمأكلط ى .(1957) .8 ,مم8 
علدلا بع[8 . لإأمع1اع50 لمد 00ه0طل1تط0 .(1950) .8 رممعلاوط 

هآ :لعولا بناع[1 .100 2عنالع لقة امعمرمماع/اعل مقط .(1953) .1 بأكتناطع1؟13] 
لانطن) .لااعنامم 01 وعععععل عماتعء ]ذل :ه15 ذ5ععمعبعاع:م 5'مععل1تطن) .(1965) .0 ,اعلمعكل8 
.453-465 ,36 ,أمعطام10عناء12 

0160 :2هلدم.آ .0210ل عط 01 مملأمععممء كل[لطء عط1' .(1960) .[ بأعع اط 

كو عالرعلهعمة عرولا بتجعل8 .عع زاعط-ععلدم آه 7<0210 5'للتطء ع1 .(1973) . ل[ ررعع ماد 
2 /إأم 380 '(110516لاء ,1023]108م2ا8 .(1974) .غ1 باع15 عي .11 ,279000 .11 ,لإكأك الاك 
,10 ملإاعهامطعنزو [مامعصممم1ءاء10 .لماع [مطمء 5ناأتتسلناك 6ه كاعع111 امععلائطء عصنامر 
.321-129 

001 نارول بجعل8 .ل1قطاء 220 أمدكها أه عنقء لتدعاعه[مطءلزو8 .(1928) .1 رممئة /لا 


159 


ف .ونة بي اماك والمقال والسب 


ويحفظ متهم رضداداة ليلو 
3 ننه عدسيدنا' اا 


إف الخ تقوب بن الو 


أخالات يام وام ٍ 





مخطوطة كتاب في تدبير الحبالى والأطفال للبلدي 


150 


ل جلل اال دترم دمداءاتم سيج لمارا 00 
3 ماده من بال يا 0 


31 3 
6 ا 0 
0 ويك 
0 مي [لأز»" 


عطس لا 1 


11 2٠ 
رذزاضئ ره‎ 


ا 


و5 


مار 


23: 


لقا 





مخطوطة المعالجات البقراطية للطبري 


191 


الفصل السادس 


علم النفس السينوي: قراءة لثلاثة مداخل 


153 


التنوع أم الوحدة في مداخل علم النفس السينوي؟*' 


تناولت عدة مصادر في التراث سيرة ابن سينا منها : البيهقي في تاريخ حكماء 
الإسلام» . والقفطي في «إخبار العلماء بأخبار الحكماء» 3 وابن اق أصيبعة في «عيون 
الأنباء في طبقات الأطباء» . سوف نحاول أن نتتبع جزءاً من سيرة ابن سينا كما تم ذكرها 
عند أبي أصيبعة . وذلك لأنها أفضل طريقة يقة في محاولة فهم أبعاد شخصيته فضلاً عن 
أبعاد علم نفسه 6د كزان نميا عر اليه فيما نقله عنه أبو عبيد الجوجزاني » قال عن 
موطنه «إن أبي كان رجلاً من أهل بلخ وانتقل منها إلى بخارى» . ويذكر بأنه ولد في قرية 
أفشنة » ويصف نفسه : كنت من أجود السالكين» . ويتحدث عن اهتماماته وقراءاته : لاثم 
أخذت أقرأ الكتب على نفسي وأطالع الشروح حتى أحكمت علم المنطق «ويذكر بأنه قرأ 
إقليدس وايجسطي» . 

ثم يعبر ابن سينا عن اهتمامه الخاص بالطب : «ثم رغبت في علم الطب وصرت أقرأ 
الكتب المصنفة فيه » وعلم الطب ليس من العلوم الصعبة . فلا جرم أني برزت فيه في أقل 
مدة حتى بدأ فضلاء الطب يقرؤون على علم الطب» . ويشير لممارسته للطب : (تعهدت 
المرضى فانفتح على من أبواب المعالجات المقتبسة من التجربة ما لا يوصف» . ويفصل لنا 
عن اهتمامات وقراءات أخرى : «فأعدت قراءة المنطق وجميع أجزاء الفلسفة»» ويقول : 
«ثم عدلت إلى الإلهي . وقرأت كتاب ما بعد الطبيعة . فما كنت أفهم فيه » والتبس علي 
غرض واضعه ؛ حتى أعدت قراءته أربعين مرة وصار لي محفوظا» » «فلما بلغت ثماني عشرة 
سنة من عمري » فرغت من هذه العلوم كلها» . قال الجوجزان ني «كان الشيخ جالساً يوما من 
الأيام بين يدي الأمير وأبومنصور الجبائي حاضر فجرى في اللغة مسألة تكلم الشيخ فيها عا 

حضره » فالتفت أبو منصور إلى الشيخ يقول إنك فيلسوف وحكيم» . 

وقد وصف (بضم الواو) أبن سينا في بعض الدراسات الحديثة المتعلقة بالتراث بعذة 
أوصاف منها : أنه كان نولوة! حارفا وتلميذاً متفوقاً (تامرء 1945) ؛ وكان مبدعاً لا مقلداً 
ومبتكراً لا محتذياً (حوري . 1989) 2 (دوفؤ) ؛ كان فيلسوفاً 
وطنينا ذائع الصيت (عثمان ؟987١)‏ ؛ هو العالم التعطان قوف للمعرفة (شحادة . )١19847‏ 0 
أنه علم من أعلام الحضارة العربية الالطلحة عنقي فى عتلة سل ةا ؛ من 


(#) قدمت صورة من هذه الدراسة من مجلة تاريخ العرب والعالم 6٠٠١‏ 


1035 


الأعلام البارزين والمفكرين المبدعين (فاخوري . 1987) ؛ اتسمت عبقريته بالغرابة فهي دائماً 
طليقة وثابة حرة لا تستقر على حال (عينتابى ٠‏ 1987) ؛ فقد كان يحب المرأة وكان عندما 
ينتهي من عمله يحضر إليه الحسان والقيان ويشرب الخدمرة ويقضى ليالى حمراء (قطاية . 
7 )؛ وأطلق عليه لقب المعلم الثالث بعد أرسطو والفارابي (عبد الرحمن ؛ 141/7) ومن 
أشهر المشاهير أرسطو ثم ابن سينا فبطليموس ثم جالينوس ثم بتراك ثم القديس الأكويني ثم 
بقراط ثم ابن رشد (سارتون .1409) ؛ أنه في منزلة أبقراط (دانتي)ٍ ؛ أنه قريب من 2 
(تكاليس )"© يقال كان القليةمعدوما فاوسحده ابقراط وكان ما فاحناء جالنتوس + وكا 
متفرقا فجمعه الرازي » وكان ناقصا فأتمه ابن سينا (شحادة » )١19857‏ . 

كصاين باع مزلنات ليا حلاف مباشرة بعلم النفس ولعل أشهرها هو كتاب 
«القانون في الطب» . وتشمل إسهاماته كذلك «النفس» في القسم السادس من طبيعيات 
موسوعة «الشفاء» » و«في النفمس» في المقالة السادسة من الطبيعيات في كتاب «النحاة» ,2 
وكتاب بعنوان «أحوال النفس» . ورسالة في «معرفة النفس الناطقة وأحوالها» » ورسالة في 
«الكلام عن النفس الناطقة» . ورسالة أو مبحث «عن القوى النفسانية» . و«كتاب المبدأ 
والمعاد فى النفس» , و«مقالة فى النبض بالفارسية» , و«مقالة فى النفس تعرف بالفصول» ء 
و«فصول في النفس وطبيعيات» » ودكتاب تأويل الرؤيا» ؛ وهرسالة في العشق» ٠‏ و«رسالة في 
القوى الإنسانية وإدراكهاء» , واقول في تبيين ما الحزن وأسبابه» . وتعالج بعض قصص 
وأراجيز ابن سينا الطبية موضوعات في علم النفس . انظر مشلاً أرجوزة ابن سينا في 
التشريح » وصفحة من «الفصل الأول كلام كلي في النبض» من كتاب القانون في الطب . 

وحسب سيرة ابن سينا يمكن تصنيف ثلاثة محاور من اهتماماته : )١(‏ كان سالكا 
ودارساً للإلهيات وما بعد الطبيعة . (؟) كان دارساً للمنطق والفلسفة . () كان قارثاً 
لإقليدس والمجسطي وكتب الطب المصنفة وفيتهدياً للمعالجات المقتبسة من التجربة 1 
فنلاحظ تبعاً لذلك الاهتمامات المتعددة والمتباينة يمكن كذلك أن نلاحظ ألقاباً متعددة 
لابن سينا في ككتب التسراث العربي الإسلامي منها الح اي 
والفيلسوف , والحكيم . فضلاً عن أمير الأطباء . فالشيخ لقب علمي يعني الأستاذ , بي: 
الرئيس لقب سياسي . وتم وصف ابن سينا في الكتابات المعاصرة بأنه فيلسوف » 0 
وطبيب . وتعكس مؤلفاته في علم النفس معالجات متباينة لقضايا النفس . 

بوسعنا التساؤل هل تعكس اهتمامات ابن سينا المعرفية المتداخلة رؤيته في علم 
النفس؟ وهل تعكس ألقاب ابن سينا المتعددة في التراث العربي الإسلامي وأوصافه في 


156 


الكتابات المعاصرة تعدداً أم وحدة في مداخله في علم النفس ؟ وهل تعكس 0 

النفسية وحدة أم تنوعاً في مداخله لعلم النفس؟ سوف نحاول في هذه الدراسة إبداء بعض بعض 

الملاحظات عن مداخل علم النفس عند ابن سينا . ونستخدم كلمة «مدخل» كتعبير 

لرؤية » أو اتجاه » أو موقف . أو زاوية » أو بعد . وليست هناك حدود فاصلة دقيقة بين هذه 

المداخل . ونؤكد بأنها مجرد ملاحظات تحتاج للتطوير في حال مصداقيتها . أو النفي في 

حال 0 مصداقيتها . ونفترض في هذه الدراسة بأن مداخل علم النفس عند ابن سينا 
: المدخل الميتافيزيقي . والمدخل الذهني , والمدخل التجريبي . 

00 يتساءل سائل : هل هناك مفارقة في عنوان هذا الكتاب «علم النفس التجريبي في 
التراث العربي الإسلامي»؟ ولماذا الحديث عن المدخل الميتافيزيقي والمدخل الذهني في علمٍ 
النفس؟ ومن حق القارئ الجيد أن يثير مثل هذا السؤال ويلاحظ هذا التناقض . توضيحا 
للأمرء نذكر بأننا نود معالجة كيفية التفكير السيكولوجي المتعدد في قضايا النفس في تلك 
المرحلة الباكرة من مراحل تطور العلوم وكيفية الرباط الرائع بين مستويات مختلفة من المعرفة 
السيكولوجية . كان بمقدور علماء التراث الحركة المنسابة في مداخلهم المتعددة للنفس أو 
لعلم النفس نولا للمنهج العلمي أو التجريبي » وفي ذات الوقت الحركة العكسية من 
التجريبي للذهني للميتافيزيقي . لعلنا نتساءل ما السر الذي أدى لهذا النضج المبكر في 
التفكير السيكولوجى بمداخل مختلفة؟ : 


المدخل الميتافيزيقي 


نقصد بالمدخل الميتافيزيقي في حدود هذه الدراسة الرؤية الغيبية أو الما ورائية للنفس . 
فابن سينا كما يذكر في سيرته بأنه قرأ ما بعد الطبيعة وقد عالج الميتافيزيقا في كتاب 
الإشارات » وكتاب الشفاء » وفى رسالة فى معرفة النفس الناطقة . وفى قصة سلامان 
وأبسال , وفي رسالة الطير . واشتمل بحث ابن سينا الميتافيزيقي للنفس إثبات وجود 
النفس مع تحديد الأدلة والبراهين لإثبات وجودها , ومفهوم الماهية والجوهر والأعيان . وتبيين 
آراء القدماء فى النفس . وكتب الفلسفة الرئيسية عند ابن سينا هي «الشفاء» و«النجاة» 
و«الإشارات» ؛ وكتابه الرئيس في الطب هو «القانون» : يذكر مدكور بأن صلة 00 
«الشفاء» بكتاب «النجاة» وثيقة جداً » فقد قاما على أساس مشترك . وفكر ابن 
ععاء عحيف أن الفكرة الرئيسة التي بني عليها «الشفاء» من استيعاب 0 2 


107 


والرياضة . والعلم الإلهي »هي نفسها التي اعتمد عليها كتاي «(النجاة» » فهو يحتوي على 
أربعة أقسام تقابل «جمل الشفاء» الأربع . والفصول بين الكتابين متشابهة في ترتيبها 
وتناسقها , بل إن منها ما هو مكرر بنصه وفصه . و«النجاة» هو مختصره للشفاء » . أما صلة 
«الشفاء» و«النجاة» بكتاب «الإشارات» » فإن «الإشارات» متأخر عنهما ظهوراً » ولعله آخر 
ما ألف ابن سينا , إلا أنه يلتقي مع «الشفاء» في معالجة أقسام الفلسفة الرئيسة من منطق » 
وطبيعة . وميتافيزيقيا ؛ وإذا كانت أهملت فيه الرياضيات الفكرية . فقد حل محلها التصوف 
(وهو الرياضة النفسية) . والمهم أن لا تناقض بين الكتابين في الأفكار الجوهرية والنظريات 
الرئيسة (حوري ٠‏ 1989) . 

وتتكون المقالة الأولى من كتاب الشفاء من خمسة فصول . عالج ابن سينا في الفصل 
الأول » #إلبات التفدن وخدينها من حيث عن تنش يننا عالخ في الفصل الثاني دكرها 
قاله القدماء في النفس في جوهرها ونقضه , والفصل الثالث بعنوان : في أن النفس يله 
في مقولة وهر » والفصل الرابع في تبيين أن اختلاف أفاعيل النفس لاختلاف قواها . 
الفصل انامس كذ كان فى تعديد فرى النفس على سيل التفسيف 0 
مشروعه الفلسفي في المقالة الأولى عن إثبات النفس وتحديدها قائلاً : «نقول إن أول ما 

يجب أن نتكلم فيه إثبات وجود الشيء ء الذي يسمى نفساً . ثم نتكلم فيما يتبع ذلك فنقول 
7 قد نشاهد أجساماً تحس وتتحرك بالإرادة » بل نشاهد أجساماً تغتذي وتنمو وتولد المثل . 
وليس ذلك لها بجسميتها فبقي أن تكون في ذواتها مبادئ لذلك غير - جسميتها » والشيء 
الذي تصدر عنه هذه الأفعال . وبالجملة كل ما يكون مبدا لصدور أفاعيل ليست على وتيرة 
واحدة عادمة للارادة» .ثم يواصل ابن سينا الحديث عن النفس : «فإنا نسميه نيا وهذه 
اللفظة اسم لهذا الشيء 17 سيت هر حوره كن ع يها (لافايا له .اك دن يه 
ما هو مبدأ لهذه الأفاعيل » ونحن نطلب جوهره والمقولة التي يقع فيها من بعد ولكنا الآن إنما 
أثبتنا وجود شيء هو مبدأ لما ذكرنا وأثبتنا وجود شيء من جهة ماله عرض ما ويحتاج أن 
يتوصل من هذا العارض الذي له إلى أن تحقق ذاته لتعرف ماهيته» . 

وحاول ابن سينا في الفصل الثاني من المقالة الأولى أن يبين آراء القدماء في النفس 
وجوهرها فلخصها في أربعة مواقف هي : الموقف الإدراكي . والموقف الحركي » والموقف 
الحركي الإدراكي . والموقف الحياتي . يقول ابن سينا : «فنقول قد اختلف الأوائل من ذلك 
لأنهم اختلفوا في المسالك إليه . فمنهم من سلك إلى علم النفس من جهة الحركة . ومنهم 
من سلك إليه من جهة الإدراك , ومنهم من جمع بين المسلكين . ومنهم من سلك طريق 


158 


الحياة غير مفصلة» . بالنسبة للذين سلكوا طريق الحركة يعبر ابن سينا : «فقد كان تخيل 
عنده أن التحريك لا يصدر إلا عن متحرك وأن المحرك الأول يكون لا محالة متحركاً بذاته 
وكانت النفس محركة أولية إليها يتراقى التحريك من الأعضاء والعضل والأعصاب فجعل 
النفس متحركة لذاتها وجعلها لذلك جوهراً غير مائت معتقداً أن ما يتحرك لذاته لا يجوز أن 
يموت» . 

أما القدماء الذين سلكوا طرق الإدراك » حسب تعبير ابن سينا » : «فمنهم من رأى أن 
الشيء إنما يدرك ما سواه لأنه متقدم عليه ومبدأ له فوجب أن تكون النفس مبداً فجعلها 

من الجنس الذي كان يراه المبدأ إما نارا أو هواء أو أرضا أو ماء . ومال بعضهم إلى القول بالماء 
لشدة رطوبة النطفة التى هي مبدأ التكون وبعضهم هلها حسما خاريا» . آنا بالشنة 
للمجموعة الثالثة التي جمعت بين المسلكين » . فيقول ابن سينا : «فالذين قالوا إن النفس 
عدد محرك لذاته فهى عدد لأنها مدركة وهى محركة لذاتها لأنها محركة أولية» . والمجموعة 
الرابعة التي سلكت طريق الحياة حسب تعبيره : «فمنهم من قال إن النفس حرارة غريزية 
لأن الحياة بها , ومنهم من قال بل برودة وأن النفس مشتق من النفس والنفس هو الشيء 
المبرد ولهذا ما يتبرد بالاستنشاق ليحفظ جوهر النفس » ومنهم من قال بل النفس هو الدم 
لأنه إذا سفح الدم بطلت الحياة» . ويضيف ابن سينا : «ومنهم من قال بل النفس مزاج لأن 
المزا اج ما دام ثابتا لم تتغير صحة ال حياة , ومنهم من قال بل النفس تأليف ونسبة بين العناصر 
وذلك لأنا نعلم أن تأليفاً ما يحتاج إليه حتى يكون من العناصر حيوان » ولأن النفس تأليف 
فلذلك تميل إلى المؤلفات من النعم والأرائح والطعوم وتلذذ بها ومن الناس من ظن أن النفس 
هو الإله تعالى» . 

وربما ترمز قصة «سلامان وأبسال» لابن سينا إلى رؤيته الميتافيزيقية للنفس . ويمكن 
اختصار القصة فى الآتى : كان سلامان وأبسال أخوين . . أصغرهما أبسال . . وقد تربى 
و '"ججراعيه:... وكان كمي الطورة غافلة متاديا عجاعا تسعيته اعراة سثلامان ب«وطليت 
من زوجها أن يأتي به لمنزله لتأديب أولاده . . فقبل سلامان . وما اختلت به أظهرت له 
عشقها . فانقبض ورفض فلما رأت إعراضة قالت لزوجها : زوج أخاك بأختي .. ثم قالت 
لأختها : إني لم أزوجك ليكون لك زوجاً وحدك - بل لأشاركك فيه 2 
جاءت امرأة سلامان بدلاً من أختها . وأخذت تعانق أبسال فلاح له برق في السماء 
بضوئه وجههاء » فخرج من عندها وطلب من أخيه أن يجنده 0 
وحارب حتى فتح كثيرا من الأمصار ثم رجع مكللاً بالظفر؛ وهو يحسب أن امرأة سلامان 


1049 


قد نسيته , ولكنها عادت إلى مغازلته فأبى ذلك . وعاد إلى الحرب ثانية . ولكنها أوعزت 
أخيراً إلى رؤساء الجيش أن يأخذوه » ففعلوا وأظفروا به الأعداء وتركوه طريحاً فعطفت عليه 
مرضعة من الغزلان إلى أن انتعش وعوفي ورجع إلى سلامان . فعطف عليه وعاقب رؤساء 
الجيش . ولكن زوجة سلامان اتفقت مع الطاعم والطابخ فدساله السم حتى مات ٠»‏ فاغتم 
سلامان واعتزل الملك . وأخذ فى عبادة ربه . 

ويمكن أن تحلل الرموز فى قصة «سلامان وأبسال» (تامرء 1987) كالآتى : إن سلامان 
هو النفس الناطقة , وأبسال هو العقل . وامرأة سلامان هى النفس الشهوانية الغريزية الأمارة 
بالسوء ؛ وعشقها لأبسال محاولة لتسخير العقل . والبرق اللامع هو الخطفة الإلهية السانحة 
للإنسان ؛ وأخمت زوجة سلامان هي القوة البدنية المسخرة للنفس الشهوانية , ولبن الغزالة هو 
الفيض الإلهي , والطابخ هو القوة الغضبية , والطعام هو القوة الشهوانية ؛ والتواطؤ على قتل 
أبسال محاولة للتغلب على العقل , وهلاك أبسال رمز لغلبة النفس على القوة البدنية . 

وتصور «رسالة الطير» لابن سينا الروح بأنها سجينة في البدن وهي تتمنى الانفالات 
من هذا السجن بعامل شوقها إلى عالمها الإلهي الخالد وتظل مشتاقة إلى التحرر من عبودية 
البدن إلى أن يأذن الله بفك أسرها وذلك بالموت ». أي بفناء البدن . ويفصل ابن سينا بين 
النفس والبدن ويتبين ذلك واضحاً من قوله في الرسالة : «إن الموت ليس شيئاً أكثر من ترك 
النفس واستعمال آلاتها . كما يترك الصانع الآلة ...» . ويقصد بالآلاات جسم الإنسان أو 
بدنه . ويصف النفس بأنها جوهر غير جسماني وغير قابل للفناء » وأن النفس حلت بالبدن 
لعلة مفارقة ؛ وهي بذلك أصبحت سجينة مقيدة الحرية في هذا البدن. وأن النفس باعتبارها 
جوهراً روحانياً» فإنها لا تقبل استحالة في ذاتها وإنا تقبل المضي في طريق الكمال 
والتسامي . فالله بالنسبة للشيخ الرئيس , هو الكمال المطلق , وهو علة الوجود . وأن كل ما 
في هذا الكون صدر بفيض من ذاته دون أن تتأثر هذه الذات . وأن النفس باعغبارها فيضاً 
من الذات الإلهية ومن نفس نوعها وجوهرها . فإنها تشتاق لأن تتحرر من البدن لتعود إلى 
صفاتها وطبيعتها (انظر شحادة » 19817) . 

وهناك عدة أدلة يشبت بها ابن سينا وجود النفس وتظهر رؤيته الميتافيزيقية أكثر وضوحاً 
في مؤلفه «رسالة في معرفة النفس الناطقة» . وفي «الإشارات» . ولقد لخص مرحبا 
(1485) ثلاثة منها لطابعها العلمي وهي )١(‏ دليل الآنية ووحدة الذات : إن النفس رغم 
تعدد قواها وتنوع أفعالها تظل واحدة . فإذا أقبلت على العلوم سمي فعلها علماً وسميت 
بحسبه عقلا نظرياً . وإذا أقبلت على ة قهر القوى الذميمة سمى فعلها سياسة وسميت 


200 


بحسبه عقلا عمليا , وفي هذه دلالة صريحة على وحدة النفس والترابط الكامل بين قواها 
المتعددة حتى لكأنها تسعى إلى غرض واحد وتسير نحو غاية واحدة . (؟) دليل الديمومة 
واتصال الحياة الوجدانية : يقارن ابن سينا في هذا الدليل بين البدن الذي يظل عرضة 
للتغير والتبدل والتحلل والانتقاص . وبين النفس الثابتة المستمرة ة في ديمومتها واتصال نيبض 
الشعور فيها . (؟) دليل الهوى في الهواء أو الخلاء . وأخميراً يستدل ابن سينا على وجود 
النفس ببرهان طريف ملشتعيل غرينيا ولكنه يدل على سعة خيال صاحبه وقوة ابتكاره 
ليؤكد لنا أن الإنسان لا يغفل عن وجود ذاته ولو غفل عن كل شيء ‏ لذلك نرى أن ابن 
سينا يبدأ النمط الثالث من (الإشارات) ليثبت أن أول الإدراكات وأوضحها هو إدراك 
الإنسان نفسه فيقول «ارجع إلى نفسك وتأمل هل إذا كنت صحيحاً بحيث تفطن للشيء 
فطنة صحيحة هل تغفل عن وجود ذاتك ولا تشبت نفسك ؟ ما عندي أن هذا يكون 
للمستبصر . حتى إن النائم في نومه » والمشكرات في سكره لاا يعزك أفاتة عن ذانه وإن لم 
يثبت تمثله لذاته فى ذكره . 

وعنك اتن يثينا أن مافياك الأعنياء قد توجد فى الأغيان وقد توجد فى التضور .. 
فالنفس عند ابن سينا يكون لها اعتبارات ثلاثة : اعتبار الماهية بما هى تلك الماهية غير 
مضافة إلى أحد الوجودين , واعتبار لها من حيث هي في الأعيان . . .» واعتبار لها من 
حيث هي في التصور . فالمنطق اعتبار لهذه الأمور من حيث كونها محمولات 0 
وكليات ؛ وجزئيات . ومن حيث تراكيبها المنطقية , لا من حيث اوجودها في الأذهان أو من 
حيث علاقتها بموجودات في الأعيان . فهذا العلم ليح ونظرا في الأمور من حيث هي 
موجودة أحد الوجودين المذكورين» أي الوجود الذهني والوجود في الأعيان (مرمورة. 
) . ويعتبر ابن سينا خير مثل للفلسفة العربية-الإسلامية وهو النموذج للفيلسوف في 
الحضارة العربية . ويستهل ابن سينا دراسته للنفس بإثبات وجودها تاركا تحديدها . كما 
يفعل اليوم بتحديد نهائي لعلم ما. ؛ إلى ما بعد التحقيقات . ومن براهينه : البرهان 
الطبيعي , وبرهان يدور حول انفعالات الإنسان التي لا نجدها عند الحيوان » وبرهان 
الاستمرار والقول بوحدة النفس وبرهان الإنسان المعلق في الفضاء (زيعورء )194١‏ . 

وقدم ابن سينا (هول . 1914) تفسيراً لا يتوافق مع تعاليم أرسطو عن اكتساب المعرفة 
وهذا التفسير ترك ابن سينا في تمام الموقف الإشراقي المعتدل الذي أراده . ولقد كان تحليل 
التجربة في كتاب البرهان خطوة ة حاسمة في تثب تثبيت مبادثه النظرية للمتغرفة . إن إقامة ابن 
سينا لنظرية التفكير الخارجي للمعرفة كانت الأكثر حسماً . ووضحت مناقشات هول 


201 


العلاقة الكبيرة بين فلسفة ابن سينا سينا وعلم النفس عنده والاعتماد الحاسم لنظامه على تطوير 
نظرية الروح العامة المستقيمة . علاوة على ذلك فإن العالم الفكري الإسلامي في القرن 
التاسع المتقدم والعاشر وبداية القرن الحادي عشرء ؛ يصح القول عنه إن نسبة عالية من النتائج 
الرئيسة كمنت في نظريات علم النفس أو المأخوذه من مبادثها مباشرة . وإن القوة المحركة 
وراء هذا التحول للفلسفة مستمدة من البحث الفلسفي عن الروح أو بالأحرى عن المعاني 
المتضخمة التي تغطيها مبادئ علم النفسن في كل مجالات التحقيق الفلسفي تقريبا . إن 
ذات النتائج النفسية الأساسية ذاتها أدركها في النهاية المتكلمون . ولا يزعم مرحبا 
(1989) أن علم النفس الحديث يقر ابن سينا على القول بالنفس الإنسانية . فعلم النفس 
اليوم يببحث كل ما يتعلق بالنفس ما عدا النفس .» كما يقول هوفمان «علم نفس بلا نفس» . 
أي أنه لا يخوض في الجانب الميتافيزيقي من النفس كما فعل ابن سينا 


المدخل الذهنى المعرفي 


نقصد بالمدخل الذهني في حدود هذه الدراسة كيفية النظر للعمليات العرفية أو 
العقلانية أو الإدراكية . ويذكر ابن سينا في سيرته التي عرضنا ملامحها سابقاً بأنه كان 
دارساً للمنطق وللفلسفة »ولقد وصف بأنه مفكر. وكتب عن «معرفة النفس» . وإن دراسة 
ابن سينا للمنطق مع وصفه بأنه مفكر . لها دلالتها في مظان المعرفة الذهنية والعقلانية ١‏ 
لقد عالج ابن سينا بعض قضايا علم النفس من خلال المدخل الذهني » خاصة طريقة 
تصنيفه للنفس . وعمليات التفكير ء والإرادة ‏ والذاكرة » ونمو العقل ». والإدراك الحسي ٠‏ 
والشعور والانفعالات . ويبدو أن ابن سينا كان يتدرج في فهمه للنفس ما هو ميتافيزيقي 
فلسفي إلى ما هو عقلاني ذهني إلى ما هو طبيعي تجريبي . ولقد قدم ابن سينا تصنيفاً 
للنفس مكوناً من ثلاث نفوس هي النفس النباتية » والنفس الحيوانية » والنفس الإنسانية . 
وتتداخل هذه النفوس الشلاث , وعلى حد قول ابن سنا سينا : (النباتية جنسا للحيوانية 
والقيواية جنها للاساية»".وتهرل ابن سينا شارحاً النفس النباتية : دوهي الكمال الأول 
لجسم طبيعي آلي من جهة ما يتولد وينمي ويغتذي » والغذاء جسم من شأنه أن يتشبه 
بطبيعة الجسم الذي قيل إنه غذاء له فيزيد فيه مقدار ما يتحلل أو أكثر» . 

أما بالنسبة للنفس الحيوانية فيقول عنها ابن سينا : «وهي الكمال الأول لجسم طبيعي 
آلي من جهة مايدرك الجزيئيات ويتحرك بالإرادة» . والنفس الثالثة هي الإنسانية وعرفها 


202 


ابن سينا بأنها «كمال أول لجسم طبيعي آلى من جهة ما ينسب إليه أنه يفعل الأفاعيل 
الكائنة بالاختيار الفكري والاستنباط بالرأي ومن جهة ما يدرك الأمور الكلية» . وتنقسم 
النفس الحيوانية عند ابن سينا إلى قوى محركة ومنيركة . تفنص المركة إلى تمن : إما 
محركة بأنها باعثة على الحركة » وإما محركة بأنها فاعلة 5 القوة المدركة فتنقسم قسمين 
منها قوة تدرك من خارج ومنها قوة تدرك من داخل . فالمدركة من الخارج هي الحواس 
الخمس . وتكلم ابن سينا عن النفس الإنسانية في مقالة منفصلة قائلاً : «الإنسان له 
خواص أفعال تصدر عن نفسه ليست موجودة لسائر الحيوان وأول ذلك أنه لما كان الإنسان 
في وجوده المقصود فيه يجب أن يكون غير مستغن في بقائه عن المشاركة ولم يكن كسائر 
الحيوان الذي يقتصر كل واحد منها في نظام معيشته على نفسه وعلى الموجودات في 
الطبيعة له» . ويضيف ابن سينا : «وأما الإنسان الواحد فلولم يكن في الوجود إلا هو وحده 
وإلا الأمور الموجودة في الطبيعة له لهلك أو لساءت معيشته أشد سوء وذلك لفضيلته» . 
وقسم ابن سينا «قوى» أو عقل النفس الإنسانية إلى عقل نظري وعقل عملي . 

وعالج ابن سينا بعض موضوعات علم النفس من خلال المدخل الذهني خاصة 
التفكير والإرادة والذاكرة ونمو العقل . فالتفكير حسب رؤية ابن سينا هو قبول الصور 
المعقولة » وليس له صورة إيجابية خاصة به وإنا هو قوة أو هو لا شيء بالفعل قبل أن يقوم 
بوظيفته . فالفكر يدرك الماهية . أي الصورة امجردة عن أعراض المادة » أما الإحساس فيدرك 
الصورة الجزئية المادية كما هي واقعة . أما الإرادة وفقاً لابن سينا فهي مجموعة من 
الوظائف النفسية تعمل متأزرة لتحقيق استجابة رأي الشخص . كما يبرز ابن سينا عنصر 
تصور الهدف في العمل الإرادي ويسميه «الغرض» . ثم عنصر اتخاذ القرار أو العزم ويسميه 
«الشوق» ويرى أن مرحلة التنفيذ تحصل من قوة الشوق التى تحرك القوة الموجودة فى 
العضلات إلى التنفيذ أو التحصيل . ويعرف ابن سينا الذاكرة بأنها ملكة إدراك الزمان » 
وتتعلق بالماضي ولا تؤدي وظيفتها من غير التخيل . وليست وظيفتها إدراك الصور الحاضرة » 
ولكن وظيفتها إدراك الماضي (انظر عثمان » 1987) . 

ولا يشتمل فو العقل عند ابن سينا علي المعاني حال الولادة بل يمر عير عدة مراحل 
ليصل إلى المرتبة العليا من مراتب العقول البشرية . ويقسم ابن سينا العقل النظري في 
«النجاة» إلى العقل الهيولاني . وهو العقل قبل أي إدراك . العقل بالملكة . وهو العقل 
الهيولاني » وقد حصلت فيه معقولات أولى يتوصل بها ومنها إلى المعقولات الثانية ويكون 
ذلك بفيض من العقل الفعال . العقل بالفعل وهو العقل بالملكة الذي استكمل استعداده 


203 


الفطري بالفكرة والتعلم . العقل المستفاد , وهو العقل بالفعل إذا اتصل مجرداً بالعقل الفعال 
واستحضر ما أدركه من المعقولات كلها أو جلها وكانت المعقولات حاضرة دائماً يعقلها 
بالفعل ويعقل أنه يعقلها . والعقل القدسي ء أو الحدس » وهو أعلى مراتب العقول وهو من 
خواص الأنبياء (انظر الحر» ١9١‏ ). 

واهتم ابن سينا اهتماماً كبيراً بموضوع الإدراك الحسي ؛ وارتقت آراؤه لدرجة النظرية 
العلمية . «ويطلق الإدراك اصطلاحاً فى علم النفس على العملية العقلية التي تتم بها 
معرفتنا للعالم الخارجي عن طريق التنبيهات الحسية . . . ويمكن تعريف الإدراك بأنه نوع من 
الاستجابة لا لأشكال من حيث هى مجرد أشكال حسية . بل لرموز أشياء . وترمى هذه 
الاستجابة إلى القيام بشرب معين من السلوك» (مراد . )١1955‏ . وقد تناول نجاتي (190) 
بصورة ممتازة موضوع «الإدراك الحسي عند ابن سينا» بالوصف والتحليل والتقييم وربط أفكار 
ابن سينا بالمفكرين الذين تقدموه من اليونانيين والمسلمين . وبالمفكرين الذين أتوا بعده من 
المسلمين والمسيحيين مع ربط آرائه بعلم النفس الحديث . وغطت دراسة نجاتي عدة 
موضوعات عن الإدراك الحسي مثل تقسيم الوظائف النفسية عند ابن سينا ء الإحساس 
الظاهر » الشروط الفسيولوجية للإحساس ء الحواس الظاهرة » اللمس » الذوق » الشم . 
السمع . البصر , والحواس الباطنة : الحس المشترك » القوة الوهمية , الذاكرة . في تقديري 
إن معالجحة ابن سينا للاحساس الظاهر تقع في دائر 5 المدخحل التجريبي الذي يعتمد على 
الملاحظة بينما معالحة الإحساس الباطن تقع في دائرة المدخل الذهني . 

كما اهتم ابن سينا بموضوعين من موضوعات علم النفس العام هما الشعور 
والانفعاللات . وحاول كذلك مقارنة شعور الإنسان بشعور الحيوان . وقد فطن ابن سينا فى 
«الإشارات» إلى فكرة الشعور , وميز بينها وبين الأناء فقد يشعر الإنسان بذاته » وقد يغفل 
عن ذاته » أي لا يشعر بهاء ولكن مع ذلك لا يغيب عن ذاته » وهذا هو ما جاء في 
الإشارات من قوله «حتى إن النائم في نومه » والسكران في سكره . لا تغرب ذاته عن ذاته » 
وإن لم يثبت تمثله لذكره» . فالشعور هو القوة الفعالة التي توحد الذات , وتجمع أطراف 
لعي ؛ وتبعث على الاستمرار من الماضى إلى المستقبل (الأهوانى  )١19688‏ . 

وفي الفصل الثامن عشرء في أحكام نبض العوارض النفسانية . من كتاب القانون 
يذكر ابن سينا «أما الغضب فإنه بما يشير من القوة : تبط ين ار دغ بول النيفين 
عظيماً شاهقاً جدأ سريعاً متواتراً ولا يجب أن يقع فيه اختلاف لأن الانفعال متشابه إلا أن 
يخالطه خوف فتارة يغلب ذلك وتارة هذا» . وتحدث ابن سينا عن علاقة ذلك بالخنجل 


204 


والسرور والغم والفزع . واستخدم مصطلح «انفعال» بذات الاستخدام في علم النفس 
المعاصر . ويصف ابن سينا بعض الظواهر الانفعالية كالغضب والفرح واللذة والحزن » ويعبر 
عن الحالات الانفعالية المذكورة بحركات الروح إلى خارج أو إلى داخل » إما دفعة واحدة أو 
بصورة تدريجية . فانفعال الغضب يتصل بالحركة إلى خارج أي هو مقترن بالفعالية ؛لذلك 
ينشأ القتال أو الدفاع عن النفس . وانفعال الفزع يتصف بحركة إلى داخل أي هو مقترن 
بتوقف الفعالية وانقباض النفس والتمركز حول الذات (عثمان » 19487) . 

وحسب رأي طه (191940١ب)‏ فإن أطروحات ابن سينا والفارابي والغزالي لا تجعلهم فقط 
من المدافعين عن النظرية الذهنية المعاصرة ف في التعلم بل إنها تؤهلهم لأن يكونوا رواد هذه 
النظرية الأوائل . صحيح أن أرسطو كان رائداً في مبدأ تحديد الأبنية الذهنية وتحليل 
عملياتها ولكن ا أسباب تدعو للقول بأن النظرية الذهنية للتعلم لم تتكامل 
عناصرها الأساسية إلا في التراث العربي الإسلامي . وهي أولاً : كانت كتابات ابن سينا 
هي أولى الكتابات المتداولة عن الدماغ كجهاز تشكل أجزاؤه [ألات] [تترتب] فيها قوى 
الإدراك الحسي وهذا مفهوم متطور مقارنة بالمفهوم الأرسطي الذي ربط القوى الإدراكية 
بالبنيات الذهنية دون تفصيل لآلاتها كل على حدة . ثانياً : اهتمت الدراسات النفسية في 
التراث الإسلامي بالتمييز بين مختلف البنيات الذهنية أو ما أسماه علماء التراث «القوى 
الباطنة» . ثالعاً : تبلور في التراث الإسلاميٍ أول ما تبلور مفهوم القوى الوهمية وهي تؤدي 
وظائف مركزية في العمليات الإدراكية دزاها : لم تحظ عمليات التعلم بوصف أكثر إحاطة 
وتماسكا مما شهدته على يد فلاسفة التراث . 


المدخل التجريبي 


نقصد بالمدخل التجريبى فى حدود هذه الدراسة عملية الاختبار القائمة على الملاحظة 
مع عملية ضبط بعض المتغيرات المدروسة . ويذكر ابن سينا في سيرته الذاتية بأنه قرأ كتب 
الطب المصنفة واستخدم المعالجات المقتبسة من التجربة ووُصف في كتب التراث بأنه أمير 
الأطباء . ولهذه السيرة مع الأوصاف دلالة على اهتمامه بالمدخل التجريبي في مشروعه 
الطبى . ومن جملة إسهامات ابن سينا كان الأطباء العرب يفضلون كتاب «القانون فى 
الطب» قائلين : «إن كل الصيد فى جوف الفراء كما قال الرازي . ويتجلى المدخل التجريبى 
من خلال معالجة ابن سينا لتجريب الأدوية على الحيوان ؛ ومعالجة علم الفسيولوجيا أو 


205 


منفعة الأعضاء . كما يسميه ء والتشريح أو علم البنية العضوية . كما عالج بعض 
الموضوعات التي تقع في إطار الأسس البيولوجية للسلوك والإحساس وتدبير الأمراض 
النفسية والجنسية وتحديد العلاقة بين الجسم والنفس . ولقد تتبعنا فى فصل سابق تقسيم 
ابن سينا لكتاب «القانون فى الطب» إلى خمسة كتب . وعموما كان ابن سينا فى مشروعه 
الطبي هادفا إلى معالجة شمولية لقوانين الطب في الجانب الكلي والجزئي » والجانب النظري 
والعملي . وما قبل الإكلينيكي والإكلينيكي من خلال تفاصيله الدقيقة عن الفسيولوجيا 
والتشريح والتشخيص والعلاج وعلم الأدوية . 

وإذا استعرضنا كتاب القانون » فى الجزء الأول منه » وجدناٍ أنه يشتمل على كتابين 
بلغت صفحاتهما 477 . وفي الكتاب الأول هناك ثلاثون فصلاً عن مقدمات الطب ولا 
سيما التشريح ؛ وستة فصول في العصب . وخمسة فصول عن الشرايين » وخمسة فصول 
عن الأوردة » وستة فصول عن الجحملة في القوى . وثمانية فصول في الأمراض » وتسعة عشر 
فصلا عن الجملة الأولى في الأشياء التي تحدث عن سبب من الأسباب العامة ؛ وتسعة 
وعشرون فنصلا في محديد سبب لكل واحد من العوارض البدنية » وأحد عشر فصلا 
وجملتان في الأعراض والدلائل » وتسعة عشر فصلاً في النبض ., وثلاثة عشر فصلا في 
البول والبراز ؛ وفصل واحد ونخمسة تعاليم عن الفن الثالث » وأربعة فصول عن التعليم الأول 

في التربية » وسبعة عشر فصلاً عن التعليم الثاني في التدبير المشترك للبالغين ‏ وستة فصول 

في تدبير المشايخ » وحمسة فصول في تدبير بدن مزاجه فاضل » وفصل مفرد وجملة في 
الانتقاللات ؛ وثمانية فصول فى تدبير المسافرين » واثنان وثلاثون فصلا فى تصنيف وجوه 
المعالجات بحسب الأمراض الكلية . وبالنسبة للكتاب الثانى وهو عن الآدوية المفردة 
فاشتمل على خمس مقالات , وجملة وقاعدة , وقسمين » وثمانية وعشرين فصلاً . 

لقد رأينا فى فصل سابق استخدام الأطباء المسلمين الحيوانات لتجربة تأثير الأدوية » ما 
مكنهم من معرفة اختلاف الأدوية من حيث القوة , وسرعة التأثير على الإنسان . ويقول ابن 
سينا فى كتاب القانون وفى مقدمة الكتاب الخامس فى الأدوية المركبة وهو الأقرباذين : 
«لقد فرغنا في الكتب الأربعة من ذكر العلم النظري والعملي الحافظ للصحة والعملي المعيد 
للصحة وحان لنا أن نخحتتم القانون بالكتاب الخامس المصنف في الأدوية المركبة ليكون 
كالأقرباذين للكتاب وقسمنا هذا الكتاب إلى مقالة علمية نشير فيها إلى أصول علم 
التركيب وإلى جملتين جملة في المركبات الراتبة في الأقرباذينات ؛وجملة ف الأدوية 
المركبة امجربة في مرض مرض» . ويتحدث ابن سينا عن تجربة الدواء على الحيوان قائلاً : 


206 


«أن تكون التجربة على بدن الإنسان ». فإنه إن جرب على غير بدن الإنسان » جاز أن يختلف 
من وجهين : أحدهما ء أنه قد يجوز أن الدواء بالقياس إلى بدن الإنسان حار وبالقياس إلى 
بدن الأسد والفرس بارد ء إذا كان الدواء أسخن من الإنسان »ء وأبرد من الأسد والفرس ١‏ 
ويشبه فيما أظن أن يكون الرواند شديد البرد بالقياس إلى الفرس . وهو بالقياس إلى الإنسان 
حارء والثانى قد يجوز أن يكون له بالقياس إلى أحد البدنين خاصية ليست بالقياس إلى 
البدن الثاني مغل البيض فإن له بالقياس إلى بدن الإتسان خاضية السمية » وليست له 
بالقياس إلى بدن الزرازير» (القانون : ج .١‏ ص .7356 ). 

وإذا تتبعنا كتاب القانون سنجد فيه مجموعة من الموضوعات التي تشكل مبادئ علم 
النفس العام كالأسس البيولوجية للسلوك . والنمو وعلم نفس النموء والأمراض النفسية 
والجنسية . والتدبير النفسي . بالنسبة للأسس البيولوجية للسلوك يمكن مراجعة بعض 
الفصول , مثل ؛ فصل في كلام كلى في أمراض الطحال ؛ فصل في علامات أمزجة 
الطحال » فصل في تشريح الأنئيين وأوعية المني ؛ فصل في سبب كثرة المني » فصل في 
دلائل أمزجة أعضاء المنى الطبيعية » فصل في منافع الجماع » فصل في سبب الأذكار 
والإناث » فصل في سبب التوأم والحبل على الحبل . كما عالج ابن سينا (طه . ٠1919أ)‏ عدة 
موضوعات عن الفسلجة العصبية في كتاب القانون مثل الدماغ ؛ الأعصاب » النخاع 
الشوكي » سايكوفيسيولوجيا البطنيات » نظرية الاتصال العصبي , ومفهوم الروح . 

ولقد عالجنا في الملدخل الذهني موضوع الإدراك الحسي لأنه» تبعاً لابن سيناء قوة باطنة 
بينما نعالج في هذا الجزء من الدراسة الحواس لأنها قوة ظاهرة . يؤكد ل سينا ارتباط 
الإدراك باالإحساس . ويبين أهمية العنصر العقلي في عملية الإدراك . والإدراك في نظر ابن 
سينا قوة باطنة » والإحساس قوة ظاهرة والقوة الظاهرة (الإحساس) تحصل بالحواس الخمس 
(عثمان » )١1987‏ وكل حاسة تختص بمحسوس معين , وأن الحس طليعة النفس ودليلها , ثم 
يقسم الحديث عن كل حاسة من الحواس وأولها : )١(‏ السمع , ويتصل به الصوت الذي 
ينتج عن قرع أو قلع وما يترتب على ذلك من حركة قوية من الهواء أو ما يجري مجراه . (؟) 
البصر ‏ ويتصل به الضوء الذي يتنقل عبر وسط معين كالهواء والماء » وينبع من مصدر ضوئي 
كالشمس أو النارء أو ينعكس على الأشياء الأخرى فنرى الأشياء بوساطة هذا الانعكاس » 
لذا فالأجسام ثلاثة أقسام : مضيئة ء ملونة » شفافة . (؟) الشم ؛ وهي حاسة أضعف في 
تمييز موضوعاتها من حاستي الذوق واللمس فالإنسان لا يقبل الروائح قبولاً قوياً حتى يحدث 
في خياله منها مثل ثابتة . (5) الذوق » ويعتمد على إذابة اللعاب للغذاء وتحويله من الحالة 


207 


الجافة إلى الحالة شبه السائلة , لأن الذوق هو مذاقة الأشياء السائلة . لذلك كان اللسان وسطاً 
بين الجفاف والسيولة , ولو غلب الجفاف أو السيولة على اللسان لما أمكننا أن نذوق الطعوم . 
() اللمس ». ويعده ابن سينا أول الحواس » ولا بد منه لكل حيوان أرضي ٠»‏ ويرى أنه طريق 
إلى معرفة الشيء لا علمه لأننا إنما نعلم الشيء بالفكرة والقوة العقلية . 

في كتاب القانون عدة فصول عن الاضطرابات النفسية بلغة علم النفس المعاصر . منها 
ما كان بالمصطلح الحالي نفسه مثل الصرع » الكابوس .ء المانيا , الهذيان ‏ الدوار» الخنثى ؛ 
الشهوة . واستخدم ابن سينا بعض المصطلحات التي تداعت من كتب علم النفس مثل 
المالنخوليا . وقد يصعب علينا مقابلة أو مقارنة بعضها بالتصنيفات الحالية للاضطرابات 
النفسية مثل «العشق» و «الكزاز والتمدد» و «الفلغمونى العارض» » «الشيافات التى تحتمل 
للزحير دو «القطرب» و «داء الكلب» . إذا تتبعنا بعض فصول هذه الاضطرابات فى كتاب 
القانون نجد تعريفا وأعراضاً وأسباباً لها . ففى «فصل فى آفات الذهن» تحدث ابن سينا عن 
أصناف الضرر الواقعة فى الأفعال الدماغية وأسبابها . وفى «فصل فى اختلاط الذهن 
والهذيان «و «فصل في الرعونة والحمق» وصفهما بأنهما آفتا العقل . وسوف نفصل في هذا 
المدخحل التجريبي لابن سينا في الفصل السابع من هذا الكتاب . 

أما بالنسبة للعلاقة بين الجسم والنفس أو بين الظاهرة النفسية والأبعاد الفسيولوجية . 
فيقتصر علماء النفس الأقدمون بوجه عام على دراسة الظواهر النفسية من ناحيتها الشعورية 
الحضة مستقلة عن شروطها الفسيولوجية . ويحاول ابن سينا في كثير من المواضع في أبحاثه 
النفسية الإشارة إلى هذه العلاقة بين العمليات النفسية والعمليات البدنية . وهناك تشابه 
بين كلام ابن سينا عن التأثير المتبادل بين النفس والبدن وما يقول به الباحثون في الطب 
النفسى الجسمى (السيكوسوماتى) فى العصر الحديث عن التأثير المتبادل بين العمليات 
النفسية والعمليات البدنية (نجاتي . )198١‏ . ولقد أدرك ابن سينا العلاقة بين الجسم 
والعقل وهي علاقة وثيقة الصلة , وعلى أن التأثير في العقل بالوهم أو الإيحاء الذاتي يؤثر 
في الجسم بالمرض أو الشفاء (الخالدي : 1987) . ويعد ابن سينا أول طبيب ذهب إلى 
القول بظهور أورام في المخ . كما كان من أعمق الباحثين في أمراض «قرحة المعدة» وأمراض 
المعدة بوحه خاص ., وبخاصة «القولنج» . ويذهب ابن سينا إلى أن أمراض المعدة ترجع إلى 
سببين مختلفين » الأول نفساني يؤدي إلى اضطرابات معوية . والثاني عضوي » ومنه قرحة 
المعدة . فكان بذلك أول الذين فطنوا إلى التأثيرات النفسانية التى تؤدي إلى أمراض تشبه 
أن تكون عضوية (الأهواني . )١984‏ : 1 


208 


منهج علم النفس السينوي 


ساهم بعض العلماء في التراث العربي مساهمة كبيرة ارتبطت أسماؤهم بحركات أو 
بنظريات أو أفكار أو قواعد تحمل اسمهم , مثلاً حركة الرشدية أو العقلانية الرشدية في 
جامعتي اكسفورد والسربون تيمناً بفلسفة ابن رشد 3 » وعلم الاجتماع الخلدوني 2 والمناظر 
ا 0 اميتي والسايكوفيزياء ل تيمناً 0 ابن 6 في مد 2( 
والفسيولوجيا رالفلب مساهمة كبيرة رك تأثيرا كصيراً 0 في ل النفس > . فبعض 
الأبواب في كتابي القانون والشفاء يمكن وصفها بأنها أبواب في علم النفس العام . ويمكن 
القول بأن ابن سينا وضع ملامح علم النفس العام مثل الأسس البيولوجية للسلوك والنمو 
والاضطرابات النفسية والجنسية . ويمكن أن نتساءل هل يمكن أن نطلق على مساهمة ابن 
سينا بأنها نظرية تستحق مصطلح «علم النفس السينوي» أو علم النفس عند ابن سينا؟ ربا 
تحتاج الإجابة عن هذا السؤال النظر بصورة كلية إلى مساهمة ابن سينا ومداخله لعلم النفس 
ومدى تأثيرهاعلى العلماء العرب والمسلمين وعلماء عصر النهضة . وكيف يمكن وضع 
مساهمة ابن سينا في مكانها الصحيح في تاريخ العلم؟ يقول نجاتي (1980) إن محاولة 
وضع تاريخ لعلم النفس . أو لنظرية من نظريات هذا العلم في الثقافة الإسلامية أمر دقيق 
صعب ويقتضي معرفة كثير من الأصول والمصادر التي كان لها في تكوين هذا العلم أثر هام . 

إن ابن سينا فى وضعه لملامح علم النفس التجريبي استعان بمصادر متعددة منها 
الإغريقية وغيرها . وقد وظف ابن سينا ببجموعة من العلوم امجاورة لعلم النفس في بناء 
ملامح هذا العلم . وكان المنظور العام لرؤيته متظورا لوليا كلياً للموضوعات النفسية 
معتمذنا علي التصنيف والملاحظة والتجريب والتحليل . وإذا تتبعنا إسهام ابن سينا سوف 
نجد حقائق عن بناء نظري لعلم جديد يتعارض مع رؤية الفلسفة الإغريقية والمنطق الأرسطي 
وحلول أرسطو للنفس . يقول نجاتي ( ) ومع أن ابن سينا قد :اسشهيان كقيرا :بازاء 
أرسطو »إلا أنه قداستفاد انقاً من مصادر أخرى لم يستفد منها أرسطو. وبخاصة 
الدراسات الطبية والتشريحية لعلماء القرون التالية لعصر أرسطو. ويضيف نغهاتي أن علم 
النفس السينوي يفوق في مواضع كثيرة 'علم النفس الأرسطي الذي جرت العادة بين مؤرخي 
الفلسفة الأوربيين على اعتباره» تجاوزا حمقلا » المثال الوحيد الكامل لعلم النفس القديم . 
وفي الحق أن علم النفس السينوي أدق وأكمل من علم النفس الأرسطي في كشير من 


209 


النواحى . 

لقد تابع هول (1919) توضيح طريقة ابن سينا لمعالجته مشكلة علم الأجنة ومشكلة 
الأساس التجريبي للمعرفة . وأن حل المشكلة الأولى هو تعديل للحل الذي قدمه أرسطو 
وأما حله للثانية فهو حل يتعارض جذرياً مع حل أرسطو . ويمتاز تأليف ابن سينا بالدقة وقدم 
حلولاً للمسائل النفسية الأساسية التي كانت تواجهه وحتى إنه ترك مجموعة من الأسئلة 
الثانوية في علم الوجود دون جواب . 

يقوم جره من مشروع ابن سينا في علم النفس على اعتماد الملاحظة كوسيلة للمعرفة 
وتكون المعرقة يما لذلك تجريية وَعْملية » وتتداخل هذه المعرفة التجريبية في مرتبة تحتية مع 
رؤية ذهنية عقلانية » كما تتداخل مع رؤية فلسفية ميتافيزيقية لقضايا النفس . إن 
استخخدامنا لكلمة «تحتي» نعني عملية تدرج ابن سينا من المكشوف ؛ للمعقول , ؛للمستور . 
وقد يكون التدرج «فوقياً» كذلك من الطبيعي ؛ إلى ما تحت الطبيعي » 000 
الطبيعي . ففي معالجة ابن سينا للعلوم الطبيعية الخاصة . حسب تعبير مرحبا » فإنه يعمل 
على ابتكار أسلوب منطقي جديد لصياغة تعاريف تتصل بالمنهج التجريبي ولاتخاذ القياس 
الآرسطاليسي وسيلة لاستنتاج المعرفة لا من طبيعة الكلي الذي لا يحده زمان ولا مكان 
كما هو الشأن في الفلسفات العقلية التقليدية بل - وهذا لب الطريقة العلمية الحديثئة - من 
طبيعة الجزئي » من المادة المحسوسة الموجودة فى الزمان والمكان . فبعد أن كانت العلة 
الميتافيزيقية هي العامل الحاسم الأول عكد ارسطلر اسيعية العلوم التجريبية هي هذا العامل 
عند ابن سينا وأصبح اليقين مبنياً على الوقائع الممكنة الحسوسة بعد أن كان قائماً على 
الماهية الضرورية المعقولة (مرحبا » )١989‏ . 

ويشبع ابن سينا المنهج التركيبي فيدرس الوظائف النفسية في ترتيب متصاعد من 
أبسطها وأدناها إلى الفطرة , إلى أكثرها غواً وكمالاً (نجاتي . )198٠‏ . إن علم النفس عند 
ابن سينا لا يخلو من نزعة تجريبية نسبية تأثر فيها بالأفكار الطبية والملاحظات الفسيولوجية 
التي وصلت إليه من الققدماء . وقد قلنا في وصف هذه النزعة التجريبية بأنها نسبية كيلا 
نغلو كثيراً في تقديرها . فابن سينا فيلسوف أكثر منه عالاً وبالتالي فإن للتجربة عنده حدودا 
يفرضها إمانه المطلق بالعقل النظري وقدرته على معرفة حقائق الأشياء والوصول إلى كنهها . 
فمهما كان إيمانه بالتجربة فإن هذا الإيمان يظل هاجسه المنطق والاهتمامات النظرية . 
فالتجربة مجرد عامل مساعد للتأمل العقلى ولكن هذا التأمل أسمى وأشرف وأكبر من أن 
تقوده التجربة وتملى عليه خطواته . فابن سينا يربأ بالعقل أن يخضع لمغريات التجربة إلا 


210 


على سبيل الاستئناس والاستذكار . فالتجربة شر لا بد منه . هكذا كان تصور القوم - أو 
فريق منهم على الأقل - للعلاقة بين العقل والتجربة (مرحبا . )١989‏ . 
لم يكن لابن سينا منافس في العصور الإسلامية وعصر النهضة إلا ابن رشد (هول , 

9) . ولم يكن ابن سينا وحده من اتخذ المدخل الذهني أو العقلاني » فابن رشد يمثل 
العقلانية الصارمة فى التراث العربى الإسلامى . وتتجلى هذه العقلانية أكثر وضوحا فى 
كتاب «فصل المقال» الذي حدد فيه طبيعة العلاقة بين الشريعة والفلسفة من الاتصال . 
وإذا كان أرسطو أعظم دماغ قام بتصنيف المعرفة » كما يقول بورنج (1181) » أو كان رائداً في 
مبدأ تحديد الأبنية الذهنية » كما يقول طه (191945١ب)‏ ء فإن ابن رشد هو أعظم من قام 
بشرح ونقد المعرفة الأرسطية وعلم النفس الأرسطي . يمثل ابن رشد » حسب تعبير أركون 
)199٠(‏ ؛ أعلى نقطة متقدمة في ذلك الوقت : أي يمثل السقف الع خامن عريا عائحة 
ضد الأرثوذكسية أو اضطر إلى خوضها من أجل إدخال النظرة العقلانية إلى الفكر 
الإسلامى . وقد مثل هذه العقلانية إلى درجة أنه أثار فى السربون وأكسفورد (أي أكبر 
اثنتين من جامعات الغرب آنذاك ) ٠‏ وفى القرن الثالث عشر الميلادي . حركة فكرية تدعى 
فى فرنسا بالرشدية أو بالعقلانية الرشدية . فهو إذن يمثل مرجعية مهمة داخل إطار الفكر 
العربى-الإسلامى . كما يمثل مرجعية مهمة داخل إطار الفكر الأوربى أو اللاتينى المسيحى 
فى ذلك الوقت . إنه يمثل نقطة التواصل والاحتكاك والتفاعل بين كلا الفكرين والثقافتين . 

وإنه يمكن القول كذلك بأن ابن الهيثم في «كتاب المناظرء ا 0 
من ابن سينا بويد احم قات اراق التي يتبعها ابن الهيئم (عمرء 1981) في «كتاب 
كار روني اعقال ا لحري 1د شمن حقيقة ما تقوله نظرية ما : هي أنه يكرر مشاهدة 
الظاهرة التى تث تشير النظرية إلى وجودها أو حدوثها وهو عادة لا يقبل بالنظرية إلا بعد 
مشاهدات عديدة تثبت صحتها . وفي حالة عدم ثباتها بعد تكرار المشاهدة فهو لا يتردد في 
التخلي عنها . والذي يثير الإعجاب حقا هو مدى تقيده بهذه القاعدة حيث إنه يطبقها 
بشكل رتيب دؤوب في كل أعماله » حتى في بعض الحالات التي لا يبدو فيها حاجة 
للمزيد من التكرار . فطريقة ابن الهيئم أدت إلى تطوير خخطير ليس في علم الضوء فحسب 
ولكن في الطريقة العلمية بشكل كامل . واتبع ابن الهيئم (العمري . ١114٠‏ ؛ فروخ , 
9) منهجاً علمياً يعتمد على الاستقراء اه والمشاهدة والقياس . وبذلك يكون ابن 
الهيثم قد سبق علماء عصر النهضة الأوربية في اكتشافه للطريقة العلمية واعتماده عليها , 
بل إنه يعتبر رائد المنهج العلمي الحديث . 


211 


تأثير علم النفس السينوي الحاسم في تاريخ العلوم 


إن أهم كتاب علمي لابن سينا هو بدون شك كتاب «القانون في الطب» ل 
تبرز أهمية تتبع تأثير الملدخل التجريبي لعلم النفس من خلاله . لقد أثر كتاب القانون تأثيرا 
كبيراً على العلماء الذين أتوا بعد ابن سينا . لذلك عكفوا على دراسته وفهمه واخختصاره 
وتنقيحه وشرحه . فمن الشروح التي تمت لكتاب القانون «التصريح بالمكنون في تنقيح 
القانون» لأبي العشائر الإسرائيلي ؛ ودشرح القانون» للآملى ؛ و«شرح القانون» لابن القف ؛ 
و«شرح القانون» لأبي الفرج بن إسحاق ؛ و«شرح القانون» للرازني ؛ و«شرح القانون» 
للخجندي ؛ و«شرح القانون» لداوود الأنطاكي ؛ وهشرح القانون» لعلي المصري ؛ و«شرح 
القانون» للموفق السامري ؛ و«شرح القانون» للكركي ؛ و«شرح القانون» لقطب الدين 
الشيرازي ؛ و«شرح القانون» للكازروني ؛ و«شرح القانون» لابن النفيس . 

كان كتاب القانون بمثابة الإنجيل الطبى لأطول مدة من الزمن ؛ وامتاز ابن سينا عن 
غيره من العلماء الموسوعيين بدقة التعبير وجودة المصطلح والإيجاز في الشرح بالإضافة إلى 
براعة فائقة في التصنيف والتبويب (البابا » 1987) . وترجع شهرته إلى ما يمتاز به من 
الام ورعس الجتبو الإحاطة بكل ما يحتاج إليه الأطباء . فكان بذلك أهم مرجع 

في العصر الوسيط ‏ يدرس في مدارس الشرق وجامعات أوروبا على حد سواء . وأول من 
اعترق بالقانون رشدييا كمرجع في تدريس الطب جامعة بولونيا في القرن الثالث عشرء 
حيث أنشئت في تلك الجامعة كلية العلوم عام ١15١‏ م» ومنذ ذلك الحين بدأ القانون 
السينوي يغزو جامعات أوربا اللاتينية ومدارسها حتى أصبح يمثل نصف المقررات الطبية في 
سائر الجامعات الأوربية في أواخر القرن الخامس عشر . 

وظل كتاب القانون متربعاً على عرش الجامعات حتى أوائل القرن السابع عشر » أي عند 
مولد الطب القائ ثم على المناهج العلمية الحديشة . وفى سنة ١76٠‏ ملم يكن «القانون» 
يدرس إلا في جامعتي لوفان ومونبلييه (الأهواني 3 ٠ )١‏ وترجم كتاب القانون في الطب 
للاتينية بواسطة جيرار الكريموني كما ترجم إلى العبرية . وترجم كتاب الشفاء إلى اللاتنية 
وسمي «سفسنتا» وكان له أعظم الأثر على مفكري الغرب وفلاسفته , ما حدا بروجر بيكون 
إلى أن ب؟ يشير إلى أن ابن سينا » يعتبر المرجع الرئيس في الفلسفة بعد أرسطو (حوري » 
8) ؛ فضلاً عن ذلك ترجمت الأرجوزة الطبية إلى اللاتينية في القرن الثالث عشر تحت 
اسم «كانتيكرم» أو «كانتيكا» ومعناها الأغنية أو القصيدة (شحادة . 1987 ؛ قطاية . 


212 


.)١9و‎ 47 

ا 8 التراجم اللاتينية نقلت آراء ابن سينا إلى 1 الفلاسفة المتأخرين في الغرب 
توماس لأكويني وليك 0 وجلايسالض الذي يعتبر ثلث كتابه في «خلود لفن 
مقتبساً من أقوال وأفكار ابن سينا » وكذلك فإن فلسفة القرن الثالث عشر الميلادي ما هي إلا 
فلسفة شعيت حدينا بالفلسفة الأوغسطينية الضاربة إلى السينوية . وير من يمثل هذه 
الحقبة هو روجر بيكون (54١؟١‏ -1594م) الذي وقف على الكتب الإسلامية وأفاد منهاء 
وبخاصة كتب ابن سينا وابن الهيثم . وكان بيكون أعرف معاصريه بحياة ابن سينا 
ومصنفاته فهو يعتبر أول اسم كبير بعد أرسطو وأهم شراحه وزعيم الفلسفة واعتنق توماس 
الأكويني رأي ابن سينا في طبيعة الكون . 

ومن الواضح نهد أن الأكويني في كتابه «شرح الأحكام» في المقالتين الأولى والثانية 
يحيل القارئ ثللاثك عشرة مرة إلى كتاب لابن سينا «في العقول» ومرهة ة إلى كتاب له في 
«صدور الموجود» شما من 0 المذهب اهم الانف الدكر «الأوغسطيني لساري 
التكنه متأثر كلية بابن سينا وهذا الكتاب نسب بعض الوقت إلى 50-00 وفي ذلك 15 
عن هذا الكتاب لسو د كتاب لكين ار الى جنديشلب - لو الثاني 0 
ب في تعريف لبرت 0 ٠‏ كما أن فاضت القديس 7 اه قد شملت 
أ كثيراً من عناصر عذته من الوسائل والمنهج والمصطلحات (الخالدي 3 )١47‏ . لقد أثر 
ابن سينا في الفكر الأوربي إبان العصور الوسطى ؛ وأثرت فلسفته في المدنية الغربية قبل 
معرفة فلسفة أرسطو ؛ ومارس علم النفس النظري لابن سينا تأثيراً اها على تاريخ 
العلوم اليونانية في الإسلام وعلى تطور التاريخ الحضاري في الإسلام عامة (أنظر هول » 
89/ا9ا١)‏ . 

إن أحد الموضوعات المركزية في التفكير السينوي 0 بحث موضوع «الأنا» والذي يحتل 
مساحة كبيرة في علم النفس الوجودي المعاصر والمتأثر بالتفكير الفلسفي الوجودي لفلاسفة 
أمثال كي ركيجارد وسارتر وهيدجر وكامو وسيمون دي بوفوار . ويتساءل الوجوديون عمًا هو 
أسبق : الوجود أم الماهية؟ وإن مقولة «أنا موجود إذا أنا أفكر» هى رد فعل للكوجيتو 
الديكارتي . إن تحليل ابن سينا للأنا وتفرقته بين الأنا (أو الآنية بحسب اصطلاحه) 


213 


والجسم هما عمدة ديكارت في تفرقته المشهورة بين الفكر والامتداد وهنا يكمن سبق 
سينا وهنا موطن عبقريته . وهكذا يمهد ابن سينا لديكارت ويد أبا الفلسفة الحديثة ببذور 
الكوجيتو (أنا أفكر فإذن أنا موجود) واليقين الأول الذي ينبني عليه كل يقين . ولقد كتب 
المستشرق الإيطالي فورلاني في مجلة إسلاميكا المجلد الثالث سنة 1977 فصلا عنوانه «ابن 
سينا والكوجيتو الديكارتي «يذكر فيه أوجه الشبه بين الفيلسوفين وأثر الحواس وامخيلة 
عندهما , ولكنه يستيعد أن يكون ديكارت قد قرأ ابن سينا رأسا لقلة المطبوعات وعدم 
تداولها أنذاك , ويرجح أن يكون ديكارت قد قرأه من طريق غليوم الأوفرني (مرحباء 
8). 

بوسعنا أن نتصور أن الكوجيتو الديكارتى «أنا افكر إذن أنا موجود» هو بعينه قضية 
«الإنسان المعلق» بالفضاء كما عبر عنه ابن سينا حين تصدي لإثبات «الآنية» أي وجود 
النفس بمعزل عن الموجودات الخارجية (الخالدي » )١1487‏ . يقول ابن سينا «يجب أن يتوهم 
الواحد منا كأنه خلق دفعة واحدة وخلق كاملا , ولكنه حجب بصره عن مشاهدة 
الخارجات , وخخلق يهوي في الهواء أو الخلاء هوياً لا يصدمه فيه قوام الهواء صدما يحوج إلى 
أن يحس » وفرق بين أعضائه فلم تتلاق ولم تتماس » ثم يتأمل هو هل يثبت وجود ذاته , فلا 
يشك في إثباته لذاته محري رد حي غواري كن امفاك ولا باطناً من أحشائه 
ولا قلباً ولا دماغاً ولا شيئاً من الأشياء من خارج »بل كان يثبت ذاته ولا يثبت لها طولا 
ولا عرضا ولا عمقاً» . 

ربا نستطيع الآن أن نقول بأن رؤية ابن سينا كانت تعبيراً حقيقياً لروح عصره العلمي 
ومداخل المعرفة المتعددة خاصة الاستبطانية والعقلية والتجريبية منها . ونتيجة لتكامل هذه 
المداخل فقد تركت آثارها على تاريخ المعرفة عامة . وبلغة هول , كانت «نقطة تحول في تاريخ 
الفلسفة» لذلك يجب وضعها في مكانها الصحيح في تاريخ غلم النفين . وكانت نظرية 
علم النفس هى محور الاهتمام في العالم الإسلامي في العصور الوسطى . وكان ابن سينا 
الشخصية الرئيسة في تاريخ الفكر الإسلامي .إن علم النفس كان مركز اهتمام ابن سينا 
و«واسطة العقد» في أعماله حتى إن نظرياته نالت أهمية عظيمة في تاريخ علم النفس . وإن 
علم النفس عند ابن سينا أخذ معاني ودلالات أبعد في تاريخ الفكر الإسلامي . لأن 
النظام الفلسفي الذي أبدعه كان نقطة تحول كلي في تاريخ الفلسفة والعلوم والتحقيق النظري 
في 0 الإسلامي إذ دار معظم تفكير ابن سينا حول تحليل العواقب النفسية . لذلك 

يجب أساساً وقبل كل شيء ذ فهم تعاليم ابن سينا ومذاهبه النفسية فهماً صحيحاً من أجل 


214 


تحليل تاريخ الفكر الإسلامي أو بالأحرى الفهم السليم لسياق العلوم الإنسانية .لقد 
مارست نظرية علم النفس قوة رئيسة عن التشكيل النهائي للحضارة الفكرية الإسلامية . 
ولا يشك أحد في أن ابن سينا كان شخصية رئيسة في تاريخ الفكر الإسلامي والمهمة 
الحقيقية هي معرفة بأي وسيلة استطاعت فلسفة ابن سينا تغيير مسار العلوم اليونانية في 
العالم الإسلامي وبذنلك غيرت تطور حضارة ا ككل وإذا كان الوصف كديا 
حتى الآن فإن علم النفس النظري لابن سينا مارس ثيراً حاسماً على تاريخ العلوم اليونانية 
في الإسلام وعلى تطور التاريخ الحضاري في الإسلام عامة . 


البحث الخلاق فى التراث السيكولوجي 


إن بعض مفاهيم علم النفس ومصطلحاته ونظرياته ومناهجه التي استخدمها ابن سينا 
وحتى بعض آرائه الصارمة في الفسيولوجيا والتشريح ربما تكون الآن فى متحف التاريخ 
حسب بعض الرؤى المعاصرة في علم النفس . ولكن تكمن أهمية آراء ابن سينا في هضمه 
للتراث النفسي السابق والمعاصر له وتجاوزه وبناء معالم لعلم جديد مع تأثيره العملاق في 
تطور العلم كافة والمساهمة الكبيرة في عقول رواد النهضة الأوربية . يقول نجاتي )١98٠(‏ 
«ولعلم النفس السينوي نقائصه التي لا ينبغي إغفالها وهي نقائص لحقت جميع الدراسات 
النفسية التي حاولها العلماء الأقدمون على العموم . وهي ترجع إلى نقص وسائلهم في 
البحث والتعجربة . فكانوا مثلاً يقتنعون بالملاحظة بالعين المجردة » لأنهم لم يعرفوا المنظار 
المكبر فضلاً عن الآلات الكثيرة التى يستعملها العلماء الآن فى الملاحظة وإجراء التجارب 
العلمية» . ١ ١‏ 

يبدو لي أن هناك نوعاً من التقييم المتعسف . من قبل غباتي ‏ بالنسبة لإسهام ابن سينا 
في عصره مثلاً قوله : «لعلم النفس السينويٍ نقائصه» . «نقائص لحقت جميع الواناكت 
النفسية» » «لم يعرفوا المنظار المكبر» . «فضلاً عن الآلات الكثيرة التي يستعملها العلماء 
الآن» . هناك مفارقة تاريخية في هذا القول . وذلك بذكر عدم عرد ة المنظار في القرن 
الحادي عشر الميلادي . وينبغي على مؤرخ العلم الدقيق أن يكون درا في حالة إجراء 
التقييم أو المقارنات بين حقب تاريخية مختلفة في تطور العلم . يبدو أننا لا نعيب على ابن 
سينا بأنه لم يكتشف المنظار لكيما يقوم ب«الملاحظة وإجراء التجارب العلمية» . إن فخنر لو 
كان في عصر ابن سينا لما توفرت له أدوات التجريب الدقيق في السايكوفيزياء » وإن فونت لو 


215 


كان فى عصر ابن سينا لما توفرله إنشاء معمل تجريبي لعلم النفس . وان بافلوف لو عاش في 
عصر ابن سينا لما توفرت له أدوات القياس التجريبي الفسيولوجي الدقيق , وإن سكنر لو كان 
في عصر ابن سينا لا تكلم بذات الدقة عن تكنولوجيا السلوك ‏ وإن نجاتي إذا عاش في عصر 
ابن سينا لما عرف ما هو المنظار . 

بوسعنا القول بأن العوامل التي أدت إلى تطور علم النفس السينوي كانت معقدة وذلك 
لأنه وبصورة مدهشة ؛ كان يتنقل بين ثلاثئة مداخل . وفي تقديري , ليس هناك توتر أو 
تناقض بين هذه المداخل للنفس أو لعلم النفس إنما هناك وحدة في التنوع أو وحدة في وجود 
النفس . لقد حدد ابن سينا قينه قش في كتابي الشفاء والنساة بعنوان #ركفدم النفس» 
ذاكراً بأن النفس النباتية والحيوانية والإنسانية لا تؤلف ثلاث نفوس مختلفة بل ذاتاً واحدة . 
وتتمثل عبقرية ابن سينا في علم النفس في تدرجه الثلاثي المنساب من المدخل 
الميتافيزيقي عللمدخل الذهني للمدخل التجريبي . وبصورة ثانية » من ما وراء الطبيعي 
إلى ما تحت الطبيعي ثم الطبيعي . وبلغة ثالثة » من المستور إلى المدروك إلى المكشوف . 
وبلغة رابعة . من العلة الغيبية اللامرئية إلى العلة الذهنية المعرفية إلى العلة المحسوسة 
والملموسة . وبلغة خامسة . من الاستدلال البسيط إلى المتوسط ثم المعقد . وبلغة سادسة ‏ 
من القياس الكلي , للأوسط » للجزئي . إن ابن سينا هو فيلسوف ومفكر وعالم وبذلك قدم 
رؤى في الميتافيزيقا والفكر وفي العلم التجريبي . وإن مساهمة ابن سينا في وجود ثلاثة 
مداخل لعلم النفس في آن واحد هي استجابة طبيعية إلى تكوينه المعقد : الفلسفي 
والفكري والعلمي . إن هذه الشلاثية في مداخل ابن سينا قد تركت آثارها في رؤيته 
المنسابة حول النفس . عندما نقول «ثلاثية» لا نتتحدث عن «تثليث» أو «ثالوث» بين 
مداخل ابن سيئا لدراسة النفس إنما نتتحدث عن تدرج «هارموني» لهذه المداخل . 

كانت مساهمة ابن سينا النفسية متداخلة المعارف النفسية أو متعذددة المعارف إذ 
اهتمت بمعالجة قضايا النفس وعلم النفس بصورة متدرجة ومنسابة من التحتي للفوقي ء أو 

من الفوقي للتحتي . ومن الجزئي للكلي , ومن البسيط للمعقد . ولم يكن ابن سينا مجرد 
ناقل أو تابع للتراث الإغريقي أو المعاصر له بل كان ناقداً وهاضماً ومبدعاً وأصيلاً ومبتكراً 
وخارقاً وعبقرياً حسب أوصافه في كتب التراث والكتب المعاصرة . فيا ترى كيف يمكننا أن 
نستلهم مداخل ابن سينا المنسابة التداخل لعلم النفس ؟ إن حلول التراث العربي 
الإسلامي , من خلال مشروع ابن سينا » كانت حلولاً أصيلة تعبر عن روح عصرها الذهبي . 
كيف يمكنا إذا فهم علم النفس في التراث العربي الإسلامي وهضمه وفهم علم النفس 


216 


المعاصر أو الحديث واستيعابه وتجاوزه بذات الكيفية التي قام بها ابن سينا . بلغة أخرى , 
علم نفس بلا رجعة كلية . وبلا تكوص كلي للماضي بل باستلهامه وأخذ العبر منه » وعلم 
نفس بلا تبعية واتكالية على الغرب بل باستجابة واعية وناقدة له 5 

لقد أرسى بعض رواد العلماء في التدراث العربي الإسلامي قواعد البحث العلمي 
0 المساهمة احا لبقي عا غلم لكر والصول لذ لم ورا لمر اجنين 
النفس ؟ ولاذا / تتم قراءة ناقدة للتراث من قبل علماء النفس بقصد إحيائه وتجديده وأخذ 
العبر منه؟ ولماذا هناك انفصال ارتفاعي من علم النفس الأصيل في التراث العربي 
الإسلامي؟ وانفصال طولي من علم النفس الدينامي في الغرب ؟ وانفصال عرضي من علم 
النفس الواقعي في المجتمع المعاصر؟ ويمكن طرح السؤال التالي : بأي كيفية كان ابن سينا 
يجذر الظاهري في الباطني ؟ ويجذر الطبيعي في ما وراء الطبيعي؟ ويجذر المكشوف في 
المستور؟ فيا ترى كيف يمكننا أن نجذر علم النفس في التراث استجابة لمطلب الهوية » وفي 
ذات الوقت يواكب لما هو دينامي معاصر استجابة لمطلب التغيير . في تقديري »فلا نهضة 
لعلم النفس من غير استلهام للتراث المشبع بروح القلق , ولا صحوة من غير أخذ العبر من 
التراث المشحون بالتوترء ولا بعث من غير البحث الخلاق لإعادة قراءة التراث العربي 
الإسلامي . 


217 


المصادر والمراجع 


ابن أبى أصيبعة (1167) . عيون الأنباء فى طبقات الأطباء . بيروت : دار الفكر . 

ابن سينا » الشيخ الرئيس أبوعلي (9480 )1١75-‏ . الشفاء . تحقيق ومراجعة جورج 
قنواتي وسعيد زايد (1916) . القاهرة : الهيئة المصرية للكتابٍ . 

ابن سينا ء الشيخ الرئيس أبو على (980 )٠١*5-‏ . القانون في الطب . بيروت : 
دار صادر . 

ابن سينا » الشيخ الرئيس أبوعلي (9480 )٠١55-‏ . النجاة . تمحقيق سليمان دنيا 
)١155(‏ . القاهرة : مطبعة السعادة . 

ابن سينا » الشيخ الرئيس أبوعلي )٠١55- 948٠0(‏ .الإشارات والتنبيهات . صححه 
سليمان دنيا )١451/(‏ . القاهرة : دار إحياء الكتب العربية . 

ابن النديم (191/8) . الفهرست . بيروت : دار المعرفة . 

ابن الهيثم . الحسن (ت 477 هجرية) . كتاب المناظر » تحقيق ومراجعة عبد الحميد 
صبرة )١1987(‏ . الكويت : المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب . 

أركون » محمد (1140) . الإسلام والحداثة . في ندوة مواقف : الإسلام والحداثة 
(ص #23١.‏ - 56”) . لندن : دار الساقى . 

الأهوانى . أحمد فؤاد (1404) . ابن سينا . القاهرة : دار المعارف . 

الباباء محمد زهير (1987) . دفع الغطاء عن إحدى رسائل ابن سينا الطبية «دفع 
المضار الكلية عن الأبدان الإنسانية» (ص . 59- )١١١‏ . أبحاث المؤتمر السنوي الخامس 
لتاريخ العلوم عند العرب ١4 -١7 ٠»‏ أيارء 1948١‏ » حلب » سوريا . 

تامرء عارف )١1987(‏ . جولة فى آفاق ابن سينا ( ص . 174-١١‏ ) . أبحاث المؤمر 
السئوي النامس لتاريخ العلوم عند العرب . 17 - ١4‏ أيارء 1944١٠ ٠‏ : حلب »: جامعة 
حلب . 

الحر. محمد كامل )١199١(‏ .ابن سينا حياته - آثاره وفلسفته . بيروت : دار الكتب 
العلمية . 

حوري ء فؤاد )١988(‏ . الشيخ الرئيس ابن سينا العلم الموسوعي (ص .4غ -لا"؟) . 
أبحاث المؤتمر السنوي العاشر لتاريخ العلوم عند العرب الذي نظمه معهد التراث العلمي 
العربي بجامعة حلب . والمنعقد في اللاذقية 17 - 75 نيسان 14985 ء سوريا . 


218 


الخالدي ؛ صلاح الدين (1587) . ابن سينا رائد الطب النفسي (ص . 148- 
5 ) . أبحاث المؤتمر السنوي الخامس لتاريخ العلوم عند العرب » ١5 -١7‏ أيار: 21941 
حلب . سوريا . 

زيعورء على (1980) . مذاهب علم النفس . بيروت : دار الأندلس . 

سارتون . جورج (14959) . تاريخ العلم . أشرف على الترجمة ء ابراهيم بيومي . 
قسطنطين زريق » محمد زيادة » محمد مرسي أحمد . القاهرة : دار المعارف . 

شحادة , عبد الكريم )١1987(‏ . ابن سينا الطبيب (ص .ا6١-151)‏ . أبحاث المؤتمر 
السنوي الخامس لتاريخ العلوم عند العرب ١4 -١7 ٠‏ أيارء 1941 » حلب » سوريا . 

شحادة , عبد الكريم (1987) . محات حول الحياة والمعرفة عند ابن سينا (ص . -١57‏ 
6 . أبحاث المؤتمر السنوي الخامس لتاريخ العلوم عند العرب والذي نظمه معهد التراث 
العلمي العربي بجامعة حلب » ١54 -١*‏ أيار 19441 » حلب , سوريا . 

طه » الزبير (99١ب)‏ . أسس وملامح نظريات التعلم في التراث الإسلامي . رسالة 
الخليج العربي » 7ه , "اه -5ه . 

طه ؛ الزبير (440١أ)‏ . الفسلجة العصبية فى كتاب القانون فى الطب . امجلة العربية 
للطب النفسى ١ ١ . 1875-١471.‏ 

عبد الرحمن » حكمت نجيب (/1417) . دراسات في تاريخ العلوم عند العرب . 
الموصل : جامعة الموصل . 

عثمان . حسن ملا (1987) . الأفكار النفسية والتربوية عند ابن سينا (ص . 0٠7؟-‏ 
7) . أبحاث المؤتمر السنوي الخامس لتاريخ العلوم عند العرب والذي نظمه معهد التراث 
العلمى العربى بجامعة حلب » ١4 -١7‏ أيار 194481 ء حلب ء سوريا . 

عمرء صالح (1981) . الاستقراء عند ابن الهيثم . مجلة تاريخ العلوم العربية , ه, 
هلا - ةم . 

العمري , عبد الله )١140(‏ . تاريخ العلم عند العرب . عمان : مجدلاوي . 

عينتابي » محمد فؤاد (1985) .ابن سينا : فخر العرب وعبقري الإسلام (ص . 
1910-5 ) . أبحاث المؤتمر السنوي الخامس لتاريخ العلوم عند العرب والذي نظمه معهد 
التراث العلمى العربى بجامعة حلب ١54 - ١‏ أيار 1441١‏ , حلب » سوريا . 

فاخوري . محمود (1987) . سيرة ابن سينا ( ص 7١١-١99.‏ ) . أبحاث المؤتمر 
السنوي الخامس لتاريخ العلوم عند العرب ١4 - ١7٠‏ أيارء 1١941٠‏ حلب . جامعة حلب . 


219 


فروخ . عمر (19170) . تاريخ العلوم عند العرب . بيروت : دار العلم للملايين . 

قطاية . سلمان )١1987(‏ . الأراجيز الطبية (ص )777-7١7.‏ . أبحاث المؤتمر السنوي 
الخامس لتاريخ العلوم عند العرب » ١54 -١*‏ أيارء 19481 » حلب . جامعة حلب . سوريا . 

مراد . يوسف )١955(‏ . مبادئ علم النفس . القاهرة : دار المعارف 

مرحبا . محمد عبد الرحمن )١1184(‏ . بعض الإيجابيات في تصور علم النفس عند 
ابن سينا (ص . 487 - 867) . أبحاث المؤتمر السنوي العاشر لتاريخ العلوم عند العرب ٠‏ 77 
- 5” نيسان 1985 ء اللاذقية » سوريا . 

مرمورة . مخائيل )١1948٠(‏ . تقسيم ابن سينا للعلوم في «المدخل» من «الشفاء» . 
مجلة تاريخ العلوم العربية  "0١-5949 ٠5‏ . 

نجاتي . محمد عثمان (1980) .الإدراك الحسي عند ابن سينا . القاهرة : دار 
الشروق . 

نسيمي , محمود ناظم (1987) . أوطان ابن سينا ولسانه وإهانه (ص . /ا581-95) . 
أبحاث المؤتمر السنوي الخامس لتاريخ العلوم عند العرب والذي نظمه معهد التراث العلمي 
العربى بجامعة حلب ١4 - ١‏ أيار 19441 ء حلب », سوريا . 

هارلو» هاري (148) . دراسة سلوك الحيوان . ترجمة كمال دسوقي . في : مناهج 
البحث في علم النفس ., الجزء الأول . ص ”447 - 48 . أشرف على تأليفه ت . أندروز . 
أشرف على ترجمته يوسف مراد . القاهرة : دار المعارف . 

هول . روبيرت (19178) . مشال حاسم على تأثير مباحث علم النفس في العلوم 
والحضارة الإسلامية : بعض العلاقات ما بين علم النفس عند ابن سينا وفروع أخرى لفكره 
والتعاليم الإسلامية . مجلة تاريخ العلوم العربية » ١78-١7١.‏ . 

الهوني , فرج محمد )١198(‏ . تاريخ الطب في الحضارة العربية الإسلامية . مصراتة : 
الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان . 


220 


المراجع الأجنبية 


-لماءاممة العمل باعل8 . لإوهاأمطعلا5م أقأمعم!اءعملاء 01 لممأقتط ى .(1957) .8 رعمرم8 
01015 المع 


221 


راث جه 
5-7 


مره 0 


بن ادم يد أ سنا * 
| انان ارخ اراد يلي 
أرحوتام, ركان أرديم, 9 ات 
عه ارجا زمار 1 ناي 
راد مارو رفيارد دبابئة الطب رهرعابد 
دز ارلانسا راف داد رس أن 
اراد ان لقره للد يساما ثرا لما 
ليم علي ميته 2 كافانمة 
را[امبقملات لها مم رد رما اخكبا 
رشرها: عمزلائبار ريضهاءاليل افاي 
مط ههامزلاعصاب ما أنميلالى ' رطب 
محم لم عرف صارد 75 هيأ 0 
لاقام ستكنتدام لاز دهاحلانءتلام 
ترج ا معانها نزبه شوم سد ناسود 
ادها نوعطم لحا دعاردها سود ما نَأ 


أرجوزة ابن سينا في التشريح 


222 


223 


علم البنية 


ية 


العضوية وتشريح 


الأعصاب 


0 





الفصل السابع 


علم النفس المرضيى 


225 


مصادر علم النفس المرضى في التراث 


قدم العلم العربي الإسلامي مساهمة كبيرة في فهم وتصنيف وتشخيص الاضطرابات 
النفسية., وتحديد العلاقة بين الجانب الجسمي والنفسي فيما يعرف حاليا 
بد ..... .النفسجسدي» أو «السيكوسوماتيك» بالإضافة إلى استخدام التدبير (العلاج) 
النفسي واستخدام بعض العقاقير الطبية . ولقد ذكرنا سابقاً بأن جزءاً مهماً من علم النفس 
قد تأسس من خلال الدراسات والممارسات الطبية كما رأينا فى الفصل الخاص بالتشريح 
والفسيولوجيا وبعلم نفس الطفل . وإذا تتبعنا بصورة عامة قائمة مشاهير علماء التراث 
العربي والإسلامي في الطب .ء التي من خلالها يمكننا تتبع التراث النفسي , نهد أن القائمة 
تضم » حسب حصر ابن أبي أصيبعة أسماء مثل و 
وآل بختيشوع . والكندي ., والرازي » وعلي بن ربن الطبري » وسابور بن سهل ٠‏ وابن سينا » 
والبيروني ٠‏ وابن زهر . والزهراوي , وابن رضوان . وابن بطلان , وابن أبي اصيبعة . وثابت بن 
قرة » وقسطا بن لوقا ء وابن التلميذ » وابن النفيس ., والكحال » وابن جلجل . وابن الجزار » 
وابن جزلة » وابن المطران » والبغدادي » والصاحب أمين الدولة . . . الخ» . 

ونتيجة للحيز المكاني يصعب علينا التعرض لجميع الإسهامات الطبية أعلاه لتحديد 
8 قور اي وم ل تر كر 
التراث العربي الإسلامي والتي من خلالها يمكن أن نحدد ملامح ومعالم علم النفس 
المرضي والتدبير النفسي . وسوف نحاول في هذه الدراسة تتبع مساهمة بعض هؤلاء الأعلام 
وبخاصة ابن الجزار » وابن سينا ء والرازي . وسوف نعالج في هذه الدراسة بعض مصادر علم 
النفس المرضي في التراث » وموضوع الاضطرابات النفسية . والتتشخيص النفسي 
والتتشخيص الفارق » والملاحظات السريرية الحية فضلاً عن تقنيات التدبير أو العلاج 
النفسي . 

أولاً : قدم ابن الجزار مساهمة كبيرة ة في علم النفس المرضي فضلاً عن مساهمته 
السابقة الذكر في علم نفس الطفل . ويذكر ابن أبي أضيبعة سبعة وفقرين عتوانا لايق 
الجزار » من بينها ما له علاقة مباشرة بعلم النفس » مثل : كتاب زاد المسافر وقوت الحاضرء 
والذي منه نسخة بالرباط » وطهران » وتركيا . وكتاب سياسة الصبيان وتدبيرهم » منه نسخة 
بالبندقية ؛ ونسخة بالأسكوريال وسبقت الإشارة إليه . وكتاب طب المشايخ وحفظ 
صحتهم . منه نسخة بدار الكتب المصرية . وكتاب مداواة النسيان وطرق تقوية الذاكرة . 


227 


وكتاب في الملنخوليا منه نسخة مع كتاب في الكلى والمثاني بأكسفورد , ورسالة فلسفية 
تتناول موضوع النفس واختلاف الأوائل فيها , ذكرت في طبقات الأمم . ومعجم الأدباء , 
ورسالة في علم النفس » ذكرت في هدية العارفين » ورسالة في النوم واليقظة » ذكرت في 
الوافي بالوفيات وعيون الأنباء وكشف الظنون وسلم الوصول وهدية العارفين . وكتاب الفرق 
بين العلل التي تشتبه أسبابها وتختلف أعراضها . ولعل من أهم كتب ابن الجزار موسوعة : 
«زاد المسافر وقوت الحاضر» والتي تمت ترجمتها إلى اللاتينية » واليونانية » والعبرية (انظر 
عمارء .)١987‏ 1 

عالج ابن الجزار في الباب العاشر من كتاب «زاد المسافر» مرض الصداع » واستشهد 
بأقوال جاليئوس في كتابه «التعليم» وكتابه في «العلل والأمراض ذ في الرأس» . وبين ابن 
الجزار إجمالاً سا فسيولوجية للصداع ناتجة عن إصابة الدماغ نفسه »أو أسيباباً بيولوجية 
ناتبة عن إصابة الأعضاء دون الرأس وفى مقدمتها المعدة . وترتكز تفاسير ابن الجزار 
الأساسية للصداع بالأمزجة الأربعة : الدموية » والبلغمية » والصفراوية » والسوداوية . كما 
عالج في الباب الحادي عشر مرض الشقيقة (الصداع النصفي) . وعالج في الباب الثاني 
عشر الداء المسمى بالبيضة ء وهذان البابان يتحدثان في الواقع عن الصداع النصفي أو 
الشقي المعروف اليوم بالشقيقة . ويحدد ابن الجزار المصدر الفسيولوجي للصداع بقوله : « إذا 
مالت فضول الكيموسات إلى الشق الأيسر من الدماغ فتسمى شقيقة» . 

وتكلم ابن الجزار عن اليترعش أو ما يسميه النسيان . كما تعرض في الباب الرابع عشر 
إلى النوبات الصرعية التي تغطي اليوم عديدا من الأشكال المرضية ‏ عند الشيوخ - المتنوعة 
الأسباب . بينما تحدث ابن الجزار عن مرض الصرع عند الأطفال في كتاب سياسة الصبيان 
واديرهم كنا ذكرنا بيالةا . ويتعلق الباب الخنامس عشر بالمنتبه وهي حالة مرضية طارئة 
أشبه مايسمى اليوم بنوبات الوسن أو نوبات الجمود المجاورة لها . وربما تقابل كذلك 
الكاتاتوببة التخشبية . ويفسر ابن الجزار هذه الحاللات بيبس الصفراء وحدتها . وهو تفسير 
غامض حيث إن النوبات تقترب من الصرع , وتفسر الآن على ضوء الفسيولوجيا العصبية » 
واضطراب الطاقة الكهربية بالدماغ . 

وعالج ابن الجزار في الباب السادس عشر السبات ؛ ووصف حالات مختلفة الخطورة 
أشبه بفقدان الوعي من الدرجة البسيطة العابرة . يقول ابن الجزار : « إن السبات هو الميل إلى 
النوم مع تغميض العينين ويكون ذلك على أحد وجهين إما أن يستغرق المريض في النوم 
حتى يعسر انتباهه » وإما أن يكون نومه نوما خفيفا» . وعالج ابن الجزار في الباب السابع 


228 


عشر موضوع السهر , وهو ما نعبر عنه اليوم بالأرق . وتعرض المؤلف لأسبابه العديدة , ومنها 
الخطيرة جدا » وهى عضوية متولدة من الرطوبة أو من اليبوسة للصفراء أو السوداء حتى تكاد 
تغير ألوان الوجه وتتسبب في العطش والهذيان . وفي الباب الثامن عشر تم معالجة مرض 
الشرشام الذي يسمى فراينطيس عند اليونان ‏ وهو ما يمثل اليوم الهذيان الحاد الناجم عن 
أصسباب عضوية ة أو نفسية شديدة . يقول ابن الجزار : «فالشرشام بالقول المطلق هو حجاب وهو 
ورم يعرض في بعض ساحات الدماغ يلحقه دائماً أرق وهذيان واختلاط عقل . وربما كان 
الورم في الدماغ نفسه فيكون أكثر لخطره , وأعظم لبليته . ويتولد عن سببين : أحدهما 
التهاب المرة الصفراء » أو اشتغالها في حرمة الدماغ . والآخر من غليان دم القلب وفورانه» . 

وكان موضوع الباب الثاني والعشرين هو الصرع المسمى بالمرض العظيم أو الأبلميسيا . 
ووصف ابن الجزار هذه العلة من الناحية السريرية بدراية ووضوح , فالصرع عند ابن الجزار 
بمنزلة الفالج الصغير بالنسبة للسكتة ؛ لأن نوبته عابرة » وهو ناتم عن رطوبة تسد بطون 
الدماغ . يقول ابن الجزار: « فيرتقي بخار غليظ في الأعصاب إلى الدماغ فيفسد بغلظه 
المسالك النفسانية فيصرع عند ذلك الإنسان . ويكون سقوطه ضربة واحدة ويظهر فيه 
الزبد» . كما تحدث ابن الجزار مفصلاً الأعراض الحسية والحركية : «والأعراض التي تلحقه 
هي فقدان الحس . وبطلان الحركة الإرادية وذهاب العقل وفساد قواه المدبرة وتشنج ؛ إلا أنه 
يذهب مكانه إذا أفاق المصروع» ورا أشار ابن الجزار لعدم القدرة على التحكم في 
الإخراج : «وقد يتبع ذلك سيلان المني وخروج البراز والبول بغير إرادة » وإنما يكون على 
نوائب معلومة» . ووصف ابن الجزار في الباب الثالث والعشرين مرضي الفالج وقد بين 
أصنافه بالتفصيل ء وبدراية فائقة . وبيّن الشكل الخفيف والخطير للسكتة , وبالتقريب 
أصناف الشلل الحسي والخحركي حسب موضع إصابة الدماغ والنخاع كما تكلم عن أعراض 
الفالج الأيمن والأيسر . وكان الباب الرابع والعشرون عن التشنج والكزاز . واحتتم ابن الجزار 
الجزء الأول من كتاب «زاد المسافر» بالحديث عن علتى الرعشة والخدر ؛ ووصف أنواعهما 
وأسبابهما (انظر عمار: 1987) . ١‏ 

ثانياً : مساهمة ابن سينا في علم النفس المرضي . وسبق الحديث عن ابن سينا في 
ثلاثة فصول أساسية لذلك سوف نختصر الحديث عن مساهمته في هذا الجزء من الدراسة . 
إن كتب ابن سينا الأساسية في الفلسفة هي «الشفاء» و«التتساة» و«الإشارات» . وكتابه 
الرئيس في الطب هو «القانون» . كما كتب ابن سينا *“” كتاباً في المواضيع النفسانية 
وتضمنت إسهامات ابن سينا «النفس» في القسم السادس من طبيعيات موسوعة 


229 


«الشفاء» , «فى النفس» فى المقالة السادسة من الطبيعيات فى كتاب «النجاة» » وكتاب 
بعنوان «أحوال النفس» » ورسالة في «معرفة النفس الناطقة وأحوالها» » ورسالة في «الكلام 
عن النفس الناطقة» » ورسالة أو مبحث «عن القوى النفسانية» . ومن جملة إسهامات ابن 
سينا كان الأطباء العرب يفضلون كتاب «القانون فى الطب» قائلين «إن كل الصيد فى جوف 
الفرا» - كما قال الرازي - »أي إن الكتاب شامل كلي . وقسم ابن سينا كما فصلنا في 
فصل سابق كتاب «القانون في الطب» إلى خمسة كتب : (الكتاب الأول) في الأمور الكلية 
في علم الطب , و(الكتاب الثاني) في الأدوية المفردة . و(الكتاب الثالث) في الأمراض 
الجزئية الواقعة بأعضاء الإنسان . و(الكتاب الرابع) في الأمراض الحزئية التي إذا وقعت لم 
تختص بعضو ء و(الكتاب الخامس) في تركيب-الأدوية وهو الأقراباذين . 

فغي الكتاب الأول 3 يوضح ابن سينا أهداف مشروعه الطبي متدرا القول : «فقد 
التمس مني بعض خخلّص إخواني ومن يلزمني إسعافه بما يسمح به وسعي أن أصنف في 
الطب كتاباً مشتملا على قوانينه الكلية والجزئية اشتمالاً يجمع إلى الشرح والاختصار. 
وإلى إيفاء الأكثر حقه من البيان والإيجاز» فأسعفته بذلك . ورأيت أن أتكلم أولاً : في 
الأمور العامة الكلية في كلا قسمي الطب . أعني القسم النظري », والقسم العملي ؛ثم بعد 
ذلك أتكلم في كليات أحكام قوى الأدوية ا ل 0 ثم بعد ذلك في 
الأمراض الواقعة بعضو عضو فأبتدئ أولاً : , بتشريح ذلك العضو ومنفعته , وأما تشريح 
الأعضاء المفردة البسيطة فيكون قد سبق منى ذكره فى الكتاب الأول الكلى , وكذلك 
منافعها . ثم إذا فرغت من تشريح ذلك العضو ابتدأت في أكثر المواضع بالدلالة على كيفية 
حفظ صحته . . . .» . لقد عالجنا مساهمة ابن سينا الشمولية للتشريح (علم البنية العضوية) 
والفسيولوجيا (علم منفعة الأعضاء) في الفصلين الثاني والثالث من هذا الكتاب . ويعتبر 
التشريح والفسيولوجيا في العلم الحديث بمثابة قاعدة بالنسبة لعلم النفس المرضي . والعلاج 
النفسي . ومنذ القرن الحادي عشر الميلادي لقد ربط ابن سينا ربطا محكما بين الأمراض 
والعلاج من جهة والتشريح ووظائف الأعضاء من جهة أخرى . 

وفي كتاب القانون هناك عدة فصول عن الأمراض أو الاضطرابات النفسية بلغة علم 
النفس المعاصر . من هذه الأمراض ما كان بنفس المصطلح المستخدم حالياً مثل الصرع . 
والكابوس . والمانيا » والهذيان . والدوار ‏ والخنثى , والشهوة . ولكن استخدم ابن سينا كذلك 
بعض المصطلحات التي تداعت من قواميس علم النفس المعاصر مثل الالنخوليا . كما 
يصعب علينا مقابلة أو مقارنة دقيقة لبعض التصنيفات السينوية للاضطرابات النفسية فى 


230 


ضوء المصطلحات الحالية . ومن بين هذه المصطلحات السينوية : « العشق» . وه الكزاز 
والتمدد» , وه الفلغموني العارض» . و«الشيافات التي تحتمل للزحير» , و« القطرب» ٠‏ وم 
داء الكلب» . إذا تتبعنا بعض فصول هذه الاضطرابات في كتاب القانون نجد رين وأعراضا 
تأسياناً لها . فمثلاً 5 في «فصل في آفات الذهن» تحدث ابن سينا عن أصئاف الضرر الواقعة 
في الأفعال الدماغية وأسبابها . وفى «فصل في اختلاط الذهن والهذيان» . و«فصل في 
الرعونة والحمق» » وصفهما بأنهما آفتا العقل . 

وفي «فصل في فساد التخيل» ؛ وهو يرتبط بتخيل الأشياء غير الموجودة » وهي 
الهلاوس . وفى «فصل المانيا . وداء الكلب» عرف المانيا بأنها الجنون السبعى بينما داء 
الكلب نوع منه يشبه طبع الكلب » وأسباب هذا المرض شبيهة بأسباب المالنخوليا » وكلاهما 
سوداويان . وفي «فصل في الالنخوليا» يذكر بأن أسبابها في الدماغ . أو خارجه », وترتبط 
بالمزاج السوداوي . وفي «فصل في القطرب» », وهو نوع من الالنخوليا يرتبط بالخلوة » والبعد 
عن الناس » وعدم المكوث في موضع واحد مع التردد وحذر الناس مع السكوت والعبوس 
والتأسف والتحزن . وفى «فصل في الدوار» هو أن يتخيل لصاحبه أن الأشياء تدور عليه وأن 
دماغه وبدنه يدوران مع عدم الشبات . وفي «فصل في الكابوس» وهو مرض يحس فيه 
الإنسان عند دخوله في النوم خيالا ثقيلا يقع عليه مع ضيق النفس وانقطاع الصوت 
والحركة . وفي «فصل في الصرع» وهو علة تمنع الأعضاء النفسية عن أفعال الحس والحركة 
والانتصاب مع التعرض للتشنج الكلى . وفى «فصل في العشق» وهو مرض وسواسي يرتبط 
بتسليط فكرة الإنسان على استحسان بعض الصور والشمائل . 


الرازي وعلم النفس المرضي 


نتيجة لعدم تحدثنا عن إسهامات الرازي من قبل إلا فى جزء يسير من باب علم نفس 
الطفل لذلك سوف نفصل في بعض الموضوعات الخاصة بعلم النفس المرضي في هذا الموقع 
فضلا عن موقع منفصل عن الملاحظات السريرية ؛ ذكر ابن النديم في الفهرست عددا من 
كتب الرازي التي لها علاقة بعلم النفس منها «كتاب كيفيات الإبصار» » والقسم العاشر من 
كتاب الحاوي «في التشريح ومنافع الأعضاء» . و«دكتاب في الأسباب المميلة لقلوب الناس 
عن أفاضل الأطباء إلى أخسائهم» , ودكتاب في نقض الطب الروحاني» » و«كتاب في 
التلطف في إيصال العليل إلى بعض شهواته» , و«دكتاب في أن الحركة ليست مرئية بل 


231 


معلومة» » و«كتاب في أن النفس ليست بجسم ء وه كتاب في النفس» كبير » و«كتاب في 
اندىة مهي ود كنات قح لطييك وكيف يقش أن يكزن كاله فى افيه وبدانه 
وشربه» , ودكتاب ميزان العقل» . ودكتاب في السكر » ؛ ودكتاب في الأوهام والحركات 
والعشق» . أما مؤلفات الرازي الشهيرة فى الطب فهى : «الكافى فى الطب» » و«المنصوري» » 
ودكتاب ما الفارق أو الفروق أو كلام في الفرق بين الأمراضء ء و«الحاوي» » و«دكتاب 
الجدري والحصبة» . 
وسوف نستعرض بصورة سريعة بعض الموضوعات المهمة ذات العلاقة المباشرة بعلم 
النفس المرضي والعلاجي . بالنسبة لكتاب «الكافي في الطب» يقسمه الرازي إلى مقالتين 
رئيسيتين » تتكون كل منهما من عدة أبواب . ويعرض الرازي المادة الطبية على طريقة 
الكنانيش » فيبدأ بذكر العلل التي تصيب الرأس ؛ ويتدرج منها إلى أسفل حتى علل القدم . 
أي من القرن إلى القدم . ويذكرأولاً العلة ؛ ثم يتطرق إلى شرح السبب .ء ثم العرض » ثم 
ينتهي بذكر العلاج أو العلاجات (انظر اسكندر وعبيد » 4وا) . وتحتوي المقالة الأولى من 
كتاب الكافي (تشمل الأوراق 08-4) على ستة وسبعين باباً » منها بعض الأبواب ماله 
صلة مباشرة بعلم النفس . مثل : الباب الثامن في النسيان » والباب الثالث عشر في 
الرعشة , والباب العشرين في التشنج ؛ والباب الخامس والعشرين في الصرع . والباب 
الجاندر والعشرين في الكابوس 2 والباب السابع والعشرين في المالنخوليا . 
مثلاء يذكر الرازي في باب النسيان أسبابه الفسيولوجية م لماذكره جالين : «تولد 
النسيان من خلط بلغمي لزج يجتمع في الجزء المقدم من الدماغ الذي يكون به التخيل على 
ما قال جالينوس الفاضل» . ثم يضيف رأيه الخاص عن أسباب النسيان : «وهذا البطن 
يحس بما يكون في البطن الأوسط الذي يكون به الفكر والموضع المؤخر الذي يكون به 
الذكر» . ويتحدث عن أعراضه : «ويعمه غثيان كثير ونوم ولا يتركه » وكسل وبلادة» . ولا 
يفوته أن يحدد علاجه الطبي : «وعلاج ذلك في الابتداء الحقن بالحادة لتجذب المادة 0 ما 
تحت , وبعده الإسهال بحب السكبينج ؛ أو بحب الصبر» لي : 
بالأيارجات المسكنة للمزاج فإن كفى؛ . وفي حالة عدم نجاح العلاج النفسي يرجع ثا 
للعلاج الطبي «و إلا بدل مزاجه بمعجون البلادر الصغير . . “الخ» . 
أما «وكتاب المنصوري» هو من مؤلفات الرازي الطبية والذي أصبح المرجع الأساس 
لطلاب الطب في جامعات أوربا حتى القرن السابع عشر . وتوجد من هذا الكتاب عدة 
مخطوطات منها مخطوطة باريس . ومخطوطة مدريد » ومخطوطة الأسكوريال . وترجم 


232 


الكتاب إلي اللاتنيية (الحايك . )١14١‏ . يقول الرازي في مقدمة المنصوري محدداً أهداف 
مشروعه الطبي : «إني جامع للأمير - أطال الله بقاءه - . في كتابي هذا جملاً. وجوامع » 
ونكتاً 6 من صناعة الطب » متحرياً في ذللكم الاختصار والإيجازء وذاكراً من حفظ 
الصحة ومعالحة الأمراض وتوابع ذلك ولواحقه ما لا يزال يحدث وتدعو الحاجة إلى معرفته » 
ويمكن أهل العقول والرأي مشاركة الأطباء فيه . وتاركاً ذكر ما لا يكاد يحدث إلا في المدة 
الطويلة » وما يحتاج في معرفته إلى وغول وإعراق في الصناعة . وجاء كتابي هذا في عشرة 
0 مقالة معلمة بالحروف على ما ينبغى من مراتب أعدادها ليسهل إصابة ما يراد 
.. الخ» . 1 

تتضمن المقالة التاسعة في كتاب المنصوري عدة أبواب في مجال علم نفس الشواذ أو 
علم النفس المرضي فضلاً عن علم النفس العلاجي أو الإكلينيكي . مثلا باب في الصداع 
والشقيقة «الصداع النصفي» وعلاجهماء وباب في السكتة »وباب في الدوار» وياب في 
الرعشة . وباب في السبات » وباب في السكتة » وباب في المالنخوليا » وباب في التشنج . 
وباب في الصرع , وياب في الكابوس . 

عموماً كان الرازي كثيراً ما يقدم مادة غزيرة في علم النفس المرضي محتاج للدراسة 
والتحليل والمقابلة والمقارنة من قبل علماء النفس العرب . وكان منهجه يعتمد على 
الاستفادة من التراث السيكولوجي الإغريقي والتراث العربي في الوقت نفسه . ولكن كان 
قارئاً متازاً لهذين التراثين من خلال الحقائق السيكولوجية الواقعية . وكان دائماً لا يفوته أن 
يضيف رأيه السيكولوجي في تناولم للاضطرابات النفسية . كمالم يمنع الرازي تقديره 
لجالينوس من م كتاباته مركزاً انتقاداته بخاصة على مجالات التطبيقات المنطقية 
والسريرية . فهو مثلاً يقول إنه من خلال تجربته في مستشفيات بغداد والري » رأى حالات 
كثيرة لم تتطابق تطوراتها مع الأوصاف التي أوردها جالينوس فيما يخص أنواع الحمى (انظر 
سميث : /ا99١).‏ 

يقول وولزر (19157) عن الرازي إننا نشعر عند قراءة كل سطر كتبه الرازي » بأننا أمام 
فكر عال ؛ ورجل يعرف قدره الخاص دون أن يؤدي به ذلك إلى الغرور وهو لا يحسب نفسه 
أدنى مستوى لا في الفلسفة ولا في الطب من أسلافه اليونانيين العظام , الذين يجعلهم 
كمعلميه . وحسب رأيه » ليس بالإمكان التفوق على سقراط أو أفلاطون أو أرسطو أو أبوقراط 
أو جالينوس . لكنه لا يتردد في تغيير استنتاجاتهم الفلسفية . عندما يشعر بأنه تجاوزها 
معرفة , كما لا يتردد أن يضيف إلى مجموعة العلوم الطبية المتراكمة ما اكتشفه بنفسه 


233 


بواسطة أبحاثه وملاحظاته الشخصية . ففى كل مرة ؛ عندما كان يدرس مرضاً خاصاً . كان 
يبدأ بتلخيص جميع المعطيات التي يستطيع الحصول عليها حول الموضوع من المصادر 
اليونانية والهندية المتوفرة فى الترجمات العربية » ومن أعمال الأطباء المحدثين . ولم يكن 
يفوته أبدا إضافة رأيه الخاص أو حكمه الشخصي ٠»‏ ولم يكن يعترف بكفاءة أية شخصية 
استنادا إلى شهرته فقط . 


الاضطرابات النفسية:داء الدوار والعشق 


نظر علماء التراث العربي الإسلامي للاضطرابات النفسية بصورة شمولية من حيث 
تحديد المفاهيم , وإجراء التصنيف ء وتعليل الأسباب ء وطرائق التدبير . ويمكن أن نتتبع 
ذلك من خلال مرض الدوار » والعشق والاضطرابات الجنسية والاضطرابات النفسجسمية . 
أولا : بالنسبة لمرض الدوار مثلاً . لقد عالجه ابن الجزار فى الباب الثالث عشر من كتاب زاد 
المناقي رفوت لشاف ينذا ابن الجزار بتعريف الدوار : « والدوار الذي 0 الإنسان 
الأشياء تدور حوله » وهو تشخيص الدوار الحقيقي بالذات» . كما قد وضح ابن الجزار 
شكلين رئيسين لهذه العلة ؛ فيسب قوله اافإن كانت في الدماع وخله وجد العليل قبل 
ذلك ثقلاً في الرأس وطنيتاً في الأذنين »وفساداً في الشم » ويكون الدوار ثابتاً لا يسكن 
ولا يفترء فلو كانت العلة عرضت للدماغ بمشاركة المعدة وجد العليل لذلك غثياناً وها 
في فم ال معدة» . 

بينما عرف ابن سينا الدوار وحدد أشكاله السريرية » كما صنفه حسب الأسباب 
ووضح علاجه (انظر دبسي وتسيغانوف . ) . ويصنف الدوار ضمن الآفات العصبية 
الدماغية التي تؤثر في الخركات الإرادية تآثيرا كنذيدا »ويبدا يتعريف الذوار بأنة © تتعور 
بدوران الأشياء المحيطة ودوران الرأس والبدن مما يسبب السقوط . وهي حالة تشبه من دار 
حول نفسه كثيراً وبسرعة . ويعلل ا حالة بمثل دوران الماء في فنجان دار مدة ثم توقف , ومثل 
هذا يحدث في الأذن الباطنة » حيث يستمر سائل اللمف الباطن بالحركة بعد توقف الجسم 

ما يؤدي إلى تخريش النهايات الحسية في الأذن الباطنة محدثاً الشعور بالدوران . 

كما وضع ابن سينا تصنيفاً إكلينيكياً للدوار حسب الأسباب . منها الدوار الحادث من 
دوران الإنسان حول نفسه . والدوار الحادث من النظر إلى الأجسام الدائرة أو المستضيئة أو 
المرتفعة . والدوار المرضي المنشأ الذي يشاهد في كسور الجمجمة . والدوار الذي يحدث بورم 


234 


في الدماغ فيترافق بالصداع والطنين وحس الثقل في الرأس واضطراب الرؤية والذوق والشم 
والميل إلى النوم . والدوار الذي يحدث باضطرابات هضمية حيث يترافق بالقمة (نقص 
الشهية) وخفقان القلب والتعب والغثيان والصداع في مقدم الرأس ووسطه الذي قد يمتد إلى 
القغا . والدوار الجنسي الذي يسبقه احتباس الطمث أو المني أو ورم في الأعضاء التناسلية . 
والدوار البولى الذي يبدأ بالمثانة . والدوار الشامل الذي يسببه اضطراب كافة أعضاء البدن ‏ 
وكذلك الدوار الكبدي المنشأ أو الدوار القلبي . والدوار خلف الأذنين وكذلك الدوار القفوي 
ويترافق بخفقان وامتلاء عروق العنق ولا يشكو فيه المريض من ألم . ودوار سوء المزاج 
ويتجلى بخفة في الرأس . وعدم وجود الأسباب الأخرى . 

ثانياً : مرض العشق . تحدث ابن الجزار في الباب العشرين من كتاب زاد المسافر وقوت 
الحاضر عن ظاهرة مرض العشق الناجم عن العادات الثقافية والاجتماعية منها التي كانت 
سائدة في البيئة العربية من التفرقة بين الرجال والنساء » 7 الذي يؤدي أحياناً إلى 
الإغراق في حالات نفسية مرضية خطيرة عند العاشقين ين تصل بهم إلى الاكتئاب 
والمالينخوليا . ويؤكد ابن الجزار أن العاء شقين تكون أحياناً أجفانهم ثقيلة وألوانهم مصفرة 
بحركة المرة والسهر ء ويكون نبض عروقهم شديداً . وبالنسبة لمرض العشق . لقد أجرى 
قطاية )١1987(‏ دراسة مقارنة ممتازة بين ما جاء فى زاد المسافر لابن الجزار وبعض الأطباء 
العرب عن داء (العشق» . ٍ 

ويعرف العشق طباً بأنه التعلق الشديد بشخص ما ء حتى السقوط فى المرض .ء أي أن 
المريض يفقد شهية الطعام . فيهزل جسمه » ويصفر لونه » ويتسارع نبضه , وترتفع حرارته ؛ 
كما أنه يصاب بالأرق والنزق والحزن حتى قد يسقط في الكآبة أو السوداء فينتحرء أو أنه 
يموت باختلاطات الهزال أو مرض ثانوي عارض . وجاء وصفه في كثير من الكتب الطبية 
العربية . ولعله كان متواتراً في تلك الأيام بسبب الكبت الجنسي », وكشرة الممنوعات . وقد 
استعرض قطاية ما كتبه الأطباء العرب , وقد اتخذوا ثلاثة مواقف مختلفة . الأول : 
التجاهل التام ؛ وعدم التعرض لهذا المرض إطلاقاً . كما فعل ثابت بن قرة في ككتابه 
«الذخيرة في الطب» , والقمري في كتابه «غنى ومنى» . الثاني : اعتباره مرضا وجريمة 
أخلاقية » وهو موقف عبيد الله بختيشوع ١‏ وأبيه جبرائيل » وموقف الرازي . الثالث : اعتباره 
مرضاً من الأمراض النفسانية وإدراجه في جملة أمراض الرأس كما فعل ابن سينا . وابن 
الجزار » وداود الأنطاكي وعلي بن العباس ٠‏ وابن هبل البغدادي . 

يقول ابن بختيشوع في كتابه «الروضة الطبية» «العشق : هو إفراط الشهوة التي تدعو 


235 


إلى المؤانسة والاجتماع البهيمي . إذ كان هذا الاجتماع مخصوصاً بالحيوان جميعه حتى 
نرى كل نوع منه يأنس بشكله وبنوعه أو ما قارنه» . ويعرف ابن سينا العشق في كتاب 
القانون ه هذا مرض وسواسي شبيه بالمالينخوليا » يكون الإنسان قد جلبه إلى نفسه بتسليط 
فكرته على استحسان بعض الصور والشمائل التي له . ثم أعانته على ذلك شهوته أولم 
تعن» . فابن سينا يقر بالحب العذري الذي لا غاية جسدية شهوانية له » بينما لا وجود له 
عند الرازي . ومصدر العشق عند ابن الجزار اضطراب عضوي يسبب تشوشاً في امخيلة ؛ 
فتتعلق هذه بصورة ما فتأتي الغريزة تزيد الأمر سوءاً فيكون العشق . أما بالنسبة للأعراض 
فيقول «أعينهم غائرة » سريعة الحركة من أجل قلق النفس بالفكر , وتكون أجفانهم ثقيلة » 
وألوانهم مصفرة بحركة المرة ة والسهر» ويكون نبض عروقهم نبضاً شديداة . 
ويدكر ان :ميقا طريفة فسيولوجية زائعة ة لتشخيص العاشق هي : « يكون نبضه نبضا 
مختلفاً بلا نظام البتة كنبض أصحاب الهموم . ويتغير نبضه وحاله عند ذكر المعشوق 
خاصة . وعند لقائه بغتة . ويمكن من ذلك أن يستدل على المعشوق من هو ؟ إذا لم يعترف 
به فإن معرفة معشوقه إحدى سبل علاجه . والحيلة في ذلك أن تذكر أسماء كثيرة تعاد 
مرارا » وتكون اليد على نبضه ‏ فإذا اختلف بذلك اخختلافاً عظيماً وصار شبه المنقطع ثم 
تاريع رجريك لمر ا لمت اسم المعشوق » . ويخلص قطاية أن العشق مرضص 
منتشر في المجتمعات الشرقية خاصة عند الشباب في سن المراهقة وفجر الشباب ١‏ وعرفه 
الأطباء العرب فوصفوه هوأوصوا بمداواته بمختلف الطرائق . ولدى مقارنة ما جاء في كتاب 
القانون لابن سينا وزاد المسافر لابن الجزار » يلمس قطاية أن ابن الجزار كان طبيباً ممارساً 
عملا : ؛ شاهد المرض وشخص الأعراض وعالج حالات عديدة . بينما يلمس عند ابن سينا 
تلك المعرفة الموسوعية الهائلة » وتلك الممارسة العملية اليومية . يتفق ابن سينا وابن الجزار أن 
أفضل معالحة لمرض العشق هي جمع الشملين بما تحله الشريعة . 
عَبُوفا اهتم العلماء ء في التراث العربي الإسلامي بمعرفة العلاقة بين الاضطرابات 
النفسية والناحية الجسدية أو الجسمية أو بما يسمى «السيكوسوماتيك» بلغة علم النفس 
المعاصر . ونلاحظ في كل الاضطرابات السابقة التي تحدثنا عنها مثل مرض الدوار والعشق 
كنلك الاضطرابات ا لجنسية التي سوف نتحدث عنها لاحقاً كانت لها تعليلاات فسيولوجية 
عند كل من ابن سينا والرازي وابن الجزار . فقد أشار الرازي , مثلاً ؛ إلى أثر العوامل النفسية 
على صحة المريض ٠»‏ وأنها قد تؤدي إلى إحداث الأمراض العضوية . فيرى مثلاً أن سوء 
الهضم قد يكون لأسباب نفسية لا علاقة لها برداءة الكبد والطحال (موسى » 1919/7) . 


236 


وبرؤية الفيلسوف ٠‏ لا يرى الرازي العلاقة بين النفس والجسد كعلاقة الحرك بالمدير المتحرك » 
ولا كعلاقة الشكل بالمادة . وهو . دون أن يرفض تماماً مثل هوزا المظهر في هذه النظريات 
القديمة » فهو يختار للتعبير عن هذه العلاقة » صورة الربط الذي يربط العاشق ق بالمعشوق . 
والبفن وعدت لشيثن مم متها بل من أجل أن تتحد اتحاداً يجب أن يتحقق وفقاً لوحدة 
طبيعية معينة . وأي معتقد من هذا النوع يوضح حيوية الحياة النفسانية ويستبق مفهوم 
العزيمة فى الوعى (انظر تاتون » )١98/4‏ . 

ويذهب بذلك ابن سينا إلى وجود علاقة وثيقة بين العمليات النفسية والعمليات 
البدنية » وإلى أن جميع العمليات النفسية تحدث في بدن وبوساطة البدن . فالإإحساس إذن 
عملية نفسية يتوقف حدوثها على مشاركة البدن (انظر نجاتي » )198١‏ . ويتبين كذلك أن 
الانفعال الفسيولوجي شرط ضروري في حدوث الإحساس . يرفض ابن سينا نظريات 
الماديين اليونانيين جميعهم الذين يفسرون الظواهر النفسية امختلفة بالتغيير المادي الآلي . 
ومن جهة أخرى »ء فإن مذهب ابن سينا لا يقبل الاكتفاء بالتفسير الفسيولوجى امخض 
للظواهر النفسية الذي يذهب إليه علماء النفس الفسيولوجيون المحدثون . فإن هؤلاء العلماء 
قد لا حظوا العلاقة الوثيقة بين الظواهر السيكولوجية والظواهر الفسيولوجية فذهبوا إلى 
تفسير الحياة النفسية والوظائف العقلية بالرجوع فقط إلى التغيرات الفسيولوجية التي تحدث 
في الجهاز العصبي وعلى الأخص في المخ . 

وفي كتاب مصالح الأبدان والأنفس تعرض البلخي ( طه 1497 ) إلى أربعة انفعاللات 
باعتبارها منشأ المشكلات النفسية : الغضب . والخوف » والحزن . والوسواس مشيرا إلى 
خصائصها النفسجسمية ومبينا كيف أنها تؤثر وتتأثر بالصحة الجسمية . وتناول البلخكى 
كذلك أساسيات الصحة النفسية مبينا في بدايتها أن الصحة النفسية هي في الأساس 
التوافق بين النفس وميولها الداخلية ومهامها الخارجية . ويمكن أن نخلص في هذا الجزء من 
الدراسة إلى أن الكتب الطبية في التراث العربي الإسلامي خاصة إسهامات ابن 0 | 
والرازي وابن سينا قد عالجت كثيراً من موضوعات علم النفس المرضي تعريفاً وتصنيقاً 
0007 دفيعًا للأعراض . 


ابن سينا: الاضطرابات الجنسية والأدوية المجربة 
تناول ابن سينا أضرار الجماع » في المقالة السادسة «في الحركات» من «كتاب دفع 


237 


المضار الكلية للأبدان الإنسانية» منها ضرر الجماع الكثير والجماع المتكلف وغير المشتهى ‏ 
ضرر ترك اللجماع لمن اعتاد عليه . ضرر الجماع على الخلاء أو على الامتلاء » ضرر الجماع مع 
الفصد أو مع الإسهال » ضرر الجماع بوجود أحد الأمراض » وضرر الجماع لأصحاب 
الأمراض الباردة » ولذوي المزاج الحار أو البارد (انظر البابا ء )1١985‏ . وفي كتاب القانون 
تناول ابن سينا كذلك جوانب مهمة عن سيكولوجيا الجنس ات اب كتين اباد من 
الحالات التي تعالج فيها قوة الطاقة الجنسية في فصل في كثرة الشهوة يقول ابن سينا : «إن 
كثرة الشهوة إذا كانت مع قوة البدن ودمويته » وصحة المزاج » ؛ وشبيبته » واقتدار على الباءة 
من غير استقطاب ضعف . فلا يجب أن يشتغل بتدبيره وكسره » فإن كسره إيهان المزاج 
وإنهاك القوة وصحة ة المزاج لا لشدة ضرورة . واعلم أن كثرة تولد المني مقو للبدن والقلب وقلة 
تولده مفسد لون مضعف للذّكُر والقهم» . 

تحدث ابن سينا كذلك عن البرود الجنسى , ففى فصل الأبنة يقول : «إنها تحدث لمن 
اعتاد أن تطأه الرجال » وبه شهوة كثيرة وهمية , ومني كشير غير متحرك » وقلبه ضعيف 
وانتشاره ضعيف في الأصل ء أو قد ضعف الآن فكان قد اعتاد الجماع فهو يشتهيه ولا يقدر 
عليه . أو يقدر عليه قدرة واهية» . ويصف ابن سينا الخنوثئة وكيفية علاجها في فصل في 
الخنثى  :‏ من هو خنثى . من لا عضو الرجال له ولا عضو النساء . ومنهم من له كلاهما 
لكن أحدهما دون خفي وأضعف أو أخفى , والآخر بالخلاف ويبول من أحدهما دون الآخر 
ومنهم من كلاه ما فيه سواء . . . . وكثيراً ما يعالجون بقطع العضو الأخفى وتدبير جراحته» . 
ويقول ابن سينا فى فصل في عذر الطبيب فيما يعلم من التلذيذ وتضييق القبل وتسخينه : 
« إنه لا عار على الطبيب إذا تكلم في تعظيم الذكر وفي تضييق القبل وتلذيذ الأنثى وذلك 
لأنهما من الأسباب التي يتوصل بها إلى نسله , وكثيراً ما يكون صغر القضيب سبباً لئلا 
تلتذ المرأة به : لأنه خلاف ما اعتادته فلا تنزل , وإذا لم تنزل لم يكن ولد . وربما كان ذلك 
سبباً تنفر عن زوجها وتطلب غيره » وكذلك إذا لم تكن ضيقة لم يوافقها زوجها . ولم توافق 
هي أيضا لزوج . ويحتاج كل إلى بدل» . 

ويقرر ابن سينا بملاحظة ذكية أن اضطراب القذف المبكر بالنسبة للرجل قد يؤدي بالمرأة 
إلى إيجاد الإشباع السرونى الباتحقة ركالك التلذذ يدعو إلى الإنزال المعاجل » فإن 
في النساة في أكثر الأغتر من بتار إنزالهن وينقن ختير قاضيات لاوطرة قل يكزن تيبل 
زأبمناً فإنها بق على شبقها والتى لا تحناظ لها متهن ترسل فى تلك الحال على نفسها 
من تجد . وبسبب هذا فرغن إلى المساحقة ليصادفن فيما بينهن قضاء الوطر» . ويقول في 


238 


فصل في ملذذات الرجال والنساء عن علاج الاضطرابات الجنسية ببعض الوصفات الجربة » 
مثلاً قوله : دما يلذذهما جميعاً ريق من أخذ في فمه الحلتيت وريق الكبابة » وعسل 
الأملج ؛ وعسل عجن به سقمونيا , والزنجبيل , والغلفل بالعسل ٠‏ وأن يستعملوا ذلك لطوخاً 
خصوصا على النصف الأخير من القضيب فإنه لا كثير فائدة فى استعمال ذلك فى الكمرة 
وحدهاء . ويتحدث ابن سينا عن الكيفية التي يمكن بها زيادة حجم القضيب وذلك في 
فصل فيما يعظم الذكر : «يعظمه الدلك بالشحوم والأدهان الحارة بعدد من الخرق الخشنة 
المسخنة وصب الألبان عليها وخصوصاً ألبان الضأن » ثم إلصاق الزفت عليه لينجذب الدم 
ويحتبس للزوجته وينعقد بدسومته يدام على هذا في طرفي النهار» . 

ويصف ابن سينا بالتفاصيل المواد امجربة التي تعيد البكارة فى فصل المضيقات : «يؤخذ 
عود وسعد وراسن وقرنفل ورامك وقليل مك يسحق الجميع ويلوث بصوفة مغموسة في 
الميوسوسن وتتحمل » وأيضاً عفص فج جزءان , فقاح الأذخر جزء ينحل بمنحل ضيق 
ويتحمل » بخرق مبلولة في الشراب واحدة فإنه يعيد البكارة » وأيضاً قشور الصنوبر المدقوق 
أربعة أجزاء » وشب جزءان , بعد جزء ويطبخ بشراب ريحاني وتبل فيه خرقة كتان ويتحمل 
ويجب أن تحفظ في إناء مشدود الرأس ويستعمل منها واحدة بعد أخرى فهي جدة جذا وهو 
مجرب مراراً» . وإذا تتبعنا آراء ابن سينا عن الاضطرابات الجنسية خاصة فنجده قد عالج 
بصورة دقيقة بعض الجوانب مثل القذف المبكر ء والقذف المتأخر» وكثرة الشهوة » والبرود 
الجنسي ؛ وزيادة حجم القضيب .ء وإعادة البكارة . ومعظم العلااجات التي ذكرها 
للاضطرابات اح يذكر بأنها مجربة ولكنه لم يحدد مصدر التجريب وربما هو نفسه في 
وصفاته لمرضاه النفسيين . وتعتبر لغة ابن سينا فى معالجة بعض الجوانب الجنسية أشبه 
بلغة ماستر وجونسون في علاج الاضطرابات الجنسية . وربما تحتاج وصفاته الطبية الخاصة 
بتدبير الاضطرابات الجنسية إلى دراسة وتحقيق من قبل علماء النفس العرب . وبوسعنا أن 
نتساءل كيف كان يشخص العلماء العرب والمسلمون الأمراض النفسية في ذلك الزمن 
الغابر من التاريخ وفي غياب الميكروسكوب ؟ 


التشخيص النفسي والتشخيص الفارق 


كان للأطباء العرب المسلمين حظ وافر من صدق النظر و فى التشخيص والعلاج ولم 
يصرفهم اهتمامهم بالفلسفة عن الاهتمام بفحص امرض بدقة وعناية . وبالوسائط التي 


239 


كانت معروفة أنذاك » خاصة بعد أن توصلوا إلى معرفة أعراض كل مرض .ء وفرقوا بين 
الأعراض والعلامات . ويميز الحجيج محمد في مخطوطة «مغني الطبيب المنتخب» بين 
أعراض وعلامات المرض قائلاً : «أن العرض عبارة عما يتبع المررض 0 أما 
العلامة فهي حالة يستدل بها على حالة بدنية » وهي أعم من العرض لأنه قد يستدل 
الأعناب وهي متقدمة . والعلاقة توجد في حالة الصحة والمرض ء والعرض لا يوجد إلا 

في المرض» . كما يميز بين الألم والوجع قائلاً : «والألم أعم من الوجع ‏ لأن الوجع يختص با 
يكرن إدراكه بجس اللمس . والألم ما لا يكون إدراكه بأي قوة كانت . وإذا كان كذلك فذكر 
إلوجع أولى من ذكر الألم , لأن الوجع يكون كالجس القريب وهو أقرب من التعاريف من 
الجس البعيد» (انظر الهوني ٠‏ 1985) . 

وفي تقديري . يعتبر كتاب الرازي ‏ «كتاب ما الفارق أو الفروق أو كلام في الفرق بين 
الأمراض» ‏ كتابا جوهريا في التشخيص والتشخيص الفارق . وهناك ثلاث مخطوطات لهذا 
الكتاب منها مخطوطة معهد الويلكم رقم ١40‏ . ومخطوطة مكتبة ملى ملك في طهران 
رقمها 561/7 , ومخطوطة مكتبة الأوقاف العامة ببغداد رقمها 507 . ويشتمل الكتاب على 
خمس مقالات صنفت فيها الأمراض . حسب العادة المتبعة في ذلك الزمن : من الرأس 
حتى القدم . وكل فصل مؤلف من مجموعة من الأسئلة يختلف عددها بحسب أهمية 
الموضوع . ويبدأ كل سؤال بكلمة : ما الفارق ؟ ومنه جاء اسم الكتاب . وقد يتضمن السؤال 
فروقاً بين داءين أو أكثر . والأجوبة مختصرة مقتضبة » محدودة بالفروق المميزة » والأكثر 
أهمية (انظر قطاية 191/8٠‏ ) . 

وحاول الرازي في كتابه أن يبين التشخيص والتشخيص الفارق من خلال العمل 
والافتراق «الشبة واللاختلاف» لعدد من الاضطرابات النفسية . ويتساءل الرازي مثلاً : 
أولاً : ما الفرق بين السّبات (بضم وتشديد السين) والسكات (بضم وتشديد السين)؟ 
الجواب : هذان مرضان قد يجتمعان في المادة » وفي بطلان الحس والحركة الإرادية . 
ويفترقان بصحة النفس وشدته في المسبوت وعدم ذلك في المسكوت . ويبطلان القوى 
الحساسة من الألات الحساسة والمتحركة فى المسكوت ووجودهما فى المسبوت . ولذلك متى 
أعنف فى إيقاظ المسبوت وإيلامه تنبه وأحس ء ولا كذلك المسكوت . بل ربما كان المسكوت 
لاخرارة البعة فيه . والمسوت قد يتحل سباته فيفيق أحياناً ويغود ولا كذلك المسكوت.. 

وتساءل الرازي ثانيا : ما الفرق بين الصداع الكائن لذكاء حس الدماغ . وبين الكائن 
لضعفه ؟ الجواب : أما اشتراك هذين ففي الوجع وفي المحل . وأما افتراقهما ففي السبب 


2040 


والدليل . أما فى السبب فظاهر , وأما فى الدليل فهو إن الكائن لذكاء الحس » يتبعه صفاء 
الحواس ولطافتها ؛ وصدور الأفعال عنها وعن الدماغ سليمة وعدم ما يدل على آفة فيها . وإما 
أن يكون لضعفه فيتبعه كدورة الحواس ووجود دلائل توجب الضعف »ء وهو إما سوء مزاج » أو 
غيره . ومن الناس من أنكر إحساس الدماغ . وبتقدير صحته يصح حمل الفرق على ماله 
حس في الدماغ أو فيما حاير 

كما تساءل الرازي ثالثاً : ما الفرق بين السّدد الشديد والصرع ؟ الجواب : إن هذين 
يجتمعان فى سقوط العليل فيهما إلى الأرض » وربما اشتركا فى السبب أعنى الخلط 
الموجب لهما وهي المادة البلغمية » ومن الأطباء من جوز حدوث الصرع عن المادة الصفراء 
عند كثرتها وإملائها بطون الدماغ » ومنهم من أبطل وقوع ذلك . ويفترقان في مكان المادة فإن 
مكان مادة الصرع بطون الدماغ وفي مكان مادة سدد العروق المستديرة حول الدماغ 1 

أدرك الرازي في مرحلة مبكرة من التاريخ ضرورة وضع قاعدة لتشخيص الأمراض 
النفسية ويتميز تشخيصه بشدة الوضوح . وإن محاولة الرازي في التفريق بين الأمراض لعلها 
أول محاولة في تاريخ علم النفس المرضي وعلم النفس العلاجي أو الإكلينيكي ساعدت في 
تطور نشأة التشخيص والتشخيص الفارق . إن «كتاب ما الفارق أو الفروق» للرازي 1 
لكونه كتاباً للتشخيص والتشخيص الفارق هو كتاب كذلك لتصنيف الأمراض . وإن العرب 
على حسب قول (كمال وسرحان » )١89‏ (أول من أدخل تصنيف الأمراض النفسانية 
على يد الطبيب نهيب الدين أبو حميد الذي قسم هذه الأمراض إلى عشرة مجموعات 
شملت حوالي الثلاثين مرضا ‏ وقد فقدت الخطوطة الأصلية وتوجد ترجمة بالفارسية فقط . 
ويعتبر هذا التصنيف أول تصنيف فعلى للأمراض احتوى على وصف دقيق للمرض 
وعلاجه . ويشير الوصف الوارد في هذا الكتاب الدهشة لدقته وإلمامه بكثير من التفاصيل 
التي تعتبر الآن حديثة» . ويعتبر تصنيف أبو حميد للأمراض العقلية أكثر دقة وشتفولة من 
تصنيف سورانوس لهذه الأمراض في الربع الأول من القرن الأول الميلادي . 

وعجيوها يؤخذ التشخيص و فى التراث العربي الإسلامي ء » في اعتبارات عامة حول 
الرطوبات » ومراقبة زيادتها أو تقسنا »وحول الصفات الأولية المكتشفة في الحميات 
(سخونة) وكذلك البرودة » ثم الاصفرارء والاحمرار » والنحافة أو النحول » والضخامة 
الذهنية . وكانت الأهمية الكبيرة تعطى للنبض وللبول . فكان تعيين المرض وسيلة افتراضية 
تجريبية والتنبؤ بتطور المرض كان وسيلة لتحديده ومعرفته . وإن المهم عند الأطباء العرب 
معرفة ما إذا كانت فرضيتهم صحيحة وكاملة (تاتون ؛ 1984) . 


211 


ومن أعطى أهمية حبرلا ار با لدي كان يمحي على يقن لبون عند 
تشخيصه لأي مرض » فيقول عن كيفية جس النبض : «ويجب أن يكون الجس في وقت 
يخلو فيه صاحب النبض من الغضب الجر والرياضة وجميع الانفعالات » ومن حال ترك 
العادات واستحداث العادات» . ولقد رأينا الكيفية التي شخص بها ابن سينا مريض العشق 
من خلال جس النبض . يقول الشطي (الدفاع لقد تعمق ابن سينا في درس 
النبض حتى جعل منه علماً خاصاً ؛ وذكر حالته في كل مرض ء ثم خص أحكام النبض 
في فى العوارض النفسانية بفصل خاص فقال : إن الغضب يجعل النبض عظيماً متواتراً لا يقع 
فيه اختلاف » لأنْ الانفعال متشابه إلا أن يخالطه خوف أو خجل أو منازعة . وأما النبض 

فى السرور فإنه قد يعظم في الأكثر مع لين ويكون مع إبطاء وتفاوت . وأمّا الفزع المفاجئ 
فيجعل النبض سريعاً مرتعداً مختلفاً غير منتظم . 

وبالإضافة لمساهمة الرازي وابن سينا في مجال التشخيص الفارق هناك مساهمة أخرى 
قام بها ابن الجزار . فلم يهمل ابن الجزار التشخيص المقارن أو التفريقي الذي هو أساس 
معرفة الأمراض معرفة مدققة ء لا اشتباه فيها ولا التباس » كما جاء ذلك في كتابه «الفرق 
بين الاشتباهات والعلل» الذي ما زال شطل ا (رزق الله ))). وفي علم النفس 
الحديث » إن التشخيص الفارق أو التشخيص التفريقي مصطلح مستعار من الطب وهو يقوم 
على التفرقة المنهجية بين أعراض مرضين أو أكثر لتقدير أي منهما هو الذي يعاني منه 
المريض . 

وفي علم النفس الحديث .يحتم التشخيص الفارق على المعالج موا كان فاخا تسيا 
ييا فسا أن يحيط علماً بطرق وأساليب زميله في الفحص والتشخيص والعلاج وأن 
تزال الحدود المصطنعة بين الاثنين حيث إن هدفهما واحد ء وهو علاج الحالة . ومن أهم 
دواعي الاهتمام بالتشخيص الفارق حالات الأمراض النفسية المنشأ . والأمراض العضوية 
المنشأء وحالات الاضطرابات النفسية . والاضطرابات الجسمية ء وحالات الأمراض 
الجسمية التي يصاحيها اضطرابات نفسية , والأمراض النفسية الجسمية رد أمر له 
أهميته البالغة لأنه في ضوء هذا التفريق تتحدد طريقة وإجراءات العلاج . فمثلاً حالة مثل 
الصرع يلزم التفريق بين ما إذا كان صرعاً هستيرياً أ أم صرعاً عضوياً (زهران ٠‏ 191/8) . وارتبط 
التشخيص والتصنيف فى التراث العربى الإسلامى بالملاحظات السريرية الحية والتجربة 
العلمية والتسجيل والتوثيق الدقيق للحالات المرضية . 


242 


الملاحظات السريرية الحية 


تختلف المناهج الإكلينيكية في علم النفس عن المناهج التجريبية والمناهج الفارقة من 
حيث إطار دلالتها . فإن كلمة إكلبشيكن تقير أضلا إلى «شيء مرتبط بفراش» » ثم امتد 
هذا المعنى ليتضمن « الموجه إلى الفرد » . وفي حين أن المناهج التجريبية والمناهج الفارقة قد 
قامت لتؤكد الحقائق التي تجاوز الإنسان الفرد . فإن المناهج الإكلينيكية لا تتجه إلى دراسة 
الحقائق السلوكية العامة بقدر ما تتجه إلى تة تقييم الفرد وتوافقه (أندروزء )١987*‏ وبعضص 
مظان المعرفة في علم النفس مظان عملية رط الجرية الحية أكثر من ارتباطها بالمؤلفات 
الطبية . فمثلاء «استمد البلخي بعض تكنيكات الإرشاد والعلاج النفسي من واقع 
ممارسته الإكلينيكية» (طه . )١14947‏ . كما استمد الرازي كذلك كثيراً من معلوماته الطبية 
السيكولوجية من خلال الممارسة الإكلينيكية الحية . ويمكننا هنا التمييز ما بين المعرفة 
النظرية والمعرفة التطبيقية في الطب وعلم النفس . 
نهد في الطب العربي نوعين من الأطباء : الأطباء الفلاسفة ويمثلهم الرازي » والفلاسفة 
الأطباء ويمثلهم ابن سينا (نصر ؟) وهذا الرأي ذهب إليه سارتون في قوله إن من الموافق 
تقسيم الأطباء العرب إلى مجموعتين ممارسين ومدرسين » يمثل الممارسين الرازي ويمثل 
00 ابن سينا , وهما يمثلان مذهبين مختلفين » ففريق المدرسين درسوا الطب على أنه 
من المعرفة لا غنى عنه وسعيهم إلى استكمال المعرفة هو الذي دفعهم إلى دراسة 
3 أما الممارسون فهم يهتمون . المقام الأول بالمرض والتشخيص والعلاج ؛ والفلسفة 
عندهم وسيلة لبلوغ هذه الغاية . أسلوب الفريقين يختلف : المدرسون يعنون بالتنظيم 
والتقسيم المنطقي والممارسون يعنون بالمشاهدات والدلالات (سارتون » )١96٠‏ . 
واهتم الرازي (موسى ٠‏ 1477) بالملاحظة السريرية للمريض ودراسة الحالات المرضية 
دراسة تحليلية » واستقصاء حالات المرض . فكان يهتم بتاريخ المرض » فيذكر علامات التهيؤ 
ثم علامات ابتداء المرض وتفاقمه . كما اهتم كذلك بتاريخ المرض » فذكر علامات تهيّئه 
و ابتدائه » وعلامات تزايده وانتهائه وانحطاطه » كما يفعل الأطباء اليوم الذين 
اقتدوا بنفس الفكرة ة في تت تتبع حالات سير المرض ٠‏ وتاريخ الإصابة به » وتدوين تلك 
االحاللات والملاحظات على لوحات خاصة لتتبع حالة المريض واتفاق العلاج معه )2 وتطورها 
نحو الأحسن أو الأسوأ . وكان الرازي يسجل كل شيء عن عن المريض عن حالة المرض حاداً أم 
مزمناً ‏ ويصف النفث . وحالة التنفس والبراز والقيء . ويهتم بقوة المريض حتى يمكن الجسم 


213 


من مقاومة المرض » ويبحث دائماً عن العلاج الأصلي للمرض » إذ إن ضعف المريض وعدم 
احتفاظه بقوته » قد يجعل العلاج بلا جدوى (الهوني يكمىول). 

اتفق المؤرخون على الاعتراف بأن القيمة الأصلية للطب العربى تكمن فى تدوين 
الخخالات الغيادية بشكل دقيق .وقد نشر مازرهوف 6# حالة من اكلاحظات من هذا النوع 
منسوبة إلى الرازي . والدراسة المفصلة . التي تستوجب الدقة الكبيرة » تكشف حتما وجود 
فرق بين الطب العام الموروث عن اليونان , والمعروض في الكتب الكبرى » والطب العملي 
الذي هو ثمرة التجربة والتفكير الشخصي . والذي يبرز من خلال الملاحظات العيادية » ثم 
يتسرب أيضاً وفى بعض الأحيان إلى المؤلفات ذات الصفة الكتبية الخالصة (انظر تاتون » 
) . وتظهر حيوية الطب العربي وأصالته بشكل رئيس في الجوانب التطبيقية من 
الممارسة الطبية ؛ والشاهد على ذلك . هو الاهتمام الذي أولاه الأطباء العرب للعلاقات فيما 
بين الحالات السريرية ولعلم الأمراض وللوصف الكامل لبعضها . ولتحسين التقنيات 
الجراحية » بالإضافة لجوانب عديدة أخرى متعلقة بعلاج الأمراض (سميث ٠»‏ 1987) . وفي 
عام 7 نقل المترجم اليهودي الصقلي فرج بين سليم إلى الغرب كتاب الحاوي الضخم 
حيث جمع فيه » بطريقة غير منظمة . الملاحظات السريرية » وتفسيرات ووصفات الأقدمين , 
وكذلك تلك التى تعود للرازي نفسه (جاكار» )١991/‏ . 

وفي تسجيل الملاحظات السريرية وتشخيص الأمراض عند العرب ؛ اعتدمدت كلياً 
نظرية الأخلاط (الأمزجة) في القرن التاسع الميلادي . وهناك أربعة أمزجة : الدم , والبلغم . 
والصفراء والسوداء » وكانت تقارن بالعناصر الأربعة : الهواء والماء والنار والتراب . أما الصفات 
الأخرى فيمكن تصنيفها زوجاً زوجاً مع الأخلاط وفق الخطط البياني التائي : الدم مع ا حار 
والرطب . والبلغم مع البارد والرطب . والصفراء مع الحار والجاف . والسوداء مع البارد الجاف . 
وكانت الفصول الأربعة مهمة . بحيث يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار الظروف المناخية 
والجغرافية (انظر سميث 0 11947) . ولقد حوى كتاب الزهراوي «التصريف لمن عجز عن 
التأليف» ثلاثين مقالة اشتملت المقالة الأولى على المبادئ العامة كالعناصر والأمزجة 
والأطباع والتشريح بينما تطرقت المقالة الثانية إلى عوارض وعلاج 776 مرضاً . 

أثرت استخدامات الأطباء العرب لنظرية الأمزجة أو الأخلاط على بدايات الطب 
الغربي . فإن العرض الواضح لنظرية الأمزجة كما يعبر جاكار قد وجه بشكل عميق التعليم 
السالرنى . ولقد ظهرت سلسلة من الشروحات لنظرية الأمزجة واستعملت هذه الشروحات 
المصطلحات التي استخدمها قسطنطين الأفريقي . والذي قام بترجمات غير أمينة للتراث 


244 


الطبي العربي . . وتعتبر تعاريف الأمزجة ترجمة أمينة تقريباً لا ورد في «كامل الصناعة 
الطبية» لعلي بن العباس . وهكذا امتلك الغرب تغريفاً احا وتسمية وحيدة لمفهوم كان 
يبرز ففى الأعمال المتداولة تحت أسماء متنوعية (,3 1 أسصدوعممرء) ,كقا !002 ,830013 ركأكدىء 
6 نعم 0ع انظر جاكار» /1881) . 


تقنيات التدبير النفسى في التراث 


استخدم علماء التراث العربي الإسلامي مصطلح «التذبير» بمعنى العلاج . يقول ثابت 
بن قرة فى كتاب الذخيرة فى الطب : « فأما تدبير الأصحاء على الانفصال فى الأسنان» 
(سن 8 .ويقول كتللك «وما نيعب أشيستي تحفظةةواسكعكاله ون قديير المدمدة عقي 
جميع العوارض النفسية الرديئة» (ص ؟) . ويقول البلخي في كتاب مصالح الأبدان 
ا : «ونحن نقصد في هذه المقالة للاخبار بوجه تدبير مصالح الأنفس وحفظ قواها 
على سبيل الصلاح والاعتدال» (ص . )37١‏ . ولم يكتف المعالجون في التراث العربي 
الإسلامي بالتشخيص والتصنيف وتدوين الحالات المرضية ومعرفة الأسباب والأعراض 
فحسب إنا كان لهم نظرة شمولية ضمت كذلك اهتمامهم الكبير بموضوع «التدبير» العقلي 
أو النفسي وهو المصطاح المستخدم للعلاج . واستخدمت عدة تقنيات سيكولوجية مثل طرق 
التداعي والعلاج بالإكراه وشرب الخمر مع عدم السكرء والعلاج المعرفي السلوكي والعلاج 
بالموسيقى فضلا عن الرياضة الروحية وتلاوة القرآن . 
اعتمد ابن سينا , مثلاً . على بعض الأسس في علاج الأمراض النفسية منها معرفة 
نشأة المرض النفسى ., وتأكيد العلاقة بين الحالات النفسية والمظاهر الجسدية . ومعرفة سبب 
المرض النفسى » وتعتمد طريقة التشخيص على المعلومات التى تدل على حدوثه » اعتماد 
ابن سينا على التجربة والمنهج الاستقرائي في الوصول إلى الحقائق ومراعاة مبادئ الإسلام 
فيما يغرض من علاج للمشكلة النفسية ( انظر عثمان ؛ ؟914١)‏ . لقد استخدمت عدة 
تقنيات في العلاج النفسي في التراث العربي الإسلامي . مثلاً استخدم ابن سينا طرق 
التداعي النفسي ٠‏ ويتضح ذلك في فصل العشق من كتاب القانون » في وصفه لمرض العشق 
وحالة مريض العشق . 
يقول ابن سينا عن مرض العشق : «هذا مرض وسواسي شبيه بالمالينخوليا يكون 
الإنسان فيه جلبة إلى نفسه بتسليط فكرته على استحسان بعض الصور والشمائل التي له 


245 


ثم أعانته على ذلك شهوته أو لم تعن» (انظر الخالدي » )١1987‏ . ثم يصف ابن سينا كيف 
يتغير نبضض العاشق وحاله عند ذكر المعشوق خاصة . وعند لقائه بغتة » ويمكن أن يستدل 
على المعشوق من هو إذا لم يصرح بذلك العاشق ى عن طريق التداعي النفسي والحيلة في 
ذلك أن يذكر أسماء كثيرة تعاد مراراً » وتكون اليد على نم نبضي المريض » فإذا اختلف النبض 
اخحلافا كبيرا » وصار شبه المنقطع , م عاودت وجيت ظلك مرارا لمث الت المعشوق ٠.‏ ثم 
يذكر كذلك السكن والمساكن » والحرف والصناعات , والنسب والبلدان وتضيف منها إلى 
اسم المعشوق » ويحفظ النبض . حتى إذا كان يتغير عند ذكر شيء مراراً جمعت من ذلك 
خواص معشوقه من الاسم واحل والحرفة » وعرفته . والتطبيق العملي لهذه النظرية نجدها في 
حادثة رواها النظامي السمرقندي عن ابن سينا وهو يقوم بنفحص عاشق في كتاب «جهار 
مقالة» . 

ويصف ابن سينا كذلك جملة من تقنيات المعالجات لمرض العشق مسألة التناسي 
النفسي : «إيقاعهم في خصومات وأشغال ومنازعات . وبالجملة أمور شاغلة فإن ذلك ربا 
أنساهم» . كما يقترح أيضاً نوعاً من التنفير من المعشوق : «تسليط العجائز عليه ليبغضن 
المعشوق إليه » ويذكرن منه أحوالاً قذرة ء ويحكين عنه أموراً منفرة » ويحكين له منه الجفاء 
الكثير » . ويزيد كذلك نوعاً من الدراما المنفرة : « أن تحاكى هؤلاء العجائز صورة المعشوق 
بتشبيهات قبيحة ومثلن أعضاء بمحاكيات مبغضة ويدمنّ ذلك» . وعموما يمكن مقاربة تقنيات 
ابن سينا في علاج مرض العشق بما يوصف حالياً في علم النفس الحديث بالعلاج بالتكريه . 

أما علاج مرض العشق عند ابن الجزار الذي يعتبر أن مرض لمالينخوليا مرحلة تطور 
أغخيرة فى الفقى ولنين عرفا سكفلا يداتة وقوله هذا صحيح جزئياً كما يعبر قطاية » 
فقد ينقلب العشق إلى مالينخوليا ء ولكن ثمة حالات مالينخوليا مستقلة لا علاقة لها 
بالعشق . ولا ينصح ابن الجزار بالأدوية الكيمائية »بل بالمعالجات النفسية , كما ينصح 
بشرب القليل من الخمر بصورة محدودة . ويحذر من السكر » وبمحادثة الأصدقاء » وتصعيد 
الهموم بإنشاد الشعر ء والنظر إلى الماء والبساتين والنضرة والوجوه النضرة » كما ينصح 
بالموسيقى . 

ويبرز استخدام ابن سينا للتدبير النفسي بصورة أكثر تقنية ووضوحاً في علاج مرض 
السوداوية أو الاكتئاب . وتحكي لنا كتب التراث الطبي بأن هناك مريضاً بالسوداوية كانت 
تتملكه الهواجس بأنه قد تحول إلى بقرة . لذلك أصبح مضدرا دايا لفزع أبيه الأمير وإزعاج 
المحيطين به » وذلك لخوفه الدائم وخواره المستمر كالبقرة » وإصراره على أن يذبحوه ليتغذوا 


246 


بلحمه . وكان من نتيجة ذلك أن امتنع عن الطعام ونقص وزنه وهزل هزالاً شديدا . وعندما 
دعي ابن سينا لعلاج هذا المريض أرسل قبل مشاهدة المريض من يبلغه بأن الجزار قادم إليه 
توا لتحقيق رغبته في الذبح . وبعد قليل دخل ابن سينا على المريض وبيده مدية وهو يسأل : 
أين البقرة ة التي تريدون ذبحها فانبعث من المريض خوار كالبقرة ليدل على موقعه . 

وبناء على أوامر من ابن سينا طرح المريقن أرضا وأوتقت قدماة ؤيداون وشهاين نينا 
عن ساعديه وشهر مديته استعداداً لذبح المريض . ولكن سرعان ما أشاح وجهه عن المريض 
فجأة وألقى بمديته جانباً وهو يقول : «إنها بقرة هزيلة عجفاء ليس الآن أوان ذبحها بل يجب 
تغذيتها أولاً حتى تسمن وعندئذ يمكن ذبحها» . وعند ذلك أقبل الشاب المريض على التهام 
العطعام , بشهية واضحة . ثم أخذ يستعيد قوته تدريجتا ويتخلص من الهاجس الذي كان 
متسلطاً عليه حتى شفي من مرضه . لقد كان هدف ابن سينا إقناع مريضه بالأكل أولاً » 
فلعله يشفى من اكتثابه إذ نال كفايته من الطعام . فقد تنبه بمنتهى سداد الرأي أهمية 
الصحة النفسية في حياة المريض (مرحبا ؛ 1985 ) . 

واستعمل الأطباء العرب الموسيقى والفن في العلاج وعززوا علاجهم بالصلاة وتلاوة 
القرآن الكريم » وقد استعملوا العلاج النفساني السلوكي بفهم وعمق فطري محير . كما أن 
هناك أمثلة لأطباء برعوا في علاج الأمراض النفسية بالإيحاء (كمال وسرحان » 1988) . 
ولتصفية الذهن وإراحة الفكر وحل المغاليق المبهمة استعمل ابن سينا الرياضة الروحية في 
طلب الهداية والغفران (عينتابي » 1987) . ولم يهتم ابن سينا فقط بوصف العقاقير المسكنة 
بل عمل على إيجاد تقنيات أخرى لتخفيف الألم كسماع الموسيقى الناعمة والقيام بنشاط 
ما (انظر سميث 2 /ا199) . 

كما تنبه البلخي إلى الاتجاه المعرفي والمعرفي السلوكي في العلاج النفسي . وسبقه 
حتى في ذلك الزمن الغابر في استخدام أساليب الإرشاد والعلاج المعتمدة في الوقت الراهن 
مثل أسلوب الإزالة المنظمة وأسلوب الكف المتبادل . لم يكتف البلخي بعملية التعريف 
والوصف بل قام بوضع أساليب لتدبير الغضب في تسعة تكتيكات » وركز على ضرورة إعداد 
«حيل من الفكر في وقت سكون نفسه» . وقام البلخي بتصنيف أنواع الخوف حسب 
موضوعاتها ووضع أربعة تكتيكات لتسكينه . وبالنسبة لتدبير الحزن والجزع وصف البلخي 
تسعاً من القواعد التفكيرية التى يستعين بها الشخص . أما تدبير الوسواس فقد أعد البلخي 
بزنامجاً علاجياً يتكون من عشرة بنود منها ما هو متعلق بالشخصية والعادات والأساليب 
المعرفية في الاستدلال والتفكير » وبعض النصائح السلوكية والصحية (طه » "199:9) . 


247 


الطلاسم والتمائم بدل علم النفس التجريبي 


ارتبطت بعض المعارف النفسية فى الشراث العربى الإسلامى بكتب الطب مثل 
«القانون فى الطب» و«الشفاء» لابن سينا ؛ وكتاب «الكافى فى الطب» ؛ وكتاب 
«المنصوري» , و«وكتاب ما الفارق أو الفروق» للرازي ؛ وهدكتاب زاد المسافر» لابن الجزار ؛ 
و«دشرح القانون» » و«دشرح تشريح القانون» لابن النفيس ؛ وكتاب «مصالح الأبدان 
والأنفس» للبلخي ؛ بالإضافة لكتب مهمة أخرى لم يسع المجال لعرضها في هذا الكتاب 
مثل كتاب «كنوز العلم الطبي» لثايبت بن قرة ؛ ودكتاب الملكي» لعلي بن عباس امجوسي ؛ 
ودكتاب التذكرة» لداؤود الانطاكى . لقد قلنا ارتبطت بعض المعارف النفسية بكتب الطب 
وليس كل المعارف . لأن هناك معارف نفسية في كتب أخرى كعلم المنظور أو الفيزياء » مثلاً » 
من خلال مناظر ابن الهيثم , وفي الرياضيات من خلال تطور الحساب الذهني , وفي علم 
الحيوان » من خلال تطور علم نفس الحيوان وعلم نفس البيزرة . وتضمنت هذه الكتب بعض 
المعارف الطبية السابقة للعصر الذهبى للحضارة العربية الإسلامية . 
ولم يكتف العلماء العرب بعملية النقل كما يقول البعض بل قاموا بنقد هذه المعارف 
وتطويرها وتجاوز الكثير منها وأبدعوا علوماً جديدة تصوروا فيها ما لم يتصوره غيرهم . وتم 
الفظر للأمراض النفسية والعقلية بصورة شمولية مهتمين بتشخيصها وتصنيفها وتشخيصها 
الفارق وبمعرفة أسبابها وأعراضها وكيفية تدبيرها (علاجها) . وتما يحسب للتراث العلاجي 
تدوين الحالات المرضية كأول محاولة في التاريخ » اجهياء وتقزيزا ويفكدين ذلك التكرة 
العملية الحية في الممارسة التشخيصية والعلاجية . ووضحت عملية التسجيل ١‏ والمناهج 
المستخدمة في التعامل مع المرضي مثل الملاحظات السريرية ودراسة الحالة . والعلاقة بين 
الجسد والنفس . واستخدم مصطلح التدبير وهو «العلاج» ومن طرق التدبير المستخدمة » 
العلاج بالعقاقير كالمفرحات , والعلاج النفسي » والإرشاد النفسي » أو حتى ما يطلق عليه 
العلاج المعرفي . 
وصلت بعض هذه المؤلفات العربية للغرب في حلة يونانية عبر قسطنطين الأفريقيٍ . ولم 
يتردد هذا المترجم في نسبة النصوص إلى نفسه كينا هذه النصوص باللاتينية مقدفاً إياها 
كإعادة اكتشاف للعلم اليوناني مطلقاً على نفسه صفة المنسق أو الجامع لهذه العلوم . وتبدو 
إرادته هذه في إسباغ الصفة الهلينستية على النصوص من خلال اختياره للعناوين . فمثلاً : 
العنوان 1108 يحجب اسم المؤلف العربي إسحاق ء ولكنه يذهب إلى أبعد من ذلك . 


248 


فتحت عنوان 1معوع)صةط نجد إسناداً إلى كتاب ©2هداءء1 لجالينوي . ولكن ال تموءامدط 
جاكار /ا99١)‏ . 

من خلال الفصول السابقة . يمكننا القول بأن أول تأسيس تجريبي لعلم النفس المرضي 
كان في الحضارة العربية الإسلامية . وكان الفرق ما بين علم النفس التجريبي في التراث 
العربي الإسلامي وعلم النفس التجريبي في الغرب هو حوالي لمان عام وهي الفترة الفاصلة 
ما بين مرحلتين أو قمتين في تطور علم النفس . وكان ابن الهيثم أول من وضع معالم علم 
النفس التجريبي ؛ وليس بمقدور أي مؤرخ لعلم النفس أن ينفي ذلك أو أن يرجع (التجريبية » 
في المشروع الهيثئمي إلى المصادر السابقة له . وسوف نعالج ذلك بتفاصيل في الفصل العاشر 
والحادي عشر من هذ الكتاب . لكن بالرغم من الاهتمام الكبير الذي أولاه العلماء العرب 
والمسلمون الأوائل للأمراض النفسية , والتدبير النفسي . والمؤسسات العقلية لم يترك ذلك 
الاهتمام أثاراً | واضحة في اهتمامات العلماء اللاحقين في هذا المجال . ويبدو أن انفصالاً 
فَيَكرا قد قد وقع في تاريخ علم النفس في التراث العربي الإسلامي » انفصال ما بين دراسة 
علم النفس الميتافيزيقي وبين علم النفس التجريبي المرتبط بالفسيولوجيا والتشريح والطب 
والفيزياء والرياضيات وعلم الحيوان . وقد يصعب علينا إيجاد إجابة واضحة لتنئحية علم 
ماذا لم يراع جنين علم النفس التجريبي بالعناية من قبل العلماء ما بعد العصر الذهبي 
للحضارة الغرنية الإسلامية؟ 
وأصول الرمل والجفر والخاتم السليماني والعلم الروحاني محل علم النفس التجريبي القائم 
على الملاحظة والاختبار والاستدلال؟ ويا ترى كيف انحسر أو تراجع علم النفس التجريبي 
في العالم الإسلامي , وكيف نهض ذلك العلم في جزء آخخر لا يمت للعالم الإسلامي بصلة 
ومما سمي لاعفا ب«أوربا»؟ وكيف حلت روح البحث القلقة وردح التساؤل المتوترة لابن 
الهيثم 0 وابن سينا 0 وابن الجزار» وابن النفيس 62 والرازي في الجانب الآخر من العالم في 
روح كوبرنيكس » وجاليلو » ونيوتن » وبيكون , وهارفي ؟ ونتساءل معنددا لماذا 5-0 
علم النفس في الجامعات العربية أقاماً تتبع للفلسفة في كليات الآداب أو تتبع لكليا 
التربية ولم تكن أبدا لتحي و عن الا كار 
معامل الفسيولوجيا والتشريح والزولوجيا أو مخابر الفيزياء ؟ 


249 


المصادر والمراجع 


ابن أبى أصيبعة )١19057(‏ . عيون الأنباء فى طبقات الأطباء . بيروت : دار الفكر . 

ابن الجزارء أحمد . زاد المسافر وقوت الحاضر . مخطوط باريس رقم 884؟ . امجلس 
الوطنى للثقافة والآداب والفنون . 

ابن جلجل : أبو داود بن حسان الأندلسى (1480) . طبقات الأطباء والحكماء . تحقيق 
اق سنا عروت عالممة ال 5 

ابن سينا » الشيخ الرئيس أبوعلي (480 )٠١*5-‏ . الإشارات والتنبيهات . صححه 
سليمان دنيا )١1951(‏ . القاهرة : دار إحياء الكتب الدينية . 

ابن سينا , الشيخ الرئيس أبوعلى )٠١*5- 948٠0(‏ . الشفاء . تحقيق ومراجعة جورج 
قنواتي وسعيد زايد (191/6) . القاهرة : الهيئة المصرية للكتاب . 

ابن سينا » الشيخ الرئيس أبو علي (180 - )٠١75‏ . القانون في الطب . بيروت : دار 
صادر. 

ابن سينا . الشيخ الرئيس أبوعلى )٠١*5- 948٠0(‏ . النجاة . تحقيق سليمان دنيا 
(5*؟١)‏ . القاهرة : مطبعة السعادة . 

ابن قرة » ثابت (1958) . الذخيرة في علم الطب . القاهرة : المطبعة الأميرية . 

ابن النديم (1917/8) . الفهرست . بيروت : دار المعرفة . 

ابن الهيثم , الحسن (ت 477 هجرية) . كتاب المناظر » تحقيق ومراجعة عبد الحميد 
صبرة )١1987(‏ . الكويت : المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآدان . 

اسكندن: الور » وعبيك )رفغت (13ة1) .كان الكافى فى القلب لأبن وكر يق 
زكريا الرازي . مجلة تاريخ العلوم العربية » 4 50-148٠‏ . ا ْ 

أندروزءت (*198) . مدخل إلى مناهج البحث في علم النفس . ترجمة صبري 
جرجس . في : مناهج البحث في علم النفس . الجزء الأول » ص . 55-1١‏ . أشرف على 
تأليفه ت . أندروز . أشرف على ترجمته يوسف مراد . القاهرة : دار المعارف . 

الباباء محمد زهير (1985) . دفع الغطاء عن إحدى رسائل ابن سينا الطبية «دفع 
المضار الكلية عن الأبدان الإنسانية» (ص . 44- )١١١‏ . أبحاث المؤمر السنوي النامس 
لتاريخ العلوم عند العرب . ١5 -١7‏ أيارء 1481 » جامعة حلب ؛ حلب » سوريا . 

البلخي », أبوزيد (1184) . مصالح الأبدان والأنفس . فرانكفورت : جامعة 


2230 


فرانكفورت . 

تاتون رينيه )١1984(‏ . تاريخ العلوم العام : العلم القديم والوسيط . ترجمة على مقلد . 
بيروت : المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر. 

جاكار. دانيال )١1991/(‏ . تأثير الطب العربي في الغرب خلال القرون الوسطى . في 
موسوعة تاريخ العلوم العربية . إشراف رشدي راشد بمعاونة ريجيس مورلون . الجزء الثالث 
(ص . 776١600-1؟١)‏ . بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية ومؤسسة عيد الحميد 
شومان . 

الحايك . سيمون )١1141(‏ . الرازي واندريا فيساليوس . مجلة تاريخ العلوم العربية ‏ 4 , 
ه1- 9١ا.‏ 

الخالدي ؛ صلاح الدين (1987) . ابن سينا رائد الطب النفسي (ص . 48؟ - 196) . 
أبحاث المؤتمر السنوي الخامس لتاريخ العلوم عند العرب » ١54 -١7‏ أيارء 19١‏ , جامعة 
حلب . حلب . سوريا . 

دبسى » فيصل . » وتسيغانوف الكسى )١19884(‏ . الدوار عند ابن سينا (ص . -١96‏ 
8) . أبحاث المؤتمر السنوي العاشر لتاريخ العلوم عند العرب ٠‏ 77 - 74 نيسان 1487 » 
اللاذقية » سوريا . 

الدفاع على )١948(‏ . المناحي العلمية عند ابن سينا . الطائف : مطبوعات نادي 
الطائف الأدبى . 

الرازي , محمد بن زكريا (761 - 7١‏ هجرية) . كتاب ما الفارق أو الفروق أو كلام 
في الفروق بين الأمراض . تقديم وتحقيق ونشر سلمان قطاية (191/8) . حلب : جامعة 
حلب . 

الرازي » محمد بن زكريا 5١ - 56١(‏ هجرية) . الحاوي فى الطب . حيدر أباد : 
طن حكن ذائرة السارف التعمائية» 1 

رزق الله ء عبد المجيد )١19147(‏ . عبقرية ابن الجزار وريادته فى طب الأطفال . أبحاث 
الندوة العلمية لألفية ابن الجزار » ١١ - ١7‏ ابريل 1987 » تونس : وزارة الشؤون الثقافية . 

زهران » حامد (1917/8) . الصحة النفسية والعلاج النفسي . القاهرة : عالم الكتب . 

سارتون )١1460(‏ . مقدمة في تاريخ العلم . أشرف على الترجمة . إبراهيم بيومي . 
قسطنطين زريق . محمد زيادة » محمد مرسى أحمد . القاهرة : دار المعارف . 

سميث . أميلي (1497) . الطب . في موسوعة تاريخ العلوم العربية . إشراف رشدي 


2231 


راشد بمعاونة ريجيس مورلون . الجزء الثالث (ص . )١17714-١1١6١‏ . بيروت : مركز دراسات 
الوحدة العربية ومؤسسة عبد الحميد شومان . 

سناغوستان » فلوريال )١1984(‏ . اتجاهات حالية فى الطب العربى التقليدي . مجلة 
تاريخ العلوم العربية م 55-09 . ١‏ : 

طه . الزبير )١194(‏ . الصحة النفسية لدى أبى زيد البلخى . المجلة العربية للطب 
النفسى ؛ 5 :177 - 147 . ْ ْ 

عكمئان سين ملا (1985) . الأفكار النفسية والتربوية عند ابن سينا (ص . 6٠؟7؟9-‏ 
) . أبحاث المؤتمر السنوي الخامس لتاريخ العلوم عند العرب والذي نظمه معهد التراث 
العلمى العربى بجامعة حلب ١5 ١١‏ أيار 1441 » حلب ء سوريا . 

مان ملم (*198) . حول أمراض الرأس في الجزء الأول من كتاب زاد المسافر 
(ص . ه96 )٠١7-‏ . أبحاث ودراسات الندوة العلمية لألفية ابن الجزار ؟١  ١5‏ أبريل 
*8» تونس - 

عينتابي » محمد فؤاد .)١4481(‏ ابن سينا : فخر العرب وعبقري الإسلام (ص . 
7-/147 ) . أبحاث المؤتمر السنوي الخامس لتاريخ العلوم عند العرب والذي نظمه معهد 
التراث العلمى العربى بجامعة حلب ١5 - ١"‏ أيار 1441 , حلب » سوريا . 

قطاية » سلمان (1941/8) . محقق وناشر كتاب ما الفارق أو الفروق أو كلام في الفروق 
بين الأمراض للرازي .حلب : جامعة حلب . 

قطاية » سلمان )١1987(‏ . داء «العشق» : دراسة مقارنة بين ما جاء فى زاد المسافر لابن 
الجزار وبعض الأطباء العرب ( ص . «78- 797) . أبحاث ودراسات التدوة العلمية لألفية 
ابن الجزار» ١8-١7‏ ابريل 1987 » تونس . 

كمال » على . ؛ وسرحان » وليد )١1949(‏ . مآثر الحضارة العربية الإسلامية فى الطب 
النفسانى . الجلة العربية للطب النفسىء 9201ه - 58 . ١‏ 

مرحبا ء محمد عبد الرحمن (1184) . بعض الإيجابيات في تصور علم النفس عند 
ابن سينا (ص . 7*9 -198) . أبحاث المؤتمر السنوي العاشر لتاريخ العلوم عند العرب » 77 
- 54> نيسان 1985 » اللاذقية سوريا . 

موسى . جلال محمد (7/ا9١)‏ . منهج البحث العلمي عند العرب . بيروت : دار 
الكتاب اللبنانى . 

نجاتي : محمد عثمان (1440) . الإدراك الحسي عند ابن سينا . القاهرة : دار الشروق . 


252 


نصرء علي منصور (؟) . تطور علم الطب عند العرب وأثره في النضارة الإنسانية . 
بحث غير منشور . كلية الآدان » جامعة البحرين . 

هونكة ؛ زيغريد (1197) . شمس العرب تسطع على الغرب : أثر الحضارة العربية في 
أوربة . نقله عن الألمانية فاروق بيضون وكمال دسوقي . بيروت : دار الجيل . 

الهوني . فرج )١1987(‏ . تاريخ الطب في الحضارة العربية الإسلامية . مصراتة : الدار 
الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان . 


-10ا)5 [2اقع021 ,لإام11050ئام عتصة51] ده كلزووو8 تعتطهعة مغمز عاعع0 .(1962) .]1 ,وعدلة/1ا 


35511) م انظ :01010 .و16 


223 


: رت 1 
: مصا لح الإ بدا #الثلت | 
لا 1 





ا : 7 ' -5 
ع. لى ر موز ىبل د لواخار 
طا لع سحو الح و ٍ وه 
3 | / 
8 لساك 72251 غير 2 
4 الع ويس دهع 
الوح ١‏ لمن 7 


1 
١‏ سا 
كت 


مصالح الأبدان والأنفس لأبي زيد البلخي 


254 





المنصوري في حفظ الصحة م بكر الرازي 


225 





مخطوطة كتاب الحاوي في الطب للرازني 


256 


كنارياالفارق أ والفروق 
أو 
كام في الفرو قلأ ماص 


رزف تل كرس تنا اراي 


0 - #ا"مم) (دكداوعة /) 





نسم يكعين: ررح 


الكو سيان وطايم 


الدكتور سلمان قطاية 


237 


الفصل الثامن 


البيمارستانات العربية 


239 


المجانين والمصحات العقلية في أوربا 


يؤرخ كاشدان )١1984(‏ بأن المرضى العقليين في أوربا كانوا يودعون في السجون » وبيوت 
الصدقات ؛ على حين كان الألوف منهم يتجولون في الشوارع يستجدون 00 ٠.‏ وإن 
المستشفيات العقلية في ذلك العصر لم تكن تزيد على أن تكون سجوناً كبيرة . فة ففى إنجلترا 
كان نزلاء مستشفى بيت لحم تقيد أيديهم بالأغلال ويشدون بالسلاسل إلى الجدران . 
كذلك كان المرضى يعرضون على الناس لتسلية أهل لندن الذين لم يكونوا يمتنعون عن دقع 
مبلغ زهيد لقاء مشاهدة هذا العرض . أما العلاج فلم يكن له وجود را وكان المرضى 
العقليون يعدون محظوظين إن هم تمكنوا من تجنب عقاب السجانين الساديين ٠‏ وفي فرنسا لم 
يكن الموقف يختلف عن ذلك كثيراً . إذ كان المرضى من نزلاء المستشفيات الفرنسية يلقون 
من المعاملة ما تلقاه الحيوانات المتوحشة . 

وعموماً كانت نظرة الغرس للمرضى النفسانيين بأن المرض لعنة من السماء حلت 
بصاحبها عقاباً له على إثم زعموا أنه ارتكبه . أو أن شيطاناً دخل نفسه ‏ فحلل عذابه . 
وأصبح علاج الفرنجة يتركز على طرد الشياطين من الأجسام العليلة . فكان هؤلاء البشر 
يوضعون في سجون مظلمة وقد قيدت أيديهم وأرجلهم . أو يعزلون عن العالم وعن أهلهم في 
«المستشفى» أو «السجن» أو «البيت العجيب» أو برج الجانين» أو «القفص العجيب» كما 
كانوا يسمونها آنذاك » ويسلم أمرهم إلى رجال أفظاظ لا يعرفون إلا لغة الضرب والشتم 
والتعذيب وذلك أمد الحياة (هونكة . 1997) . 

كتب طبيب يدعى أسكيرول بعد أن قام بتفتيش هذه المستشفيات : ١‏ لقد رأيتهم 
عرايا » أو مغطين بالخرق لا يحميهم من برد ا الرطبة إلا غطاء من القش . . . ورأيتهم 
في أكواخ قذرة غضة مهملة لا يدخلها الهواء أو الضوء . وقد قيدوا بالسلاسل إلى ا حفر التي 
لا يمكن أن تقنع الوحوش بالبقاء فيها . . . وهناك يمكثون حتى تذهب حياتهم هباءً في حمأة 
فضلاتهم وتحت وطأة السلاسل التي تمزق أجسادهم . . . ثم إن الأسواط والسلاسل 
والزنزانات المظلمة تحت الأرض هي الوسائل الوحيدة التي تتبع في إقناعهم . والتي 
يستخدمها القائمون على أمورهم ممن يتميزون بالبربرية والجهل معا» 

وتعود البداية الحقيقية للمستشفيات العقلية في الغرب إلى أواخر القرن الثامن عشر في 
أوربا . ففي الفترة نفسها تقريباً التي كان فيها بينل يحرر نزلاء مستشفي بيستر من أغلالهم . 
كان أحد رجال الكويكرز الإنجليز من الأثرياء ويدعى وليام تيوك يؤسس أول ملجاً أو دار 


261 


إيداع لمرضى العقول . ولكن معظم مرضى العقول (وخصوصاً الفقراء منهم) , وعلى الرغم 
من البداية المبشرة » ظلوا يعا لجون علاجاً سيئاً وخصوصاً في أمريكا حيث ظل المرضى 
يودعون في السجون امحلية وفي بيوت الفقراء . وكانت إقامة المستشفيات العقلية في مناطق 
خارج المدينة جعلت المرضى بمعزل عن أصدقائهم وأسرهم . وأن الحياة بمؤسسات الإيداع 
بدت وكأنها تؤدي إلى آثار من شأنها أن تعطل عملية الشفاء . مقارنة بوضع المصحات 
العقلية في الغرب وبوضع المرضى فيها يمكننا أن نتأمل ونقارن ذلك الوضع بنموذج آخر من 
المصحات العقلية وفي مكان لا يمت للغرب بصلة 


البيمارستان: أول المصحات في تاريخ البشرية 


كان العرب يطلقون كلمة بيمارستان على مكان الاستشفاء الذي نسميه اليوم 
المستشفى (العمري . )144٠‏ . والبيمارستان (بفتح الراء وسكون السين) كلمة فارسية 
مركبة من كلمتين (بيمار) بمعني مريض أو عليل أو مصاب و(ستان) بمعنى مكان ء أو دارء 
فهي إذن دار المرضى , ثم اختصرت في الاستعمال فصارت مارستان » كما ذكرها الجوهري 
في صحاحه . وكان للبيمارستانات نوعان : ثابت » ومحمول . فالثابت ما كان بناء ثابتاً ف 
جهة من الجهات لا ينتقل منها . وهذا النوع من البيمارستانات كان كثير الوجود في القاهرة 
وبغداد ودمشق ولا يزال أثر بعضها باقياً على مر الدهور إلى الآن كالبيمارستان المنصوري 
(قلاوون الآن) بالقاهرة . والبيمارستان المؤيدي بالقرب من القلعة بالقاهرة يقبا : 
والبيمارستان النوري الكبير بدمشق والذي تحول لمتحف لتاريخ الطب العربي ؛ والبيمارستان 
القيمري بها أيضاً وبيمارستان أرغون الكاملي بحلب . 

أما البيمارستان المحمول فهو الذي ينقل من مكان إلى مكان بحسب ظروف الأمراض 
والأوبئة وانتشارها وكذا الحروب . وهو عبارة عن مستشفى مجهز بجميع ما يلزم للمرضى 
وإعداده من أدوات وأدوية وأطعمة وأشربه وملابس وأطباء وصيادلة وكل ما يعين على ترفيه 
الحال عن المرضى » والعجزة , والمزمنين , والمسجونين ؛ ينقل من بلد إلى أخرى من البلدان 
الخالية من بيمارستانات ثابتة » أو التي يظهر فيها وباء أو مرض معد . وكانت البيمارستانات 
كذلك منقسمة إلى قسمين منفصلين بعضها عن بعض . قسم للذكور» وقسم للإناث ٠‏ 
وكان كل قسم مجهزا بها يحتاجه من آلة وعدة وخدم وفراشين من الرجال , والنساء » وقوام 
ومشرفين ‏ وفى كل قسم من هذين القسمين عدة قاعات مختلف الأمراض : فقاعة للأمراض 


2062 


الباطنة » وقاعة للجراحة » وقاعة للكحالة » وقاعة للتجبير . وكانت قاعة الأمراض الباطنة 
منقسمة إلى أقسام أخرى : قسم للمحمومين وهم المصابون بالحمى . وقسم للممرورين وهو 
لمن بهم المرض المسمى (مانيا) وهو الجنون السبعي (عيسى ٠»‏ 1988) . 

ولا يوجد دليل في التاريخ علي قيام المستشفيات النفسانية قبل العصر الإسلامي 
(كمال وسرحان » 14984) ء وكان العرب أول من أنشأ المستشفيات في التاريخ (مرحباء 
١8‏ . ويذكر كولان أن الإنصاف العلمي يدعو للإشارة إلى أن من بين جميع حضارات 
العصور الوسطى لم يكن هناك غير العرب بمن استطاعوا أن يطوروا بعض الأفكار العلمية عن 
الأمراض العقلية (بيرت » )١1456‏ . ويذكر اسشيرجيس أن المصادر التاريخية تؤكد عدم 
وجود مثل هذه البيمارستانات الإسلامية عند اليونانيين » كما أن الإمبراطورية الرومانية لم 
عر إلا بيوتاً لرعاية العجزة والمصابين من جنودها في العمليات الحربية . كما أن أوربا 

لمسيحية لم تعرف مثل تلك البيمارستانات » حيث اكتفت بإنشاء بيوت الرحمة (الهوني ) 

00 . وفي إنبلترا مثلاً . بني أول ملجأ «للمجانين» سنة * ٠15١م‏ (زهران ‏ 1910/8) . 

كانت جميع البيمارستانات مولة في أرض الإسلام بواسطة عائدات المؤسسات الخيرية 
المعروفة بالأوقاف . فكان الأغنياء ولا سيما الحكام يقدمون ملكيات كتبرعات يعود ريعها 
لإنشاء المؤسسة وصيانتها » وقد تشكلت هذه الهبات من دكاكين ومطاحن وخانات للقوافل 
وحتى من قرى بأكملها . فكان إيراد هذه التبرعات يستخدم لصيانة البيمارستان ولتغطية 
تكاليف عمله » وفي بعض الأحيان , لتقديم مساعدة مالية صغيرة للمرضى الذين فقدوا 
عملهم قا لعيسى إن قرار إنشاء الأوقاف المتعلقة بمخصصات البيمارستانات » والتي أشار 
إليها المقريزي , قد كشفه أحمد زكي باشا في الأرشيف وحلله وفسره . والقرار مؤرخ في 7 
من ذي الحجة سنة 584ه ٠١(‏ شباط 1186م) ؛ وهو يعطي لائحة بالمصاريف المرتقبة لعمل 
البيمارستان : كأجور الأطباء وأطباء العيون والجراحين وصانعي العقاقير والخدم وجميع 
المستخدمين » والأموال الضرورية لشراء الأدوية والطعام . واللوازم كالأسرة . والفرش 
والقصعات والعطور ؛ ولإصلاح الأبنية . وهكذا استطاع هذا المستشفى خلال قرون من 
الزمن بفضل الخصصات التي أغدقت عليه » استقبال المرضى . رجالاً ونساء , أغنياء وفقراء . 
ومعوزين » من القاهرة ومن الضواحي مقيمين وعابرين مهما كانت أمراضهم (عيسى . 
8 ). 

وكانت البيمارستانات مؤسسات مدنية مفتوحة للجميع , رجالاً ونساء مدنيين 
وعسكريين راشدين وقاصرين أغنياء وفقراء مسلمين وغير مسلمين . وقد أخحذت 


263 


البيمارستانات تتطور بحيث تشكل بنية واسعة في إطار المدن . أما العناية بالمجانين في هذه 
البيمارستانات فلم تعرف من قبل وبذلك تكون البيمارستانات العربية الأولى الرائدة في 
هذا المصمار . كما تقدم هذه البيمارستانات العناية اليومية للمساجين . وأول بتمارسيكان 
مؤكد اعتنى بالنمجانين من ناحية تاريخية شيد في القاهرة خلال إمارة أحمد بن طولون حاكم 
مصر العباسي 0 "لامم (انظر سميث ٠‏ 19917) . 

كما انتشرت البيمارستانات في جميع أنحاء العالم العربي إذ لم تقتصر فقط على 
بغداد ودمشق والقاهرة . فقد شيد أحدها في القرن التاسع للميلاد في القيروان عاصمة 
تونس العربية . كما شهدت مكة والمدينة المنورة في وقت مبكر جداً ظهور بيمارستانات 
أخرى . وكذلك ظهر العديد منها في بلاد فارس حيث أدار الرازيٍ بيمارستان الري قبل 
مغادرته إلى بغداد . وازدهرت ارات العثمانيين في تركيا بدءاً من القرن الثالث عشر 
للميلاد . كما حوت المقاطعات الهندية بعضها . وبالقياس إلى هذا الواقع فقد تأخر نشوؤها 
في بلاد الأندلس » بحيث إن أقدمها ربما كان ذلك الذي بني في غرناطة عام /91؟١‏ . هناك 
حقيقة يجب ذكرها وهي أن البيمارستانات العربية قد تأسست بصورة عامة لعلاج كل 
الأمراض ومن بينها الأمراض النفسية وفي فترات متأخرة من التاريخ أضبحت مكاناً 
للمرضى النفسيين . 


البعد السيكو لوجي في بناء البيمارستان 


تمت عملية مراعاة البعد السيكولوجي بصورة دقيقة فى تصميم وبناء البيمارستانات 
العربية وذلك كجزء من عملية العلاج النفسي للمرضى . لقد نشأت أول مصحة عقلية في 
تاريخ البشرية في بغداد , وتبعها بعد ذلك إنشاء مصحات نفسية أخرى (بيمارستانات) في 
دمشق وبعض المناطق والبلدان العربية . وفى هذه المستشفيات العربية كان المرضى النفسيون 
يتلقون معاملة إنسانية ( بيرت . 1978 ء ابراهيم , 1486 ) . فقد بنى الخليفة الأموي الوليد 
بن عبد الملك مستشفى في دمشق عام ١ ٠‏ ميلادية » وفى الفترة نفسها بنى مستشفى آخر 
في بغداد , وكان مستشفى النوري أو العتيق في حلب من أشهر المستشفيات ‏ فقد خصص 
لكل مريضى خادمان للعناية بنظافته : ولباسه » وطعامه »وتوجيهه للضلاة وسماع القرآن 
الكريم , ثم المشي في الهواء الطلق , وبعدها الاستماع للألحان الشجية والموسيقي الهادئة . 

وصف أحد المؤرخين زيارته لمستشفى نفساني بأن جو المستشفى يبعث على الراحة 


264 


وتتوزع فيه نوافير المياه وسط الحدائق الجميلة » وتشمل برامجه العلاجية الغذاء الخاص 
والاستحمام والعقاقير والعطور وكانت الجوقات والفرق الموسيقية تعزف من الألحان ما يريح 
الأعصاب ويخفف المعاناة وعن طريق الأندلس عرفت أوربا المستشفيات النفسانية (كمال 
وسرحان . )١1188‏ . ويصف ابن أبى أصيبعة أنه كانت قاعات البيمارستانات فسيحة حسنة 
البناء وكان الماء فيها جارياً . وللبيمارستان صيدلية تسمى شرابخانه ولها رئيس يسمى شيخ 
صيدلي البيمارستان » وللبيمارستان رئيس يسمى ساعور البيمارستان ‏ ولكل قسم من 
أقسامه رئيس (عيسى . )١1978‏ . 

كان للبيمارستان الأرغوني » في حلب . تأثير كبير في تطوير العلوم الطبية وخاصة 
في مداواة الأمراض العقلية ومعالجة كل حالة على حدة . حتى إن البناء نفسه صمم 
عمرانياً بحيث يحجز كل مريض في غرفة خاصة به ؛ وتقديم الدواء والمعا لجة له بشكل 
علمي ١‏ » وإن أجنحة البيمارستان الثلاثة معزولة عزلاً كاملا لدرجة أنها تخنق كل صوت أو 
ضجيج يمكن أن يقلق راحة السكان المجاورين . أما الجناح الرئيسي الكبير فهو معد لإيواء 
امجانين الهادئين . 

ذكر الطباخ في كتابه إعلام النبلاء فقال : « وقد بلغنا أنه كان في أطراف الصحن 
الخارجي ؛ وعلى أطراف الحوض الذي وسطه أنواع الرياحين ليناظرها المجانين . وكانوا يأتون 
بآلات الطرب والمغنين فيداوون المجانين بها اها » وكذلك بقية الأجنحة فإن في ساحتها 
برك الماء أشنا مع النوافير » وجدران البرك سميكة وهى معدة لوضع أصص الأزهار والرياحين 
عليها , وبذلك يتأمن للمريض الهدوء الكامل » وصوت الماء المهدئ , ومنظر الزهر البهيج 
فيساعد ذلك على تهدئتهم وراحتهم6 (حريتاني » 1187) . وعندما يدخل المريض 
البيمارستان كانوا يعطونه حماما ويلبس ثيابا نظيفة . وترسل ثيابه القديمة إلى المخزن . ويبقى 
هؤلاء المرضى في البيمارستان حتى الشفاء التام . وكانوا يختبرون المريض قبل خروجه من 
البيمارستان معافى بأن يعطوه رغيفاً كاملاً ودجاجة كاملة دفعة واحدة » فإذا أكل ذلك فهي 
علامة الشفاء التام ٠‏ ثم يعطونه ثياباً جديدة ملفا من المال إذا كان فقيراً يكفيه العوز حتى 
يصبح قادرا على العمل (انظر الهوني 2 )١1985‏ . 


التدريب الإكلينيكي في البيمارستان 
لم يكن البيمارستان مكاناً فقط لإيواء المرضى وللعلاج النفسي إنما كان كذلك مكاناً 


265 


للتدريب السريري العملي بالنسبة للدارسين . وكان باستطاعة الطالب في العصر 0 
يلتحق سواء بمدارس مرتبطة بمستشفي مثل «العضديء في بغداد و«النوري» فى دمشق 
و«المنصوري» في القاهرة ؛ وهي مجمعات كبيرة تضم جهازاً ا كاملا »به الصيدلة ومخازن 
الأعشاب الطبية , ثم كانت المدارس الخاصة بمكتباتها وأساتذتها , من أطباء مشهورين » 
يدرسون بها الشروح المقتضبة » وفصول أبوقراط . ومسائل حنين بن إسحاق (سناغوستان » 
45) . 

ويعتبر البيمارستان مكاناً للتعليم والتدريب فهناك روايات عن دروس كانت تقدم في 
بعض البيمارستانات كالبيمارستان العضدي في بغداد . وكان الإعداد الاستشفائي قرب 
سرير المريض ؛ سواء أكان تمريناً أم تعليما “جردا من الإعداد الطبي لعدد من الأطباء الذين 
تعلموا بطريقة تقليدية وَعَهَونا كان الطلبة يلقون تشجيعاً لاكتساب المعرفة السريرية (انظر 
سميث ./ا199١)‏ . ويقول ا مجوسي الذي كان مؤسس البيمارستان العضدي في بغداد : «ومما 
ينبغي لطالب هذه الصناعة أن يكون ملازماً للبيمارستانات ومواضع المرضى » كثيرٌ المداولة 
لأمورهم وأحوالهم مع الأساتذة من الحذاق من الأطباء . كثيرٌ التفقد لأحوالهم والأمراض 
الظاهرة فيهم متذكرا 5 كان قد قرأه من تلك الأحوال وما يدل عليه من الخير والشرء فإنه إذا 
فعل ذلك بلغ من هذه الصناعة مبلغاً حسناً (انظر عيسى عيسى 2 8 197) . 

تابع ابن أبي أصيبعة أحد الأطباء وهو «الدخوار» في دمشق في أوائل القرن الثالث 
عشر للميلاد . فبعد أن يزور الدخوار مرضاه في البيمارستان وفي البلاط كان يجمع طلابه 
عنده في البيت » ويكلف أحدهم بقراءة مقالة طبية . ويتابع النص في نسخة أخرى » 
57 القراءة عند الشيرورة ومعقيا عليها بالشرح وبالمناقشة المناسبين لقدرات الاستيعاب 
عند كل واحد من تلاميذه . وفي أواخر حياته » جعل الدخوار في بيته » الواقع في حي 
الصاغة » وقفاً لكي تقام فيه مدرسة للطب . وخصص لصياتتها ولدفع أجور المعلمين والطلبة 
مداخيل أملاكه الخاصة . وأوصى بأن بحل مكانه طبيب مشهور آخر هو «الرحبي» 0 
سنة 7378ه 771١م‏ أعطى الرحبي فرسا ككينا أمام جمهرة من العلماء والفقهاء . 
مارس أساتذة عديدون التدريس في هذه المؤسسة وكان يعينهم . على ما يبدوء 1 
دمشق . 

وضع البغدادي الذي توفي في بغداد ١777‏ في سيرة حياته الذاتية لوحة حية عن 
طرق التدريس في البيمارستانات . وعند قراءتها يسهل تصور الطلاب مجتمعين لقراءة مقالة 
بإشراف معلم يصحح أخطاء القراءة » ويوسع معنى النص » ويوضح ما التبس عليهم بمساعدة 


266 


معلوماته وخبرته . وكان الهدف الأول هو الحفظ غيباً محتوى الكتاب لكن بعد استيعابه 
أولاً . لأن الذاكرة تواكب ولكنها لا تنفي أبدا تمرين الذكاء . وكان هذا التدريس الأساس 
يستند , إذن » إلى القراءة والشرح والحفظ غيباً لمؤلفيت كاملة : فشهادة السماع التي كانت 
تعطى أحياناً إجازة للطالب لكي ينقل بدوره النص المدروس » كانت تشكل تصديقنا 
للإصغاء النبيه لدروس المعلم (انظر جاكار» /19910) . 
أنشئت نشئت في بغداد , في بداية القرن التاسع للميلاد المؤسسة المعروفة باسم «بيت 

الحكمة» . وكانت لها مكتبتها الخاصة . وكانت مهمتها تشجيع ترجمة النصوص العلمية . 
ولقد أرسلت بعثة لى القسطنطينية للحصول على المؤلفات . وكان على رأس المؤسسة يوحنا 

بن ماسويه الذي اشتهر بالإضافة لترجمته لبعض الكتب ء بتأليفه لعدد ضخم من 
المقالات . وشملت كتاباته السيكولوجية داء الصرع . ويذكر بأنه كان يعقد بيعلدا 
تلاميذته للمناقشة ومعاينة المرضى . وكان يجذب الكثير من الحضور في المناسيات نظراً لما 
اشتهر به من سرعة الخاطر والرد السريع (سميث . /0ا199١)‏ . 


المعايير الدقيقة فى اختيار المعالجين 


تروي لنا الكتب الطبية بأن هناك معايير محددة لاختيار المعالجين للعمل فى الطبابة 
وفي البيمارستانات . وكانت هناك دقة متناهية في الختيار الأطباء » خاصة ساعور أو رئيس 
البيمارستان . وكان لا يسمح للطبيب بممارسة الطب إلا بعد اجتياز الامتحان الذي ينظمه 
ساعور البيمارستان . وهناك امتحان يجرى يحدد كفاءة الأطباء وهناك عدد من المقالاات 
المتعلقة بأداب مهنة الطب التى توصي بإجراء مقابلة مع الأطباء بهدف كشف ومنع 
المشعوذين . كما أن هناك بعض هذه الحالات التى يتعرض فيها الأطباء للامتحان الشفوي . 
هناك حالة تعود إلى القرن التاسع للميلاد فقد قدمت لائحة مغلوطة من العقاقير إلى 
الصيادلة المطلوب اختبارهم . وبنتيجة الامتحان استبعد جميع الذين لم يتعرفوا إلى العقاقير 
الرديئة . 

وكانت الحالة الثانية ترجع لعام 4١‏ عندما أجرى سنان بن ثابت بن قرة بناء لأمر من 
الخليفة . احتباراً عاماً لجميع أطباء بغداد . أما الحالة الثالثة فهي منسوبة إلى ابن التلميذ 
عندما امتحن طبيبا طويل الباع ة في فى التجربة التطبيقية . لكنه وجد معلوماته النظرية ضعيفة 
جدا. صحيح أنه كتبت مقالات حول اختبارات الأطباء شملت أسئلة علم التشريح وفي 


267 


نظرية الأمزجة وفي تشخيص الأمراض . إذ ألف ماسويه والرازي مقالات في هذه المواضيع 
وكان كثير من المقالات تظهر فى شكل أسئلة وأجوبة كمقالة حنين بن إسحاق الواسعة 
الانتشار «المسائل في الطب للمتعلمين» . ومقالة الرازي «كلام الفروق بين الأمراض» (انظر 
سميث , /ا199) . 

ويروي ابن أبى أصيبعة «أن عضد الدولة لما بنى البيمارستان العضدي المنسوب إليه . 
قصد أن يكون فيه جماعة من أفاضل الأطباء وأعيانهم . فأمر أن يحصروا له ذكر الأطباء 
المشهورين حينئذ ببغداد وأعمالها . فكانوا متوافرين على المائة » فاختار منهم نحو خمسين 
بحسب ما علم من جودة أحوالهم وتمهرهم في صناعة الطب . فكان الرازي منهم . ثم إنه 
تعر ل 0 أيضاً على عشرة . فكان الرازي منهم , ثم اختار من العشرة ثلاثة فكان 
الرازي أحدهم » ؟ ثم إنه ميز فيما بينهم فبان له أن الرازي أفضلهم » ؛ فجعله ساعور البيمارستان 
العضدي» ١(‏ 0 -114) . وكان كذلك من أشهر هؤلاء الرؤساء فى بغداد سنئان بن 
ثابت بن قرة كما يذكر ابن جلجل فى طبقات الأطباء » والذي أوعز إليه إخلقة المقتدر بأن 
يمتحن كل الأطباء ويعطي الإجازات الطَنية لمن توفرت فيهم الأهلية فقط (حتي .)١94806‏ 


السيكوفارماكولوجيا 


تنكون سيكوفارماكولوجي من مقطعين «سيكوء من سيكولوجي وهفارماكولوجي» وهي 
استخدام العقاقير في مجال علاج الاضطرابات النفسية نويا اهتم علماء التراث 
بالأدوية المفردة والأدوية المركبة » كما اهتموا بإجراء التجارس على الحيوان وتطبيقها على 
مجموعة ضابطة ومجموعة تجريبية جاجد فلي وصلاحية العقاقيرء كماانتيهوا 
لمضاعفات الدواء وحجم الألم الناتج » وحددوا ب بعض المهدثات والمفرحات كأول مضادات 
للاكتئاب كما أشاروا لسوء استخدام العقاقير الطبية فضلاً عن استخدام بعض الخدرات في 
مجال التخدير في حالة إجراء العمليات الجراحية . 
ولعل من ايد الصيادلة العرب ضياء الدين البيطار ؛ وداؤود الأنطاكي . ورشيد الدين 
بن الصوري . ولم تصبح الصيدلة علماً ميزاً يسمى علم تركيب الأدوية إلا على يد العالم 
العربي الكندي المتوفى عام 85١‏ م » كما اعتبر ابن سهل النيسابوري المتوفى عام 859 م , 
أقدم من صنف العقاقير الطبية » حتى صار علماً منفرداً في المدرسة العربية » والذي أدخله 
لأول مرة الطبيب العربي يوحنا بن ماسويه » كمادة تدريس طبية . في القرنين العاشر 


268 


والحادي عشر الميلاديين , ومنذ ذلك التاريخ أصبحت الكتب العربية في علم الصيدلة » هي 
كتب التدريس في الصيدلة . ومن أهمها كناش يحيى بن سيرابيون » الذي عرف في 
اللاتينية باسم (سيرابيون) (انظر الهوني 2 1985) . 

واستعمل الأطباء المسلمون الحيوانات لتجربة تأثير الأدوية . مما مكنهم من معرفة 
اختلاف الأدوية من حيث القوة » وسرعة التأثير على الإنسان والحيوان ‏ ولكنهم اقتنعوا بأن 
ما يمكن أن يصلح للحيوان قد لا يصلح للإنسان . ولذلك لا بد من تجربة الدواء على بدن 
الإنسان أيضاً (الهوني » 1987) . ولقد ذكرنا سابقا عغلية مريب الآدوة على الحيوان 
ولأهمية ذلك سوف نقتبس مقطعاً مطولاً من ابن سينا الذي قال : « أن تكون التجربة على 
بدن الإنسان , فإنه إن جرب على غير بدن الإنسان » جاز أن يختلف من وجهين : أحدهما ء 
أنه قد يجوز أن الدواء بالقياس إلى بدن الإنسان حار ء وبالقياس إلى بدن الأسد والفرس 
بارد » إذا كان الدواء أسخن من الإنسان » وأبرد من الأسد والفرس . ويشبه فيما أظن أن 
يكون الرواند شديد البرد بالقياس إلى الفرس » وهو بالقياس إلى الإنسان حارء والثاني قد 
يجوز أن يكون له بالقياس إلى أحد البدنين خاصية ليست بالقياس إلى البدن الثاني مثل 
البيض فإن له بالقياس إلى بدن الإنسان خاصية السمية ؛ وليست له بالقياس إلى بدن 
الزرازير» (ج ١١‏ ص .570) . 

ولم يكتف الأطباء العرب بمجرد التجريب المقارن للأدوية بين الحيوان والإنسان بل قاموا 
بإجراء بعض التجارب بصورة دقيقة من خلال تصنيف المرضى مجموعة ضابطة ومجموعة 
تجريبية . مثلاً » يختلف الرازي عن الأطباء اليونانيين , في الاهتمام بالتجربة الموجهة . ومثال 
ذلك » أنه عندما أراد أن يتحقق من أثر الفصد كعلاج لمرض السرسام (ورم في الدماغ) . أنه 
جعل مرضاه على مجموعتين . عالج إحداهما بالفصد . والثانية بدونه » ثم راقب النتائج 
على أفرادهما , إلى أن وصل إلى حكم في قيمة العلاج » وهو نفس ما يتفق مع قواعد 
التجربة ؛ عند بيكون » ونتيجة لأهمية التجربة عنده قام بنفسه بإجراء بعض التجارب 
الطبية على الحيوان وخاصة القرود , باعتبارها من حيث الشبه بالإنسان » كما يفعل الطب 
الحديث الذي يفضل إجراء التجارب العلمية على الحيوانات قبل إجرائها على الإنسان 
(الهوني ٠‏ 1985 ) . 

إن علم الأدوية الذي عرضه ابن سينا في كتاب القانون يضع في سياق دقيق مسألة 
التأث ثير الفعلي للصفات الأولية . ولقد أنشأ جان دو سانت أماند في شرحه والذي حلله 
مايكل ماك فوغ نظاماً يرجع بشكل محدود إلى الصفات الأولية ؛ مع الاعتراف بعدم 


2069 


إمكانية التكهن بالخاصة الفاعلة لدواء مركب . وفي نهاية «التخمير» الذي تتعرض له 
النباتات المكونة » ينشأ مبدأ جديد فاعل من «الشكل التام» إلا أن آثاراً لكل صفة تبقى 
وفق النسبة التى كانت تملكها فى التركيبة الأصلية . وكقاعدة عامة , أن جاك دو سانت 
يأخذ بخاصة من ابن سينا ما يتعلق بعلم العلاج » ويعود بشكل أساسي إلى المقالتين الثانية 
والخامسة من كتاب القانون (جاكارء 1141) . يقول ابن سينا في مقدمة الكتاب الخامس 
في الأدوية المركبة وهو الأقراباذين : «لقد فرغنا في الكتب الأربعة من ذكر العلم النظري 
والعملي الحافظ للصحة والعملي الملعيد للصحة . وحان لنا أن نختتم القانون بالكتاب 
الخامس المصنف فى الأدوية المركبة ليكون كالأقراباذين للكتاب وقسمنا هذا الكتاب إلى 
مقالة علمية نشير فيها إلى أصول علم التركيب وإلى جملتين : جملة في المركبات الراتبة 
فى القراباذينات » وجملة فى الأدوية المركبة المجربة فى مرض مرض » . 

٠‏ استخدم علماء التراث العربي الإسلامي بعض العقاقير » وقد أطلقوا على بعضها اسم 
المفرحات ٠.‏ والتي قد تكون أول مضادات الاكتئاب في تاريخ الطب (كمال وسرحان ء 
4) . والمفرحات في علم النفس الحديث هي أشبه بالمنبهات . وهي التي تنبه وظائف 
الجهاز العصبي المركزي » وتزيد من الطاقة الجسمية والعقلية . ولها ول مضاد للخمول 
والاكتئاب . وهي تشعر المريض بالتحسن والانشراح وترفع من روحه المعنوية . ومن أمثلتها 
امفيتامين وتوفرانيل وتريبتيزول (زهران 1941/8٠‏ ) . ووصف الأدوية حسب أفعالها . كما عند 
ابن سينا » يوضح الدلالة السيكولوجية لبعضها .ء مشلاً » الملطف , والمرخي . والمقوي » 
والرادع » وا خدر . 

ومن الآأدوية المستخدمة لتخفيف الألم والتى وصفها ابن سينا في كتاب القانون 
ا خدرات وأقواها الأفيون . ومن جملتها الفاح » وبزره » وقشور أصله » والخنشخاشان . والبنج , 
والشوكران , وعنب الثعلب انخدر ؛ وبزر الخس . ويشير ابن سينا لأهمية الحدس ما بين مدة 
ثبات القوة أو مدة الوجع . ويجب تحديد أي الحالتين أضر : الوجع أم الغاية المدوقعة في 
التخدير » فيؤثر تقديم ما هو أصوب . فربما كان الوجع إن بقي قتل بشدته وبعظمه . والتخدير 
بما يقتل وإن أضر من وجه آخر ل ا 0 تركيب 
امخدر وكيفية استعمال أسهله ؛ وتستعمل مركبه مع ترياقاته . إلا أن يكون الأمر عظيماً 
جداً فتحتاج إلى تخدير قوي . ووفقاً لابن سينا فالمخدرات قد تسكن الوجع بما تنوم , فإن 
النوم أحد أسباب سكون الوجع . وخصوصاً إذا استعمل الجوع معه في وجع مادي . 

تناول ابن الجزار في الباب التاسع عشر من كتاب زاد المسافر موضوع النبيذ . وحالاات 


210 


السكر الحادة دون حالات الإدمان المزمن يقول : «اعلم أنه ينبغي لشارب النبيذ أن لا يتجاوز 
فيه مقدار طاقته ويحذر منه ما يخرج منه إلى حد السكر لثئلا تكون أفعاله غير سالمة ولا 
محمودة » ولكن ينبغي لشاربه أن يتفقد نفسه وبدنه فى شربه إياه تفقداً شديدا فمتى أنكر 
رأيه وفكره وحركات بدنه وقوته أمسك عن شربه ولم يمعن فيه حتى يصير إلى السكر إنا 
يكون بخارات غليظة فيه غير نضجة ترتفع إلى الدماغ فتستره كما يستر السحاب الشمس » 
فيحول ذلك البخار بين العقل ويسبب النعاس ويفسد الفكر والرؤية » . وتتضح صورة 
وموضوع التدبير النفسي في التراث العربي الإسلامي بالمؤسسات التي ترعاه فما هي هذه 
المؤسسات؟ 

لاحظ البيرونى سوء استعمال العقاقير المخدرة والتى تسيب اعتياداً يصعب التخلص 

منه ؛ إذ إن الكثيرين أخذوا بتعاطي الأفيون والحشيش ليس لأجل المداواة والشفاء فحسب 
بل كمخدرات . إن المؤلف يشبه الشخص المسترسل والمستهتر في شهواته «كمثل الخمور في 
العقارات» المسببة للهلوسة والاعتياد والتي بعد فقدان تأثيراتها يعود مرة أخرى راجعاً إليها 
وبإلجاح يطليها . وفي هذا نجد دليلاً آخر على تمكن استعمال مثل هذه الأدوية المخدرة 
وانتشارها وعلائم ومجريات الاعتياد عليها في عصره والذي كان شاهد عيان لأثرها وما 
تورث متعاطيها من سلب الإرادة للمقاومة والانصياع (حمارنة » 1987) . 

وفي التراث السيكولوجي عرفت قدرة الأفيون على التنويم والتخدير وقدم بعض 
المؤرخين المحدثين للطب فرضية تقول باستعمال العرب لهذه الخدرات لإفقاد المريض وعيه 
بشكل تام قبل إجراء العملية . وانطلاقاً من بعض الكتابات الفارسية الصفوية أن مركبات 
ربما كانت قد استخدمت لإحداث تخدير شبيه بحالة اللاوعي (انظر ماجنوء 191/7) . 
ويشير هونكه لاستعمال الأطباء العرب أنواعاً مختلفة من وسائل التخدير فاستعملوا الأفيون 
والحشيش . أما أهم أنواع التخدير عندهم فكان استخدام الاستنشاق بواسطة ما يسمى 
(الإسفنج المنوم) الذي يغمر بمواد عطرية ومنومة ويحفظ ويبلل قبل استعماله للتخدير» ثم 
يوضع فوق الفم والأنف (هونكة . 1997) . 


مميزات البيمار ستانات العربية 


استنادا إلى الحقائق التاريخية عن إنشاء البيمارستانات في الحضارة العربية الإسلامية 
يمكن أن نلخص بعض النقاط التى توضح ميزات هذه البيمارستانات العقلية والتى قد 


211 


تأسست لأول مرة في تاريخ البشرية . 

أولاً : : يعتبر البيمارستان أحد أهم المؤسسات في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية . 
عدون كان هناك دافع أخلاقي هو معالجة الأمراض العقلية بصرف النظر عن الوضع المادي 
للمريضٍ . وكانت البيمارستانات مؤسسات مدنية على نطاق واسع » ومفتوحة أما م الجميع . 

ثانياً : كانت ميزانية البيمارستانات تأتي بصورة عامة من ريع الأوقاف 1 عن ذلك 
كانت تقدم بعض التبرعات للبيمارستان من الحكام والأغنياء . ويغطي الريع مع التبرعات 
تكاليف تكلفة استمرارية المؤسسة وصيانتها , وتكاليف العلاج والأطعمة ونفقات بعض 
الأطباء والعمال بالإضافة لبعض المساعدات المالية الصغيرة للمرضى . 

ثالشاً: كانت وضعية البيمارستانات وتبعاً لذلك وضعية المرضى العقليين في المجتمع 
العربي الإسلامي وضعية ممتازة مقارنة بأوضاع المرضى النفسانيين «المجانين» في أوربا 
المسيحية حيث كانوا يحرقون , أو يلقون بالسلاسل في الأقبية المظلمة حتى الموت أو 
يوضعون في السجن أو برج المجانين . 

رابسا : : تم تشييد هذه البيمارستانات بمراعاة صلاحية المكان الصحية . ويذكر ابن أبي 
أصيبعة أن عضد الدولة استشار الرازي في الموضع الذي يجب أن يبنى فيه البيمارستان . 
وأن الرازي أمر بعض الغلمان أن يعلق في كل ناحية من جانبي بغداد شقة لحم » ثم اعتبر 
التي لم يتغير ولم يسهك فيها اللحم بسرعة , فأشار بأن يبنى في تلك الناحية وهو الموضع 
الذي بنى فيه البيمارستان . 

خامساً “مراع البهد السيكولوجى المعمارى فى بناءةالنيمارسكانات ون حيك ملاوع 
المبنى للظروف الخاصة بالعلاج النفسي مثل تهيئة البرك والمياه الجارية والنوافير والحمامات » 
وبناء الحدائق والاهتمام بالتزهير » وحسن المنظر العام للمبانى » وفساحة المباني ومراعاة 
الهدوء المكاني الكامل للمريض الواحد وكذلك مراعاة السكان المجاورين للبيمارستان . 

مادننا : : يعتبسر البيمارستان مكاناً للتدريب على العلاج النفسي . فلقد لعبت 
البيمارستانات دوراً أساسا في استيعاب ومارسة الطب السريري وكان الأطباء ينصحون 
طلاب الطب بالتردد على البيمارستان ومقابلة المرضى وتطبيق العلوم النظرية التي اكتسبوها 
عمليا فى الميدان . 

سابعاً : كانت تبرق المقابلات والأغتيارات الطبية والننبكرلوسية لتسديد كفاءة 
الأطباء كما لا يسمح بممارسة العلاج عامة والعلاج النفسي إلا بعد اجتياز الامتحانات 
اللازمة . كما كانت تتم عملية اختبار المعلومات النظرية والتطبيقية فضلاً عن عمليات 


212 


كشف المشعوذين . وتتضمن الاختبارات أسثئلة عن نظرية الأمزجة وعن التشخيص 
والتشخيص الفارق . 

ثامناً: قامت هذه البيمارستانات على عدة قواعد تراعى طبيعة ووظيفة هذه المؤسسة ء 
وكانت النظرة للبيمارستان نظرة شمولية تراعي جميع أوجه العملية العلاجية من خلال 
توفير المعدات والأدوية والأطعمة والأشربة والملابس والمشرفين والخدم والفراشين والأطباء 
والصيادلة . وإذا تأكد صحة هذا الوصف فيفوق ذلك الوضع الحالي لبعض المصحات 
النفسية فى الوطن العربى » مثلاً » مصحة كوبر ومستشفى التجانى الماحى للطب النفسى 
فى السودان . ا 00001 ْ 

٠‏ تاسعاً : كان تقسيم البيمارستانات لعيادة نفسية خارجية وعيادة داخلية . وكانت 

طريقة الفحص في البيمارستان تجري بشكل منظم . بحيث يفحص المرضى أولاً في القاعة 
الخارجية » فمن كان منهم بحالة مرض خفيف يكتب له العلاج » ويصرف من صيدلية 
البيمارستان » أما الذي هو بحاجة إلى المعالجة فى البيمارستان , فكانوا يدخلونه إليه (انظر 
الهونى » 1985) . ١‏ 

عاشراً : تصنيف المرضى حسب نوعية الأمراض (الاضطرابات ) النفسية أو العقلية 
مثلاً قسم الممرورين (المانيا) أو (الجنون السبعي) . كما أن هناك تصنيفاً آخر حسب درجة 
المرض مثلا إيواء المجانين الهادئين فى مكان منفصل من امجانين غير الهادئين . ويشبه ذلك 
تصنيف الدرجات الحالي للمرضى النفسانيين في مصحات العلاج النفسي . 

أحد عشر : كانت النظرة للتدبير النفسي نظرة كلية حيث تستخدم جوانب مختلفة 
مثل العلاج بالأعشاب .ء والعلاج بالموسيقي والغناء , والعلاج بالأكل والشراب ء والعلاج 
النفسي , والعلاج الروحي من خلال توظيف وظيفة الصلاة وتلاوة القرآن وفوق كل ذلك 
العلاج بالعقاقير السيكوفارماكولوجية . 


213 


المصادر والمراجع 


ابن أبى أصيبعة (1967) . عيون الأنباء فى طبقات الأطباء . بيرت : دار الفكر . 

ابن سينا » الشيخ الرئيس أبوعلي (9480 )1١55-‏ . الشفاء . تحقيق ومراجعة جورج 
قنواتى وسعيد زايد )١191/6(‏ . القاهرة : الهيئة المصرية للكتاب . 

ابن سينا » الشيخ الرئيس أبو على (480 )1٠١-‏ . القانون في الطب . بيروت : دار 
صادر. 

ابن سينا ء الشيخ الرئيس أبوعلي )٠١*5 - 948٠0(‏ . النجاة . تحقيق سليمان دنيا 
)١185(‏ . القاهرة : مطبعة السعادة . 

ابن قرة » ثابت )١1958(‏ . الذخيرة في علم الطب . القاهرة : المطبعة الأميرية . 

بيرت » سيريل )١1956(‏ . كيف يعمل العقل؟ ترجمة محمد خلف الله . القاهرة : لجنة 
التأليف والترجمة والنشر . 

جاكارء دانيال (1991) . تأثير الطب العربى فى الغرب خلال القرون الوسطى . فى 
موسوعة تاريخ العلوم العربية . إشراف رشدي راشد بمعاونة ريجيس مورلون . الجزء الغالث 
(ص . )١11١66-1١776‏ . بيروت : مركز دراسات الوحذدة العربية ومؤسسة عبد الحميد 
شومان . 

حتي » فيليب (1980) . العرب : تاريخ موجز . بيروت : دار العلم للملايين . 

حريتاني . محمود )١1987(‏ . البيمارستان في حلب ودوره في تقدم العلوم الطبية عند 
العرب ( ص . 55١‏ -/5717) . أبحاث المؤتمر السنوي الخامس لتاريخ العلوم عند العرب » 
١5 -١‏ أيارء ٠‏ 194481ء حلب » جامعة حلب . 

حمارنة » سامي (1987) . كتاب الجماهر في معرفة الجواهر للبيروني . مجلة تاريخ 
العلوم العربية » /ا, 58-17 . 

الرازي » محمد بن زكريا 7١7 - 76١(‏ هجرية) . الحاوي فى الطب . حيدر أباد : 
مطيكة مجلس داف الغارف التكهائية / , 

الرازي » محمد بن زكريا 5١ - ”6١(‏ هجرية) . كتاب ما الفارق أو الفروق أو كلام 
في الفروق بين الأمراض . تقديم وتحقيق ونشر سلمان قطاية (191/8) . حلب : جامعة 
حلب . 

زهران , حامد (191/8) . الصحة النفسية والعلاج النفسي . القاهرة : عالم الكتب . 


214 


سميث .ء أميلي (1997) . الطب . في موسوعة تاريخ العلوم العربية . إشراف رشدي 
راشد بمعاونة ريجيس مورلون . الجزء الثالث (ص . ١6١١14-1؟177١)‏ . بيروت : مركز دراسات 
الوحدة العربية ومؤسسة عبد الحميد شومان . 

سناغوستان , فلوريال )١1985(‏ . اتجاهات حالية فى الطب العربى التقليدي . مجلة 
تاريخ العلوم العربية ٠ 8٠‏ 9ه- 50 . : 1 

العمري . عبد الله )١140(‏ . تاريخ العلم عند العرب . عمان جا ري 

عيسى . أحمد (1959) . تاريخ البيمارستانات في الإسلام . دمشق : المطبعة 
الياسمينية . 

كاشدان . شيلدون )١19854(‏ . علم نفس الشواذ . ترجمة أحمد عبد العزيز سلامة . 
بيروت : دار الشروق . 

كمال . على . ؛ وسرحان , وليد (1984) . مآثر الحضارة العربية الإسلامية في الطب 
النفساني . الجلة العربية للطب النفسي . ١9.1ه-‏ 58 . ْ 

مرحبا ء محمد عبد الرحمن )١1989(‏ . بعض الإيجابيات في تصور علم النفس عند 
ابن سينا (ص . 778 -708) . أبحاث المؤتمر السنوي العاشر لتاريخ العلوم عند العرب » 7١‏ 
- 5؟ نيسان 1985 » اللاذقية سوريا . 

هونكة . زيغريد (1147) . شمس العرب تسطع على الغرب : أثر الحضارة العربية في 
أوربة . نقله عن الألمانية فاروق بيضون وكمال دسوقى . بيروت : دار الجيل . 

الهوني » فرج (1445) . تاريخ الطب في الحضارة العربية الإسلامية . مصراتة : الدار 
الجماهيرية للنشر والتوزيع والاعلان . 


-م2هن) .280110 ألعاعصة مز لمنها لصة مصهة384 :لمقط عمتلهعط عط .(1973) .0 ,هدزد34 
.وو 1721171510 مهد :.1125 ,عع 270ط 


215 


ل <| 


0 





عملية تحضير الأدوية الصيدلانية 


216 


21 


أدوا ات 


0 5 تخدم للعلاج النة في 


البيمارستان 













زيتديد ب لحن 


١ 07 ست‎ 707 21 


> 
7: 
3 


سروت ا 
ووش امار ووو 


اراك عور سق ود 
لوو رعرومرشت و وني شرا د 
تاس بوقرع ورسسيعا رت رامد 


رخ بديمنين تالف على عن عتونء زي نالسكر 
و 





فارماكولوجيا وصناعة الأدوية من سموم العقارب عند زين العطار 


218 


الفصل التاسع 


الرياضيات وعلم النفس 


تاريخ علم النفس والرياضيات عند علماء النفس العرب!*) 


يلاحظ أن المكتبة العربية تحتوي على مجموعة من الكتب التي تحمل عنوان القياس 
النفسي ء وعلم النفس الإحصائي ء والتقويم والقياس » والإحصاء الوصفي والتحليل 
العاملي . وفى علم النفس .» يرتبط الإحصاء والقياس والتقويم موضوعات متباينة منها البعد 
العقلى . والتربوي . والاجتماعى » والشخصية . والانفعال (عدس . ١987‏ ؛ أبو النيل . 
45 البهي . 1١91/9‏ ؛ خيرى 3 ؛أسعد » بلا تاريخ ؛ عبد الرحمن 987١؛‏ 
الغريب ٠‏ 1987 ؛ عيسوي » 1488 ؛ أحمد ؛ 145٠0‏ ؛ منسي 198566 ؛ فرج 14431٠١‏ ؛ الزراد 
ويحيى 19856 ؛ الراوي ٠‏ 1985 ؛ زايد » )114٠‏ . وتعالج هذه الكتب في غالبيتها 
موضوعات متعلقة بالإحصاء » وخاصة مقاييس النزعة المركزية . والمنحنى الاعتدالى 
وخواضة الإخصائية:؛ ومقاييس العلاقة (الارباط) ‏ واكتازات الدلالة الإخضائية » 
والإحصاء اللابارامتري » وتحليل التباين , والارتباط والانحدار » والتحليل العاملى . وسوف 
أحاول الاستعانة ببعض الملخصات والمقتطفات المنفردة من هذه المراجع والتى سوف أوجه 
من خلالها بعض الملاحظات في صيغة تساؤلات بصورة مجتمعة » وأحاول أن أعقب عليها 
من زاوية تاريخ الرياضيات في العلم العربي الإسلامي . 

يقول زايد »)١440(‏ في حديثه عن تطور الإحصاء وتطبيقاته عبر سنوات طويلة . لقد 
تم ذلك بجهود لكثير من العلماء من دول مختلفة ويعملون في حقول مختلفة . وكان التطور 
بطيئا حتى جاء القرن العشرون ليشهد معدلا هائلاً للتطور في النظريات اللإحصائية في 
مجالات كثيرة . ويرجع الاهتمام بالإحصاء إلى عصور قديمة . ويبدو أن كلمة إحصاء ظهرت 
لأول م وغام) 1158 وتعني الدولة السياسية . ولقد كان التطور في علم الإحصاء بصفة عامة 
ملازماً وموازياً للتطور في نظرية الاحتمالات . فقد نشأت نظرية الاحتمالات على أساس 
رياضي في ١414‏ بواسطة باسيولي ومن الدراسات الفلكية لكل من كبلر . وجاليليو, 
وباسكال . وفيرمان . وقد ساهم عالم النفس جالتون (1877 -1411) في تطبيق الطرق 
الإحصائية في علم النفس » ووضع أساس علم النفس القياسي وبدأ دراسة موضوع الارتباط 
والانحدار الذي اهتم به وطوره بعد ذلك بيرسون , كما قدم سبيرمان مساهمات فعالة في 
دراسة الارتباط ويعد من الرواد فى دراسة وتطوير التحليل العاملى . 

ويرجع الراوي (1485) تاريخ الإحصاء الوصفي إلى بداية الحضارة البشرية . ففي عصر 
(*) نشرت صورة من هذه الدراسة في امجلة المصرية للدراسات النفسية 1449 . 


2051 


البابليين والآشوريين والفراعنة واليونانيين تم استعمال الإحصاء فى الحصول على معلومات 
حول تعداد الرجال للحروب ؛ والإنتاج الزراعي وتقدير الضرائب . أمّا الإحصاء الاستنتاجي 
الذي يعتمد اعتماداً كبيراً على نظرية الاحتمال فقد بدأ تطوره منذ القرن السادس عشر 
كنتيجة لانتشار لعب القمار في أوربا . فقد اتجه المقامرون إلى علماء الرياضيات لإعطائهم 
معلومات حول فرص ربحهم أو خسارتهم . ومن أشهر هؤلاء العلماء : باسكال . ولييبنز؛ 
وفيرمان » ومن المساهمين الآخرين في تطور الإحصاء دي مويفرن كاوس » داروين » ومندل » 
وكويتيليت . وجالتون ؛ وبيرسون , الخ . 

وحسب رؤية الزراد ويبحيى (1988) ء فإنّ الدراسات التاريخية الإحصائية تشير بأنّ مفهوم 
الإحصاء هو من المفاهيم القدعة قدم الإنسانية ...... وقد وردت كلمة الإاحصاء في كتابات 
الفراعنة » واليونان ‏ وأشار الرومان القدماء إلى الإحصاء وأهميته في حياة الأثم والأفراد» كما أن 
كلمة الإحصاء وردت في الكتب السماوية . وقد تطور هذا المفهوم مع تطور الحضارات والأتم 
والعلوم » وتذكر الكتب بأن الإحصاء قد نشأ في ظل الدولة وكأداة لجمع المعلومات , والتعدادات 
المتعلقة بالأجهزة والمئؤسسات في الدولة ؛ وبالنواحي الاقتصادية » والسياسية 2 والاجتماعية: 
وتطور الإإحصاء منذ عام ١17١‏ وحتى مطلع القرن التاسع عشر الميلادي تطوراً تلندونا وكان ذلك 
بفضل نخبة من الرياضيين , وعلماء الإحصاء , أمثال لاباس » وجاوس » وجالتون » وبيرسون , 
وفيشر . وقد احتوى كتاب الزراد ويحيى على جداول للوغاريتمات الأعداد . وذكر المؤلفان : من 
المعلوم رياضياً بأ (لغ) أي عدد لأساس معلوم , هو الآس الذي يجب أن يرفع إليه هذا الأساس 
حتى ينتج العدد المفروض ٠‏ مثلاً لوغاريثم أي عدد لأساس عشرة )٠١(‏ هو الأس الذي يجب أن 
يرفع إليه هذا الأساس حتى ينتج العدد المفروض . . . فإِنْ لغ العدد ١-١ - ١‏ - صفر . وإن أول 
من حسب اللوغاريثمات (لو) هو العالم هنري بريجز عام ١516‏ بناء على توصية من نيبير ولعب 
ذلك دوراً ها في مجال تقدم الإحصاء والعلوم . 

بينما يذكر أسعد (بلا تاريخ) أن العلوم الإنسانية مازالت تتعشر في زحف بطيء عبر 
مسارات الفلسفة في الوطن العربى . . . ربما يرجع بعض السبب في تنكر المثقف العربي والرجل 
العادي في شوارع مدننا وقرانا لعلم النفس . أي كون المتداول من مادته بيننا ترجمة ممسوخة 
لدراسات قامت في بيجتماعيات مغايرة لبيجتماعياتنا العربية من طرف . ولانعدام المنهج 
العلمي الواضح الذي يصل العلاقة الرياضية بالظاهرة النفسية »من طرف أخخر . . . ويضيف 
أسعد , عمدنا في تحقيق هدفنا إلى وضع مصطلحات عربية لكل مفاهيم العلم لتكون نواة 
لتحرير علمنا من الاستعمار الشقافي الذي مازال يرزح تحت أعبائه . ويقول فرج (1941) إن 


252 


أساس كتابه هو المنطق الرئيس للتحليل وقضاياه المنطقية » وليس من مهمته تقديم البراهين 
الرياضية أو الصياغات الجبرية المعقدة . وهو لا يقوم بتناول الأساليب والمفاهيم المختلفة ليقدمها 
للقارئ من خلال المعادلات . ولكن من خلال خطوات العمل المتعاقبة التي يتعين عليه 
ارتباطها إلى الوصول إلى الحلول الصحيحة , مع قدر ضئيل من التعبيرات الرياضية التي تكفي 
لربط القارئ المستزيد بالتراث الإحصائي والرياضي إذا رغب في التقدم بحو هرانا 
حصله في هذا الكتاب . (احتوى كتاب فرج على جيوب التمام ؛ :)ص ص 454-47957) . 

نلاحظ أن العرض السابق لتاريخ الإحصاء وعلم النفس عرض يتفق في جوهره مع 
كتابات الغربيين من علماء النفس الذين يركزون على ثلاث مراحل في تطور العلوم : وهي 
الفترة الإغريقية » وعصر النهضة , وظهور المنهج التجريبي . وتنجاوز هذه النظرة ذكر أي 
إسهام للحضارة العربية الإسلامية في تاريخ العلم . من ناحية انفعالية » يمكن الاتفاق مع 
أسعد فيما ذكره عن تعثر العلوم الإنسانية وأن المتداول بيننا هو ترجمة ممسوخة ويجب علينا 
أن نحرر علمنا من الاستعمار الثقافي . ولكن هل قام الباحث بتحقيق هذه الأهداف الكبرى 
في كتابه؟ لقد ذكر الباحث أنه وضع مصطلحات عربية ويا ترى هل هذه المصطلحات هي 
مجرد ترجمة للمصطلحات الأجنبية في القياس النفسي أم هي عملية اختراع لأفكار 
جديدة تنطلب تطوير واشتقاق وتأليف مصطلحات جديدة من اللغة العربية؟ ويلاحظ كذلك 
أنْ كتاب أسعد هو كتاب بلا تاريخ , بالرغم من أنه كتاب للقياس يتطلب الدقة في التوثيق 
والتسجيل ٠‏ بالإضافة إلى ذلك إنه كتاب بلا مراجع بالرغم من وجوده على أرفف مكتبة 
الجامعة لتدريسه لطلاب علم النفس . 

ويمكن تجاوز الملاحظة السابقة إذا كانت كل الأفكار الواردة في الكتاب من إنتاج 
المؤلف . ويلاحظ أن إشارة فرج لربط القارئ بالتراث الإحصائي والرياضي هي إشارة غير 
محددة : أي تراث؟ التراث العام للعلم؟ أم التراث الغربي؟ أم التراث العربي الإسلامي؟ 
ويلاحظ أن المؤلف تطرق للصياغات «الجبرية» المعقدة . واشتمل الكتاب على ملاحق تحتوي 
على «جيوب التمام» . نود من عرض الملاحظتين الأخيرتين توجيه سؤال عن إبداع «علم 
الجبر» و«دجيوب التمام» في تاريخ الرياضيات عند العرب . ويمكن كذلك توجيه ملاحظة إلى 
كتاب الزراد ويحيى : هل فعلا أول من حسب اللوغاريشمات هو العالم ٠‏ هنري بريجز بناء 
على توصية من نيبير؟ وهل مساهمة هؤلاء هي الوحيدة التي لعبت دوراً في مجال تقدم 
العلوم الرياضية؟ ولمن يرجع الفضل في بلورة فكرة اللوغاريشمات ومن مهد لاكتشافها ومن 
أين جاء مصطلح «اللوغاريشمات» من ناحية تاريخ العلم ؟ 


233 


تاريخ علم النفس والرياضيات عند بورنج 


يؤرخ بورنج (1961) بأنه منذ عام 1557 كانت هناك محاولات لتطبيق نظرية 
الاحتمالات لتقييم شهادة الإنسان وبراءته » ولمعدل المواليد » ومعدل النوع . والمشاهدات 
الفلكية , وللجدري والتطعيم ٠‏ والتنبؤ بالجو, والانتخابات , ولأخطاء المشاهدات العلمية . 
وفي عام 1870 تمت أول محاولة من قبل كويتليت لاستخدام قانون الخطأ لوصف التوزيع 
الطبيعي للسمات الإنسانية وانحراف السمات عن المتوسط العام في كلا الجانبين . وإن 
الجذور التاريخية للمنهج الإحصائي ترجع إلى كويتيليت الذي أخذ منه جالتون قانون التوزيع 
الطبيعي وطبقه على قياس القدرات العقلية . ويعتبر جالتون أول من استخدم المنهج 
الإحصائى للدراسات الارتباطية . 

واستعنان جالتون كذلك ببعض الأدوات الرياضية من ديكنسون بالنسبة لقياس 
التكرارات . لقد أخذ فخنر فكرة تطبيق الرياضيات لدراسة العقل في مجال السيكوفيزيقا 
من هاربرت . ومن ثم عمل فخنر على التوضيح الرياضي والتجريبي لقانون فيبر . واستخدم 
فخنر الوظيفة اللوغارتمية لتوضيح طبيعة العلاقة الارتباطية بين المتوالية الحسابية والهندسية . 
واستخدم بورنج نفسه العلاقة اللوغارتمية في تاريخه لسايكوفيزيقا الإبصار . ويعتبر بيرسون هو 
الذي أعطى النظرية الارتباطية أساسها الرياضي الحالي . وفي عام ١40١‏ أسس جالتون 
وبيرسون وولدون مجلة «بايوميتركا» للبحوث الرياضية في البيولوجيا والسايكلوجيا . في عام 
64 عمل سبيرمان على إحداث خطوة مهمة في استخدام المنهج الارتباطي من خلال 
نظرية العاملين . وفي عام 19*٠‏ تم تطوير التحليل العاملى تحت قيادة ثومسون في أدنبرة , 
وبيرت في لندن » وثيرستون في شيكاغو. ت 

يعتبر بورنج (/1961) من أشهر مؤرخي علم النفس », ويعتبر كتابه «تاريخ علم النفس 
التجريبي» بمثابة «التوراة» في تاريخ علم النفس ء أو بمثابة «تاريخ الطبري» في تاريخ الحضارة 
العربية الإسلامية . إن المقتطف السابق لبورنج نسبة لأهميته سوف نجزئه لعدة نقاط . يقول 
بورنج )١(‏ «في عام 1970 تمت أول محاولة من قبل كويتليت لاستخدام قانون الخطأ لوصف 
التوزيع الطبيعي للسمات الإنسانية» . (؟) «إن الجذور التاريخية للمنهج الإحصائي ترجع 
إلى كويتليت الذي أخذ منه جالتون قانون التوزيع الطبيعي» . (؟) «لقد أخذ فخنر فكرة 
تطبيق الرياضيات لدراسة العقل في مجال السيكوفيزياء من هاربرت» . (4؛) «عمل فخنر 
على التوضيح الرياضي والتجريبي لقانون فيبر» . (0) «استخدم فخنر الوظيفة اللوغارتمية 


2054 


لتوضيح طبيعة العلاقة بين المتوالية الحسابية والهندسية» .(5) منذ عام ١757‏ هناك 
محاولات لتطبيق نظرية الاحتمالات فى أخطاء المشاهدات العلمية . من ناحية تاريخية 
(زايد » )148٠‏ لقند نشأت نظرية الاحتتمالات على أساس رياضي ؛ وهي من أهم جوانب 
الإحصاء , في عام ١444‏ بواسطة باسيولي ومن الدراسات الفلكية لكل من كبلر وجاليلو 
وباسكال وفيرمان . إن التاريخ المربوط بنشوء نظرية الاحتمالات ١444‏ هو تاريخ مهم جداً 
في تاريخ العلم . إذ يعتبر القرن الخامس عشر بمثابة الخط الفاغل نين انخسار وترم جع العلم 
العربي الإسلامي وبين ظهور عصر النهضة فيما سمي لاحقاً بأوربا . وفى الوقت نفسه يمثل 
هذا القرن حركة الاستيعاب الكاملة للعلم العربي الإسلامي من قبل علماء النهضنة :: 

ويؤرخ تاتون (1144) : في حين أن أعمال مالوس ؛ وغوس ٠‏ وموبيوس , وليستن وضعت 
أسس النظرية القريبة من الأ نظمة المركزة , والدراسات البصرية الفيزيولوجية . المحكومة بعمل 
هلمهولتز العميق » هذه الأعمال أتاحت فهما أفضل لعملية العين كما وضعت المشكلة 
المعقدة . مشكلة الإبصار فى موضعها الصحيح . وفي العلم الأوربي بدأ توظيف الإحصاء 
في مجال الدراسات النفسية في القرن التاسع عشر الميلادي . 

إن المقتطفات الخاصة بعلاقة تطبيق الرياضيات في علم النفس من خلال رؤية بور ربها 
تحتاج إلى إعادة النظر من خلال إعادة القراءة لتاريخ العلم العربي الإسلامي . ويبدو أن الوقت 
متاست عدا لتقديم أطروحة جديدة في هذا الجزء من الدراسة . إن الجذور التاريخية العميقة 
لتطبيق الرياضيات في علم النفس » وفكرة تطبيق الرياضيات لدراسة العقل في مجال 
السيكوفيزيقا » ومحاولة استخدام قانون الخطأ في علم النفس ., والتوضيح الرياضي والتجريبي 
على أحد القوانين في علم النفس يعود إلى العصر الذهبي للحضارة الإسلامية وخاصة 
مساهمة ابن الهيثم في «كتاب المناظر» في النصف الأول من القرن الحادي عشر الميلادي . 

سنحاول في الجزء اللاحق من الدراسة الإجابة عن التساؤلات التي طرحناها بالنسبة 
للعلماء العرب والمعاصرين الذين أشاروا إلى علاقة الإحصاء ء بعلم النفس » وفضلاً عن ذلك 
ستحاول الإجابة عن التساؤلات التي طرحناها بالنسبة لبورنج مؤلف علم النفس الأكثر 
شهرة » وسوف نقدم عرضاً مفصلا لعدة مساهمات عربية في مجال الحساب والجبر والمقابلة 
والهندسة . ونهدف من هذا العرض المفصل للقول بأن تطور علم النفس في حقيقته قد 
ارتبط بتطور بقية العلوم في العصر الذهبي للحضارة العربية الإسلامية . فيصعب علينا إذن 
فهم علم النفس من غير أن نفهم بقية ة العلوم . ولقد سبقت الإشارة للتشريح والفسيولوجيا 
والطب وعلم الحيوان وسوف نتحدث لاحقاً عن الفلك وعلم المنظور أو البصريات . 


255 


علم الحساب فى التراث 


إن تاريخ العلوم عند العرب والمسلمين قد سجل عدة مساهمات عملاقة في علم 
الحساب . فمن المؤلفات مشلا : ثسرف الدين الطوسي في «جوامع الحساب بالتخت 
والتراب» ؛ وغياث الدين الكاشي في «مفتاح الحساب» ؛ والقلقصادي في «كشف الأسرار 
في علم الغبار» , وأبو بكر الكرجي في « الكافي في الحساب» و«البديع في الحساب» ؛ 
وابن البناء المراكشي في «المقالات في علم الحساب» ؛ والمكناسي الفارسي في « بغية 
الطلاب في شرح منية الحساب» . وسوف نحاول في الجزء اللاحق من الدراسة متابعة 
إسهام العلم العربي الاسلامي في علم الحساب . خاصة , الحساب العشري ؛ والمحساب 
العشري بعد الفاصلة . واللوغاريتمات , واستخدام الترميز في الحساب . وإذا كان هناك 
إسهام عظيم يحسب للعلماء العرب والمسلمين في مجال الرياضيات فهو تطويرهم للحساب 
من خلال الأرقام الغبارية (العربية) والأرقام الهندية . 

وفي حال إجراء العمليات الحسابية » كانت تكتب الأرقام الغبارية على منضدة عليها 
الرمل وانتشرت هذه الطريقة في المغرب العربي وفي الأندلس ومن هذه الأمكنة انتشرت في 
أوربا . وتكتب الأرقام الغبارية : 0 89 67 45 123 . وأما الأرقام الهندية فقد انتشرت في 
المشرق العربي وتكتب ١ 77 5 5 51/89 ٠‏ . حين تناول الخوارزمي في كتابه موقع الصفر 
في عمليات الجمع والطرح مثل ١‏ قال : « في عمليات الطرح ء إذا لم يكن هناك 
باق » نضع صفراء ولا نترك المكان خاليا حتى لا يحدث لبس بين خانة الآحاد وخانة 
العشرات» . ويضيف : ١‏ إن الصفر يجب أن يكون على يمين الرقم لأن الصفر على يسار 
الاثنين مثلا (؟١)‏ لا يغير من قيمتها ولا يجعل منها عشرين . 

ويقول مؤرخ العلم تاتون (1488 ) » كان العرب قبل القرن التاسع الميلادي يرقمون 
الأعداد بواسطة الكلمات . على طريقة اليونانيين » أي بواسطة الأحرف الثمانية والعشرين 
من الأبجدية . والتي ترمز علي التوالي إلى الوحدات وإلى العشرات والى المئات ثم عدد 
الألف . وفي مطلع القرن التاسع الميلادي » اعتمد علماء بغداد نظام الترقيم العشري ذا المواقع 
أو المراتب والذي كان قد دخل الى الهند قبل ذلك بقليل . وكان نشر وإكمال الحساب 
العشري المرتكز علي مبدأ الموقع . هما من نجاحات العلم العربي الكبرى . وأول كتاب 
حسابي مرتكز على مبدأ الموقع , ألفه الخوارزمي حوالي سنة 8٠١‏ م », ويبدأ الكتاب بوصف 
مفصل لنظام الترقيم بواسطة تسع «صور» هي رموز الأعداد . وقد أدى كتاب الخوارزمي دوراً 


236 


كبيراً فى تطوير الحساب . وفي أوربا الوسيطة دخل اسم المؤلف (الخوارزمي) بصيغته 
اللاتينية - الغور يسم أو الغور يتم - على كل نظام الحساب العشري المرتكز على مبدأ 
الموقع » ومع ليبنز اكتسب هذا الاسم معنى أوسع بحيث شمل كل نظام منتظم في الحساب 
يتيح حل طبقة معينة من المسائل بشكل ميكانيكي . 

ارتبط اسم الخوارزمي بتطور الحساب العشري » كما ارتبط اسمه كذلك باسم حساب 
اللوغاريتمات . ومن ناحية تاريخية ء إن أول من بلور فكرة اللوغاريتمات هو ابن يونس 
الصدفي المصري المتوفى عام 544 ٠٠١8(‏ م) . وليس كما ذكر الزراد ويحيى بأن أول من 
حسب اللوغاريتمات هو العالم هنري بناء على توصية من نيبير . إن هذه الحسابات تحتاج 
إلى تجذير أعمق في التراث العربي الإسلامي . ويحدثنا تاريخ الرياضيات العربية أن ابن 
حمزة المغربي تمكن من إعطاء العلاقة بين المتواليتين الحسابية والهندسية . وتعتبر هذه 
الدراسة خطوة لاكتشاف علم اللوغاريتمات . وتعتبر اللوغاريتمات هي الوسيلة الوحيدة 
لتبسيط العمليات الحسابية التي ترد في مسائل العلوم التطبيقية مثل الفيزياء والهندسة 
والإحصاء (انظر الدفاع )1981١ ٠‏ . 

إن العلاقة بين المتواليتين الهندسية والعددية هي التي أدت بنابيير وبرجز عام ١614‏ 
إلى اكتشاف اللوغاريتمات » حيث إن الفكرة الأساس فى اللوغاريتمات هى العلاقة بين 
سلسلتين » الأولى هندسية والثانية عددية (الطيار وسعيد //1949) . والحقيقة التى لا مرية 
فيها.هي أنّ العلماء العرب قبل غيرهم من العلماء ببئات السنين » وعلى وجه التحديد» 
بسبعمائة سنة » وقبل أن يوجد إنجليزي أو ألماني حسابهما الفرقي , قد وفقوا إلى سلسلة من 
التحقيقات الكبيرة المهمة في العلوم والرياضيات . عالجوا فيها قضايا أساسية . لقد برع ابن 
سينا في الرياضيات وحقق انتصارات فكرية كبرى وعالج مسائل اللأحجام اللأمتناهية 
حجماً . دينياً وفيزيائياً ورياضياً . وهي في الواقع ؛ مسألة أوصلت كلاً من نيوتن ولايبنز في 
القرن السابع عشر ء إلى وضع الحساب اللامتناهي (هونكة , 1447) . 

أوجد العرب الحساب العشري بعد الفاصلة . فالفلكي المشهور الكاشي أتحف علم 
الحساب برائعة من روائعه وأسدى إليه خدمة جلى حيث حول لأول مرة في التاريخ 
الكسور ك إلى 5,08 والذي جعل فن الحساب في متناول الجميع » »إذ لولا هذا التحويل » 
لما وجد علم اللوغاريتمات (هونكة . 11947) . وكان لابتكار الكاشي أثر كبير في تقدم 
الحساب وفي اختراع الآلات الحاسبة . واستخدم الكاشي الصفر لأول مرة لنفس الأغراض 
التي نستعمله فيها اليوم . وكان الكاشي يستعمل في بداية الأمر الجداول الرياضية لإيجاد 


237 


حدود المعادلة الجبرية » ولكنه لم يلبث أن استخدم القناعدة العامة لنظرية ذات الحدين . 
وللكاشي رسالة ناقش فيها الجذور الصم ومنها تطرق لنظرية ذات الحدين . ومن المؤسف حقاً 
أن يعتبر علماء العرب العالم الإنجليزي إسحاق نيوتن الذي عاش بين (51417١-107/70م)‏ 
مبتكر نظرية ذات الحدين . وفي الحقيقة لم يزد نيوتن على تعميم نظرية ذات الحدين », التي 
عممها الكاشي إلى أي آس حقيقي (الدفاع )194١ ٠‏ . 

وكان إدخال الكسور يُقصد به هدف عملى يتعلق بالحساب العملى . يبقى من الحق 
القول بأنه باستثناء الرياضي الكبير «العربي» جمشيد الكاشي وأعماله التي وضعت سنة 
» ولكنها لم تعرف في الغرب . ولم يخطر لأحد غير ستيفن أن يحل الكسور العشرية 
العادية » ويضع نظام ترميز يتيح توحيد مجال تطبيق قواعد الحساب , دون أن يحتفظ منها 
بالقواعد التي تطبق على العدد الصحيح (تاتون 19). ولقد استخدم القلقصادي 
(؟1485-141١)‏ الرموز في كتابه «كشف الأسرار عن علم الغبار»؛ حيث استخدم الحرف ح 
لعلامة الجذرء وا حرف ش للشيء أي المجهول . والحرف م للمال أي مربع المجهول . والحرف ك 
لكعب المجهول أي مكعبه , والحرف ل بدل كلمة تعدل أي بدل رمز المساواة , أما علامة 
الجمع فكانت عطفاً بلا واو . إن استعمال الرموز خطوة حاسمة في الرياضيات بصورة عامة . 
فالرياضي الآن يستعيض عن جملة كاملة برمز أو بسهم ناهيك عن الاستعاضة عن كلمة 
بحرف أو رمز . ولهذا فقد استغرقت عملية انتشار الرموز أو ما تسمى «الرمزية في الجبر» 
مئات السنين » وكان للعرب فضل في هذه العملية (الطيار وسعيد »//191) ٠‏ 

قام الكرجي بشرح طريقة لإيجاد الجذر التربيعي للمربع الكامل بطريقة مشابهة تماماً 

يقة العامة لإيجاد الجذر التربيعي . فقد أورد الكرجي مثال استخراج الجذر التربيعي 
للعدد 75 658 ”٠‏ ويقول « قياس ذلك أن تطلب أعظم عدد مفرد إذا ربع يكون مثل 
المطلوب جذره أو أقرب شيء إليه فتجد مائتين . الق مربع المائتين من خمسة وستين ألفا 
وخمسمائة وستة وثلاثين . ثم اطلب أعظم عدد في العشرات إذا ضربته في مائتين مرتين 
وفي نفسه مرة واحدة كان ذلك مثل الباقي أو أقرب شيء إليه تجده خمسين» . 

فقد استخدم الكرجي فكرة أن مربع مائتين وخمسين يساوي مربع المائتين وضعف 
المائتين في خمسين ومربع الخمسين . ثم يكمل الكرجي طريقته بقوله «إذا ضربت الخنمسين 
في مائتين مرتين وفي نفسه مرة واحدة ارتفع منه اثنان وعشرون ألفا وخمسمائة ألقها من 
الباقي يبقى ثلاثة آلاف وستة وثلاثون . اطلب أعظم عدد إذا ضربته في مائتين وخمسين 
مرتين وفي نفسه مرة واحدة يكون مثل الباقي أو أقرب شيء إليه يكون ستة فإن مائثتين 


258 


وستة وخمسين هو الجذر المطلوب» . إن الطريقة ة التي اتبعها الكرجي لإيجاد الجذر التربيعي 
للمربع الكامل هي خطوات الطريقة العامة نفسها عدا تقسيم المراتب اثنتين ين من اليمين 75 , 
ههه وأخذ جذر آخر مجموعة الذي هو” هنا فنضع الرقم ” بدلا من ٠٠١‏ وهكذا الحال 
بالنسبة إلى © بدلا من 5٠‏ (انظر الطيار وسعيد » )١917/7/‏ . 

بدأ الكرجي بتجديد الجبر بواسطة الحساب وتبعه الرياضيون العرب بعده أمثال 
السموأل بن يحيى المغربي . إن كثيراً من أعمال الجبريين التي نسبت إلى القرن الخامس 
عشر وحتى تلك التي نسبت إلى القرن السادس عشر الميلادي وخاصة أعمال الأوربيين 
كانت في الحقيقة من إنتاج الكرجي والسموأل أو استمراراً لهما . واهتم بحساب اليد في 
كتابه الكافي في الحساب وذكرجميع المتتاليات »ء وذكرها ابقيا في حساب اليد عند 
عبدالقادر البغدادي قد يكون دليلاً ورداً على من يقول بأن العرب أخذوا معلوماتهم من 
الفكر الهندي . ودرس الكرجى أيضاً النسبة فى حساب اليد وعرف أنواع الكسور والأوزان 
والمكاييل وطبق العمليات على كثيرات الحدود كقسمة كثير الحدود ذي مجهول واحد على 
آخر» وأعطى دستور ذي الحدين وحساب أمثاله , بما في ذلك اكتشاف ما يسمى بمثلث 
باسكال وعرف ضرب القوى وقسمتها ؛ وحساب الإشارات الجحبرية » وأعطى طرقاً تقريبية 
لاستخراج الجذر التربيعي ومنها إيجاد الكسور العشرية » وطبق العمليات على العبارات غير 
المنطقية ما أدى الى معرفة القيمة الجبرية للأ عداد الحقيقية ( شلهوب » 1988) . 

يمكن أن نخلص للقول بأن علماء الرياضيات في التراث العربي الإسلامي قد قدموا 
مساهمة كبيرة في تطور الحساب . خاصة ما يسمى بالأرقام الغبارية والهندية وهي أكثر 
سهولة مقارنة مع كل الأرقام السابقة والمستخدمة في الحساب . ولعل أهم مساهمة في 
الحساب هي كتاب الخوارزمي «الحساب» . بالإضافة لذلك . فقد بلور العلم العربي 
الإسلامي فكرة اللوغاريتمات . وطبيعة العلاقة بين المتوالية الهندسية والعددية . كما ساهم 
العلم العربي بتطور الحساب العشري بعد الفاصلة , وإدخال الكسور لأول مرة في التاريخ , 
واستسخدام الصفر , والجداول الرياضية » والجذور الصم . واستخدام الرموز وانتشارها » وإيجاد 
طريقة للجذر التربيعي للمربع الكامل . إن مساهمة علماء الرياضيات العرب والمسلمين في 
علم الحساب كانت خطوات حاسمة في تجديد الجبر بواسطة الحساب وفي التأثير في عقول 
رواد النهضة في أوربا » وفي مستقبل العلم كافة . سوف نتابع في الجزء اللاحق من الدراسة 
كيف تطور الحساب وما هي علاقته بالجبر؟ وكيف تم إبداع علم الجبر والمقابلة؟ 


259 


الجبر والمقابلة فى التراث 


فمن المؤلفين في تاريخ العلوم عند العرب في مجال الجبر والمقابلة : الخوارزمي «الجبر 
والمقابلة» ؛ وأبو كامل «كتاب الحبر والمقابلة» و«كتاب كمال الجحبر وتمامه والزيادة فى أصوله» . 
وعمر الخيام «رسائل الخيام الجبرية» ؛ وشرف الدين الطوسي «المؤلفات الريايية في ا جبر 
والهندسة؛ , والكرجي «الفخري» . ونصير الدين الطوسي «رسالة ابن الطوسي في الجبر 
والمقابلة» ؛ وأبو بكر الانصاري الكعبي «رسالة في تقريب أصول الحساب في الجبر 
والمقابلة» , والمراكشي ابن البناء « تاريخ أعمال الحساب» ء وابن الياسمين 9 رمات ابن 
الياسمين في أعمال الجبر والحساب» . ويعتبر الخوارزمي أول من أوجد ومن فصل الجبر من 
علم الحساب . وفي تاريخ العلم كافة لا يعرف أي مساهمة قبل الخوارزمي عن الجبر 
والمقابلة . 
هناك عدة مؤلفات للخوارزمي منها : كتاب الزيج »وكتاب الرخامة . وكتاب العمل 
بالاصطرلاب » وكتاب مختصر السند هند . وكتاب الجمع والتفريق . وكتاب رسم المربع 
المحمور » وكتاب تكوين البلدان . إلا أن أهم كتبه هو كتاب «الجبر والمقابلة» . ويقول 
الخوارزمى فى مقدمة الكتاب « . . . ألفت من حساب «الجبر والمقابلة» كتاباً مختصراً حاصراً 
للطيف الحساب وجليله » لما يلزم الناس من الحاجة إليه في مواريئهم ووصاياهم وفي 
مقاسمتهم وأحكامهم وتجارتهم , وفي جميع ما يتعاملون به بينهم فى مساحة الأرضين 
وكري الأنهار والهندسة وغير ذلك من وجوهه وفنونه» . ويحدد الخوارزمي في كتابه ثلاثة 
أنواع من القيم الجبرية «وجدت الأعداد التى يحتاج إليها فى حساب الجحبر والمقابلة على 
ثلاثة ضروب : وهي جذورء وأموال ؛ وعدد مفرد لا ينسب إلى جذور ولا إلى مال» . 
ويعرف الخوارزمي قيمة «الجذر منها كل شيء مضروب في نفسه من الواحد وما فوق من 
الأعداد وما دونه من الكسور» » بينما يعرف المال بأنه « كل ما اجتمع من الجذر المضروب 
فى نفسه» ء فأما العدد المفرد فهو « كل ملفوظ به من العدد نفسه بلا نسبته إلى جذور ولا 
إلى مال» . 
إن اصطلاح كلمة «الجحبر» يعرفها العرب في جزيرتهم فن جبر نصاب الزكاة . وقد جاء 
في «المصباح المنير»(جبرت نصاب الزكاة بكذا عادلت به) . وظلت غاية الجبر عند العرب 
مساعدة الكتاب والعمال في إنجاز المعاملات التى تعرض عليهم . تبعاً لذلك فإن الخوارزمي 
استقى رياضياته من واقع الحياة المعاشة (الحمدء *1418) . ففي الجزء الأول من كتاب 


230 


«الجبر والمقابلة» استهدف الخوارزمى بناء هذا الحساب .ء أي الجبر والمقابلة » وتعريف ألفاظه 
الأولية ومفاهيمه . وخصص الجزء الثاني لوضع أسس العمليات النظامية التي تسمح برد 
المسائل الحسابية إلى الأغاط الجبرية الأساسية . أمًا الأجزاء الأخرى » وهى ذات أهداف 
عملية بحتة . فمن الواضح أنه من غير الممكن إرجاع ما أسهم به الخنوارزمي إلى أي عمل 
رياضي سابق عليه » فهذا الإسهام يتميز بطابع عقلاني جديد في مجال الرياضيات لم يكن 
معروفا من قبل » الأمر الذي يفسر فشل كل امحاولات الرامية الى العثور علي أصول هذا 
الجبر . وقد يعود هذا الفشل إلى غموض الرؤية التحليلية بقدر ما قد يعود إلى نقص في 
المعلومات التاريخية ؛ بل ربما يعود الي منهج يقوم علي رجوع لاستقراء التاريخ دون تحقيق 
دقيق للأفكار ورقابة صارمة للألفاظ . ويتساءل رشدي لاذا استطاع الخوارزمي أن يتصور ما 
لم يكن لآي رياضي قبله أن يتصور (راشد . )]١988‏ . 
ويعتبر أبو كامل شجاع بن أسلم الحاسب الذي عاش بين سنتي 80٠‏ و9470 م (الننصف 

الثانى من القرن الثالث الهجري) من أبرز علماء الجبر فى التراث العلمى العربى الإسلامى . 
ومن كتبه دكتاب كمال الجبر وتقامه والزيادة فى أصوله» ومن إضافاته لجبر الخوارزمى 
المتطابقة الآتية «إذا قسم عدد بقسمين وقسم على كل واحد منهما ء فإنه سيخرج بالقسمة 
عددان مسطحهما مساو لمجموعهما ١‏ (الطيار وسعيد ./ا/181١)‏ . وقد طور جبر معادلات 
الدرجة الثانية من قبل أبي كامل الذي استخدم ببراعة كبيرة مختلف التحولات » وخاصة 
حول التعابير اللاجذرية (تاتون . 1984) . وأهم أعمال أبي كامل في الجبر هو «كتاب الجبر 
والمقابلة» . ويمائل الجزء الأول من هذا الكتاب تركيبة كتاب «الجبر والمقابلة» للخوارزمي 
ويبحث فى معادلات من الدرجتين الأولى والشانية . غير أن عمل أبى كامل ذو مستوى 
أعلى لآن الأعداد الصماء لا تحدث فقط فى جِذور المعادلات من الدرجة الثانية بل أيضاً 
فى الأعداد المعاملة للمجهولات 5 1 

في الجزء الثاني من الكتاب (ص 154 - )١67‏ يبرهن أبو كامل أن طرقه الجحبرية يمكن 
أن تستعمل لإيجاد حلول سهلة لمسائل هندسية كانت صعبة أو حتى غير قابلة للحل لدى 
أسلافه . إن استعمال معادلات جبرية محضة فى حل مسائل هندسية إقليديسية هو أمر 
جديد . وهنا يقف أبو كامل على بداية طريق بعيد المدى بلغ ذروته في عمل العالم الفرنسي 
ديكارت . يمثل أبو كامل مدرسة عربية إسلامية مبكرة لم يصل إلينا منها إلا شيء قليل . 
ويتبع إيراد المعادللات السيالة مسائل في رياضيات التسلية 5 الصفحات .)5١5-9١1489(‏ 
وفي نهاية الكتاب ثمة مناقشات لعملية جمع الأعداد المربعة المتسلسلة ابتداء من عدد 


201 


معين وجمع القوى الأربع والستين الأولى للأساس ١‏ ملاحظاً عدد خانات الشطرن . وهناك 
واقع معروف أن كثيرا من كتب الرياضيين العرب والمسلمين مثل «الفخري» للكرجي 
(المتوفى بعد 1٠١‏ هجرية) قد تأثرت بكتاب أبي كامل . وترجم الكتاب بكامله إلى العبرية 
كما ترجم الجزءان الأول والشاني مع أول بداية الجزء الثالث إلى اللاتينية . ولكتاب أبي 
كامل نفوذ عميق في التطور الباكر للجبر في أوربا من خلال ليوناردو فيبوناتشي -١111/0(‏ 
0٠‏ الذي اقتبس من أبي كامل أقساماً كبيرة في كتابيه «لبر أباسي» وه براكتكا 
جيوميتركا» (انظر هوخندايك , 1988) . 

لقد قدم الخيام مساهمة كبيرة في الجبر . وفي حلول بعض أصناف من معادلات 
الدرجة الثالئة باستخدام القطوع المخروطية . وأوجد جذر المعادلة بإيجاد الإحداثي السيني 
(الأفقي) لنقطة تقاطع قطع مخروطي مع دائرة أو قطعستين مخروطيتين . وأهمل الجذور 
السالبة » ولم يجد كل الجذور للمعادلة من الدرجة الثالثة أو الرابعة ذات المعاملات العددية . 
وكذلك اشتهر الخيام بعمل تقويم زمني على جانب كبير من الدقة (الطيار وسعيد 10) . 
وفي بناء المعادلات المكعبة . كانت النتائج الحاصلة رائعة إلي درجة أنه أمكن سريعاً إيجاد 
نظرية تعممها . وكان العرض الأكثر نجاحاً هو عرض عمر الخيام المقدم في مطولة «تبيين 
مسألة الجبر والمقابلة» . في هذا المؤلف . ولأول مرة ظهر الجير كعلم مستقل ( تاتون » 
١)‏ . ولعل عمر الخيام هو الذي طور علم الجبر وأوصله إلى قمة عالية من الازدهارلم 
يعرف لها ء فيما بعد . مثيل إلا على يد الفيلسوف الفرنسي ديكارت . ولقد تابع الأوربيون 
تطويرهم لهذا العلم على أساس ما ورثوه عن العرب أكثر مما ورثوه عن ديكارت ذاته (هونكة » 
7). 

نرت ترجمة مؤلف الخوارزمى «امختصر حول حساب الجبر والمقابلة» إلى اللاتينية » بقوة 
في العلم الأوربي في القرون الوسطى . وكل الانتباه يدور فيه حول حل الأغاط الستة 
القانونية من معادلات الدرجة الأولى والثانية ؛ وهي معادلات كتبها الخوارزمي وتلاميذه في 
بلدان الشرق العربي بدون ترمير (تاتون 2 حدو١) ٠‏ ويوحي كتاب الخوارزمي فعلاً بمختلف 
أبواب الجبر الكلاسيكية . غير أن الرياضيين من بعده اضطروا الي الابتعاد عن منهجه 
واكتشاف طرق جديدة . وذلك ليس من أجل تجاوز العقبات النظرية والفنية التي اعترضت 
برنامج الخنوارزمي فحسب . وإنما من أجل تعديل مسار المشروع ذاته بحيث يأخذ شكلاً 
عضاماً بدرجة أكبر ٠‏ ولكي يتم ذلك على هذا النحو تطور الحسساب الجبري المجرد . ومن ثم 
فإنه من الممكن تمييز بدايتين جديدتين للجبر . وكذلك اتجاهين في مجال البحث الجبري 


252 


يتبعان أثر الخوارزمي ولكنهما يناقضانه إلى حد ما . وأحد هذين الاتجاهين هو الاتجاه 
الحسابي والآخر هو الاتجاه الهندسي » وكلاهما غير من طبيعة علم الجبر بشكل عميق 
(راشد . 19146 ب) . ونحاول أن ندرس في الجزء اللاحق من الدراسّة الكيفية التي ساهم 
بها علم الجبر والمقابلة والكيفية التي تطور بها الاتجاه الهندسي في تاريخ العلوم عند العرب 
والمسلمين 2( خاصة النظرية الجيومترية وعلم المثلثات والهندسة التحليلية . 


الهندسة فى التراث 


تعود الآثار الهندسية الأولى المكتوبة بالعربية إلى أواخر القرن الشامن عشر وأوائل القرن 
التاسع عشر (روزنفيلد ويوشكفيتش » 1187) . ومن المؤلفين في علم المثلشات : أبو الحسن 
المصري «الجيب لدقيقة فدقيقة وثانية فثانية» ؛ وبدر الدين الماردينى «حقائق الرقائق فى 
حساب الدرج والدقائق» ؛ والطوسي «شكل القطاع» ؛ وأبو الحسن الأردبيلي «التذكرة في 
علم الحساب المفتوح والحبر والمقابلة والمساحة» . ونلاحظ في مؤلف الأخير كيفية التركيب 
بين علوم متعددة أو متداخلة » ويعتبر ذلك واحدة من خصائص العلم العربي وهي محاولة 
تطبيق علم على علم آخر . لقد حسب الكاشي جداول لحيب الدرجة الأولى في مخطوطته 
« استخراج جيب الدرجة الأولى» بالإضافة لذلك له مؤلفات أخخرى في اليب مثل «رسالة 
الجيب والوتر» » ودرسالة الوتر والجيب في استخراجها لثلث القوس المعلومة والوتر والجيب» . 

وعلى حسب تعبير هونكة )1١995(‏ يعتبر العرب المؤسسين الحقيقيين لعلم المثلثات » 
والمماس والأشكال الأساس لعلم المثلثات . وصار لهذا الميدان أهمية كبرى في علم الفلك , 
والإبحار» ومسمح الأراضي 0 وقد دخلت لفظة «الجيب» إلى رياضيات كل شعوب الأرض 
بواسطة ترجمة كتاب البتاني «في العلوم» وقد بلغ هذا التطور الرياضي ذروته على يد نصير 
الدين الطوسي . فوصل هذا العلم إلى درجة لم يبلغها الغرب أو يتجاوزها إلا بعد مرور مئات 
من السئين . ونود أن نذكر فرج )١1991(‏ الذي احتوى كتابه على جيوب التمام بأنها من 
إسهام التراث العلمي العربي الإسلامي . 

ويؤرخ تاتون (1584) بأن النظرية الجيومترية للمعادلات المكعبة قد جذبت انتباه 
الرياضيين من بلاد الإسلام . وفيما بعد عممها الكاشى على معادلات الدرجة الرابعة . 
وكان البناء الجيوميتري لجذور المعادلات موضوع بحوث الرياضيين الأوربيين من القرن السابع 


03ظ21 


عشر والثامن عشر الميلاديين . وعلى موازاة وضع هذه النظرية العامة أنهزت أساليب عددية 
للحل المتقارس . حل معادلات الدرجة الثالثة . أمثال هذه الأساليب كانت معروفة مثلاً من 
البيروني . فمن أجل حل المعادلة المقابلة لتقطيع الزاوية ثلاثياً ؛ اقترح الكاشي مذهجا تكرارياً 
أصيلاً جداً . تبعاً للدقة المطلوبة » وفي الحالات المعتبرة , بتلاقي هذا الأسلوب بسرعة » 
وبفضله استطاع الكاشي حساب القيمة التقريبية . واعتبر هانكل أن هذا الأسلوب «لا يقل 
بشيء من حيث الدقة والأناقة عن كل الاكتشافات المتعلقة بمناهج التقريب الجارية في 
الغرب بعد فيات» . 

وقدم نصير الدين الطوسي واحدة من أكبر المساهمات في المثلثشات والجبر والفلك 
والهندسة في تاريخ العلم العربي الإسلامي . وترجمته لكتاب الأصول لإقليدس تعتبر أدق 
وأوضح ترجمة عربية وقد أضاف على الترجمة عدة شروح وتعليقات وبراهين هندسية غير 
واردة في الكتاب الأصلي . ومن أهم هذه البراهين محاولته برهان المسلمة الخامسة 
لإقليدس . ولقد بنى الطوسي مرصدا في مراغة وجمع فيه كبار الحكماء والعلماء . وفي هذا 
المرصد استطاع الطوسي إخراج أكثر مؤلفاته وأزياجه في الفلك التي كانت من المصادر 
المعتمد عليها في عصر الإحياء في أوربا . وانتقد الطوسي كتاب المجسطي لبطليموس واقترح 
نظام جديدا للكون أبسط من النظام الذي وضعه بطليموس . 

ويعترف سارتون بأن انتقاده هذا يدل على عبقرية فذة واطلاع واسع في الفلك » وهذه 
الاتتقادات التى سجلها الطوسي على كتاب المجسطي كانت خطوة تمهيدية للإاصلاحات 
التي تقدم بها كوبرنيكوس فيما بعد . ومن أهم مؤلفات الطوسي في الرياضيات كتاب 
«شكل | القطاع» وقد ترجمه الغربيون إلى اللاتينية والفرنسية والإنجليزية . وبقى قروناً عديدة 
ندرا لعلماء أوربا يستقون منه معلوماتهم في المثلثات الكروية والمستوية . ويعتبر هذا 
الكتاب أول كتاب يفصل المثلئات عن الفلك ويجعل المثلثات علماً مستقلاً . وحل الطوسي 
لأول مرة الحالات الست للمثلث .الكروي القائم الزاوية . وللطوسي كتب عديدة أخرى 
أدخل فيها الهندسة المبتكرة وطرقاً جديدة في معالجة الجبر والمثلثات وجاء ببراهين على 
قضايا رياضية هي في موضع تقدير الرياضيين وإعجابهم ( الطيار وسعيد ء /ا/191) . ومن 
إسهامات الطوسي الأخرى تجديد علم المناظر الذي ابتدره ابن الهيثم . 

ويمكن القول بأن العلماء المسلمين هم الذين وضعوا الأسس الأولى للهندسة التحليلية » 
لإدراكهم العلاقة القائمة بين الجبر والهندسة . واستخدموا الأساليب الجبرية في حل 
العمليات الهندسية والطريقة الجبرية فى حل الأعمال الجبرية . كما وضعوا حلولا جبرية 


204 


وهندسية لمعادلات ابتدعوها مختلفة التركيب . كما استعملوا الرموز في حساباتهم الرياضية 
قبل العلماء الأوربيين (فروخ . )114٠‏ . وفي خلال القرن العاشر الميلادي » ردت سلسلة 
كاملة من المسائل الجيومترية ؛ والفيزيائية إلى معادلات من الدرجتين ” و؛ ذات المعامل 
العددي أو المطلق . وأغلب هذه المسائل (بناء ضلع المتعدد الأضلاع ذي التسعة أو السبعة 
أضلاع المحبوس ضمن دائرة معينة » وبناء مقطع كروي معروف حجمه وسطحه . ومسألة 
تقطيع الزاوية المعينة ثلاثياً) يمكن وصفها بشكل معادلات من الدرجة الثالثة . وفي مطول 
ابن الهيثم « البصريات» بدت مسألة تحديد نقطة الانعكاس فوق مرأة مخروطية لشعاع 
مضيء صادر عن نقطة مضيئة . ومنته إلى العين .» بحسب مواقع كل من النقطة والعين , 
ذات أهمية كبرى (تاتون . )١198/‏ . 

و من أهم فصول الهندسة الجبرية فصل عن البناء الهندسي حذور المعادلات الجبرية . 
وتصور هذا الفصل قد يتطلب تطبيق الهندسة على الجبر » بمعنى استعمال القطوع الخروطية 
لبناء هذه الجذور » أي تطبيق بعض ما جاء في كتاب أبلونيوس في لقم المخروطية على 
الجبر . فإذا ألغى المؤرخ » أو تنانتى + أو تجهل :دوو كتير العربي » فليس أمامه من حل إلا أن 
د كرا ما يقرأ في كتاب أبلونيوس مع عدم إلمام هذا الأخير بأي مفهوم من مفاهيم 
الجبر . ولن يحتاج المؤرخ هنا إلى تحديث ابلونيوس ولا إلى رؤية ثورة معرفية في غير مكانها . 
فإن كان ديكارت قد قام بمثل هذه الشورة » فهي على الأقل ليست في هذا الفصل من 
الرياضيات » كما يزعم أغلب المؤرخين (راشد » 7980 أ) . 

وعلى الرغم من التأثير الإغريقي والهلينستي والهندي فإن الهندسة العربية اكتسبت » 
ومنذ المراحل الأولى لنموها ء خصائصها المميزة التي تتعلق بموقعها في نظام العلوم الرياضية » 
وبترابطها مع سائر فروع الرياضيات - وعلى الأخص الجبر - وبتفسيرها للمسائل المعروفة 
وبطرحها للمسائل الجديدة كليا . ويكتسب فصل «باب المساحة» من مؤّلف الحبر للخوارزمي 
أهمية خاصة ؛ فهو أقدم نص عربي معروف استعمل فيه الجبر لحل الأعمال الهندسية . فقد 
أدخل أبو الوفاء عدداً كبيراً من القواعد الهندسية في مؤلفه الحسابي «كتاب فيما يحتاج إليه 
الكتاب والعمال وغيرهم من علم الحساب» . 

ولقد أعطى الكاشي في كتاب «مفتاح اسان # عدا كبيراً امن القوانين التي تحدد 
مساحات أشكال مسطحة كالمثلثات والمضلعات الرباعية والمضلعات المنتظمة . وكذلك 
الدائرة وقطاعاتها ومقاطعها . وكذلك أعطى قوانين تحدد الأحجام والمساحات الجانبية 
لأشكال أكثر تعقيدا كالأهرامات والخروطات مقطوعة الرأس والكرة ومقاطعها , ومتعددات 


205 


السطوح المنتظمة . وكرس ثابت بن قرة مؤلفين للبناءات الهندسية كتاب «رسالة في الحدة 
المنسوبة إلى سقراط وقطره» , وفي مؤلفه «كتاب في عمل شكل مجسم ذي أربع عشرة 
قاعدة تحيط به كرة معلومة». وهناك كتابان كرسا للبناءات الهندسية «كتاب الحيل 
الروحانية والأسرار الطبيعية في دقائق الأشكال الهندسية» للفارابي . و«كتاب فيما يحتاج 
الصانع من الأعمال الهندسية» لأبي الوفاء . وترافق اهتمام المجتمعات بالبناءات الهندسية 
الضرورية لحسابات المسح ولتشييد الأبنية مع اهتمامها بالحسابات الهندسية . وفي هذه 
البناءات قام الخيط المشدود بالدور عمينه الذي تقوم به اليوم المسطرة والبيكار (روزنفيلد 
ويوشكفيتش 2 191/8) 

لقد لعبت المساهمة العلمية العربية الإسلامية دوراً كبيراً فى التأثير فى عقول علماء 
عصر النهضة في أوربا » وفي تطور العلم كافة في القرون اللاحقة . ففي مجال الرياضيات » 
أكمل النصف الثاني من القرن الخامس عشر الحركة التي كانت تملأ النصف الأول - وهي 
حركة استيعاب كاملة للعلم الوسيطي والعربي من قبل علماء عصر النهضة . وفي القرن 
الخامس عشر بدأ تطور علم الفلك » المرتيط بالرياضيات تماماً #محكوفا بجهود «بورباخ» 
ودرجيومونتانوي» . لكي يتصل مباشرة بالعلم الإغريقي والعربي كإعداد الترجمات أو 
تصحيح الترجمات الموجودة » التي قام بها الكلاسيكيون في علم الفلك وبخاصة ترجمة 
الجسطى . 

وكانت ترجمة الكتب العربية قد جغلت فكرة الميون مفهومة من العلماء الأوزبيين:. 
فقد كان ينقصها جداول واضحة با فيه الكفاية . وأراد بورباخ أن يتلافى هذا النقص واستند 
إلى المناهج العربية وخاصة إلى مناهج الزرقالي فوضع جدولاً بجيوب الزوايا . وكان إنتاج 
رجيومونتاس العلمي غنياً جداً . ولكنه أقل أصالة مما كان يعتقد . لقد كان مطلعاً تماماً على 
كتب سابقيه » وقد أخذ عن البتاني ونصير الدين الطوسي أشياء كثيرة ظن البعض أنها 
منه . ومن المحتمل أن يكون رجيومونتانوس قد أعد صياغة كتابه في ضوء المعارف الجديدة 
المكتسبة بعد سنة ١4514‏ بعد قراءة البتاني وخاصة معرفته للمماس وقد وضع له جدولا 
سنة 1554 » اسمه الجدول «الخصب» نشر في اوغسبورج سنة .وإن فكرة المماس ١‏ 
رغم استعمالها من قبل الفلكيين العرب » لم تلفت انتباه الغربيين . فمنذ القرن الثالث عشر 
استعملها روبر الإنجليزي بأصلها العربى «الظل» (تاتون » 19817) . 

من لال الفرس السابق + عكن أن خلاحظ يعين فاحسية : ميت أن الريافتيات 
والهندسة المتطورة في العلم العربي الإسلامي قدأثرت في علماء النهضة الأوربية » وفي 


2156 


ظهور المنهج التجريبي . ولقد نقل الغرب الرياضيات من مكان لا ينتمي للغرب بصلة وأثرت 
هذه العملية في العلم الأوربي عامة وتطوره . ومن جملة ما تم نقله البناء الجيوميتري لجذور 
المعادلاات » وحل معادلات الدرجة الثالثة » ومناهج_التقريب ؛ واقتراح نظام جديد للكون ١‏ 
وفصل علم المثلثات عن الفلك . وإرساء أسس الهندسة التحليلية » وتحديد نقطة الانعكاس 
فوق مرأة مخروطية ٠‏ والبناء الهندسي لجذور المعادلات الجبرية بالإضافة لإبداع فكرة الجيوب 
والمماس . 

إذا تشبعنا تطور الرياضيات , بصورة ملخصة . مشلاً في القرن التاسع عشر الميلادي 
(تاتون » )١1445‏ نجبدها قد تطورت في ثلاثة اتجاهات : أولا : الجبر والهندسة ٠‏ فتجدد الجبر 
من خلال نظرية المعادلات » والجبر المستقيم أو الخطي . والمتوجهات والوتائر . ثانياً : التحليل 
الرياضي ونظرية الأعداد والتي تطورت من خلال تطور الفيزياء الرياضية , وتجدد التحليل 
الرياضي , والتقدم اللاحق في التحليل » نظرية المجموعات ونظرية الأعداد . ثالشاً : 
الاحتمالات والإحصاء والتي تطورت من خلال مفهوم الترابط ‏ والحركة المندلية » ودور 
كيتلي . قانون الأعداد الكبرى . ولابس ونظرية الأخطاء . والتلاقي العرضي ء وريازات 
الفرضيات الإحصائية , ومنطق الاحتمال . إن تطور الاحتمالات والإحصاء فى القرن 
التاسع عشر يقودنا إلى تطبيقات الرياضيات والإحصاء في علم النفس ٠»‏ وكيفية تأثر هذه 
المساهمات بقاعدة الرياضيات الصلبة في العلم العربي الإسلامي . 

بوسعنا القول بأن المساهمة العربية الإسلامية في العلوم الرياضية ارتبطت بسلسلة من 
التأثيرات . لقد أثر تطور علم الحساب في إبداع علم الجبر والمقابلة , وأثر علم الجبر والمقابلة على 
تطور علم الهندسة . ولم تنته سلسلة التأثيرات بين هذه العلوم الشلاثة » كما لم تكن هذه 
التأثيرات منقطعة عن تطور بقية العلوم والتي من بينها علم النفس في التراث العربي 
الإسلامي . وسوف نتتبع في هذا الجزء من الدراسة مساهمة العلم العربي الإسلامي في تطور 
استخدام الرياضيات في علم النفس من خلال )١(‏ تطور وتنقيح الحساب الذهني وتسهيل 
إجراء العمليات الحسابية (؟) علم الفلك العربي وتأسيس المنهج التجريبي «الاعتباري» (؟) 
مساهمة البصريات وعلم نفس الإبصار في صياغة المنهج التجريبي » خاصة الاستقراء (4) 
تطبيق الرياضيات في قياس الغلط «الخداع» البصري عند ابن الهيثم () تطبيق الرياضيات 
لقياس الخطأ «الخداع» البصري من قبل ابن سينا (1) تأثير ابن الهيثم في علم النفس المعاصر 
(1) مساهمة رواد حركة القياس النفسي الحديث في العالم العربي (4) خلاصة عامة لمساهمة 
التراث العربي الإسلامي في تاريخ العلوم ‏ خاصة علم النفس . 


207 


سيكو لوجيا الحساب الذهني 


إن أولى الكتابات العربية في علم الحساب التى وصلتنا سليمة هي من أعمال أحمد 
الإقليدسى من القرن العاشر للميلاد (انظر كتاب الإقليدسى) . فى هذا العمل يناقش 
المؤلف نظاما هندياً للحسابات » كما يرجع إلى نظامين آخرين : الحساب الإصبعي والنظام 
الستيني . وما يهم في هذه الدراسة هو الحساب الإصبعي . إنه نظام يعتمد على الذاكرة 
أساساً . ليس فيه من صعوبة فيما يتعلق بعمليتي الجمع أو الطرح . لكن عمليات الضرب 
والقسمة وإقامة النسب ترتدي ., بالمقابل » صعوبات وتعقيدات أكبر بكثير » وحول هذه 
العدليات تدور أغلب الأعمال اللتملقة بهنذا النظام . وبالنسية إلى الشترن» نحذ عروظياً 
عديدة تدور غالبيتها حول الوسائل السريعة التى ما برحت تستعمل إلى الآن . أما بالنسبة 
إلى حسابات النسب والقسمة فقد استخدمت الطريقة المعروفة بطريقة «الوضعية الخاطثة» أو 
الوضعية المزدوجة الخاطئة» . والاحتساب في هذا النظام كان يجرى ذهنياً . لكن ذلك 
يستدعي حفظ بعض النتائج الوسيطة . وهذا ما كان يقوم به الحتسب بواسطة طي أصابع 
يديه فى وضعيات مختلفة تسمح بتمثيل الأعداد من ١‏ إلى 9449 . هذه الوضعيات امختلفة 
موجودة فى «حساب الإقليدسى» . وتسمى هذه الوضعيات «العقود» (نسبة إلى عقد 
الإصبع) . وامتداداً سمي هذا النظام «حساب العقود» (انظر سعيدان »/1981) . 

من ناحية سيكولوجية التعلم » يمكن القول بأنّ الرياضيات في العلم العربي الإسلامي 
قدمت مساهمة كبيرة فى تسهيل إجراء العمليات الحسابية فى العقل أو الذهن . بدلا من 
كيفية الإجراء التقليدي فى التراب أو التخت . وفى تقديري » أنّ تلك طفرة عملاقة فى 
تاريخ العلم . قام موالدي (1441) ؛ أستاذ تاريخ الرياضيات » بمعهد التراث العلمي العربي . 
بجامعة حلب ؛ بدراسة عن الحساب الذهني من خلال بعض الخطوطات العربية في فترات 
مختلفة تابع فيها تطوره . ومن امخطوطات التي اعتمد عليها الباحث : )١(‏ كتاب «فيما 
يحتاج إليه الكتاب والعمال وغيرهم في علم الحساب» لأبي الوفاء البوزجاني (940 - 
)).(؟) كتاب «١‏ الكافي في الحساب»؛ لأبي بكر الكرجي (المتوفي سنة 4701م) . 
(؟) كتاب «التكملة في الحساب» لعبد القاهر البغدادي (المتوفى سنة ٠١1‏ م) . (4) 
«رسالة في الحساب الهوائي» لنجم الدين الكاتبي ( -١١١4‏ /ا/177م) . (5 ) مخطوطة 
«أساس القواعد في أصول الفوائد» لكمال الدين الفارسي (توفي سنة ١١9‏ م) . (5) 
«تلخيص أعمال الحساب» لا بن البناء المراكشي 1571-١7657(‏ م) . () كتاب «الخلاصة 


208 


في علم الحساب واجحبر والمقابلة» لبهاء الدين العاملي 1١651/(‏ -1555م) . 
ويمكننا تتبع بعض المقتطفات من امخطوطات العربية لمعرفة الطرائق التي طورها 

علماء الرياضيات بالنسبة للحساب الذهني . يقول البوزجاني في كتابه «فيما يحتاج إليه 
الكتّاب والعمال وغيرهم من علم الحساب» : « إن كل عدد أردنا أن نضربه في خمسة أو 
خمسين أو في خمسمائة أو في خمسة آلاف أو في شيء من الأعداد المركبة من خمسة : 
فينبغي أن نأخذ نصفه . فما حصل نأخذ لكل واحد منه واحدا من المرتبة التى هي بعده , 
فما حصل فهو امجتمع المضروب» رص 0 . بينما يقول الكرجي في كتابه «الكافي في 
الحساب» عن الضرب ١‏ إذا أردت أن تضرب عدداً في عدد . نسبت أسهل المضروبين نسبة 
إلى أي عقد مفرد شئت .ء أو قسمته عليه » فما خرج من القسمة أو النسبة ضربته في 
الآخر» (ص )4١١‏ . 

أما البغدادي فى كتاب «التكملة فى الحساب» فيضيف ١‏ اضرب ثلاثة وخمسين فى 
ثمانية وأربعين ضربت خمسين وثلاثة في خمسين إلا اثنين » وهو أن تقول خمسون في 
خمسين . ألفان وخمسمائة . وخمسون فى ثلاثة زائدة » مئة وخمسون زائدة » وإلا اثنان فى 
خمسين » منه ناقصة ء وإلا اثنان فى ثلاثة زائدة » سدّة ناقصة ء فإذا جمعت الزائد » 
رشبت بن الكانست كان من كلك الغان وعمنهانة رارق راريهون رن ٠‏ 46) . ويقول 
الراكشي في «تلخيص أعمال الحساب» عن القسمة « ومنها نوع آخر يعرف بالتسمية أيضاً : 

تسمي تسمى أسهل المضروبين . من أي عقد مفرد شئت »ء أو تقسمه عليه » » فما خرج من التسمية 
أو القسمة ضربته في الآخرء فما خرج أخذت لكل واحد منه العقد المقسوم عليه . فما 
ارتفع من ذلك فهو المطلوب « رص .هة). 

واستنتج موالدي (19941) بأن الكتب العربية القديمة تسمي هذا «الحساب» دون ييز 
وبعك انتغار الحسآن الهتدئ صار التمييز ضَورياً » » فسمي الحساب الهندي بحساب التخت 
أو التراب » كما سمي الحساب الذهني الذي درسه الباحث بحساب اليد أو الحساب 
الهوائي أو بحساب العقود . ولا يبحث الحساب الذهني في الجمع والطرح باعتبارهما 
عمليتين بدائيتين ٠‏ بينما يعتبر الحساب الذهنى أن أصول ايان ثلاثة : الضرب والقسمة 
والنسبة . وتبدأ كتب الحساب الذهني بالتعريف بالأعداد والمراتب » ثم تعالج موضوع ضرب 
الأعداد واختصار ضرب الأعداد , ثم دراسة الكسور والنسبة والقسمة . ومن الملاحظات 
التي سجلها الباحث بأن معظم العلاقات التي وردت في امخطوطات السابقة مطابقة 
للعلاقات التي ذكرها سميث في كتابه «تاريخ الرياضيات» والتي ينسبها إلى الرياضيين 


2059 


الأوربيين في عصر النهضة . وهذا ما يؤكد دور العرب في تنقيح الحساب الذهني وتحسينه . 
واستنتج الباحث كذلك أن تطور علم الجبر العربي انعكس على عمليات الحساب الذهني . 
تعالج المقالات الشلاث من كتاب المناظر لابن الهيثم علم انعكا س الضوء » ويعطي 

القانون ويفسره بواسطة نموذج ميكانيكي ٠‏ ثم يدرس هذا القانون مختلف المرايا : المستوية منها 
والكوروانية , والأسطوانية , وامخروطية . ويعير اهتماماً قبل كل شيء . وفي كل حال منها . 
إلى تحديد المستوى المماس على سطح المرآة في نقطة السقوط , وذلك لكي يحدد المستوى 
المتعامد مع هذا السطح والذي يحوي الشعاع الساقط والشعاع المنعكس والناظم في هذه 
النقطة . ولكي يتحقق ابن الهيثم من النتائج بالتجربة » نراه يصمم ويصنعٍ جهازاً استوحاه 

من الجهاز الذي أعده بطلميوس لدراسة الانعكاس ء ولكنه جاء أكثر تعقيداً ويناسب جميع 
الحالات . ويدرس ابن الهيثم أيضاً صورة الجسم وموضعها بالنسبة إلى المرايا امختلفة . ويهتم 
بمجموعة كبيرة من المسائل المتعلقة بتحديد زاوية السقوط لانعكاس معين معطى » وذلك 
بالنسبة إلى مختلف امرايا » وبالعكس . ومن المسائل التي اشتهرت باسم ابن الهيثم في 
الغرب المشكل الذي يحلله في المقالة الخامسة (مشكل الهازن) » ويتمثل في النص التالي : 
«هب نقطتين (أ) » و( ب) على محيط دائرة مركزها نقطة (م) وشعاعها (ش) . المطلوب 
تعيين نقطة (ن) على الدائرة إذا انطلق شعاع ضوء من (أ) إليها مر بنقطة (ب) بعد انعكاسه 
فيها على سطح مرآة الدائرة» . ولقد مضت على هذه المسألة قرون دون أن يتمكن أحد من 
حلها . 

تركت المساهمة العربية الإسلامية في تسهيل إجراء العمليات الحسابية بظلالها على 
تطور المحساب الذهني ة في العصور التالية . فمثلاً في منتصف القرن التاسع عشر كان 
الحساب العقلي يمثل جزءاً متكاملاً من منهج الرياضيات » وكان الهدف منه تدريب الملكات 
العقلية » »كما اشتمل على تدريبات شفهية تستخدم في حل المسائل التي تتطلب خطوات 
متعددة . وفي بداية عام ٠‏ بذلت محاولات لكي يشتمل المنهج على الحساب العقلي 
والتحريري معاً . وفي الفترة من 1450-1940 أصبح التلاميذ أكثر اعتماداً على 
الاختبارات التحريرية » كما اتضح أننا في حاجة ماسة إلى استخدام الحساب العقلي (انظر 
فير ١917/7‏ فى : عبدالله )١1947٠‏ . وفى النصف الأول من القرن العشرين كان الحساب 
العقلي يفهم على أنه القدرة على إجراء العمليات بسرعة وبدون استخدام الورقة والقلم . أما 
اليوم فلا نؤكد على السرعة فقط ء وإنما نعتبر الحساب العقلي قدرة الفرد العقلية على الوصول 
إلى نتيجة مقربة أو مضبوطة من خلال استخدام خواص الأعداد والنظام العشري للعد 


300 


(كندي . 198٠١0‏ فى :عبد الله ؟1995) . 

تعد اق العرن يرق يجديرة وانباليت خافةافى عرزا الغنلات اراب تاها 
يصلح للتعليم الآن في المراحل الابتدائية ومنها ذو المستوى الأعلى . ولقد انتبه بعض رجال 
التربية في أوربا إلى قيمة هذه الأساليب المسطورة في كتب الحساب العربية والتي كشيراً ما 
تنسب إلى كتاب لاتينيين (كما فعل سميث في كتابه : تاريخ الرياضيات) فأوصوا 
باستعمالها عند تعليم المبتدئين (الطيار وسعيد ؛ /1417) . وتحتوي اخختبارات الذكاء المعاصرة 
على مجموعة من مسائل الاستدلال الحسابى والتى تتطلب إجراء ذهنيا من غير استعمال 
الورقة والقلم ولكن لا بمنع الملفحوص من استخدام إصبعه في الكتابة على الطاولة . وكانت 
من ضمن تسميات الحساب الذهني في التراث العربي الإسلامي «حساب الإصبع» 
و«الحساب الهوائي» وهناك زمن محدد لكل مسألة حسابية . فمثلاً يحتوي مقياس وكسلر 
لذكاء الأطفال - المعدل . ومقياس وكسلر لذكاء الراشدين - المعدل على بعض العمليات 
الحسابية والتي تتدرج من السهولة إلى الصعوبة (وكسلر» )١1945:198١‏ . 

ويعرّف الحساب الذهنى فى كتب الرياضيات المدرسية المعاصرة (انظر السلمان ء 
الشرقاوي » الجميعة » اليوسفي , وحسين » )١149١‏ بأنه عملية إيجاد الناتح المضبوط لعملية 
حسابية ما بأسرع وقت وبدون استخدام الورقة والقلم أو أي وسيلة أخرى مثل الآلة 
الحاسبة . فنحن نحتاج في كثير من الأحيان لاستخدام الخوارزميات المعروفة لإجراء بعض 
الحسابات ذهنيا . ويتطلب إجراء الحسابات ذهنياً مهارات فكرية عالية من بينها فهم الموقف 
الرياضي » والبحث عن علاقات عددية » وإعاد دة تنظيم الأعداد المعطاة » وتوظيف ما نحفظه 
من حقائق وبعض الحسابات الخاصة لتوليد حسابات جديدة . ومن الأساليب التى تساعد 
على إجراء الحسابات الذهنية : استخدام خواص العمليات على الأعداد . مثلا تعطي 
الخاصية التجمعية الحرية في إجراء عمليات الجمع أو الضرب مجموعة من الأعداد حسب 
الترتيب الذي نريده ويمكن استخدام هذه الخاصية في إجراء حسابات ذهنية في المواقف 
الرياضية التي تسمح بذلك . مثال على الجمع : (70/8 + )8١ + 577+ 5١94‏ . يمكن إعادة 
ترتيب الأعداد كالآتي : 51/8 + 077 8١ + 5١4+‏ وبالتالي يكون الناتم - 

حي ال ل كين 

وكذلك مثال على الضرب :58 < ”لا * 4 -70< ع * الا - 507٠.١‏ . ومن 
الأساليب الأخرى للحساب الذهني استخدام خواص العمليات وبناء خوارزميات مختلفة . 
مثلاً الجمع مع 4944:995 . ففي حالة /ا9/ا١‏ + 4494 عبارة عن /اؤلا١‏ + 1-1٠٠١‏ - 


301 


5 . ويمكن الاستفادة من بعض الحسابات المحفوظة فى توليد حسابات أخرى . مثلا ١١‏ 
١٠/‏ . حيث أن ١6‏ لاا 16 (6(+؟) - هإلا 6+ ١6‏ *ه” تساوي 5156 + 0" . ويمكن 
سلاحظة أن الأساليب المدرسية المعاصرة لإيجاد الحساب الذهني لم تتطور كشيرا مقارنة 
بالأساليب التى وضعها البوزجاني . والكرجي , والبغدادي . 

إن المسلمين هم أول من أدرك الطريقة العلمية المتكاملة في البحث » والمعبرة عن المنهج 
العلمى الحديث بكل أبعاده ؛ حيث أدركوا طبيعة المنهج الاستقرائي في البحث التجريبي » 
كما اتخذوا من المنهج الرياضي والعلم 6 وسيلة لضبط نتائج التجربة ؛ وصياغة 
القانون العلمي وسبقوا بذلك علماء الغرب الذين خلت مناهجهم من الإشارة إلى دور 
الرياضيات في تطوير مناهج البحث العلمي . بالإضافة لذلك , مارس العلماء المسلمون منهج 
القياس , ومنهج التمثيل » والمنهج الفرضي . والمنهج الرياضي , وهذا الأخير استطاعوا تطوير 
مباحثه وفروعه , لتكون أداة منهجية قادرة على التعبير عن نتائج العلوم الطبيعية وصياغة 
مبادثها العامة (الجندي . 194٠‏ ). ويمكن القول. من ناحية سيكولوجية التعلم 
للرياضيات » إنه تركز في تاريخ العلم العربي استخدام عدة مناهج في العلوم الرياضية عند 
العلماء العرب والمسلمين . من بينها المنهج الاستدلالي أو الرياضي . وهناك عدة قواعد 
متبعة في تقديم براهين هذا المنهج , منها : الإيجاز بشكل عام » سرعة الحساب » وعمومية 
القوانين » واقتصاد الصيغ . واقتصاد الوقت . واقتصاد الجهد . 

واستخدمت عدة طرق للبرهان في العلوم الرياضية منها طريقتا التحليل والتركيب . 
وأظهرت عدة مخطوطات رياضية في الجبر استخدام منهج التحليل والتركيب في حل 
المسائل الرياضية أو البرهان على نظرية . وتشمل هذه 7 : «الباهر في الجبر» 
للسموأل المغربي . و«أساس القواعد في أصول الفوائد» لكمال الدين الفارسي . و«همفتاح 
الحساب» 221 الكاشى » و«الأعمال الرياضية» لبهاء الدين العاملى . ولقد ركز العديد 
من الرياضيين على الطرق التعليمية وذلك بهدف تيسير الاطلاع على كتب الرياضيات 
بسهولة لتحقيق الترابط التعليمي . ومن بين هذه الطرق التى نجدها عند كمال الدين 
الفارسي طريقة الاتصالات » وتحليل وفهم الطريقة التي بواسطتها يدرك الأطفال المواضيع 
الرياضية » ولأسباب تعليمية يؤكد الفارسي ضرورة الإدراك - التفهيم - بالوسائل التالية : 
اقتراح تراكيب أقرب للفهم » التمييز بين مستويات الطلاب . والمطالبة بالتمارين (موالدي » 
417) . إن القول بأن المسلمين هم أول من أدرك الطريقة العلمية هو قول يحتاج إلى عملية 
بحث وتدقيق في أكثر العلوم تطوراً في التراث العربي الإسلامي وهو علم الفلك والذي 


202 


ارتبط بالمنهج التجريبي أو «الاعتباري» . إن عملية رصد النجوم ورصد حركة الكواكب في 
علم الفلك تحتاج إلى دقة في الملاحظات أو المشاهدات أو الرؤية وذلك لا يتأتى إلا من 
خلال منهج تجريبي دقيق : وتقع عسملية الملاحظة في قلب علم النفس وهي روح المنهج 
العلمي أو التجريبي . 


علم الفلك والمنهج التجريبي 


يعتبر الفلك من أكثر العلوم تطوراً في التراث العربي الإسلامي (ديبارنوء 19917 ؛ 
كينغ » 1981 ؛ روش ٠»‏ 14937) . وكانت المعرفة الفلكية التي تأسست لأول مرة في القرون 
الأولى من العصر الإسلامى تطبق عند الحاجة فى الممارسة الشائعة على مسائل علمية 
متعلقة بتنظيم التقوم الزراعي , وبضبط التقويم القمري والأعياد الدينية ؛ وبحساب ساعات 
النهار بواسطة أطوال الظلال وساعات الليل بواسطة مواقع المنازل القمرية وبتحديد اتجاه 
القبلة . وحدد الفلكيون المسلمون القبلة كاتجاه لدائرة كبرى مارة فى مدينة مكة . ويتم قياس 
هذا الاتجاه بالزاوية المحددة بين خط زوال مكة وخط الزوال المحلى . ولقد كتب ابن الهيثم 
مؤلفين حول القبلة . عالج فيهما هذين الصنفين من الحلول . ويرتدي حله الشامل لمسألة 
القبلة ب «طريقة الزيج» حيث يدرس بشأنها ست عشرة حالة ممكنة ‏ أهمية رياضية 
بالغة . كما افترح البيروني هذين الصنفين من الحلول . 

ولقد تجلى الانتباه الذي أعاره المسلمون لقياس الوقت ولتحديد أوقات الصلاة في 
اهتمامهم إلى حد الشغف بصناعة المزاول . وساهم الفلكيون المسلمون بشكل جوهري في 
هذا العلم من الناحيتين النظرية والتطبيقية معا . ولقد كتب الفلكي والرياضي الشهير ثابت 
ابن قرة عملا شاملا عن نظرية المزولة » سلم فى مخطوطة واحدة . وإن أهم عمل حول المزولة 
هو مساهمة المراكشي في كتابه جامع المبادئ والغايات في علم الميقات . وإن أقدم مزولة 
إسلامية حفظها التاريخ هي من صنع ابن الصقار(كينغ ٠‏ 1191) . ولقد ابتكر الخجندي (ت 
٠م)‏ سدسية كبية للأرصاد الشمسية في مدينة الري في عهد فخر الدولة وترتكز على 
مبدأ الغرفة السوداء . وهي غرفة مظلمة ذات فتحة صغيرة في السقف . وارتبط علم الفلك 
في التراث العربي الإسلامي بتطور البيوب . 

إن دقة الحساب الفلكى تستند , كلها . على صحة جدول الجيوب . وتركيب هذا 
الجدول مرتبط بمسألة هي تثليث الزاوية . ولكن البحوث التي أجريت ابتداء من القرن العاشر 


303 


الميلادي ؛ تندرج في الإطار الأشمل لحساباتةلمقاربة المطبقة على بعض فئات الأعداد 
الصماء . ولقد حلل المؤرخون هذه البحوث الدقيقة والحدسية أحياناً . وهي تثير الاهتمام 
بالوسائل التى استخدمت فيها : تقنيات الاستكمال وطرائقها الحسابية . إن جداول 
«الأزيج» بشكل عام » أكثر دقة من جداول الأوتار في المجسطي . وإن الجدول الذي وضعه 
ابن يونس في «الزيجات الحاكمي» أربع مظلات ستينية , وهو مدرج بأسداس الدرجات . 
والطريقة المستخدمة فيه تثير الاهتمام فيما يختص بصيغة الاستكمال التي تسمح بإتمام 
الجداول استناداً إلى المقادير ا محسوبة بشكل منفصل بأنصاف الدرجات . إن جدول الجيوب 
في كتاب «الزيج الخاقاني» مدرج بدقائق الأقواس وأعداده صحيحة في المنزلات الأربع 
الأولى . إن دالة الظل والعلاقات الأولى في المثلث ومفهوم المثلث القطبي . من بين 
المكتسبات العلمية في تلك الحقبة . ونجد في هذا المجال الخاص المتشعب من النشاطات 
الفلكية , النهج الخاص للرياضيين العرب . فقد قاموا بقراءة متجددة دون انقطاع ومغتنية 
بالنتصوص القديمة ومصححة لها . وهكذا استطاعوا تكوين علم جديد كانت تلزمه بعض 
التطورات قبل أن يصبح عنصرا لا غنى عنه في الحساب الرياضي (ديبانو» )١9917‏ . ولقد 
أثر علم الفلك وجداول الجيوب المرتبطة به تأثيرا واضحا في العلم اللاتينيى في الغرب » 
وخاصة في كوبرنيكوس . 
وترتبط الدلائل الأولى على دخول علم الفلك العربي إلى الغرب اللاتيني بالإسطرلاب 
المبني على أساس الإسقاط التصويري الجسم . وكان الإسطرلااب آلة تعليمية بامتياز في 
القرون الوسطى . ولكنه كان أيضاً آلة حسابية » إذ إنه يسمح بحل هندسي سريع للمسائل 
الرئيسية في علم الفلك الكروي . وقد أفادت ثلاثة مصادر رئيسية »من مجموع هذه 
المواضيع . في تلقين المعرفة للفلكيين اللاتينيين . وهذه المصادر هي : أولاً قوانين وجداول 
الخوارزمي ؛ وترجم دوباث (حوالي 5ام) ا الذي دققه مسلمة امجريطي . ثانياً جداول 
البتاني (ت 79م) . ثالكاً جداول الزرقالي التي تؤلف المجموعة المعروفة باسم جداول 
طليطلة » ويشكل هذا الاسم إشارة إلى خط الزوال المعتمد في هذه الجداول . وإن قضية 
التأثير العربي في نصوص كوبرنيكس تقود إلى مجموعتين من المسائل . تتعلق الأولى منهما 
بنظرية المبادرة وبنظرية الشمس .ء أما الثانية فتتعلق بنطرية الكواكب (روش )١511/‏ . إن أي 
جزء من كتاب المناظر لابن الهيثم إما أن يكون توضيكاً رياني » أو برهانا تجريبياء أو تعنميماً 
استقرائياً . ولقد استخدم ابن الهيثم مصطلح «الاعتبار» بالنسبة للتجريب » واستخدم 
المصطلح في سياقه الفلكي . ولقد وجد صبرة )١11758(‏ بأن أصول منهج الاعتبار ترجع لعلم 


304 


الفلك . ولقد استخدم الحجاج المصطلح نفسه في ترجمته لكتاب امجسطي واستخدمه 
كذلك الخازني باسم «المعتبر» . 

ولقد تساءل بورنج ‏ مؤرخ علم النفس الأكثر شهرة » : كيف جاء علم النفس التجريبي 
- أو علم النفس العلمي - للوجود ؟ ويجيب أولا : كان هناك عصر النهضة » ومن ثم ظهور 
العلم مع أسماء كوبرنيكس (1547) . وحسب تاريخ بورنئم فإن مساهمة كوبرنيكس مساهمة 
كبيرة في تاريخ علم النفس التجريبي ؛ ولكن في حقيقة الأمر إن كوبرنيكس قد تأثر تأثرا 
كبيرا بعلم الفلك وهو العلم الرياضي الذي يعتمد على التوضميحات الحسابية والهندسية . 
لقد وجد روش ١‏ أن العملية التقنية التى استخدمها كوبرنيكس للحصول على الذبذبتين 
المتعامدتين لمحور خط الاستواء الشمالى قد عرضها الطوسى )١774-١701(‏ فى مؤلفه 
الكبير «التذكرة في علم الهيأة» » لذلك سماها البحاثة المعاصرون «مزدوجة الطوسي» . وأكثر 
ما يشير الدهشة هو أن كوبرنيكس وابن الشاطر قد استخدما بشكل مائل عملية جمع أفلاك 
التدوير بهدف تمثيل حركات الكواكب بخطوط الطول . ولقد حدد كوبرنيكس نهاية المرحلة 
الطويلة من تأثير علم الفلك العربي في الغرب اللاتيني . وقد كان آخر من استخدم بشكل 
ثابت نتائج أرصاد تمت استعارتها من الكتّاب العرب , وهي نتائج أفادته في إعداد تقديراته 
للتغيرات الطويلة الأمد فى الوسائط الشمسية» (روش )١481/ ٠‏ . 

سبق أن قلنا بأن عملية رصد النجوم والكواكب هي عملية ترتبط بدقة الملاحظة » 

والملاحظة هي نقطة البداية في علم النفس . وأول خطوة علمية مهمة في علم النفس هي 
يجب «أن يكون السلوك ملاحظا» . وعملية الدقة فضلا عن كونها عملية حسابية أو رياضية 
هي عملية سيكولوجية في المقام الأول . وترتبط الملاحظة العلمية ارتباطاً وثيقاً بعملية 
الإدراك بالنسبة للأبعاد ؛ والأحجام » والمسافات ويقع ذلك في باب علم نفس الابصار 
وسيكوفيزيقا الإبصار . إن هذه الأطروحة الجديدة في تاريخ علاقة الرياضيات بعلم النفس 
تحيلنا إلى القول بأن الإدراك يقودنا إلى بحث موضوع علم البصريات . والملاحظة تقودنا إلى 
بحث موضوع المنهج التجريبي في التراث العربي الإسلامي . 


علم البصريات والمنهج التجريبي 


طور الكرجي التحليل غير امحدد كفصل من فصول الجبر » وأيضاً كأحد أساليب الجبر 
لتوسيع الحساب الجبري . وقال الكرجي إن التحليل الديوفنطسي . أي «الاستقراء» » عليه 


205 


مدار أكثر الحساب ولا غنى عنه في كل باب (انظر الكرجي في : «كتاب البديع من 
الحساب» . وابتداء من الكرجي أضحى للتحليل الديوفنطسي اسم خاص هو : «الاستقراء» 
واشتقت هذه العبارة من فعل «استقرأ» الذي يعني المعاينة أو الفحص على التوالي مختلف 
الحالات » قبل أخذ المعنى الاصطلاحي للتحليل غير المحدد لخو عير شين أنقيا 
الازدواجية المذكورة » لأنه يدل على فصل » وعلى طريقة أو مجموعة طرق » وقد حدد 
الكرجى هذا التعبير فى كتاب «الفخري» كما يلى : «الاستقراء فى الحساب أن ترد عليك 
جملة من جنس أو جنسين أو من ثلاثة أجناس متوالية وتكون تلك الجملية غير مربعة من 
جهة ما يدل عليه اللفظ وتكون فى المعنى مربعة وأنت تريد أن تعرف جذرها» . 

ويسترجع الكرجي التحديد عينه في «البديع» ويضيف : «فأقول بأن الاستقراء هو 
تتبع المقادير حتى تجد مطلوبك» . ولم يكن لعلم الحساب في نظر إقليدس أي هدف خارج 
عن هذا العلم » بينما كان له في نظر الجرشي أهداف فلسفية وحتى نفسية . وأدرك علماء 
الرياضيات العرب بوضوح هذا الفارق في الطريقة » ومنهم ابن الهيثم الذي كتب في «شرح 
مصادرات إقليدس» : «وخواص العدد تتبين على وجهين : أحد الوجهين هو الاستقراء . 
والوجه الآخر الذي يتبين خواص العدد هو البراهين والمقاييس» (راشد . /ا99١)‏ . 

إن بصريات ابن الهيكم هي عبارة عن رياضيات متينة متماسكة واجتهادات بحثية 
ريبية لكل من الفوه والمتصر . وكل مشكلة في أبحاثه كانت عرضة للتحليل القياسي 
تحت ظل ظروف مضبوطة تماماً . وإن سلسلة تجاربه عن الضوء ء هي نموذج رائع لمنهجه ٠‏ وإن 
استخدام منهج المشاهدات المضبوطة ربما يكون هو أول نموذج للتصميم التجريبي الحديث . 
ولقد قادت أبحاثه عن الضوء لدراسة قوانين الانكسار والانعطاف . وإن تجارب ابن الهيثم 
عن صور الضوء الساقطة ذات أهمية عظمى بالنسبة لفرضيته عن البصر والعين . وربما تكون 
تجاربه قدمت لنا أول نسخة من مفهوم النقاط المتزاوجة أو ثنائية الازدواج . وإن اعتقاد ابن 
الهيثم أن المشاهدة التجريبية هي وحدها الحكم النهائيى على مصداقية النظرية العلمية هي 
أكثر الجوانب أصالة في تفكيره (روسيل ٠‏ 191/84) . 

إن إحدى سمات الأدب البصري الجديد التي تثير الاهتمام أكثر من غيرها كانت حلته 
الرياضية . وعلى الرغم من أن هذه الحلة لم تكن بالتأكيد السمة المميزة لمجمل الإسهام 
الجديد , فإن الصيغة الرياضية كانت مع ذلك أمرا واضحا . فبنية بعض الرسائل المقدمة 
على شكل قضايا بالإضافة إلى الشكل الهندسي للجزء الأكبر من الاستدلالات لم يكن 
لهما مثيل سابق في تجربة الغرب البصرية . ولم تكن المقاربة الهندسية الموجودة في هذه 


3206 


المقالات جديدة ومدهشة فحسب .ء بل كانت أيضا سهلة الاستيعاب . فلم يكن هناك أي 
اعتراض صريح أكان لاهوتياً أم فلسفياً . أو أي عائق ثقافي مهم يمنع استعمال الرياضيات 
في تحليل الظواهر البصرية . حتى إن أولئك الذين كانوا يظهرون تحفظات مبدئية فيما يتعلق 
باتساع التطبيق المحتمل للرياضيات على الطبيعة لم يكن باستطاعتهم الطعن بالمقاربة 
الهندسية لعلم البصريات - وعلى أي حال لم يكونوا يفترضون أن هذه المقاربة هي الوحيدة 
الممكنة (ليندبرغ ٠‏ 1491) . 

على حسب تاريخ علم النفس التجريبي » فقد أدخل بيكون الاستقراء كمنهج للبحث 
(بورنج » 194617) . ولقد عبر بيكون أن الرياضيات هى أولى العلوم . ومن غيرها لا تعرف بقية 
العلوم . ولقد انعكس ذلك على معالحه نظريتة عن الإبصار والتي تقع في السياق الفيزيائي 
والسيكولوجي . ولقد قدم بيكون تحليلاً هندسياً للخبرات البصرية (ليند برج » )١1941/‏ . 
ولكن كتابات بيكون عن البصر هي مجرد شروحات لناظر ابن الهيثم (هاورد . )١9917‏ . 
ولقد تأثرت معظم أو بالاأصح كل » الكتابات اللاتينية الأولى بالمنهج العلمي الإسلامي . 
مثلاء التجربة العلمية عند بيكون , والتجربة العلمية عند توماس الأكوينى » والتجربة 
العلمية عند نيكولاي الكيوسي . صحيح إن التجربة النوعية معروفة في الأزمان القديمة في 
الطب » الخيمياء . والميكانيكا بينما التجربة الكمية الحقيقية كانت في القرن الحادي عشر 
والثاني عشر والثالث عشر في العلم الإسلامي . من غير الرياضيات لا يمكن معرفة شيء » 
وإن الرياضيات تحدد العناصر المقاسة في الطبيعة . وتمنح العالم اليقين لأنها تعمل على 
تأكيد المشاهدات الإدراكية . بالرياضيات وحدها يمكن تحديد الخصائص والأسباب الموجودة 
في الطبيعة القابلة للبحث العلمي . بالإضافة لذلك فإن الرياضيات هي الأساس لكل 
التصنيفات المنطقية » وحتى المنطق نفسه هو تابع للرياضيات (أنقورو ؛ /1941) . 

ولقد كان لكتاب ابن الهيثم (ليندبرغ )1941٠‏ بشكل خاص . وقع جذري على 
المحتوى الرياضي . وعلى تدقيق كتابات بيكون في علم البصريات . ولم يستطع بيكون أن 
يجاري الدقة الرياضية لابن الهيثم . فمن خلال هذه المصادرء وكذلك بواسطة النصوص 
اليونانية والعربية الأصلية تعلم العلماء الغربيون كيف يعالجون علم المناظر بطريقة رياضية . 
إن ردة الفعل الغربية التي كانت أكثر تأثيراً كانت لروجر بيكون الذي كان أول عالم غربي 
استوعب بشكل تام نظام ابن الهيثم البصري . إننا لا نعلم على وجه الدقة متى وكيف اطلع 
على كتاب المناظر ‏ لكنه عندما ابتدأ بتأليف أعماله الرئيسية فى البصريات » فى السنوات 
أو 1150مء برزت فيها نظريات ابن الهيثم التي دلت بقوة على فهمه لهذا العلم . 


307 


وهكذا اعتمد بيكون تصوراً واسعاً لأهداف علم المناظر ء معترفا بأنه يطال في الواقع مواضيع 
رياضية وحتى نفسية . وكانت فيزياء الإدراك أيضا موضوع انتباه كبير من طرف بيكون . فقد 
وسعها في نظريته حول تعدد الأشكال . واستمرت أعمال ابن الهيثم في نشر المعارف في 
علم البصريات وفي توجيهها بشكل مباشر . وتابعت مدرسة المنظور مسيرتها عبر القرون 
الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر بدمج إنجازات ابن الهيثم وأعمال مؤلفين آخرين . 
يونانيين وعرب . وعندما تطرق كبلر إلى مسألة الرؤية في أوائل القرن السابع عشرء ابتدأ من 
حيث كان ابن الهيثم قد توقف . 

إن معالجتنا لموضوع الفلك والمنهج التجريبي . والبصريات والمنهج التجريبي في 
التراث العربي الإسلامي هي معالجة مرتبطة باحدى وظائف علم النفس . خاصة عملية 
الإدراك بالنسبة للكواكب والنجوم . وموضوع الإدراك » كما ذكرنا » هو موضوع سيكولوجي 
بالدرجة الأولى ويحتل مساحة كبيرة من علم النفس العام والمعاصر . ولقد عالج ابن الهيثم 
ذات الموضوع . بصورة علمية تجريبية » في القرن الحادي عشر الميلادي . وقد تتعرض عملية 
الإدراك أو الرؤية أو الملاحظة بالنسبة للكواكب أو النجوم إلى سوء في الإدراك » وبلغة ابن 
الهيثم إلى «غلط في البصر أو خطأ في الإدراك . أو زيغ في الإدراك . أو بلغة علم النفس 
الملعاصر إلى خداع في الإدراك . إن هذه الأطروحة تقودنا إلى دراسة واحد من أكثر 
الموضوعات المعالجة بصورة دقيقة وعلمية وتجريبية عند ابن الهيثم . 


ابنالهيثم وقياس الغلط البصري 


يغطي موضوع الخداع البصري مساحة كبيرة في معالجته في باب الإدراك في علم 
النفس المعاصر (جيروقري . 1958 ؛ واقنار» //191) .ولقد تمت معالجة الموضوع من عدة 
زوايا : تأثير الجينات في الخداع البصري (ولترس » )١1947‏ ء وتأثير التعليم على الخداع 
(ديفيزء )197١‏ ء وتأثير البيئة في الخداع (بري 1978 ؛ جاهودا » 1977) » وتأثير الثقافة 
على الخداع (جاهودا ١98٠:‏ ؛ ديروقوسكي 5 ) 1 ولقد عالج ابن الهيثم دات الموضوع 
باسم «الغلط البصري» في القرن الحادي عشر الميلادي من زاوية علم نفسية . ولقد ابتدر ابن 
الهيثم في بصرياته معاللجة موضوع مشكلة خداع البصر بصورة سيكولوجية في نهاية الباب 
السابع من كتاب المناظر » كما عالج موضوع رؤية الكواكب . وحسب رؤية ابن الهيثم عندما 
يدرك البصر الفروق بين أحجام الكواكب في مراكز مختلفة يعتبر ذلك واحداً من أغلاط 


308 


البصر . ويدرك البصر بعض الأجزاء من السماء حول الأفق تكون أبعد من تلك الأجزاء 
الموجودة في منتصف السماء . ولقد بين ابن الهيثم بصورة هندسية أن الحجم الظاهر أو 
المرئي للنجوم يتناقص بغض النظر عن الارتفاع وذلك نتيجة لرؤيته عن طريق الانكسار . 
ويحدد ابن الهيثم أن الشكل يكون كبيرا عندما يغطس بصورة عميقة في الماء وذلك لأن 
بعده يزيد ولأن بعد صورته أو (خياله) يزيد بعد أن يغطس (انظر صبرة » /1941) . 

وفي مقالة «المرايا المحرقة بالدائرة» يتناول ابن الهيثم موضوع الانعكاسات خاصة 
موضوع الزيغ الكروي الطولي . وتحدث ابن الشاطر عن الخداع البصري في كتاب «نهاية 
السول» الذي قام بتحقيقه جورج صليبا . يقول ابن الشاطر في الباب الثاني عشر «في هيئة 
أفلاك زحل على الوجه الصحيح . يُتَوَهُمٍ من أفلاك زحل فلك مثل بفلك البروج » في 
سطحه ؛ حول مركزه , وعلى قطبيه» » (ويُتوهم فلك ثان مائل عن الممثل ميلا ثابتا » مقداره 
جزءان ونصف , مقاطع له على نقطتين متقابلتين ؛ تسمى إحداهما الرأس والأخرى 
الذنب» ‏ «ويتوهم فلك ثالث مركزه على محيط المائل » نصف قطره خمسة أجزاء وثمن جزء 
بالأجزاء التى بها نصف قطر المائل ستين جزءا . ويسمى الحامل» . 

قدم ابن الهيثم نظرية متكاملة عن «الغلط البصري؛ . ويسميه ابن سينا في كتاب 
الشفاء «الخطأ البصري» ؛ وفي علم النفس المعاصر «الخداع البصري» . وقدم ابن الهيثم 
مشروعا كاملا لقياس «الغلط البصري» فى مجال سيكوفيزيقا الإيصار . وبذلك يعتبر ابن 
الهيثم أول من استخدم الرياضيات في علم النفس بصورة دقيقة . وسوف نعالج هذه 
الأطروحة بصورة أكثر تفصيلا فى الفصلين اللاحقين من الكتاب . وإذا تتبعنا المقالة الثانية 
من «كتاب المناظر» » خاصة الفصل الثاني «في تقديم ما يجب تقديه لتبيين الكلام في 
أغلاط البصر» سنجد الاستخدام الموضوعي للرياضيات , نظريا وعمليا . ويتعلق الجانب 
النظري ببناء نظرية عن كيفية الإبصار ترتكز على التشريح والفيزياء والرياضيات . بينما 
يتعلق الجانب العملي ببناء أدوات ترتكز على الرياضيات ويمكن أن نطلق على ذلك » بدون 
تحفظ ؛ أول استخدام للرياضيات في تاريخ «علم النفس الاعتباري» أو التجريبي . وسوف 
نناقش ذلك بتفاصيل في الفصلين اللاحقين من الكتابٍ . 


ابن سينا وقياس الخطأ البصري 
ولم يكن ابن الهيثم هو الوحيد الذي استخدم الرياضيات في علم النفس في تاريخ 


2309 


العلوم عند العرب والمسلمين . ففي المقالة الشالثشة من كتب الشفاء لابن سيناء وهي عن 
الإبصارء نلاحظ استخدام الرياضيات كذلك في دراسة فيزيفا الإبصار . يقول ابن سينا في 
مقدمة الفصل السادس في إبطال مذاهبهم من الأشياء المقولة في مذاهبهم « ولنقبل الآن 
على عد بعض المحاولات التي تلزمهم بحسب أوضاعهم فمن ذلك وضعهم أن أجزاء الخارج 
عن البصر تنعكس من الأجسام إلى أجسام أخرى فإذا رأت جسما انعكست عنه إلى جسم 

آخر فرأته ورأت ذلك الجسم الآخر المنعكس إليه مغلا لما وصلت إلى المرآة رأت المرأة 8 
انعكست عن المرآة إلى جسم آخر رأته أيضاً معاً فيكون شيء واحد يرى شيئين معا.. 

لكي يثبت ابن سينا » من ناحية رياضية » رؤيته عن الإبصار يقول : «يمكننا أن نرى اه 

في المرآة ونراه وحده إذا كان مقابلاً للبصر وإما إذا لم يكن مقابلاً فإنا نراه في المرآة فقط 
فليكن على أصلهم لس ال ود وا خرج من 
البصر ثم انعكس إلى جسم عند لح) » وليخرج خط آخر وهو (أ) ويقطع خط (بح) على 
(ه) . ويتصل به هناك فأقول يجب على أصولهم أن يكون 2 (د) يرى مع شبح (ح) 
و(ب) ويرى شبح (ح) من طرفي (ه) و(ب) . وخطي (هآ) و(ب 1) وذلك لأن أجزاء هذه 
الخطوط الخارجية من الإبصار أما أن تكون متصلة وإما أن تكون 0 
ويواصل ابن سينا استخدام الرياضيات كذلك في الفصل الثالث من «الشفاء» في 

أفعال القوى المتذكرة والوهمية وفي أن أفعال هذه القوى كلها بآلات جسمانية . يقول ابن 
سينا «فإن الخيال لا يمكنه أن يتخيل إلا أن ترتسم الضنورة الخيالية :فيه اوتشاما معتعركا ينه 
وبين الجسم فإن الصورة المرتسمة في الخيال من صورة شخص زيد على شكله وتخطيطه 
ووضع أعضائه بعضها عند بعض التي تتميز في الخيال كالمنظور إليها لا يمكن أن تتخيل 
على ما هي عليه إلا أن تلك الأجزاء والجهات من أعضائه يجب أن ترتسم فى جسم 
وتختلف جهات تلك الصورة في جهات ذلك الجسم . وأجزاؤه في أجزائه . ولننقل صورة 
زيد إلى صورة منربع (أب ج د) المحدود المقدار والجهة والكيفية واختلاف الزوايا بالعدد وليكن 
متصلا بزاويتي (أب) منه مربعان كل واحد منهما مثل الآخر ولكل واحد جهة معينة 
ولكنهما متشابها الصورة فترتسم من الجملة صورة شكل مجنح جزئي واحد بالعدد ومتقرر 
في الخيال . فنقول إن مربع (أه رو) وقع غيرا بالعدد لمربع (ب ح ط ي) ووقع في الخيال منه 
بجانب اليمين متميزا عنه بالوضع المتخيل المشار إليه في الخيال» . 


23210 


ابن الهيثم وتأثير كشوفه الرياضية 


ذكرنا بأن ابن الهيثم قد عالج موضوع الإبصار من خلال مناهج متعددة المعارف من 

بينها الفيزياء والتشريح » والرياضيات . واستخدم ابن سينا كذلك الرياضيات لدراسة فيزيقا 
الإبصار . فإن كلمة فيزياء , المفهومة بمعناها الحديث ؛ تتوافق في الفكر العربي » »مع عدة 
مجالات . قليلة التمايز يومئذ » إنما تشكل حالة وسطى بين الرياضيات وعلوم الطبيعة من 
جهة ء وبين العلوم النظرية والعلوم التطبيقية من جهة أخرى . وهذه العلوم , هي التي 
أتاحت » بالاستناد إلى الرياضيات .ء بناء أدوات تستخدم في علوم أخرى . ومن الأقسام 
الوحيدة في هذه الفيزياء التى طورها العلماء المسلمون هي في الواقع البصريات (تاتون . 
).إن كتاب المناظر لابن الهيثم هو دراسة ماهر الضوء في أحواله الشلاث 

(الاشراق على الاستقامة . والانعكاس . والانعطاف) دراسة قائمة علي الاختبار التجريبي 

(أو ما أسماه ابن الهيثم «الاعتبار ( واستخدم المناهج الرياضية في تفسير الظواهر الطبيعية . 
واعتبر ابن الهيثشم البصريات بحثاً مركباً من العلوم الطبيعية والعلوم التعليمية أو الرياضية 
كما قال بلفظه فى صدر كتابه . فالكتاب يتردد بانتظام بين وصف للتجارب المرتبة ترتيباً 
منطقيا يفضي الى ما ينتج عنها وتطبيق للمعاني والأصول الرياضية على ما يقبل مثل هذا 
التطبيق من الظواهر الضوئية والبصرية (صيرة » ١1987‏ ) . 

ويعتبر ابن الهيثم في كتاب البصريات بمثابة الرائد الحقيقيٍ لسيكوفيزيقا الإبصار. 
ويؤكد تاريخ العلم العربى استخدام علم على علم آخرء فمثلاً استخدم ابن الهيثم 
الرياضيات في المسائل الفيزيائية لتحديد صورة الانعكاس . وفي تاريخ الدراسات الأولى في 
علم النفس الغربي فقد استخدم فخنر مؤلف كتاب عناصر أو أسس السيكوفيزيقا صيغة 
رياضية جديدة أكثر دقة وهي أن الإحساس يزداد بما يساوي لوغاريتم المنبه أو بتعبير آخر 
لكي يزداد الإحساس في متوالية حسابية يجب أن يزداد المنبه فى متوالية هندسية 
(فلوجل . )١1988‏ . ونلاحظ أن فخنر استخدم أداة «اللوغاريتمات» وهي أداة ترجع أصولها 
لتاريخ العلم العربي كما بينا سنابقا . 

وتحت تأثير التراث القديم كما يؤرخ تاتون )١1988(‏ فقد امتد مجال البصريات الوسيطية 

من البصريات بالذات- بالمعنى العصري للكلمة .من حيث مظهرها الجيومتري ء 

والفيزيائي . والفيزيولوجي والسيكولوجي-حتى المنظور أو الأبعاد وأخيرا حتى مختلف 
المسائل المترولوجية والفلكية والفيزيائية بوجه عام . وقد أثر و«كتاب المناظر» تأثيراً حاسما في 


311 


تطور هذا العلم حتى القرن السابع عشر ء ملهما كل الذين يهتمون ء في العالم العربي- 
والغربي ١‏ ؛ بعلم البصريات النظري والتجريبي » ومع نشر كبلر ١51١‏ كتابه فقط ظهر اتجاه 
دين حا . وإذن بدا مؤلف ابن الهيثم وكأنه المساهمة الأكثر أصالة والأكثر خصباً فيما قدم 
في مجال التضرنات قبل القرن المسابع اشر و ورولقة وكنه بحق أن يعتبر من أهم بمثلي 
الفيزياء النظرية والعملية خلال الحقبة الوسيطية في فترة القرون الوسطى المسيحية والتقدم 
العلمن.. شنام علم النصريات الذي قالاابه ابن لهنم في ذات الحقبة على يد جون بيكهام 
(أسقف كنتربوري) وعلى يد واتيلو . وكان هذا الأخير أكثر من مجرد جامع : فقد صنع 
بنفسه مرايا محدبة » ونجح في صنع آلة بنفسه مكنته من قياس زوايا الانكسار مختلف الألوان 
في أماكن متنوعة . 

إن أعظم اكتشافات العرب إغا كانت في ميدان البصريات أو علم المناظر . ويعتبر ابن 
الهيثم من عباقرة العرب العظام الذين أنجبهم القرن الغائر للميلاد وقد ترك تراثا ضما 
مليئاً بالإبتكارات والموضوعات الجديدة التي كانت باعثاً على البحوث والأعمال التي قام 
بها واتيلو([©؟15١-77/0١)‏ ؛ وجون بيكهام )١1191-١1778(‏ ؛ وروجر بيكون (17914-11154) 
(الدوملى » 1977 ؛ مرحبا ء )197١‏ . إن أثر ابن الهيثم في هذا العلم لا يقل عن أثر نيوتن 
فى الميكانيكا . ويعتبر «كتاب المناظر» أكثر الكتب استيفاء لبحوث الضوء . بحث فيه ابن 
الهيئم القوانين الأساسية للانعكاس والانكسار التى تعرف اليوم خطأ باسم قوانين ديكارت . 
وسبق كبلر إلى كثير من قضاياه (مرحبا ء )197١‏ . 

من الملاحظ في تاريخ العلم العربي الإسلامي . منذ النصف الأول من القرن الحادي 
عشرء أنه تم توظيف جانب من الرياضيات في الفيزياء ئما ساعد على تطور علم البصريات ٠‏ 
وخاصة سيكوفيزيقا الإبصار . من ناحية تاريخية » إذا تتبعنا تطور علم البصريات في فترة ما 
بعد ابن الهيثم وفي بداية القرن التاسع عشر نلاحظ أن تقدم العلم في البصريات لم 
يتجاوز كثيراً بعض الأسس التي أرساها ابن الهيثم ولا سيما استخدام الرياضيات في 
البصريات وتطور الأدوات الدقيقة . فالفترة الزمنية الفاصلة بين ابن الهيثم وجالتون هي 
ثمانية قرون . وقدمت البصريات في تاريخ العلم العربي الإسلامي مساهمة كبيرة في تطور 
علم نفس الإبصار وسيكوفيزيقا الإبصار . يبدو أن اهتمام علماء البصريات بعلم النفس » 
وخاصة خصائص الإبصار كان اهتماماً متعلقاً بالتطبيقات العملية لعلم النفس في المراصد 
وكيفية رؤية الكواكب وحساب الغلط أو الخطأ البصري الذي يمكن أن ينتج خلال الرؤية . 

استخدم ابن الهيثم الرياضيات والمشاهدات العلمية لاختبار النظام البصري للإنسان 


312 


بصورة أكثر تنظيمية من أي عالم قبله أو بعده حتى القرن التاسع عشر (هاوارد » )١8891/‏ . 
وإن المشكلات التي عالجها ابن الهيثم كانت مشكلات جادة فى سيكولوجية الإدراك 
البصري والتى لم تنل معالجة منظمة من الكتاب الأوائل في البصريات . ولقد حدد ابن 
الهيثم خصائص منهجه بأنه عبارة عن «تركيب» بين الاعتبار الفلسفي الطبيعي للبصر 
والشكل الرياضي في شكل خطوط وزوايا (صبرة » 1589) . ولقد درس ابن الهيثم بصورة 
رياضية موضع الإحساس والاستدلال من خلال نظريته عن الإدراك البصري (صبرة ٠‏ 
6لا9١)‏ . 

وإن مساهمة ابن الهيثم في مجال تاريخ الإدراك ترتبط بالتفاصيل الدقيقة والتفسيرات 
الأصيلة . ونتيجة لأصالة ابن الهيثم فقد تأثرت مجموعة كبيرة من العلماء الذين قدموا 
مساهمة كبيرة في علم النفس خلال القرن التاسع عشر والعشرين بنظرية ابن الهيثم في 
الإبصار ومنهجه التجريبي » وبقياساته الرياضية في علم النفس مثلاً أوقلونيوس في 
«الهربتار» ؛ وهلمهولتز في «الاستدلال غير الشعوري» » وهيرئج في #مبادئ الاتجاه البصري» , 
وبانوم في «المنطقة المنصهرة» , وبورنج في «ثبات الحجم» » وقبسون في «إدراك الحجم 
والمسافة» . وهولست ومتلستيدت فى «إدراك الحركة» » وجارنر فى «سرعة إدراك الأشياء 
المألوفة» (انظر هاورد » ١ 1 . )١991/‏ 

ولقد بين طه )١1910(‏ تأثير ابن الهيثم في كل من روك في إدراك الزاوية البصرية . 
وأميرت في إدراك البصر لبعدين مختلفي البعد . وإن الزاوية البصرية في نظر ابن ن الهيثم 
تدخل في حساب الحجم المدرك جنباً إلى جنب مع إدراك مقدار المسافة . ويقول ابن الهيثم 
« فإذا تخيلت (القوة المميزة) مقدار الزاوية ومقدار البعد معا فإنها تدرك بذلك مقدار حجم 
المبصر بحسب مقدار الزاوية وبحسب مقدار البصر معا» . ولقد عبر روك (ه/91١)‏ عن نفس 
هذا القانون الهيثمي بالمعادلة المشهورة : الحجم المدرك + الزاوية البصرية * المسافة . وفى هذا 
السياق نفسه ساق ابن الهيثم القانون الهام الذي يسمى في كتب الإدراك المعاصرة قانون 
ايمرت (1881) وما هو بقانونه . يقول ابن الهيثم» إذا أدرك (البصر) لبعدين مختلفي البعد 
أحدهما أقرب للبصر من الآخر وكانا. تجديها يوتران زاوية واحدة بعينها عند مركز البصرء 
وكان البصر يدرك بعد كل منهما إدراكاً متيقناً فإن المبصر الأبعد يدركه التضر هيدا أعظم من 
المبصر الأقرب . وكلما كان المبصر الأبعد أكثر بعد فإنه يدركه أكثر عظماً» . 


3213 


روادعلم النفس فى العالم العربي 


نريد في هذا الخلاصة إبداء بعض الملاحظات عن مساهمة رواد علم النفس في العالم 
العربي الذين تتلمذوا على رواد حركة القياس النفسي والأدوات الإحصائية الجديدة في علم 
النفس . ومحاولة مقارنة مساهمة هؤلاء الرواد بمساهمة علماء الرياضيات في العلم العربي 
الإسلامي ومساهمة رواد الإحصاء في الغرب . يحصي أحرشاو (19954) بأن هناك عدداً من 
الطلاب العرب الموفدين فى إطار النعكنارت الدراسية باالجامعات الغربية » خاصة باريس 
ولندن . للتخصص في علم النفس وتحضير أبحاث جامعية تحت إشراف أساتذة أقطاب في 
مجال القياس النفسى والأساليب الإحصائية أمثال : سبيرمان » وبيرت » وستيفنس » 
وبيرون » وفرنون . ولقد أسهمت الرسائلُ الجامعية التي أنبزها بعض رواد حركة القنياس 
النفسي في الوطن العربي والأبحاث الأخرى التي استخدمت فيها الأساليب القياسية 
ومناهج التحليل الإحصائي إستهاما كبيرا في الانطلاقة الحقيقية لحركة القياس النفسي في 
الوطن العربي . ومن بين هؤلاء الرواد العرب : عبد العزيز القوصي » وعزت راجح . ويوسف 
مراد . ورمزية الغريب . ومحمد خليفة بركات » ومحمد خيري مرسي . 

ويمكن أن نعيد الملاحظة في الكيفية التي تطورت بها الرياضيات والعلوم المرتبطة بها ما 
بين فترة المساهمة العربية الإسلامية في العصر الذهبي وفترة استخدام الرياضيات » وخاصة 
الأساليب الإحصائية » في علم النفس . يمكن القول : إن العلماء العرب والمسلمين كانوا 
مبدعين علوماً جديدة تصوروا فيها ما لم يتصوره غيرهم , وكانوا لديا حقيقيا لروح ذلك 
العصر الذهبي . إن ابن الهيثم كان أعلى قمة وصل لها علم النفس .» إنه السقف في 
سايكوفيزياء الإبصارء فقد أبدع هذا العلم على غير نموذج سابق . وتفشل الحاولات التي 
تبحث في مصادر ابن الهيثم التى اعتمد عليها في إيجاد أسس سابقة لسيكوفيزيقا الإبصار 
في فترة ما قبل العصر الذهبي للحضارة العربية الإسلامية . فكان هؤلاء الأوائل هم المعلمين 
لنيوتن ؛ وكوبرنيكس » وديكارت » وفيات ٠»‏ وبنابير» وبرجز» ولايبنز . ويبدو أننا لا نظلم 
أحدا كثيرا إذا أجرينا مقارنة بين فترتين في التاريخ وقلنا : بينما كان العلماء العرب 
والمسلمون , في العصر الذهبي للحضارة العربية الإسلامية . يتصفون بالإبداع والأستاذية . 
كان رواد علم النفس في العالم العربي المعاصر يمتازون بالاتباع والتلمذة . وقد يقول قائل 
يجب أن تستثني مساهمة القوصي في اكتشاف العامل المكاني . 

يقول عيد )١19868(‏ تكشفت عبقرية القوصي العلمية منذ الثلاثينات بحصوله على 


314 


درجة الدكتوراة من جامعة لندن عام 194 حين وصل إلى كشف العامل المكاني . ويؤكد 
أبو النيل (1987) إن القوصى أول من توصل للعامل المكاني عام 148 » إذ وجد أن ثمانية 
من بين ستة وعشرين من الاختبارات التى طبقها كانت مشبعة بالعامل المكاني وبدرجة 
تباين العامل العام نفسه . وهذه الاخختبارات الثمانية تتطلب التخيل البصري لحلها بنجاح . 
أمّا الاختبارات الأخرى والتى استخدمت مع اختبارات كوكس الميكانيكية فقد كانت 
معاملات ارتباطها بهذا العامل منخفضة . ربما يلاحظ آخر أن هذه المساهمة هي متواضعة 
مقارنة مع مساهمة أي رياضي في العصر الذهبي للحضارة العربية الإسلامية . وهي في 
ذات المنحى مساهمة متواضعة مع مساهمة الإحصائيين الغربيين . لقد استخدم القوصي 
منهج التحليل العاملي ولم يبدع هذا المنهج بينما أبدع الرياضيون العرب والإحصائيون 
الغربيون علوما ومناهج جديدة . يلاحظ أن علماء النفس العرب الذين كتبوا مبادئ . 
ومقدمات » ومداخل » ومناهج ومدارس علم النفس » وكذلك الذين كتبوا عن القياس » 
والإحصاء , والرياضيات قد اتبعوا المنحى ذاته فى كتب علم النفس الغربي . وربما يكون 
لهؤلاء بعض العذر في حال اتباعهم لرواد علم النفس في العالم العربي وذلك لأنْ الرواد 
أنفسهم تابعون لعلماء النفس في الغرب . فإِنّ اتباع الأتباع هو نقيض لإبداع الإبداع . 


علماء التراث والإبداع الرياضي 


يمكن أن نلخص بعض المساهمات العربية في الرياضيات في إبداع الخوارزمي للجبر 
وتطويره ؛ وأبي كامل في التعابير اللاجذرية » واستخدام معادلات جبرية فى حل المسائل 
الهندسية ؛ والكرجي في المعادلات المثلثية واكتشاف طريقة لإيجاد الجذر التربيعي للمربع 
الكامل واكتشاف ما يسمى بمثلث باسكال , والتحليل الاستقرائي ؛ وابن سينا في الأحجام 
اللامتناهية حجما ؛ وابن حمزة فى إعطاء العلاقة بين المتواليتين الحسابية والهندسية ؛ 
والبتاني في مبدأ الجيب ؛ وعمر الخيام الذي أوصل الجبر إلى قمته ؛ وحل معادلات الدرجة 
الشالئة باستخدام القطوع الخروطية ؛ والكاشي في معادلات الدرجة الرابعة . وتحويل 
الكسور ؛ واستخدام الصفر ونظرية ذات الحدين ؛ واستخدام القلقصادي للرموز ونشرها في 
الجبر ؛ وثابت بن قرة في نظرية المزولة » وابتكار الخجندي لسدسية للأرصاد ؛ ووضع ابن 
يونس للزيج الحاكمي ؛ وجداول البتاني ؛ وجداول الزرقالي ؛ وابن الشاطر فى جمع أفلاك 
التدوير والأهداف النفسية للحساب عند الجرشي . وفوق كل ذلك استخدام ابن سينا وابن 


315 


الهيثم الرياضيات لقياس الغلط البصري . 

بالإضافة لهذه الإسهامات المحددة بأسمائها ء هناك إسهامات أخرى في تطوير 
الرياضيات . منها تأسيس علم المثلشات ووضع مبدأ الجيب والمماس » وصناعة المزاول ؛ 
وتطوير الإسطرلاب المبني على أساس الإسقاط التصويري ؛ وتطوير الحساب الجبري المجرد . 
والاتجاه الحسابي . والاتجاه الهندسي للجبر , واستخدام الأساليب الجبرية لحل المسائل 
الهندسية . والحل المتقارب . والبناء الهندسى لجذور المعادلات الجبرية » والأفاط الستة 
القانونية من معادلات الدرجة الأولى والثانية » والحساب العشري . وفوق كل ذلك استخدام 
منهج المشاهدات المضبوطة للتحقيق العلمي والتجريبي . وإذا تحدثنا بشيء من التقييم 
للمساهمة العربية الإسلامية فى حقل الرياضيات يمكن القول إن من أكبر المساهمات هي 
تطوير علم الحساب وتسهيل استخدام الأرقام . وإن الخوارزمي أحد القمم البارزة في 
الرياضيات على مدار التاريخ وذلك لأنه قدم علم الجبر كعلم جديد لم يسبقه إليه أحد 
والذي حمل اسمه . بالإضافة لذلك » أبدع الرياضيون العرب علوماً جديدة وأدوات ومناهج 
وكانوا روادها مثل الحساب العشري وعلم المثلثات . 

وتؤكد هذه الحقائق التاريخية بما لا يدع مجالا للشك أن الإسهام في حقل الرياضيات 
ليس هو تكرار» أو ترجمة ء أو مجرد حفظ للتراث الإغريقي . إنا هو في حقيقته هضم . 
واستيعاب للعلوم السابقة » وإبداع لعلوم جديدة بكل ما تحمل كلمة «إبداع» و«جديد» من 
معنى . وكان علماء العرب والمسلمين نقادا للتراث الإغريقي ؛ فمثلا كتب ابن الهيثم 
الشكوك على بطليموس . وكتب الرازي الشكوك على جالينوس » كما انتقد الطوسي كتتاب 
المجسطي لبطليموس . ومن ناحية تاريخية » يمكن القول إن أول محاولة في تاريخ علم النفس 
في تطبيق الرياضيات في الفلك وتطبيق الفلك في علم النفس وإبداع مجال سايكوفيزياء 
الأبصار هي محاولة ابن الهيثم في علم البصريات . إن العلم العربي لم يكتف بإبداع العلوم 
الجديدة فحسب بل عمل العلماء في فترات وأماكن مختلفة على شرح وتنقيح وتطوير هذه 
العلوم وتعديل الطرق الحسابية القديمة واكتشاف طرق جديدة . وأوصل بعض هؤلاء العلماء 
أفرع هذه العلوم إلى قمتها ء كما فعل عمر الخيام والكرجي على تطور علم الجبر » والكاشي 
على تطوير الحساب العشري . ومن ناحية سيكولوجية ؛ يمكن القول إن العلم العربي 
الإسلامي أدى دورا كبيرا في انعكاس علم الجبر على عمليات الحساب الذهني وتحليل 
وفهم الطريقة التى بواسطتها يدرك الأطفال المواضيع الرياضية » واستخدام منهج التحليل 
والتركيب في حل المسائل الرياضية . 


316 


إن مساهمة العلم العربي الإسلامي في الرياضيات لم تكن مساهمة محلية منقطعة 
عن نفسها بل عملت هذه المساهمة . والتى يمكن وصفها بالعملاقة . على التأثير في عقول 
العلماء من يدعون في تاريخ العلوم برواد عصر النهضة والثورة العلمية . ومن الأسئلة المهمة 
التى تطرح : بأي كيفية استطاعت قاعدة الرياضيات الصلبة في التراث العربي الإسلامي 
تغيير مسار العلوم اليونانية السابقة وتوجيه مسار العلوم اللاحقة ؟ ويمكن القول بأن أسئلة 
ابن سينا عن الأحجام اللامتناهية هي التي أوصلت نيوتن إلى الحساب اللامتناهي » وتأثّر 
الأوربيين بمساهمة عمر الخيام في الجبر أكثر من تأثرهم بديكارت . وطور الكاشي الحساب 
العشري بدقة لا تقل عن الاكتشافات بعد فيات ٠‏ وناقش نظرية ذات الحدين قبل نيوتن . 
وكانت مساهمة العرضي والطوسي والشيرازي والدمشقي مساهمات كبيرة في الفلك شبيهة 
بما هو عند كوبرنيكس . وإن انتقاد الطوسي لكتاب المجسطي لبطليموس يعتبر الخطوة 
التمهيدية للإصلاحات التي قام بها كوبرنيكس من خلال جداول الجيوب » ونظرية المبادرة 
ونظرية الشمس التى استقاها من التراث العلمى العربى الإسلامى . 

وإنّ تعميمات الكاشي للبناء الجيوميتري هي ذات مواضيع بحوث الرياضيين الأوربيين 
في القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر الميلادي . وتمكن ابن حمزة المغربي من إعطاء 
العلاقة بين المتوالية الهندسية والعددية في تاريخ العلم العربي الإسلامي هو الذي قاد بنابير 
إلى اكتشاف اللوغاريتمات . ولقد دخلت لفظة الجيب لأول مرة إلي الرياضيات بواسطة 
البتاني . وكانت أعمال الأوربيين في الجبر المنسوبة للقرن السادس عشر هي في حقيقة الأمر 
من إنتاج الكرجي والسموال أو اسعمرارا لقنا ولقين اعد رسيو مافات ذكرة لماي مق 
الطوسي . واستند بوربارد على مناهج الزركلي في جداول جيوب التمام . وكان لكتاب الجبر 
والمقابلة لا , بي كامل نفوذ كبير لتطور الجبر في أوربا من خلال ليورناردو فيبوناتشي الذي 
اقتبس أقساماً كبيرة من الكتاب . واستخدام أبي كامل لمعادلات جبرية في حل المسائل 
الهندسية جعلته يقف على بداية طريق طويل بلغ ذروته ديكارت . وإن معظم العلاقات 
الرياضية في كتابات الرياضيين العرب عن الضرب والقسمة والنسبة قد وردت في كتاب 
سميث عن تاريخ الرياضيات والتي ينسبها إلى الرياضيين في عصر النهضة . وفوق كل ذلك 
إن كتابات بيكون عن البصريات ولمنهج التجريبي هي مجرد شروح لمناظر ابن الهيثم 
ولمفاهيمه ونظرياته ومناهجه وتقنياته . 

إذا تتبعنا تاريخ الرياضيات وعلاقة ذلك بعلم النفس في العصور الوسطى » والحديثة » 
والمعاصرة » يمكننا القول بأن هناك أربع خطوات أساسية لتطور ذلك . فالقمة التى وصلت 


317 


إليها الرياضيات والإحصاء وتطبيقاتهما في علم النفس في العلم الحديث والمعاصر تقف 
على قاعدة صلبة تأسست فى العصر الذهبى للحضارة العربية الإسلامية . ولعل الخطوة 
الأولى قد خطاها علماء عمالقة في العلوم العربية والإسلامية منهم على سبيل المثال ؛ لا 
الحصر: الخوارزمي . والخيام , والكرجي . والكاشي . وأبوكامل . والطوسي , والبتاني . 
والزرقالي ‏ وابن الهيثم , وابن سينا . وكانت الخطوة الثانية قد خطاها بعض العلماء الذين 
مهدوا لعصر النهضة وعلماء النهضة وما بعدها منهم على سبيل المثال» لا الحصر: 
ليوناردوفيبوناتشي » ورجيومونتاس » وواتيلو» وبيكهام » وبورباخ , وكوبرنيكس . وجاليلو, 
وبيكون . وديكارت . وكبلر » ونيوتن . وكانت الخطوة الثالثة قد خطاها علماء في الرياضيات » 
والإحصاء » والقياس منهم على سبيل المثال » لا الحصر : نيبر » وفيبر » وفخنر ء وجالتون » 
وبيرسون . وسبيرمان . وثومسون . وبيرت ٠‏ وثيرستون , وفيرنون . أما الخطوة الرابعة فقد 
خطاها رواد علم النفس أمثال أقلونيوس . وهلمهولتز . وهيرن » وبانوم » وبورئج » وقبسون . 
وهولست ومتلستيدت .ء وجارنر » وروك . وبلغة أخري ء يمكن القول . بأن ابن الهيثم يقف 
على قاعدة هرم صلبة بلغ قمتها في علم النفس فخنر » ويقف الخوارزمي على جذور شجرة 
عميقة تفتحت أزهارها في علم النفس مع جالتون . ويقف الطوسي على أساس منارة شاهقة 
تكشفت أنوارها فى علم النفس مع سبيرمان . والسؤال المحير بأي كيفية تمت تنحية قاعدة 
الهرم » وجذور الشجرة . وأساس المنارة من تاريخ الرياضيات والإحصاء في علم النفس؟! 

لقد عمل بورنج (1461) ء أشهر مؤرخ لعلم النفس التجريبي , على تنحية العلم العربي 
الإسلامي من تاريخ علم النفس . إِنّ هذه التنحية للعلم العربي عن تاريخ العلوم على 
حسب تعبير رشدي (1988أ) «لم تؤد فقط إلى اعوجاج منهجي ء بل أدت أيضا إلى رؤية 
جديدة فيما ليس بجديد . فمن الواضح إذن أن تلك التنحية ضارة بالدرجة الأولى , بتاريخ 
العلم» . والسؤال الذي يطرح نفسه في نهاية هذه الدراسة : لماذا يؤكد علماء النفس العرب 
الذين كتبوا عن القياس والإحصاء والرياضيات ذات المنحى الموجود في الكتب التي تنظر 
لعلم النفس من «نظرة» غربية ؟ بالرغم من أن ابن الهيثم هواول من امن لكيفية «النظر» 
فى «كتاب المناظر» , وأول من «بصر» عن كيفية « الإيصار» . «فالنظرة» » أو «البصرة» . أو 
«الملاحظة» هي نقطة البداية في علم النفس . وماذا يؤكد علماء النفس العرب على هذه 
النظرة «المغلوطة» ؟ بالرغم من أن ابن الهيثم هو أول من تأمل ؛ وافترض » ونظر ؛ وصمم . 
وبحث . وقاس . واستنتج «الغلط البصري» » وكان أول من استخدم الرياضيات في علم 
النفس بصورة اعتبارية «تجريبية»؟!! 


3218 


المصادر والمراجع 


سينا » الشيخ الرئيس أبو علي ٠١75 - 48٠0(‏ ) . الشفاء . تحقيق ومراجعة جورج 

قنواتى وسعيد زايد )١941/0(‏ . القاهرة : الهيئة المصرية للكتاب . 

ابن غازي . المكناسي الفارسي . بغية الحساب في شرح منية الحساب . تحقيق محمد 
سويس )١1987(‏ . حلب : جامعة حلب . 

ابن الهيثم . الحسن (ت 475 هجرية) . كتاب المناظر» تحقيق ومراجعة عبد الحميد 
صبرة )١198(‏ . الكويت : المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب . 

ابن الباسمين ‏ منظرمات ابن الباسسين :ون اعمال امير واشسات: عقيو دل 
شوقى )١1988(‏ . الكويت : مؤسسة الكويت . 1 

أبو النيل » محمود السيد (1487) . التحليل العاملى . بيروت : دار النهضة المصرية . 

أبو كامل . شسجاع بن أسلم (النصف الثاني من القرن الثالث الهجري) . كتاب الجبر 
والمقابلة . مخطوطة قرة مصطفى باشا 779 . مكتبة بايزيد في إستانبول . منشورات معهد 
تاريخ العلوم العربية والإسلامية بفرانكفورت . 

أحرشاوء الغالي )١1944(‏ . واقع التجربة السيكلوجية في الوطن العربي . بيروت : 
المركز الثقافي العربي . 

أحمد , محمد عبد السلام (1950) . القياس النفسي التربوي . القاهرة : النهضة 
المصرية . 

أسعد . ميخائيل (بلا تاريخ) . القياس النفسي . دمشق : دار الحكمة . 

البغدادي , عبد القاهر بن طاهر . التكملة فى الحساب مع رسالة في المساحة . تحقيق 
ودراسة ومقارنة أحمد سليم سعيدان )١1986(‏ . الكويت : منشورات معهد المخطوطات 
العربية . 

تاتون » رينيه )١18/(‏ . تاريخ العلوم العام : العلم القديم والوسيط . ترجمة علي مقلد . 
بيروت : المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر . 

تاتون , رينيه (199417) . تاريخ العلوم العام : العلم الحديث . بيروت : المؤسسة الجامعية 


للدراسات والنشر . 
تاتون رينيه )١1944(‏ . تاريخ العلوم العام : العلم المعاصر . بيروت : المؤسسة الجامعية 


3219 


الخوارزمي . محمد بن موسى . الجبر والمقابلة . تقديم وتعليق على مصطفى مشرفة 
ومحمد موسى أحمد (1958) . القاهرة : دار الكتاب العربى . 

الخيام ‏ أبو الفتح عمر . رسائل الخيام الجبرية . تحقيق رشدي راشد وأحمد جبار 
(1981) . حلب : جامعة حلب . 

الدفاع » علي عبد الله )١158١(‏ . المدخل إلى تاريخ الرياضيات عند العرب والمسلمين . 
بيروت : مؤسسة الرسالة . 

الدوملي (1957) . العلم عند العرب وأثره في تطور العلم العالمي . ترجمة عبد الحليم 
النجار ومحمد يوسف موسى . الطبعة الأولى » القاهرة . 

ديبارنو» ماري )١1491(‏ . علم المثلثات : من الهندسة إلى علم المثلثات . في : رشدي 
راشد . ؛ وريجيس مورون (إشراف) . موسوعة تاريخ العلوم العربية . الجزء الثاني رص ص . 
55107-117") . بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية . 

راشد . رشدي (1986أ) . تصور الجبر عند الخوارزمي . مجلة المستقبل العربي » ؛ ؛ 
116 351١ا.‏ 1 1 

راشد ء رشدي (585١اب)‏ . تاريخ العلم والعطاء العلمي في الوطن العربي . مجلة 
المستقبل العربي 45-9701١١٠‏ . 

راشد » رشدي (11917) . التحليل التوافيقي » التحليل العددي . التحليل الديوفنطسي 
نظرية الأعداد . في : رشدي راشد . » وريجيس مورو (إشراف) . موسوعة تاريخ العلوم 
العربية . الجزء الثانى (ص ص . -441١‏ 078) . بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية . 

الراوي » خاشع محمود (1984) . المدخل إلى الإحصاء . جامعة الموصل : وزارة 
التعليم العالي والبحث العلمي . . 

روش » هنري (/19417) . تأثيرعلم الفلك العربي في الغرب في القرون الوسطى . في : 
رشدي راشد . » وريجيس مورون (إشراف) . موسوعة تاريخ العلوم العربية . الجزء الأول (ص 
ص . 1779 55”) . بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية . 

زايد » مصطفى )١1140(‏ . الإحصاء والاستقراء . الجيزة : هجر للطباعة والنشر . 

الزراد » فيصل محمد . » ويحيى . على محمد (1988) . اللإحصاء النفسي والتربوي . 
دبي : دار القلم 1 

الزركلي : خير الدين . الأعلام , الجزء الخامس . بيروت 1917١‏ . 

سعيدان , أحمد (14817) . الأعداد وعلم الحساب . في : رشدي راشد . » وريعجيس 


2300 


مورون (إشراف) . موسوعة تاريخ العلوم العربية . الجزء الثاني (ص ص . *44- 457) . 
بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية . 

السلمان , سلمان  .‏ الشرقاوي , عبد الفتاح .؛ الجميعة » عبد الله  .‏ اليوسفي . 
محمد.»ء وحسين ‏ منصور )١19941١(‏ الرياضيات للصف الثاني الابتدائي . دليل المعلم . 
مكتب التربية العربي لدول الخليج . 

شلهوب ؛ سامى )١1984(‏ . الكرجى والكافى فى الحساب . أبحاث المؤقمر السنوي 
العاشر لتاريخ العلوم عند العرب (ص . )1١8 -1١9‏ والمنعقد في 77 -74 نيسان » 1987 » 
اللاذقية » سوريا . 

صبرة , عبد الحميد (1487) . مقدمة المحقق . الحسن بن الهيثم . كتاب المناظر ((ص 
١‏ -0860) . الكويت . 

طه . الزبير (1440) . سايكوفيزياء الإبصار عند ابن الهيثم . المجلة العربية للطب 
النفسى 1١‏ 765- 37/8 . 

الطوسي . شرف الدين . جوامع الحساب بالتخت والتراب . بيروت : الجامعة الأمريكية 
قدت 

الطوسى ء شرف الدين . المؤلفات الرياضية . الجبر والهندسة فى القرن الثانى عشر . 
تحقيق وترجمة رشدي راشد (1987) . باريس : دار الآداب الرفيعة . 1 

الطيارء هاشم وسعيد يحيى (/ا/ا91١)‏ . موجز تاريخ الرياضيات . الموصل : جامعة 
الموصل . 

العاملي . بهاء الدين . الأعمال الرياضية لبهاء الدين العاملى . تحقيق وشرح وتحليل 
جلال شوقي (1981) . بيروت : دار الشروق . 

عبدالله » رمضان صالح )١147(‏ . بعض المتغيرات المرتبطة بمهارات الحساب العقلي 
(الذهني) لدى طلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية وكلية التربية . الجلة العربية للتربية ‏ 
84-1 1. 

عبد الرحمن » سعد (1987) . القياس النفسي . الكويت : دار الفلاح . 

عيسوي . عبد الرحمن (1986) . القياس والتجريب في علم النفس والتربية . 
الإسكندرية : دار المعرفة الجامعية . 

الغريب . رمزية (1985) . التقويم والقياس النفسي والتربوي . القاهرة : الأنجلو المصرية . 

فرج » صفوت (1941) . التحليل العاملي في العلوم السلوكية . القاهرة : الأنجلو 


321 


المصرية . 

فروخ , عمر . » عبدالقادر , ماهر . ؛ حلاق » حسان ٠ )1١199٠(‏ تاريخ العلوم عند العرب : 
بيزؤت : داز النهشية العزبية:. 

فلوجل » ج (188) . علم النفس في مائة عام . نقله إلى العربية لطفي فطيم . 
بيروت : دار الطليعة . 

الكاتبي » نجم الدين . رسالة في الحساب الهوائي . مخطوطة في مايكروفلم فى معهد 
التراث العلمي بحلب رقم 6 

الكاشي » غياث الدين )١5*5(‏ . مفتاح الحساب . تحقيق نادر النابلسي (1985) . 
دمشق : وزارة التعليم العالي . 

الكرجي أبو بكر محمد ' الكافي في الحساب . نمحقيق سامي شلهوب (19485) : 
الجامعة اللبنانية . 

كينغ ؛ دافيد )١99590(‏ 3 علم الفلك وامجتمع الإسلامي في 8 رشدي راشد وريجيس 
مورون (اشراف) . موسوعة تاريخ العلوم العربية . الجزء الأول (ص . /ا1- 778) . بيروت : 
مركز دراسات الوحدة العربية . 

ليندبرغ . دافيد (1441) . الاستقيال الغربي لعلم المناظر العربي . في : رشدي 
راشد . » وريجيس مورون (إشراف) . موسوعة تاريخ العلوم العربية . الجزء الثاني (ص . 
-41١‏ يف6 . بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية 5 

المراكشي ء ابن البناء . تلخيص أعمال الحساب . حققه وترجمه وعلق عليه محمد 
سويسي (11594) . تونس : منشورات الجامعة التونسية . 

المراكشي » ابن البناء . المقالات في الحساب . تحقيق أحمد سليم سعيدان (1984) . 
عمان : دار الفرقان . 

مرحباء محمد )١9!/١(‏ . الموجز في تاريخ العلوم عند العرب . بيروت : دار الكتاب 
اللبناني . 

منسي محمود عبد الحليم (كمول). الإحصاء الوصفي والاستدلالي في العلوم 
النفسية والتربوية . الكويت : مكتبة الفلاح . 

موالدي 3 مصطفى (؟199) : الحساب الذهني من خلال بعض الخطوطات العربية 5 


302 


أبحاث الندوة العالمية الخامسة لتاريخ العلوم عند العرب "٠,‏ - 4 نيسان 1447 ء والمنعقدة 
بجامعة غرناطة » اسبانيا . 

موالدي . مصطفى (1447) . مناهج البحث في العلوم الرياضية عند العلماء المسلمين . 
محاضرة غير منشورة ألقيت في جامعة آل البيت بالأردن في يوم الشلاثاء ” مايو ١5917‏ 

هوخندايك , يان (1986) . مقدمة فى «كتاب الجبر والمقابلة» لأبى كامل . 
فراتكفورت : معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية . 

هونكة , زيغريد (19197) . شمس العرب تسطع على الغرب : أثر الحضارة العربية في 
أوربة . نقله عن الألمانية فاروق بيضون وكمال دسوقي . بيروت : دار الجيل . 


303 





الهندسة عند الجزري في مخطوطة «كتاب في معرفة الحيل الهندسية» 


224 


325 


1 
كن 
34 
: 
َ 
1 
1 
4 
31 
5 





0 سر اس وطن سيط جا 
ال الاام البإضزا" لاك الاين يدو 5 0 


َ[ 1 3 الط رركا ان كير نان كر 1 
: 0< 


20 الزن اموز لب 7 ع رذ اها 











رسالة الطوسي في الجبر والمقابلة 


326 


عو'اعة 
ا مي سن فل . 2 ان خط : مايه 


سح دعل لها ضار نس 1 ولا دين 34 
ع ع سي واي مه ". 
ا ل كناف نل مخف .راث رك اسه نا 
| امن عاضو اماما زهابهاان ]ناد وهائات 
مداع !لزه سسب الود وب اهيز ابر راروشه 
7 0 شر والت فارع نعل خا شلال عل مزايتطة 
ا ل الو محم ل ردنا رع الشدامشره الى 
سوه ول لم كرد غرالل ,لثم عدا اب مارك 


ام مر لاى اننسا 
0 

3 
1 
0 


بيسن # 0 صدابا”” 
0 وي سوءر طلاه 2 7ن د ق 
ع عه وج 2 


ها عور ع 55 


دوا يه 


0 اذ نانس رين نت إتبادة ,ال نظ انتعامرائق و 
1 دسل ع و لزنا لجنيا* اينم دم االو رام المعضنه كبون الك 
- عاشتع رمز منود الهاجر حرو الج نر الى ااه 
8 لاخر دوين لاقو ةن هراز لح لوه م سهد سولضي 
ذيرلا. اجوز د اشغز زجلدٍ حيرا را حل را لون مله 
ستيه ءرالد ل رحد مأشراداك عم 
فنع سيريا تله م يورأ حل سج نااسا نرت 
| عاتن ستنغلن بارج ريذن 3 0 بنماسزنودانا زع 0 
تخ ور العب رجالا عبد سه رأ يام ارد ةر را اد ما 42 
. ا سوه امنا متؤاشذ م يِه 
ؤانام 0 ان إنعارا عزنز قياعها نظام : 
نسار اريت ول دسب معي ألو إداهرن نشبا ضنبو لوز نميه 
1م نا ساح نانان سينا اهلان نيز بهزأ حلا ن فال 
ما ب الجتز الما لد هضا اطسر! حامر راف لتب المناب زغبلم 
١‏ قاذ اا ف ناث ل اما لزي وزاك 7 
ذخازاهرم زجئع دالها لم نيه ترثا ببدالاد يخ الامخاو 


3 : 


الصفحة الأولى من مخطوطة كتاب الجير والمقابلة للخوارزمى 





حبزرة 
ساي امبرو الوك بسز ]عار 
عونق 6 ف ريالب لير رويط 
0-07 2 إآ سر 


ا 
جسر_ماعم/ 


37 





ءاسح صنو مو اله حا او + »العا سام امد ع ماسه 35 اس م سايم عسسم .- هحاسوم ٠‏ + وايجس ود عاداء 


أقدم جدول لتحديد أوقات الصلاة في التهار عند الخوارزمي 


328 


الفصل العاشر 


ابن الهيثم وثورة السيكو فيزيقا 


229 


تاريخ السيكو فيزيقا عند علماء النفس العرب!* 


تطرق بعض كبار علماء النفس العرب إلى «فيزيقا الإبصار» ‏ « علم نفس الإبصاره ء أو 
«سيكوفيزيقا الإبصار» . ومن ناحية تاريخية » اتفقت الآراء على أن هذا الفرع من علم النفس 
فرع غربي المنشأ والتطور والنظرية والمنهج (جابر» الأعسرء وقشوش ١986.‏ ؛ عبد الخالق ؛ 
0١‏ ؛عبد الخالق ودويدار» 19947 ؛ جلال ٠‏ 1555 ؛ سويف ؛ 1917/١‏ ؛ مراد . )١1955‏ . وفقاً 
لسويف إذا كان فونت هو الأب الشرعي لعلم النفس التجريبي , فقد سبق هذا الأب أسلاف 
أجروا تجارب في هذا الميدان واستنبطوا منها نتائج حاولوا أن يفسروا بها كثيراً من الظواهر 
السيكولوجية . إن الاتجاه التجريبي الذي بدأه فيبر لم يلق الكثير من القبول . فظل خاملاً 
وبقيت السيادة للبحوث النظرية حينما بدأت تلمع في الأفق أسماء هلمهولتز, وفخنر وشولسته 
وماخ . وقد اهتم فخنر بالإحساس » ودفعته نزعته السيكوفيزيقية إلى محاولة صياغة قانون فيبر 
صياغة رياضية دقيقة , فقد كان فيبر قد انتهى به القول إلى أن زيادة اللإحساس لا يكفى 
لإحداثها زيادة مساوية في التنبيه » لكنه لم يبين كيف تكون زيادة التنبيه » قاستطاع فخنر 
بتجاربه أن يصل بهذا القانون إلى درجة مرضية من الضبط » إذ قال إنه لكي يزيد الإحساس 
بمتوالية حسابية لا بد أن يزيد المنبه بمتوالية هندسية (سويف ء 01919٠‏ .00 
وحسب قول يوسف مراد إن اعتماد علم النفس حتى قبيل نهاية العقد الأول في 
النصف الثاني من القرن التاسع عشر كان يقوم خاصة على ما يقوم به الفرد من تجارب 
نفسية وعلى الملاحظة الطارئة . أمّا طرق الملاحظة بواسطة الآلات الضابطة والتجريب 
العلمي المنظم فلم تُستعمل إلا بعد هذا التاريخ . ولهذا يعتبر كتاب فخنر «مبادئ 
السايكوفيزيقا؛ الذي نشر سنة 1810 فاتحة العهد التجريبي في علم النفس . غير أنّ هناك 
بعض البحوث الجزئية التي قام بها فيزيائيون وفسيولوجيون وأطباء ذ فى القرن الثامن عشر 
والقرن التاسع عشر أدت إلى 3 تقرير بعض الحقائق المخاصة وا رمه الرجع وبالشروط 
العصبية لبعض العمليات النفسية كالتعبير الخركي والتعبير اللغوي مثلاء ومن هؤلاء 
العلماء ماجندي . وفلورنس . ويوهنس . ومللرء وبروكا . وشوكوء وهلمهولتز , وفريتش » 
وهتزج (مراد » 9:1955) . 
اهتم علماء الفيزياء وفقا لعبد الخالق ودويدار بالتعرف على العلاقة بين اللخصائص 


(ع») نشرت صورة من هذه الدراسة في اجلة التربويةة ١566‏ 


331 


الفيزيائية أو المنبهات , والخبرات الأولية ‏ أو الإحساسات . فالصوت والضوء مثلاً منيهات 
فيزيائية تؤثر فى كل منا تأثيراً مختلفا . مثال لذلك دراسة «الإحساسات الصوتية» التى 
اتضح أنها تعتمد على ذبذبات «الموجات الصوتية» وقد أصبح ذلك يعرف فيما بعد (وحتى 
الآن) بمبحث «السيكوفيزيقا» . وأثرت دراسة كل من نيوتن وجاليلو تأثيرات مهمة في هذه 
الناحية ء إذ بتأثير منهما نشأت المدرسة الترابطية ودراسات تداعي المعاني , بل إن علم 
النفس الفسيولوجي الحديث ؛ مازال يعتمد حتى اليوم على مفاهيم «نيوتن» في الزمان 
والمكان والكتلة (عبد الخالق , 198١‏ ؛ عبد الخالق ودويدار » )١1197‏ . تأثر ديكارت فى القرن 
السابع عشر بما اكتشفه علماء الطبيعة من قوانين الحركة والسكون . كما تأثر بهذا العلم 
أيضا علماء الفسيولوجيا . ومن هنا جاء اصطلاح العمليات النفسجسمية التي احتلت حيزا 
في علم النفس المعاصر (جلال:.19155) . نشأ علم النفس مرتبطا برافدين أساسين هما 
الفيزياء والفلسفة , ولكنه استقل عنهما وأصبح علماً مستقلاً في نهاية القرن التاسع , وهناك 
علامات مميزة تركت آثارها في تطور ونمو علم النفس منها ظهور كتاب فخنر 185١‏ في 
السايكوفيزيقا » وظهور أول معمل لعلم النفس على يد فونت 1١8174‏ (جابرء الأعسرء 
وقشوش » ©0:198). 

انطلاقاً ما استعرضه بعض علماء النفس العري , عن ماضى السيكوفيزيقا » يمكن 
القول إن «نيوتن وجاليلو» » على حسب تعبير عبد الخالق ودويدار ؛ وإن «ديكارت» ؛ على 
حسب تعبير سعد جلال » كان لأفكارهم وفلسفاتهم تأثير في تهيئة المناخ العلمي والفكري 
لإمكانية قيام علم النفس الذي ظهر في أوربا » وبفضل مساهماتهم تطورت السيكوفيزيقا . 
وتتفق تلك الخلاصة مع ما ذكره (بورنج  )١94601/‏ في مقدمة كتابه عن «تاريخ علم النفس 
التجريبي» . ويلاحظ كذلك من كتابات علماء النفس العرب أن علم النفس قد تأثر 
بالفيزياء والفسيولوجيا في فترة ظهور التجريب العلمي . ومن العلماء الآخرين الذين لهم 
مساهمة جديرة بالذكر في تاريخ علم النفس موللر وهلمهولتز . وفي هذه الحالة » يمكن القول » 
إن العدسة التي ينظر بها علماء النفس العرب لتاريخ علم النفس المتعلق بسيكوفيزيقا 
الإبصار هي ذات العدسة التي ينظر بها علماء النفس في الغرب . 

وبوسعنا طرح بعض الأسئلة : هل حقيقة إِنْ أول البحوث الحزئية التي «أدت إلى تقرير 
بعض الحقائق الخاصة بالحواس» كانت في القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر على 
حسب تعبير مراد (1957)؟ وإذا تساءلنا مع سويف (1970) من هم أول الأسلاف 
الحقيقيين الذين استنبطوا نتائج من تجاربهم في علم النفس؟ وهل «محاولة صياغة قانون 


332 


فيبر صياغة رياضية دقيقة» كانت أول القوانين المصاغة في تاريخ سيكوفيزيقا الإبصار؟ من 
ناحية تاريخية . إذا تساءلنا مع عبد الخالق ودويدار )١991(‏ هل بالفعل كانت تأثيرات 
دراسات نيوتن وجاليلو هي التأثيرات الأكثر سبقا وأهمية في ماضي السايكوفيزيقا؟ ومن 
ناحية تحديدية , إذا تساءلنا مع جلال (1953) من هم علماء الطبيعة الذين تأثر بهم 
ديكارت في القرن السابع عشر؟ والسؤال الأخير والأهم إلى جابر والأعسر وقشوش )١988(‏ 
إلى أي تاريخ يرجع نشوء علم النفس مرتبطاً برافد الفيزياء خاصة؟ 


تاريخ السيكو فيزيقا عند علماء النفس فى الغرب 


إذا قارنا مقتطفات علماء النفس العرب السابقة نجدها تتشابه أو حتى تتطابق في 
معظمها مع رؤية مؤرخي علم النفس في الغرب أمشال » روكلن (1987 ) ؛ وفلوجل 
(19484) ؛ وبورن (/ا195) ؛ (ثيرستون»19772) ؛ و(لوري )١1987 ٠‏ ؛ و(برينان . 1985) ؛ 
و(هيرجنهاهين.1985١)؛‏ و(كيندلرء194817). ونتفق في هذه الحالة تماما مع 
أحرشاو(1944) بأنه في حالة تجرؤ أحد على كتابة تاريخ السيكلوجيا العربية فإنه لن ينجو 
من تكرار بعض الأفكار التي تقدم بها مؤرخو علم النفس في تاريخ السيكلوجيا الغربية . 
ومن ناحية الموضوعات ». تتفق كتابات علماء النفس العرب كنلك مع العديد من 
الدراسات الغربية في مجال السايكوفيزيقا ( ثرستون .1977 ؛ فيرنبيرجرء ٠*19؛‏ 
جسيلفورد : 1918 ؛ وودويرث : /195) ٠‏ ويؤرخ روكلن (*198ء ص .19)ء أن فخنر 
(1401-/1841 )ء كان فيزيائياً لامعا وعالماً رياضياً وأثارت أعماله جدلا كثيرا وكانت 
السبب في إدخال القياسٍ إلى علم النفس . ولقد عالج هلمهولتز علم وظائف الأعضاء ثم 
علم النفس » وكدس أبحاثاً تجريبية ذات صلابة ما تزال تحتفظ بقوتها العلمية حتى اليوم . 
وبعد مضي قرن من الزمان حدثت ثت فيهما أنواع عديدة من التقدم الشوري في التقنيات » 
خاصة . وقد تناول فى أبحاثه هذه بصورة رئيسية : «أوالية رؤية الألوان» )١18617(‏ » و«أوالية 
إدراك ارتفاع الأصوات» (*181) كما نشر هلمهولتز كتابه «فيزيولوجية البصريات» 
(كمما-ككم1) . 

أمَا فلوجل (1988) فيؤرخ لأربع مساهمات في مجال السيكوفيزيقا . وكان ألمع 
اكتشاف في مجال فسيولوجية الأعصاب هو قياس هلمهولتز لسرعة الفعة العصبية عام 
6١‏ . وكانت تقدر قبل ذلك ب ١١‏ مليون ميل - ث » ثم تبين خطأ هذا عندما اكتشف 


3233 


هلمهولتز أنها ١؛‏ قدما - ث ء أي لا تزيد عن عدة أمتار في الثانية . إلا أنّ أهم عمل تم على 
الإطلاق ؛ من وجهة نظر التأثير على التطور المقبل لعلم النفس » كان ما قام به فيبر في مجال 
اللمس » في كتابه دعن اللمس» الذي نشر عام 4 والذي احتوى ملاحظات عن 
الإحساس العضلى فهدت الطريق على يدي فخنر لصياغة قانون فيبر (فلوجل :1١988 ٠‏ 
17) . وقام فخنر في هدوء بإخراج «الأساليب السيكوفيزيقية» الشهيرة وفي إجراء التجارب 
الكلاسيكية في رفع الأثقال واللمعان البصري «و «العتبات الفارقة» اللمسية والبصرية . 
وظهرت هذه الأعمال في كتابه «مبادئ السيكوفيزيقا» الذي لم يكن إلا «العلم المضبوط 
للعلاقات الوظيفية أو علاقات التبعية بين الجسم والعقل» وكان ظهور هذا الكتاب حدثاً 
يعتبره المؤرخون يوم الميلاد لعلم النفس التجريبي الجديد (فلوجل  ١988‏ ص . )71-107١‏ . 

وتُعدٌ مطبوعة نيوتن عن البصريات )17١54(‏ بمثابة مقدمة لقانون انكسار الضوء والتي 
ساهمت بدورها في تطوير بعض المعلومات السيكلوجية . وأرخ بورج لتطور الفسيولوجيا من 
خلال مساهمات بعض العلماء . مثلاً كتب بل 180 وهورن 1876 عن التذوق والشم ؛ 
ونشر فيبر بعض التجارب عن اللمس عام 1847 ؛ وكتب هاريس عن السمع سنة 1887 ؛ 
واكتشف بل (1177/4 -1847) الفرق بين الأعصاب الحسية والحركية ؛ وقام فلورنس 
(11794 -181) بمساهمة كبيرة في تقدم فسيولوجية الدماغ ؛ وكتب مللر عن الطاقة امحددة 
للأعصاب كأهم قانون في فسيولوجية الحس » . إِنّ كتابه عن النظر عام 1875 أحدث أثراً 
كبيراً ووضح كيف تأسست الفسيولوجيا التجريبية . ولقد أوجد فخنر السيكوفيزيقا وكذلك 
أوجد الإحساس التجريبي . وارتبط اسم فخنر بعام وهو العام الذي نشر فيه «مبادئ 
السيكوفيزيقا» . وكان فخنر فيلسوفاً وطبيباً وسيكوفيزيائياً وتجريبياً . 

أخذ فخنر من هاربرت المفهوم بأن علم النفس يجب أن يكون علما . كما أخذ الفكرة 
العامة عن القياس العقلى ١‏ وفكرة تطبيق الرياضيات لدراسة العقل ومفهوم عتبة الشعورء 
وفكرة التحليل العقلى والعقلانية . ويعتقد فخنر بأنه يمكن قياس المنبه والإحساس بصورة 
مباشرة » ولكن لا يمكن قياس العلاقة بين المنبه والإحساس بصورة مباشرة . إنما تقاس بصورة 
غير مباشرة من خلال الكمية أو الزيادة الفارقة . وعمل فخنر كذلك على التمييز بين 
السيكوفيزيقا الداخلية والسيكوفيزيقا الخارجية . ترتبط الخارجية بطبيعة العلاقة بين العقل 
والمنبه بينما ترتبط الداخلية بطبيعة العلاقة بين العقل والتنبيه حمل حرفي عم 
النفس ترتبط بإنجازه لمنهج قياسي جديد . ويشكل هذا المنهج أولى امحاولات للقياس العقلي 
وبداية القياس التجريبي في علم النفس . وأثبت منهج فخنر صلاحية تطبيقه لكل المواقف 


334 


والمشكلات السيكولوجية . ومازال يستخدم منهج فخنر مع بعض التعديلات الطفيفة في 
معامل علم النفس . لهذا يمكن القول بأن فخنر هو مؤسس علم النفس التجريبي (انظر 
بورنج , 1961 , صن صن . 595-11/8) . 

ويؤرخ بورنج (/19461, ص )58١‏ أنه فى منتصف القرن التاسع عشر كانت هناك 
مجهودات كبيرة في الأبحاث عن أعضاء الحس وفي ظاهراتية الإحساس في تلك الفترة . 
وكانت معظم هذه الأعمال عن البصر والذي كان أكثر الحواس الخنمس التي حظيت 
بالاهتمام . وإن ريادة أبحاث البصر كانت نتيجة للحقيقة التاريخية بأن ما بعد الميكانيكا 
كانت البصريات هي أولى الموضوعات التي تأسست في الفيزياء . وكانت الاهتمامات 
المبكرة في البصريات ترجع بصورة جزئية للاهتمام بالفلك والتلسكوب . ولقد أدرك كبلر 
(1711) أن العين هي آلة بصرية وتنتج وحدانية البصر عندما تكون إحدى النماذج الدماغية 
تتطابق واحدة فوق الأخرى . وفي مرحلة مبكرة من القرن الثاني للميلاد عمل جالينوس 
على إدراك هذه العينة من الوظائف الخاصة بالتصالب البصري . وقام نيوتن بنشر مطبوعته 
عن البصريات عام 17١4‏ كما قام بنشر مطول لفكرة جالينوس في عام 111 . وقبل مللر 
في القرن التاسع عشر هذه الفكرة كما قام بتطويرها . وقدمت أعمال نيوتن بعض المساهمة 
العرضية في المعلومات الخاصة بالسيكوفيزيقا (بورنج . /ا90١)‏ . 

وقام مجموعة من علماء السيكوفيزيقا بدراسة الإحامات بمنظور واسع . وتم اعتبار هذه 
الإحساسات كانعكاس لمشكلة العقل - الجسم » ؛ أكثر من كونها موقفاً للدراسة التشريحية 
والفيزيائية المنفصلة . وفي نفس الوقت فإن هؤلاء العلماء ليسوا علماء نفس . لأنهم لم 
يبحثوا عن علم جديد وشامل للنفس . إنما ظلوا في إطار التدريب التقليدي لعلومهم : فهم 
فسيولوجيون ٠‏ وفيزيائيون , أو فلاسفة طبيعيون . ومهما يكن فقد قدم هؤلاء العلماء حلقة 
كبيرة بين دراسة المستويات الفسيولوجية والفيزيائية لالإحساس .ء وتبعا لذلك فإن علماء 
حركة السيكوفيزيقا هم المبشرون بعلم النفس الحديث (برينان » 1987) . 

وكان اهتمام فيبر )18178-١1/96(‏ منصبا على اكتشاف كيف يكون الإنسان حساسا 
بالنسبة للفروقات بين المثيرات الطبيعية مثل الأوزان » أو الإضاءة . أو الأصوات ؟ وصاغ فيبر 
قانونه كالآتي : يجب أن يزداد المشير بأجزاء ثابتة من قيمته لكي ينتج فرقاً درا 
بالملاحظة» . وكلما كانت الأجزاء صغيرة كانت الحساسية أعظم . ولقد كان هناك تأثير 
تاريخي هام لقانون فيبر » ويرجع ذلك لأنه وضح , بدون شك . أن علم النفس يمكن أن يكون 
تجريبيا ورياضيا (كندلرء 1978) . ويعتبر هذا القانون الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح . 


3235 


وساعد هذا الاتجاه علم النفس على أن يكون علما بحتا » وتجريبيا بعد موضة الفيزياء (لوري , 
7) . ولفت قانون فيبر بشكل خاص انتباه عالم له دوره الهام في تطور التجريب في علم 
النفس وهو فخنر . 

يمكن أن نخلص فى هذا الجزء من الدراسة إلى اتفاق آراء علماء النفس فى الغرب وآراء 
علماء النفس في العالم العربي على نقطة مركزية وهي أنّ عام د0٠181»‏ هو العام الذي تؤرخ 
به بداية السيكوفيزيقا ء وأنْ كتاب «مبادئ السيكوفيزيقا» هو الكتاب الذي يعتبر فاتحة 
العهد التجريبي في تاريخ علم النفس . وأنْ اسم «فخنر» هو أحد الأسماء العملاقة في 
تأسيس علم النفس التجريبي . ولقد ذكرنا بأن الأعمال البصرية لعلماء الثورة العلمية في 
الغرب قد تركت آثارها بالنسبة لعلماء السيكوفيزيقا فى الغرب الذين مهدوا الطريق لتطور 
علم النفس التجريبي . إن أول ملاحظة لمساهمة علماء السيكوفيزيقا هي اهتمامهم بدراسة 
الإحساسات ومن بينها البصر من ناحية فيزيائية في القرن التاسع عشر . لقد وضح فيبر كما 
يؤرخ كندلر )١1941/(‏ بأن «علم النفس يمكن أن يكون يا ورياضيا» . ولقد اعتبر برينان أن 
فخنر هو «أول» شخص يمكن تصنيفه كسيكوفيزيقي . ورأى بورئج أن مطبوعة فخنر «مبادئ 
السيكوفيزيقا» هي دبداية الميلاد» الرسمي لعلم النفس . وكما أن مناهجه هي «أولى» المناهج 
للقياس العقلي , وتعتبر «البداية» لعلم النفس التجريبي . 

قد يكون من المناسب في هذا المكان تقديم أطروحة جديدة تختلف عن الأطروحات 

السابقة لكل من علماء النفس العرب ولعلماء النفس في الغرب في تاريخ بداية 
السيكوفيزيقا ٠‏ إن قراءة تاريخ العلم بتمعن . وإعادة قراءة إسهام العلماء العرب المبكرين 
بتبصر ء يوضح بما لا يدع مجالاً للشك أنّ البداية الحقيقية لسيكوفيزيقا الإيصار كانت في 
منتصف القرن الحادي عشر الميلادي . وأنّ الرائد الأكثر أصالة وإبداعاً في تاريخ 
السيكوفيزيقا هو ابن الهيثم ٠‏ مثل البصريات (الفيزياء) النظرية والتطبيقية في عصره . 
وسوف نعمل و في الجزء اللاحق من هذه الدراسة على إثبات هذه الأطروحة . 


كتاب المناظر لابن الهيثم 
يتضمن ١كتاب‏ المناظر» لابن الهيئم» سبع مقالات . وقام صبره )١1987(‏ بتحقيق 
ممتاز للمقالات الثلاث الأولى من الكتاب كما قام كنلك بترجمتها إلى اللغة الإنجليزية 


(ابن الهيثئم )١1984‏ . وقدم ابن الهيثم في المقالة الأولى نظرية جديدة متكاملة عن الإبصار 


336 


بينما كانت المقالة الثانية والثالثة عن «علم نفس الإبصار» أو «فيزيقا الإبصار» . تتكون 
المقالة الأولى «فى كيفية الإبصار بالجملة» من ثمانية فصول . الفصل الأول : صدر 
الكتاب . الفصل الثاني : في البحث عن خواص البصر . الفصل الثالث : في البحث عن 
خواص الأضواء وعن كيفية إشراق الأضواء . الفصل الرابع : فيما يعرض بين البصر 
والضوء . الفصل الخامس : في هيأة الإبصار. الفصل السادس : في كيفية الإبصار . الفصل 
السابع : في منافع آلات البصر . الفصل الثامن : في علل المعاني التي لا يتم الإبصار إلا 
بها . 

يفتتح ابن الهيثم صدر كتابه مشيراً بصورة أمينة لإسهامات من سبقه في البصريات 
قائلا « إن المتقدمين من أهل النظر قد أمعنوا البحث عن كيفية إحساس البصرء وأعملوا فيه 
أفكارهم . وبذلوا فيه اجتهادهم , وانتهوا منه إلى الحد الذي وصل النظر إليه » ووقفوا منه 
على ما وقفهم البحث والتمييز عليه» . وتوصل ابن الهيثم إلى أن هناك اختلافات في آراء 
السابقين مع غموضها والشبهات تدور حولها : « مع هذه الخال فآراؤهم في حقيقة الإبصار 
مختلفة ٠‏ ومذاهبهم في هيئة الإحساس غير متفقة , فالحيرة متوجهة ٠‏ واليقين متعذرء 
والمطلوب غير موثوق بالوصول إليه . وما أوسع العذر مع جميع ذلك في التباس الحق وأوضح 
الحجة في تعذر اليقين , فالحقائق غامضة . والغايات خفية » والشبهات كثيرة » والأفهام 
كدرة . والمقاييس مختلفة , والمقدمات ملتقطة من الحواس , والحواس - التى هى العدد - غير 
مأمونة الغلط . فطريق النظر معفي الآثرء والباحث الجتهد غير معصوم من الزلل , فلذلك 
تكثر الحيرة عند المباحث اللطيفة ٠‏ وتتشتت الآراء » وتفترق الظنون , وتختلف النتائج » 
ويتعذر اليقين» (كتاب المناظر » ص 5ه )5١-‏ (أنظر ملحق ١‏ : نسخة من غلاف الكتاب) . 

ويختتم ابن الهيثم الباب الأول من المناظر عن رؤيته في الضوء من خلال الشفافة 
والكثافة بقوله : دو إذا كان المبصر كثيفاً كان متلوناً » وإذا أشرق عليه ضوء - أي ضوء كان - 
ثبت في سطحه » وكان من لونه ومن الضوء الذي يشرق عليه صورة تمتد في الهواء وفي 
الأأجسام المشفة . ويقبلها الهواء والأجسام المشفة وتؤديها إلى الجهات المقابلة لها . وإذا 
انتهت هذه الصورة إلى البصر أثرت في البصر وأحس البصر منها بالمبصر . وإذا كان المبصر 
شنا وشفيفه أغلظ من شفيف الهواء فإنه يكون له لون ما بحسب غلظه . وإذا أشرق عليه 
الضوء ثبت الضوء ء في سطحه ثبوتا ما بحسب ما فيه من الغلظ مع نفوذه فيه بحسب 
شفيفه , وكان منه صورة فى الهواء بحسب لونه وبحسب الضوء الذي يثشبت في صحته . 
وإذا وصلت تلك الصورة إلى البصر أثرت في البصر وأحس البصر بذلك المبصر . فلهذه العلة 


337 


صار البصر ليس يدرك شيئاً من المبصرات إلا إذا كان كثيفاً أو كان فيه بعض الكثافة . فقد 
تبينت العلل التي من أجلها ليس يدرك البصر شيئاً من المبصرات إلا إذا اجتمعت فيه 
المعاني المذكورة . فهذه الفصول وما بيناه فيها هو الذي قصدنا لتبيينه في هذه المقالة» (كتاب 
المناظر: )١196-1١985‏ . 

ويقول ابن الهيثم في صدر المقالة الثانية « قد تبين في المقالة الأولى كيف يكون 
الإبصار بالجملة , وهو كيفية إحساس البصر لصورة الضوء واللون اللذين في المبصر مرتبة 
على ما هي عليه فى سطح المبصر . البصر يدرك من المبصرات معاني كثيرة من المعاني التي 
تكون في المبصرات غير الضوء واللون . وأيضا فإنه قد تبين في المقالة الأولى أن الإبصار إنما 
يكون من سموت خطوط الع . وخطوط الشعاع تختلف أحوالها » وأحوال الصور التي ترد 
عليها إلى البصر . وأيضا فإِن إدراك البصر للمبصرات ليس يكون في جميع الأوقات ولجميع 
المبصرات وعلى جميع الأحوال على صفة واحده . بل تختلف 0 إحساس البصر 
بالمبصرات » وتختلف كيفية إحساس البصر بالمبصر الواحد من البعد الواحد ومن الوضع 
الواحد بحسب قصد الناظر وتعمّله لإدراك المبصر وتعمده لتمييز المعاني التي فيه . ونحن 
نبين في هذه المقالة اختلاف أحوال خطوط الشعاع » وتمييز خواصها . ونفصل أيضاً جميع 
المعاني التي يدركها البصر » ونبين كيف يدرك البصر كل واحد منها , فيز كيفية إدراك 
البصر للمبصرات » ونبين اختلاف إدراك البصر لهاء (كتاب المناظر» ص 500-199) . 

ويختتم ابن الهيئم المقالة الشانية بقوله « فعلى هذه الصفات يكون إدراك البصر 
للمبصرات . وهذه هي جميع أنواع الإبصار, وهو الذي قصدنا لتبيينه في هذا الفصل . وقد 
أتينا على تفصيل جميع المبصرات وتفصيل جميع المعاني المبصرة , وبيّنا جميع المعاني التي 
بها يتوصل البصر إلى إدراك المبصرات وإلى إدراك المعاني المبصرة » وميزنا جميع الأقسام التي 
إليها تنقسم جميع أنواع الإبصار . وهذه هي المعاني التي قصدنا لتبيينها في هذه المقالة» 
(كتاب المناظرء ص 37”8) . 

أمّا بالنسبة للمقالة الثالثة » وهى «فى أغلاط البصر فيما يدركه على استقامة وعللها» . 
فإنها تتكون من سبعة فصول . ويقول ابن الهيثم في فاتحة صدر المقالة الثالثة « قد تبين في 
المقالة الأولى والثانية كيف يدرك البصر المبصرات على ما هى عليه إذا كان إدراكه لها على 
استقامة ؛ وكيف يتحقق صورة المبصر » وكيف يدرك كل واحد من المعاني الجزئية على ما 
هي عليه وكيف يتحققه . وئيس كل مبصر يدركه البصر على ما هو عليه » ولا كل معنى 
يدركه البصر ويتخيل الناظر أنه قد أدرك حقيقته يكون مصيباً في إدراكه وفي تخيله . بل قد 


338 


يغلط البصر في كثير مما يدركه من المبصرات ويدركها على خلاف ما هي عليه ؛ وربما أحس 
بغلطه في حال غلطه وربما لم يحس بغلطه وظن أنه مصيب ويكون غالطا» (كتاب المناظرء 
ص 511١‏ -547) . ويختتم ابن الهيثم المقالة الثالثة بقوله «فقد تبين أن جميع أغلاط البصر 
في جميع المعاني الجزئية إنما يكون للعلل التى حصرناها-إما لعلة واحدة منها أو لأكثر من 
واحدة . فجميع أغلاط البصر في جميع ما يدركه من صور المبصرات وفي جميع ما يدركه 
من المعاني الجحزئية التي في صور المبصرات على انفرادها تنقسم إلى الأقسام التي فصلناها , 
وتعرض للبصر على الأمثلة التي مثلناها ‏ وتجتمع عللها تحت العلل التي حصرناها . وهذا 
حين نختم هذه المقالة» (كتاب المناظر» صن . ١"اه-‏ 737ه) . 


نظرية ابن الهيثم في الإبصار والإدراك البصري 


أدرك ابن الهيثم في مرحلة مبكرة من التاريخ «المعنى الحديث الذي نعنيه بالنظرية 
العلمية » وأنه أدرك أن النظرية العلمية فى جوهرها إن هي إلا شرح أو تفسير تتبين به العلاقة 
بين الظواهر الطبيعية على ما هي عليه في الواقع المحدود» (نظيف 2 1947: 45-47) . 
وعالجت كتب البصريات المعاصرة موضوعات مثل طبيعة الضوء «الأشعة . الانعكاس » 
الاتكسار ء السطوح الكروية » العدسات . المرايا . الزيغ والأجهزة البصرية (الحسون وعزيز» 
). فكل هذه الموضوعات المعاصرة قد عالجها ابن الهيثم في النصف الأول من القرن 
الحادي عشر الميلادي فى «كتاب المناظر» . وحتى إن النظريات الغربية التى درست الإبصار 
(بارتلى » 194١‏ ؛ لوكيش وموس » 19717 ؛ بيرسونس », )١4800‏ لا تختلف كثيراً فى جوهرها 
عن رؤية ابن الهيثم . وهناك أهمية لمناقشة الجوانب امختلفة لأعمال ابن الهيثم في «كتاب 
المناظر» . عرض ابن الهيثم نظرية متكاملة عن الإبصار في المقالة الأولى » وهي نظرية 
جديدة تتميز بالطابع الإبداعي وعدم التقليد وعدم الاتباع للآراء السابقة عليه ولا سيما 
الفكر الإغريقي ونتيجة لذلك , كما يعبر نظيف ١5147(‏ : ؟1)» «أدلى بآرائه الشخصية 
التى تكونت ونضجت بعد تمحيص وطول دراسة» . 
ففي الحقبة الهيلينية وفي بداية الحقبة الإسكندرية صدرت عدة نظريات فلسفية أكثر 
اهن علمية حول الضوء وحول الؤية., وفى هذا امال كانت لعن الرئيسية الهيلينية 
واليونانية-الرومانية التي حفظت هي : «بصريات» إقليدس ؛ و«دكتوبتريك» هيرون ؛ 
و«كاتوبتريك» إقليدس ؛ و«بصريات» بطليموس . وبالنسبة إلى كل هؤلاء المؤلفين ترسل 


339 


العين أشعة بصرية تنتشر بخط مستقيم وبسرعة عظيمة . وفي رأي إقليدس أن الأشعة 
البصرية التي تخرج من العين لا تشكل مخروطا مستمراً ولكنها تنفصل بعضها عن بعض . 
وهذا يتيح تفسير حدة البصر أو القدرة الانفصالية , وبنى إقليدس علماً منظورياً . ويوضح 
بطليموس في كتابه «البصريات» أن الشعاع البصري النازل . والصاعد هما ضمن نفس 
السطح , وأن زاوية النزول تساوي زاوية الانعكاس ». وأن الصورة ثُرى عند التقاء الشعاع 
النازل بعد تمديده , مع العمود النازل من الشيء على السطح المماس للمرآة على نقطة 
الانعكاس (تاتون ‏ /19-948:198؟) . وعموماً ظن اليونان والرومان أن سبب رؤية 
الإنسان للأجسام هو أن عين الإنسان ترسل شعاعاً إلى ذلك الجسم فتراه . وبقى هذا الظن 
سائداً قروناً عديدة إلى أن جاء ابن الهيثم وفند هذه النظرية وبين خطأها الواضح حيث قال 
إن سبب الرؤية هو وصول الأشعة من الجسم المنظور إلى عين الناظر (الحسون وعزيز» 
٠م9١).‏ 

لم يكن هدف ابن الهيثم في كتاب المناظر مجرد إقامة البراهين على ما جاء به 
السابقون في الإبصار وكيفيته » والحق أنه أعرض عن آراء السابقين إلا ما كان منها متفقاً مع 
بحثه الجديد القائم على «استقراء الموجودات» و«تصفح أحوال المبصرات» و«الترقي في 
البحث والمقاييس على التدرج والترتيب » مع انتقاد المقدمات والتحفظ في النتائج» . جاء 
ابن الهيثم بنظرية جديدة في الإبصار غير ما جاء به السابقون من الرياضيين (مثل إقليدس 
وبطلميوس) . أو الفلاسفة (مثل أرسطو) أو الأطباء مثل (جالينوس) . عرض ابن الهيثم هذه 
النظرية مجملة في المقالة الأولى من كتابه . ولم يكن كتاب ابن الهيثم محاولة فلسفية في 
طبيعة الضوء على طريقة معاصريه أو السابقين عليه من الفلاسفة , وإنما هو دراسة الخصائص 
الضوء في أحواله الشلاث (الإشراق على الاستقامة والانعكاس والانعطاف) دراسة قائمة 
على الاختبار التجريبي واستخدام المناهج الرياضية في تفسير الظواهر الطبيعية . وانتهى 
النظر بابن الهيثم إلى اعتبار البصريات بحثاً «مركباً من العلوم الطبيعية والعلوم التعليمية» أو 
الرياضية . ويمكن القول إن فكرة «التركيب» هذه هي التي أثمر عنها أسلوبه الجديد في 
البحث ونتائجه الجديد . فالكتاب يتردد بانتظام بين 2 للتجارب المرتبة ترتيباً منطقياً 

يفضي إلى ما ينتج عنها وتطبيق للمعاني والأصول الرياضية على ما يقبل مثل هذا التطبيق 
من الظواهر الضوئية والبصرية (صبره » 1987) . 

ويمكن تلخيص نظرية ابن الهيثم في علم الضوء في عدة نقاط . أكد ابن الهيثم الوجود 
المادي المستقل للضوء وأثبت أن سرعة الضوء محدودة . وضع ابن الهيثم مبدأ انتشار الضوء 


340 


على خطوط مستقيمة فى كل الاتجاهات أو مبدأ الانتشار الكروي . وعرّف بصورة دقيقة 
مفهوم الشعاع واستقلال الأشعة داخخل الحزمة الضوئية . كما صاغ وبرهن قانون الانعكاس 
بصورة أدق من تلك التي صاغها كل من إقليدس وبطلميوس . وطبق في بحوثه في 
الانعطاف القاعدة التي تسمى اليوم قاعدة أقصر الأوقات وتنسب إلى فرما . كما طبق 
كذلك في بحوثه قانون القصور الذاتي والذي يعرف اليوم بقانون نيوتن الأول في الحركة . 
واستطاع أن يضع قاعدة لتعيين موضع الخيال بالاتعكاس والانعطاف وطبقها على جميع 
السطوح وهي تطبق حتى اليوم في حالة سطح المرآة المستوية ؛ كما استطاع أيضاً أن يتوصل 
إلى ما يسمى الآن (الانقلاب الجانبي) حيث أثبت أن أجزاء الخيال اليمنى هي صور 
لأجزاء المبصر(بضم الميم) اليسرى وبالعكس . ويعد ابن الهيثم أول من استعمل (البيت 
المظلم) وشرح ظاهرة تشكل صور المرئيات بواسطة الثقوب المضيئة . فضلاً عن ذلك استطاع 
أن يصوغ قانون المرآة الكروية الحدبة والذي يطبق حتى اليوم (جلخي » )١944‏ . 

يعتبر الإدراك أحد الأبواب الرئيسية في مقدمات ومبادئ وأسس علم النفس (جلال ء 
5 ؛ عبد الخالق 141٠‏ ؛ عدس وتوق 1485٠‏ ؛ مراد.1955١)‏ . ولقد تم علاج هذا 
الموضوع حسب رؤية مؤرخي علم النفس بصورة علمية في القرن التاسع عشر . ولكن في 
حقيقة الأمر فقد تم علاج هذا الموضوع بصورة مفصلة منذ القرن الحادي عشر الميلادي . 
وتناول ابن الهيثم بالتفصيل كيفية إدراك البصر المعاني المبصرة وهي المعاني التي يدركها 
الإنسان في المبصر بتوسط حاسة البصر . ويضمن ابن الهيثم بحوثه آراء ونظريات على 
جانب عظيم من الخطورة والقيمة من الناحية النفسية وتشغل هذه الناحية من بحوث ابن 
الهيثم الجزء الأكبر من مقالته الثانية في المناظر . والفكرة الأساسية التى عني بتوضيحها أن 
الإدراك إغا يكون بطرق ثلاث » وهي في نظره الحس امجرد , والمعرفة » والقياس مع التمييز . 

فالإنسان يدرك الضوء مثلا بالحس امجرد . ويدرك لون الجسم بالحس امجرد . ولكنه إن 
أدرك أن ضوءين متساويين فى القوة أو فى الضعف أو مختلفين , أو أدرك أن لونين متشابهين 
أو مختلفين » فإن إدراك التشابه والتساوي أو الاختلاف والتفاصيل فى هذه الأحوال لا يكون 
بالحس الجرد . وإما يكون بتمييز الأضواء والألوان وقياس بعضها إلى بعض . والإدراك الذي 
لا يكون بالحس المجرد وحده يجعله ابن الهيثئم قسمين يسمى أحدهما «إدراكا بالمعرفة» 
ويسمى الآخر «إدراكا بالقياس والتمييز» . فالذي يعنيه ابن الهيثم من القول «بالإدراك 
بالحس المجرد» إغا هو مدلول لفظ «الإحساس» فى الاصطلاحات الحديثة وهو المعنى الذي 
يدل على حالة نفسية أو شعورية تحدث رأسا عن انفعال العضو الحاس بفعل المؤثر الخارجي 


341 


(انظر نظيف » )١157‏ . 
تقول نظرية ابن الهيثم في الإبصار بأن هذا يتم عندما ينقل الضوء صورة المبصر إلى 
العين ومنها إلى «الحاس» في الدماغ عن طريق العصب البصري . ولكن تفسير الإبصار على 
هذه الطريقة لا يكفي لتفسير الإدراك تفسيراً كاملاً حيث أن «مجرد الحس» بالشيء عند 
المدرك لا يعني إدراكه له . أي أن الإدراك والإحساس نادراً ما يتساويان» اللهم إلا عند 
الأطفال في سن مبكرة » كما يقول ابن الهيثم طبعا في هذه الحالات يكون الإدراك ونا 
وغير حقيقي . ولكن ابن الهيثم , هو أول من ثبت هذه النظرية على أسس علمية سليمة . 
كان أيضاً أول من بين قصورها عن تفسير الإدراك الحسي البصري ككل . 
إن «الحس المجرد» ذلك الإحساس الناتج عن وقع الضوء الوارد من المدرك (بفتح الراء) 
إلى عين المدرك (بكسر الراء) » ليس العنصر الوحيد المسبب للإدراك إلا إذا استثنينا تلك 
الحالات التي يكون فيها الإدراك مبهماً . لكن » حين يكون الإدراك مميزاً للشخص أو النوع 
المدرك » مثلا حين أدرك أن الشخص اماثل أمامي هو صديقي زيد أو حين أدرك الشيء الذي 
أراه كنوع نباتي معين إن إدراكي ينطوي على عملية عقلية بالإضافة إلى عملية الإبصار. 
أدت هذه الاعتبارات بابن الهيثم إلى التمييز بين ما يسميه «الإدراك بالحس المجرد» وما 
يسميه «الإدراك بالمعرفة» . والإدراك في هذه الأخيرة يتم عن طريق «قوة القياس والتمييز» 
وهي قوة ذهنية تقارن بين قوة الشيء الماثئل أمام البصر وبين التصورات الفكرية المخزونة في 
الذاكرة (انظر عمرء )١1981‏ . 
يقول ابن الهيثم عن كيفية الإدراك البصري ١‏ إن حاسة البصر ليس تدرك شيئا من 
المعاني المبصرة إلا في الجسم . والأجسام تجمع معاني كثيرة وتعرض فيها معاني كثيرة . 
وحاسة البصر يدرك من الأجسام كثيراً من المعاني التي تكون فيها وكثيراً من المعاني التي 
تعرض فيها . واللون هو أحد المعاني التي تكون في الأجسام . والضوء أحد المعاني التي 
تكون في الأجسام وأحد المعاني التي تعرض في الأجسام . وحاسة البصر تدرك هذين 
المعنيين من الأجسام . ويدرك من الأجسام معاني أخر غير هذين المعنيين » كالشكل 
والوضع والعظم والحركة وغير ذلك من المعاني . وتدرك أيضاً تشابه الألوان واختلافها وتشابه 
الأضواء واختلافها . وتدرك أيضاً تشابه الأشكال والأوضاع والحركات وتشابه جميع المعاني 
الجزئية . وتدرك أيضا تشابه الأشخاص واختلافها وتشابه الألوان واختلافها(كتاب المناظر : 
315). 
ويميز ابن الهيثم بين أربع صيغ من الإدراك دون أن يفصم فصماً مطلقاً فيما بينها . 


342 


حيث أن الإدراك حالة نفسية متصلة تتدرج ابتداء من اللامبالاة وانتهاء بما يسميه «الإدراك 
بالتأمل» . والحالات هى : )١(‏ الإدراك بمجرد البديهة . حيث لا يكون عند المدرك معرفة 
سابقة باللبصر وكذلك هو لا يهتم بمشاهدته مشاهدة تبغي تكوين صورة حقيقية عنه . (؟) 
الإدراك بالبديهة مع سابق المعرفة » حين يكون المدرك قد شاهد المبصر من قبل دون أن يتأمله 
في حال الإبصار لكي يحقق صورته من جديد . (3) الإدراك بالتأمل مع سابق المعرفة . 
تكون عند المدرك معرفة سابقة بالمبصر ومع ذلك يركز قواه البصرية والذهنية كي يتأكد من 
صورته السابقة . أو لعلها تظهر له نواح جديدة من المبصر لم يلحظها من قبل . (؟) الإدراك 
بمجرد التأمل , تطبق هذه الصيغة من الإدراك حين يفتقر المدرك إلى المعرفة السابقة .أي 
حين يبصر شيئاً جديداً » ويشاهده مشاهدة دقيقة وفاحصة لكى يتعرف عليه (عمرء 
941ا١). ١‏ 

ويقول نجاتي (1180) لم تصل دراسات علماء المسلمين إلى درجة النظرية العلمية . 
وإذا استثنينا ما وصل إليه ابن الهيثئم من نتائج علمية دقيقة في موضوع الإدراك البصري . 
فإننا لا نمجد عند واحد من هؤلاء المفكرين دراسة دقيقة مفصلة لمشاكل علم النفس بعامة 
ولنظرية الإدراك الحسي بخاصة . فإنهم اهتموا بالناحية الميتافيزيقية من علم النفس أكثر من 
اهتمامهم بالناحية الطبيعية منه . إن بحوث ابن الهيثم (صبرهء )١194817‏ المعروضة في المقالة 
الثانية والثالثة من «كتاب المناظر» هي أشمل وأنضج ما وصل إلينا في سيكولوجية الإدراك 
الحسي من العصر القديم والوسيط . ولم يغب ذلك عن الباحثين اللاحقين في العصور 
الوسطى وعصر النهضة الأوربية فأخذوا عن هاتين المقالتين الكثير (وعلى الرغم من ذلك 
فقد تجاهلها بورنج!!!) . 


منهج ابن الهيثم الاعتباري (التجريبى) 


من الشائع المتواتر أن البحث العلمي على الطريقة العلمية الحديثة لم يبدأ في تاريخ 
تطور الفكر الإنساني إلا بعد عصر النهضة في أوربا . وينسب أكبر قسط في الفضل في 
نشوء طريقة البحث الحديث إلى فرنسيس بيكون )15715-١651١(‏ . وهناك ثلاثة عناصر 
للطريقة الحديئة فى البحث العلمى : الاستقراء والقياس والتمثيل (نظيف )١147 ٠‏ . ولقد 
لاحظ بيكون بأن أي شخص يقوم بإجراء بحث بأفكار مسبقة فإنه يقوم بالنظر للطبيعة في 
ضوء هذه الأفكار المسبقة . ومن خلال تجريبيته الراديكالية » أكد بيكون » بصورة واضحة » 


313 


بأن السلطة النهائية في العلم يجب أن تكون للملاحظة التجريبية . ويعتقد بيكون بأنه بعد 
عدة ملاحظات يمكن وضع التعميمات وملاحظة أوجه الشبه والاختلاف بين المشاهدات . 
وخلاصة منهج بيكون أنه استقرائى بينما منهج جاليلو استدلالي . ولقد الخص بيكون وجود 
أربعة «أصنام» هي مصادر للأخطاء والتي يمكن أن تتدخل على الأبحاث العلمية . أولاً : 
التحيزات الشخصية التي ترجع للتجارب الذاتية . والتعليم ؛ والمشاعر . ثانياً : طرق التفكير 
التى هي جزء من الثقافة والتي ترتبط بالتعصب الثئقافي . ثالعاً ١‏ التتحيرات التي تنتع من 
المؤثرات الزائدة للمعاني التقليدية للكلمات . ورابعاً : الولاء الأعمى للعقيدة والسلطة . أو 
التقليد (هيرجنهاهن » )١1985‏ . 

ويقول بيكون في مناهج العلم يحب أن يسود الاستقراء الذي يبدأ من الجزء إلى الكل . 
ولقد حدد بعض النقاط الهامة للتساؤلات العلمية : أولاً يجب أن تعتمد الدراسة العلمية 
على الملاحظة . وبدأ التحقق الحسى للمشاهدات الكمية أن يكون مصدراً هاماً للاتفاق بين 
العلماء . وبكلمات أخرى ء إذا قام أحد العلماء بوصف أحد الحوادث يقوم عالم آخر بتكرار 
الملاحظة وتعزيز رأي العالم الأول . وإذا حدث اتفاق كاف بين العلماء على ملاحظات 
محددة فإن هذا الاتفاق يمثل برهانا ملزما لإثبات النتائج . والأثر الثاني لتطبيقات منهج 
بيكون هو أن يكون العالم شكاكاً ولا يقبل المعادلات التي لا تقبل الاختبار عن طريق 
الملاحظة . ويجب أن يأخذ العالم نظرة نقدية للعالم » ومن ثم عرض بيكون أطروحة قوية 
عن التجريبية كقاعدة أساسية للعلم (برينان » 1987) . 

وقد عبر ابن الهيثم منذ القرن الحادي عشر الميلادي عن المنهج العلمي وعن المعنى 
الذي يؤديه لفظ التجربة في العلم الحديث بلفظ الاعتبار؛ وسمى الشخص الذي يجري 
التجربة المعتبر ؛وصمى البيان أو التوضيح أو الإثبات بالاعتبار» قمييزاً له عن الإثبات 
بالقياس القائم على البرهان المنطقي بوجه عام أو البرهان الرياضي بوجه خاص . بل إن ابن 
الهيثم قد ذهب إلى أبعد من ذلك في إدراك قيمة الاعتبار في البحوث العلمية . فهو لا 
يعتمد على الاعتبار في إثبات النتائج التي تستنبط بالقياس بعد ذلك من تلك القواعد أو 
القوانين . فابن الهيثم اعتباري بالمعنى التام المقصود من هذا التعبير . والناحية الاعتبارية في 
بحوث ابن الهيثم واضحة الدلالة على أن عمله لم يكن مقصوراً على مجرد إجراء 
التجارب » بل تضمن إنشاء أجهزة أو آلات استعملها فى تلك البحوث . ومنها ما كان معقد 
التركيب دقيق الأجزاء عسير الصنع . وهو لا يكتفي بمجرد وصفها وبيان كيفية استعمالها . 
وإغا يأتيى فى شرح مسهب بتفصيل كيفية صنع الأجزاء امختلفة التي تتركب منها الآلة ؛ 


344 


كل جزء منها على حدة ؛ مبتدثاً بقطعة من مادته «الخام» متيلا عيفية لعا وعيفة 
تشكلها وكيفية تحويرها ء حتى يتم صنعها على الأبعاد الدقيقة الصحيحة . ثم كيفية تركيب 
تلك الأجزاء بعضها بالآخر حتى يتم تركيب الجهاز كله كاملا تاماً بأجزائه الإضافية 
وبتداريجه ومقاييسه (نظيف » )١1947‏ . 

إن الطرق الحديثة في البحث العلمي وعناصرها الثلاثة من الاستقراء والقياس والتمثيل 
قد اتبعها ابن الهيثم في كتاب المناظر . ولم يسبق ابن الهيثم بيكون في طريقته الاستقرائية 
فحسبء بل سما عليه سمواً وكان أوسع منه أفقاً وأعمق منه تفكيراً (نظيف 0 )١1957‏ . 
وبدون شك .» يعد بيكون واحداً من أساطين العلم الحديث في الغرب , ولكنه تأثر بعملاق 
حقيقي في تاريخ العلم كافة وهو ابن الهيثم » خاصة في منهجه التجريبي والذي يعتمد 
على ثلاثية الملاحظة . والاستقراء » والشكوك . ومن المناسب أن نعرض بعض الأدلة التى 
تؤكد هذه الأطروحة . اتبع ابن الهيثم في كتاب المناظر (أنظر العمري »1440 ؛ فروخ » 
) منهجا علميا يعتمد على الاستقراء . والتجربة » والمشاهدة , والقياس . وبذلك 
يكون ابن الهيثم قد سبق علماء عصر النهضة الأوربية في اكتشافه للطريقة العلمية واعتماده 
عليها . بل إنه يعد رائد المنهج العلمي الحديث . 

وتوضح مساهمات ابن الهيثم » الكثيرة والمتعددة » في البصريات مدى اهتمامه بهذا 
الفرع من العلم . وأن هناك ما يشبه الزملة الموضوعية الموحدة . إن سيكوفيزيقا الإبصارتم 
تشييدها على قاعدة صلبة من مؤلفات ابن الهيثم عن البصريات . يمكن أن نرجع إلى 
(سيسكين , 1974) في تلخيصه لمؤلفات ابن الهيئم والتي تشمل : دكتاب لخصت فيه علم 
المناظر من كتابي إقليدس وبطلميوس وتممته بمعاني المقالة الأولى المفقودة من كتاب 
بطلميوس» ؛ و«مقالة في المرايا امحرقة مفردة عما ذكرته من ذلك في تلخيص كتابي اقليدس 
وبطلميوس في المناظر» ؛ و«مقالة في جوهر البصر وكيفية وقوع الإبصار به» ؛ و«كتاب في 
المناظر . سبع مقالات» ؛ و«مقالة في ضوء القمر» ؛ وهمقالة في قوس قزح والهالة» ؛ 
و«مقالة في رؤية الكواكب» ؛ و«مقالة في المرايا امحرقة بالدوائر» ؛ و«مقالة في المرايا المحرقة 
بالقطوع» ؛ ودمقالة في المناظر على طريقة بطلميوس» ؛ و«مقالة في كيفية الأظلال» ؛ 
و«مقالة في أضواء الكواكب» ؛ و«مقالة في الآثر الذي في القمر» ؛ و«مقالة في الضوء» ؛ 
ودمقالة في الكرة احرقة» ؛ ودمقالة في صورة الكسوف» . 

هناك عدة مصادر لسيرة ابن الهيثم ومساهماته في البصرياتٍ منها ابن القفطي وابن 
أبي أصيبعة وابن خلدون والأنصاري . وعموما كان ابن الهيثم مطلعاً على كتابات السابقين 


345 


00 د موك و اام 00 
0 الأثقال والمرآة المحرقة :وما كفه اقليدس سر لمناظن + وكمانن م 
لبطلميوس في الفلك , وما إلى ذلك ما وضعه المتقدمون وماوضعه المتأخرون من 
الإسلاميين . . . . على هذه الصفة مضى ابن الهيثم في تحصيل العلم . فأعد نفسه إعدادا 
كاملاً وافياً مكنه بعد ذلك من الإبداع والابتكار . وابن الهيثئم وإن كانت بغيته الأولى من 
هذه المصنفات التي صنفها في المرحلة الأولى من حياته 4 التتحصيل والإلمام يما وصل إليه 
المتقدمون في تلك العلوم » فإنه في كثير منها لم يقتصر على التلخيص وحده , بل تحرر من 
التقيد بآراء السابقين ٠‏ فأدلى بأرائه الشخصية التى تكونت ونضجت بعد تمحيص وطول 
دراسة» (انظر نظيف 191472 . ص )1"-١7.‏ . 

وإن نظرية ابن الهيثم في الإيصار وعلم نفس الإبصار ارتبطت بمنهج جديد ومن 
الصعوبة بمكان رد منهجه إلى طرائق البحث السابقة . من ناحية تاريخية » ذكرنا أن من أهم 
المساهمات في البصريات في فترة ما قبل ابن الهيثم ٠‏ » هي مساهمة بطلميوس . فابن الهيثم 
لم يقبل آراءه » بل شك فيها كاتباً بذلك مقالته الشهيرة «الشكوك على بطلميوس» يقول ابن 
الهيثم فيها هلما نظرنا في كتب الرجل المشهور بالفضيلة وجدنا فيها علوماً كثيرة » وما 
هصمنتاها وميزناها وجدنا فيها مواضع شبهة وألفاظاً بشعة ومعاني متناقضة . ورأينا أن في 
الإمساك عنها هضما للحق وتعديا عليه ووجدنا أولى الأمور ذكر هذه المواضع وإظهارها 2 ثم 
نجتهد بعد ذلك في سد خللها وتصحيح معانيها (انظر صبره والشهابي » ١/ا9١)‏ . 

إن اكتشافات ونظريات ابن الهيثشم تعتمد على طريقته العلمية , وإنْ هذه الطريقة لا 
تشكل استمرارا لمناهج علميه سابقة أو حتى مركبة من هذه المناهج السابقة » بل منهجاً 
جديدا يرتكز إلى نظرة مبدعة لأصول المعرفة الإنسانية عن العالم الخارجي . والاعتقاد بأن 
سطحية . حيث إِنّ التشابه يزيل أثر المقارنة المتعمقة للمنهجين . ونتيجة المقارنة الفلسفية 
هذه تشبت إذا قارنا المنهجين من ناحية التطبيق . هنا نجد الاختلاف واضحاً بين ابن الهيثم 
وأرسطوء, وكذلك بين ابن الهيثم وبطلميوس . والاختلاف المنهجي ينعكس أيضا في 
اختلاف النتائج التي توصل إليها ابن الهيثم عن النتائج التي توصل إليها كل من أرسطو 
وبطلميوس في البصريات (عمر»ء 198١‏ : 756-1/8) . 

فى كتاب المناظر, اتبع ابن الهيثم منهجا علمياً يعتمد على الاستقراء والتجربة 


2346 


والمشاهدة والقياس . وبنلك يكون ابن الهيثم قد سبق علماء عصر النهضة الأوربية في 
اكتشافه للطريقة العلمية واعتماده عليها . بل إنه يعتبر رائد المنهج العلمي الحديث ويمكن 
توضيح ذلك من خلال ما كتبه ابن الهيثم نفسه . )١(‏ كان هدفه البحث عن الحقيقة 
والوصول إليها فيقول : « رأينا أن نعرف الاهتمام إلى هذا المعنى (أي حقيقة حدوث 
الإبصار) بغاية الإمكان ونخلص العناية به » ونوقع الجد في البحث عن حقيقته . ونستأنف 
النظر فى مبادئه ومقدماته» . (؟) اعتماده على الاستقراء والمشاهدة والملاحظة » إذ يقول : 
«و نبتدئئ باستقراء الموجودات » وتصفح أحوال المبصرات » وتمييز خواص الجزيئيات » 
ونلتقط باستقراء » ما يخص البصر في حال الإبصار وما هو مطرد لا يتغيرء وظاهر لا 
يشتبه فى كيفية الإحساس» . (؟) الاعتماد على إجراء التجارب وإعادتها مرات عديدة . 
كذلك اعتماده على النقد وأخذ الحيطة والتأني في استخلاص النتائج . يقول ابن الهيثم : 
« ثم نترقى في البحث والمقاييس على التدرج والترتيب مع انتقاد المقدمات . والتحفظ من 
الغلط في النتائج» . (4) الاتصاف بالعدل والابتعاد عن الهوى والميول الشخصية . يقول : « 
ونجعل غرضنا .....استعمال العدل لا اتباع الهوى . ونتحرى في سائر ما ميزه وننتقده 
طلب الحق لا الميل مع الآراء؛ (العمري ؛ 194٠‏ ؛ فروخ )191/٠ ٠‏ . 

من أهم سمات الطريقة التي يتبعها ابن الهيثم في «كتاب المناظر» وفي أعمال أخرى 
للتأكد من حقيقة ما تقوله نظرية ما : هي أنه يكرر مشاهدة الظاهرة التى تشير النظرية إلى 
وجودها أو حدوثها . وهو عادة لا يقبل بالنظرية إلا بعد مشاهدات عديدة تثبت صحتها . 
وفي حالة عدم ثبوتها بعد تكرار المشاهدة فهو لا يتردد في التخلي 0 . والذي يشير 
الإعجاب حا هو مدى تقيده بهذه القاعدة حيث إنه يطبقها بشكل روتيني دؤوب في كل 
أعماله ‏ حتى في بعض الحالات التى لا يبدو فيها حاجة للمزيد من التكرار . فطريقة ابن 
الهيئم أدت إلى تطوير خطير ليس في علم الضوء فحسب ولكن في الطريقة العلمية بشكل 
عام (عمرء١198:هلا)‏ ) .إن ابن الهيئم كان عاما تجبريبياً » لا بمعنى أن عمله كان قاصراً على 
إجراء التجارب »بل بمعنى أن عمله شمل إنشاء أجهزة وآلات واستعان بها فى دراسة 
انتشار الضوء وانعطافه (انكساره) » وأكد ابن الهيثم في منهجه على أن الظواهر الطبيعية 
يسري عليها مبدأ الحتمية . :“عمنن أن جيم الخلواهر تخصع لقوانين ن ثابتة في إمكان المجرب 
كشفها؛ وإن نفس الظروف لا بد أن تأتي بالضرورة بنفس النتائج . وظل مبدأ الحتمية هذا 
مسيطرا حتى القرن التاسع عشر الميلادي عندما اختلفت النظرة بعد ذلك إلى قوانين علم 
الفيزياء واكتشفت نظرية الاحتمالات ومبدأ عدم اليقين (باشاء 19817 : 40) . 


2017 


إن طريقة ابن الهيثم في كتاب المناظر مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بنظرياته عن الإبصار وترتبط 
كل من الطريقة والنظرية بم: بمنهج التحقق ا ا ا 1 
النفس المعاصر . يقول 9 (15:148) إن النظرية والتجربة هما عون البحث العلمي : 
النظرية تقترح موذج المتاهة , والتجربة تقرر المسالك المسدودة وامختصرة 5 فإذا تبين أن المتاهة 
لا تحتوي إلا على مسالك مسدودة عدلت أو تركت .ء أو هذا ما ينبغي أن يحدث . وإلى هذا 
المدى ينبغي أن تظل كلمة «العلم» مقصورة على «المعرفة التى يمكن أن تحقق» . وخخير المعايير 
بهذا الصدد منهج التحقق . ذلك أن الإلمام بالحقائق دون معرفة إجراءات اكتشاف هذه 
لا تؤهل أحدا لكي يكون عالم نفس . يحتل التجريب مكانا مركزيا فى علوم النفس . كما 
في العلوم الأخرى جميعا , لأنه خير ما يمثل قواعد المنهج العلمي . فإن التجربة تنطوي على 
المشاهدة الموضوعية لأفعال تجرى تحت ظروف صارمة الضبط . والفرض موضع الدراسة يختار 
ويصاغ بطريقه تجعله قابلا للاختبار على نحو يقرب من التمام . 


استقبال كتاب المناظر والثورة العلمية في أوربا 


إن كتاب المناظر كان معروفاً فى أوربا منذ القرن الغالث عشر (أو أواخر القرن الثانى 
عشر) الميلادي حين ترجم الكتاب كله (عدا الفصول الثلاثة الأولى من المقالة الأولى) إلى 
اللاتينية . وترجم الكتاب كذلك من اللاتينية إلى الإيطالية في القرن الرابع عشر الميلادي . 
وترجم بواسطة (صبرة) إلى الإنجليزية عام ١1489‏ . وبوسعنا القول بأن كتاب المناظر قد أثر 
تأثيراً ا في تاريخ العلم في الفترة ما بين القرن الحادي عشر والقرن السابع عشر من حيث 
المفاهيم والنظريات والمناهج الموجودة في الكتاب .قام كمال الدين الفارسي المتوفى سنة 
اه (1570 م) بكتابة «تنقيح المناظر لذوي الأبصار والبصائر» . 

وقام صبرة )١987(‏ بتتبع وتلخيص قصة الفارسي في كتابه «تنقيح المناظر» لكتاب 
«المناظر» لابن الهيثم . كان لكمال الدين اهتمام بعلم المناظر وما يتصل به من أحكام 
الانعطاف خاصة ء وزاد في فضوله ما قرأه من أن رؤية الكوكب عند الأفق أعظم منها في 
وسط السماء إنما هي بسبب الانعطاف . ولكنه لم يجد في كتاب «المناظر» لإقليدس أو في 
غيره من الكتب ما يشفي غلته . فلما وجد الفارسي «كتاب المناظر» بدا له : «طويل الذيول 
متتجاونا حد الطول» وود : «أن يتداول بين الأذكياء فاستخرت الحضرة في اختصاره» . وإذن 


2348 


فقد كان الغرض الأول من كتاب «التنقيح» أن يكون اختصاراً لكتاب «المناظر» لابن الهيثم 
(ولفظ تنقيح يفيد التهذيب) . ولكن كمال الدين تعدى ذلك أحياناً إلي الإتمام وبيان 
الإشكالات وإيراد الاعتراضات . واتبع كمال الدين في «تنقيحه» أسلوباً في العرض ميز فيه 
بين ما ينسبه إلى ابن الهيثم وما ينسبه إلى نفسه . 

إن كان علم المناظر» كما كتبه ابن الهيثم » قد واصل تقدمه عند كمال الدين 
الفارسي في القرن الثامن الهجري خاصة (القرن الرابع عشر الميلادي) » فإنه لم يكن هناك 
تقدم ملحوظ له بالعربية فيما بعد . أما التقدم الحقيقي لذلك العلم فكان عندما قرأ كبلر 
ومن بعده ديكارت » ترجمة مناظر ابن الهيثم إلى اللاتينية (راشد . )١1986‏ . ويضيف تاتون 
(19848) إلى ما أرخه راشد )١1986(‏ عن تطور علم المناظر هذا العلم العميق والغني طوال 
أكثر من قرنين » ظل مغفلا لم يدرسه أحد دراسة أصيلة حقاً. حتى جاء نصير الدين 
الطوسي ؛ في منتصف القرن الثالث عشر فأحيا الاهتمام بمسائل البصريات في العالم 
العربي . وبمناسبة شرح «اوبتيك» إقليدس عالج الطوسي مسائل مختلفة تتعلق بطبيعة 
الضوء والألوان . وعالج تلميذه قطب الدين بدوره مسائل متنوعة حول البصريات الهندسية 
والفيزيولوجية . مقدما أولى امحاولات في التفسير العقلاني لقوس قزح بواسطة الانعكاسات 
والاتكساريات المتتالية ضمن حبيبات المياه . وقد ساهم كمال الدين الفارسي بشكل أكثر 
فعالية في نهضة البصريات » وذلك ببعث كتاب ابن الهيثم » مع شرح موسع له . ومن بين 
المداخلات الأكثر أصالة لهذا المؤلف . ملاحظاته حول المنظور الهوائى . وحول نظرية 
الألوان وإلى اتخرزاحه استعغمال غتساثت معوفة من أجل النغلب على الزيعان الكروئ: 
واستخدامه للغرفة السوداء في علم الفلك الرصدي (تاتون . ١944‏ :454). 

لقد رأينا تقديم ابن الهيثم في البصريات نظرية جديدة وتصدورا جديدا لم يسبقه إليهما 
أحد في هذا المجال» واتبع طريقة وييةا جديدين لم يستخدمهما أحد غيره . إن هذه 
النظرية الجديدة والمنهج الجديد لا بد أن يتركا أثرا كبيراً على من جاء بعده من العلماء في 
هذا الجال . وتبعا لذلك امتد أثر ابن الهيثم بفضل مؤلفه الهام إلى تاريخ العلم عامة . ويبدو 
أن هناك أهمية لدراسة أثره في عصر النهضة الأوربية . وفقاً لصبرة إن كتاب المناظر هو أنفس 
ما أنتج العلماء العرب في مجال البصريات .ء وهو بالإضافة إلى ذلك أهم كتاب في 
البصريات ظهر في الحقبة الممتدة بين القرن الثاني الميلادي ‏ وفيه صنف بطلميوس كتابه 
في المناظر الذي يعتبر أ ما كتب في هذا الموضوع في العلم القديم ‏ وأوائل القرن السابع 
عشرء حيث ظهرت مؤلفات كبلر وديكارت التي خطت بالبحوث البصرية خطوة جديدة 


349 


(صيرة » 19817) . 

لقد كان لاكتشافات ابن الهيثم ولمنهجه تأثير بالغ في تطوير العلوم الأوربية فى العصور 
الوسطى المتأخرة عن طريق الترجمة ل «كتاب المناظر» إلى اللاتينية نية التي أحرزت انتشاراً 
بالغ في * شتى أنحاء أوربا . واستمر تأثير «كتاب المناظر» على العلماء الأوربيين الذين 
عاصروا ما يسمى ب «الثورة العلمية» أمثال كبلر وديكارت وجاليلو » حين كان تأثر الغربيين 
بالكتب العربية العلمية قد انحسر بشكل عام . ويصعب علينا تصور هذه الدرجة من التأثير 
لابن الهيئم دون اعتبار التغيير الأساسي الذي أحدثه في نظرية الإدراك عند أرسطو (عمرء 
.)41١‏ 

إن أعظم اكتشافات العرب كانت في ميدان البصريات أو علم المناظر . ويعتبر ابن 
الهيئم من عباقزة العرب العظام الذين أنجبهم القرن العاشر للميلاد » وقد ترك تراثاً ضخماً 
مليئاً بالابتكارات والموضوعات الجديدة وكانت باعثا على البحوث والأعمال التي قام بها 
واتيلو(؟17١-1770)‏ ؛ وجون بيكهام )١1191-1778(‏ ؛ وروجر بيكون )15915-1١1715(‏ 
(سويسي » ١9486‏ ؛ مرحباء )197١‏ . إن أثر ابن الهيئم في هذا العلم لا يقل عن اثر نيوتن 
في الميكانيكا . ويعتبر كتاب المناظر أكثرالكتب الكيناء لبحوث الضوء . بحث فيه ابن 
الهيثم القوانين الأساسية للانعكاس والانكسار التي تعرف اليوم خطاً باسم قوانين ديكارت . 
وسبق كبلر إلى كثير من قضاياه (مرحبا , )١١4 :17١‏ . 

وتحت تأثير التراث القديم . امتد مجال البصريات الوسيطية من البصريات بالذات - 
بالمعنى العصري للكلمة . من حيث مظهرها الجيومتري » والفيزيائي » والفيزيولوجي 
والسيكولوجي حتى المنظور أو الأبعاد وأخيرا حتى مختلف المسائل المترولوجية والفلكية 
والفيزيائية بوجه عام . . ٠‏ وقد أثر «كتاب المناظر» تأثيراً خانا في تطور هذا العلم حتى 
القرن السابع عشرء ملهماً كل الذين يهتمون ؛ في العالم العربي ‏ والغربي بعلم البصريات 
النظري والتجريبي . ومع كبلر عام ١7٠١‏ فقط ظهر اتجاه جد ةا . وإذا بدا مؤلف ابن 
الهيثم وكأنه المساهمة الأكثر أصالة والأكثر خصباً فيما قدم في مجال البصريات قبل القرن 
السابع عشرء » فإن مؤلفه يمكنه بحق . أن يعتبر من أهم ممثلي الفيزياء النظرية والعملية خلال 
الحقبة الوسيطبة» (تاتون ١98/8‏ : "49) . 

وارتبط التجديد الذي ظهر في تطور البصريات منذ بداية القرن السابع عشر (انظر 
تاتون » 119484) في معظمه ء بالتقدم التقني . المتواضع والمغفل غالباً »الذي حققه صنع 
أدوات بصرية وعدسات ومجاهر ونواظير نجومية . شهد القرن التاسع عشر ازدهاراً عكنا في 


230 


مجال علم البصريات ء بمظهريه النظري والتجريبي » وبذات الوقت عملت سلسلة ضخمة من 
الإنجازات على تحديد الأسس الذاتية لعلم البصريات النظري . فتحققت إنجازان ضخمة في 
مجال علم البصريات الآلاتى والتجريبي . ومن الصعب توضيح تأثيراك تلان دور تخاننها 
جداً في هذه الإنجازات التي منها بكرا ونمو الرياضيات ت أو تطور النظريات . وفي 
الواقع » يبدو أن هذه العوامل المتنوعة قد تداخلت بشكل خصب جداً . بفضل التعاون 
الواعي أو غير الواعي . بين العلماء والتقنيين من مختلف المجالات . 

وفي القرن العشرين ‏ لقيت دراسة التصور السيكولوجي للمؤثرات التي تؤثر في العين . 
أي في الواقع لبنية العلم الظاهري , دفعة قوية من علماء النفس . وتبقى القضية الأساسية 
هي تحديد العلاقات القائمة بين العالم الظامري والعالم الفعلي : أي بعد رؤية الإنسان 
للأشياء . يتوجب معرفة ما هو حاصل فعلا . 

لقد تبين بشكل خاص أن العالم الظاهري هو أصغر بكثير من العالم الفعلي . وهذه 
المظاهر العديدة والأوهام تفسر بفضل هذه اللاأوالية في التصور النفساني لعالم الواقع . إن 
رؤية العمق » والنافر وحركة الصور النفسانية كانت موضوع بحوث مهمة . وكذلك الحال في 
إدراك الألوان وفى تغييرات اللون تحت تأثير بعض العوامل » مع بقاء الطبقية للإشعاع النازل 
ثابتة لا تتغير » ولكن هذه المسائل الخاصة لا يمكن اعتبارها حتى الآن محلولة . وهذه الواقعة 
تعزى بشكل خاص إلى أن المظهر السايكلوجي في الإبصار قد ظل مهملا لمدة طويلة » وإن 
قسماً كييراً من هذه الأعمال الالية فخصضن لاستنيعاد المفتعذاك القتدعة حنول الطبيعة 
شبه الفيزيائية لبعض الظاهرات . هذا العمل الانتقادي كانت له نتائج حسنة تكشف 
بشكل خاص عن الفروقات المهمة في أكثر الأحيان والموجودة بين الأبعاد ومسافة الصور 
المرصودة . والصور امحسوبة . 


السيكوفيزيقا الهيئمية 


0 كلمة السيكوفيزيقا من مقطعين : نفسي وفيزيائي . وتتعلق النظرية 
السيكوفيزيقية بمنطق القياس الذاتي كما تتعلق الطرق السايكوفيزيقية بالأساليب التجريبية . 
هناك عدة طرق كلاسيكية سيكوفيزيقية رئيسية منها طريقة إعادة الإنتاج , قانونا فيبر وفخنر 
وهما أشهر قانونين في السيكوفيزيقا » خطأ المنبه » طريقة الحدود ء الطريقة الثابتة » أخطاء 
المسافات المكانية والزمانية » طريقة المقارنة الثنائية » طريقة الفترات المتساوية البعد . طريقة 


الفترات المتتابعة » طريقة ترتيب الرتب » طريقة المنبهات المفردة » طريقة زمن الحكم (ثرستون 
7). وتعرف السيكوفيزيقا كذلك بأنها دراسة العلاقة بين الخصائص الفيزيائية للمتبه» 
والخصائص الكمية للإحساس . كالعلاقة بين طاقة المنبه وشدة الإحساس به » وذلك بهدف 
إيجاد العلاقة بين المنبهات الخارجية (الفيزيائية) والظواهر النفسية أو الخبرة الناتجة عنها . 
يتعرض الإنسان للمنبهات الفيزيائية كالصوت والضوء وغيرهما . ولكنه لا يستجيب لها 
جميعا ء إذ لا بد أن تصل إلى درجة من الشدة (ارتفاع الصوت أو نصاعة الضوء) حتى تؤثر 
فى الإنسان فتستقبلها حواسه : ويفسرها جهازه العصبى , وتصدر عنه الاستجابة المناسبة 
لها (دويدار: 14947) . 1 

وفي علم نفس الإبصار تشمل ميادين البحث في دراسة البصر عدة مجالات ويمكن 
تقسيم كل مجال إلى عدة أفاط من البحث . وأحد الجالات الأولى للبحث يخص طبيعة 
المدرك . وهو يعالج المشكلات المتعلقة بكيفية تنظيم امجال البصري وما يحويه هذا الجال . إلى 
غير ذلك من المشكلات المماثلة . ومن أنماط هذا المجال دراسة تنظيم الجال البصري في بنائه 
الأساسي العام » ودراسة تشخيص الموضوعات وتحديد مكانها ودراسة الخصائص البصرية 
كاللون . ويشمل الجال الثانى لبحث البصر خصائص الكائن الحى الوظيفية . فالتمييز بين 
درجات النصوع مثلا . أو التكيف البصري أو حدة الإبصار عمليات تشير إلى قدرة الكائن 
الحى أكثر من إشارتها إلى خبرته . ويشمل المجال الثالث للبحث دراسة الميكانزمات العضوية 
والعلاقات التشريحية . وتتناول الدراسات في هذا المجال البحث في بناء العين وأعضائها 
ووظائفها . ويتضمن الجال الرابع دراسة الدور الذي يقوم به البصر في سلوك الكائنات الحية 
(بارتيلى » )١19417"‏ . 

لقد عالج ابن الهيثم في المقالة الثانية من كتاب المناظر وهي «في تفصيل المعاني التي 
يدركها البصر وعللها وكيفية إدراكها» معظم الموضوعات المتعلقة بسيكوفيزيقا الإبصار . ففي 
الفصل الثالث : فى كيفية إدراك كل واحد من المعانى الجزئية التى تدرك بحاسة البصر 
عالج هذه الموضوعات : إدراك الضوء واللون » إدراك البعد » إدراك الوضع » إدراك التجسيم » 
إدراك الشكل » إدراك العظم . إدراك التفرق . إدراك الاتصال » إدراك العدد , إدراك الحركة ‏ 
إدراك السكون , إدراك الخشونة , إدراك الملاسة , إدراك الشفيق ٠‏ إدراك الكثافة » إدراك الظل . 
إدراك الظلمة » إدراك الحسن . إدراك القبح إدراك التشابه » وإدراك الاختلاف . 

لم يكتف ابن الهيثم في مشروع علم نفس الإبصار بدراسة كيفية الإبصار وتشريح 
العين بل قام بأول محاولة لصنع أدوات خاصة بسايكوتكنلوجيا الإبصار . لكي يثبت ابن 


352 


الهيثم بصورة تجريبية رياضية الجزء النظري عن «أغلاط البصر» كما يعرف عند ابن سينا 
بالخطأ البصري ويعرف في علم النفس ب «الخداع البصري» ٠‏ فقد وضع ابن الهيثم أسساً 
دقيقة لتصميم تجربة لقياس ذلك . ولم يكتف ابن الهيثم بعملية البناء الرياضي لآلة قياس 
الغلط البصري بل أضاف كذلك بعض التفاصيل الهندسية الدقيقة لإكمال صنع الآلة . 
يقول نظيف (1947. ص 4) «وإن كانت الأجهزة الرئيسية التي استعملها ابن الهيثم 
معقدة التركيب وليست سهلة الاستعمال خضوها إذا قيست على الأجهزة البسيطة ' التي 
يستعان بها في الوقت الحاضر لتوضيح المبادئ الأولية في علم الضوء للمبتدئين بدراسته» . 
إن محاولة ابن الهيثم في وضع نظرية عن الزيغ البصري ثم محاولة تصميم تجربة لقياس 
ذلك لا يختلف عن قواعد التجريب في علم النفس الحديث . ولقد عبر ابن ن الهيثم بصورة 
رياضية دقيقة عن نتائج تجربته كما قام بتحليل النتائج في ضوء علم البصريات الهندسي 
ويعتبر بذلك أول من استخدم الرياضيات في علم النفس . 

ويعتبر ابن الهيثم هو الرائد الحقيقي لدراسة الغلط البصري بصورة اعتبارية «تجريبية» 
منذ القرن الحادي - عشر . وبوسعنا القول بأن خداع ابن الهيثم كان سابقا لخداع مللر ‏ لاير 
وخداع بنزوء والخداع الأفقي - الرأسي بشمانية قرون وهي المسافة الفاصلة بين تاريخ دراسة 
الخداع عند ابن الهيثم والخداع في علم النفس المعاصر . لقد أشار عدس وتوق (1985) إلى 
عا بنزو ولكنهما لم يشيرا لخداع ابن الهيثم . الجدير بالذكر أن ابن الهيثم فسر الخداع 

رة علمية دقيقة من خلال البعد الهندسي البصري والزوايا خاصة .2 يقول عدس وتوق 

0 الخداعات البصرية قد حيرت علماء النفس زمنا طويلاً »وقد عمدوا إلى دراستها عن 
طريق دراسة المثيرات التى يكون الإدراك فى حالتها مضللاً . وقد كانوا يأملون فى الحصول 
على معلومات عن كيفية عمل الإدراك من خلال ذلك . إن الخنداعات البصرية الخاصة 
بالأشكال الهندسية قد تمت دراستها عدداً كبيراً من السنوات » ولكن تفسيراتها لا تزال 
حتى الآن غير متفق عليها») (ص . )١15١‏ . 

ويضيف عدس وتوق إن خداع بنزو يمكن أن ينظر إليه على أنه إسقاط مسطح في فضاء 
ثلاثى الأبعاد بحيث تبدو الخطوط الرأسية متقاربة أكثر فأكثر كلما بعدت المسافة » كما فى 

صورة قضبان سكة الحديد . إننا نعرف من الخبرة أن العوارض البعيدة في سكة الحديد لها 
نفس طول العوارض القريبة » مع أن صورتها على شبكية العين أصغر من ذلك بكثير . وإذا 
كانت هناك أجسام حقيقية موضوعة بين خطي سكة الحديد فإن المستطيل العلوي في 
الضيوزة سيرف أككر يقندا . ولكن الدماغ يجاو أن يعوض عن الضمور في أحجام صور 


32533 


الأجسام كلما ابتعدت عنا (مع أنه في هذه الحالة لا يوجد انكماش ليعوض عنه) . فإننا 
نرى المستطيل العلوي أكبر . إن مثل هذا الخداع أمر محتوم نتيجة ميكنزمات ثبات الحجم 
(عدس » وتوق .)١157-1١51١:1985٠‏ 

يقول عدس وتوق (1985) يعمل المشتغلون في علم النفس التجريبي «على دراسة 
سلوك الإنسان والحيوان في المختبر باستخدام الطريقة التجريبية ووسائل للضبط تعتبر في 
غاية الدقة . وعلى الرغم من أنهم ليسوا الوحيدين من علماء النفس الذين يستخدمون 
الطريقة التجريبية . إلا أنهم هم النفر من المشتغلين في علم النفس الذين يهتمون بدراسة 
طبيعة استجابات الأفراد للمثيرات الحسية وطبيعة الإدراك والتعلم والتذكر ضمن موقف 
تجريبي مضبوط بحيث يمكن من خلاله التحكم في عامل واحد أو جملة عوامل لقياس 
تأثيره أو تأثيرها على طبيعة استجابة الفرد» (ص )١١.‏ . «بينما يهتم العامل في التصميم 
التجريبي بالأسس الإحصائية والاعتبارات المنهجية لتصميم الدراسات في علم النفس 
وطبيعة ضبط العوامل وكيفية جمع المعلومات وتحليلها واستخراج البيانات منها» (ص . 
6 . إن ما عبر عنه عدس وتوق (1985) ينطبق على ابن الهيثم خاصة في دراسة الغلط 
البصري . 

أما دور ابن الهيثم في فهم ماهية الغلط البصري وأثر ذلك فيمكن ربطه بفكرته 
الأساسية وهي أن الغلط البصري «إنما هو إدراك المبصر على خلاف ما هو عليه» , «فالعلة إذن 
التي من أجلها يعرض للبصر الغلط هو خروج واحد من المعاني التي بها يتم إدراك المبصر 
على ما هو عليه عن عرض الاعتدال أو أكثر من واحد منها» . ويقول نظيف (1947 .2 ص . 
314-1) «والذي يدعو إلى الإعجاب حقاً أن ابن الهيثم منذ تسعة قرون خلت قد تناول 
هذا الأمر وما يرتبط به من مسائل كثيرة بالدرس والشرح » وأدرك ما لهذه المسائل من الخطورة 
في موضوع الإبصار» في حين أن هذه الناحية من الإبصار لا نغالي إذا قلنا إنها لم يبدأ 
يعنى بها بعد نهضة العلم الحديث في أوربا إلا في أوائل الجيل الحاضر ء عندما أخذت 
تتجه إليها عناية بعض علماء العلم التطبيقي من المهندسين الذين يعنون بشؤون الإضاءة . 
وأخذت بحوثهم التي يسلكون فيها السبل العلمية الحديثة تؤدي إلى نشوء فرع من فروع 
الهندسة الحديثة هو فرع «هندسة الإضاءة» فإن كان الغرض الأول منه البحث عن قواعد 
الإضاءة المثلى التي تكفل أن يكون الإبصار بيّناً محققا على غاية ما يستطاع الإبصار البيّن 
المحقق في الحياة » فإنه يستفاد منه أيضاً للأغراض التي يقصد فيها أن تقع أغلاط البصرء 
وخخصوصا الأغراض الحربية كحجب المواقع وستر الحركات وتضليل الخصم» . 


354 


تم النظر في علم النفس الغربي إلى قانون فيبر ‏ فخنر على أنه أول القوانين المصاغة في 
علم النفس . وهو بصورة خاصة أشهر قانون في السيكوفيزيقا . يقول قانون فيبر القديم : 
«عندما نقارن بين مقدارين فإننا لا ندرك الفرق الحسابي بل ندرك النسب بين هذه المقادير» . 
ويقرر هذا القانون ما نعرفه جيدا من ملاحظاتنا العملية » فعندما نقارن بين وزن حقيبتين 
لمعرفة أيهما أثقل فإن نسبة هذين الوزنين هي التي تحدد مبلغ السهولة التي ندرك بها الفرق 
بينهماء فإذا كان الفرق بينهما مجرد بضع أوقيات قليلة فإنه لن يلحظ ء أما إذا كان الفرق 
بين وزن خطابين هو نفس العدد من الأوقيات فإننا ندركه رغم ذلك بسهولة » ففي حالة 
الخطابين تغير الأوقيات القليلة من النسبة بين وزنيهما بدرجة ملحوظة جدا بينما لا يكون 
لهذه الأوقيات القليلة تأثير له دلالة على النسبة بين وزني الحقيبتين . 

وينسن_القانون كتلك إذا نيدت مره كتمعة واجلة فإتنا تلخط بره إكشافة كتمعة 
أخرى ذلك أن الضوء يتضاعف . أما إضافة شمعة واحدة إلى حجرة جيدة الإضاءة فلا 
تلحظ . ذلك أن شدة الإضاءة في كلتا الحالتين لا تتغير من الناحية العملية » ويبدو أن هذا 
المبدأ بدا عام . وقد اوجد أنه من الممكن تحسين دقة ة الأحكام على ا موضوع بالممارسة . 
فالعامل عند بقال مثلاً . » يستطيع أن يتدرب بدرجة كبيرة بحيث يمكنه تقدير وزن قطعة من 
الجبن بدرجة كبيرة من الدقة . وبالمئل يستطيع الموظف المختص بمكتب البريد تقدير المبلغ 
المستحق على خطاب ما بمجرد رفعه بين يديه . وربما يجد مثل هؤلاء الأفراد أن من الصعب 
عليهم أن يقوموا بدور المفحوصين في تجارب السيكوفيزيقا إذا طلب منهم إصدار أحكام 
حسية في مجال خبراتهم . فقد تعلموا وصف الشدة الإدراكية حسب المقادير الفيزيقية 
المناظرة لها (ثرستون . )١987‏ . إن ابن الهيثم هو أول من صاغ قوانين في علم النفس خاصة 
عن الضوء وكيفية الرؤية وكيفية الإدراك وقاتون الغلط البصري 

يقول طه (1140 : 77/7) إنه يمكن القول بثقة كبيرة إن ابن الهيثم هو مؤسس علم نفس 
الإبصار. لقد اقتطع لهذا العلم ما يخصه من علوم التشريح والفسلجة والفيزياء والهندسة 
النظرية مشيداً بذلك أركان هذا العلم على غير مثال سابق . أما سيكوفيزيقا ابن الهيثم فقد 
اعتمدت على فهم نافذ للمكنز مات البصرية للطبقات المحدية والمقعرة داخل العين وعلاقة 
ذلك بالانكسار والانعكاس والزاوية البصرية . ولم يكن غَرَيباً أن يتضح بعد هذا أن كثيراً 

من القوانين البصرية مثل ما يسمي بقانون أمييرت وقانون الزاوية البصرية هي في الأصل 
من مبادرات ابن الهيثم ؛ وأخيرا إن تفسيرات ابن الهيثم لعمليات إدراك البعد والحجم 
والشكل والوضع هي تفسيرات لا تقل في حداثتها عن تلك التي تعتمدها أمهاتن كتب 


3255 


سيكولوجية الإدراك في هذه الأيام» . 
ويذكر طه في دراسته . والواقع أنه إذا عقدنا مقارنة فلن نجد فرقا يذكر بين محتويات 
كتاب المناظر ومحتويات أمهات الكتب المرجعية المتداولة حاليا فى الجامعات (جيبسون » 
؛ جريقوري 1957 ؛ روك » 191/6) . ويختتم طه دراسته قائلاً » وهكذا تتوالى الأدلة 
على متانة البناء الهيئمي لعلم سايكوفيزيقا الإيصار حيث لم ينل الزمن من مبادراته شيئا 
يذكر . إن محور مساهمة طه يمكن عدادها في الجانب الفسيولوجي المتعلق بنظرية ابن الهيثم 
لأن الدراسة ركزت على الوصف التشريحي لجهاز الإبصار الذي قام به ابن الهيثم » ودراسة 
أسس البناء الهندسي للعين , وكيفية الإبصار وسايكوفيزيقا الإبصار من خلال دراسة إدراك 
البعد والوضع والحجم وصياغة قانون الحجم المدرك بأنه الزاوية البصرية * المسافة . أما محور 
دراستي فهو يتعلق بالجانب التاريخي لعلم البصريات والسيكوفيزيقا الذي أرسى قواعده ابن 
الهيئم في كتاب المناظر وموقع مساهمته في تاريخ العلم عامة وعلم النفس خاصة . 


من فجر السيكو فيزيقا؟ فخنر أم ابن الهيثم 


سبق أن طرحنا بعض الأسئلة ونحاول أن نجيب عليها فى نهاية هذه الدراسة : هل 
حقيقة أن أول البحوث التى «أدت إلى تقرير بعض الحقائق الخاصة بالحواس» كانت فى 
القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر حسب تعبير يوسف مراد (1477)؟ والإجابة إن أول 
البحوث حقيقة عن الحواس كانت فى القرن الحادي عشر الميلادي فى كتاب المناظر لابن 
الهيثم . وإذا تساءلنا مع مصطفى سويف (14170) هل «محاولة صياغة قانون فيبر صياغة 
رياضية دقيقة» كانت أول القوانين المصاغة في تاريخ سايكوفيزيقا الإبصار؟ والإجابة هي أن 
أول القوانين المصاغة في تاريخ السيكوفيزيقا تلك التى صاغها ابن الهيثم رياضيا عن الخداع 
البصري في كتاب المناظر . وإذا تساءلنا مع أحمد عبد الخالق وعبد الفتاح دويدار (19195) 
هل بالفعل كانت تأثيرات دراسات نيوتن وجاليلو هي التأثيرات الأسبق والأهم في تاريخ 
السيكوفيزيقا؟ والإجابة هي أن أول هذه التأثيرات الأسبق في تاريخ السيكوفيزيقا كانت 
تأثيرات ابن الهيثم في كتاب المناظر . 

وإذا تساءلنا مع سعد جلال )١1957(‏ من هم علماء الطبيعة الذين تأثر بهم ديكارت في 
القرن السابع عشر؟ ستكون الإجابة بأن أولهم هو ابن الهيثئم في كتاب المناظر . والسؤال 
الأخير والأهم إلى جابر , والأعسر. وقشوش (1980) إلى أي تاريخ يرجع نشوء علم النفس 


3256 


مرتبطاً برافد الفيزياء خاصة؟ ستكون الإجابة أن هذا التاريخ يرجع بكل تأكيد إلى العصر 
الذهبي للحضارة العربية الإسلامية . من هنا يمكن أن نخلص للقول بأن أعمال ابن الهيثئم 
هي أولى الأعمال التي أدخلت القياس إلى علم النفس وليس كما يؤرخ بالنسبة لأعمال 
فخنر . لقد اكتشف ابن الهيثم الطريقة العلمية أو المنهج العلمي أو التجريبي وليس علماء 
عصر النهضة مثل كبلر وديكارت وجاليليو كما يؤرخ بورنج (191) . إن كتاب المناظر هو 
الذي حدد قانون انكسار الضوء بدقة والذي طور بدوره بعض المعلومات السيكولوجية وليس 
كما يؤرخ إلى مطبوعة نيوتن عن البصريات عام ١1404‏ . إن أبحاث السيكوفيزيقا عند ابن 
الهيئم هي أبحاث مركبة من الفيزياء والرياضيات والتشريح وعلم النفس وهي أول أبحاث 

معقدة تتبنى منهج الدراسات البينية في تاريخ العلم . 

لقد أبدع ابن الهيثم علماً جديداً ونظرية جديدة ومنهجاً جديداً في سيكوفيزيقا 
الإبصار. وقد كررنا كلمة «جديد» وذلك لصعوبة وجود أي مساهمات نظرية وتجريبية 
مكتملة عن هذا الموضوع من علم النفس قبل ابن الهيثم . كما يصعب علينا أن نتصور 
حتى الكيفية التي بنى بها ابن الهيثم معالم سيكوفيزيقا الإبصار ء هذا العلم الذي تصور فيه 
ابن الهيثم ما لم يتصوره غيره من العلماء السابقين والمعاصرين له . إذا تتبعنا مؤلفات ابن 
الهيئم في البصريات وبصورة تجزيئية لمقالات «كتاب المناظر» أو حتى لفصول الكتاب يتضح 
كذلك أن ابن الهيثم قد «أبصر» مالم «يبصره» غيره » وكان «من ذوي الأبصار والبصائر» . 
باستثناء دراسة طه )١1140(‏ غاب علماء النفس العرب عن دراسة علم نفس الإبصار في 
التراث العربي الإسلامي ولكن اتجاه هؤلاء العلماء إلى اقتباس فيبر وفخنر وهلمهولتز يرجع 
إلى أن السمة الغالبة في الكتابات هي الترجمة والاستيراد والنقل والاتباع الفكري لمؤرخي 
علم النفس في الغرب »خاصة ء أمثال بورنج . ولم يكن الاتباع فقط للمفاهيم والنظريات 
والمنامج نا كان اتباعاً كذلك في ماضي علم النفس وتأريخه . 

فيا ترى هل يمكن أن نقابل بين فيبر وفخنر من جهة وما بين ابن الهيثم والفارسي من 

جهة أخرى؟ وإذا استطعنا ذلك هل يمكن أن نقارن بينهما . إن عمل ابن الهيثم قد تجاهله 
مؤرخو علم النفس في الغرب أو أهملوه . ولكن السؤال لماذا تجاهله أو نحّاه علماء النفس 
العرب ؟ إن عملية التجاهل أو التنحية هي عملية غير مفيدة في تاريخ العلم . لقد تركت 
مساهمة ابن الهيثم أثراً كبيراً في علماء النهضة الأوربية وأثرت تأثيراً كبيراً فى وضع أسس 
المنهج التجريبي ليس في سيكوفيزيقا الإبصار فحسب وإنما في تاريخ العلم كافة . وليس من 
السهولة تصور تطور العلم في حالة غياب «مناظر» ابن الهيثم . 


35317 


يقول ابن الهيثم «تمت المقالة الثالثة من كتاب أبي على الحسن بن الحسن بن الهيثم 
وأربعمائة . والحمد لله وحذه وصلواته على سيدنا محمد النبى وآله وسلامه» (كتاب 
المناظر : 7 07) . وبوسعنا القول فى نهاية هذا الجزء من الدراسة بصورة مأمونة إن هناك 
أهمية في إعادة النظر في كتابة تاريخ «سيكوفيزيقا الإبصار» . ومحاولة إعادة النظر هي أن 
النصف الأول من القرن الحادي عشر الميلادي وهو تأريخ تأليف كتاب المناظر بواسطة ابن 
الهيئم وليس القرن التاسع عشر الميلادي هو بداية القياس التجريبي في علم النفس ؛ وأن 
أول ثورة في سيكوفيزيقا الإبصار في تاريخ علم النفس كافة لم يكن مفجرها «فخنر» في 
«مبادئ السيكوفيزيقا» وإنما رائدها هو العالم العربي المسلم«ابن الهيثم» في «كتاب المناظر؟ . 


258 


المصادر والمرجع 


ابن الهيثم . الحسن (ت 477 هجرية) . كتاب المناظر» تحقيق ومراجعة عبد الحميد 
صبرة (1987) . الكويت : المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب . : 

أحرشاوء الغالي (1194) . واقع التجربة السيكلوجية في الوطن العربي . بيروت : 
المركز الثقافي العربي . 

أندروز. ت (1987) . مدخل إلى مناهج البحث في علم النفس . ترجمة صبري 
جرجس . في : مناهج البحث في علم النفس . الجزء الأول . ص . 54-1١‏ . أشرف على 
تأليفه ت . أندروز . أشرف على ترجمته يوسف مراد . القاهرة : دار المعارف . 

باشاءأحمد فؤاد (1987) . التراث العلمي للحضارة الإسلامية ومكانته في تاريخ 
العلم والحضارة . القاهرة : مطابع دار المعارف . 
بارتيلي » هوارد (1987) . دراسة البصر . ترجمة سمير مراد . في : مناهج البحث في 
علم النفس . الجزء الأول » ص . 705-751١‏ . أشرف على تأليفه ت . أندروز . أشرف على 
ترجمته يوسف مراد . القاهرة : دار المعارف . 

تاتون رينيه )١198448(‏ . تاريخ العلوم العام : العلم القديم والوسيط . ترجمة علي مقلد . 
بيروت : المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر. 

تاتون » رينيه (1944) . تاريخ العلوم العام : العلم المعاصر .ترجمة علي مقلد . بيروت : 
المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر. 

ثرستون »ل (”198) . الطرق السيكوفيزيقية . ترجمة مختار حمزة . في : مناهج 
البحث في علم النفس . الجزء الأول » ص /110 - 18 . أشرف على تأليفه ت . أندروز . 
أشرف على ترجمته يوسف مراد . القاهرة : دار المعارف . 

جابر » جابر عبد الحميد . ؛ الأعسر ء صفاء . » وقشوش .ء إبراهيم (1986) . مقدمة في 
علم النفس . القاهرة : دار النهضة العربية . 

جلال » سعد (1957) . المرجع في علم النفس . القاهرة : دار المعارف . 

جلخي ء بثينة (1944) . علم الضوء عند ابن الهيثم . رسالة ماجستير غير منشورة , 
جامعة حلب » معهد التراث العلمي العربي ؛ حلب . 

ا لحسون » عباس . . وعزيز يعقوب (194) . البصريات . بغداد : جامعة بغداد . 

الخليفة , عمر . » ومانع » حسان )١1948(‏ . مقياس ابن الهيثم للغلط البصري : اكتشاف 


3259 


جديد في تاريخ علم النفس التجريبي . ورقة قدمت للنشر مجلة العلوم الاجتماعية . 

دويدار » عبد الفتاح (1147) . الأساس البيولوجي والفيزيولوجي للشخصية . 
الإسكندرية : دار المعرفة الجامعية . 

راشد . رشدي (1986) . تاريخ العلم والعطاء العلمى في الوطن العربىي . مجلة 
المستقبل العربي » 55-37٠01١١‏ . 

روكلن » موريس )١9487*(‏ ا نقله إلى العربية علي زيعور. بيروت : 


دار الأندلس . 
السامرائي , عبد الرزاق )١1946(‏ . تشريح العين وملحقاتها . الكويت : مؤسسة الكويت 
للتقدم العلمي . 
ا ود . أدب العلماء : الرازي » الحسن بن الهيثم , ابن سينا . 
: الدار العربية للكتاب . 


اد (1970) . علم النفس الحديث . القاهرة : مكتبة الأنجلو المصرية . 

صبره . عبد الحميد )١1987(‏ . مقدمة التحقيق لكتاب المناظر للحسن بن الهيثم رص 
١‏ - 05) . الكويت : المجلس الوطني للثقافة والفنون 00 

صبره , عبد الحميد . » والشهابي » نبيل )1417١(‏ . تحقيق الشكوك على بطلميوس . 
القاهرة . 

طه ‏ الزبير (1440) . سايكوفيزياء الإبصار عند ابن الهيثم . امجلة العربية للطب 
النفسى  76521١‏ 737/9 . 

عبد الخالق , أحمد (1941) . أسس علم النفس . الإسكندرية : دار المعرفة الجامعية . 

عبد الخالق أحمد . ودويدار» عبد الفتاح (1495) . علم النفس أصوله ومبادثه . 
الإسكندرية : دار المعرفة الجامعية . 

عبد العزيز ء محمد كمال )١1988(‏ . جسم الإنسان وكيف يعمل . القاهرة : مكتبة ابن 

عدس ء عبد الرحمن .. وتوق . محبي الدين (1987) . المدخل إلى علم النفس . 
الطبعة الثالثة (الكتاب مؤلف أصلاً باللغة العربية) . نيويورك : جون وايلي وأولاده . 

عمرء صالح )١1981(‏ . الاستقراء عند ابن الهيثم . مجلة تاريخ العلوم العربية , ه . ه٠‏ 
-84. 

العمري , عبد الله )١1490(‏ . تاريخ العلم عند العرب . عمان : مجدلاوي . 


300 


فروخ , عمر (191/0) . تاريخ العلوم عند العرب . بيروت : دار العلم للملايين ١‏ 

فلوجل . ج (14988) . علم النفس في مائة عام . نقله إلى العربية لطفي فطيم . 
بيروت : دار الطليعة . 

مراد ؛ يوسف )١1157(‏ . مبادئ علم النفس . القاهرة : دار المعارف . 

مرحباء محمد عبد الرحمن )١91١(‏ . الموجز في تاريخ العلوم عند العرب . بيروت : 
دار الكتاب اللبناني . 
الشروق . 

نظيف » مصطفى )١1947(‏ . الحسن بن الهيثم : بحوثه وكشوفه البصرية . القاهرة : 
جامعة فؤاد الأول . 
الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان 


361 


المراجع الأجنبية 


قكاده مدل : علرمل بلاع11 .دزكةط6 5)ز 1ه لإلناأد كذ : 715108 .(1941) .5 ,بزء8211 
ممعرعمهة .لزه هأمطعلادم لقامعمترعمء 01 د5عكنا لقة عتنطهم ع1 .(1937) .34 ,لرإعاامع8 
.452-469 ,50 ,لاع ه[مطعنزوط ]0 [02تناول 

دماعاممة :علهلا بجعل8 . نإو هأ0طعلاكم [12ام171عملاء 01 لإزماولاط ىه . (1957) .8 ,رعمصم8 
01015 نالع 0)- 

رللة1!-عع نوع :إعدومع[ بواع[8 .لإع010طعلاوم 01 225ع)5لا5 لمة /ضهؤوتط .(1982) .1 بممسدعر8 
1110 

12 تتعاأكةقع قرا . لأع010لعلاكم لقأاقع وعم .(1981) .ل) رمهؤوطه20آ ع .خآ رمصسظ 

ع1 .ءال انالسماع]؟ نط لعغداكمه]!' .دءتدلإطم0طعلاكم 01 كأمعمء81 .(1966) .0 ,معصطعء]1 
لللة انقطعم ]1 ,)ام رملا 

-10م لمع اكلإطم0اءلاكم 18 كامعطلعلناز لإاللدنوء 04 عكنا غط1' .(1930) .5 ,معوععطمة] 
107-11-1 ,37 ,اعاباع] لوعزعه[مطعنزوط .وعرسلعء 

.لطع ناو : ومغوه8 .78/0110 لقناكانا غط) 1ه مملامعع2عم عط1' .(1950) .1 رومرطان 

لاخقتطارآ لإأزكوع باولا 17170210 : ارملا بجسعلة .متدعط لهة عنز8 .(1963) .1 ,لممعء01) 

«-طاعم أدءادلإطم0طءلا5م 2 ك3 3215025م012» ل0ع:31م 01 00طاءم ع1 .(1928) .5 ,لعه!] !انان 
.4941-6 ,35 ,باع 1باع1 لوع1عه01طعلاوط .600 

:لطاع .لإعوه1مطاء لاوم 05 لرماكلط عط 0 8م15مء000امز مخ .(1986) .8 ,مطقطمععءعء] 
.7م0012 عمتطة أ لطن نططكره :111305 

لدهع؟ لعندأدمةقء1' . 5دعنامه لدعاع51010(طم مه ع15)دعء) جا[مطساعط .(1909) 13 ,عاامطصاءك! 
5 1[طناظ ع 7مع10 :011لا بورعل 38‏ القطاناه5 .ل نزط لعأتلء لتنهة لإمقصصرء 

طالب .كمدءع 1 ,1-111 80015 ,لمقطاء112!-لد ه15 04 5ع نم0 ع1" .(1989) ممقطالا21-112 م16 
.1501 عتناطعة 177 ع1 زمملمدم.آ .3عط53 .ى نإ6 /إتقامعتصطتمء ل0ئة مننلاأعنل20ادا 

لطم اعل2لتط2 .لإعه[0طع لاوم 72006192 01 501121021025 لدء215601 .(1987) .82 ,رعالمع ا 
.ووعع2 /16واء017لآ غامد 1" 

لقاقع 2 رعم»ء لة دع تدلإطمه10مطعلاكم 01 ععلهناه) عط 15 مطثالا .(1998) .0 بواععلاهط1 


.(5655م ه[) 5عع2ع51 [50123 51122 01 [522نا10 مدع عم . لإوهأمطعلاوم 


3262 


ع2اللم :انهلا بوعل! .لم2 ,لمعط) لدعاع 010 طاعلاكم 1ه نهنا تاامناء ع1 .(1982) .1 ,لإمورامرا 
/00132211) ع لطس 1أطنط 

-جه8]0 مول : علرملا بسعل! .عماعءد أه عممعاءد ع1 .(1937) .1 رووه81 عه .30 ,لدع لكات ناآ 
ان 

00ت م7 .دآ : علرملا بسعا8 .إع10[م0لاعلاكم المأمعمتمعمعاظ .(1980) .لل ,دوع 3/4 

: علكول بتاع[ .15100 ,010 01 ععرعلء5 عط 0غ ممناءعنالسمادز مث .(1935) .ل ,ركممدعوط 
ا 

.عأعداظ وعاعقطن) 2 دمدلهم : 0500م.آ .ععمع51 01 كقلتصية) ع1" .(1911) .عا بومدعووط 
ةا اتصوع ةلا ارملا عاط .رم 1أمءع7عم 10 100أعنالوراصا .(1975) .1 عاءعه ]ا 

لا ما كلمع؟1' ."اداع 1د لإطمه1ط )55 عطاحمصسةط ارد[ -لد مط[ ,(1979) ااعوك ني 
.]2 

1 /ا .211 تعطنة84) /7 ,كد نأ كمعد معطءئ1طوعة دعل عاطءتطعوء .(1974) . ط رماعودء5 

1 عا ,(ع نم رم واكم ) 

الاعالاع 1‏ لوعاع ه0[مطعلاو .]قع12ع08ناز 3120117م0121 01 )اذا ث .(1927) .آ , عوماكسسط1 
.273-66 ,34 

.لم2 تمصع لمملا بجعل8 . بإعوه[مطعلاكم لأ2ألء م فعمعرط .(1938) .1 ,طاحم لم0 /الا 

-اع5 .لزاع010طء/ا5م لقااء2112عم<ء 01 1211011565 220 5ع55عععنا5 .(1941) .]1 ,طامرمجلونئ1آ 
.265-60 ,94 ,عممء 


263 


2304 


مرصد مراغة الفلكي والآلات عند العرضي في «رسالة في 


الآ صاد» 





365 


فلك وصناعة الأسطرلاب 


في الأندلس عند محمد بن سعيد 


نَ 





366 


- 


رة صفحة : 


العنوان والصفحة ١4١‏ من كتان 


المناظر لابن 
الفاتح ؛رقم 001 


الهيثم (مخطوطة مكتبة 





0ك زا 1901 1 


0 





١ 3 . 
1 اها‎ 


أ بدي 





32 م 


1 اليه 00 


ل 01 


اداه بور ل طن . . 


نا ملفا 3 


لع و2 


ةر 2 
مملة صللا + م 2 000 قد 





صورة صفحة من المقالة الثالثة من كتاب المناظر (مخطوطة الفاتح رقم )571١4‏ 


367 


1 77 3 1 0 3 0 5 
١ . - : 9‏ 
3 3 عبد 
عو حدا عي 2 "١‏ 
١ 5. 8 ّ “7 5 2 2 2 2‏ - و 
2 7 م 5 3 9 2 : 






وهاعءء 
« 


2 ل 


3266 


الغلط البصري ورصد النجوم في علم الفلك 


<< ان : له فى + 


ج بصمك حسما حوور ووو ووه 


كرلي / 
جم مروت عفدنا اير اوم يلوصو 


بن لطل.ممدا 77 





الفصل الحادي عشر 


تجارب ابن الهيثم عن الغلط البصري: 
اكتشاف جديد في تاريخ علم النفس التجر يبي 


369 


كيف جاء علم النفس التجريبى للوجود؟ 


حاول بورنج (191) . مؤرخ علم النفس الأكثر شهرة . في كتابه «تاريخ علم 
النفس التجريبي» إجراء مسح شامل لعلم النفس في مراحل مختلفة من تطوره . وتساءل 
بورئ : كيف جاء علم النفس التجريبي - أو علم النفس العلمي - للوجود ؟ ويجيب : كان 
هناك أولا عصر النهضة . ومن ثم ظهور العلم مع أسماء كوبرنيكس (1547) . وكبلر 
(170)ء وجاليلو )١1174(‏ , وأخيرا نيوتن (11417) . وقد أدخل بيكون الاستقراء كمنهج 
للبحث . وتتفق مجموعة من المؤرخين مع بورن في رؤيته عن مجيء العلم (تاتون . 19945 ؛ 
وبرينان » 1987 ؛ وهيرجنهاهن . 1987) وعن مجيء مباحث السيكوفيزيقا وبأن هناك ثلاثة 
أسماء كبيرة في تطور هذه المباحث التي مهدت لعلم النفس التجريبي وانفصاله عن 
الفلسفة وهذه الأسماء هي : فيبر ء وفخنر ء وهلمهولتز (برينان » 1987 ؛ بورنح . ١951/‏ ؛ 
وهيرجنهاهن ١1985.‏ ؛ ولوي 1987٠‏ ؛ وكندلرء 19817 ؛ وسولتز . 19481) . ويحتوي 
مصطلح السيكوفيزيقا على مقطعين «سيكو» وتعني نفسي . و«فيزياء» وتعني الطبيعة 
المادية » وتيعا لذلك فإن السيكوفيزيقًا هى دراسة العلاقات بين العمليات النفسية والمنبهات 
الت ١‏ 

بوسعنا القول من خلال العرض السابق بأن علم النفس التجريبي جاء نتيجة لمساهمة 
عمالقة في تاريخ العلم الحديث . وليس هناك من شك بأن هؤلاء العمالقة قد تركوا أثرا 
كبيراً في تطور المنهج التجريبي خلال الثورة العلمية في الغرب . ولكن السؤال الذي يطرح 
نفسه : بمن تأثر هؤلاء العمالقة أنفسهم ؟ وبصورة أكثر تحديدا هل مساهمة هؤلاء العلماء هي 
أولى المبادرات في المنهج التجريبي ؟ وهل هناك حلقة هامة في تاريخ العلم كافة مهدت 
لهؤلاء العمالقة ؟ وهل تركيز هؤلاء على الملاحظة العلمية كأداة في التحقق التجريبي في 
العلم هي أولى المبادرات في تاريخ العلم ؟ وهل قيام هؤلاء العلماء بدراسة البصر بصورة 
تجريبية هي أولى المساهمات في تاريخ العلم ؟ 

كتب أحرشاو (1494) » عن علماء النفس العرب مؤلفا هاما يتناول «واقع التجربة 
السيكولوجية في الوطن العربي» ويذكر فيه : «كلنا نعلم بأن التأسيس العلمي للسيكولوجيا 
الغربية الحديئة وجد طريقه الصحيح مع أعمال باحثين أمثال : ويبر وفخخنر ووندت في 
النصف الثاني من القرن التاسع عشر» . ويضيف : «إن تاريخ ما يسمي بالسيكولوجيا العربية 
ما يزال ينتظر من يكتبه» . وأن المشكل الحقيقي لعدم الكتابة » كما يعبر أحرشاو : «يتجلى 


3711 


في عدم أصالة إنتاجنا السيكولوجي» . ويضيف أحرشاو : «لو تجرأ أحد على كتابة تاريخه » 
فإنه لن ينجو حتماً من تكرار بعض الأفكار التي تقدم بها أمثال : بورنج , ميللرء فلوجل . 
ودوورث وروكلان بخصوص تاريخ السيكولوجيا الغربية» . واقتبس أحرشاو العروي )١1987(‏ 
عندما أكد في كتابه (ثقافتنا في ضوء التاريخ) : « أن العلوم الإنسانية , بما في ذلك 
السيكولوجيا . وباستثناء الاقتصاد وما يدور فى فلكه كالإإحصاء . تدرس إن هى درست على 
المستوى النظري . أما البحوث التطبيقية العينية الميدانية فإنها غير مزدهرة فى جامعاتنا 
ومعاهدنا . ما يفسر لنا أن العرب لم يصلوا إلى درجة الإبداع في هذه العلوم مع أنها ليست 
معقدة , ولا تكلف تجهيزات باهظة كالطبيعيات وعلوم الحياة» . 

ويؤكد زيعور (1987) في مقدمة ترجمته لكتاب روكلن (5841) تاريخ علم النفس» 
«صار لعلم النفس . في العربية . تاريخ . إنه تاريخ لم يكتب بعد في أعلامه وتوجهاته 
وتأثيراته . فنحن نستطيع الكلام عن توجهات . أو مناخ ركيزته في ذلك التاريخ » وفي فهم 
ذلك العلم , وفي تطبيقاته . إننا لم نقدم نظريات عريضة عمومية في علم النفس . ولا أنشأنا 
المدرسة المتميزة عالميا داخل المدارس الكبرى الراهنة أو التى سبقت» . وفى تلخيص علماء 
النفس العرب المعاصرين لمساهمة علماء التراث العربي الإسلامي في علم النفس . فنجد 
مثلاً أن بدري (19178) يذكر أسماء «ابن سينا » وابن خلدون , وابن سيرين » والغزالي . 
وامحاسبى» . 

يذكر أحرشاو (1444) أسماء «الكندي , والفارابي » وابن سينا » والرازي» » ويذكر 
الهاشمي (1181) «الغزالي » وابن الجوزي » والفارابي . وابن سينا » والتوحيدي ء وابن 
طفيل» » وبالنسبة لأبي النيل )١1986(‏ هم «الفارابي فبك ن سينا » والماوردي » وابن خلدون » 
وابن مسكويه . والطهطاوي . ومحمد عبده» . وأما بالنسبة لصديق ونصر (19980) فإنهم 
«ابن سينا » والفارابي , والكندي . والغزالي» . ولقد كتب عباس )١997(‏ «موسوعة علماء 
النفس والتربية» وتضمنت أسماء الكندي . والرازي » والفارابي » وابن مسكويه , والبيروني » 
وابن سينا » والغزالي » وابن باجة » وابن خلدون . وعرض الخليفة ]١594(‏ ) بأن هناك اتفاقاً 
عاماً بين علماء النفس العرب بأن السيكوفيزيقا هي علم غربي المنشأ وغربي التطور . 

لقد تعرض أحرشاو ء وزيعور إلى مسائل أساسية في عدم كتابة تاريخ علم النفس في 
الوطن العربي . ولكن هناك بعض الأسئلة التي أثارتها المقتطفات السابقة . بالنسبة 
لأحرشاوء صحيح من وجهة النظر الغربية أن التأسيس العلمي لعلم النفس وجد طريقه 
الصحيح مع أعمال فيبر ء وفخنر » وفونت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر . ولكن 


312 


السؤال بماذا تأثر هذا التأسيس «العلميء . أو بلغة أدق التأسيس «التجريبي» لعلم النفس ؟ 
وهل صحيح كما يقول أحرشاو أن المشكل الحقيقي في عدم كتابة السيكولوجيا العربية هو 
عدم أصالة إنتاجنا السيكولوجي ؟ وهل بالضرورة أن كل من يتجرأ لكتابه تاريخ علم النفس 
لن ينجو حتماً من تكرار بعض الأفكار التي تقدم بها مثل بورئج خاصة ؟ نحن نختلف مع 
بورئج في نقطة مركزية في تأريخه المبتور لعلم النفس . وفي تقريره بأن تطور أبحاث البصر في 
القرن التاسع عشر يرجع للحقيقة التاريخية بأن البصريات هي أولى الموضوعات التي تأسست 
في الفيزياء بعد الميكانيكا . وإنما يرجع تطور المنهج التجريبي , ومباحث البصر إلى القرن 
الحادي عشر الميلادي . 

وهل صحيح . كما ذكر العروي . أن العرب لم يصلوا إلى درجة الإبداع في العلوم 
التطبيقية العينية الميدانية؟ وهل صحيح كما ذكر زيعور بأننا لم نقدم نظريات عريضة 
عمومية في علم النفس ؟ وهل صحيح أن قائمة أسماء علماء التراث العربي الإسلامي 
التى ذكرها علماء النفس العرب المعاصرون تضمنت الشخصيات المركزية التى قدمت أكبر 
مساهمة في تاريخ علم النفس التجريبي ؟ ويبدو أن الوقت قد حان لكي نقدم أطروحة 
جديدة في تاريخ علم النفس تختلف عن الرؤى السابقة لعلماء النفس في الغرب وعلماء 
النفس العرب وهي « أن أول ثورة في تأسيس علم النفس التجريبي » وأول تأسيس لعلم 
النفس مرتبط بالفيزياء » وأول تأسيس لعلم نفس الإيصارهء وأول تأسسيس لثورة في 
السيكوفيزيقا في تاريخ علم النفس كافة كان بواسطة ابن الهيثم في النصف الأول من القرن 
الحادي عشر الميلادي» . وسوف نتحقق من ذلك ميدانيا فى الجزء التالى من الدراسة . 


ابن الهيثم ومفهوم الغلط البصري 


إن أفضل طريقة لتتبع مساهمة ابن الهيثم هي عرض موضوع «الغلط البصري» في هذا 
الجزء وعرض اعتباره في الجزء اللاحق من الدراسة الحالية . ولقد تم علاج هذا الموضوع في 
المقالة الثالثة من كتاب المناظر وهى بعنوان «فى أغلاط البصر فيما يدركه على استقامة 
وعللها» » فإنها تتكون من سبعة فصول . الفصل الأول : صدر المقالة . والفصل الثانى : فى 
تقد ما يجب تقديه لتبيين الكلام في أغلاط البصر . والفصل الثالث : في العلل التي من 
أجلها يعرض للبصر الغلط في تمييز أغلاط البصر . والفصل الرابع : في تمييز أغلاط البصر . 
والفصل الخامس : في كيفيات أغلاط البصر التي تكون بمجرد الحس . والفصل السادس : 


3213 


في كيفيات أغلاط البصر التي تكون في المعرفة . والفصل السابع : فى كيفيات أغلاط 
البصر التى تكون في القياس 

كما عالج ابن الهيثم كذلك عدة موضوعات منها : غلط البصر في القياس من أجل 
خروجننعدد المبصر عن عرض الاعتدال . وغلط البصر في القياس من أجل خروج وضع 
المبصر عن عرض الاعتدال . وغلط البصر في القياس من أجل خروج الضوء الذي في المبصر 
عن عرض الاعتدال . وغلط البصر في القياس من أجل خروج حجم المبصر عن عرض 
الاعتدال . غلط البصر في القياس من أجل خروج كثافة المبصر عن عرض الاعتدال . وغلط 
البصر في القياس من أجل خروج شفيف الهواء عن عرض الاعتدال . وغلط البصر في 
القياس من أجل خروج الزمان الذي فيه يدرك البصر المبصر عن عرض الاعتدال . وغلط 
البصر في القياس من أجل خروج صحة البصر عن عرض الاعتدال . 

يقول ابن الهيثم في فاتحة صدر المقالة الثالثة : « قد تبين في المقالة الأولى والشانية 
كيف يدرك البصر المبصرات على ما هي عليه إذا كان إدراكه لها على استقامة . وكيف 
يتحقق صورة المبصر , وكيف يدرك كل واحد من المعاني الجزئية على ما هي عليه وكيف 
يتحققه «وليسن كل منص تدركه ابض على نا هوبعلية .ولا كل معنن يدرك الباصر 
ويتخيل الناظر أنه قد أدرك حقيقته يكون مصيبا في إدراكه وفي تخيله . بل قد يغلط البصر 
في كثير م يدركه من البصرات ويدركها على خلاف ما هي علي وما أحس بخلطه في 
حال غلطه وربما لم يحس بغلطه وظن أنه مصيب ويكون غالطا» (ا بن الهيثم .ص "1١‏ 
-845). 

وتقول نظرية ابن الهيثم عن «الغلط البصري» إِنّ الناظر إذا نظر إلى مبصر من المبصرات 
فإن كل واحد من البصرين يلحظ ذلك المبصر ء وإذا حدق الناظر إلى ذلك المبصر فإن كل 
واحد من البصرين يحدق إلى ذلك المبصر تحديقا متشابهاً متساويا . وإن تأمل الناظر المبصر 
فإن كل واحد من البصرين يتأمل ذلك المبصر بالسواء » وإذا تحرك البصر على المبصر لتأمله 
فإن البصرين جميعا يتحركان عليه ويتأملانه . وإذا حدق الناظر إلى المبصر فإن سهمي 
البصرين يجتمعان على ذلك المبصر ويلتقيان على نقطة من سطحه . وإن تأمل الناظر ذلك 
المبصر فإن السهمين يتحركان معا على سطح ذلك المبصر ويمران معا بجميع أجزاء المبصر . 
وبالجملة فإن البصرين متساويان في جميع أحوالهما . والقوة الحساسة التي فيهما واحدة , 
وفعلهما وانفعالهما أبداً متساو ومتشابه . فإذا تحرك أحد البصرين للإابصار ء فإن البصر الآخر 
يتحرك لذلك الإبصار بعينه مثل تلك الحركة بعينها » وإن سكن أحد البصرين سكن 


3/14 


الآخر. وليس يمكن أن يتحرك أحد البصرين للإبصار ويسكن الآخرء ولا أن يعتمد أحد 
البصرين النظر إلى مبصر من المبصرات ولا يعتمد البصر الآخر النظر إلى ذلك المبصرء إلا أن 
يعوق أحدهما عائق أو يستره ساتر أو يعرض له عارض » فيعتاق بذلك العارض أو الساتر 
عن فعل ما يفعله البصر الآخر . وإذا تؤملت حال البصرين عند إدراك المبصرات وتفقدت 
أفعالهما وحركاتهما ؛ وجدت أفعال البصرين وحركاتهما أبداً متساوية متشابهة» (ابن 
الهيئم » ص . 47" - 45") . 

يلاحظ أن ابن الهيثم قد عالج موضوع الإبصار من ناحية منهجية فيزيائية في المقالة 
الأولى من «كتاب المناظر» , بينما عالج موضوعات سيكولوجيا الإبصار في المقالة الثانية 
والثالثة . وبوسعنا القول بأن ابن الهيثم كان فيزيائياً فى م: منهجه منهجه . وسيكولوجيا في تطبيقاته 
وينعكس ذلك القول بصورة أكثر تحديدا على موضوع الدراسة ال حالية . ومن بين عقاف 
الدقيقة عن «الغلط البصري» التي تناولها ابن الهيثم بالشرح والتحليل بصورة رائعة موضوع 
الغلط في البعد . والغلط في الوضع , والغلط في التجسم . والغلط في الشكل ٠‏ والغلط في 
العظم , والغلط في التفرق » والغلط في الاتصال , والغلط في العدد , والغلط في الحركة ‏ 
والغلط فى السكون , والغلط فى الخشونة . والغلط فى الملاسة . والغلط فى الشفيف » والغلط 
في الكثافة » والغلط في الظل » والغلط في الظلمة » والغلط في الحسن ء والغلط في القبح . 
والغلط في التشابه , والغلط في الاختلاف . 

ويمكننا القول بأن ابن الهيثم فى صياغته لنظرية الغلط البصري بمستوى أبعادها امختلفة 
كان أصيلاً ‏ وذلك لأن مشكلة الغلط البصري لم تعالج بذات الكيفية الأصيلة من قبل فترة 
ابن الهيثم . وحتى إذا رجعنا لمصادر ابن الهيثم عن المناظر أو البصريات يصعب بأن نخلص 
للقول بأنه استقى منها نظريته . وبذلك أبدع ابن الهيثم . بلا ريب . نظرية متكاملة عن 
«الغلط البصري» على غير مثال سابق في القرن الحادي عشر الميلادي . ولقد عالج ابن سينا 
)1١7-9(‏ موضوع الإبصار في المقالة الثالثة من كتاب الشفاء والتي قسمها إلى سبعة 
فصول . بينما عالج موضوع «الخطأ البصري» ذ فى الفصل الشامن في سبب رؤية الشيء 
الواحد كشيئين . كما تمت معالجة الموضوع في م الكتابات المعاصرة (ثرستون » 
98 ؛ دويدار» ١997‏ ؛ عدس وتوق )١985 ٠‏ 

بالنسبة للمعالجة الاعتبارية (التجريبية» لموضوع «الغلط البصري» عند ابن الهيثم سوف 
نحاول بقدر الامكان أن نستخدم صياغته ومصطلحاته مع محاولة «تقريبها» مع المصطلحات 
٠‏ الأخرى . مثلاً استخدم ابن سينا في كتاب الشفاء مصطلح «الخطأ البصري» » ويستخدم في 


31 


الفيزياء المعاصرة مصطلح «الزيغ البصري» » بينما يستخدم في 0 النفس المعاصر 
مصطلحات «الخطأ في الإدراك» , و«الخطأ المكاني» , و«الخداع البصري» . فيا ترى هل تعبر 
هذه المصطلحات عن ذات الموضوع ؟ أم أن هناك اختلافات كبيرة بينها ؟ أم هي اختلافات 
يسيرة ؟ 

استخدم كل من طه (1910) ء وهاورد (191457) مصطلح «الغلط البصري» كما هو 
عند ابن الهيثم بمعني «الخداع البصري» كما في كتب علم النفس المعاصرة . ولكن يجب أن 
نميز بين المفهومين في مراحل تاريخية مختلفة . أولاً : يعتمد وجود الغلط البصري في حالة 
النظر بعينين , ففي حالة إغماض إحدهما فليس هناك غلط بصري . وتبعا لذلك ليس 
للشخص الأعور أي نوع من الغلط البصري . بينما يمكن حدوث الغلط البصري (الخداع 
البصري) في حالة النظر بعين واحدة . أو في حالة الشخص الأعور. ٠‏ وفي هذه الحالة يجب 
أن نميز ما بين الرؤية بعين والرؤية بعينين والرؤية الأحادية والرؤية المزدوجة . ثانياً : لقد ظهر 
من خلال التجربة المبدئية التي أجريناها في البحرين أن زيادة التتحديق 00 
هيثئمي) تزيد من وجود الغلط البصري .» بينما زيادة الانتباه تقلل من الخداع البصري . ثالثا 
إن تفسير ابن الهيثم للغلط البصري من خلال حجم الزوايا ووضع الخطوط ربما لا يشأثر 
بالعوامل البيئية » بينما يتأثر الخداع البصري بها ازابتا : قد يرتبط مصطلح «الغلط البصري» 
أكثر بالجانب الفيزيائي الفسيولوجي للإبصارء بينما يرتبط مصطلح «الخداع البصري» 
بالجانب الهندسي السيكولوجي . ومهما يكن فليسن من السهولة إيجاد إجابة محددة 
للأسئلة السابقة . ربما تكون قد استخدمنا مقاربة خاطتة ما بين «الغلط البصري» و«الخداع 
البصري؟ . 

فالقواميس اللغوية لا يبدو أنها سوف تحل مشكلة هذه المصطلحات المعقدةء أو 
المتداخلة . فالمسألة تحتاج إلى بحث وتدقيق في تاريخ البصريات في العلم القديم , وفي العلم 
الوسيط . وفي العلم الحديث . خاصة الفيزياء وعلم النفس . وبالرغم من أن الباحثين 
الحاليين اللذين قاما بهذه الدراسة ينتمي أحدهم لتخصص علم النفس وينتمي الآخر 
لتخصص الفيزياء ولكن لم يستطيعا حل مشكل المصطلح . ولهذا السبب فضلنا استخدام 
كلمة «مقاربة» بين المصطلحات والتي بدت متشابهة للباحثين بدلاً من كلمة «مقارنة» . 
ونأمل فى الدراسات اللاحقة أن يحل هذا الإشكال . وينسحب إشكال المصطلحات كذلك 
على مفهوم «الاعتبار» الذي استخدمه ابن الهيثم , والذي سوف نقاربه في الدراسة الحالية 
بمصطلحى «التجريب» و(القياس» .ء أو «التجربة» و«المقياس» . حيث يقتضى الأمر التمييز 


2316 


بينهما في موقفين مختلفين . وبالتأكيد نحتاج لمزيد من الدراسات النظرية والتطبيقية 
اللاحقة لتجارب ابن الهيثم والتأكد من سلامة مقابلة المفاهيم السيكولوجية ومقارنتها . 

يهدف الجزء اللاحق من الدراسة إلى تحقيق الأهداف التالية : 

)١(‏ مدى ثبات مصداقية اعتبار ابن الهيثم عن الغلط البصري في نهاية القرن 
العشرين : 

(1) ما هو متوسط أداء الأفراد في دولة البحرين في مقياس الغلط البصري . 

(*) كشف الفروق بين الذكور والإناث فى الغلط البصري . 

(؛) كشف الفروق بين الفئات العمرية في الغلط البصري . 

(5) كشف أثر التعليم في الغلط البصري . 


اعتبار «تجاربء ابن الهيثم عن الغلط البصري 


عبر ابن الهيثم عن المعنى الذي يؤديه لفظ التجربة في العلم الحديث بلفظ الاعتبار 
وسمى الشخص الذي يجري التجربة المعتبر وسمى البيان أو التوضيح أو الإثبات بالتجربة 
الإثبات بالاعتبار» تمييزاً له عن الإثبات بالقياس القائم على البرهان المنطقي بوجه عام أو 
البرهان الرياضي بوجه خاص . بل إن ابن الهيثم قد ذهب إلى أبعد من ذلك في إدراك قيمة 
الاعتبار في البحوث العلمية . فهو لا يعتمد على الاعتبار في إثبات القواعد أو القوانين 
الأساسية فحسب بل يعتمد عليه أيضا في إثبات النتائج التي تستنبط بالقياس بعد ذلك 
من تلك القواعد أو القوانين . فابن الهيثم عالم اعتباري بالمعنى المقصود من التعبير . 
والناحية الاعتبارية من بحوث ابن الهيثم واضحة الدلالة على أن عمله لم يكن مقصوراً 
على مجرد إجراء التجارب ؛ بل تضمن إنشاء أجهزة أو آلات استعملها فى تلك البحوث 
(انظر نظيف 2 1447 ء ص 44) . 1 

قام ابن الهيثم بالتحقق الاعتباري «التجريبي» من مصداقية نظرية «الغلط البصري» 
من خلال إجراء اعتبار «تجربة» واضعا لقواعدها الرياضية والهندسية . وعلى أساس هذه 
القواعد يؤسس ويصف ابن الهيثم اعتباره «مقياسه» كالآتي  :‏ يتَخذ لوح من خشب 
خفيف مسفر اللون يكون طوله قدر عظم الذراع وعرضه أربع أصابع مقتدرة . وليكن سطحه 
مستويا أملس وتكون نهايتا طوليه متوازيين وعرضاه أيضا متوازيين . وليخرج فيه قطران 
يتقاطعان ويخرج من موضع التقاطع خط مستقيم مواز لنهاية الطولين . ويخرج من موضع 


377 


التقاطع أيضا خط مستقيم قائم على الخط الأول المتوسط على زوايا قائمة . ولتصبغ هذه 
الخطوط بأصباغ مشرقة مختلفة الألوان لتكون ظاهرة » وليكن القطران منها متشابهي 
اللون» . 

ويضيف ابن الهيثم  :‏ ولنخرق في وسط عرض اللو عند طرف الخط المستقيم 
المتوسط وفيما بين القطرين خرقا مستديرا ومع ذلك منخرطا أوله أوسع من آخره بقدرما 
تدخل فيه قرنة الأنف إذا ركب اللوح عليه إلى أن تصل زاويتا اللوح إلى غاية القرب من 
وسطي سطحي البصرين وتصيرا قريبتين من مماسة البصرين ولا يماسانها . وليكن اللوح على 
مثال شكل أ ب ج د وليكن قطراه | د ب ج » ولتكن نقطة التقاطع نقطة ك » وليكن الخط 
الذي في وسطه الممتد فى طوله ه ك زء وليكن الخط الذي يقطع هذا الخط على زوايا قائمة 
ح ك طء وليكن الخنرق الذي في وسط عرض اللوح هو الذي يحيط به خط م ه ن «(انظر 
الشكل )١‏ . 

ولم يكتف ابن الهيثم بعملية البناء الرياضي لاعتبار «قياس» الغلط البصري بل أضاف 
بعض التفاصيل الهندسية الدقيقة لإكمال صنع الاعتبار . ويقول ابن الهيثم : «فليؤخذ جزء 
يسير من الشمع الأبيض فيعمل منه ثلاثة أشخاص صغار أسطوانية » ولتصبغ الثلاثة بألوان 
مختلفة كل واحد منها بلون يخالف لون الآخرء وليقم أحد الأشخاص في وسط اللوح على 
نقطة ك , وليلصق باللوح حتى لا يزول من موضعه وليكن قائماً على اللوح قياماً معتدلاً . 
وليقم الشخصان الآخران على طرفي الخط المعترض على نقطتي ح ط . فتصير الأشخاص 
الثلاثئة على سمت واحد . 

ثم يرفع المعتبر هذا اللوح ويركب الخرق الذي في وسط عرضه على قرنة أنفه وفيما بين 
عينيه حتى تدخل قرنة الأنف في الخرق وتلتصق باللوح وتصير زاويتا اللوح عند وسطي 
سطحي البصرين وقريبتين من بماستهما . ثم يعتمد المعتبر النظر إلى الشخص الذي في 
وسط اللوح ويحدق إليه تحديقا شديدا . فإذا نظر المعتبر إلى الشخص المتوسط وحدق إليه 
فإن سهمي البصرين يلتقيان على هذا الشخص . ويكون السهمان مطابقين للقطرين أو 
موازيين لهما ء ويصير السهم المشترك الذي حددناه من قبل مطابقا للخط الممتد في وسط 
طول اللوح» . هذا ما وصفه ابن الهيثم في القرن الحادي عشر الميلادي وكيف يمكن إحيازه 
وتجديده في نهاية القرن العشرين ؟ 

بالنسبة لتحديد حجم اللوح قال ابن الهيثم :»طوله قدر عظم الذراع وعرضه أربع أصابع 
مقتدرة» . وحسب فهمنا لاعتبار ابن الهيثم قمنا بتحديد طول وعرض اللوح للدراسة 


318 


الحالية » وذلك من خلال قياس عظم الأذرع الخارجية ؛ وعرض الأصابع المقتدرة لثلاثين 
طالبا من جامعة البحرين من الذكور ؛ وذلك بقسم علم النفس بكلية التربية . وكان متوسط 
طول عظام الأذرع الخارجية للطلاب هو حوالي ١8‏ سم . ومتوسط عرض الأصابع الأربع 
المقتدرة هو ه,/اسم . ونلفت”الانتباه بأننا قسنا عظم الذراع وليس كل الذراع » وتبعاً لذلك 
فقد تم تصميم اللوح في صورته الجديدة بحيث يكون طوله وعرضه (58؟ * د,لا سم) . 

وتمت محاولة أولية لتصميم اعتبار «مقياس» الغلط البصري بقسم الفيزياء » كلية 
العلوم » جامعة البحرين طبقا لمعظم مواصفات ابن الهيثم ؛ والمحددة بواسطة الباحثين . ولقد 
تم تصميم الألواح من الخشب الخفيف المسفر اللون . ولقد تم التأكد من استواء وملاسة 
الألواح المصنوعة مع مراعاة الدقة في الطولين والعرضين . وتم تخطيط الألواح بأصباغ مشرقة 
طبقا لما ذكره ابن الهيثم . وبالنسبة للزوايا فكانت زاوية ج ب قت ١١‏ » وزاوية ج ب د- 27٠١‏ 
وزاوية ج ب ح-5” درجة . وبالنسبة للخرق في وسط اللوح لإدخال قرنة الأنف فتم 
تصميم الخرق المستدير بحيث يكون مريحا (؟* ” سم) بالنسبة للكبارء و(؟* 7,5 سم) 
بالنسبة للصغار . وإن الاختلاف الوحيد بين الاعتبار الهيشمى والاعتبار المجدد هو مادة 
الأشخاص الثلاثة . فقد ذكر ابن الهيثم « فليؤخذ جزء يسير من الشمع الأبييض فيعمل منه 
ثلاثة أشخاص صغار أسطوانية ؛ ولتصبغ الثلاثة بألوان مختلفة» . 

ولقد حاولنا صنع الأشخاص طبقا لما وصفه ابن الهيثم » ولكن هناك عدة إشكالات 
تعلقت بدقة التصميم . ومراعاة الحجم ‏ وثبات التلوين . يقول ابن الهيثم «وليلصق باللوح 
حتى لا يزول من موضعه» . ولقد صعب تحقيق تثبيت الأشخاص في اللوح طبقا لما ذكره 
ابن الهيثم » وكذلك لم تكن الأشخاص المصنوعة من الشمع متينة بحيث تسمح بتحريكها 
عشرات المرات في حالة تطبيقها على الفرد الواحد . ونتيجة لذلك استبدلنا الشمع كمادة 
لصنع الأشخاص الثلاثة بدبابيس مقاربة من حيث الشكل .» واللون » والحجم والتي أدت 
الوظيفة بصورة رائعة بحيث لا نحتاج إلى مادة لاصقة لأن نهاية الدبوس هي حادة تسمح 
بالنفاذ في الخشب الخفيف المسفر بيسر ولا تؤدي إلى تشوهه . 


المعتبرون(العينة) 


لقد تم تطبيق مقياس الغلط البصري امجدد على عينة استطلاعية بجامعة البحرين من 
الذكور والإناث وذلك للتأكد من صلاحية المقياس من حيث مواضع الأشخاص 2 


219 


والمخطوط . والزوايا » ووضوح الإرشادات , وخطوات الاعتبار . وبعد التأكد من سلامة المقياس 
المجدد تم تصميم عدة فاذج منه وتم تطبيقه على عينة بلغت 0" معتبرا «مفحوصا» من دولة 
البحرين . وتم مراعاة ثلاثة متغيرات أساسية في اختيار العينة مثل النوع » فكان عدد الذكور 
(١٠٠)ء‏ وعدد الإناث (176) » وتم تقسيم الفئات العمرية إلى سبع وذلك بالاستفادة من 
إحصاء دولة البحرين (جدول )١١‏ » وكماتم تقسيم المستويات التعليمية إلى ستة وهو 
التصنيف المستخدم في دولة البحرين (جدول ؟) . وتم مراعاة متغيرات أخرى في اختيار 
عينة الدراسة مثل تمثيل المهن المختلفة » والمستويات الاقتصادية والاجتماعية . والمناطق 
الجغرافية فى دولة البحرين . وارتبطت عملية اختيار العينة ببعض الإجراءات الصارمة 
لتطبيق المقياس المجدد . 


طبق مقياس الغلط البصري المجدد بصورة فردية في المنازل بواسطة مجموعة من 
الفاحصين المدربين من طلاب جامعة البحرين . وتم مراعاة خلق جو مناسب للتطبيق وخلق 
علاقة حميمة مع المعتبّرين «المفحوصين» . وشرح الهدف من المقياس بأنه لغرض البحث 
العلمي وتكون المعلومات في غاية من السرية » وتم التأكد من فهم الإرشادات الخاصة 
بالاعتبار . وقام الفاحصون بتسجيل نتائج الاعتبار على كل نقطة من النقاط الأربع 
والعشرين في المقياس ولجميع الخطوات السبع في ورقة الإجابة المعدة لذلك . ومن المشاكل 
التي اعترضت التطبيق : إيجاد معتبرين من كبار السن يقبلون تطبيق الاعتبار عليهم ‏ 
وكذلك هناك مشكلة ضعف البصر لهؤلاء الكبار . وأجمعت تقارير الباحثين الشفوية 
والكتابية على صعوبة التطبيق لكبار السن وللأميين وعدم استيعاب بعضهم للمطلوب . 
ولكن تم بقدر الإمكان تجاوز هذه المسألة بإعادة الشرح من قبل الفاحصين . وأصيب معظم 
كبار السن بنوع من الملل لطول المحاولات الأربع وعشرين في الاعتبار فكثيراً ما تكررت كلمة 
«يتمللون» . وعكس ذلك كان هناك تجاوب من كل الفئات العمرية والتعليمية الأخرى . 
وبعد نهاية جمع المعلومات تم مراجعة كيفية التطبيق . وتسجيل الإجابات , والمعلومات 
الديمغرافية . وتم استبعاد الاستمارات غير المستوفية لشروط التطبيق الصارمة وفرقت البيانات 
النهائية بقصد التحليل الإحصائى بواسطة الباحثين . واستغرقت الدراسة ستة شهور من 
سبتمبر 19491 وحتى فبراير 1494 . 


330 


يشتمل مقياس ابن الهيثم للغلط البصري على عدة تجارب ٠‏ وهناك 4؟ وضعاً أو نقطة 
لهذه التجارب . وفي كل وضع أو نقطة يطلب من المعتبّر أن يقوم بالتحديق في اللوح من 
خلال الدبابيس والخطوط والزوايا ثم يسأل إذا كانت الصورة التي يراها مطابقة لما ذكره ابن 
الهيثم أم لا . ثم تعطى دجة واحدة في حالة الإيجاب وصفر في حالة السلب . ومن ثم 
تجمع الدرجات التي نالها الفرد , وكلما كانت الدرجة مرتفعة (أي قريبة من 4؟) قارب ذلك 
من ملاحظات ابن الهيثم . وتم تفريغ البيانات المجموعة للعينة الكلية ومن ثم أجريت عليها 
بعض التحليلات الإحصائية البسيطة : المتوسط , الانحراف المعياري »اختبار قيمة ت 
بواسطة الحاسوب . 


نتائج الدراسة 


إن أهم نتيجة في هذه الدراسة الحالية والخاصة بتطبيق «مقياس ابن الهيثم للغلط 
البصري؛ المجدد في دولة البحرين في نهاية القرن العشرين هي التحقق من ملاحظات 
واعتبار ابن الهيثم في القرن الحادي عشر الميلادي بنسبة 78/ . والنسبة عبارة عن مدوفيط 
درجات المفحوصين (ن - 76؟) في 4 وضعاً من التجارب المكونة للمقياس مقسوماً على 
5 . وبتعبير آخرء إن ملاحظات الأفراد في البحرين تطابقت مع ملاحظات ابن الهيثم . 
ويبدو أن هذه النسبة عالية جداً مقارنة مع أداة مصنوعة في ذلك الزمن الغابر في التاريخ . 

ولقد أظهرت نتائج الدراسة بأن متوسط الأداء العام في الاعتبار «المقياس» كان (م - 
/1») بانحراف معياري مقداره (ع - /4,87) (جدول )١‏ . وكانت الدرجة الكلية 
للمقياس هي 4" وهي عدد التحديقات المطلوبة من كل معتبّر «مفحوص» . وبالنسبة لآثر 
العمر في الغلط البصري أظهرت نتائج الدراسة زيادة الدرجات للفئتين العمريتين 74-١8‏ 
وه44-7 ونقصان الدرجات للفئات العمرية الكبيرة هه-50 و50+ (جدول )١ ١‏ . وبالنسبة 
لأثر النوع في الغلط البصري لم تكن هناك فروق دالة بين متوسط الذكور ( م>لاارقايع 
- ه,؛) ؛ والإناث (م - 18,٠‏ مع - ١,ه‏ جدول ”) . أما بالنسبة للمستوى التعليمي في 
الخطأ البصري فقد جاءت النتائج متقاربة لدى معظم الفئات باستثناء نقصها لدى فئة 
الأميين وزيادتها لدى فئة الدراسات العليا (جدول» ؟) . 


351 


جدول )١(‏ 
توزيع درجات الغلط البصري* حسب الفئة العمرية 


اس[ اده | افوس | الاتراف ايت | 





» تعبر درجات الغلط البصري عن مدى الاتفاق بين أحكام أفراد العينة وما قرره ابن الهيثم . 


جدول (؟) 
المتوسطات والانحرافات المعيارية لدرجات الغلط البصري* حسب 
المستوى التعليمي 


29 و مسد دحت سد 





252 


جدول (ه) 
نتائج اختبار «ت» للفروق في درجات الغلط البصري* حسب النوع 


| تيع | اده [اتتويط | ع | قيمةات| 





1١7/5 5, ٠٠١ 
إناردل *اره‎ 
نوفا لام‎ 


» تعبر درجات الغلط البصري عن مدى الاتفاق بين أحكام أفراد العينة وما قرره ابن الهيثم . 


التفسير الهندسى الفيزيائى للغلط البصري 


قد يصعب تفسير نتائج دراسة ابن الهيثم التي تم وصفها في القرن الحادي عشر 
الميلادي وتم إحياؤها وتجديدها في نهاية القرن العشرين . ولكن سوف نحاول بقدر الإمكان 
تفسير النتائج من خلال مفهوم «المقاربة» الذي تحدثنا عنه سابقاً . ويبدو أنه من المناسب 
النظر لأبعاد متعددة لإيجاد تفسير معقول لنتائج الدراسة الحالية . وسبب التعدد يرجع إلى 
أن البناء الهيثمي للبصريات هو بناء مركب من عدة علوم منها الفيزياء » والجيوميتريا . 
والفسيولوجيا . والسيكلوجيا . وإذا اعتمدنا على زاوية واحدة سوف نفشل في إيجاد تفسير 
مقبول لنتائج الدراسة الحالية . وسوف يكون تفسيرنا مركزاً على ثلاثة أبعاد هي : البعد 
الهندسي البصري ٠.‏ والبعد الفيزيائي الفسيولوجي , والبعد السيكولوجي . 

نسبة لعدم وجود دراسة تجريبية معاصرة عن اعتبار ابن الهيثم سوف نقارب نتائج 
الدراسة الحالية بأبحاث الخداع البصري من خلال البعد الهندسي البصري . لقد أجريت 
العديد من الأبحاث عن «الخداع البصري» في علم النفس . ولكن كما ذكرنا نحاول مقاربة 
المفاهيم لكي تتضح الصورة أكثر في الأذهان , ولكن نحتاج في الدراسات اللاحقة لتحديد 
أدق للمفاهيم المستخدمة وتكون هناك «مقارنة» بدلا من «مقاربة» . فسر ابن الهيثم نتائج 
دراسته الاعتبارية » فى القرن الحادي عشرء بناء على اختلاف الزوايا للمواقف المختلفة 
لتحديق البضز وفسزعدد من الباخدين المفاضرين )فى القرن الغشرين + الخذاعات البصرية 


حسب الزوايا (جريجوري »58وة١ا‏ ؛ سيجال ٠كاميبل‏ وهيرجوفيستز .2 ككوا ؛ فينجر 


363 


واسبيلت ».19417 ؛ كناباس . 1468) . وإن واحداً من أكثر الجوانب اللافتة للنظر بالنسبة 
للأشياء النظامية هو وجود الزوايا القائمة في الأشياء التي عي من صتنغ الإنسان . ولهذا 
السبب فإن الثقافات التى تسيطر عليها هذه الزوايا يفسر الأفراد فيها الزوايا الأخرى كزوايا 
قائمة كلما واجهوا زوايا غامضة أو متلبسة . وإن الأشكال الهندسية التى تحتوي على تمثيل 
متلبس للزوايا يمكن استخدامها لبحث آثار هذه المسلمة . 1 

وبالنسبة لهذا البعد الهندسي البصري فقد وظفه ابن الهيثم نفسه لتحليل نتائج 
دراسته الاعتبارية (التجريبية» عن الغلط البصري من خلال اختلاف الزوايا . وحسب تحليله 
للمواقف المختلفة للخطوط والزوايا يقول ابن الهيثم يكون خط ح ب أعظم من خط ب ط . 
وخط ح ك مساو لخط ك ط ء فزاوية ط ب ك أعظم من زاوية ك ب ح . وزاوية ط ب ك 
مساوية لزاوية ح أ ك » فزاوية ح أ ك أعظم من زاوية ح ب ك . فبعد خط أح عن سهم اك 
أعظم من بعد خط ب ح عن سهم ب ك ء إلا أن الاختلاف الذي بين البعدين يسير لان 
الاختلاف الذي بين زاويتي ح أ ك اح بك يسير. 

وفقاً لابن الهيثم » فالشخص الذي يكون عند نقطة ح يرى أبداً بالبصرين (العينين) 
جميعاً واحداً إذا كان السهمان متلاقيين على الشخص الذي عند نقطة ك , وخطا أ ح ب 
اح هما مسامتان للشعاعين الخارجين إلى الشخص الذي يكون عند نقطة ح إذا كان السهمان 
متلاقيين على الشخص الذي عند نقطة ك . وكذلك حال الشخص الذي عند نقطة ى 
تكون الشعاعات الخارجية إليه مسامته لخطي أى ب ى وهو يرى واحدا . وزاويتا ى اك ى 
ب ك ليس بينهما اختلاف متفاوت أيضاً » لأن زاوية ح ب ى ليس لها قدر محسوس إذا 
كانت نقطة ى قريبة جداً من نقطة ح . فيتبين من هذه الحال أن المبصر الذي وضعه من 
السهمين وضع واحد في الجهة . وبعد الشعاعات الخارجية إليه من البصرين ليس بينهما 
اختلاف متفاوت » فإن ذلك المبصر يرى بالبصرين جميعاً واحداً . 

أما من الناحية الفيزيائية الفسيولوجية فيمكن تحليل ظاهرة ازدواجية الرؤية (رؤية 
الشيء الواحد اثنين) إنها ترجع إلى الاختلاف بين العينين في تحديد موقع الشيء في 
الفضاء . وذلك عندما يكون موقع الصورة على الشبكية في العين اليمنى يختلف عن موقعها 
في العين اليسرى . أو بتعبير آخر » تتفق العينان في تحديد موقع مرئي في الفضله - وبالتالي 
رؤية الإنسان لهذا الجسم أنه واحد ‏ إذا كان موقع صورة هذا الجسم الذي أسقطته العين 
اليمنى على شبكيتها هو نفسه في العينين الاثنتين . ففي الفقرة 58 . ص . 708 من 
«كتاب المناظر» قام ابن الهيثم بوضع شخص في النقطة ك لتركيز النظر فيه ووضع شخصاً 


3854 


آخر في النقطة ح أوط (انظر شكل "-أ) وفي كلتا الحالتين لا يرى هذا الشخص الأخير 
في (ح أو ط) إلا واحداً . وهذا يتضح سببه حينما ننظر إلى الشكل فنلاحظ أن موقع الصورة 
(النقطة س) هو نفسه في العين اليسرى والعين اليمنى . أي أن بعد الجهة س عند النقطة ع 
(مركز الشبكية) هو نفسه وعلى نفس الجهة في العينين اليمنى واليسرى . 

أما في الفقرة 7١‏ . ص . 701 من «كتاب المناظر» فيوضع الشخص في النقطة ك مثل 
ما هو في التجربة السابقة ويوضع شخص ثان في النقطة ل وف كما هو موضح في الشكل 
(1-ب) . ونلاحظ على الشكل أن الصورة (س) تتشكل في إحدى العينين على يسار مركز 
الشبكية وفي العين الثانية على يمينها . وبالتالي في موقعين مختلفين ويترتب عنها رؤية 
الجسم اثنين . وأما في الفقرة 7 . ص . 568 من «كتاب المناظر» فقد وضع الشخص في 
النقطة ق (شكل 7-ج) . ونلاحظ أن الصورة (س) في العين اليمنى تقع على نفس الجهة 

في العين اليسرى ولكن بعدها عن مركز الشبكية (بعد النقطة.هس» عن «ع4) يختلف 
اختلافاً كبيراً , بين العينين وبالتالي يرى هذا الشخص في هذا الموقع شخصين . 


أما من الناحية السيكولوجية بالنسبة لتفسير نتائج دراسة الغلط البصري فيمكن النظر 
إليها من خلال متغيرات الدراسة امختلفة . فقد أثبتت الدراسة الحالية نتائج مقياس ابن 
الهيثم بنسبة 178 / وهي نسبة الإجابات التي تتطابق مع ملاحظات ابن الهيثم » ويعجب 
الإشارة إلى أنه لا توجد درجات كمية عند ابن الهيثم . وعن طريق مفهوم «المقاربة» الذي 
تحدثنا عنه سوف نحاول تحليل نتائج الدراسة الحالية عن «الغلط البصري» بالموازنة مع نتائج 
الدراسات المعاصرة عن «الخداع البصري» . 

وقد ترجع الفروق الاثنان والعشرون (51) بين نتائج الدراسة حسب ملاحظات ابن 
الهيثم في المقياس الكلاسيكي في القرن الحادي عشر . والمقياس المجدد في القرن العشرين 
إلى طبيعة الاختلاف اليسير بين المقياسين المدمثل فى تعديل الأشخاص المصنوعة من 
الشمع بنماذج جاهزة من الدبابيس » أو قد ترجع لإشكالية في فهم إرشادات الدراسة 
بصورة حرفية من قبل المفحوصين في البحرين ء أو قد ترجع إلى تحيز في اختيار العينة 
المعاصرة من دولة البحرين » أو تعزى لإشكالية عبر تاريخية في وجود فروق بصرية في 
الإدراك , وربما ترجع هذه الاختلافات بين ملاحظات ابن الهيثم ونتائج الدراسة الحالية إلى 


355 


اختلافات عبر ثقافية فى تأثير البيئات المختلفة على الإدراك بصورة مختلفة » ونقصد بذلك 
أن اعتبار ابن الهيثم كان في الأماكن أو البيئة التى عاش فيها في مصر والعراق . 

ففي علم النفس المعاصر هناك فرضيات في هذا المجال . سيطرت على الأبحاث عبر 
الثقافية المعاصرة عن الخداع البصري . وهي تلك التى وصفها سيجال وآخرون (1955) ١‏ 
ولكن ترجع جذور هذه الفرضيات إلى فبرضية برونسويك (1985) البيثية . إن الخاصية 
الأساسية للإدراك الإنسانى تتأثر بالمتغيرات البيئية والثقافية » وبالمقابل هناك فرضية مناقضة 
لذلك ترى أن العمليات الإدراكية هى متساوية عند كل الجنس البشري . ولقد أثبتت 
الابحاث السيكولوجية تأثير البيئة على الإدراك(بري ٠‏ 1958 ؛ جاهودا . ١975‏ 
وديروقوسكي ٠»‏ 1957) » ومن ثم بنججم التساؤل التالى : هل تختلف تأثيرات الثقافات 
«البيئات» على عملية الإدراك ؟ وأثبتت الدراسات الميدانية وجود الخداعات البصرية في 
كل الثقافات ولكن مدى اتساع وجود هذه الخنداعات يختلف بصورة واضحة بين الثقافات 2١‏ 
أجريت تبعاً لذلك الكثير من الأبحاث عبر الثقافية (سيقال وآخرون »1955 ؛ جاهودا 
واستاسي »؛ 147١‏ ؛ زانفلورين ٠‏ /1951) . 

أظهرت نتائج الدراسة الحالية تقارب نتائج الذكور والإناث في الغلط البصري » وبتعبير 
أخرء إن النوع ليس له أثر يذكر في أحداث الغلط البصري ء إذ إن الفروق قليلة أو غير دالة . 
ولقد أظهرت نتائج الدراسة الحالية وجود بعض الاختلاقات في الغلط البصري بين الفئات 
العمرية امختلفة . فنالت الفئتان العمريتان (5-78”) و(ه"- 45) أعلى الدرجات فى الغلط 
البصري » بينما نالت الفئتان العمريتان لكبار السن (8هه-50) و(50 +) أقل الدرجات . ويبدو 
أن الانخفاض الحاد لدرجات الفئة العمرية الكبرى يرجع لقلة عدد العينة أو لعامل ضعف 
البصر ء إذ يعتمد المقياس بصورة أساسية على قوة التحديق . أو ربما يرجع لعدم فهم هذه الفئة 
لما هو مطلوب منها بالضبط . ولقد أشارت تقارير الفاحصين إلى استهزاء مجموعة من كبار 
السن بهذا المقياس . وربما ترجع الفروق لطول المقياس وملل المفحوصين الكبارء وتبعاً لذلك كان 
بعضهم يؤدون إكمال المقياس بأي كيفية ؛ ولكننا نرجح السبب الأول الخاص بضعف البصر 
بالنسبة لكبار السن كعامل أساسى فى انخفاض درجات هذه الفئة » كما يمكن أن نقارب ما 
بين أثر العمر في العرضة للغلط البصري ونتائج الأبحاث الخاصة بالخداع البصري . 

إذا كان الخداع البصري يتأثر بالثقافة فيتوقع أن يكون الراشدون أقل عرضة له ؛ ؛ وذلك 
بحكم تجاربهم مقارنة بالأطفال . ويفترض سيجال وآخرون )١1955(‏ أن النضج يحدث نوعاً 

من المدخل التحليلي للإدراك ولهذا السبب يغير أو يعدل تأثير التعلم المبكر . وأظهرت نتائج 


356 


أبحاث سيجال وآخرين بأن هناك انخفاضاً واضحاً للقابلية للخداع حسب العمر (ولترز. 
45 ؛ وبنار وويرنر» 1461 ؛ وهلويل )١9”١ ٠‏ . ويعتبر تغيير القابلية للخداع مع العمر 
مركزيا بالنسبة للنظرية البياجيتية للخداع (ديروجوسكي . 1440) . وقسم بياجيه (1579) 
الخداعات إلى نوعين : أولية وثانوية » ففى الأولى فإن الخصائص الكمية لا تتغير بتغير 
العمر بينما تتدهور عموما تأثيرات الخداع . وربما تظل في بعض الأحيان ثابتة ‏ ولكن لا 
تزيد بزيادة العمر . أما الخداعات الثانوية فتتغيّر بعامل النضج وإن حجم هذه الخداعات يزداد 
بشكل واضح لعمر محدد ء وإن الفروق الأساسية بين النوعين من المثيرات التي تثير أو 
تستدعي نوعين من الخنداعات راجعة لتعقيداتها . لقد قام واينئر (/ا/91١)‏ بإعادة التجريب 
على الأعمال التي قام بها ليبووتز في المغرب . وأظهرت نتائج دراسته تأثيرات مثيرة للجدل . 
حيث وجد أن خداع بنزو الذي يرتبط رن ؛ ينخفض بانخفاض عمر المفحوص 
بينما لا يظهر الخداع الذي يستدعى باثنين من المثيرات الصورية أي أثر . 

أظهرت نتائج الدراسة الحالية ارتفاع درجات الأفراد تبعاً لارتفاع نسبة التعليم ؛ 
فالأفراد فى المستوى التعليمى الجامعى وفوق الجامعى نالوا أعلى الدرجات فى المقياس 
بصورة عامة وهم أقرب الفئات قربا من النتائج الكاملة لاعتبار ابن الهيثم . فالدرجة الكلية 
في مقياس الغلط البصري المجدد هي أربع وعشرون (155) » ونالت الفئة الجامعية درجة ار 
اثنين وعشرين (1؟) . وربما ترجع النتائج إلى تفهم المتعلمين لإرشادات الدراسة طبقاً لما 
حدده ابن الهيثم , أو قد ترجع إلى نضج الإدراك نتيجة لأثر التدريب والتعليم . وبوسعنا 
مقاربة نتائج الغلط البصري 0 الخداع البصري » «ويعتبر امتداد التعليم الرسمي واحداً 

من المتغيرات الثقافية التي تؤ تؤثر في الخداع» (دريجوفسكي » ١955  ادوهاج؛ 8٠‏ ؛ 
وديفيزء ٠/ا9١)‏ . 

إن المجموعات التي تختلف في التعليم تختلف كذلك في الطريقة التي ب بها 
للمثيرات الجديدة . فإن الأكثر تعليما يتكيف بسهولة كبيرة مع هذه المواقف وتبعاً لذلك يقل 
تأثير الخداع الذي يرتبط بإعادة حضور المثير فإنه يبدأ في هذه الحالة 1 بصورة نسبية » 
بينما يكون الأقل تعليماً أقل تكيفاً مع هذه المواقف (دريجوفسكي ». )198٠‏ . وإن نتائج 
دراسة سيجال بالنسبة لخداع مللر- لاير تؤيد فكرة تأثير التعليم في الخداع بصورة ه بسيطة . 
وربما يؤثر الانتباه كذلك في الخداع . وكلما كان الغرد ذا اتجاه أكثر تحليلاً كان تع لذلك أقل 
قابلية للخداع (دوب 2 1955). 





337 


مصداقية وثبات تجارب ابن الهيثم 


ونحن إذ نفرغ من كتابة مخطوطة هذا الكتاب نكون قد قمنا بدراسة ثانية عن 
اعتبارات (تجارب) ابن الهيثم عن الغلط البصري , ولقد قدمت هذه الدراسة بالفعل في 
المؤتمر العالمي لعلم النفس والذي انعقد في مدينة استكهولم بالسويد في الفترة ما بين 
58-75 أغسطس ٠٠٠١‏ (الخليفة ومانع »0٠٠٠‏ وقد أثارت الدراسة الميدانية جدلاً كبيراً 
وسط الحضور يتعلق بكشوف ابن الهيثم البصرية وببداية التجريب والقياس في علم النفس 
في مرحلة باكرة من تاريخ العلم . ولقد طلبت بعض الجهات العلمية في كندا والولايات 
المتحدة الأمريكية نسخة من المقياس . وتم بالفعل تسليم نسخة من المقياس «للمعتمدية 
العالمية للقياس» في الولايات المتحدة الأمريكية . كما سبق أن أرسلت نسخة لقسم تاريخ 
العلوم العربية في جامعة هارفارد بالولايات المتحدة . والجدير بالذكر أن هناك استجابة 
إيتخابية واعكماما غير عادي من الدوائر الغربية بالمقياس أكثر من الاهتمام به في العالم 
العربي! . 

ففي الدراسة الأولى كان عدد المعتبّرين (العينة) 78 بينما في الدراسة الثانية كان 
العدد 6٠٠‏ من دولة البحرين تراوحت أعمارهم بين 50-٠١‏ سنة » وكان عدد الذكور 741١‏ 
(58.9/) بينما عدد الإناث 8(1764 6/) وتم مراعاة ه فئات عمرية وكذلك ه مستويات 
تعليمية في اختيار العينة » وكانت أكثر نتيجة بارزة في الدراسة الثانية هي أن اعتبارات أو 
تجارب ابن الهيثم عن الغلط البصري (الخداع البصري) والتي ترجع للقرن الحادي عشر 
الميلادي أظهرت درجة ثبات عالية من خلال إعادة التطبيق بلغت ٠,47‏ وكذلك درجة 
صدق عالية بلغت ١٠,8١‏ . 

نقوم حالياً بدراسة ثالثة عن تجارب ابن الهيثم عن الخداع البصري . وتم بالفعل تطبيق 
المقياس بصورة جديدة لعينة قدرها /ا/ا١٠‏ . وكان طول وعرض اللوح المجدد (50 ا 4سم) . 
وكان سبب التعديل في حجم اللوح يتعلق باقتراح مقدم من بروفسر مصطفى موالدي أستاذ 
تاريخ العلوم بمعهد التراث العربي كنائفة حلت بسوريا: ]ذ اكد أهسة الالتزام بالمفاهيم 
القياسية العربية وما ذكر في دراسة نظيف )١1947(‏ . وحتى تسليم هذه المخطوطة للنشر مازلنا 
في مرحلة تفريغ البيانات بغرض المعالحة الإحصائية 


358 


المجالات التطبيقية لتجارب ابن الهيثم عن الغلط البصري 


يعتبر ابن الهيثم أن العين لا تدرك أياً من الأشكال التي تصلها إلا بالخطوط المستقيمة 
الوهمية الموجودة بين الشيء المرئي ومركز العين , وهي خطوط عمودية على جميع سطوح 
وأغشية العين . وتلعب حركة العينين بالنسبة لابن الهيثم دوراً أساسياً في اندماج أو تراكب 
عملية التكامل ثنائي العين . إن حركات متقاربة متساوية هي ضرورية للحفاظ على التطابق 
الموضعي الطبولوجي للصورة في كل عين . كما أن حركات مترافقة للعينين , تحصل عند 
انتقال النظر من جزء من الجسم إلى جزء آخر أو من جسم لآخرء تملك الوظيفة نفسها . 
فعلى سبيل المثال ؛ عندما ينظر المراقب إلى جسم مرئي , موجها بؤبؤه في اتجاهه ‏ فإن 
محوري العينين يتقاربان في نقطة ما من سف الجسم . وعندما 00 هذا المراقب عينيه فوق 
الجسم المرئي . فإن امحورين يتجهان سوياً فوق جميع أجزاء سطحه . ويستحيل توجيه عين 
نحو جسم مرئي وإبقاء العين الأخرى في حالة سكون إلا إذا تم إرغامها على ذلك . ويحصل 
الشفع أو الرؤية المزدوجة , عندما لا تكون الصورتان متراصتين في الفضاء . أي عندما ينظر 
المراقب إلى جسم ما بإحدى العينين ويحرف العين الأخرى . في هذه الحالة لا يكون 
الدافعان على السجل الطوبولوجي نفسه , بسبب تفاوت الصورتين في العين »وبذلك لا 
يمكن حصول اندماج في التصالب » مما يسبب رؤية مزدوجة (انظر رسل )0 : 
حسب نظرية ابن الهيثم في الإدراك البصري هناك إشكالات تتعلق بالغلط البصري 
(الخداع البصري) . وحسب قوله هناك «وهم» في إدراك العين للأشكال . والوهم بمعناه 
الهيئمي قد يقابل «الخداع» كما في علم النفس الحديث .وتحصل الرؤية المزدوجة بمعنى رؤية 
الشيء الواحد شيئين اثنين كما رأينا في تجارب ابن الهيثم من خلال الغلط البصري . 
وتتضح هذه الرؤية في حالة مراقبة أحد الأجسام بعين واحدة مع انحراف العين الأخرى . 
إن ما عبر عنه ابن الهيثم من ناحية فسيولوجية وفيزيائية وجيوميترية يحيلنا إلى تطبيقات 
هامة لهذه الرؤية الأحادية أو المزدوجة في علم الفلك الذي يعتمد على الملاحظة أو الرؤية أو 
المراقبة بالعين . فضلا عن ذلك يرتبط ربطاً محكماً بالجوانب التى يحدث فيها الغلط 
البصري والتي تحدثنا عنها في هذه الدراسة مثل إدراك الأضواء والمسافات والأ بعاد والأحجام 
والأوضاع والأشكال والحركات والسكون والظلال . ونزعم بأن هناك تطبيقات عملية حية 
لنظرية ومنهج ابن الهيثم الاعتباري في هذه الإدراكات الهامة وخاصة المتعلقة بعلم الفلك , 
وهو وإحد من أكثر العلوم تطورا في الحضارة العربي الإسلامية . 


3659 


جذبت عواصم الحضارة العربية الإسلامية عدداً من علماء الفلك . ولقد أدخل 
إستحداث الطرق الدقيقة والنماذج الهندسية والصيغ الرياضية » موا سريعا لعلم الفلك المبني 
على المراقبة (أنظر ميشو./1191١)‏ . ويشهد على ذلك العدد الكبير من الجداول العددية . 
المرفقة بتفسيرات وافية تتيح لعلم الفلك أو المنجّم حل مسائل مهنته . وهناك أجهزة 
استخدمت لهذه الغاية . بفضل المقالات التي تعرض القواعد الدقيقة لإنشائها . ولقد شجع 
العديد من الخلفاء الأعمال الفلكية » ولقد أشرف الذليفة المأمون بنفسه على مشاريع فلكية . 
وكان أحدها في بغداد في حي الشماسية , وآخر في ضواحي دمشق على قمة جبل 
قاسيون . لقد تجمع على نفقة هذا الخليفة , أكبر علماء الفلك في ذلك العصر»ء وكانوا 
مكلفين بإعداد برامج دقيقة للتحقق من معطيات المجسطي وبرصد خاص للشمس والقمر 
خلال سنة كاملة وهذا ما أوصلهم إلى وضع «الجداول الممتحنة» . 

وقد طور البويهيون برامج رصد في الري وأصفهان وشيراز . وبسب ضخامة الأجهزة التي 
يصعب نقلها فقد تطلبت بعض هذه الأعمال إقامة محطات متخصصة . وقام عبد الرحمن 
الصوفي بقياس ميل فلك البروج , وتمت هذه العملية في شيراز سنة 584 ه/159م . كما 
أعيدت . من دون شك في السنوات اللاحقة » بواسطة حلقة بلغ قطرها عدة أمتار . أما ابنه 
شرف الدولة فقد شيد مرصدا له فى بستان قصره فى بغداد . إن سخاء الخليفتين الفاطميين 
في القاهرة العزيز وخلفه الحاكم سمح للفلكي ا يونس بإجراء سلسلة أرصاد أدت إلى 
وضع «الزيج الحاكمي» الشهير . ويرتكز هذا الإنجاز على عمل تم على امتداد سنوات عديدة 
وعلى قياسات كثيرة أجريت في منزل العالم الخاص وفي أماكن مختلفة من القاهرة . 

شيد فى مراغة » وهى مدينة فى آذربيجان قرب بحيرة أرميا» مرصدٌ كبيرٌ وما تزال حتى 
الوقت الحاضر رؤية جدرانه . وترجع المبادرة في بناء هذا المرصد إلى هولاكو» حفيد جنكيز 
خان . الذي استولى على بغداد ونهبها سنة 5765ه/558١م‏ . وكان هناك اهتمام بالعلوم عند 
هولاكو فضلاً عن اهتماماته الشريرة والمدمرة . وقد ضم لحاشيته نصير الدين الطوسي أحد 
أكبر الفلكيين والرياضيين الذين عرفتهم الحضارة العربية الإسلامية . وأشارت النصوص 
التي تصف امركز إلى قبة مثقوبة في رأسها للسماح بدخول الشمس إلى مكتبة المرصد . وقد 
استخدمت في هذا المرصد بعض الأجهزة التي قام بصنعها العرضي والذي كتب مقالة 
حول هذا الموضوع . فتم التوصل خلال اثنتي عشرة سنة من الإرصاد والحسابات إلى وضع 
«الجداول الإيلخانية» . ولقد استفاد مرصد مراغة . وهو المرصد الأول في العالم العربي 
الإسلامي . من ريع الأوقاف . ولقد أقام ألغ بك كذلك مرصداً عام ١147١‏ م على رابية في 


23200 


ضواحى مدينة سمرقند . ويحتوي مكان المرصد كما كشفت البعثات الأثرية على تمثيل 
للكرات السماوية العشر مع الدرجات والدقائق والثواني وأعشار الثواني » وللكرات الدورانية 
وللكواكب السيارة السبعة ء وللنجوم الثابتة وللكرة الأرضية مع المناخات والجبال 
والصحارى ؛ كما استخدم مرصد سمرقند لتحديد ارتفاع الشمس بواسطة طول الظل (انظر 
ميشوي /ا199١)‏ . 

إن حساب ارتفاع الشمس في الحضارة العربية الإسلامية دعمرنا كان يشكل متونا 
كناميا في اهتمام الفلكيين العرب (انظر ديبارنو» /19191) . ويعتمد هذا الحساب على وتر 
المثلث المحدد بشاخص المزولة وبظل الشاخص أي «قطر الظل» . ولقد دخلت دالة الظل 
بشكل نهائي في الحسابات الفلكية بفضل «الشكل الظلي» الذي ابتكره أبو الوفاء . ونجد 
فى زيج الخواررمي وفي زيج البتاني جدولاً ذا منزلتين بالظلال الخاصة بشاخص مزولة طوله 
١١‏ أضيها . وظهر مصطلح «الظل» في كتاب البيروني «الظلال» الذي يجمع فيه مختلف 
الإيضاحات عن الظلال وقياساتها . لرسم خط الزوال ولتحديد مواقيت الصلاة ولتقدير 
المسافات . وهكذا أصبح حساب المثلثات يحتل مكاناً مهماً في المؤلفات الفلكية , على 
شكل فصول للجيوب والأوتار والظلال وصيغ الحساب الكروي . إن دقة الحساب الفلكي 
تستند , كلها . إلى صحة جداول جيوب التمام . إن دالة الظل والعلاقات الأولى في المثلث 
ومفهوم المثلث القطبي » من بين المكتسبات العلمية للحضارة العربية الإسلامية . فقد قام 
العلماء العرب بقراءة متجددة دون انقطاع ومغتنية بالنصوص السابقة ومصححة لها . وهكذا 
استطاعوا تكوين علم جديد كانت تلزمه بعض التطورات قبل أن يصبح عنصراً لا غنى عنه 
في الحساب الرياضي . 

0 إنالمساهمات العربية الإسلامية في مجال الفلك والتي قادت لكشف وتطوير 
الجداول والأزياج كالجداول الممتحنة والزيج الحاكمي والجداول الإيلخانية وزيج الخوارزمي 
وزيج البتاني كانت تستخدم عدداً من الأجهزة والأدوات للمراقبة في مراصد بغداد ودمشق 
والقاهرة ومراغة وسمرقند والري وأصفهان وشيراز وغيرها من المراصد . وقام بإعداد هذه 
الأزياج عباقرة علم الفلك والرياضيات في التراث العلمي العربي الإسلامي أمثال الطوسي 
والعرضي والصوفي وابن يونس والخوارزمي والبتاني . ونزعم أنه كان من بين هذه الأدوات 
المستخدمة تطبيقات تجارب ومقاييس ابن الهيثم للغط البصري . فإن أي أخطاء أو أغلاط في 
إدراك المسافات أو الأبعاد أو الحركات أو الظلال بالنسبة لحركة الشمس أو الكواكب تؤدي 
لقياسات فلكية خاطئة أو «مغلوطة» . لذلك يجب أن يستخدم مقياس لتحديد حجم 


301 


الأغلاط (الخداعات) ولتجاوز هذه الأخطاء القياسية أثناء الرؤية . نخلص إلى أن الهدف 
التطبيقي لهذه الإسهامات الفلكية هو حساب ارتفاع الشمس ورصد حركة الكواكب ودخول 
الفصول وذلك لتحديد اتجاه القبلة » ومعرفة مواقيت الصلاة » وبداية شهر رمضان . فضلا عن 
بداية مواعيد الزراعة من غير غلط أو خداع بصري . 


تجارب ابن الهثيم وتأثيرهافي المنهج العلمي في أوربا 


قام صبرة )١985(‏ بتحقيق متاز «لكتاب المناظر» لابن الهيثم والذي تم نشره بواسطة 
المجلس الوطني للثقافة والفنون 0 بالكويت . كما قام كنلك بترجمة إنجليزية رائعة 
للكتاب نشرها معهد ووربيرج بلندن . وتحتوي الترجمة على جزأين وهناك أهمية خاصة 
للجزء الثاني الذي يتضمن مقدمة وتعليقات تاريخية وغير تاريخية لكتاب المناظر . ولقد 
كانت هذه الترجمة نقطة تحول كبيرة في محاولاات فهم إنجازات ابن الهيثم في العالم 
الغربي . لقد عالج ابن الهيثم (ت )٠١4١ - ٠١5٠‏ موضوع الإدراك البصري في الفصل 
الثالث من الكتاب وهى بعنوان « فى كيفية إدراك كل واحد من المعانى الجزئية التى تدرك 
بحاسة البصر» والتي تقع في المقالة الثانية من «كتاب المناظر» وهي بعنوان « في تفصيل 
المعاني التي يدركها البصر وعللها وكيفية إدراكها» . وكانت معالجحة ابن الهيثم للإدراك لا 
تختلف عن معالجته فى كتب علم النفس الكلاسيكية والمعاصرة . 

ونظر ابن الهيثم للإدراك الذي يرتبط بالغلط البصري في اثنين وعشرين 7١‏ موضوعاً 
وهي : إدراك الضوء » وإدراك اللون , وإدراك البعد , وإدراك الوضع , وإدراك التجسم » وإدراك 
الشكل » وإدراك العظم . وإدراك التفرق . وإدراك الاتصال . وإدراك العدد , وإدراك الحركة . 
وإدراك السكون , وإدراك الخشونة » وإدراك الملاسة » وإدراك الشفيف . وإدراك الكثافة » وإدراك 
الظل . وإدراك الظلمة , وإدراك الحسن » وإدراك القبح » وإدراك التشابه » وإدراك الاختلاف . 
ولقد وضح ابن الهيثم أن البصر لا يدرك فقط المبصرات الخناصة بالضوء واللون إنما هناك 
(١؟)‏ عشرون من المبصرات . وبين كذلك «أنّْ إدراك البصر للمبصرات ليس يكون في جميع 
الأوقات ولجميع المبصرات وعلى جميع الأحوال على صفة واحدة » بل تختلف كيفية 
إحساس البصر بالمبصرات . وتختلف كيفية إحساس البصر بالمبصر الواحد من البعد الواحد 
ومن الوضع الواحد بحسب قصد الناظر وتعمله لإدراك المبصر وتعمّده لتمييز المعاني التي 
فيه». ويقول طه ( ) وهكذا يتسع كتاب المناظر ليشمل شرحاً وتدليلاً على كل قرائن 


302 


الإدراك المتعلقة بالمعاني التي ذكرها ابن الهيثم في مستهل عرضه للمعاني المدركة . وبعض 
هذه المعاني التى بحثها ابن الهيثم قصرت عنها همم علماء النفس المعاصرين حالياً مثل 
إدراك الحسن والقبح وإن كانت تركت بصماتها في علوم أخرى تتزايد في أهميتها مع مرور 
الزمن مثل علم التصميم الصناعي والمعمار . 

ويمكن القول بدون تردد كما ذكرنا في الفصل السابق بأن ابن الهيثم هو أول من أبطل 
نظريات الرؤية السابقة بصورة تجريبية منذ القرن الحادي عشر الميلادي . وأول من بلور نظرية 
متكاملة عن الإدراك البصري كما رأينا في الفصل السابق من هذا الكتاب . ولقد أثرت 
رؤيته عن الإبصار ونظريته عن الإدراك البصري ليس في تاريخ البصريات فحسب إنما في 
تاريخ المنهج التجريبي عامة وعلم النفس التجريبي خاصة . وكان كتاب المناظر معروفاً في 
أوربا منذ القرن الثالث عشر (أو أواخر القرن الثاني عشر) الميلادي حين ترجم الكتاب كله 
(عدا الفصول الثلاثة الأولى من المقالة الأولى) إلى اللاتينية سنة ١6177‏ وأعيد نشرها سنة 
. وترجم الكتاب كذلك من اللاتينية إلى الإيطالية في القرن الرابع عشر الميلادي . 
وترجم إلى الإنجليزية عام ١1484‏ . وقد قرأ كبلر ء ومن بعده ديكارت » ترجمة مناظر ابن 
الهيثم إلى اللاتينية (راشد , )١1486‏ . ويعتبر نيوتن حسب تاريخ برينان أنه عالم الرياضيات 
الذي صاغ أسس الفيزياء الحديثة » بينما يعتبر ابن الهيثم حسب تاريخ تاتون (1988) : 
وصبره (1987) ء وعمر (1981١)ء‏ ونظيف )١1947-1١9147(‏ أنه هو الذي صاغ أن 
البصريات الوسيطة . ويورد ابن الهيثم أدلة عديدة , منها ما هو مبنى على المشاهدات العادية 
ومنها على التجارب » يبين فيها أن الإبصار يحدث بورود أشعة الضوء من المبصر إلى العين 
(عمرء١9481١).‏ 

ولقد تمت في الغرب ترجمة لاتينية «لكتاب المناظر» لابن الهيثم في أواخخر القرن 
الثاني عشر ء وكان له أثر كبير في عقول الرواد الذين ذكرهم بورنج (1901) بأنهم مهدوا 
مجيء علم النفس التجريبي أو العلمي (تاتون : 1988 ؛ سويسي , 14806 ؛ الدوملي ١1457 ٠‏ ؛ 
مرحبا ء 19170) . وإن كتابات روجر بيكون عن الإبصار هي في أغلبها شروحات لكتاب 
المناظر (هاوارد » 1447) . أما بالنسبة لقول فرنسيس بيكون بأن يتصف العالم بالشك فيبدو 
أنه تأثر تأثراً مباشراً بابن الهيثم . ولقد درس فرنسيس بيكون اللغة العربية في جامعة 
اكسفورد » واطلع من نخلالها على إسهامات العلماء العرب والمسلمين . ويقول فرنسيس 
بيكون نفسه «عجبا تمن ينوي البحث في الفلسفة مع كونه يجهل العربية» . 

وعلى حسب تاريخ برينان (1981) » أكد هلمهولتز في كتاب « فسيولوجيا البصريات» 


303 


على أهمية الملاحظة العلمية وعلى استخدام المنهج التجريبي . ويؤكد هيرجنهاهن (1985) 
بآن أعمال حلمهوك: جعلت كلا من الفيزياء »والفسيولوجيا “والسيكلوجيا قريبة بعضّها من 
بعض . ويبدو أن هلمهولتز قد تأثر بالعلم العربي الإسلامي في القرون الوسيطة وكان له 
اهتمام خاص بتارب يخ العلوم عند العري والمسلمين .مغلا قام بنشر موضوع عن المقياس 
الموسيقى العربى-الفارسى » وكان لأعماله فى البصريات تأثيرها العميق (شولتز ؛ )١94١‏ 

| ولقد أشار هلمهولتز (18457) نفسه إلى الترجمة اللاتينية لكتاب لمناظر؛ وتحتاج 
إشارته لمعرفة إلى أي مدى قد تأثر بأعمال ابن الهيثم البصرية . وعلى حسب تاريخ بورج 
(19610) أن أضخم مساهمة لهلمهولتز هي البصريات والتي قادته لمسائل «الإدراك 
البصري»6 . صحيح جدا بأن هلمهولتز هو عملاق في القرن التاسع عشرء ؛ ولكنه تأثر بابن 
الهيثم الذي كتب عن «الإدراك البصري» في القرن الحادي عشر الميلادي . ولقد أكد ابن 
الهيثم كما ناقشنا سابقا على الملاحظة العلمية ‏ وعلى استخدام المنهج التجريبي والذي 
يسميه «الاعتبار» » ويعتبر «كتاب المناظر» بحثا مركبا من الفيزياء » والرياضيات » 
والسيكولوجيا . ولقد عالج ابن ن الهيثم موضوع «الإدراك البصري» بتفاصيل علمية : نظرية » 
ورياضية » خاصة موضوع «الغلط البصري» الذي قاسه بصورة اعتبارية تجريبية والتي تركت 
بدورها را كو في العالم العربي فحسب إغا في تاريخ العلم كافة . 


إذن: كيف جاء علم النفس التجريبى للوجود؟ 


بوسعنا القول بأن محاولة ابن الهيثم في وضع نظرية عن «الغلط البصري» » ومن ثم 
محاولة تصميم اعتبار «مقياس» للبرهنة على النظرية في القرن الحادي عشر لا يختلف عن 
قواعد التجريب في علم النفس في نهاية القرن العشرين . وإذا رجعنا للمقالات الأساسية ؛ 
والكتب المنهجية لوجدنا روح التشابه القوي بينها وبين ما قام به ابن الهيثم انظر مغلا 

(بارتلي » ١141١‏ ؛ بينتلي »1937 ؛ بيرنز ودوبسون ١9/81١ ٠‏ ؛ فيرنبيرجارء» 147١‏ ؛ جيلفورد ( 
4 ؛مايرزء 198٠‏ ؛ بيرسون 151١.‏ ؛ ثيرستون .19717 ؛ وودويرث 0 1978) . وتحدث 
ابن الهيثم بصورة عالم النفس التجريبي عن مشروع كامل عن علم نفس الإيصار. 
ومحاولات ابن الهيثم . بدون منازع , هي الأكثر تجريبية في تاريخ علم النفس وقد يصعب 
إيجاد تفسير للسر المبكر بتطور التجريبية بهذه الكيفية الصارمة . وإذا رجعنا إلى كتب علم 
النفس الحديث . وخاصة مدارس علم النفس . سنجد أن ابن الهيثم هو الرائد الحقيقي لعلم 


394 


النفس التجريبي . 

عالج ابن الهيثم الباحث بالدرجة الأولى . والتجريبي الثقة موضوع «الغلط البصري» 
الذي يقع في قلب باب السيكوفيزيقا المعاصرة بصورة عبقرية . إن عبقرية ابن الهيثم بإنجازه 
العملاق في علم البصريات . وخاصة صرامته التجريبية » ربما يصح القول بأن دوره الريادي 
فى الثقافة العلمية فى الغرب يزيد عن المكانة التى حظى بها فى 1-5 العربية الإسلامية . 
وذلك لأن كتاب المناظر أصبح المرجع الأساسي للبصريات في أوربا طوال القرون الوسطى . 
ويمكننا أن نكرر القول بصورة استفهامية لماذا لم يجد علم النفس الهيثمي حلفاء من العرب 
والمسلمين إنما كان الحلفاء له من ألمانيا ؟ وبالنسية للعلماء الذين ذكرهم بورنم بأنهم مهدوا 
بجيء علم النفس التجريبي » كان كتاب المناظر ملهماً لأعظم بصري بعد ابن الهيثم وهو 
الألماني كبلرء والذي نشر كتابه عن «الأوبتيك» عام .1١51١١‏ 

وقد ألهم ابن الهيثم غيره من العلماء في الغرب أمثال واتيلوء وبيكهام . وبيكون . 
وديكارت . وبالنسبة لعلماء السيكوفيزياء كان ابن الهيثم ملهما لهلمهولتز والذي يعتبره 
برينان (15187) بأنه «واحد من أميز العلماء في القرن التاسع عشر» بل يعتبره هي رجنهاهن 
(19487) بأنه «أعظم عالم في القرن التاسع عشر» » ويضعه بورنم (/1461) في قائمة أعظم 
العلماء في تاريخ علم النفس وهم : «داروين » وهلمهولتز » وجيمس ء وفرويد» . إن ابن 
الهيثم يبدو أنه الأعظم لأنه كان ملهتنا للعلماء على مدار ستة كرون وبذلك يعد في تاريخ 
البصريات عملاقاً في كل العصور . وأصبحت بصرياته فيما بعد معلماً أساسياً في تاريخ 
مباحث السيكوفيزيقا التي مهدت لظهور علم النفس التجريبي . 

ابن الهيثم عالم وباحث بقدرات متعددة ومتداخلة : تشريحية ؛ وفسيولوجية , 
وفيزيائية » ورياضية » وتقنية » وسيكولوجية وبذلك كانت البصريات عنده مركبة من هذه 
العلوم . ولو عاش ابن الهيثم سنوات أخرى ربا كتب مقالة إضافية في نهاية «كتاب المناظر» 
تسمى حرفيا «سيكوفيزياء الإبصار» . بلا ريب ء وقد قام ابن الهيثم بإبداع مصطلحات 
جديدة » وصياغة نظريات جديدة » وتطوير مناهج جديدة اودجي أدوات جديدة . ومن ثم 
تأليف كتاب جديد للمناظر . فتكرار كلمة «جديد» تعني أن ابن الهيثم مبدع وفق تعاريف 
الإبداع المعاصرة . وأنه عبقري وفق تعاريف العبقرية الكلاسيكية . وفي تقديرنا فإن إبداع 
وعبقرية ابن الهيثم في علم نفس الإبصار لا يرجعان للمصطلحات التي طورها , ولا 
للنظريات التى صاغها بقدرما يرجعان لنوعية المناهج الجديدة التي استخدمها في مجال 
البصريات . 


305 


إن أصل ابن الهيثم من مدينة «البصرة» وأحد معانيها الظاهرة النظرة أو مفردة 
«للمبصرات» ومعنى أسم «ابن الهيثم» في اللغة فرخ النسرء و#يبصر» النسر بعيتين 
حداقتين » وهو عالم عملاق «للبصريات» في كل العصور . وإن هذا الارتباط بين مكان 
الأصل . ودلالة الاسم . ومجال الاهتمام ربما كان عاملاً أجعل ابن ن الهيئم يبصر بصورة نظرية 
دقيقة في موضوع «الغلط البصري» » ويستبصر بصورة تم يبية استقرائية عن كيفية إثبات 
نظريته » وكانت كل من النظرية والتجربة تطبيقاً عملياً لعلم النفس في العصر الذهبي 
للحضارة العربية الإسلامية . وبوسعنا القول في هذا الجحزء ء من الدراسة كان علم النفس وا 

من الفيزياء الوسيطة التي اعتبرت ملكة العلوم مؤخراً ؛ وبعبارةأكثر تحديدا كان علم النفس 
جزءاً من علم الفلك الذي أبدع فيه العرب والمسلمون . وأكثر وأكثر تحديداً » كانت تطبيقات 
علم النفس جزءاً من عمل المراصد وكان ترطيد مراغةٍ مثالا رائعا للعلم التجريبي . ونكرر 
القول بأن علم النفس كان أولاً : تظريا + وثانياً + تجريبيا ) وقالما : تطبيقيا ..ولقد يحفنااخد 
النظرية والتطبيق في الدراسة الحالية » ولكن كيف كان التطبيق ؟ كان علم نفس الإبصارء 
وإن شئنا كانت سيكوفيزياء الإبصار كذلك , علما تطبيقيا في المراصد لتحديد مواقيت 
الفرائض ٠‏ ولقياس اتجاه القبلة بزوايا دقيقة ‏ وبلا خخداع في عملية الإدراك ؛ وبلغة سينوية 
بلا أخطاء فى عملية الرؤية » وبلغة هيثمية بلا «غلط بصري» . 

وإذا كان علم النفس بهذه الكيفية : النظرية » والتجريبية , والتطبيقية فكيف يا ترى 
يمكن إحياؤه وتجديده ؟ وعلى سبيل المقاربة » أسوة بأوربا التى أحيت تراثها الإغريقي 
(الخليفة » قيد النشرء 1996) » وعلم النفس الهيثمي كان أكثر أصالة من علم النفس 
الإغريقي لأنه كان قائماً على الملاحظة والاعتبار لا على التأمل العقلي والنظرة المسبقة » 
وكان يشما بالفيزياء ء لا بالميتافيزيقا . وفي تقديرناء فإنه بالإضافة للمعاصرة » فإن أي 
مشروع إحيائي وتجديدي لعلم النفس التجريبي في التراث العربي الإسلامي يكون ابن 
الهيثئم » بلا ريب . هو محوره ومركزه الرئيسي . وإلى هذه اللحظة فقد تم تطبيق المقياس المجدد 
على عينة من البحرين . ولقياس صلاحية المقياس ولدرجة الثبات والصدق من المهم تطبيقه 
على عينات من بقية الدول العربية الأخرى لمواصلة المشروع الإحيائي والتجديدي لإسهام 
ابن الهيثم . 

ويؤكد مؤرخو علم النفس في الغرب » بصورة إجماعية » وعلماء النفس العرب كذلك 
على أهمية مساهمة فيبر , وفخنر » وهلمهولتز » في تطور سايكوفيزياء الإبصار وتبعا لذلك 
تطو رعلم النفس التجريبي . ولكن يمكن أن نعيد النظر في كتابة هذا التاريخ » بأن نميز بين 


2306 


مرحلتين من مراحل تطور هذا الفرع من العلم : مرحلة الإبداع ومرحلة الاكتشاف ا 
القرن الحادي عشر ومرحلة القرن التاسع عشر . وبوسعنا القول لقد كان ابن الهيثم مبدعا 
لسيكوفيزياء الإبصار بينما كان فيب؛ وفخنر » وهلمهولتز مكتشفين لها . ومهما يكن » هناك 
أهمية لكل من المبدع ولكل من المكتشف في تاريخ علم النفس . ويمكن القول بأن ابن 
الهيثم بكتاب المناظر العملاق يقف في قاعدة صلبة لمنارة شاهقة تكشفت أنوارها المتلألئة 
النفس . 

ولعل النتائج السابقة التي توصلنا إليها تقودنا إلى أطروحة الدراسة الأساسية وهي أن 
ابن الهيثم هو القاعدة الأساسية لأول تأسيس لعلم النفس التجريبي . ولعلم النفس مرتبطاً 
بالفيزياء , ولعلم نفس الإبصار . وللسيكوفيزيقا في تاريخ علم النفس كافة . ومن المناسب أن 
لخ فى ليابد عد القراد إلى مقدمتها لكي نعيد النظر في تساؤل بوريج : كيف جاء علم 
0 العربي أو العلمي للوجودة ل كان ران لد في س0 0 عشر . 
عشرء وؤائعاً عضيو غلم رد التاسع عشر . وبذلك تكون محاولة ور 
لتسلق قمة إفرست في مسح تاريخ علم النفس التجريبي هي محاولة تسلق ناقصة أو مبتورة 
لأنها لم تبدأ من قاعدة الجبل . 


37 


المصادر والمراجع 


ابن سينا » أبو على (9480 - ٠١77‏ ) . الشفاء : النفس . تحقيق ومراجعة جورج قنواتى 
وسعيد زايد )١91/8(‏ . القاهرة : الهيئة المصرية للكتاب . 

ابن الهيثم » الحسن (ت )٠١١4١-١١4٠‏ . كتاب المناظر» تحقيق ومراجعة عبد الحميد 
صبره )١1987(‏ . الكويت : المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب . 

أبو النيل ؛ محمود (1985) . علم النفس الاجتماعي : دراسات عربية وعالمية . الجزء 
الأول . بيروت : دار النهضة العربية . 

أحرشاوء الغالي )1١99:(‏ . واقع التجربة السيكولوجية في الوطن العربي ٠‏ بيروت : 
المركز الثقافي العربي . 

بارتيلي »هوارد )١19875(‏ . دراسة البصر . ترجمة سمير مراد . في : مناهج البحث في 
علم النفس . الجزء الأول » ص . 305-751 . أشرف على تأليفه ت . أندروز . أشرف على 
ترجمته يوسف مراد . القاهرة : دار المعارف . 

تاتون » رينيه )١1984(‏ . تاريخ العلوم العام : العلم القديم والوسيط . ترجمة على مقلد . 
بيروت : المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر. 

تاتون , رينيه )١1944(‏ . تاريخ العلوم العام : العلم المعاصر . ترجمة على مقلد . بيروت : 
المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر. 

ثرستون .ل (*1918) . الطرق السيكوفيزيقية . ترجمة مختار حمزة . في : مناهج 
البحث في علم النفس . الجزء الأول . ص 11717 - 3١19‏ . أشرف على تأليفه ت . أندروز . 
أشرف على ترجمته يوسف مراد . القاهرة : دار المعارف . 

الحسون ‏ عباس . » وعزيز يعقوب )١980(‏ . البصريات . بغداد : جامعة بغداد . 

الخليفة . عمر (1948) . معوقات نو علم النفس في العالم العربي . بحث غير منشور 
قدم للندوة العلمية الأولى لأقسام علم النفس بجامعات دول مجلس التعاون لدول الخليج 
العربية «علم النفس وآفاق التنمية في دول مجلس التعاون الخليجي» , جامعة قطر والمنعقدة 
في الفترة بين ١15-١١‏ مايو 1998 . 

دويدار. عبد الفتاح (1947) . الأساس البيولوجي والفيزيولوجي للشخصية . 
الإسكندرية : دار المعرفة الجامعية . 


الدويملي (؟1951) . العلم عند العرب وأثره في تطور العلم العالمي . ترجمة عبد الحليم 


2058 


النجار ومحمد يوسف موسى . الطبعة الأولى » القاهرة . 

ديبانو » ماري (11947) . علم المثلثات : من الهندسة إلى علم المثلثات . في موسوعة 
تاريخ العلوم العربية . إشراف رشدي راشد بمعاونة ريجيس مورلون . الجزء الثاني (ص . 
557-7171) . بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية ومؤسسة عبد الحميد شومان . 

راشد . رشدي (1980) . تاريخ العلم والعطاء العلمي في الوطن العربي . مجلة 
المستقبل العربي » 45-90701١١‏ . 

رسل » غول (191897) . نشأة علم البصريات الفسيولوجي . في موسوعة تاريخ العلوم 
العربية . إشراف رشدي راشد بمعاونة ريجيس مورلون . الجزء الثانى (ص . 489-/970) . 
بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية ومؤسسة عبد الحميد شومان . . 

روكلن . موريس (1987) . تاريخ علم النفس . نقله إلى العربية على زيعور. بيروت : 
دار الأندلس . 

زيعور » على )١198”*(‏ مقدمة ترجمته لكتاب موريس روكلن )١987(‏ . تاريخ علم 
النفس . بيروت : دار الأندلس . 

سويسي . محمد (1986) . أدب العلماء : الرازي » المحسن بن الهيثم » ابن سينا . 
تونس : الدار العربية للكتاب . 

صبرة , عبد الحميد (198) . مقدمة تحقيق كتاب المناظر للحسن بن الهيثم (ص ”١‏ 
- 56) . الكويت : المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب . 

صبرة » عبد الحميد . » والشهابي , نبيل )1917/١1(‏ . تحقيق الشكوك على بطلميوس . 
القاهرة . 

صديق . حسن . » ونصرء كتر )١1988(‏ . الإصدارات النفسية العربية : دراسة تحليلية 
إحصائية . الثقافة النفسية ‏ "./ا١.‏ 

طه » الزبير (1440) . سايكوفيزياء الإبصار عند ابن الهيثم . المجلة العربية للطب 
النفسى . -756501١‏ #/ا3؟ . 

عباس » فيصل )١1447(‏ . موسوعة علماء النفس والتربية . بيروت : دار الفكر . 

عدس ء عبد الرحمن . » وتوق . محيي الدين (1987) . المدخل إلى علم النفس . 
نيويورك : جون وايلي وأولاده . 

العروي » عبدالله )١1987(‏ . ثقافتنا فى ضوء التاريخ . الدار البيضاء : المركز الثقافي 
العربى . 


2309 


عمر ؛ صالح )198١(‏ . الاستقراء عند ابن الهيئم . مجلة تاريخ العلوم العربية ‏ ه . ها 
-44م. 

مرحبا ء محمد عبد الرحمن (19170) . الموجز في تاريخ العلوم عند العرب . بيروت : 
دار الكتاي اللبنانى . 

ميشوء فرانسواز (1491) . المؤسسات العلمية في الشرق الأدنى في الققرون الوسطى . 
في موسوعة تاريخ العلوم العربية . إشراف رشدي راشد بمعاونة ريجيس مورلون . الجزء الثالث 
(ص . لاه7١87-1١11)‏ . بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية ومؤسسة عبد الحميد 
شومان . 

نظيف , مصطفى (1447 )١19479‏ . الحسن بن الهيثم : بحوثه وكشوفه البصرية . 
القاهرة : جامعة فؤاد الأول . 


المراجع الأجنبية 
أونمة!-لث .آ ضآ .لاع2010ءل'إ5م 01 عت أأماء5لل عا ع12تلتتنة1ك5آ 0 .(1981) .لخ ,نتتستطكد1]!-اذ 
-49 .م) عاتأععمومعم عنتصيهةلة1 ع1 :5ععمعاء5 [18نطهم لصة لدزع50 .(.805) أععوكد[[.هم يى 
/0217625100] جاخ ةانالطة عدتكا :طدللع1 .(70 
-طئناطن© 5417/11 :0ه0لهمرآ .كاذاع010اءل9كم 1451112 01 مستدرعائل 12 .(1979) .820.5 
6 
لسصدناذه1 صهة/ 01ل بلع[1 .وزقةط كاز 01 'إ000د5 ى :دمهزول/ا .(1941) .3 ,لإعامد8 
ضع 2عث .لإع5(912010م ]621123262م20 01 565لا 320 ع20015ه 126 .(1937) .711 ,لزعلا نمعظ8 
.452-469 ,50 ,نإو ه[مطعنزوط 01 [12دناه0ل 
-821 .صم1كنال1ا ععنإنآ-ىة11ن81 لمة أمعمرومماء/7ع0 لقتامعع2عم ,لاعمامع8 .(1968) .[ ,بمع8 
.205-60 ,59 ,لإعه1[مطعئزوظط 1ه [3مىتنا0ل اذا 
-09غعأممة لملا بععل38 . نإع1010اعلاكم [611126263م© 01 لرمأكقط ى .(1957) .8 ,مم8 
0105١‏ [التأوع 0 
,للهتآ-ععوعء :لإعومع[ بجعع81 . بإع1010ع/59م 01 5)6205لإ5 لهة 1115059 .(1982) .[ ,ممممععرظ 
1 
لدعاعه01طعلإ5م 02 لعاقعل «متأشائعوء2مع2 عط لمة ممتامعععء2 .(1956) .18 نل اللامصتوظ 
10213مكتلهن) أه ونسء ازمنا :لزعاعاوع8 .ممع مراءعمىرء 
12 عأقةعممآ .نرع1010اع59م 21922212[1عم2 .(1981) .ل) ررموط120 يل ,شآ ركقصناظ 
8 102كنالاة ععنز!-وع1آدن84 عط 2ه 169[ زطتامعع3ند لنة وممغدعنل8 .(1970) .© ,103015 
.25-4 ,82 ملإعه[أمطءلزوط لهأع50 07 [دمعنه[ .ع1[معلدلزإمدظ عطا 
-طأهملاط لدوعاعهامعع عط لسة ومأذنا!11 تدعتاء؟-لهاغمه2 مط غ15" .(1967) .ل ,نأو اموعمع12 
١‏ .2693 ,2 ,لو وامطءنروط 4ه لقصنه1 لقدمتادممعام1 .ذلوء 
-65م ل8كنكاتاء 2055 ل :5ع7تتاءام 2820 3116125م ,1110151025 .(1980) .1 , أكأواموع,ء12 
.و5ع2 عتدوء20عثم :مهلدمآ . ع اتاععمة 
]0 2[1لتنا10 #مواتتا-عط)- 1111-0 [هتن6اناء-5ومضي2 ل :لورعع 3لا علاء810 .(1966) ..آ ,ط200آ 
13-4 ,63 ,لإعهامطاء لاوط 
-50م 1نء1751م0طء/ا5م 195 كاأقع72علناز لاإاتأقناوء 01 عونا ع1 .(1930) .5 ,مععمعطمع1 
107-22 ,37 ,للاعالاع1 لدعاعه[مطعلاوظ .5ع دالءء 


401 


:3ننا10 . لمذكنا!!1 [هع5رة 0121-٠‏ مط 01 «متأهعاون!11 ع1 .(1947) غأعم5 ع ,.2 رميععصاط 
.243-50 ,37 ,لإعه[مطعءنزوط لقامعن رمعم« 01 

.لإتقعطايآ /إ211972510[] 7/0510 :008ممآ .متدعط لمة علاط .(1968) .1 ,بممعء01 

-طاع52 لوعلدلإاممطعلا5م 2 25 321150285م012ء 0ع31:6م 01 لوطاعم ع1" .(1928) .5 ,لىه] آنا 
.4494-6 ,35 ,للاعااع 1 لوعاعه1[مطعلزوط .00 

عأثلء «ععقطلف ل 5لنناه11725' ع2ء01)م0 2 ذ5عءء2ع162ع1 015 3ل[ 11 .(1896) .11 ,عاامطصاء1]1 
-55 12 ع0 7351261097 ع5ناع1012نا! 2530008ع5 13[ عل ععئتال) 1572 ,ع821 ,مجعم115 .1 نوم 
.0120م درملامععمعم 13 عأناتطا 

:ماع .لإع10[ماعلا5م 01 /رمأقلط عغط) 0غ 160ع00ل0عامز مف .(1986) .8 ,مطمطمععععء1آ 
.لإلققم010) عمتطكتاطناظ نطاكره:717/205ا 

رع .ههع22هطعطم أدناكالا 01 65 2رع/ام0ء15ل لعاعع1مء2 5'لمعمقطلم .(1996) .1 ,لعند ده 
1203-1-7 ,25 ,ومل)امعءء 

طلز .كمقء1 ,1-111 ك8001 ,تسقطالاد2[1-1 د16 01 د5ع1)ام0) ع1" .(1989) ممقطالاد21-11 دآ 
.21112 عتتاطعة الا ع1 :002مم8آ 3عط2ذ5 .ى نزط لإمقاصع تلم لصة ده1اعنال110د1 

طانمتاقظ8 .دسمقطن دأ لإلباد ذ :15021261لاقء لقة كوه أكنا1ا! عاتاعمزمعء0 .(1966) .0 ,5003ل 
.193-11-9 ,57 رلإاع10مطعلزو 01 5221نا0ل 

0 101825معع20 5ه 1كنا للا أدعتماء72معع 0) /()1[أطتامععكتاد .(1970) .8 ,لإععمهاد ,.0 يقل0طول 
179-184 ,7 ,وعادلإطممطعلزو لمة وملامععععء2 .عمتدتدء) لقدما1ووعء)20م لة عتنطانء 

-لاقم لقالع ل قعماء لهة ذ5ع لد لإطممطعلاوم 04 ععلطناه؟ عط 15 850لا .(1999) .0 بوأععلوك1 
. 1-26 ,16 ,قعع5162 لداع50 عنصتة !15 01 ل22تننا10 مدءتمعدمة ع1" #بزعومامطء 

-110 01 لتتناتدع [لتم ف :مهاؤزلا 04 /إع010اءلزكم عللتقطاءد1]1 ع1 .(ؤوعرم ه() .0 بواعء اهك1 
.(12طدعف 1ل1ة5) 'أومء017[] 12جدالطة3 عمتككا ]0 [02ىنا0[ .أعهم 

بنات]1 :111051085 [2ناذالا 04 0165نا5 متقطاز 21-112 ه16 .(2000) .11 بهصمدكل8ة < ,.0 ,واعء ا دل]1 
-بزو 04 لوصعنا0ل لقصه2)1متعاص1 .لزع ه[مطعءلاىم أهارعم قعملاء 01 ارمأقلط عطا صأ معارع /امع15ل 
بلمأمطعاعه]5 . لإعم1[مطء لازو 01 5وععع000) [2)0002لمعاهآ 11 /التا عط 1ه كأعهواوطكة ,لإوماماء 
.0 لاآنال 23-28 معلع باد 

قتطماع 20 اتطا2 . بإعهأهطاءلاوم سعع200 01 1013202616025 111501131 .(1987) .]1 ,ععالمع ا 


.ووع26 62516 117ول] عأممرع 1" 


002 


01 391تنان1 .ق10كنا!!1 لهغأه10220-[2ع1ارعء/ عط أه 5أذلز[2مد مث .(1955) .1 ركفم3 قنك[ 
.134-140 ,49 ,لإعوامطءلاوط لماع عمط 

عمتلام علرملا بأع[8 .لم2 ,تممعط) لدعزع 010 طعلاوم 01 1005انا امت ع1" .(1982) .1 ,لإوبلامآ 
.لوم مره ) عضنط اطنط 

1320 هنم .نآ علوملا بسع[8 . لإعه1وطعلازكم العم ترعمءا8 .(1980) .له ,دوع آل 

عأعداظ وعامدط© ع نهلك :20002مآ .عءع2رعغ1ء5 01 عقلطدتة0 ع1 .(1911) .ا ,مموموعط 
:020011آ .لتقعمع5 .0 نز .كمة1' .108أمعع7عم 01 105ة1أمقطععم عط1' .(1969) .ل ,أععواط 
أنه مدعع ا لمة عولع |نناه؟] 

.55 عالمعلدعه :لصة![:0) .360 ,لنإعه0[امطءئ!ز5م ضمء12100 01 برمأواط ذخ .(1981) .(آ ,2النتاعد 
1521 08 عتنأأناء 01 ع1[111272ه1 .(1966) .54 ,نا الامعاويع11 2 ,.2آ ,اأاعطامصةن .81 ,المهوءد 
.لأقمعة8-وططه8 :وزاممقصدتلص]آ .ممنامععمعم 

الاعالاع 1 لقعلعه0[10طعنزة .1أ2ضعلر7ع0ناز 352)17مجزم 01 بدا ث .(1927) ..[ , عممأسصتط1 
.273-66 ,34 

لمة 5100118285 ,غ28 01 قاعك811 :108كنالا مجده عط ]0 لإمععمغم0 .(1977) .0آ ,رعمعد ا 
.161-16 ,12 ,لزاع ه[مطءنزو أ0 ل[قصعداه1 أهمه20 معام[ .امع سدم الاو 

عأأعمعء0) .كم10كنا 11 لدعنام0-[دعاماع172معع 01 اناد عتأعدعع خ .(1942) .لذ ,دمع ]اج/13 
1101-5 ,25 ,كطموعع ه7100 نزعه1مطءلزوط 

علنة[ن) ععاوعء7/07/ .أمعمرمم1ع7ع0 البطمعععع2 .(1957) .11 ,تعررع الا ع ,.ذ ,ععممد/لا 
.و25 )زوق 172117 

قتاء أمظ أدعاعهامطءنزو .مه امععرعم 01 5غ1لنند لهامعمرمماءعتع12 .(1960) .ل ,الأطاطه8 
.249-88 ,57 

.ام بممع علهلا بعع81 .نإو أمطعلزوم لقامع ممما .(1938) .11 رطاءم لمنلا 

-نالاذ لقتاأمععمعم آه /دمعغطا 5'بمميوع:0 2ه 2)1085مء065 مم50 .(1967) .301 رضاءه | أممة 
.193-117 ,19 ملإوم1أمطع نزو لهأامع ممعم ءاظ أه أقمعنا0ل بإأومعةن0) .كماد 


003 





كيفية وضع مقياس ابن الهيثم للغلط البصري في قرنة الأنف 


404 





تحليل ثلاث تجارب لابن الهيثم في ضوء علم البصريات الحديث 


005 


متوسط درجات حساب 


المستوى التعلي 


٠ 


في 


3 ار الا ا راي لاا الى ار كر كر اليا ىقري و 
0 20 
2ك 000 
0ك 0 
0غ 2 
0 20 


0 


0 0 
0ك 0 0 2 
از ذزذزذزذزذذذذذخ 


0 كك 0 
5 لاسر ار تر ار ل 2 ا ىار كر 
اك 0 200 56 


00 يده 








0 > يا “تت 
0ك 11 


. 2 
34 0 ىري م © 
7 0 0 2 0000 00 
ا 


يِ 








407 


متوسط الدر. 


جات 


للتجارب | 


. 


في 


يِ 


0 
0 
00 
0ك 
1ك 00 


95 


> اعد / 0 0 
م م “آذ ذ[ز ذ ذز[ [ [ز [ زؤ [ 0 110101101011ظغ2 


2999-20-90 


ا 
0ك 
0 
ا ااا 
اك 
00 4© 100 
2 


ار 





2 
ا 0 


0 
0ك 
00 0 
اذ 
ا 

200-44 


9-4 
00 لي‎ 
٠ 








التداخل بين متغير العمر والتعليم في الغلط البصري 


408 


مقباسر ابن الهبثم للخدام البصري 


إحياء وتجديد 
د. عمر الخليفة 
الاميم قسم علم النفس ٠‏ جاصعة البحرين 
سس ل ؤغ2 
لل اا ا 01 
غ2 
السكن: ق ةم ( دينة ( ( 
اسم لفاحم _ سس 
التجرية الأولي 


ثبت / ثبتي الدبوس الأحمر على النقطة (ك) في وسط اللوح بصورة قائمة معتدلة ٠‏ ثم ضع الدبوس الأخضر في 
النقطة (ح) والدبوس الأزرق في النقطة (ط) . ثم أطلب من المفحوص أن يرفع اللوح ويركب الخرق الذي في وسط 
عرضه على قرنة أدفه وفيما بين عينيه حتى تدخل قرنة الأنف في الخرق وتلتصق باللوح 

أطلب من المفحوص قاتلا : حدق بعينيك لأنظر بشدة وبتركيز) فى الديوس الأحمر فقط والذي يقع في وسط اللوح 
(نقطة ك) تحديقا (تركيزا) شديدا ٠‏ وأسأله قائلا: 

(1) كم دبو سا أخضر ١‏ وأحمرا وأزرقا ترى ؟ 


التجربة الثانية 
اطلف دن المتعرض أن يحدق بده يزكر التظلر) غنم الترة على الخلوظ المزيكودة في الأوج ولسالة كلد" 
(:) كم خطا أحمرا ترى من الخط (<م ز)؟ 


التجربة الثالئة 


أضع الدبوس الأخضر على الاتطة (ل) والدبوس الأزرق على النقطة (ف) . واطلب من المفحوص أن يحدق بشدة 
(يركزالنظر) قط على الدبوس الأحمر الذي في وسط الوح (قطة أكه)؛ ولسال قل 


التجرية الرابعة 


أضع الدبوس الأخضر في النقطة (ع1) والدبوس الأزرق ار م ة (ع2) وقل للمفحوص حدق بشدة (ركز النظر) 
على الدبوس الأحمر ققط الذي في وسط اللوح (نقطة ك) و قائلا: 
4 


التجربة الخافسة 


لشب الديونن الأختر في النتطة (ي) واطلب: من المقجوص أن حدق يتندة في الديوين !ا الأحمر فقط الذي في وسط 
اللوح (نقطة ك)؛ وأسأله قائلا 
() كم دبوسا أخضرا ترو 


اترى؟_- 


مقياس ابن الهيثم للخداع البصري 


409 


الفصل الثاني عشر 


تاريخ علم النفس التجريبى 
فى التراث العربيى الإسلامي 


411 


الفجوة فى تاريخ علم النفس التجر يبى !* 


من الملاحظ (والملاحظة هي نقطة البداية في علم النفس) أن مجموعة كبيرة من كتب 
علم النفس في المكتبة العربية والموسومة ب «مقدمات» أو «مبادئ» أو «مداخل» وحتى 
«مناهج» و«أصول» ‏ أنها تنحو نفس المناحي الموجودة في كتب علم النفس الغربي . وتؤكد 
هذه الكتب على مفاهيم ونظريات ومناهج وأدوات علم النفس اليورو - أمريكي سعدا 
على من كتبها تجاوز التصورات الغربية لسلوك وتفكير ودوافع وقيم الإنسان (أبو النيل» 14486 ؛ 
أحمدء 1998 ؛ حمزة 14852 ؛ سليمان والمليجى وبديوي . 195454 ؛ عباس ١19985٠‏ ؛ 
عيسوي ٠‏ 1914 ؛ محمود 419١‏ مراد» 1435) . وهناك اتفاق عام بين علماء النفس العرب 
أعلاه على أهمية دور الفلسفة الإغريقية من خلال مساهمة أفلاطون وأرسطو خاصة باعتباره 
مؤسس علم النفس . والاتفاق الثاني بين علماء النفس العرب هو على دور عصر النهضة ويمثل 
ديكارت روح ذلك العصر . والاتفاق الثالث بين علماء النفس العرب هو على أن بداية علم 
النفس الحقيقية كانت مع ظهور المنهج التجريبي وخاصة مساهمة فيبر وفخنر وفونت . 

إن الرؤية التي كتبت (بضم الكاف) بها مراحل تطور علم النفس » من وجهة تقار علفاء 
النفس العرب . هي نفس الرؤية التي كتب بها مؤرخو علم النفس في الغرب ء انظر مثلاً » 
روكلن (1987) ؛ وفلوجل (1988) ؛ وبورنج (/1941) ؛ ثييرستون (1879)؛ ولوري 
(1985) ؛ وبرينان (1985) ؛ وهيرجنهاهين (1985) ؛ وكندلر (19417) . وبذلك وقع علماء 
النفس العرب في «خطيئة الحذف» بالنسية لحلقة التراث العربي الإسلامي وهي الحلقة 
المفقودة في تاريخ علم النفس بين مرحلة التراث الإغريقي وعصر النهضة . وأتفق هنا تماماً مع 
أحرشاو (1194) عندما ذكر بأنه لو تجرأ أحد على كتابة تاريخ علم النفس . فإنه لن ينجو 
حتماً من تكرار بعض الأفكار التي تقدم بها أمثال بوريج » وميللر » وفلوجل » وودوورث » 
وروكلان بخصوص تاريخ السيكولوجيا الغربية كما وقع علماء النفس العرب في مسألة 
التكرار هذه . 

يقول بورنجح )١1401(‏ في مقدمة كتابه الشهير تاريخ علم النفس التجريبي» كانت هناك 
خطوات عملاقة وتطورات سريعة ة وتغيير مفاجئ في ظهور العلم . إن أول طفرة كانت هي 
الحضارة الإغريقية . أو كما تدعى غالباً بالمعجزة الإغريقية . هذه هي قرون أفلاطون وأرسطو 
وأرخميدس . وإن أرسطو هو أعظم دماغ قام بتصنيف المعرفة وتطويرها . وأن معجزة الحضارة 
(») نشرت صورة من هذه الدراسة في مجلة اتحاد الجامعات العربية ١494‏ . 


413 


الإغريقية عن طريق إحيائها تمثل في اختراع البارود ؛ وإبطال النظام الإقطاعي ؛ واختراع 
الطباعة » وسقوط القسطنطينية » وظهور نظرية كوبر نيكس ٠.‏ ولقد عرضنا كثيراً تساؤل بورج 
الهام : كيف جاء علم النفس التجريبي - أو علم النفس العلمي - للوجود ؟ ويجيب بورثح : 
كان هناك أولاً عصر النهضة . ومن ثم ظهور العلم مع أسماء ء كوب ر نيكس )١٠6:49(‏ وكبلر 
(109)ء وجاليلو )١574(‏ او ينا نيوتن (/1541) . 

وقد أدخل بيكون الاستقراء كمنهج للبحث . وإن الصورة الشاملة للحضارة الإغريقية قد 
تم حفظها وتطويرها باستخدام اللغة السهلة والمكتوبة . وأن وفرة الكتب في تلك الفترة إنما 
يظهر الاهتمام المتغلغل بالمعرفة . وكانت الطفرة الثانية هي عصر النهضة وتحولاتها الكبيرة 
من الاهتمام باللاهوت إلى الاهتمام بالطبيعة . وأخيراً ظهور المنهج التجريبي . هناك سؤالان 
جوهريان يمكن توجيههما إلى بورنم : هل قادت الطفرة الإغريقية مباشرة إلى عصر النهضة ؟ 
ومن الذي أرسى دعائم أو معالم المنهج التجريبي ؟ يمكن الإجابة على السؤال الأول بالنفي . 
هناك فجوة في تاريخ بورنم تتمثل في غياب طفرة هامة مفقودة وهي طفرة العصر الذهبي 
للحضارة العربية الإسلامية . 

أظهر لنا العرض السابق أن هناك فجوة في تاريخ علم النفس ما بين مساهمة الحضارة 
الإغريقية وعصر النهضة . وتتمثل هذه الفجوة فى غياب أو تنحية أو إهمال أو تجاهل أو إنكار 
مساهمة الحضارة العربية الإسلامية فى عصرها الذهبي . واتضح لنا كذلك بأن تاريخ علم 
العلم الغربي الذي أرسى قواعد المنهج العلمي . لعلنا نتساءل مع أحرشاو )١1144(‏ هل إن 
المشكل الحقيقي المتعلق بعدم كتابة تاريخ علم النفس «يتجلى في عدم أصالة إنتاجنا 
السيكولوجي»؟ وهل كما ذكر زيعور (انظر ء روكلن » )١1987*‏ «أننا لم نقدم نظريات عمومية 
فى علم النفس»؟ ولم ننشئ مدرسة متميزة «داخل المدارس التى سبقت»؟ يبدوأننا 
نختلف مع كل من أحرشاو وزيعور في الإجابة بالنفي على الأسئلة المطروحة أعلاه . ومن 
الغريب العجيب . كما يعبر راشد )١988(‏ أن ينفى العلم العربي من التراث وأن يلغى 
من هذا التراث أكثر أجزائه بقاء وعالمية . فعلى تعدد المواقف وتناقضها الظاهري . يتفق 
أصحابها جميعا على عد العلم ظاهرة غربية » لا وجود لها في التراث العربي . فهذا التراث 
لم يبق منه في زعمهم إلا التراث الديني خاصة ؛ والأدبي عامة . 

وسوف نقدم في هذا الجزء من الدراسة أطروحة مفادها أن هناك إنتاجاً بكررجعي 
أصيلا 0 ونظريات عمومية 3 ومدرسة سيكولوجية متميزة سبقت» 34 إن الكتاب الحالي يمثل 


414 


قراءة جديدة للتراث السيكولوجي التجريبي العربي الإسلامي . ونقصد بالتراث العربي 
الإسلامي العلم الذي تطور وكتب باللغة العربية في الفترة بين القرن الثامن والقرن الخامس 
عشر الميلادي . وسوف يكون هدفنا في هذا الجزء من الكتابة )١(‏ عرض خلاصة عامة 
لأفرع علم النفس في التراث العلمي العربي الإسلامي (؟) تحديد بعض ملامح علم النفس 
في التراث العلمي العربي الإسلامي (؟) معرفة بعض الدروس المتعلمة من البحث 
السيكولوجي في التراث العلمي العربي الإسلامي . 


أفرع علم النفس التجريبي فئ التراث العربي الإسلامي 


إن علم النفس في التراث العلمي العربي الإسلامي ا 0 
جوانب أو موضوعات هذا العلم مثل علم البنية العضوية أو التشريح (ابن النفيس » ابن سينا 
وابن الهيثم) ؛ وعلم منفعة الأعضاء أو علم النفس الفسيولوجي (ابن سينا) 0 
النفسي أو علم النفس الإكلينيكي (ابن سينا وابن الجزار والرازي) ٠‏ وعلم نفس الإبصار 
وسيكوفيزيقا الإبصار(ابن الهيثم) » وعلم نفس الطفل وعلم نفس النمو (ابن الجزار 
والبلدي) . وعلم نفس الحيوان (الجاحظ) , وعلم نفس البيزرة (كشاجم ) , وعلم النفس 
الرياضي (ابن الهيثم » وابن سينا) » وعلم النفس التجريبي والقياس (ابن الهيثم) . لقد رأينا 
كذلك المعالجة الرائعة لطه )١1946(‏ علم النفس العام في التراث العربي الإسلامي من 
خلال فصول كتابه الموسوم «علم النفس في التراث العربي الإسلامي» التى قسمها كما 
تقسم سائر كتب مقدمات ومبادئ علم النفس العام . 

اهتم العلماء العرب والمسلمون بالتشريح (أنظر حمارنة » 1987 ؛ حناشة ٠‏ 1989 ؛ 
طه, ١94٠‏ أ؛ العمري » 194٠‏ ؛ الهونى : )١1985‏ . وتشمل المساهمات التشريحية فى 
التراث العربي الإسلامي مساهمة ابن سينا في كتاب «القانون في الطب» وفي كتتاب 
«الشفاء» وتضمينه لتشريح الدماغ والأعصاب وأمراضه » ومساهمة ابن الهيثم في «كتاب 
المناظر» خاصة تشريح العين وكيفية الإبصار . ولم يكتف هؤلاء العلماء بالآراء السابقة 
خاصة آراء أبقراط وجالينوس وغيرهما . من أباطرة الطب الإغريقي . بل تجاوزوها نقداً 
وإضافة . ولكن يبدو أن المساهمة الأكثر فعالية في تاريخ العلم عامة هي مساهمة ابن 
النفيس التي طور وتجاوز فيها آراء ابن سينا حتى وصل بهذا الفرع من العلم إلى درجة عالية 
من النضج قادته لتشريح الدماغ والقلب والشرايين الإكليلية وتشريح المريء والمعدة ووصف 


415 


الأوعية التاجية . إن عبقرية ابن النفيس هى التى قادته لاكتشاف الدورة الدموية الرئوية 
الصغرى . إذا رجعنا إلى مؤرخي علم النفس غير المنصفين مثلا نجد أن بورنج (1961) 
يتجاهل أو يهمل مساهمة ابن النفيس في التشريح ويؤرخ بأن القانون العام يمنع تشريح جثة 
الإنسان في أوربا المسيحية ولم يتم ذلك إلا في القرن السادس عشر مع استمرار الرفض من 
جانب الكنيسة . ويؤرخ بورنج لمساهمة فيساليوس في التشريح في القرن السادس عشر بينما 
يتجاهل مساهمة ابن سينا وابن الهيثم في القرن الحادي عشر وابن النفيس في القرن الثالث 
ع 3 

إن مشروع ابن سينا في علم منفعة الأعضاء أو علم النفس الفسيولوجي (انظر الحرء 
١‏ ؛طهء 1440٠‏ ء نجاتي . )118٠‏ في كتابي القانون والشفاء ورسالته في النفس قد 
شمل دراسة عدة موضوعات منها الدماغ والنخاع الشوكي والأعصاب والعلاقة المتداخلة 
بينها وبين بقية أعضاء الجسم . وأن بعض كتابات ابن سينا عن الجوانب الفسيولوجية لا 
تختلف في جوهرها كثيرا عن بعض الكتابات المعاصرة في علم النفس الفسيولوجي (انظرء» 
إسماعيل 1487.١‏ ؛ أغاء 1181 ؛ حقي 1485٠‏ ء كامل )1141١ ٠١‏ . ولقد حدد ابن سينا 
مراكز القوى المدركة في الدماغ كما عالج العلاقة الكلية والجزئية بين النفوس . وكانت رؤيته 
منهجية » فقد ارتكز مشروع ابن سينا على التحليل والتركيب والتصنيف والعلية والإحاطة . 
ولم يكن المشروع الفسيولوجي نقلا حرفيا عن التراث الإغريقي بل كان استجابة واعية من 
خلال ما أخذه من التراث الحضاري بمقدارء كما ترك وتجاوز وانتقد بمقدار . وبنلك كان هذا 
المشروع معلما بارزا في علم النفس عامة وعلم النفس في التراث العربي الإسلامي خاصة . 
بالرغم من ذلك تمت تنحية المشروع السينوي من كتابات مؤرخي علم النفس من وجهة 
النظر الغربية مع بعضص الاستثناءات ؛ والعربية كنئلك . نتيجة لشمول ولحدة مشروع ابن 
سينا » وتقديمه لمعالم جديدة في علم النفس الفسيولوجي ١‏ فيجب تثبيت هذه المعالم في 
مكان وزمان الفجوة العلمية في تاريخ الفسيولوجيا ما بين مرحلة الحضارة الإغريقية ومرحلة 
النهضة العلمية . ويمكن القول إن ابن سينا كان يمثل أعلى قمة في علم منفعة الأعضاء 
لذلك تأثر به العلماء العرب في تنقيحاتهم وشروحاتهم المتعددة خاصة لكتاب القانون ‏ كما 
ترك أثرا بالغا في رؤية بعض علماء عصر النهضة وبذلك يعد مشروعه نقطة تحول مركزية في 
تشكيل تاريخ العلم كافة . 

إن مسيرة علم الحيوان أو علم نفس الحيوان (انظر الباشاء 198 ؛ الدفاع ‏ 1985 ؛ 


416 


السبع » ١1984‏ ؛ سلامة » 114٠‏ ؛ عبد الشهيد , 191/0 ؛ هارلوء *19487) خلال القرن السابع 
عشر والثامن عشر مسيرة وظفت الكم الهائل من الوثائق وامخطوطات والمعلومات الثمينة التي 
جمعت بواسطة الرحالة وقبلها بواسطة الاتصالات العلمية والثقافية فى وقت الحرب 
والسلم . وعملت هذه المسيرة على توظيف التراث العلمي العربي الإسلامي في علم الحيوان 
وتم تطوير هذا التراث ربما بنفس الكيفية التي طور بها العلماء العرب والمسلمون التراث 
السابق للحضارة العربية الإسلامية » وخاصة التراث الإغريقي . إن مساهمة الجاحظ 
والعلماء من بعده تأليفا وشرحاً واختصاراً وترجمة توضح أن العلم يقوم على التتراكم 
الكمي . إذ تعتمد كل مرحلة على الأخرى . وقد يوجد بين الحين والآخر من يقدم طفرة 
كبيرة لهذا العلم . ويمكن أن نقف على مساهمة العلماء العرب والمسلمين » من ناحية 
تاريخية » ونصفهابأنها معبرة عن روح العلم في عصرها ء وفي نفس الوقت كان هؤلاء 
العلماء متقدمين في أفكارهم على من سبقهم وحتى بعض من تلاهم , لا سيما في مسألة 
ذهن الحيوان , والسلوك الاجتماعي والتناسلي » وعلم نفس البيزرة » وتدريب الحيوان ومقابلة 
سلوك الحيوان والإنسان . 

ارتبطت بعض المعارف النفسية المتعلقة بالتدبير أو العلاج النفسي في التراث العربي 
الإسلامى (انظر رزق الله » ١987‏ ؛ طهء» :1481 ؛ قطاية 2191/8٠‏ 1987 ؛ كمال وسرحان ١‏ 
6 ؛ مرحبا » 1984 ؛ الهونى ؛ 1987) بكتب الطب مثل «القانون فى الطب» و«الشفاء» 
لابن سينا ؛ وكتاب «الكافى فى الطب وكتاب «المتصوري» ودوكتاب ما الفارق أو الفروق» 
للرازي ؛ ودشرح القانون» واشرح تشريح القانون « لابن النفيس ؛ وكتاب «مصالح الأبدان 
والأنفس» للبلخي ؛ بالإضافة لكتب هامة أخري مثل كتاب «كنوز العلم الطبي» لثابت بن 
قرة ؛ والكتاب المالكى» لعلى بن عباس المجوسى ؛ و«دكتاب التذكرة» لداؤد الانطاكى . 
وكتاب «عمل من من ان لابن الخطيب » ودكتاب الأغذية» لابن زهر» وكتاب 
«امختارات في الطب» للبغدادي . وكتاب «تحفة المودود بأحكام المولود» لابن قيم الجوزية , 
وكتاب «فردوس الحكمة؛ للطبري » وكتاب «التصريف لمن عجز عن التأليف» للزهاوي . 
وتضمنت بعض هذه الكتب بعض المعارف النفسية السابقة للعصر الذهبي للحضارة العربية 
الإسلامية. 

ولم يكتف العلماء العرب بعملية النقل كما يقول البعض بل قاموا بنقد هذه المعارف 
وتطويرها وتجاوز الكثير منها وأبدعوا علوماً جديدة تصوروا فيها ما لم يتصوره غيرهم . لقد 
نظروا إلى الأمراض (الاضطرابات) النفسية والعقلية بصورة شمولية مهتمين بتشخيصها 


417 


وتصنيفها وتشخيصها الفارق وبمعرفة أسبابها وأعراضها وكيفية تدبيرها (علاجها) . وما 
يحسب للتراث العلاجي تدوين الحالات المرضية كأول محاولة في التاريخ » إحصاء وتقريرا ؛ 
ويعكس ذلك التجربة العملية الحية فى الممارسة التشخيصية والعلاجية . ووضحت عملية 
التسجيل ء المناهج المستخدمة في التعامل مع المرضى مثل الملاحظات السريرية ودراسة 
الحالة ؛ ودراسة العلاقة بين الجسد والنفس . واستخدم مصطلح التدبير وهو «العلاج» ومن 
طرق التدبير المستخدمة » العلاج بالعقاقير كالمفرحات ٠‏ والعلاج النفسي . والإرشاد النفسي . 
أو حتى ما يطلق عليه العلاج المعرفي . وكانت أول المصحات النفسية في تاريخ البشرية هي 
«البيمارستانات» العربية . 

قدم علماء التراث العربي الإسلامي مساهمة كبيرة في بلورة ملامح علم نفس الطفل 
وعلم نفس النمو (انظرء رزق الله » "19817 ؛ شحادة . 1987 ؛ قاسم 2198٠‏ *198؛ 
مصري )١1995 ٠‏ . ويتضح ذلك من المؤلفات العلمية المتخصصة عن الطفولة والتي قدمت 
التعاريف والتفسيرات والمعالجات للقضايا المطروحة . وتعتبر مساهمة ابن الجزار والبلدي » 
خاصة ؛ من أكمل وأنضج المساهمات البحثية . لقد أرست كتابات علماء التراث قواعد علم 
نفس النمو من خلال وصف وتحديد المفاهيم والتصنيف الدقيق لمراحل النمو من الناحية 
الزمنية ومعالجة جوانب النمو امختلفة كالنمو الحركى والانفعالى والاجتماعى والعقلى . 
بالإضافة لذلك فقد ساهم هؤلاء العلماء في تحديد الاضطرابات النفسية الخاصة بالأطفال 
ومعرفة أسبابها وكيفية علاجها . واهتم هؤلاء العلماء بصورة خاصة بموضوع التدبير والصحة 
النفسية للأطفال . وإذا أردنا التحديد » كانت الدراسات الأولى حول مو الأجنة فى الغرب 
في القرن الغامن عشر ء حسب تاريخ روكلن (198) » بينما كان أول مؤلف في علم الأجنة 
في التراث العربي الإسلامي هو «مقالة في الجنين» ليوحنا بن ماسويه . 

تم اعتبار كتاب شين «مذكرات عن تطور الطفل» من الكتب الهامة في تطور الفرد في 
تاريخ علم النفس الغربي على حسب تأريخ فلوجل )١1988(‏ » بينما عالج ابن البلدي نفس 
الموضوع في القرن التاسع الميلادي . وفي الغرب تم اعتبار كتاب أمراض الأطفال المولودين 
حديثاً والرضع «لبيارد» وكتاب أمراض الطفولة «لبارتز» من أوائل الكتابات الغربية عن طب 
الأطفال على حسب تأريخ تاتون (1984) » بينما كان مؤلف الرازي «رسالة في أمراض 
الأطفال والعناية بهم» أول مؤلف مكتمل عن طب الأطفال في التراث العربي الإسلامي . 
لقد لاحظ أسبين وبيكو اختفاء الصرع طويلا بشكل وجع بسيط في القرن التاسع عشر بينما 
قدم ابن الجزار نفس الملاحظة في القرن التاسع الميلادي بفارق ألف عام . من ناحية تاريخية 


418 


نلاحظ أن تأسيس علم نفس الطفل في الغرب كان في القرن التاسع عشر وأحرز تقدمه في 
القرن العشرين . ولكن تاريخ علم النفس في الغرب ليس هو تاريخ كل البشرية . والسؤال 
لماذا تحاول المركزية الغربية تجاهل مساهمة الحضارات الأخرى في تاريخ العلم أو إغفالها أو 
تنحيتها أو إنكارها ؟ لقد أظهرت الدراسة أن ملامح ومعالم علم نفس الطفل وعلم نفس 
النموقد تأسست في التراث العربي الإسلامي في القرن التاسع والعاشر الميلاديين بفارق 
عشرة قرون وهي المسافة الفاصلة بين تاريخين مهمين في تاريخ علم نفس الطفل . إن رواد 
هذا العلم لم يكونوا «براير» وابائير» و«دهافجهيرست» و«بياجيه» و«اركسون» ودهارلو» 
ودكولبيرج» إنما هم ابن الحزار وابن ماسويه والقرطبي والرازي والطبري والبغدادي . 

إن مساهمة العلماء العرب والمسلمين في الرياضيات مثلاً » ابن الياسمين » وأبي 
كامل , والحيان ء والخوارزمي » والزرقالي » والطوسي . والعاملي , والكاتبي » والكاشي » 
والكرجي . والمراكشي »؛ ومساهمة بعض العلماء في تطبيق الرياضيات في علم النفس (انظر 
الخليفة » وحسان ء قيد النشر ؛ راشد ١991/.‏ ؛ سعيدان ./ا99١‏ ؛ طه » ٠99١ب‏ ؛ موالدي . 
5 لم تكن مساهمة محلية منقطعة عن نفسها بل عملت هذه المساهمة التي يمكن 
وصفها بالعملاقة . على التأثير في عقول العلماء من يدعون في تاريخ العلوم برواد الثورة 
العلمية على حسب تعبير بورج مؤرخ علم النفس . وبدون تردد , يمكن القول بأن أسئلة ابن 
سينا عن الأحجام اللامتناهية هي التي أوصلت نيوتن إلى الحساب اللامتناهي » وتأثر 
الأوربيون بمساهمة عمر الخيام في الجبر أكثر من تأثرهم بديكارت ٠‏ وطور الكاشي الحساب 
العشري بدقة لا تقل عن الاكتشافات بعد فيات ؛ وكانت مساهمة العرضي والطوسي 
والشيرازي والدمشقي مساهمات كبيرة في الفلك شبيهه بما هو عند كوبرنيكس . ومن ناحية 
سيكولوجية التعلم , يمكن القول أن الرياضيات في العلم العربي الإسلامي قدمت مساهمة 
كبيرة في تسهيل إجراء العمليات الحسابية في العقل أوالذهن يدلا من أكيقية "الأجراء 
التقليدي في التراب أو التخت . هناك عدة قواعد متبعة في تقديم براهين هذا المنهج منها 
الإيجاز بشكل عام ؛ سرعة الحساب . عمومية القوانين » اقتصاد الصيغ » اقتصاد الوقت 
واقتصاد الجهد . واستخدمت عدة طرق للبرهان في العلوم الرياضية منها طريقتا التحليل 
والتركيب . 

أظهرت عدة مخطوطات رياضية في الجبر استخدام منهج التحليل والتركيب في حل 
المسائل الرياضية أو البرهان على نظرية (موالدي ٠‏ 1447 ) . لقد استخدمت الرياضيات في 
عدة صور في علم النفس خاصة في )١(‏ تطوير وتنقيح الحساب الذهني وتسهيل إجراء.: 


419 


العمليات الحسابية )١(‏ علم الفلك العربي وتأسيس المنهج التجريبي «الاعتباري» (*) 
مساهمة البصريات وعلم نفس الإبصار في صياقغة المنهج التجريبي » خاصة الاستقراء (4) 
تطبيق الرياضيات في قياس الغلط «الخداع» البصري عند ابن الهيثم (5) تطبيق الرياضيات 
لقياس الخطأ «الخداع» البصري من قبل ابن سينا . إن ابن الهيثم هو أول من استخدم 
الرياضيات في علم النفس لدراسة الزيغ البصري أو أغلاط البصر في مجال سيكوفيزيقا 
الإبصار . إذا تتبعنا المقالة الثانية من «كتاب المناظر» . خاصة الفصل الثاني «في تقديم ما 
يجب تقديمه لتبيين الكلام في أغلاط البصر»؛ سنجد الاستخدام الموضوعي للرياضيات » 
نظريا وعمليا . يتعلق الجانب العملي ببناء أدوات ترتكز على الرياضيات ويمكن أن نطلق 
على ذلك , بدون تحفظ » أول استخدام للرياضيات في تاريخ «علم النفس التجريبي» . 

يمكن القول إن ابن الهيثم قد أبدع علماً جديدا ونظرية جديدة ومنهجاً جديداً في علم 

نفس الإبصار وسايكوفيزيقا الإبصار . وليست هناك أي مساهمات نظرية وتجريبية في هذا 

امجال قبل فترة ابن الهيثم ريسعب عاجرا انا تسر الكيفية التي يني بها أبن الهيتم 
معالم علم نفس الإبصارء هذا العلم الذي تصور فيه ابن الهيثم ما لم يتصوره غيره من 
العلماء السابقين والمعاصرين له . فإذا تتبعنا مؤلفات ابن الهيثم في البصريات وبصورة 
تجزيئية لمقالات «كتاب المناظر» أو حتى لفصول الكتاب يتضح كذلك أن ابن الهيثم قد 
«أبصر» مالم «يبصره» غيره » وكان «من ذوي الأبصار والبصائر» . هل يمكن أن نقابل بين 
فيبر وفخنر وبين ابن الهيثم والفارسي؟ وإذا استطعنا ذلك هل يمكن أن نقارن بينهما؟ . 

إن عمل ابن الهيثم قد آمن به مؤرخو العلم في العالم العربي والمنصفين من العالم 
الغربي ولكن تجاهله أو أهمله علماء النفس العرب . ولقد أنكره أو نحاه مؤرخو علم النفس 

فى الغرب . إن عملية الكفر أو التجاهل هي عملية غير مفيدة في تاريخ العلم . لقد تركت 
افيه ابن الهيثم أثراً كبيراً فى علماء النهضة الأوربية «المزعومة» وأثرت تأثيراً كبيراً فى 
وضع أسس المنهج التجريبي ليس في علم نفس الإبصار وإما في تاريج العلم . وليس من 
السهولة تصور العلم في حال غياب «مناظر» ابن الهيثم . ونقترح أن نعيد النظر في كتابة 
تاريخ «علم نفس الإبصار» أو «سايكوفيزيقا الإبصار» أو حتى المصطلح اللاتيني 
«السايكواوبتيك» . قد تجابه بعض علماء النفس مشكلة في إعادة التفكير في كتابة تاريخ 
علم النفس . ومهما يكن فالاقتراح هو أن عام "/ا4 هجرية ة أي القرن الحادي عشر الميلادي 
وليس عام 187١‏ م هو بداية القياس التجريبي في علم النفس ؛ وأن أول ثورة في علم نفس 
الإبصار في تاريخ علم النفس كافة لم د يكن رائدها «فخنر» في «مبادئ السايكوفيزيقا» إغا 


470 


رائدها هو «ابن الهيثم» في «كتاب المناظر» . 
يمكن القول بثقة كبيرة إن ابن الهيثم هو مؤسس علم نفس الإبصار ومن مؤسسي 
السايكوفيزياء الحديثة (طه. آسي) . فابن الهيثم عالم وباحث بقدرات متعلدة 
ومتداخلة : تشريحية » وفسيولوجية » وفيزيائية » ورياضية ١‏ وتقنية » وسيكولوجية وبذلك 
كانت البصريات عنده مركبة من هذه العلوم . ولو عاش ابن الهيثم سنوات أخرى ربا كتب 
مقالة إضافية في نهاية «كتاب المناظر» تسمى حرفياً «سيكوفيزيقا الإبصار» . بلا ريب . وقد 
قام ابن الهيثم بإبداع مصطلحات جديدة » وصياغة نظريات جديدة »2 وتطوير مناهج جديدة )2 
وتصميم أدوات جديدة » ومن ثم تأليف كتاب جديد للمناظر ٠‏ ويؤكد مؤرخو علم النفس 
فى الغرب ) بصوره إجماعية وعلماء النفس العرب كذلك على أهمية مساهمة فيبرء 
لم في تطور ا الإعاد رما ابلك 0 النفس التجريبي . 
الفرع من العلم 5 مرحلة الإبداع ومرحلة الاكتشاف,» مرحلة القرن الحادي عشر ومرحلة 
القرن التاسع عشر. وبوسعنا القول لقد كان ابن الهيثم مبدعا لسيكوفيزيقا الإيصار بينما 
كان فيبر » وفخنر , وهلمهولتز مكتشفين لها . ومهما يكن , هناك أهمية لكل من المبدع ولكل 
بن الكتشاكى تاررح علم لفن : 
ويمكن القول بأن ابن الهيثم بكتاب المناظر العملاق يقف في قاعدة صلبة لمنارة شاهقة 
ون اده 1 ولت الوتوعي في ايتبمله اهدر 0 0 ا 
أطروحة الدراسة الأساسية وهي أن ابن لبك : هو القاعدة الأساسية لأول تأسيعن لعلم 
النفئس التجريبي » ولعلم النفس مرتبطاً بالفيزياء ؛ ولعلم نفس الإيصارء وللسيكوفيزيقا في 
تاريخ علم النفس كافة . ومن المناسب أن نرجع في نهاية هذه الدراسة إلى مقدمتها لكي 
نعيد النظر في تساؤل بورن : كيف جاء علم النفسٍ التجريبي أو العلمي للوجود؟ أولاً كان 
هناك عصر ابن الهيثم في القرن الحادي عشرء وثانياً عصر النهضة في القرن الخامس عشرء 
وثالعاً عصر العلم التجريبي في القرن السابع عشر » #ؤرايهاً عصر علماء السيكوفيزيقا في القرن 
التاسع عشر . وبذلك تكون محاولة بورئج لتسلق قمة إفرست في مسح تاريخ علم النفس 
التجريبي هي محاولة تسلق ناقصة أو مبتورة لأنها لم تبدأ من قاعدة الجبل . 
لكن بالرغم من الاهتمام الكبير الذي أولاه العلماء العرب والمسلمون الأوائل لدراسة 
علم منفعة الأعضاء أو الفسيولوجيا , وعلم البينية العضوية أو التشريح » وطرق التشخيص 


421 


والتدبير أو العلاج النفسي واعتماد منهج التسجيل وبناء البيمارستانات أو المؤسسات 
العلاجية , وعلم نفس الحيوان ٠‏ وعلم نفس الطفل » وعلم نفس الإبصار وتطبيق الرياضيات 
في علم النفس لم يترك ذلك الاهتمام آثاراً واضحة في اهتمامات العلماء اللاحقين في هذا 
الجال . يبدو أن انفصالاً مبكراً قد وقع في تاريخ علم النفس في التراث العربي الإسلامي . 
انفصالاً ما بين دراسة علم النفس الميتافيزيقي والتربوي والاجتماعي والفلكلوري كأساس 
لعلم النفس وبين علم النفس في الفسيولوجيا والتشريح والطب والفيزياء والرياضيات وعلم 
الحيوان والذي يمكن أن نطلق عليه «التجريبي» . وقد تكون هذه المعالم من خلال 
الاكتشافات والإبداعات التي قدمها هؤلاء هي المعالم التي أرست قواعد البحث العلمي 
للاكتشافات اللاحقة في عصر النهضة الأوربية والتطورات في القرن التاسع عشر . إن 
الانفصال الواعي أو غير الواعي بين علم النفس الميتافيزيقي وعلم النفسي التجريبي قد ترك 
خليجاً كبيرا بين الجانبين . 
ففي الكتابات المعاصرة لعلماء النفس العرب » عن التراث العربي الإسلامي ؛ يغلب 
الجانب الميتافيزيقي لعلم النفس وقد يغيب تماماً في كثير من الأحايين علم النفس التجريبي 
. وقد يصعب علينا إيجاد إجابة واضحة لتنحية علم النفس التجريبي في التراث العربي 
الإسلامي من خلال الكتابات التي تؤرخ لعلم النفس . إن تنحية علم النفس التجريبي ربا 
تكون قد تركت آثارها المستقبلية أو اللاحقة في تطور علم النفس في العالم العربي . نقصد 
بذلك أن بناء أقسام علم النفس في الجامعات العربية كانت أقساما تتبع لأقسام الفلسفة في 
كليات الآداب أو تتبع لمعاهد المعلمين سابقاً وكليات التربية لاحقاً ولم تكن أقساماً أبداً تتبع 
كليات الأحياء ‏ والطب , والهندسة , أو يدرس علم النفس في معامل الفسيولوجيا والتشريح 
والزولوجيا ومخابر الفيزياء أو في المراصد . فيا ترى ما هي الملامح العامة لعلم النفس في 
التراث العلمي العربي الإسلامي؟ 


ملامح علم النفس التجريبى فى التراث العربى الإسلامي 
أولاً : إن أحد ملامح علم النفس في التراث العلمي العربي الإسلامي أنه كان علماً 
نظرياً . وبكلمات أخرى إنه وصول للمرتبة النظرية العلمية السيكولوجية خاصة في النظرية 
الهيثمية (علم نفس الإبصار) والنظرية السينوية (الإدراك الحسي) . وتقوم هاتان النظريتان 
على تحديد دفيق للمشكلة . والافتراض 3 والتعريف 2 والبناء المنهجي 6 والبرهان والاستنتاج : 


002 


وهاتان النظريتان في مجال علم النفس قد بذرتا بذرة المنهج الحديث في علم النفس . وتطرق 
عدد من الباحثين لهاتين النظريتين :قد أدرك اين الهيهم في مبرحلة مبكرة من التاريخ 
«المعنى الحديث الذي نعنيه بالنظرية العلمية » وأنه أدرك أن النظرية العلمية في جوهرها إن 
هي إلا شرح أو سير شبن به العتلاقة بين الظواعر الطبيسية على معي عليه في الراقع 
المحدود» (نظيف . 1947: 17-47) . وتبعاً لذلك جاء ابن الهيثم بنظرية جديدة في الإبصار 
غير ما جاء به السابقون من الرياضيين (مثل إقليدس وبطلميوس) ‏ أو الفلاسفة (مثل 
أرسطو) أو الأطباء مثل (جالينوس) . 

وعرض ابن الهيثم هذه النظرية مجملة في المقالة الأولى من كتابه ( صبرة ؛ .)١987‏ 

فمن الإسهامات العلمية الأخرى التي تطرق لها الباحثون في هذا المجال : نظرية ابن الهيثم 
في سيكولوجيا الإبصار (صبره . 1987) », وتمييز صيغ الإدراك الأربع والاستقراء عند ابن 
الهيثم (عمرء )198١‏ » وسيكوفيزياء الإبصار عند ابن الهيثم (طه . 194٠‏ ب) » تأسيس 
علم النفس التجريبي عند ابن الهيثم . وعلم النفس الهيثمي للإبصار : ألف عام من التأثير» 
ومقياس ابن الهيثم للغلط البصري ودوره الرائد في تاريخ علم النفس التجريبي . والحسن بن 
الهيثم بحوثه وكشوفه البصرية (نظيف » 1947) » وعلم الضوء عند ابن الهيثم (جلخي . 
14»©. ء ابن الهيثم أول بيوفيزيائي (رسل » 1174) , اكتشافات ابن الهيثم المنسية في 
الظاهرة البصرية (هاوارد » 1995) . 

ويمكننا أن نطلق على مساهمة ابن سينا في علم النفس بأنها مساهمة تستحق أن نطلق 
عليها «النظرية السينوية» أو «علم النفس السينوي» . يقول نجاتي )١198٠0(‏ إن محاولة وضع 
تاريخ لعلم النفس .ء أو لنظرية من نظريات هذا العلم في الثقافة الإسلامية أمر دقيق صعب 
ويقتضي معرفة كثير من الأصول والمصادر التي كان لها في تكوين هذا العلم أثر هام . وتطرق 
عدد من الباحثين لمساهمة ابن سينا في علم النفس عامة وفي بناء نظرية سيكولوجية 
كاملة . انظر مثلاً الإدراك الحسي عند ابن سينا (نجاتي » )118٠١‏ » والفسلجة العصبية في 
كتاب القانون » وسيكوفيزياء البطينات . ونظرية الاتصال العصبى السينوية » وتنسيب 
الوظائف الذهنية للمناطق الدماغية (طه . ١148٠‏ » ومثال حاسم على تأثير مباحث علم 
النفس في العلوم والحضارة الإسلامية : بعض العلاقات ما بين علم النفس عند ابن سينا 
وفروع أخرى لفكره ه والتعاليم الإسلامية (هول . )١191/4‏ ومن الكتابات العامة الأخرى عن 
علم النفس عند ابن سينا . ٠‏ مثلاً ‏ ابن سينا رائد الطب النفسي (الخالدي » 1987) ء الأفكار 
النفسية والتربوية عند ابن سينا (عثمان » 1487) ؛ بعض الإيجابيات في تصور علم النفس 


003 


عند ابن سينا (مرحباء 1489) » ابن سينا (الأهواني , 1168) , وجولة في آفاق ابن سينا 
(تامر؛ 1487) » وابن سينا الطبيب (شحادة ٠‏ 1487) ؛ وعلم النفس السينوي (الداية , 
7 ؛ والمناحي العلمية عند ابن سينا (الدفاع » /1941) ؛ ابن سينا (عينتابي ٠‏ 1985) 2 
وتقسيم أبن سينا للعلوم (مرمورة » )198٠‏ . 
إثانيً املعم ارين فلات عل القن كن التراركة العاضى الخرني الا ااا لكان 
تطبيقياً وليس نظرياً فحسب . ارتبط علم النفس بالفسيولوجيا والعلاج النفسي كما 
د ايه ن الهيثم . وبالبصريات كما عند ابن 
الهيثم » وبالتشخيص والتشخيص الفارق كما عند الرازي » وبسلوك الحيوان كما عند 
الجاحظ . وبالبيزرة كما عند كشاجم . وبالطفل كما عند ابن الجزار والبلدي . وأكثر من 
ذلك كان علم النفس جزءاً من الفيزياء الوسيطة والتي اعتبرت ملكة العلوم مؤخراً » وأكثر 
تحديداً كان علم النفس جزءاً من علم الفلك الذي أبدع فيه العرب والمسلمون (انظر» راشد 
ومورون ‏ 1441 ؛ روش 1481/٠‏ ؛ كينغ » 1481 ؛ ليندبرغ ؛ 19917 ) » وأكثر وأكثر تحديدا ‏ 
كانت تطبيقات علم النفس جزءاً من عمل المراصد وكان مرصد مراغة مثالاً رائعاً للعلم 
التجريبي . ولقد تطرقنا للنظرية الهيشمية والنظرية السينوية في الفقرة أعلاه , ولكن كيف 
كان علم النفس تطبيقياً كان علم نفس الإبصارء وإن شئنا كانت سيكوفيزياء الإيصار 
كذلك . علماً تطبيقياً فى المراصد . وذلك لسلامة القياس أو تحديد الاتجاهات والفصول 
ومتابعة حركة الكواكب » وبلغة علم النفس الحديث بلا خداع في عملية الإدراك » وبلغة 
سينوية بلا أخطاء في عملية الرؤية » وبلغة هيثئمية بلا اغلط بصري». 5 
ثالثاً : كان علم النفس في التراث العلمي العربي الإسلامي تعبيراً عن روح ذلك العصر 
وكان مرتبطا بالبعد العالمي ولكن كان انعكاساً للواقع ا حلي . فتطوير واستخدام مقياس ابن 
الهيئم للغلط البصري مثلاً » كان لتحديد مواقيت الفرائض ٠‏ ولقياس اتجاه القبلة وهيى بعد 
محلى يخص المسلمين ومع ذلك كانت النتائج المتوصل إليها ذات تطبيقات عالمية . وفي 
التدبير النفسي هناك ما يعرف بمرض العشق ويعرف بأنه التعلق الشديد بشخص ماء حتى 
السقوط ف في المرض ء أي أن المريض يفقد شهية الطعام ؛ فيهزل جسمه ء ويصفر لونه » 
ويتسارع نبضه , وترتفع حرارته ؛ كما أنه يصاب بالأرق والنزق والحزن حتى قد يسقط في 
الكأبة أو السوداء فينتحر . أو أنه يموت باختلاطات الهزال أو مرض ثانوي عارض . ولقد 
جاء وصفه في كثير من الكتب الطبية العربية . ولعله كان متواتراً في تلك الأيام يسبب 
الكبت الجنسي » وكثرة الممنوعات (انظر قطاية » 1987) . ومرض العشق يبدو أنه يختص 


424 


بامجتمع العربي الحلي ولكن الدراسات التي أجراها المهتمون بعلم النفس في التراث العربي 
الإسلامي كانت ذات أبعاد عالمية نظرية وتطبيقية . إن هذه العلاقة بين ما هو محلي وعالمي 

هي التي تدفع العلم نحو التوتر المبدع والخلاق . 

يقول راشد (1986) كان العلم العربي منذ البداية جزءاً من الممارسة الاجتماعية 
اليومية في مختلف مستويات المجتمع الإسلامي . ولعل هذه الخللاصة هي إحد أسباب غو 
هذا العلم وارتقائه . فالنشاط العلمي لم يظهر فقط في دار الخلافة , وبلاط الأمراء ؛ ولم 
ينحصر في بيوت الحكمة . والمراصد والمستشفيات والمدارس ٠‏ بل نجده أيضاً في الديوان وفي 
المسجد فهو في الديوان حساب وجبر » وهو في المسجد فلك وتوقيت وعلم فرائض . لم 
يتعارض البعد العالمي للممارسة العلمية مع متطلبات اجتماعية محلية بطبيعتها ؛ بل كان 
خلاف ذلك حقاً إذ صارت هذه المتطليات الحلية دافعاً قويا للارتقاء العلمي . 

رابعاً : ملمح آخر من ملامح علم النفس في التراث العلمي العربي الإسلامي أنه كان 
علما سكا . فمثلاً » كان العرب أول من أدخحل تصنيف الأمراض النفسانية على يد 
الطبيب نجيب الدين أبي حميد الذي قسم هذه الأمراض إلي عشر مجموعات شملت 
حوالي الثلاثين مرضاً وذلك في كتابه : . ويعتبر هذا التصنيف أول تصنيف فعلي للأمراض 
احتوى على وصف دقيق للمرض وعلاجه » ويثير الوصف الوارد فى هذا الكتاب الدهشة 
لدقته والمامه بكثير من التفاصيل التي تعد الآن حديثة (كمال وسرحان » 1988) . ولقد 
نظر علماء التراث العربي الإسلامي للاضطرابات النفسية بصورة شمولية من حيث تحديد 
المفاهيم , » وإجراء التصتيك . ويمكن أن نتتبع ذلك من خلال مرض الدوار مثلا فقد عرف 
ابن سينا الدوار وحدد أشكاله السريرية » كما صئفه حسب الأسباب ووضح علاجه (دبسي 
وتسيغانوف , 1188) . ويمكن أن نلاحظ عدة تصنيفات دقيقة في التراث السيكولوجي مثلاً 
تصنيف مرض الدوار عند ابن سينا وتصنيف الصرع عند ابن الجزار وتصنيف أجزاء الدماغ 
عند ابن سينا وتصنيف أجزاء العين عند ابن الهيثم » وتصنيف التشخيص الفارق عند 
الرازي وتصنيف الاضطرابات النفسية فى البيمارستانات وتصانيف المدركات والغلط 
البصري عند ابن الهيثم . ١‏ 

خامسا : ملمح آخر من ملامح علم النفس في التراث العلمي العربي الإسلامي اتصافه 
بالإبداع والابتكار والأصالة . ولم يكن أبداً ترجمة أو شرحاً للتراث السيكولوجي في 
الحضارة الإغريقية . إذا تتبعنا مصادر ابن الهيثم وابن الجزار وبعض مصادر ابن سينا والرازي 
والجاحظ وابن النفيس لا يمكن إرجاع آرائهم الجديدة والمتطورة إلى واحد من المصادر 


0405 


السابقة . فهم قد انتقدوا المؤلفات السابقة خاصة الإغريقية فمثلاً كتب ابن الهيثم الشكوك 
على بطلميوس كما كتب الرازي الشكوك على جالينوس . صحيح جدا لقد اقتبس العلماء 
العرب والمسلمون من الحضارات السابقة , ولكنهم صاغوا ما التهموه وطوروه بكيفية جديدة 
ومبدعة . ولقد عمل العلماء العرب والمسلمون على هضم واستيعاب المصادر امختلفة ووضع 
فرضيات ونظريات جديدة في السيكوفيزياء والسيكوفسيولوجيا والإدراك الحسي والتشريح . 
إن مساهمة ابن الهيثم وابن مدن خاصة يمكن اعتبارها الثورة النفسية الأولى في تاريخ علم 
النفس ؛ وذلك لأن هؤلاء قد قدموا مشاريع علمية جديدة لا ترتبط بما هو نقلي أو اتباعي 
وهذه النوعية الجديدة من التفكير العلمى تدل على أن هؤلاء العمالقة قد أدركوا بعض 
الحقائق السيكولوجية قبل أي أفراد أو جماعات أخرى في التاريخ . ويمكن التساؤل مجدداً 
لماذا كانت نظريات ومناهج هؤلاء في علم النفس تمتاز بالكلية والنضج في تلك المرحلة من 
التاريخ؟ 

ساكس : ملمح آخخر من ملامح علم النفس في الشراث العلمي العربي الإسلامي أنه 
كان علماً مرتبطاً بأعلام إسهاماتها العلمية المتعددة في العلوم أو في مجالات متعددة . لقد 
الروك علا لتحا عل لضي لبي قلحاء عير دصي ف ظلر قسن ود 
أخرى » هناك علم نفس بلا علماء نفس . فابن الهيثم لم يكن عالم نفس ولكن كان فيزيائياً 
كتب «كتاب المناظر» وبه مقالتان رئيسيتان كاملتان عن علم النفس . وابن سينا لم يكن 
عالم نفس ولكن كان فيلسوفا وطبيبا وكتب «القانون» » و«النجاه» و«الشفاء» و«أحوال 
النفس» . و«معرفة النفس الناطقة وأحوالها» ‏ و«رسالة عن القوى النفسانية» . والرازي لم 
يكن عالم نفس ولكن كان طينا وكبلسوفا كتب «الحاوي» و«المنصوري» وهما الفارق أو 
الفروق أو كلام في الفرق بين الأمراض» . وابن الجزار لم يكن عالم نفس وإنما كان طبيباً 
كتب «زاد المسافر وقوت الحاضر» (والمباحظ لم يكن عالم نفس إنما كان أديباً وعالم حيوان 
كتب كتاب «الحيوان» . بالرغم من أن هؤلاء لم يكونوا علماء ء نفس لكنهم قد ساهموا في 
بلورة ملامح علم النفس في التراث العربي الإسلامي . 

2 : ملمح آخر من ملامح علم النفس في التراث العلمي العربي الإسلامي أنه 
كان حركة علمية لم تنحصر في جهة جغرافية واحدة من العالم العربي اللإسلامي بل غطت 
هذه الحركة مدن وأقاليم ومناطق مختلفة . فقد كان إسهام ابن سينا في بلاد فارس » وإسهام 
ابن الهيثم في العراق ومصر , وإسهام ابن النفيس في دمشق . وإسهام ابن الجزار في 
القيروان وإسهام ابن رشد في الأندلس . وإسهام الرازي والبلخي والجاحظ وابن الجوزي في 


006 


بغداد وفي أماكن متفرقة من العالم الإسلامي . يقول الطناحي )١145(‏ إن الحركة العلمية 
القائمة على الإملاء والاستملاء والتسجيل : لم ينفرد بها بلد عربي أو إسلامي دون بلد, 
ولم يخمتص بها زمن دون زمن , بل قام الكل في وقت واحد ء وكأنهم جميعاً على موعد 
واحد ء لا يحل تأخيره » لأداء واجب واحد . لا يقوم أحد منهم مقام أحد فيه » فالذي 
حدث في مكة والمدينة والبصرة والكوفة وبغداد . من مجالس العلم واللاستملاء » حدث 
مثله في الوقت نفسه في دمشق وحلب والقاهرة وقرطبة وغرناطة وإشبيلية والمغرب الأقصى 
كله وبلاد فارس ١‏ وأصغر بلد طالته يد العربية . 

ثامنا: ملمح آخر من ملامح علم النفس في التراث العلمي العربي الإسلامي , أنه من 
ناحية زمانية » وصل قمته عند ابن الهيثم وابن سينا وكلاهما عاش في القرن الحادي عشر 
الميلادي الذي يمثل فترة وجيزة من بداية شروق وازدهار الحضارة العزية الإسلامية في 
الفترتين الأموية والعباسية . وإذا قارنا بين بذرة علم النفس الإغريقي وتطور علم النفس 
الأوربي أو بين علم النفس في عصر النهضة وعلم النفس التجريبي في القرن التاسع عشر 
لكان الفارق قروناً طوالاً . فالسؤال الذي يطرح نفسه كيف تطور علم النفس بهذه الكيفية 
السريعة في التراث العربي الإسلامي؟ والسؤال الأهم لماذا لم تستمر بذرة هذا العلم غواً 
وتطوراً؟ يقول قاسم (149468: )١5‏ لقد اكتشف الغرب في أثناء المواجهات مع العالم 
الإسلامي أن حضارة المسلمين تطورت وتوسعت في مدى قرن واحد من الزمان بطريقة لم 
تحدث من قبل ولا من بعد في تاريخ العلم القديم والحديث بما في ذلك الحضارة الغربية 
الراهنة التي لم تكتنسب سمة الشمول والعالمية إلا بعد ستة قرون من بداية نهضتها في 
القرن الحادي عشر الميلادي . 

تاسعاً : ملمح آخر من ملامح علم النفس في التراث العلمي العربي الإسلامي ارتباطه 
بأسرة بقية العلوم المجاورة . فقد استفاد ابن سينا من الفسيولوجيا والتشريح اللذين ربطهما 
بالأبعاد السيكولوجية مما بلور معالم علم النفس الفسيولوجي , واستفاد الرازي من الطب 
لتتحيقي بما ساعد على بناء ملامح التشخيص الفارق وتحديد بعض موضوعات علم 

نفس الشواذ , واستفاد ابن الهيثم من الفيزياء في البصريات ومن البصريات في بلورة معالم 
علم نفس الإبصار وسيكوفيزيقا الإبصارء ووظف الجاحظ علم الحيوان ما ساعد على ظهور 
ملامح لعلم نفس الحيوان وعلم النفس المقارن . ووظف ابن الجزار الطب في وضع ملامح 
لموضوعات علم نفس الطفل . إن محاولة تطبيق قواعد علم ما على علم النفس ارتبط بروح 
ذلك العصر الذهبي للحضارة العربية الإسلامية وساعد ذلك على تحديد بعض ملامح علم 


4/07 


النفس التجريبي ولعلها المساهمة الأولى في تاريخ العلم . إن بنية العلاقات في الدراسات 
البينية هي بنية معززة للتأصيل العلمي وتطوره ‏ . إن ارتباط علم بأسرة بقية العلوم المجاورة في 
تاريخ العلم العربى الإسلامي يبدو أكثر وضوحاً في بعض العلوم الأخرى . 

لقد لاحظ راشد )١180(‏ أن ما يميز العلم العربى عما سبقه من علوم الحضارات 
القديمة » وما يجعل منه بداية حقة للعلم الكلاسيكي ؛ هو محاولة تطبيق علم على علم 
آخر » ما سيؤدي إلى إنشاء علوم جديدة ؛ إلى جانب ازدهار العلوم الموروثة . إن هذه انحاولاات 
لم تأخذ هذا البعد . ولم تمارس حق الممارسة قبل الفترة العربية » ومنها تطبيق الهندسة علي 
الجبرء مما أدى إلى ظهور الفصل المعروف عن العمل الهندسى لجحذور المعادلات» » وتطبيق 
الجبر على الهندسة وهذا ما عمل على ظهور بدايات الهندسة التحليلية » وتطبيق الجبر على 
الحساب ء وكان لذلك أثر فى تجديد نظرية الأعداد » وظهور أولى الدراسات عن المتغيرات 
العددية الأولية » وتطبيق الهندسة على الفيزياء في مجال البصريات . وأعقب ذلك نشوء 
المناظر كعلم فيزيائي وظهور المنهج التجريبي لأول مرة في التاريخ طريقاً للبرهان . 

عاشراً : ملمح آخر من ملامح علم النفس في التراث العلمي العربي الإسلامي أنه كان 

علماً يرتكز على الملاحظة وعلى المنهج التجريبي . إن الأصل في نشوء العلم هو هذه الفكرة 
البسيطة التي تقول إن الكافل لصحة معلوماتنا ومعارفنا عن الواقع لا يمكن أن يوجد في هذه 
المعلومات والمعارف قديمة كانت أم حديثة » إغا في التجربة . فالتجربة هى معيار صحة 
المعارف التى لدينا » ولا يمكن أن يكون هناك معيار آخر يفوقها أو يحل محلها (غليون » 
) .لد تنبع بعض الباحثين الحقيقة التالية وهي أن العلم ليس بمجموعة من النتائج 
وا محصلات ٠‏ ولكنه قبل كل شيء روح ومنهج . وهو مجموعة من المعايير والقيم والالتزام 
والإلزام بها » وطريقة في التعامل والتفاعل مع الظاهرة التى يراد شرحها (راشد . )١1988‏ . 
فيا ترى ما هو المنهج التجريبي الذي استخدمه العلماء العرب والمسلمون في العلم عامة وعلم 
النفس خاصة؟ تعتبر الملاحظة العلمية والتجربة هما نقطتا البداية فى علم النفس . لقد 
استخدم ابن سينا هذه الملاحظة العلمية من خلال ملاحظته لمرضاه كما قام بتجريب 
بعض الأدوية على الحيوان , واعتمد الرازي فى ممارسته السريرية على الملاحظة العلمية 
والتجربة » كما استخدمت الملاحظة عند الجاحظ في دراسته لسلوك الحيوان كما قام 
الجاحظ نفسه بإجراء تجارب التعلم على الكلاب . أما أهم من استخدم الملاحظة والتجربة 
في تاريخ علم النفس كافة فهو ابن الهيثم في دراسته للسيكوفيزيقا وعلم نفس الإبصار 
والإدراك » كما قام ابن الهيثم بأول تجارب سيكولوجية صارمة لدراسة الغلط البصري أو ما 


4018 


يسمى في علم النفس المعاصر بالخداع البصري عن طريق «الاعتبار» أو المنهج التجريبي . 
إن الاعتبار أو التجريب أو القياس الذي طوره ابن الهيثم لا يختلف كثيراً عن طرق 

البحث العلمي المعاصرة فى أمهات الكتب والدراسات (بينتلي 1977/٠‏ ؛ جيلفورد . 
4)»).ء كما لا تختلف أبحاثه البصرية فى جوهرها عن بعض الأبحاث المعاصرة (انظر 
جيبسول » ؛ جريجوري , 1477 ,) . لذلك هناك مجموعة من علماء النفس 
القدامى , مثلاً (هيلمهوتز . 14094 ؛ بوير» 1917) ء والمعاصرين , مثلاً (جريجوري . 
0١‏ ؛ هيلير » 1484 ؛ هاوراد .1445 ؛ رسل ٠‏ 141/4) ومن المهتمين بابن الهيثم مثلاً» 
(صبرة » 4191/١‏ 191/8 ؛ 1989) قد كتبوا بصورة ممتازة عن علم النفس عند ابن الهيثم . 
وبوسعنا القول ؛ بأن علم النفس الهيئمي كان أكثر أصالة من علم النفس الإغريقي لأنه كان 

قائماً على الملاحظة والاعتبار لا على التأمل العقلي والنظرة المسبقة ع«ؤكان مهتماً بالفيزيا» 
لا بالميتافيزيقا . وفي تقديرنا » فإن أي مشروع إحيائي وتجديدي لعلم النفس التجريبي في 
التراث العربي الإسلامي سيكون ابن الهيثم » بلا ريب . هو محوره ومركزه الرئيسي . 


ماهي الدروس المتعلمة من البحث السيكولو جى فى التراث؟ 


ظهرت في علم النفس نظريات كثيرة » بعضها قدي . وبعضها حديث , ولكن ليس كل 
حديث صحيحاً . وليس كل قدي باطلاً . فكثير من النظريات القديمة صحيح لأنه صمد 
للزمن . وكشير من النظريات الحديئة نقف منه موقف الحايد , لأن الحركة العلمية والزمن 
سيشبتان مدى قدرته على الصمود أمام ما يكشف من حقائق علمية (القوضي ١994»‏ : 
6) .ء وإذا كانت النظريات العلمية لا تتكامل إلا بتعاون العلماء فى العصور المتعاقبة كان 
من الواجب على العلماء اللاحقين أن يعترفو بفضل للعلماء السابقين ..ولو رام عالم وااحد 
من تلقاء نفسه أن تشتنبط جميع الحقائق التى استنبطها القدماء لما أمكنه ذلك . ولكان من 
الجائز أن لا يهتدي هو نفسه إلى شيء (صليباء ٠‏ :0 ). يذكرطه (1940) بأن 
الإنسان يجد في نفسه إغراء لقبول تفسير (توماس كون) لطبيعة التطور العلمي فهو ليس 
تراكمياً وليس تطوزه 13 ختطية:تصضاعدية . فلا يبني اكتشافاً فوق اكتشاف بل هو يبني ليهدم 
ثم يبني من جديد وهكذا . وأنه في هذا المسار قد يهدم نظرية ثم يفتقدها ويندم على 
إهدارها . وأنه قد يستغني عن نظرية ثم يندم على أنه قد استغنى على الأقل عن بعض 
أجزائها ولات ساعة مندم . لأن البديل النظري الذي تبناه بعد ذلك لا يحتوي ولا يمكن أن 


409 


يقبل تلك الأجزاء الصحيحة المستغنى عنها . 

إن السمة العامةلبذرة علم النفس في التراث العربي الإسلامي هي قوة هذه البذرة التي 
تفتحت في فترة وجيزة من الزمن وكانت قوية التفتح من حيث النوع والديناميكية والتأثير . 
وبينما كان العالم العربي الإسلامي بمثابة مكة بالنسبة للطلاب من الغرب في عصر 
الترجمة والالتقاء الحضاري في المراكز العلمية أصبح الآن المنطقة الأقل مساهمة من غيرها . 
وإن بذرة علم النفس التي تفمتحت في العصر الذهبي لم يستمر ريها بالماء والغذاء 
والأكسجين ورعايتها في بيئتها . ولذلك ذبلت هذه البذرة ولكن عروقها مازالت في الأرض . 
ومن أسباب ذبولها الاتجاهات الجامدة والدوافع الخامدة والأدمغة الخاملة والعقول الكسولة 
للأفراد والمهتمين بعلم النفس في العصور التالية للعصر اللعني وعصور التراجع وفي العصر 
الحالي . كان علم النفس في التراث العربي الإسلامي واعياً لان ؛ العقل كان واعياً ومتقداً 
وناقدا وخلاقا . وعندما أصبح العقل لاواعياً وكسولاً ومقلداً وناقلاً أصبح علم النفس كذلك 
لا واعياً ومترأجعاً في عصر الانحطاط والثبات والركود . 

لقد تراجعت سيكوفيزيقا الإبصار عند ابن الهيثم , والإدراك الحسي عند ابن سينا , 
والتشخيص الفارق عند الرازي ٠‏ وعلم نفس الطفل عند ابن الجزار» وسلوك الحيوان عند 
الجاحظ . وتراجعت هذه الجوانب الحية والحيوية والعلمية والتجريبية إلى الشعوذة والدجل 
والسحر والتمائم والبخرة والمحاية والخطوة . إن الأسئلة السيكولوجية التى طرحها ابن الهيثم 
وابن سينا وابن الجزار والرازي والحاحظ هي ليست الأسثلة المطروحة الآن في علم النفس ٠‏ 
وإن قضايا الأفراد والجماعات في العالم الإسلامي بين القرن الثامن والقرن الخامس عشر 
الميلادي هى ليست قضايا الإنسان العربى المعاصر فى القرن الواحد والعشرين . إذنٍ فما هى 
أهمية الاهتمام بالبحث في علم النفس في التراث العلمي العربي الإسلامي أو ما هي 
الدروس المتعلمة منه؟ 

هناك عدة جوانب هامة في البحث في التراث العربي الإسلامي (انظر راشد., 
ه4) . أولاً : إصلاح مناهج تاريخ العلوم وتطويرها . وذلك بفهم جديد لمكان العلم 
الكلاسيكي وتاريخه » ومن ثم بإعادة تقسيم الفترات التاريخية نفسها , من يونانية » وعصر 
0 العلم العربي . ويستغني عن تلك 
المفاهيم التي لم تحل شيئا . بل زادت الأمور تعقيدا . مثل مفهوم «النهضة العلمية في القرن 
السادس عشر» . يبدو أنه من المناسب الرجوع لمقدمة هذه الدراسة عندما لاحظنا بأن هناك 
ثلاثة اتفاقات بين علماء النفس العرب )١(‏ أهمية دور الفلسفة الإغريقية من خلال 


04010 


مساهمة أفلاطون وأرسطو . (؟) دور عصر النهضة ويمثل ديكارت روح ذلك العصر (”) إن 
بداية علم النفس الحقيقية هي مع ظهور المنهج التجريبي وخاصة مساهمة فيبر وفخنر 
وفونت . إن الرؤية التي كتبت (بضم الكاف) بها مراحل تطور علم النفس » من وجهة نظر 
علماء النفس العرب » هي نفس الرؤية التي كتب بها مؤرخو علم النفس في الغرب . وتحتاج 
هذه الرؤية للتعديل في ضوء نتائج البحث السيكولوجي في التراث . وتحتاج بصورة خاصة 
رؤية بورنم (1161) التي كتب بها «تاريخ علم النفس التجريبي» لإعادة النظر وذلك بوضع 
المساهمة العربية الإسلامية فى الفجوة الموجودة بين الفلسفة الإغريقية وعصر النهضة . 

ثانياً: جانب آخر لأهمية البحث في التراث هو ما سنتعلمه من التراث عند التفكير 
في سياسة علمية » ودروس التراث هذه لا تخص امجتمع العربي فحسب . بل هي دروس 
للإنسانية قاطبة . فمنه سنعرف : أولا أن إحدى وسائل الارتقاء العلمي هي محاولة الوصول 
إلى حلول علمية لمسائل تثيرها الممارسة الاجتماعية , من مادية وثقافية . وثانياً أن العلم ‏ 

حتى العصر الوسيط ‏ لم يحتج إلى معامل ضخحمة ووسائل كبيرة باهظة التكاليف . فمثلاً . 
مقياس ابن الهيئم للغلط البصري والذي يعد أول محاولة في تاريخ علم النفس التجريبي هو 
مقياس مبسط لا يحتاج لأكثر من لوح خشبي طوله كطول ذراع اليد وعرضه عرض أربع 
أصابع مقتدرة حسب تعبير ابن الهيثم . 

وثالعاً : يعلمنا التراث العلمي بأن الترجمة العلمية المفيدة الفعالة لا تنفصل عن الإبداع 
العلمي نفسه . ولن يتحقق هذا إلا بإعادة النظر في مفهوم الترجمة العلمية وسياستها . يظن 
بعض المستشرقين أن تاريخ العلم العربي تتوزعه ثلاث مراحل : الأولى للترجمة والثانية 
للاكتساب والثالثة للإبداع . وسادت هذه النظرة عند جمهرة من المختصين على الرغم من 
سطحيتها وخطثها . فإن حركة الترجمة من فلكية ورياضية على الأخص قد ارتبطت 
بالبحث العلمي وبالإبداع . وسيعلمنا التراث بأن تفضيل الجانب التطبيقي على الجانب 
الأساسى والبحث النظري لن يؤدي إلى إرساء أسس البحث العلمى . فلن يكفى لاكتساب 
القيم العلمية مارسة العلماء وحدها . ولكن لا بد من خلق ثقافة علمية وفلسفية وتاريخية 
مرتبطة بالعلم , وهنا سيكون التراث العلمي كتاريخ يدرس . وكنصوص تعلم , هو إحدى 
وسائل خلق هذه الثقافة اللازمة لتوطين الظاهرة العلمية في المجتمع العربي . فلا يمكن أن 

يصبح العلم ظاهرة وطنية في مجتمع مازال ينظر إلى العلم على أنه نتاج حضارة أخرى لم 

يشارك هو في تكوينها (راشد . )١1986‏ . 

رابعاً : يعلمنا التراث بأن تطور علم النفس يرتبط بتطور العلوم الأخرى . عندما وصل 


431 


علم النفس التجريبي في التراث العربي الإسلامي لقمته في القرن الحادي عشر وصلت 
كذلك علوم أخرى عربية لهذه المرتبة العالية . ومن بين هذه العلوم العربية : علم الحساب 
(علم العدد) . وعلم الجبر والمقابلة » وعلم المثلشات , والرياضيات التحليلية ‏ والموسيقى 
والستاتيكا » وعلم الهيأة . وعلم آلات الأظلال والميقات , والجغرافية الرياضية » 8 
البحار» علم المنظور (المناظر) , وعلم الهندسة (نظرياً وتطبيقاً) . وعلم الفلك (علم النجوم 
وعلم النجوم الرياضي) . وعلم الأوزان (دراسة الموازين) , وعلم التقنيات البارعة (علم 
الحيل) . فضلا , عن علوم التقانة » والكيمياء وعلوم الحياة » والهندسة المدنية والميكانيكا : 
والفلاحة , والطب . ولمزيد من التفاصيل لهذه العلوم العربية انظر موسوعة تاريخ العلوم 
العربية التي أصدرها مركز دراسات الوحدة العربية ومؤسسة عبد الحميد شومان . 

وخامساً : يعلمنا التراث العلمي أن نمو العلم وتطوره ليس بظاهرة منعزلة عن نمو المعارف 
الأخرى وتطورها , وبخاصة اللغوية منها . فقبل الترجمة وخلالها لم يتوان اللغويون العرب 
عن البحث في اللغة , في تراكيبها ومفرداتها . فوصفوا وحللوا قواعد الاشتقاق , وأصول 
00 التي يمكن الأخذ بهاء وخلقوا علوماً جديدة (راشد . 1986) . هناك مشكلات 

في فى الترجمة الحالية في علم النفس وذلك نتيجة لتجدد المعارف السيكولوجية وقصور 

ا العربية في اللحاق بها . يقول أبو ديب نحتاج لعملية بحث عن صيغ وتوليد 
مفردات وتجرؤ على حدود اللغة ومقيداتها (ص . 7”) . 

ولم يتم التفجير اللغوي لعملية التغير والتطور الثقافية - الحضارية إلا بالمغامرة الرائدة . 
بالجرأة لا على نقل الفكر من العالم وحسب بل على اللغة أيضاً . على بناها العميقة 
والسطحية , وعلى مكوناتها الصوتية . والمورفولوجية والنظمية . . . جرأة تهدف في النهاية 
إلى إنباز جوهري هو توسيع اللغة . وتوسيع اللغة ليس شرطاً يخيف بل إنه شرط أساسي 
لتطور اللغة في مراحل الصدام الحضاري . شرط حققته العربية فى عصر اصطدامها الأول 
بالحضارة العالمية » واليونانية والفارسية والهندية (ص )37١‏ . فاللغة ليست مقدسة . وهي 
في ذات الوقت نفسه ليست مصطلحاً . كما شاع في اللغويات منذ عهد عبد القاهر 
الجرجانى ودسوسير ء أو ليست مصطلحاً ثابتاً نهائيا . بل هي عملية مستمرة من التوليد 
الاصطلاحي أو من الاصطلاح التوليدي (أبو ديب ٠‏ 19917) . فاللغة المولدة أو الجديدة بلغة 
حنفي (40ة1) وحدها هي القادرة على مخاطبة الناس وعقد حوار بينهم . 

ساكس : يعلمنا التراث العلمي السيكولوجي بأن.علم النفس قد تأسس جزء كبير منه 
في رحاب الدراسات الطبية كالتشريح (الفصل الثاني) والفسيولوجيا (الفصل الثالث) 


0132 


والاضطرابات النفسية (الفصل السابع) والبيمارستانات والسيكوفارماكولوجيا (الفصل 
الثامن) . ويعلمنا التراث العلمي كذلك بأن جزءاً آخر من علم النفس قد تأسس في رحاب 
علم الحيوان (الفصل الرابع) . كما تأسس جزء أخر في الرياضيات (الفصل التاسع) » 
وتأسس الجزء الأهم فى البصريات والفيزياء (الفصل العاشر والفصل الحادي عشر) . نريد أن 
نقول بذلك إن علم النفس في التراث العربي الإسلامي قد تآسسن بضورة تجريبية.وكان علماً 
«صلباً» . لا «علماً رخوأ» لأنه تأسس في معامل التشريح والفسيولوجيا وأقفاص الحيوانات 
وفي مخابر البصريات والمراصد الفلكية لا في أقسام الفلسفة ومعاهد المعلمين كما في العالم 
العربي حالياً . 

سابعاً : يعلمنا البحث في التراث العلمي العربي بأن البحث السيكولوجي كان يعتمد 
على الدعم المالي السخي وأن علم النفس الذي تأسس خاصة في رحاب الدراسات الطبية 
(التشريحية والفسيولوجية والمرضية والتشخيصية والعلاجية) أو في علم المنظور أو البصريات 
كان يجد الدعم المادي والمعنوي الكافي من الخلفاء الذين رعوا البيمارستانات العقلية من 
خلال الأوقاف أو قدموا الدعم لإنشاء المراصد الفلكية بقصد تحديد الجداول والأزياج . فقد 
أرسل العلماء في بيت الحكمة لجمع امخطوطات والكتب بغرض ترجمتها وتحقيقها ونقدها 
والإضافة عليها ولم يتم ذلك من غير الدعم المادي الكافي . ولقد تابعنا في الفصل السابق 
اهتمام الخليفة المأمون الخاص بالرصد الفلكي » ونتيجة لذلك فقد تجمع على نفقته المادية , 
أكبر علماء الفلك في ذلك العصر الذين كلفوا برصد خاص للشمس والقمر خلال سنة 
كاملة وهذا ما أوصلهم إلى وضع «الجحداول الممتحنة» . 

ثامناً : يعلمنا البحث في التراث السيكولوجي بأن حالات الضعف والركود العلمي في 
الغرب ارتبط بجمع وترجمة واقتباس وسرقة الخطوطات العربية وإضفاء الصفة اليونانية 
عليها . وفقا لجاكار لقد وصلت المؤلفات العربية للغرب في حلة يونانية عبر قسطنطين 
الأفريقي . ولم يتردد هذا المترجم فى نسب النصوص إلى نفسه كفا هذه النتصوص 
باللاتينية مدنا إياها كإعادة اكتشاف للعلم اليوناني » مطلقاً على نفسه صفة المنسق أو 
الجامع لهذه العلوم . وتبدو إرادته هذه في صبغ م الصفة الهلينستية على النصوص من خلال 
اختياره للعناوين . فمثلاً ؛ العنوان 1538086 يحجب اسم المؤلف العربي إسحاق ء ولكنه 
يذهب إلى أبعد من ذلك . فتحت عنوان 01ععامةم نجد إسناداً إلى كتاب عمطءعء1 
لجالينوي » ولكن ال 1مع2386 ليس من حيث المحتوى سوى كتاب «كامل الصناعة الطبية» 
لعلي بن عباس المجوسي (انظر جاكار» 1991) . 


013 


فكان الغرب تابعاً ومستهلكاً ما أنتجته وأبدعته الحضارة العربية الإسلامية , وذلك لأن 
المغلوب الغربي من ناحية سيكولوجية كان رلا بالغالب العربي . يقول ابن خلدون في 
مقدمته الرائعة : إن المغلورب يتشبه أبداً بالغالب في مليسه رق وسلاحه في اتخاذها 
وأشكالها بل وفى سائر أحواله .. . والسبب في ذلك أن النفس أبداً تعتقد الكمال في من 
غلبها وانقادت إليه .. . إن الأمة إذا غلبت وصارت من ملك غيرها أسرع إليها الفناء .. . 
والسبب ما يحصل في النفوس من التكاسل . . . وصارت بالاستعباد آلة لسواها . . . وعالة 
عليهم وتلاشت مكاسبهم ومساعيهم» . ويمكن القول بأن «التاريخ يعيد نفسه» في وضعية 
علم النفس المعاصرة في العالم العربي والقائمة على التبعية والاستهلاك للمفاهيم 
والنظريات والمناهج الغربية في علم النفس وترجمة الكتب السيكولوجية الغربية واقتباسها 
وسرقتها وفقا كذلك لمقولة المغلوب مولع بالاقتداء بالغالب . 

تاسيفا : يعلمنا البحث في التراث أهمية الاهتمام بالودائع المتروكة من عباقرة العلم 
العربي الإسلامي . هناك كم هائل من الكتب الخطوطة ذات العلاقة بعلم النفس ولقد ذكرنا 
عدداً كبيراً منها في فصول هذا الكتاب مثلاً الكتب النفسية عند ابن الجزار وابن سينا 
والرازي وابن الهيثم . وتكمن أهمية ذلك في تجذير عميق لعلم النفس في التراث العربي 
الإسلامي . إن تراث الأمة » كما يعبر الحفيان (19457 ) » أساس نهضتها . تلك هي القاعدة 
مهما كانت قيمة هذا التراث » فكيف تكون الحال » والتراث هو التراث العربي »غنى وتنوعا 
وامتداداً ومساحة جغرافية » وقدرة على التأثير بما يملكه من قيم روحية ودينية . ويقول قاسم 
(1980) في مقدمة تحقيقه لكتاب تدبير الحبالى والأطفال والصبيان : « لقد كنا وحتى عهد 
قريب نجحد ميراثنا العلمى منشغلين بالبضاعة الحاضرة متحرجين من الالتفات إلى 
مخطوطاتنا العلمية تاركين للغرباء أن ينشغلوا بها ويعيدوا الدراسات عنها ويحققوها 
وينشروها في صور شتى بعضها صحيح وأكثرها زائف عبث به الهوى والتعصب وسوء الفهم 
والإدراك . ونادى المنادون من الغيورين من أبناء هذه الأمة أننا أولى من غيرنا بدراسة تاريخنا 
العلمي الذي هو مصدر فخرنا في حاضرنا وماضينا ومعرفة عباقرتنا ونوابغنا ممن كانوا ولا 
يزالون ينابيع للعلم والمعرفة مهما تغيرت الأحوال وتباعدت الأعوام . 

عاشرا : إن الدرس الأخير والهام الذي يمكن أن نتعلمه من البحث في التراث العلمي 
العربي الإسلامي يرتبط أولاً بجمع وعرض وتصنيف الخطوطات السيكولوجية من المكتبات 
العامة والخاصة في العالم العربي ومن المكتبات الغربية التي اشتهرت بجمع الخطوطات 
العربية كمكتبة الأسكوريال في أسبانيا , والبندقية في إيطاليا » ومكتبة معهد الويلكم 


434 


ومكتبة أكسفورد في بريطانيا » ومكتبة الفاتح في تركيا » وغيرها كشير (انظر كوركس عواد 
(1485) : فهرس فهارس الخطوطات العسربية في العالم) . وثانياً تحقيق المخطوطات 
السيكولوجية وفق الضوابط الصارمة التي وضعها مثا ؛ عبد السلام هارون والمنجد وغيرهما . 
وثالثاً التعريف با خطوطات السيكولوجية امجموعة والمحققة ونشرها بواسطة دور النشر العربية 
الجادة والمهتمة بالتراث ورايهاً تحليل وتشريح وتفكيك النصوص السيكولوجية المحققة في 
التراث العلمي العربي الإسلامي ,وخافسا تجديد المفاهيم والنظريات ومقاربتها ومقارنتها 
فضلاً عن إحياء التجارب والمقاييس السيكولوجية الدقيقة والصادقة والثابتة . إن الاهتمام 
بهذه الأبعاد الخمسة هو لإعطاء البحاثة نه العرب في عَلم النفض ثقةاقوية في لفن لينن فق 
البحث السيكولوجي فحسب وإنما في التأصيل والتجويد أو التجديد والإبداع . 


035 


المصادر والمراجع 


ابن الجزار القيرواني . كتاب سياسة الصبيان وتدبيرهم . تحقيق محمد الحبيب الهيلة 
(1954) . تونس : مطبعة المنار . 


ابن الجوزي , أبو الفرج (١1ه-/917هه)‏ . أخبار الأذكياء . تحقيق محمد مرسي الخولي 


(ثل/اةا). 

ابن الجوزي . أبو الفرج (١6910-61ه)‏ . أخبار الحمقى والمغفلين . بيروت : دار الآفاق 
الجديدة . 

ابن سينا . الشيخ الرئيس أبو على )٠١*5- 918٠0(‏ . القانون في الطب . بيروت : دار 
صادر . 


ابن الهيثئم , الحسن (ت )٠١41-١١4٠‏ . كتاب المناظر» تحقيق ومراجعة عبد الحميد 
صبره )١1987(‏ . الكويت : المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب . 

أبوديب , كمال (1481) . مقدمة المدرجم للكتاب : الثقافة والإمبريالية لإدوارد 
سعيد . بيروت : دار الآداب . 

أبو النيل ؛ محمود (1980) . علم النفس الاجتماعي : دراسات عربية وعالمية . الجزء 
الأول . بيروت : دار النهضة العربية . 

أحرشاوء الغالي (1944) . واقع التجربة السيكولوجية في الوطن العربي . بيروت : 
المركز الثقافي العربي . 

أحمد , محمد أبو العلا )١49(‏ . علم النفس العام . القاهرة : مكتبة عين شمس . 

إسماعيل . عزت سيد (1187) . علم النفس الفسيولوجي . الكويت : وكالة 
المطبوعات . 

آغاء كاظم ولي (1981) . علم النفس الفسيولوجي . بيروت : دار الآفاق الجديدة . 

الأهوانى , أحمد فؤاد )١1964(‏ . ابن سيناء . القاهرة : دار المعارف . 

الباكا عيذ الرحين (1518) : السيد عند العرن. “ببروت» مويسم الزسالة ودار 
النفائس . 

البلخي . أبوزيد (1984) . مصالح الأبدان والأنفس . فراتكفورت : جامعة فراتكفورت . 

البلدي . أحمد بن محمد . كتاب تدبير الحبالى والأطفال والصبيان وحفظ صحتهم 
ومداواة الأمراض العارضة لهم . تحقيق محمود الحاج قاسم )١1980(‏ . بغداد : دار الرشيد . 


036 


تاتون » رينيه (1984) . تاريخ العلوم العام : العلم القديم والوسيط . ترجمة على مقلد . 
بيروت : المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر . 

تامرء عارف )١19817(‏ . جولة فى آفاق ابن سينا ( ص . 174-1١١"‏ ) . أبحاث المؤممر 
السنوي الخامس لتاريخ العلوم عند العرب .1 - ١4‏ أيار» 1481 » حلب ؛ جامعة 
حلب . 

الجاحظ . أبو عثمان عمرو بن بحر . كتاب الحيوان . تحقيق عبد السلام محمد هارون 
(1959) . القاهرة : مصطفي البابي الحلبي . 

جلخي » بثينة (1444) . علم الضوء عند ابن الهيثم . رسالة ماجستير غير منشورة » 
جامعة حلب . معهد التراث العلمي العربي . حلب . 

الحرء محمد كامل )١141(‏ .ابن سيناء حياته - آثاره وفلسفته . بيروت : دار الكتب 
العلمية . 

حقي »ء ألفت محمد (19815) . فسيولوجيا السلوك : علم النفس الفسيولوجي . 
الإسكندرية : دار الفكر . 

حمارنة » سامي )١1587(‏ . مقدمة كتاب الجماهر في معرفة الجواهر . مجلة تاريخ العلوم 
العربية » لا 58-5 . 

حمزة » مختار )١1945(‏ . مبادئ علم النفس . جدة : دار البيان العربي ١‏ 

حناشة » يوسف حمدان (19884) . ابن النفيس وأعماله واكتشافه للدورة الدموية 
(ص . -١07‏ 194) . أبحاث المؤتمر السنوي العاشر لتاريخ العلوم عند العرب والمنعقد في 
اللاذقية 77 - 754 نيسان 1985 ء سوريا . 

حنفى » حسن (1986) . موقفنا الحضاري . مجلة المستقبل العربى 91١-51١٠ "٠‏ . 

الخالدي ؛ صلاح الدين (1587) . ابن سيناء رائد الطب النفسي (ص . ١40‏ - 
5 ) . أبحاث اللمؤتمر السنوي الخامس لتاريخ العلوم عند العرب » ١4 -١7‏ أيارء 194١‏ ء 
حلب . سوريا . 

الخليفة » عمر (قيد النشر) . الاضطرابات النفسية , والتدبير النفسى ء والبيمارستانات : 
قراءة للتراث العربي الإسلامي . مجلة تاريخ العرب والعالم (لبنان) ٠‏ 

الخليفة » عمر (1144) . الرياضيات وعلم النفس : نظرة للتراث العربي الإسلامي . 
المجلة المصرية للدراسات النفسية ‏ 9/.9ا١١-51١‏ . 

الخليفة , عمر )5٠٠١(‏ . علم النفس السينوي : قراءة لثلاثة مداخل . مجلة تاريخ 


437 


. ٠١١-1/8 ٠١ » العرب والعالم‎ 

الخليفة .عمر )٠٠١(‏ علم النفس الفسيولوجي والتشريح : قراءة للتراث العربي 
الإسلامي . المجلة العربية للعلوم , 8" . 45-84 . 

الخليفة .عمر )١1949(‏ . ملامح علم نفس الحيوان في التراث العربي . المجلة العربية 
للعلوم /ا (*”) , ١١١-1/‏ : 

الخليفةءعمر )١19494(‏ . مناظر ابن الهيثم : الدور الرائد لابن الهيثم في تطور 
السيكوفيزيقا . المجلة التربوية » 2١5‏ ١6١-م#+٠“"‏ . 

الخليفة .عمر (1914) . ملامح علم النفس في التراث العلمي العربي الإسلامي . 
مجلة اتحاد الجامعات العربية » 5” » ه/ا؟7-1١"‏ (الأردن) . 

الخوارزمي » محمد بن موسى . الجبر والمقابلة . تقديم وتعليق على مصطفى مشرفة 
ومحمد موسى أحمد )١1958(‏ . القاهرة : دار الكتاب العربى . 

الخيام , أبو الفتح عمر . رسائل الخيام الجبرية تحعيق زشدي راشد وأحمد جبار 
(19481) . حلب : جامعة حلب . 

الداية » فايز (1987) . علم النفس السينوي وأثره في الأدب العربي (ص . 
)١144-6‏ . أبحاث المؤمر السنوي الخنامس لتاريخ العلوم عند العرب » ١5 - ١18‏ أيار 
60 ء جامعة حلب »ء سوريا . 

دبسى » فيصل . ؛ وتسيغانوف الكسى )١1989(‏ . الدوار عند ابن سيناء (ص . -١98‏ 
. أبحاث المؤتمر السنوي العاشر لتاريخ العلوم عند العرب » 757 - 74 نيسان» 19/5 » 


اللاذقية » سوريا . 

الدفاع , علي (1985) . إسهام علماء العرب والمسلمين في علم الحيوان . بيروت : 
مؤسسة الرسالة . 

الدفاع » علي )١19817(‏ . المناحي العلمية عند ابن سيناء . الطائف : مطبوعات نادي 
الطائف الأدبي 


الرازي » محمد بن زكريا . رسالة في أمراض الأطفال والعناية بهم . ترجمة محمود 
قاسم )١91/9(‏ . بغداد : وزارة العمل والشؤون الاجتماعية 3 

الرازي ؛ محمد بن زكريا (1١ه6؟‏ - 91#" هجرية) . كتاب ما الفارق أو الفروق أو كلام 
في الفروق بين الأمراض . تقديم وتحقيق ونشر سلمان قطاية )١191/8(‏ . حلب : جامعة 
حلب . 


438 


الرازي » محمد بن زكريا 7١7 - 76١(‏ هجرية) . الحاوي فى الطب . حيدر أباد : مطبعة 
معاس داثرة المعارفك العتمانيةة . ١‏ 

راشد . رشدي (1985) . تاريخ العلم والعطاء العلمي في الوطن العربي . فى : مجموعة 
مؤلفين . تهيئة الإنسان العربى للعطاء العلمى (ص )١11-١5417.‏ . بيروت : مركز دراسات 
الردة العررية وموسية عبد اليد شوماة * 

راشد . رشدي (/1191) . التحليل التوافيقي , التحليل العددي , التحليل الديوفنطسي 
نظرية الأعداد . في : رشدي راشد , رشدي . » وريجيس مورون (اشراف) . موسوعة تاريخ 
العلوم العربية . الجزء الثاني (ص ص . -44١‏ 0788) . بيروت : مركز دراسات الوحدة 
العربية . 

رزق الله » عبد المجيد )١587(‏ . عبقرية ابن الجزار وريادته فى طب الأطفال . أبحاث 
الندوة العلمية لألفية ابن الجزار» ١6 - ١7‏ أبريل 14817 » تونس : وزارة الشؤون الثقافية . 

روش » هنري (/11917) . تأثير علم الفلك العربي في الغرب في القرون الوسطى . في : 
رشدي راشد .» وريجيس مورون (إشراف) . موسوعة تاريخ العلوم العربية . الجزء الأول 
(ص ص . 315-79) . بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية . 

روكلن . موريس )١987(‏ . تاريخ علم النفس . نقله إلى العربية على زيعور. بيروت : 
دار الأندلس . 

الزركلي » خير الدين . الأعلام , الجزء الخامس . بيروت 197١‏ . 

الزهاوي » خلف بن عباس (177/8) . التصريف لمن عجز عن التأليف . ج ١‏ . ليرن . 

زيعور , علي )١1987(‏ مقدمة ترجمته لكتاب موريس روكلن (1987) . تاريخ علم 
النفس 1 بيروت : دار الأندلس . 

السبع . محمد (1989) . نحات مضيئة عن غرائز الحمام في التراث العربي (ص . 868 
- 91) . أبحاث المؤتمر السنوي العاشر لتاريخ العلوم عند العرب والذي نظمه معهد التراث 
العلمي العربي بجامعة حلب . والمنعقد في اللاذقية 717 - 54 نيسان 1987 », سوريا . 

سعيدان » أحمد (/19187) . الأعداد وعلم الحساب . في : رشدي راشد . ٠‏ وريعجيس 
مورون (إشراف) .موسوعة تاريخ العلوم العربية . الجزء الثاني (ص ص . 547- 457) . 
بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية . 

سلامة . عبد الحميد )١1940(‏ . الرياضة عند العرب . تونس : الدار العربية للكتاب . 

سليمان ؛ علي . » المليجي . حمدي . » وبديوي . احمد (1994) . مدخل في علم 


439 


النفس . القاهرة : مكتية عيبن شمس . 
شحادة , عبد الكريم (1987) . ابن سينا الطبيب (ص )151-١61/.‏ . أبحاث المؤتمر 
السنوي الخامس لتاريخ العلوم عند العرب » ١54 -١7‏ أيارء 1981 » جامعة حلب » حلب » 


سوريا . 
شحادة » كمال )١1987(‏ . ابن الجزار وصحة الطفل . أبحاث ودراسات الندوة العلمية 
لألفية ابن الجزار » ١6 -١7‏ أبريل » 1987 ء وزارة الشئون الثقافية » تونس . 


صبرة . عبد الحميد (*198) . مقدمة تحقيق كتاب المناظر للحسن بن الهيثم رص 5" 
- 5ه) . الكويت : المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب . 

الطناحي » محمود (1447) . قضية إنقاذ الخطوطات : ما تحقق وما لم يتحقق . مجلة 
الخطوطات العربية » ١‏ » ”لا -ل/ا١١.‏ 

طه ء الزبير (0٠54١ب)‏ . سايكوفيزياء الإبصار عند ابن الهيثم . امجلة العربية للطب 
النفسى 1١ ٠‏ 656؟- 77# . 

طه » الزبير (*199) . الصحة النفسية لدى أبى زيد البلخى . المجلة العربية للطب 
النفسى , 4 , ١47 - ١77‏ .طه » الزبير (11480) . الفسلجة العصبية فى كتاب القانون فى 
الطب . الجلة العربية للطب النفسى » 188-١47 .1١‏ . 1 ْ 

طه . الزبير (1946) . علم النفس في التراث العربي الإسلامي . الخرطوم : دار جامعة 
الخرطوم للنشر . 

عباس » فيصل )١1995(‏ . موسوعة علماء النفس والتربية . بيروت : دار الفكر . 

عبد الشهيد ء صموئيل (191/6) . الروح العلمية عند الجاحظ في كتاب الحيوان . 
بيروت : دار الكتاب اللبناني . 

عثمان . حسن ملا (1987) . الأفكار النفسية والتربوية عند ابن سينا (ص . ه؟١-‏ 
5) . أبحاث المؤتمر السنوي الخامس لتاريخ العلوم عند العرب والذي نظمه معهد التراث 
العلمى العربى بجامعة حلب » ١54 -١7‏ أيار 1481 » حلب »ء سوريا . 

عمر ء صالح (141) . الاستقراء عند ابن الهيثم . مجلة تاريخ العلوم العربية ه : ه/ا 
-84 . 

العمري . عبد الله )١1940(‏ . تاريخ العلم عند العرب . عمان : مجدلاوي . 

عيسوي . عبد الرحمن (191/4) . مناهج البحث في علم النفس . الإسكندرية : منشأة 
المعارف . 


440 


عيسى ٠‏ أحمد (199) . تاريخ البيمارستانات في الإسلام . دمشق : المطبعة 
الياسمينية . 

عينتابى . محمد فؤاد (1987) . ابن سينا : فخر العرب وعبقري الإسلام (ص . 
1417-5 ) . أبحاث المؤتمر السنوي الخامس لتاريخ العلوم عند العرب والذي نظمه معهد 
التراث العلمى العربى بجامعة حلب ». ١4 ١7‏ أيارء 1441 »؛ حلب ء سوريا . 

غليون ‏ برهان (1940) . اغتيال العقل . الجزائر : موفم صاد . 

فلوجل .ج (14988) . علم النفس في مائة عام . نقله إلى العربية لطفي فطيم . 
بيروت : دار الطليعة . 

قاسم ء عون (ينايرء )١196‏ . الثقافة السودانية : ثقافة عربية إسلامية إفريقية . مجلة 
الثقافة السودانية لاا 75-4 . 

قاسم ء محمود الحاج )١1980(‏ . مقدمة التحقيق لكتاب تدبير الحبالى والأطفال 
والصبيان وحفظ صحتهم ومداواة الأمراض العارضة لهم للبلدي . بغداد : دار الرشيد . 

قاسم . محمود الحاج (1987) . تاريخ طب الأطفال عند العرب . جدة : مطبوعات تهامة . 

القرطبي , عريب بن سعد . خلق الجنين وتدبير الحبالى والمولدين . راجعه نور الدين 
عبد الخالق )١1965(‏ . الجزائر . 

قطاية » سلمان )١1987(‏ . داء «العشق» : دراسة مقارنة بين ما جاء في زاد المسافر لابن 
الجزار وبعض الأطباء العرب ( ص . 787- 747) . أبحاث ودراسات الندوة العلمية لألفية 
ابن الجزار » ١5- ١1‏ ابريل 1987 » تونس . 

قطاية » سلمان (191/8) . محقق وناشر كتاب ما الفارق أو الفروق أو كلام في الفروق 
بين الأمراض للرازي . حلب : جامعة حلب . 

كامل . عبد الوهاب محمد (1111) . علم النفس الفسيولوجي . القاهرة : مكتبة 
النهضة المصرية . 

كمال . على . ؛ وسرحان . وليد )١1189(‏ . مآثر الحضارة العربية الإسلمية في الطب 
النفساني . المجلة العربية للطب النفسي 21١ ٠‏ 4ه - 517 :. 

كينغ » دافيد )١991(‏ . علم الفلك والمجتمع الإسلامي . فى : رشدي راشد .. 
وريجيس مورون (إشراف) . موسوعة تاريخ العلوم العربية . الجزء الأول (ص ص . -١17/7‏ 
)2 . بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية . 

ليندبرغ , دافيد (19417) . الاستقبال الغربي لعلم المناظر العربي . في : رشدي راشد . . 


441 


وريجيس مورون (إشراف) . 

موسوعة تاريخ العلوم العربية . الجزء الثاني (ص ص . )477-41١‏ . بيروت : مركز 
دراسات الوحدة العربية . 

محمود , إبراهيم وجيه )١19180(‏ . مدخل علم النفس . القاهرة : دار المعارف . 

مراد . يوسف )١1457(‏ . مبادئ علم النفس . القاهرة : دار المعارف . 

مرحبا ء محمد عبد الرحمن )١19189(‏ . بعض الإيجابيات في تصور علم النفس عند 
ابن سينا (ص . 5*9 -5908) . أبحاث المؤتمر السنوي العاشر لتاريخ العلوم عند العرب . 77 
- 5؟ نيسان ١1985‏ ء اللاذقية سوريا . 

مرمورة » ميخائيل (1980) . تقسيم ابن سينا للعلوم في المدخل من الشفاء . مجلة 
تاريخ العلوم العربية »5 2 799- "١01‏ . 

مصري » محمود (1947) . تدبير الأطفال الجسدي والنفسي في التراث العلمي الطبي 
العربي . رسالة ماجستير غير منشورة في تاريخ العلوم الطبية » جامعة حلب . سوريا . 

موالدي . مصطفى )١1947(‏ . الحساب الذهنى من خلال بعض الخطوطات العربية . 
أبحاث الندوة العالمية الخامسة لتاريخ العلوم عند العرب ١:‏ - 4 نيسان 1497 ء والمنعقدة 
بجامعة غرناطة » اسبانيا . 

موسى . جلال محمد (1977) . منهج البحث العلمي عند العرب . بيروت : دار 
الكتاب اللبنانى . 

نجاتى » محمد عثمان (1980) . الإدراك الحسى عند ابن سيناء . بيروت : دار الشروق . 

نظيف » مصطفى (19147) . الحسن بن الهيثم : بحوثه وكشوفه البصرية . القاهرة : 
جامعة فؤاد الأول . 

هارلوء هاري )١1987(‏ . دراسة سلوك الحيوان . ترجمة كمال دسوقي . في : مناهج 
البحث في علم النفس . الجزء الأول .» ص 447 - 478 . تأليفات . أندروز . أشرف على 
ترجمته يوسف مراد . القاهرة : دار المعارف . 

هول . روبرت (14174) . مثال حاسم على تأثير مباحث علم النفس في العلوم والحضارة 
الإسلامية : بعض العلاقات ما بين علم النفس عند ابن سينا وفروع أخرى لفكره والتعاليم 
الإسلامية . مجلة تاريخ العلوم العربية » 5 -١١‏ *؟1. 

الهوني . فرج محمد (1987) . تاريخ الطب في الحضارة العربية الإسلامية . مصراتة : 
الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان . 


002 


المراجع الأجنبية 


ةو مدل/ا: عأجهل؟ بوع[! .كاكهط كاز 01 /إلنند ذى : مهنوكل .(1941) .5 ,لزع1 81 

مقطط ععل عاطء1طعوعء0) ,ناج عع62ئء8 .كمعتفطلف عنعم01طء لاوم 1016 .(1912) .1 ,تعنوظ 
.1-2 ,3 ,كمع ال2اع 111 دعل عتطممده1 

نفع ءلم .لإع010طاءلا5م 61711262]631م© 01 0565 220 ع1تطهم ع1 .(1937) .3841 ,لرعاامع8 
.452-469 ,50 ,لإعهامطعلاوط 04 [2لكناول 

-ممغعاممة :نملا برعا]8 .لإعه10[مطءلاىم أقامع لم ضمعماء آه لممأقلط ىه .(1957) .8 ,عمكم8 
115 لتنامع 

رالهتآ-عع معو :لإعومع3 بلاعل2 .لاع هأ مطاعلا5م 01 225ع]5لإ5 لقة 21156057 .(1982) .ل ,مومدعوظ 
ف ١١‏ 

.0ع 1 : ده)805 .78/0210 أهناكتلا عط )0 ومأأمععرعم ع1" .(1950) .[ ربوهك016 

36 1ط1آ لإاأووع211ل] 0210لا : علعملا بعلا .متوعط لمة عنرط .(1963) .]1 ,بصموع01 

.1-4 ,20 ,ضملنمععمع2 .عع13م تاغطا 12 1110151085 عممنغان .(1991) .15 ,بممعء 0 

-طاعم لوع1كنإطم0طاءلا5م 2 كة 3515085م60113 3150م 01 100طا2 ع15' .(1928) .5 ,لده 1 [انان 
.4494-6 ,35 ,للاع1/اع1 لأوعاعه[مطء259 .00 

-والقطذ5 .[ ,ذكهقا .لا ,كقعنارآ .) هآ .كالاء 70017612 علكء 01 1115609 .(1988) .(1آ ,رعالاء1آ1 
عآع8 110 :مغممه1' .(37-54) لاأعمقعدع؟1 االعلاء 2001 علا. (.5ل) امسقم )ه1] 

:6 ملإع2010علا5م 01 8156019 عا 0غ 001061102غاها مث .(1986) .8 ,مطقطوععيع1] 
.لإققم0012) عمتطائتاطتاط :طكره 17717505 

0نم ل0غ6غ512مقق]1' . 5عنامه لدعنعه51010لاام هه ع5()دع) 2ا[0طمماعط .(1909) 11 ,عا [مطسساء1] 
5 | طن عع 7ر10 :1ر0ل بوع[8 .11دطاناه5 .ل لزط لعأتلء لمة لامدممعء) 

رع .22ع262012طم أتناكالا 5ه كعلعلامع015 لعاعع[عوع25 5'معمقطام .(1996) .1 ,لجوبره1] 
1203-7 ,25 ,وملامعء 

تقتطماعل2انط .نإعه1أهطاعلاكم صمرعل120 01 2021085نا10 أدع ه215 .(1987) .2 ,رعالدء!1 
.ووع26 لإاأورعء الملا عامصعء1" 

-/ا5كم لة)611122م0© 320 1515م 120علا5م 04 لع0ئناه؟ عط كز مط/3ا .(1999) .0 ,واعع وكا 


. 1-26 ,16 ,قععدعلء5 [2(ع50 عتصيق !15 01 101221 مدعمعممةْ عط16!' لإعمامطء 


013 


-1191 01 7لتاتطع11أمم ث :15100 01 لإع010ئاعل/ا5م عللنقطالا1]2 ع1" .(ؤوع:م 12) .0 ,و1أععة21دل1 
.(دأطدعذف 1لن52) /اذأكرء177منآ 2أ2ةانالطم عمتكا 4ه أجلكتنا0[ .أعهم 

0150765315 /تاع[2 :5102نا!!1 تلتقطانا21-112 د16 .(1999) .11 ,8430232 لقة ,.0 ,داعم 121 
لق 1أطنام 101 لعااتتوطناك أمتوءكنامد1/ا . نتع0[0طءنا5م لقااء2112عماء 01 لكرماقاط عط1' 
عدذللة :علهلا بجع[ .260 ,معط [دع1اع2010ءلز5م 01 5ه 1اناامباء غط1' .(1982) .1 ,لامآ 
/1قم0015©) 28 لاسو تأطنط 

عأء812 دع اعدط0) ع سدلث : 02001.آ .ع501620 ]0 كقللتتطة01) 1256" .(1911) .غآ ومدعوعط 
]1 هل كلمع؟1' . "أناءزولاطم510 )غ625 عط)-ممقطارزد-1د د15 ,(1979) ااعودنظ 
05 أمعع2ه0ء 5'لانقطال21-112 د16 01 2ل058 لدء020111ناقة عط1 .(1971) .ذة ب3وتطقذ ,2,1.34 
فلت ناوت:وت 

-133 .مم) 1.1114 ,كمه ,قعع2عل5 دعل عنزه)0'115 [27230093عاصآ ك5عمع 02 ) لال دعاءعم 
65م لقناذالا 04 معطا امع جقطلف 12 ع20ع192121 30 2001كلء5 .(1978) .ل ,3تطدذ (136 
2 ص[ .دوملامءء 

قلط عغطا هذ 12622721266025 :2م0تأوعع2ع6م ظا 560015 (.05) اأناط سنا" .1 لمة ععسقطعد81 
/لكمء الملا عنهاذ منتط0 :كناطصساه0© .(160-161 .مم) ععمعك؟ لصه لإطمهدملتطم ؟ه بصم 
.ووعج2 

-كلدلء2 ععل امطعومم .دماول؟ 1ه معط 5 اتمطات 21-112 مآ مز كمه .(19892) .ل بقعرط52 
-130 .مم) «عالقطعدمع؟155/ل/ا معطعد تصة1؟كآ]-طءوتطوعة ععل عاغطء طعوع0) كن1 اتاأتأكم1] :رم 
065 انا اناأتاكضآ :0ن13)ظل صنة أمنأعامةم1 .(131 

,34 ,للاعاباع]1 لدعتعه[مطء59 .]2ع لئاز 2)176ئقم 012 01 )اها خ .(1927) ..آ رعومأعصتط1' 
.6- 273 


علم النفس النجريييٍ 
في الثزاك العربئ الإسلامي 


الل ا ا ل ااا 201000ظ 





تخرج عرتبة 0 في م النفس بجامعة الخرطوم : 


0 ري فين اعد الخرطوم » يدن ب ل للا في جامعة البحر 
يشبمنا ل اهتمامه البحثي 1ك ع » وعلم النفس عير ر الثقافي , وتاريخ علم النفم 
درك كنابب ( حلم انض والتابرات ) - الموؤسسة العربية للدراسات والنشرء بيروت ؛ ٠٠٠٠١‏ 


شر له اك رمن 1٠‏ بحثا فى دور وريات عامية [ في أمريكا وبريطانية وألمانية والسؤيد ] » وفي دوريّات 


عرية | لالد لك اس ومعر والسدولة رول والكويت والأردن ولبنان والبخرين ]| . 
اد 01 ) من الرابطة بطة العاميّة لعلم الاجنماع , عام ١444‏ ؛ وجائزة للبحث العلمي” 

م1701 العالية » عام 65 ؛ وجائزة عبد الحميد شوماء ن للباحثين العرب 

الشبان في علم النفس » عام ١35"‏ ؟ وجائرة التمي يز في البحث لبحث العلمي من جامعة الء ين » عام 

1144 

عضو في أكثر من عثبوبشعيات وروابط ومبظمات عالية في علم النفمر 

ل رك اجا لت ” 

ل 0223 اد بطة العالمية لعلم النفس عير الثقافي : والممثل احأكم لشمال إفريقيا 

والشرق الأوسط . 


2- 
أبحقها 
77 


تسة وت حافية لزي رم للكتب ( كوردى - عربي - قارسي ) 


د لق 1< 5 كرون اسص.ب: .61 
93 لانن ا 3لم.203 14م تتتداطاددىو انا 


تابنت اس :70147 /